نص خطاب أسامة بن لادن 15 ذو الحجة 1423 هـ – 16 فبراير/شباط 2003 م

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد الذي أنزل على عبده ورسوله آية السيف ليحق الحق ويبطل الباطل.


فالحمد لله القائل: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:5]، والحمد الله القائل: {قَاتِلُوَهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة:14].


والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل: ”بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجُعل رزقي تحت ظل رمحي وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم“ [رواه الإمام أحمد] ، والقائل: ”أخرِجوا المشركين من جزيرة العرب“ [متفق عليه] .


أما بعد:


ففي الوقت الذي تسيل فيه دماء المسلمين وتهدر في فلسطين والشيشان والفلبين وكشمير والسودان، ويموت أطفالنا بسب الحصار الأميركي في العراق، وفي الوقت الذي لم تلتئم جراحنا بعد، منذ الحروب الصليبية على العالم الإسلامي في القرن الماضي، ونتيجة لاتفاقية "سايكس-بيكو" بين بريطانيا وفرنسا، والتي أدت إلى تقسيم العالم الإسلامي إلى قطع وأشلاء، ومازال عملاء الصليبيين يحكمونها إلى اليوم، إذ بأجواء اتفاقية سايكس بيكو تطل علينا من جديد؛ إنها اتفاقية "بوش - بلير" ولكنها تحت نفس الراية ولنفس الغاية، إنها راية الصليب، وغايتها تحطيم ونهب أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم.


إن اتفاقية "بوش - بلير" تزعم أنها تريد القضاء على الإرهاب، فلم يعد يخفى حتى على العوام أنها تريد القضاء على الإسلام ، ومع ذلك يؤكد حكام المنطقة في الخطابات والخطب تأييدهم لبوش في محاربة الإرهاب - أي في محاربة الإسلام والمسلمين - في خيانة واضحة للملة والأمة ، معتمدين على مباركة علماء السلاطين ووزراء البلاط.


فكما أنه لا يخفى أن الاستعداد الحالي للهجوم على العراق ما هو إلا حلقة في سلسلة الاعتداءات المعدة لدول المنطقة، بما فيها سوريا وإيران ومصر والسودان، إلا أن التركيز لتقسيم بلاد الحرمين يأخذ نصيب الأسد في خطتهم، مع العلم أنه هدف استراتيجي قديم، منذ أن نقل ولاؤها من بريطانيا إلى الولايات المتحدة منذ ستة عقود، وقد حاولت أميركا قبل ثلاثة عقود تنفيذ هدفها هذا في أعقاب حرب العاشر من رمضان ، يوم هدَّد رئيسها "نيكسون" بغزو بلاد الحرمين على الملأ، ولم يتيسر له ذلك في وقتها بفضل الله، ولكن مع بداية حرب الخليج الثانية أنشأت أميركا قواعد عسكرية مهمة وخطيرة، منتشرة في بلاد الحرمين، وخاصة قرب العاصمة، ولم يبق لهم إلا التقسيم، واليوم يبدو أن الوقت المناسب للتقسيم قد حان في نظرهم، فحسبنا الله ونعم الوكيل.


فخلاصة الأمر؛ أن استهداف أميركا للمنطقة عموماً وتقسيم بلاد الحرمين خصوصاً ليس سحابة صيف عابرة، وإنما هو هدف استراتيجي لا يغيب عن نظر السياسة الأميركية الماكرة.


فماذا أعدت الحكومات في المنطقة لمقاومة هذا الهدف الاستراتيجي العدواني؟


لا شيء يذكر سوى زيادة في الولاء للصليبيين، أضف إلى ذلك اجتماع وزراء الداخلية العرب المنتظم لمحاربة المجاهدين والتضييق على الدعاة والعلماء الصادقين الذين يسعون لتنبيه الأمة وإيقاظها للدفاع عن نفسها.


وإن من أهم أهداف هذه الحملة الصليبية الجديدة تهيئة الأجواء وتمهيد المنطقة بعد التقسيم لقيام ما يسمى بدولة إسرائيل الكبرى، التي تضم داخل حدودها أجزاء كبيرة من العراق ومصر مروراً بسوريا ولبنان والأردن وكامل فلسطين وأجزاء كبيرة من بلاد الحرمين.


وما أدراك ما إسرائيل الكبرى ، وما سيصيب المنطقة من ويل وثبور؛ إن ما يجري لأهلنا في فلسطين ما هو إلا نموذج يراد تكراره في سائر المنطقة على يد التحالف "الصهيوأميركي"؛ قتل للرجال والنساء والولدان، وسجون وإرهاب وتهديم للبيوت وتجريف للمزارع، ونسف للمصانع، والناس في خوف دائم ورعب جاثم ينتظرون الموت في كل لحظة من صاروخ أو قذيفة تهدم بيتاً وتقتل أختاً وتئد رضيعة، فماذا نجيب ربنا غداً؟


إن ما يجري هناك لا يحتمله أولو البأس من الرجال، فكيف بحال الأمهات المستضعفات وهن يرين أطفالهن يقتلون بين أيديهن؟


إنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم إني أبرأ إليك من فعل هؤلاء من اليهود والنصارى والحكام الخائنين ومن كان في حكمهم، وأعتذر إليك من فعل هؤلاء القاعدون عن نصرة الدين.


وإن مما يعنيه قيام إسرائيل الكبرى؛ هو خضوع دول المنطقة لليهود، وما أدراك ما يهود، يهود افتروا على الخالق فما بالك بالمخلوق؟ يهود قتلة الأنبياء ونقضة العهود، قال الله عنهم: {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة:100]، إنهم يهود أرباب الربا وأئمة الخنا، لن يبقوا لكم شيئاً لا دنيا ولا دين، قال الله عنهم: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً} [النساء:53]، إنهم يهود يعتقدون ديانة أن الناس عبيد لهم ومن أبى فحده القتل، قال الله تعالى عنهم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:75].


هذه بعض صفات اليهود فاحذروهم! وهذه بعض ملامح المخطط الصليبي فقاوموه!


والآن كيف السبيل لكف بأس الكفار وإنقاذ بلاد المسلمين؟


فللإجابة على هذا السؤال أقول - وبالله التوفيق - كما قال العبد الصالح نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].


فالسبيل لكف بأس الكفار هو الجهاد في سبيل الله كما قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} [النساء:84].


وابتداءً؛ أبشركم بفضل الله أن الأمة اليوم عندها من الطاقات الهائلة ما يكفي لإنقاذ فلسطين، وإنقاذ باقي بلاد المسلمين، ولكن هذه الطاقات مقيدة فيجب العمل على إطلاقها، كما وأن الأمة موعودة بالنصر، لكن إذا تأخر النصر فبسبب ذنوبنا وقعودنا عن نصرة الله ، قال تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، والأمة موعودة بالنصر أيضاً على اليهود كما أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث قال: ”لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر؛ يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعالَ فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود“ [رواه مسلم].


ففي هذا الحديث تنبيه أيضاً إلى أن حسم الصراع مع الاعداء إنما يكون بالقتل والقتال، لا بتعطيل طاقات الأمة لعشرات السنين عبر طرق أخرى كخدعة الديمقراطية وغيرها .


وبعد هذه المبشرات أتحدث إليكم عن بعض الامور التي تساعدنا على الجهاد في سبيل الله، ومنها ذكر بعض الوقائع والحروب التي انتصر فيها المسلمون خلال العقدين الماضيين مما يزيد من ثقة أبناء الأمة بأنفسهم، لما لذلك من أهمية في تعبئة الأمة لتدافع عن نفسها ضد التحالف الصليبي الصهيوني.


وفي الحقيقة؛ أن الأمة الإسلامية هي القوة البشرية العظمى إن أقامت دين الإسلام حقاً، وهذا ما أثبته التاريخ خلال القرون الماضية، وهي قادرة على قتال ومقاومة ما يسمى بالدول الكبرى.


وقبل ذلك سأذكر حادثة ذات صلة بموضوع قتال القوى الكبرى؛


ذكر أهل السير أن المثنى الشيباني رحمه الله جاء إلى المدينة يطلب مدداً من الخليفة لقتال الفرس، فندب الخليفة عمر رضي الله عنه الناس ثلاثة أيام فلم يخرج أحد، ففطن عمر رضي الله عنه لما في نفوس الناس من عقدة قتال القوى العظمى، فأمر المثنى أن يحدث الناس بما فتح الله عليه ضد فارس ليزيل ما بأنفسهم، فقام المثنى فتكلم ونشَّط القوم، فكان مما قال: (يا أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه فإنا قد تبجحنا فارس وغلبناهم على خير شقي السواد وشاطرناهم ونلنا منهم وأجترأ من قِبلنا عليهم، ولها إن شاء الله ما بعدها)، فتحمس الناس، فقام أبو عبيد الثقفي وعقد له الخليفة اللواء وتتابع القوم رضي الله عنهم [الكامل في التاريخ 2/432-433].


وأنا أقول متشبهاً بأولئك الكرام؛


يا أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه، لا يعظمنَّ عليكم وجه أميركا وجيشها، فقد ضربناهم والله مراراً وهزموا تكراراً، وإنهم أجبن قوم عند اللقاء، وقد تبين لنا من مدافعتنا ومقاتلتنا للعدو الأميركي أنه يعتمد في قتاله بشكل رئيس على الحرب النفسية نظراً لما يمتلكه من آلة دعائية ضخمة، وكذلك على القصف الجوي الكثيف إخفاءً لأبرز نقاط ضعفه وهو الخوف والجبن وغياب الروح القتالية عند الجندي الأميركي، ولولا ضيق المقام لحدثتكم عن ذلك، أشياء تكاد لا تصدق في قتالنا لهم في تورابورا وفي أفغانستان، وأرجو الله أن ييسر وقتاً ونتحدث عن ذلك بالتفصيل.


وابتداءً أذكركم بهزيمة بعض القوى الكبرى على أيدي المجاهدين:


1. فأذكركم بهزيمة الاتحاد السوفيتي سابقاً والذي أصبح أثراً بعد عشر سنين من القتال الضاري على أيدي أبناء الأفغان ومن ساعدهم من أبناء المسلمين بفضل الله .

2. وكذلك هزيمة الروس في بلاد الشيشان وضرب المجاهدون أروع الأمثلة في التضحية والفداء، فحطم المجاهدون الشيشان مع إخوانهم العرب والأنصار كبرياء الروس فكبدوهم الخسائر تلو الخسائر فانسحبوا مدحورين بعد الحرب الأولى، ثم إن الروس رجعوا مرة أخرى بدعم أميركي ومازالت روسيا إلى الآن تتكبد الخسائر الفادحة من فئة قليلة مؤمنة نرجو الله أن يثبتهم وينصره.


3. كما أذكركم بهزيمة القوات الأميركية عام 1402 للهجرة، عندما اجتاح بنو إسرائيل لبنان، فقدمت المقاومة اللبنانية شاحنة مملوءة بالمتفجرات إلى مركز القوات الأميركية – المارينز - في بيروت فقتل منهم أكثر من 240 قتيلاً، فإلى جهنم وبئس المصير.


4. ثم بعد حرب الخليج الثانية أدخلت أميركا جيوشها إلى الصومال وقتلوا 13 ألفاً من أبناء المسلمين هناك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعندها وثب أُسْدُ الإسلام من العرب الأفغان فانبروا لهم مع إخوانهم في تلك الأرض فمرَّغوا كبرياءها في الطين، فقتلوا منهم ودمروا من دباباتهم وأسقطوا من طائراتهم، ففرت أميركا وحلفاؤها في ليل مظلم لا يلوي أحدٌ على أحد، فلله الحمد والمنَّة .


5. وفي تلك الفترة أعد شباب الجهاد عبوات ناسفة ضد الأميركيين في عدن، فانفجرت فما كان من الجبناء إلا أن فروا في أقل من 24 ساعة.


6. ثم في عام 1415 للهجرة وقع انفجار في الرياض قتل بسببه أربعة من الأميركيين، وكان رسالة واضحة تبين اعتراض أبناء المنطقة على السياسة الأميركية في دعم اليهود واحتلال بلاد الحرمين.


7. ثم في العام الذي يليه وقع انفجار آخر في الخبر، قتل بسببه 19 وجرح أكثر من 400، واضطر بعدها الأميركيون لنقل مراكزهم الكبرى من المدن إلى قواعد في الصحراء.


8. ثم بعد ذلك أيضاً في عام 1418 للهجرة هدَّد المجاهدون أميركا على الملأ بضرورة الكف عن مساعدة اليهود والخروج من بلاد الحرمين، فرفض العدو التحذير وتمكن المجاهدون بفضل الله من صفعه صفعتين عظيمتين في شرق إفريقيا .


9. ثم حُذِّرت أميركا مرة أخرى ولم تستجب، فوفق الله المجاهدين في عملية استشهادية عظيمة، فدمرت المدمرة الأميركية "كول" في عدن، فكانت صفعة مدوية في وجه العسكرية الأميركية، كما كشفت العملية عن عمالة الحكومة اليمنية كسائر دول المنطقة .


ثم إن المجاهدين لما رأوا أن عصابة الإجرام الأسود في البيت الأبيض تصور الأمر على غير حقيقته، بل يزعم زعيمهم - الأحمق المطاع - أننا نحسدهم على طريقة حياتهم، وإنما الحقيقة التي يخفيها فرعون العصر أننا نضربهم بسبب ظلمهم لنا في العالم الإسلامي وخاصة في فلسطين والعراق واحتلالهم في بلاد الحرمين، ولما رأى المجاهدون ذلك قرروا أن يتخطوا التعتيم وينقلوا المعركة إلى وسط أرضه وفي عقر داره.


وفي يوم الثلاثاء المبارك في الثالث والعشرين من جماد الثاني لعام 1422 للهجرة، الموافق للحادي عشر من سبتمبر عام 2001 للميلاد، كان التحالف "الصهيوأميركي" يحصد أبناءنا وأهلنا في أرض الأقصى المبارك بطائرات ودبابات أميركية وأيدٍ يهودية، وأبناؤنا في العراق يقضون نحبهم نتيجة الحصار الظالم من أميركا وعملائها، وفي المقابل كان العالم الإسلامي يعيش في حالة من البعد الشديد عن إقامة الدين حقاً، وبينما الأمور على تلك الحال من الإحباط واليأس والتسويف عند المسلمين - إلا من رحم الله - ومن الظلم والغرور والعدوان عند التحالف "الصهيوأميركي"، فقد كانت بلاد "العم سام" في غيها سادرة، بطغيانها هادرة، مصعرة خدها للناس، تمشي في الأرض مرحاً لا تبالي بأحد، وتظن ألا سبيل إليها. إذ رموا بثالثة الأسافي وما أدراك ما ثالثة الأسافي، عندما وثب شعث الرؤوس، مغبرو الأقدام، المطاردون في كل مكان، {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:13]، وربط على عقيدتهم وكتب الإيمان في قلوبهم، فلم يخشوا في الله لومة لائم، يبتغون ما عند الله تعالى، تأبى نفوسهم أن تنام على الضيم، يريقون ماء الحياة ولا يريقون ماء المحيا، فأغاروا بطائرات العدو في عملية جريئة جميلة ما عرفت البشرية لها مثيلاً، فحطموا أصنام أميركا، فأصابوا وزارة الدفاع في صميم فؤادها، وأصابوا الاقتصاد الأميركي في سويداء قلبه، فأرغموا أنف أميركا في التراب ومرغوا كبرياءها في الطين، فانهار برجا نيويورك ، وبذلك الانهيار انهار ما هو أعظم وأضخم:


- فانهارت أسطورة أميركا العظمى.

- وانهارت أسطورة الديمقراطية.

- وظهر للناس أن قيم أميركا في السافلين.

- وتحطمت أسطورة أرض الحرية.

- وتحطمت أسطورة الأمن القومي الأميركي.

- وانهارت أسطورة الـ "سي آي إي" ، فلله الحمد والمنة.


وكان من أهم الآثار الإيجابية لغزوتي نيويورك وواشنطن أنها كشفت حقيقة الصراع بين الصليبيين والمسلمين، وأظهرت ضخامة العداء الذي يُكنُّه لنا الصليبيون عندما نزعت الغزوتان جلد الشاة عن الذئب الأميركي وظهر على حقيقته البشعة، واستيقظ العالم أجمع من الرقاد، وانتبه المسلمون إلى أهمية عقيدة الموالاة في الله والمعاداة في الله، وقويت روح الأخوَّة الإيمانية بين المسلمين، مما يعتبر خطوة عظيمة نحو توحيد المسلمين تحت كلمة التوحيد لقيام الخلافة الراشدة بإذن الله، وبدا ظاهراً للناس أن أميركا هذه القوة الظالمة، يمكن أن تضرب، ويمكن أن تذل وتهان وتقهر.


ولأول مرة تعي غالبية الشعب الأميركي حقيقة القضية الفلسطينية وأن ما أصابهم في "مانهاتن" كان بسبب سياسة حكومتهم الظالمة.


وخلاصة الأمر؛ أن أميركا دولة عظمى ذات قوة عسكرية ضخمة وذات اقتصاد عريض، ولكن كل ذلك على قاعدة هشة، لذا فإنه بالإمكان استهداف تلك القاعدة الهشة والتركيز على أبرز نقاط الضعف فيها وإذا ما ضربت في عُشر معشار تلك النقاط، فإنها - بإذن الله - ستترنح وتنكمش وتتخلى عن قيادة العالم وظلمه.


ولقد استطاع عدد يسير من فتية الإسلام، رغم وقوف التحالف الدولي ضدهم أن يقيموا الحجة على الناس بوجود القدرة على مقاومة ومقاتلة ما يسمى بالقوى العظمى، واستطاعوا أن يدافعوا عن دينهم وأن ينفعوا قضايا أمتهم أكثر مما فعلته حكومات وشعوب بضع وخمسين دولة في العالم الإسلامي، لأنهم اتخذوا الجهاد سبيلاً لنصرة الدين، وكما قال أبو هلالة:


وللنصر أسباب وللخُسر مثلها *** وكل فريق يورث الخلد رابح

دروب العلا شتى وأقصرها التي *** تريق الدما في جانبيها الزحازح


وأمثال هؤلاء الفتية الأبطال في الأمة كثير - بفضل الله - ولكنهم مقيدون، فينبغي علينا أن نتعاون جميعاً لفك قيودهم لينطلقوا مجاهدين في سبيل الله، لأن الجهاد هو سبيل عز هذه الأمة وأمنها.


وإن القيود والسدود التي تحول بين شباب الأمة وبين انطلاقها للجهاد كثيرة، إلا أننا سنتحدث عن أهمها، وبين يدي ذلك أذكر حديثاً من الصحيحين من اهتدى به سلك ومن ضل عنه هلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد“ [متفق عليه] ، فاعتبروا يا أولي الأبصار، فهذا من أسباب هلاكنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


وأذكر كذلك قصة إسلام خالد رضي الله عنه لتتحرر العقول من التبعية العمياء، فقد قيل له بعد أن أسلم متأخراً: (أين كان عقلك يا خالد فلم تر نور النبوة بين ظهرانيكم منذ عشرين سنة؟!)، فقال: (كان أمامنا رجال كنا نرى أحلامهم كالجبال).


قال الإمام أحمد رحمه الله: (من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال) [أعلام الموقعين 2/211].


وأول هذه القيود والسدود في عصرنا الحاضر؛ هم الحكام و شهداء الزور من علماء السوء ووزراء البلاط وأصحاب الأقلام المأجورة ومن شابههم.


فأما الحكام فقد اتفق الناس على عجزهم وخيانتهم.


وأما الذين يطالبون الناس بأن يضعوا أيديهم في أيدي هؤلاء الحكام برغم كل ذلك، نقول لهم؛ متى نزعت الشعوب أيديها من أيدي الحكام حتى يُنصحوا بأن يعيدوا أيديهم مرة أخرى؟! فهذا لم يحدث، والنتيجة كما ترون، هيمنة الكفار علينا، وقد قيل:


ومن خانه التدبير والأمر طائع *** فلن يحسن التدبير و الأمر جامح


فخلافنا مع الحكام ليس خلافاً فرعياً يمكن حله، وإنما نتحدث عن رأس الإسلام، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فهؤلاء الحكام قد نقضوها من أساسها بموالاتهم للكفار وبتشريعهم للقوانين الوضعية ، وإقرارهم واحتكامهم لقوانين الأمم المتحدة الملحدة، فولايتهم قد سقطت شرعاً منذ زمن بعيد، فلا سبيل للبقاء تحتها، والمقام لا يتسع لوصف هذا الأمر هنا، ولكن قد ذكرنا أقوالاً لأهل العلم رحمهم الله في البيان السابع عشر الصادر عن هيئة النصيحة والإصلاح.


وبعد ذلك نقول؛ هل يمكن لمسلم أن يقول للمسلمين؛ ضعوا أيديكم في يد "كرزاي" للتعاون في إقامة الإسلام ورفع الظلم وعدم تمكين أميركا من مخططاتها؟! فهذا لا يمكن ولا يعقل، لأن كرزاي عميل جاءت به أمريكا، ومناصرته على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام العشرة، مخرج من الملة.


وهنا لنا أن نتساءل؛ ما الفرق بين كرزاي العجم وكرزاي العرب؟ من الذي ثبت ونصب حكام دول الخليج؟ إنهم الصليبيون، فالذين نصبوا كرزاي كابول وكرزاي باكستان، هم الذين نصبوا كرزاي الكويت وكرزاي والبحرين وكرزاي قطر و غيرها.


ومن الذين نصبوا كرزاي الرياض وجاءوا به بعد أن كان لاجئاً في الكويت قبل قرن من الزمان ليقاتل معهم ضد الدولة العثمانية وواليها ابن الرشيد؟ أنهم الصليبيون ومازالوا يرعون هذه الأسر إلى اليوم، فلا فرق بين كرزاي الرياض وكرزاي كابول، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} [الحشر:2]، قال تعالى {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلائِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر:43].


إن الحكام الذين يريدون حل قضايانا ومن أهمها القضية الفلسطينية عبر الأمم المتحدة أو عبر أوامر الولايات المتحدة، كما حصل بمبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز في بيروت ووافق عليها جميع العرب، والتي باع فيها دماء الشهداء وباع فيها أرض فلسطين، إرضاء ومناصرة لليهود وأميركا على المسلمين، هؤلاء الحكام قد خانوا الله ورسوله وخرجوا من الملة وخانوا الأمة.


كما أقول أيضاً: إن الذين يريدون أن يحلوا قضايانا عبر هؤلاء الحكام العجزة الخونة قد خدعتهم أنفسهم وخادعوا أمتهم، وركنوا إلى الذين ظلموا وضلوا ضلالاً مبنياً، وأحسن أحوالهم أنهم عاجزون فاسقون، فينبغي على المسلمين أن ينصحوهم، فإن لم ينتصحوا فليحذروهم وليحذروا منهم، ويجب على المسلمين أن كذلك يتبرءوا من هؤلاء الطواغيت، ولا يخفى أن التبرؤ من الطاغوت ليس من نوافل الأعمال، وإنما هو أحد ركني التوحيد فلا يقوم إيمان بغيرهما، قال تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256].


وأما علماء السوء ووزراء البلاط وأصحاب الأقلام المأجورة وأشباههم؛ فكما قيل: (لكل زمن دولة ورجال)، فهؤلاء هم من رجال الدولة الذين يحرِّفون الحق ويشهدون بالزور حتى في البلد الحرام، في البيت الحرام، في الشهر الحرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويزعمون أن الحكام الخائنين ولاة أمر لنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقولون ذلك من أجل تثبيت أركان الدولة، فهؤلاء قد ضلوا سواء السبيل فيجب هجرهم والتحذير منهم .


وإنما تركز الدولة على علمائها وتظهرهم في برامج دينية للفتوى من أجل دقائق معدودة يحتاجهم فيها النظام كل مدة لإضفاء الشرعية عليه وعلى تصرفاته [28]، فما حصل يوم أن أباح الملك بلاد الحرمين للأميركيين فأمر علماءه فأصدروا تلك الفتوى الطامة [29] التي خالفت الدين واستخفت بعقول المسلمين، والمؤيدة لفعله الخائن في تلك المصيبة العظيمة، والأمة اليوم إنما تعاني ما تعانيه من مصائب وخوف وتهديد من جراء ذلك القرار المدمر وتلك الفتوى المداهنة.


ومن قرأ سيرة الأئمة الصادقين في أيام المحن كسيرة الأمام أحمد بن حنبل وغيره رحمهم الله علم الفرق بين العلماء العاملين والعلماء المداهنين - كما في سير أعلام النبلاء وغيرها - وقال الشاعر:


نرقع دنيانا بتمزيق ديننا *** فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع


وأما السد الثاني؛ فهم العلماء والدعاة المحبون للحق الكارهون للباطل القاعدون عن الجهاد، تأولوا تأولاً فصدوا الشباب عن الجهاد ولا حول ولا قوة إلا بالله، هؤلاء رأوا الباطل ينتشر ويزداد، فتداعوا للقيام بواجب نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واهتدى وتفقه على أيديهم خلق كثير، وحسناً فعلوا، وجزاهم الله خيراً على ذلك، إلا أن الباطل يضيق صدره بالحق وأهله، فشرع في مضايقتهم وإخافتهم ومنعهم من الخطب والدروس وفصلهم من وظائفهم ثم سجن من أصر على مواصلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


إن هذه الضغوط الشديد أدت تدريجياً إلى انحراف المسار - إلا من رحم الله - وهذا أمر بدَهَي لأن الإنسان لا يستطيع أن يتخذ القرار الصحيح في ظل أوضاع غير صحيحة وخاصة من الناحية الأمنية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان“ [رواه الإمام أحمد] ... هذا إذا كان غضبانا، فكيف إذا كان خائفاً؟


فالتخويف الذي تمارسه الدول العربية على الشعب قد دمر جميع مناحي الحياة بما فيها أمور الدين، إذ الدين النصيحة، ولا نصيحة بغير أمن.


وقد قَسَّم الخوف الناس إلى أقسام، وسنتحدث عن بعضهم:


1. فقسم انتكس والتحق بالدولة ووالاها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

2. وقسم بدا له أنه لن يستطيع أن يستمر في الدعوة والتدريس ويؤمن معهده أو جمعيته أو جماعته، ويؤمن نفسه وجاهه وماله إن لم يمدح الطاغوت ويداهنه، فتأوَّل تأؤُّلاً فاسداً فضلَّ ضلالاً مبيناً وأضل خلقاً كثيراً.

3. وقسم آخر حفظهم الله من مجاراة الحكام الخائنين ومداهنتهم، وحرصوا على البقاء تحت راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد كانت لهم جهود مشكورة في الدعوة إلى الله، إلا أن الضغوط - التي سبق ذكرها - كانت كبيرة جداً، ولم يهيئوا أنفسهم لتحملها، ومن أهمها تكاليف الهجرة والجهاد.


وقد كانت الفرصة متاحة منذ أكثر من عقدين ولم يستفيدوا منها، مما أفقدهم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح - إلا من رحم الله - في مثل هذه الأيام العصيبة، ولذا نرى فريقاً منهم مازالوا إلى الآن لم يتخذوا قرار الجهاد والمقاومة.


إن نصرة الدين وإقامته لها تكاليف عظام وصفات واضحة في كتاب الله وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سيرة الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فمن لم يتصف بهذه الصفات لا يستطيع أن يقوم بنصرة الدين، هذه الصفات ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].


وفي الخبر الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وورقة بن نوفل، قال ورقة: ”يا ليتني فيها جذعاً أكون حياً حين يخرجك قومك“، فقال رسول الله عليه وسلم: ”أَوَ مخرجيَّ هم؟! “، فقال ورقة: ”نعم! لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُوديَ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً“ [متفق عليه].


فحال من يريد أن يتحمل الدين بحق، هو العداء من أهل الباطل، لا التعايش - كما نرى ولا حول ولا قوة إلا بالله - مع أهل الباطل، وحال من أراد إقامة الدين هو السعي في نصرته بالنفس والنفيس، كما قال ورقة: (إن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً).


وكذلك كان الحال يوم بيعة العقبة؛ فنصرة الدين ليست دروساً تعطى فقط، والدين لا يقوم على فتات أوقاتنا وأموالنا، وإنما سلعة الله غالية، فشتان شتان بين الجلوس وتقديم الدروس وبين تقديم النفوس والرؤوس لنصرة الله، لذا فإن العباس بن عبد المطلب - وقد كان على دين قومه - أراد أن يطمئن على ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم عند الأنصار، فكان مما قاله: (فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصيرة بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة فإنها سترميكم عن قوس واحدة).


فأقول؛ هذه الصفات كانت مطلوبة لأهل الإيمان لحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مطلوبة اليوم أيضاً لحفظ دين رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ثم بعد أن أنهى العباس كلامه، قال البراء بن معرور من الأنصار: (قد سمعنا ما قلت، وإنا والله لو كان في أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله).


فأقول؛ هكذا الدين، إنما يقوم بالوفاء والصدق وببذل المهج من أجل المنهج، ثم لما قاموا للمبايعة، قال أسعد بن زرارة: (رويداً يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي، إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله)، فقالوا: (يا أسعد أمِطْ عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها)، هكذا كانت صفات الذين يريدون أن يحموا ويقيموا دين الإسلام رضي الله عنهم.


وكذلك اليوم يقول المجاهدون للعلماء والدعاة الذين يحبون الحق ولا يداهنون الباطل؛ فأنتم قد رفعتم راية دين الإسلام، وتعلمون أنه دين رسول الله حقا،ً وإن حملكم له بحق يعني مفارقة حكومات العرب والعجم في الأرض كافة وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فحافظوا على الراية وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروا راية المدافعة والمقاتلة ولا تحولوا بين شباب الأمة والجهاد في سبيل الله، فهو أعذر لكم عند الله.


والآن نتحدث عن ما هو واجب المسلمين تجاه هذه الحرب الصليبية الصهيونية ضد أمة الإسلام:


قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} [النساء:84] [30] إن أوجب الواجبات بعد الإيمان اليوم هو دفع وقتال العدو الصائل، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وأما دفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا، لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط) [الإختيارات العلمية، ملحق بالفتوى الكبرى 4/608]، فالجهاد اليوم متعين على الأمة بأسرها وهي واقعة في الإثم إلى أن تخرج من أبنائها وأموالها وطاقاتها ما يكفي لقيام الجهاد الذي يدفع بأس الكفار عن جميع المسلمين في فلسطين وغيرها.


فيجب على المؤمنين أن يجاهدوا لإحقاق الحق وإبطال الباطل، كلٌ بحسب طاقته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: ”فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل“ [رواه مسلم]، وهذا الحديث العظيم يشمل جميع المؤمنين، فبما أننا مؤمنون إذن فنحن مجاهدون في سبيل الله لنصرة الدين، فالمؤمن الذي عجز عن الجهاد بيده ولسانه يجب عليه أن يجاهد بقلبه، ومن ذلك أن يستمر في بغض أعداء الله ويدعو عليهم وأن يستمر في موالاة المؤمنين والمجاهدين ويدعو لهم ويستشعر الأخوَّة الإيمانية التي تربطه بالمسلمين في جميع مشارق الأرض ومغاربها، وينبغي أن يستشعر أن أهل الإيمان في فسطاط واحد وأن أهل الكفر في فسطاط واحد إلى أن يمن الله على الأمة بدولة تضم المسلمين تحت لوائها بإذن الله، وينبغي أن يحدث نفسه بالجهاد في سبيل الله بيده ولسانه، وهذا أضعف الإيمان وينبغي عليه مقاطعة بضائع أميركا وحلفائها، وليحذر المؤمن كل الحذر من أن يؤيد الباطل، فإن مناصرة الكافرين على المسلمين - ولو بكلمة - كفر بواح كما قرر بذلك أهل العلم ، وليحذر من أن يكون من الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:24]، أو من الذين قال الله فيهم {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ البَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً} [الأحزاب:18] فلا يجمع بين كبيرة القعود وكبيرة التخذيل.


والجهاد بالنفس اليوم وإن كان متعيناً على الأمة بأسرها إلا أنه في حق الشباب آكد مما هو في حق الكهول والشيوخ. وكذلك الجهاد بالمال المتعين اليوم هو في حق أصحاب الأموال آكد مما هو في حق غيرهم.

ومن فضل الله على الأمة اليوم أن شرح الله صدور كثير من شبابها للجهاد في سبيله، والزود عن دينه وعباده، فيجب على الأمة أن تعينهم وتشجعهم وتيسر أمورهم ليدافعوا ويدفعوا عنها الظلم والخزي والإثم، ويجب على الأمة أيضاً أن تحافظ على الجهاد القائم اليوم، وأن تنصره بكل ما أوتيت من قوة، فهو عزيز جداً كما هو في فلسطين والشيشان وأفغانستان وكشمير وإندونيسيا والفلبين وغيرها من بلاد الإسلام، فإن الجهاد في هذه الدول لم تبق رايته مرفوعة بعد فضل الله، رغم الهجمة الشرسة من الأعداء، إلا ببذل ما لا يوصف من العناء والدماء والأشلاء، نرجو الله أن يتقبلهم في الشهداء.


وأبشركم أن الجهاد في أفغانستان قائم اليوم بشكل جيد والحمد لله، والأمور تسير نحو الأحسن لصالح المجاهدين بفضل الله، وها نحن في السنة الثانية من القتال ولم تستطع أميركا أن تحقق أهدافها، وإنما تورطت في المستنقع الأفغاني، وأما ما اعتبرته أميركا في الأشهر الأولى للحرب بأنه انتصار بعد أن استولت على المدن نتيجة إخلاء المجاهدين لها، فإنه لا يخفى على الخبراء العسكريين عامة والعارفين بأفغانستان خاصة أنه كان انسحاباً تكتيكياً يتماشى مع طبيعة دولة الطالبان ومع طبيعة الأفغان في تاريخهم الطويل مع حروب العصابات، فلم يكن هناك جيش نظامي لدولة الطالبان حتى يدافع عن المدن، لذا لجأ الأفغان - بعد الله - إلى قوتهم الكامنة في قدراتهم لشن حروب العصابات من عمق جبالهم الوعرة، وبنفس التكتيك الذي قهروا به - بفضل الله - جيش الاتحاد السوفيتي من قبل، فقد ثبت ذلك بعد أن بدأت حرب العصابات وارتفع معدل العمليات إلى عمليتين يومياً.


فالأميركيون في ورطة حقيقية اليوم، فلا هم يستطيعون حماية قواتهم ولا قادرين على تشكيل دولة تحمي رئيسها فضلاً عن أن تحمي الآخرين، فقد تم - بفضل الله - التنسيق مع جميع المجاهدين خلال العام المنصرم، والجميع متحمسون للجهاد ويرونه واجباً عليهم، ولولا قلة الإمكانيات لتيسر رفع عدد العمليات يومياً إلى الحد الذي كانت عليه في الجهاد السابق ضد الروس، وهذا ما لا يحتمله الأميركيون .


لذا فإنه من الواجب المتعين على الأمة اليوم، أن تدعم الجهاد عموماً بما في ذلك فلسطين وأفغانستان، وهذه المحاور من أهم المحاور التي ينبغي التركيز عليها، لاستنزاف اليهود حلفاء الأميركيين، ولاستنزاف الأميركيين حلفاء اليهود، وإن هزيمة أميركا في أفغانستان - بإذن الله - تكون بداية النهاية لها، ولن تؤتوا بإذن الله من قِبَلنا مع إخواننا المجاهدين الأفغان بإذن الله فنرجو ألا نؤتى من قبلكم.


والأمة اليوم بين يدي يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه العجز ولا البغي وينبغي أن تتجمع فيه زحوف المسلمين ضد زحوف الكافرين، وينبغي فيه التوبة من الذنوب والكبائر، كما ينبغي على الأمة بين يدي هذا الأمر العصيب الذي هو جِدٌ ليس بالهزل أن تهجر حياة اللهو واللعب والإسراف والترف، وأن تخشوشن وتتهيأ للحياة الحقة، حياة القتل والقتال والضرب والنزال.


وإليكم ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في فتنة مشابه لما نحن فيه الآن، فقال:


(واعلموا - أصلحكم الله - أن النبي قد ثبت عنه من وجوه كثيرة أنه قال؛ ”لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة“ [رواه مسلم]، فهذه الفتنة قد تفرق الناس فيها ثلاث فرق:


الأولى: الطائفة المنصورة وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين.

الثانية: الطائفة المخالفة؛وهم هؤلاء القوم ومن تحيز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام.

الثالثة: والطائفة المخذلة؛وهم القاعدون عن جهادهم وإن كانوا صحيحي الإسلام.


فلينظر الرجل أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة، فما بقي قسم رابع). إنتهى حديثه رحمه الله.


ويقول رحمه الله أيضاً: (حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم حاضرين في هذا الزمان لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين، ولا يفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته وسفِه نفسه، وحُرم حظاً عظيماً من الدنيا والآخرة). انتهى كلامه [كتاب الجهاد، لشيخ الإسلام، ج 2/ص 58 فما بعدها].


ثم إني أوصي الشباب بالاجتهاد في الجهاد، فهم أول المعنيين بفرضيته اليوم كما أشار إلى ذلك الشاطبي رحمه الله في الموافقات.


واعلموا أن استهداف الأميركيين واليهود بالقتل في طول الأرض وعرضها من أعظم الواجبات وأفضل القربات إلى الله تعالى ، كما أوصيهم بالالتفاف حول العلماء الصادقين والدعاة المخلصين العاملين، وأوصيهم بالاستعانة على قضاء حوائجهم بالكتمان، ولا سيما في الأعمال العسكرية الجهادية.


وأبشركم عامة وإخواننا في فلسطين خاصة، أن أخوانكم المجاهدين ماضون في طريق الجهاد لاستهداف اليهود والأميركيين، وما عملية "ممباسا" إلا بداية الغيث بإذن الله سبحانه وتعالى، وإننا لن نخذلكم فامضوا وواصلوا القتال على بركة الله، ونحن معكم ماضون مقاتلون بإذن الله.


وقبل الختام أحرض نفسي وإخواني المؤمنين على الجهاد في سبيل الله بقول القائل:


وإني لمقتادٌ جوادي وقاذف *** به وبنفسي العام إحدى المقاذف

فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن *** على شرجعٍ يعلى بخضر المطارف

ولكن قبري بطن نسر مقيله *** بجو السماء في نسور عواكفِ


وأمسي شهيداً ثاوياً في عصابة *** يصابون في فج من الأرض خائف

فوارس من شيبان ألَّف بينهم *** تقى الله نزالون عند التزاحف

إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى *** وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف


وفي الختام؛


أوصي نفسي وإخواني المسلمين بتقوى الله في السر والعلن، وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بأن يقبل توبتنا ويفرج كربتنا.


{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].


ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يفك أسرانا من يد الأميركيين وعملائهم وعلى رأسهم الشيخان؛ عمر عبد الرحمن ، وسعيد بن زعير وإخواننا في "جوانتانامو"، وأن يثبت المجاهدين في فلسطين وينصرهم وباقي بلاد الإسلام، وأن ينصرنا على عدونا.


كما أوصي نفسي وإياكم؛ بكثرة الذكر وقراءة القرآن وتدبره ففيه الموعظة والشفاء والهدى والرحمة، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] ...


{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [يوسف:21].


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.