هل نفقد الثورة بين محاكمات أبدية وفتنة طائفية؟ - محمد أبو الغار

هل نفقد الثورة بين محاكمات أبدية وفتنة طائفية؟، د. محمد أبو الغار.


الثورة المصرية السلمية العظيمة، التى حققت حلماً لم يكن يتخيله أكثر المناضلين تفاؤلاً، هى الآن فى خطر، وهناك ثلاثة مخاطر واضحة أمامى يجب أن نلتفت إليها، ونضع أيدينا سوياً لإنقاذ مصر.

أولها: بخصوص البلاغات والاتهامات والمحاكمات التى تدور مع الذين افتروا على شعبها وسجنوا أبناءها وسرقوا أموالها، السؤال هو: ما الخط الفاصل لإنهاء هذه المحاكمات؟

هناك تباين كبير بين الآراء والأفكار، ولكن دعونا نأخذ مثالاً كثورة شيلى العظيمة، التى قادها الشعب الباسل ضد ديكتاتور رهيب حكم عشرات السنوات، وعذب الشعب وقهره حتى هاجر وهرب الآلاف من المواطنين خارج البلاد، إن شيلى عند قيام ثورتها كانت مشابهة لمصر كدولة من العالم الثالث، يغوص شعبها فى الفقر والبطالة، بعد نجاح الثورة كانت هناك فوضى عظيمة،

وكانت البلاد على وشك الانهيار الاقتصادى، لأن الشركات الأمريكية قررت سحب استثماراتها خوفاً من الفوضى، ومن الجماعات اليسارية التى قادت الثورة، وكانت الثورة حكيمة، إذ قررت أن محاكمات الفاسدين الذين يتجاوز عددهم عشرات الآلاف لن تنتهى قبل قرن من الزمن، فأخذت قراراً مهماً بمحاكمة كبار الفاسدين والمفسدين، ووضعت خطاً تتوقف بعده محاكمة الفاسدين، ثم حددت موعداً لا يجوز بعده التحقيق فى جرائم اقتصادية وقضايا فساد، والأمر الوحيد الذى لم يكن له ميعاد ولا سقف هو تاريخ محاسبة الذين قاموا بتعذيب الشعب أو الاعتداء عليه وقتله، والقرار الآخر الذى اتخذته حكومة شيلى آنذاك هو طمأنة الشركات الأمريكية، وفتح صفحة جديدة معها تسمح بالاستثمار مع الحفاظ على حقوق الدولة وأبنائها.

نحن فى حاجة إلى قرار مشابه، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تم التوافق بين المجلس العسكرى، وحكومة شرف، وجموع المواطنين، الذين قاموا بالثورة على المستوى الذى تتوقف عنده المحاكمات، وتاريخ نتفق أنه لا محاكمات بعده، هذا الأمر ضرورى لعدة أسباب، أولها: عودة الاستقرار فى السوق المصرية، وتهيئة المناخ للاستثمار والعمل، وثانيها: تحفيز المصريين على العمل، لأن استمرار هذه المحاكمات، التى يمكن أن تستمر للأبد، يجعل المصريين ينشغلون بالفرجة على هذا السيرك الكبير، الذى يقوم بدور البطولة فيه الرئيس السابق وكبار الفاسدين حوله، وفى هذا المقام نعلم أن ملايين المصريين يعملون لدى الحكومة المصرية أو يتعاملون معها، فهناك الآلاف من غير الفاسدين من الوزراء ومديرى البنوك وأساتذة الجامعات وكبار موظفى الدولة، ويستثنى من الإعفاء المتهمون بتعذيب وقتل المواطنين، وهو أمر لا يسقط بالتقادم.

وهناك أمر آخر يمكن تنفيذه إذا تم التوافق عليه، وهو أن من حصل على أراضى الدولة بسعر بخس، عليه أن يدفع الثمن الحقيقى، بالإضافة إلى غرامة مماثلة، ويعفى من المساءلة الجنائية إذا لم يكن مسؤولاً فى الدولة، أما الوزير الذى أعطى الأراضى فيجب محاكمته جنائياً.

الأمر الثانى: هل كل ما قام به النظام السابق ضار، ويجب إلغاؤه والقضاء عليه؟ ليس هذا صحيحاً، ففى تقديرى أن مشروع مكتبة الأسرة الذى تبنته حرم الرئيس السابق كان مشروعاً عظيماً أدخل الكتب الرخيصة فى كل بيت، وجعلها فى متناول كل مصرى بسيط لا يقدر على شراء الكتاب الغالى، ورغم أننى كنت من المعارضين الأشداء لتصرفات السيدة سوزان،

وشاركت مع مجموعة 9 مارس فى إصدار بيان عنيف بعد حصولها على الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة، واعترضنا بشدة على تدخلها فى أعمال الحكم، وتبعية بعض الوزارات لها، فإننى أعترض الآن على المحاولات الرجعية، التى تحاول الانتماء للثورة لإلغاء بعض القوانين، التى ساعد فى إصدارها مجلس الأمومة والطفولة بمساندة حرم الرئيس السابق، مثل قانون الخلع الذى يعطى للمرأة حق الطلاق، وهو حق شرعى أقره الأزهر والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وكذلك حق الزوجة المصرية المتزوجة من أجنبى فى حصول أبنائها على الجنسية المصرية، وكذلك القانون الذى يحمى كرامة الطفل اللقيط، وكذلك حضانة الطفل، وكل هذه القوانين قد وافق عليها الأزهر، فقيام بعض المتطرفين أو الذين يريدون إهدار حق المرأة الذى قرره القانون والشريعة هو أمر لا توافق عليه ثورة محترمة.

الأمر الثالث: هو الفتنة الطائفية وما يفعله السلفيون فى أرض الوطن، الفتنة الطائفية ليست وليدة اليوم ولا نتاج الثورة، ولكنها قديمة وقد هبطت حدتها أثناء الفترة الليبرالية، أو فى عصر الحلم القومى، وكذلك فى فترات الصعود الاقتصادى، وكانت وطأة الطائفية تزيد حدتها عند غياب الدولة، ومع الضغوط الاقتصادية وتحت وطأة الحكم الديكتاتورى، وأعتقد أن أحد أسباب الفتنة الطائفية هو عدم المساواة بين المواطنين المصريين والجهل والغضب الذى يسود فى تجمعات الفقراء،

وقد قام بلطجية الحزب الوطنى قبل الثورة بمساعدة المتطرفين فى الصعيد وفى الأحياء الشعبية بالاعتداء على الأقباط وعلى الكنائس، وقد شهدت مصر فى الآونة الأخيرة هجوماً سلفياً للاستيلاء على مساجد الدولة، ومن ضمنها مساجد مهمة، مثل مسجد النور وهددوا علناً بمحاصرة الكاتدرائية، وقام بعض شيوخهم من على المنابر وبعض القنوات التليفزيونية بتهديد الفتيات اللاتى يمشين فى الشوارع دون حجاب بضربهن، وأخيراً ساروا مسافة 2 كيلومتر فى أحد شوارع إمبابة ليحرقوا كنيسة بالكامل، وأخيراً قرأنا فى جريدة «الوفد» على صفحة كاملة أن أقباطاً اختطفوا فتاة مسلمة واعتدوا عليها.

المشكلة هى عدم معرفة الحقيقة بدقة، وعدم تطبيق القانون فى معظم الأحوال، وتنازل الدولة عن حقها بالموافقة على المصالحات العرفية، الطريقة الوحيدة لإيقاف مسلسل الفتنة الطائفية هى أن ينال كل مخطئ- بمن فى ذلك المحرضون- جزاءهم بمحاكمات عادلة سريعة.

يا أهل مصر اتحدوا جميعاً، وتحالفوا لنصرة الثورة.

قوم يا مصرى مصر دائماً بتناديك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر