مقالات قديمة

هذه مجموعة من المقالات القديمة للأديبة والمفكرة غادة عبد المنعم




. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العرب القادمون من جوانتانامو بين الرعب الأمريكى ورعب عودتهم للوطن

ما نشرته جريدة الواشنطن بوست حول رغبة ستة معتقلين جزائريين الاستمرار فى البقاء بسجن جوانتانامو بدلا من العودة إلى الجزائر خوفا من التعذيب أو القتل، لم يكن مفاجئا لا لجمعيات حقوق الإنسان العالمية، ولا للمهتمين والمتابعين للشأن العربى، وبالطبع ولا لنا نحن العرب، فكما نعلم جميعا هناك دائما هذا الرعب المبرر لدى المعتقلين العرب فى البلدان الأوربية والأمريكية، من ترحيلهم للمحاكمة أو السجن فى بلادهم خوفا من التعذيب على يد الحكومات فى استجوابات لن تنتهى أو خوفا من استمرار تعذيبهم عند إعادة استدعائهم للمسائلة القانونية مع كل عملية إرهابية تحدث فى بلدانهم، هذا إذا تم بالفعل الوفاء بوعد إطلاق سراحهم بعد ترحيلهم من البلاد التى تم سجنهم بها.

ولا شك انه مما شجع الجزائريين الستة على تفضيل البقاء بسجن جوانتانامو بدلا من العودة لبلادهم معرفتهم الوثيقة أن قرار اوباما بإغلاق هذا السجن حتى وإن كان قد تأخر تنفيذه حيث كان قد وعد بإتمام الإغلاق فى يناير الماضى، فانه لاشك سوف يتحقق فيكون مصيرهم للترحيل لسجن أقل وطأة داخل الولايات المتحدة أو على الأقل البقاء مؤقتا فى ظروف صارت منذ تولى أوباما رئاسة الولايات المتحدة أكثر إنسانية داخل جوانتانامو وبالتأكيد أكثر أمنا على حياتهم.
الجانب الآخر الذى يثير خوف معتقلو جوانتانامو هو قوة التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم القاعدة وخلاياه فى بعض هذه البلدان مما قد يعرضهم للقتل على يد الجماعات التى كانوا ينتمون لها بتهمة خيانة الجماعة أثناء التحقيقات معهم، أو التعرض لضغوط هذه الجماعات لمعاودة الانضمام لها، وهناك أيضا الخوف من احتمالية تعرض أسرهم للاضطهاد من قبل السلطات الأمنية أو الخلايا الإرهابية إثر عودتهم لبلادهم.
وقد تكون حالة الجزائر الأمنية مستقرة حيث لا تتخوف الحكومة الأمريكية من معاودة العائدين لها لمزاولة نشاط إرهابي، فلا توجد بالجزائر خلايا نشطة للقاعدة كما هو الحال باليمن والعراق والتى يتخوف بعض سكانها من عودة المعتقلين السابقين بجوانتانامو لها ليعود معهم لتنظيم القاعدة الاقليمى المزيد من القوة، وهو التخوف الذى ردده - على الأقل - زعماء قبائل الأنبار العراقيين أمس فى اجتماعهم. وهو أيضا التخوف الذى يسبب الكثير من القلق للأمريكان منذ حادثة محاولة تحطيم طائرة ديترويت. وكذلك فإن الحكومة الأمريكية من جهة أخرى تدعى اطمئنانها لحالة حقوق الإنسان بالجزائر، حيث تؤكد أنها أرسلت خلال سنوات حكم الرئيسين بوش و اوباما عشرة معتقلين جزائريين إلى بلادهم وأن أيا منهم لم تتم إدانته بعد محاكمته"، وقد أكد مسئول في الإدارة الأمريكية أن "السلطات الجزائرية تعاملت بشكل جيد مع هذا الملف ولم تعرض أي من المرحلين إليها للتعذيب".
وهو ما يبدو كأنه رد حاسم برفض بقاء الجزائريين الستة فى جوانتانامو أو احتمالية ترحيلهم للسجن بالولايات المتحدة أو حتى احتمالية إعادة توطينهم فى دول أخرى. وعلى الرغم من هذا فمن المعروف طبقا لما أورده تقارير حقوق الإنسان الدولية الصادرة من جمعيات حقوقية موثوقة أن حرب الحكومة الجزائرية على الجماعات المتطرفة قد أودت بحياة 200 ألف شخص خلال الثماني أعوام المنصرمة وهو ما يثير التساؤل ويضع علامة استفهام حول سلامة المرحلين للجزائر حتى وان كانت هناك جهات تؤكد على ذلك. وعلى جانب آخر فمن المعروف أن مجمل عدد للمعتقلين الجزائريين بسجن جوانتانامو كان يقدر تقريبا بـ 25 معتقلا من أصل 250 كانوا يقبعون في السجن عند تسلم الرئيس الأميركي باراك اوباما مهامه. وكذلك فمن المعروف أنه عدد المعتقلين اللذين تم ترحيلهم من جوانتانامو يصل لـ 570 معتقلا تم ترحيلهم إلى 37 دولة. ذلك منذ افتتاح المعتقل على يد الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن فى عام 2002. وبعيدا عن سجناء الجزائر واللذين ينظر لهم بقليل من القلق فان السجناء اللذين يحظون بأكبر قدر من القلق من ذووى الأصول العربية هم المعتقلين من أصل يمنى أما اللذين تتحفظ الولايات المتحدة على إرسالهم لبلادهم العربية بسبب الوضع المقلق لحقوق الإنسان بها وخوفا من تعرضهم للتعذيب فهم أصحاب الأصول الليبية والسورية والتونسية. المعتقلين يعاد تأهيلهم ولكن..؟

و من المعروف أنه بالإضافة لمسألة التخوف على سلامة المرحلين بعيدا عن جوانتانامو فهناك إشكالية أكثر خطورة أمنيا، خاصة بالنسبة للأمن الأمريكى، وهى عودة من يتم إعادة تأهيلهم من المساجين السابقين فى معتقل جوانتانامو للانخراط فى صفوف القاعدة من جديد ذلك بعد عودتهم لبلادهم العربية وهو ما تم كشفه فى يناير الماضى بعد عملية طائرة ديترويت. وكان البيت الأبيض قد أعلن في الخامس من يناير الماضى تعليق عمليات نقل السجناء من جوانتانامو إلى اليمن، وذلك بعد مطالبات من أعضاء الكونجرس وعلى اثر تبين أن النيجيري المتهم بمحاولة تفجير الطائرة الأميركية التى كانت تنقل نحو 300 شخص يوم عيد الميلاد أثناء رحلة بين أمستردام وديترويت، تلقى تدريبات في معسكرات للقاعدة في اليمن على يد اثنين من مؤسسي التنظيم اليمنى وهما معتقلان سابقان فى جوانتانامو هما سعيد الشهري ومحمد العوفي.

وكذلك فإن عددا من أفراد التنظيم كانوا أيضا من نزلاء معتقل جوانتانامو. ومع ذلك فقد استمرت الحكومة اليمنية فى مطالبتها واشنطن تسليمها رعاياها من المعتقلين في جوانتانامو واللذين وصل عددهم تقريبا لـ 30 سجين يمنى، مؤكدة أنها قادرة على إعادة تأهيلهم. ومن اللافت للنظر أن ما تؤكد اليمن أنها قادرة عليه وهو إعادة تأهيل هؤلاء المعتقلين السابقين تنفيه المملكة العربية السعودية حيث تم نشر تقرير أمنى منذ ثلاث أسابيع ذكر فيه أحد المصادر الأمنية السعودية أن حوالي 25 معتقلا سابقا في سجن جوانتانامو عادوا مرة أخرى والى صفوف المتشددين ذلك بعد إعادة تأهيلهم بانضمامهم إلي برنامج إعادة تأهيل لأعضاء القاعدة في السعودية. وكانت السعودية قد قدمت نموذجا طيبا لإعادة التأهيل حيث وضعت السجناء العائدين من جوانتانامو وآخرين يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة في برنامج لإعادة التأهيل يتضمن مراجعات دينية يقوم بها رجال دين ومساعدات مالية لبدء حياة جديدة.
ولكن نتائج هذا البرنامج لم تصل لـ 100% وهو ما ذكره عبد الرحمن الهدلق مدير عام الإدارة العامة للأمن الفكري بوزارة الداخلية السعودية حيث أكد أن إلى أن الروابط الشخصية القوية بين السجناء السابقين وأيضا أساليب الولايات المتحدة القاسية كانتا هما السبب في أن حوالي 20 بالمائة من السعوديين العائدين من جوانتانامو عادوا إلى التطرف مقارنة مع 9.5 بالمائة من المشاركين الآخرين في برنامج إعادة التأهيل. ذلك وكان عدد المعتقلين السعوديين في جوانتانامو الذين تم ترحيلهم إلى بلادهم قد وصل لـ120 معتقلا. وكانت السعودية قد أخضعت منهم 111 معتقلا سابقا لبرنامج لإعادة التأهيل بهدف إعادة إدماجهم في المجتمع. إذن بعيدا عن مطالبات المعتقلين الجزائريين الستة والتى يبدو أنها لا تهم أحد بقدر ما تهمهم هم وأسرهم يبقى أن الإشكالية الكبرى للمعتقلين العرب السابقين جوانتانامو هى ما يمثله عودتهم من خطر على الأمن القومي فى الدول التى يعودون لها خاصة داخل شبه جزيرة العرب فى المثلث الأخطر والأنشط لخلايا القاعدة ( العراق – اليمن – ثم السعودية)، وبالطبع الخطر الذى يمثلونه على الأمن الأمريكى باحتمالية عودتهم لصفوف القاعدة. 

26 يوليو 2010





تأملات فى أزمة اليونان المالية؟

عند تأمل وضع اليونان فى أزمتها الاقتصادية الحالية والحلول التى تقدم بها وساهم فى تنفيذها الاتحاد الأوربى لتسوية أوضاعها ومساعدتها فى سد عجز ميزانيتها سنجد أن دول الاتحاد الأوربى قد ألزمت اليونان بالحل التقليدى لأزمتها، حيث قدمت لها قرض مالى مرفق بشروط لخفض الإنفاق الحكومى وغير ذلك من الإجراءات المتبعة لمزيد من التقشف ، وعلاوة على أن حل القرض المالى الميسر قد أثبت فى غالب الأحوال أنه حل غير عملى لتسوية أزمات الدول الاقتصادية حيث يحملها مستقبلا بضغوط سد القرض وفوائده، وهو ما يدفع الدولة المتأزمة لمزيد من الإجراءات الضاغطة التى تفرضها على المواطنين من زيادة فى الضرائب وهو ما سيؤدى غالبا لكثير من الإضرابات ولتدهور أحوال الطبقات الوسطى والطبقات منخفضة الدخل والتى غالبا ما ستتسع ويزيد عدد أفرادها حيث ستستقبل الكثير من أفراد الطبقة المتوسطة ممن ستتدهور أحوالهم من سيء لأسوأ

ونعلم جميعا ومن العديد من التجارب المؤلمة للكثير من دول العالم الثالث أن قروض الحكومة والتى كثيرا ما تؤدى لزيادة نسبة الفقراء فى أى دولة ولمزيد من الإجراءات التى غالبا ما تعوق التنمية الاقتصادية، يجب أن تعتبر دائما حلا أخيرا لا تلجأ له الدول المتأزمة اقتصاديا إلا بعد نفاذ جعبتها وعدم تمكنها من الانخراط فى وسائل أكثر ملائمة لحل مشاكلها ، وفيما يخص اليونان كان على اليونان من جهة وعلى دول الاتحاد الأوربى من جهة أخرى أن يتعاملا مع أزمتها المالية كما تتعامل كتلة واحدة مع مشكلة جزء منها لا كما يمكن لدول الاتحاد أن تقدم مساعدة لدولة ليست عضوا فيه لحل مشاكلها الاقتصادية.. وقد كان أولى بالاتحاد أن يقوم سواء بناء على مبادرة من دوله أو بعد مطالبة من اليونان بعدد من الإجراءات البسيطة التى من شأنها أن تقدم حلا تلقائيا لمشاكل اليونان فكان بإمكانه

مثلا: 1- تشجيع السياح الأوربيين على الارتحال لليونان لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مستخدمين تذاكر طيران وقطارات مخفضة – وهو الإسهام الذى كان يمكن لرجال الأعمال والدول التى تستثمر فى وسائل المواصلات أن يرحبوا بتقديم الكثير من التسهيلات فيه – وقد كان من شأن هذا الإجراء البسيط أن يضيف لدخل اليونان الكثير من السيولة وهى سيولة ستتوجه مباشرة لجيوب المواطنين وستساهم فى رفع متوسط دخل المواطن اليوناني وتوفر للكثيرين فيه عملا مؤقتا، وبالتالي ستساهم فى تنشيط المبيعات وما قد يتبعه من تنشيط مباشر للاقتصاد اليونانى ، وكان بالإمكان تسمية تلك المبادرة بمسمى ثلاث ليال أجازة من أجل اليونان وكان من شأن مثل تلك الدعوة أن تلقى إقبالا من الأوربيين حيث أنها ستزيد من تأصيل مشاعر الوحدة الاقتصادية وتفعل تلك الوحدة فى نفوس المواطنين فى جميع أنحاء أوربا وسترسى تقليد اقتصادى جديد لدى المواطن الأوربى فى مواجهة الأزمات الاقتصادية التى تواجه دول الاتحاد.

2- كان بإمكان الاتحاد الأوربى وبالاتفاق مع الحكومة اليونانية حث رؤوس الأموال المستثمرة فى أصول صناعية سهلة التحرك، حثها على التحرك للعمل داخل اليونان، وهو ما يعنى أن يتم نقل بعض المصانع السهلة النقل والتى تقوم بالتجميع والتعبئة لليونان، ذلك بدافع الاستفادة مثلا من أجور العمال المنخفضة التى ستكون بلا شك أقل عن مثيلاتها فى باقى أوربا، أو بأي دوافع أخرى يتم تقديمها كحوافز مؤقتة لجذب رؤوس الأموال من باقى أوربا وذلك بعد اتفاق اليونان مع غيرها من دول الاتحاد على خصها ببعض المميزات الاستثنائية لجذب هذه الأموال وذلك لعدد محدود من السنوات وحتى يتم لليونان التعافى من أزمتها الاقتصادية.
3- الإجراء الثالث – وهو عكس الإجراء الثانى – وهو تصدير بعض العمالة من اليونان للعمل فى دول أوربية أخرى وهو تحريك قد يتم بناء على رغبة من العمال اليونانيين وبدافع ذاتى منهم أو بالاتفاق بين دول الاتحاد ولمدة محدودة. إن هذه الإجراءات الثلاث هى صورة لما يمكن اتخاذه أو تشجيعه من إجراءات غير تقليدية لحل أزمة اقتصادية لدى دولة تتميز عن غيرها من الدول بوجودها صمن اتحاد اقتصادى، وهو ما يعنى بشكل بديهى سيادة مبدأ الوحدة الاقتصادية الواحدة، بمعنى تضامن كل أجزاء الاتحاد لإنقاذ الجزء المتضرر وحتى لا تتسع رقعة الضرر وتضم إليها دول قد تكون على وشك التضرر الاقتصادي - وهو وضع ممكن فى حالة الاتحاد الأوربى بسبب وحدة العملة وسهولة الحركة للمواطنين ولرؤوس المال – والإجراءات من هذا النوع هى إجراءات قد تؤدى لخسائر قليلة لكل دولة أوربية على حدى ولكن من شأنها تقديم إنقاذ سريع للدولة التى تتعرض لمشكلة ضخمة 
والمدهش فى طريقة الاتحاد الأوربى فى تقديم الحلول الاقتصادية لدوله أنه يبدو دول ومواطنين كمن لم يستوعب حقيقة وحدته بعد..؟ فالاتحاد الذى نشأ أساسا كاتحاد اقتصادى بعدما توفرت له كل مؤهلات هذا التوحد من سهولة تنقل للعمال ولرؤوس الأموال وبعد سيادة ثقافة التنقل عبر الكتلة الأوربية الواحدة والذى دعمت وحدته بعد زوال العقبة الوحيدة المتبقية والتى كانت تتمثل فى تعدد العملات النقدية والاتفاق شبه الكامل على استخدام عملة اليورو الموحدة فى معظم دوله، مازال حتى الآن يدفع لحل مشكلات الدول المكونة له بنفس التصور الذى كان يستخدمه منذ خمسين عاما ماضية عاجزا بعد عن استيعاب حقيقة واقع الاتحاد الاقتصادى ، حيث يقصر إدراكه لهذا الواقع فقط على المصالح النفعية لحرية تنقل رأس المال والبشر دون أن يوسع إدراكه ليرى احتمالات ومناطق جديدة لحل المشكلات الاقتصادية للأجزاء المكونة لوحدته.

18 اكتوبر 2010




شكرا أسامة سرايا .. فقد أوضحت كل شىء بالمختصر المفيد

لا أقبل الضغوط‏..‏ ولا أنحني إلا لله مبـارك في خطابه أمـام مجلسي الشـعب والشـوري‏:‏نحاذر من قفزات غير محسوبة تعرض تجربتنا الديمقراطية للأنتكاس، مشكلاتنا لا تستعصي علي الحل وطموحاتنا وآمالنا قابلة للتحقيق،أدعو الحكومة إلي تحقيق نتائج يلمسها المواطن في مجالات التعليم والصحة والنقل والإسكان.


أن نظرة واحدة على الصورة التى نشرتها جريدة "الأهرام" كبرى الجرائد القومية “الحكومية “ المصرية وأكثرها انتشارا فى مصر فى عددها الصادر يوم 20 نوفمبر الحالى، تظهر بوضوح وضع النظام الحاكم فى مصر كما تظهر المحتوى التحتى لخطاب الرئيس مبارك(19 نوفمبر) وطموحه وما يسعى لتنفيذه..

اتفق الحظ من جهة وحصافة "أسامة سرايا" رئيس تحرير "الأهرام" (ربما) من جهة أخرى على اختيار هذه الصورة لتتصدر الصفحة الأولى فى الأهرام الجريدة الأكثر انتشارا وتوزيعا وحكومية فى مصر، و أسامة سرايا رئيس التحرير الجديد نسبيا للأهرام " تولى رئاسة تحريرها منذ عام تقريبا" لم يكن توليه رئاسة تحرير الأهرام خلفا لإبراهيم نافع بمفاجأة، حيث عرف فى الوسط الصحفى بأنه الطفل المدلل لرئيس تحرير الأهرام ورئيس مجلس ادارتها السابق والذى كان يعتبر أحد أهم رجالات السلطة قبيل الاستغناء عنه حيث يشاع عن "نافع" أن ثروته ليست فقط نتاج نصيبة السنوى من إعلانات مؤسسة الأهرام والذى يبلغ عدة ملايين، ولكنها أيضا وفى قسمها الأكبر ناتجة عن تجارة السلاح والتى يشاع أن نافع يشاركها أو يسمسر فيها لصالح بعض شخصيات السلطة فى مصر..

الصورة التى نشرتها الأهرام تظهر الرئيس مبارك والذى يشغل منصبه منذ عام 1981 ، وهو على المنصة متوجها لإلقاء خطابه، متوسطا  إثنين من عتاة رجاله، صفوت الشريف والذى بقى وزيرا للإعلام منذ 1982 ولمدة 22 عاما حتى استقالته فى 2004 ويشغل حاليا منصبى رئيس مجلس الشورى وأمينعام الحزب الوطنى الحاكم، وفتحى سرور رئيس مجلس الشعب الحالى والذى يشغل منصبه منذ عام 1990 عقب توليه منصب وزير التعليم لمدة أربعة أعوام . الصورة تظهر الرئيس المصرى وهو على المنصة (فى مركز السلطة) كما تظهر رجاله (وابتسامة عريضة على وجوههم بينما يصفقون له بحماس) وهما فى حالة استحسان وإظهار لاستحسانهم للرئيس، ودون قصد ربما من من التقط الصورة ومن نشرها ، تشى الصورة بما عرف عن الرئيس المصرى من أنه يعصف بكل من يظهر ولو قدر قليل من المخالفة له ولا تقبل شخصيته العسكرية الحاسمة والصارمة جدا أى خلاف للرأى معه. ثم أن هذه الابتسامات المستبشرة تأتى على وجهى رجلين هما رجل المخابرات السابق "رئيس مجلس الشورى الحالى" الذى لم ينجو من الإطاحة بهدف تحسين الصورة (صفوت الشريف) ورجل القانون السابق "رئيس مجلس الشعب" والذى نجا من عمليات الإطاحة والتبديل فى العاميين الماضيين واستطاع حتى الآن الحفاظ على منصبه ( وكلاهما يرمز لسلاحين أثيرين لدى أى نظام غير ديمقراطى وهما المخابرات ومقاولين تفصيل وتفسير القوانين والدساتير ) والمدهش فى الأمر أن هذين الرجلين على وجه الخصوص يشيرا (فى علاقتهما الحالية بالنظام) لأزمة النظام الذى يسعى لإظهار نفسه بمظهر المتجدد والعفى وغير الديكتاتورى بينما لا يستطيع التخلى عن بعض سماته وعن عتاقته ورجاله الذين تعدوا السبعين، فهو يواجه أزمة عدم ثقته فى رجال أكفاء جدد يمكنهم القيام بأدوارهم التى رسمت لهم ، كما يواجه خيبة أمل أتباعه حيث قد يظهره تخليه عنهم بمظهر النذل الذى تخلى عن رجاله ممن خدموه وهو ما قد يثير قلق وخوف المرشحين الجدد للخدمة ، كما أنه يواجه نفوذ هؤلاء ممن تربعوا على كراسيهم لعشرات السنين واكتشافه أنهم قد قربوا لهم ووضعوا فيما يليهم من مراكز رجالا لا يصلحون لشىء فاختفى من بعدهم جيل ثانى يتمتع بالكفائة والذكاء ويمكن أن يصبح موضع ثقة النظام، وهى الاشكالية التى واجهها النظام عندما حاول تجديد صورته فى العامين الماضيين فواجهته صدمة عدم وجود من يصلح فى الجيل التالى ممن دون السبعين ( إما لعدم توفر الثقة فيه أو لعدم اختباره بعد). 

لذا نجد أن النظام مازال حائرا حتى الآن فى من يخلف فتحى سرور كما أنه مضطرا لإرضاء صفوت الشريف بعد خدماته الكبرى التى قدمها على مدار سنوات وعقود طويلة، فمن المعروف أن صفوت الشريف والذى كان يعمل ضابط مخابرات قد بقى وزيرا للإعلام منذ بداية حكم مبارك تقريبا وحتى 2004 وقد تم الاستغناء عن خدماته كوزير إعلام فى حركة تجميلية لتمنح الوزارة لممدوح البلتاجى الذى أثار الكثير من المشكلات فى فترة شهور بعدم كياسته فمنحت لأنس الفقى وهو يمثل أحد أهم أفراد الحرس الجديد أو "الفكر الجديد" كما يحب أبنائه تسمية أنفسهم و أوكلت للفقى مهمة تنفيذ سياسة إعلامية جديدة تظهر الحكومة بمظهر أكثر ديمقراطية وتفتحا وتعد العدة لتقبل جمال مبارك شعبيا وهى المهمة التى وجد أنس الفقى فى تنفيذها الكثير من الصعوبة حتى الآن بسبب العقول المتحجرة التى تحيط به داخل النظام أو داخل الوزارة .. وكان قد تم إرضاء صفوت الشريف بمنصب أمين عام الحزب الوطنى ورئيس مجلس الشورى حيث منح الفتات لإنقاذ ماء الوجه فقط لاغير فالجميع داخل وخارج مصر يعلم أن منصب رئيس لجنة السياسات والذى يشغله نجل الرئيس مبارك ( جمال مبارك) والذى من المفروض أن يكون منصبا فرعيا فى الحزب أصبح المنصب الأهم فى الحزب الوطنى بعد شغل جمال مبارك له وصار يفوق منصب أمين الحزب أهمية <وإن كان لا أحد يدرك ما الذى يحدث فى الخفاء فى الصراع القائم والمكائد السرية بين طرفى الحرس القديم ( جماعة فوق السبعين) والجديد (جماعة جمال مبارك)>. ثم هناك فتحى سرور (الناجى) وهو يمثل الجانب الآخر من رجال النظام والذين نجحوا حتى الآن فى البقاء فى أماكنهم ومعروف عن فتحى سرور أنه كان أثناء ممارسته للمحاماة من أمهر المحامين فى قضايا المخدرات ومعروف أيضا أن دائرته الانتخابية ( منطقة السيدة زينب) محجوزة له وأنه صاحب جمايل هامة على المخلصين من رجاله قد تصل كما يشاع لتمكنه فى عدة سنوات من رفع أحد معاونيه من حاصل على شهادة الإعدادية للحصول على الدكتوراة خلال عدد من الإختبارات المفبركة والرسائل العلمية المشتراه . وفتحى سرور الذى تعدى السبعين يسيطر كما هو معروف سيطرة تامة على مجلس الشعب ومناقشاته، يرفض ما يرغب من طلبات إحاطة، ويقبل ما يرغب، كما يسيطر على لجان المجلس التى تناقش القوانين وتقترحها ويساعده فى ذلك مهارته القانونية والأغلبية المطلقة لرجال الحزب الوطنى فى مجلس الشعب ولجانه. والطريف فى الصورة التى نشرتها الأهرام أنها إلى جوار ما تحمله من دلالات تتعلق بوجود "الشريف" و"سرور" مبتسمين ومستبشرين وهما يصفقان بأيديهما فقد وشت بما ضمه خطاب الرئيس مبارك حيث أظهرت الرئيس وهو يفرد يديه محييا للجمهور ومبتسما وهى الحركة التى عرف عنه استخدامها لتحية الجماهير ولكنها أيضا الحركة التى يمكن أن تشير لمعنى (وماذا أفعل لكم.. سيبقى الحال كما هو عليه ..!!) وهو ما أكده مبارك فيما بعد فى خطابه لمن انتظروا تصريحاته حول التغييرات الدستورية التى تتناول مسألة تداول السلطة حيث أكد مبارك فى خطبته بقائه فى الحكم طالما بقى على قيد الحياة عندما أشار من طرف لاستمراره فى تحمل المسئولية طالما بقى به نفس، لذا فلم يكن غريبا تحدث الرئيس مبارك فى خطابه عن تقدمه باقتراح لتغيير المادة 76 من الدستور وهى المادة اللتى تنص على ( أنه يلزم لقبول الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية الحصول على التأييد "المطلق" نسبة 65% على الأقل من أعضاء مجلس الشعب و25% على الأقل من أعضاء مجلس الشورى وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبى محلى من أربع عشر محافظة على الأقل " النصف تقريبا " ولا يجوز تأييد جهة واحدة أو شخص واحد لأكثر من مرشح للرئاسة وليس من حق الأحزاب ترشيح مرشح للرئاسة إلا فى حالة حصولها على نسبة 50% على الأقل من مقاعد المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى) أو بمعنى آخر وباختصار لا يجوز الترشح للرئاسة سوى لشخص واحد يرشحه الحزب الحاكم!! بينما يغفل الكلام عن تعديل دستورى للمادة 77 والتى تقر أنه يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى دون أن تقيد هذا الجواز بعدد من المرات أو السنين. وقد استطات منشتات الأهرام المقتطفة من خطاب الرئيس مبارك والمرفقة بالصورة أن تضيف للصورة المزيد من الدلالات والتأكيدات حيث قال فيها الرئيس مبارك ( لا أقبل الضغوط ولا أنحنى إلا لله) والجملة رغم ما تبدو عليه من أنها موجهة للخارج وتتناول مسألة الضغوط الأمريكية على وجه الخصوص (وهى الضغوط التى تقبل بها كل الأنظمة الحاكمة فى الشرق الأوسط العربى تقريبا) إلا أنها إلى جوار الصورة ثم جملة المانشيت التى تليها والمقتطعة أيضا من خطاب الرئيس مبارك (نحاذر من قفزات غير محسوبة تعرض تجربتنا الديمقراطية للانتكاس) تبدو كأنها تهديد موجه للداخل وعموما فإن من لم يشاهد الخطاب أو يسمع عنه إلا عند رؤيته لجريدة الأهرام سيجد من الطبيعى تماما أن لا يذكر الرئيس المادة 77 ، فكما قال فى المانشيت الثالث (مشكلاتنا لا تستعصي علي الحل وطموحاتنا وآمالنا قابلة للتحقيق) ولا يخفى عن ذهن الأذكياء أن (نا الفاعلين هنا) تعود ( ربما) على النظام الحاكم الذى يجد إلى جوار مشكلاته فى عمل ديكور جديد مشكلة فى توريث الحكم ولكن لأن النظام الحاكم يعلم أن الغالبية من الجماهير المصرية بما فى ذلك أبناء الطبقة المتوسطة لا يعترضوا ولن يعترضوا على مسألة توريث الحكم. بل ربما يحبذون تولى جمال مبارك لرئاسة الجمهورية بعد والده حيث أن النظام الحاكم المصرى (الحالى) لم يترك شخصا واحدا نظيفا أوحسن السمعة فى حيز الإضاءة والشهرة السياسية ولأن الغالبية من الجماهير المصرية تردد لنفسها أن كل من يمسك أو قد يمسك بالسلطة فى مصر لابد وأن يكون حرامى، لذا فإن المصريين بقدرتهم الشهيرة على التواءم ( ويمكن أن نسميها الخزلان أيضا) يقولون أن جمال (الشبعان) أفضل من غيره الذى لابد سوف يبدأ فى السرقة والتكويش ما أن يمسك بالسلطة ويبدو أن النظام الحاكم وعلى رأسه رئيس الجمهورية يدرك أنه لا خوف من الجماهير وليس هناك من يهدد وراثة عرش مصر ولأن تغيير المادة 76 من الدستور هو مزيد من الديكور ولأنه لن يتولى أحدا غير مبارك أو ابنه السلطة ( هذا ما يردده النظام الحاكم لنفسه) فإنه لن يتم الاقتراب من المادة 77 حتى يستمر الحكم لأى حاكم منهما لأبد الآبدين .. شكرا أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام على الصورة والمانشتات التى أضافت المزيد من الوضوح لما هو جلى وواضح وأقول للساده رجالات النظام لا تزعجوا أنفسكم بمزيد من الديكور ورطوش التجميل فالشعب يعلم دوره جيدا وهو جاهز لأن يقول نعم ، فمن أين له القوة ولا القدرة لتحدى مشيئة من لا ينحنى إلا لله .. يا سادة النظام توكلوا على الله ..


 21نوفمبر 2006 




على عهدة الجنود الإسرائليون العائدون من رعب قرية "تعيبة" :

ليس مغفلا .. لا ..حزب الله يعرف جيدا كيف يقاتل..!!

صورة قلمية من الحدود اللبنانية الإسرائيلية بقلم ستيفن فاريل – مجلة التايم البريطانية

هذا المقال الذى نشر الأسبوع الماضى فى مجلة التايم البريطانية ( 5أغسطس) والمكتوب بأسلوب أدبى مؤثر، يشعر أى عربى أو مسلم بالفخر.. المقال يشرح ببساطة قوة حزب الله..كما يظهر الرعب الذى أحدثه فى قلوب الجنود الإسرائيلين ، المقال يشعرك أيضا بالقلق خوفا على حزب الله وعلى لبنان .. خوفا من أن تستمر الحرب إلى ما لا نهاية.. خوفا من أن يأتى يوما تنتهى فيه قوة حزب الله ثم وهذا هو الأدهى تنتهى فيه لبنان ..

بعد أسبوع من القتال الضارى مابين جنود إسرائيل و مقاتلى حزب الله فى قرية "تعيبة" اللبنانية انسل مئات من الجنود الإسرائيلين المنهكين عائدين عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية بعدما رأوا بعيونهم أصعب قتال خضوه يوما ما ..

عادوا مجهدين من جحيم المعركة المتعبة بشكل لا نهائى، وجوههم بين المصفرة والسوداء، جميعهم من الألم تنتابهم سكرة.. الأدرنالين يفيض فى دمائهم من الخوف.. " كنت أرغب فى قتال حزب الله.. قتلت ثلاثة منهم "هذا ما قاله واحدا منهم وهو يعانق زميله..

ما أن عبروا إحدى ضواحى المدن الإسرائيلية ( لا يمكن ذكر اسمها لأسباب امنية) توقفوا ونظفوا مدافعهم (الام 16) الاتوماتيكية.. إنها المهمة الأخيرة لهم قبل أن يستريحوا، ما إن وصل بعضهم حتى مد يده وفتح تليفونه المحمولة متلهفا ليتصل بأسرته أوخطيبته..أما بعضهم الآخر فقد سقط منهارا من الإعياء مودعا خوفه بزجاجة كوكا كولا أوسيجارة، القلة القليلة منهم تمكنت من إلتقاط الجرائد والتطلع فيها لأخبار الحرب على الجبهة الأخرى فى غزة ليعرفوا ما الذى أصاب جيشهم فى الأماكن الأخرى ..ما الذى حدث فى غزة؟ ليته يكون نصرا ؟

عبر الشارع كانت جماعات من المدنيين الإسرائيليين ينتظرون (أبطالهم) القادمين من ميدان القتال .. ينتظرونهم محملين بالمشروبات وعلب الطعام.. ببطء بدأ الجنود يفيقون من سكرة الموت ويتخلصون من لباس القتلة.. يتحولون لشباب عادى يستعد لقضاء عطلة السبات اليهودية ( يوم السبت) خالعين ستراتهم الحربية.. نصف عراة.. مستلقين بجوار شجر اللبلاب ..انبثقوا من جديد كقوس قزح يجمع كافة طوائف المجتمع اليهودى، اختلفوا فى طريقة تصفيف شعورهم،ملابسهم، وتصرفاتهم لكنهم اجتمعوا على شيئ واحد وهو الإقرار بقوة وبراعة العدو.

"تعيبة كانت جحيما ، إنهم ( حزب الله) حقا مدربون جيدا ، ليسوا مغفلين كما نتصورهم ، بل يعلمون تماما كيف يقاتلون" هكذا قال أحد جنود إسرائيل وهو يسقط متراخيا على الرصيف وأضاف" إنهم يتركونك مرعوب وخائف طوال الوقت.. لم نستطع النوم طوال الأسبوع الماضى" .

جنود آخرون أخبرونى كيف وجدوا طريقهم عائدين .. وسط الجفاف وأشجار الشوك بجانب التل، ناحية تعيبة، بينما يواجهون الصواريخ المضادة للدبابات وهجمات قناصى حزب الله المتتالية.. القناصين الذين اختفوا فى مواقعهم فى البيوت والمزارع وتحت المخابئ وفى طرقات الصحراء المتشابهة، بينما جنود إسرائيل يلحون باللاسلكى على قادتهم فى الجانب الآخر (داخل إسرائيل) أن يوفروا لهم التغطية اللازمة ببطاريات المدفعية 155 مليمتر لينسحبوا ..وأخيرا ضربت المدفعية تعيبة محدثة لهم ما ارتجوه من غطاء على هيئة سحابة ضخمة من الدخان فى السماء.

"لقد قتلنا عشرة من حزب الله ولابد أن المدفعية قتلت ثلاثين أو أربعين" هكذا قال أحد الجنود الإسرائيليين الذى كبقية زملائه رفض أن يذكر اسمه.. أما عدد هجمات حزب الله عليهم فببساطة كان الجندى قد فقد القدرة على عدها من كثرتها وهولها .. "كان هناك الكثير.. الكثير منها.. لا يمكن عدها إنها خطيرة جدا.. لأنك لا تعرف من أين تأتى .. ولكننا نجحنا؟!!"

جندى آخر قال "سبق لى القتال فى الجانب الآخر فى جنين.. فى الضفة الغربية، لاشىء يقارن بقتال عصابات حزب الله.. أنه شىء رهيب.. لا يمكنك أن تشبهه بشئ.. فى كل لحظة هناك صاروخ يوجه قنبلة تجاه رأسك" .

جندى ثالث قال "طوال الوقت يوجهون صواريخهم تجاهنا ..عندما نجدهم نقتلهم ولكننا لا يمكننا محاربتهم وجها لوجه ..هم لا يأتون أبدا لمواجهتنا .. صواريخ وقذائف فقط.. يجب على الطياران أن يقذف قراهم لا أن يخاطر الجيش الإسرائيلى بإرسالنا للضياع فى حرب برية هناك" قال ذلك ورشف رشفة أخرى من زجاجة الكوكا كولا، بينما زميله يضيف نحمد الله أننا ذهبنا وعدنا أحياء..!! فهناك أكثر من 45 جندى إسرائيلى قتلوا فى 25 يوم من القتال .

صرخ جندى "أنا أحب هذه البلد" ،بينما كانت قلة من الجنود تعبر عن تفاؤلها قائلين "نستطيع الحرب على كل الجبهات العربية مرة واحدة". ولكن آخرين من ذووى الخبرة كانوا أقل تأكدا.. وقالوا " إنه موقف لا أمل فيه.. لا أمل.. أحدهم أضاف.. نحن جيش نظامى لا يمكننا القضاء (على هؤلاء) واستئصالهم تماما لأننا جيش نظامى نتبع قواعد معينة..أما حزب الله فهم يديرون عملياتهم من أى مكان ويستطيعون أن يحاربوا كما يرغبون .. لذا فليس من الهام أن نبقى هناك ليومين أو أسبوعين ولكن الهام جدا أننا لدينا الحق فهؤلاء جماعة من الإرهابيين ال……. ( ونفث عن غيظة بسباب).


نقلها للعربية: غادة عبد المنعم 11 أغسطس 2006




. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ملفات "حزب الله" بالعربى والعبرى والأمريكانى

يطلق عليه الصهاينة تسمية "حزب الجحيم"، بسببه أعلنت جامعة الدول العربية أن عملية السلام مع إسرائيل قد ماتت .. يعتبره الغرب جماعة إرهابية، تحاول إسرائيل إقناع العرب بأنه دسيسة إيران عليهم، أما الولايات المتحدة فقد أعلنت أنه أخطر عليها من تنظيم القاعدة. .إنه "حزب الله" ، الذى استطاع بخطاب من زعيمه تحويل مشاعر اليأس والاستسلام فى الشارع العربى لرغبة فى المقاومة.. "حزب الله" الذى يخوض اليوم وعلى ما يبدو حربا مفتوحة مع إسرائيل أو كما يتنبأ المحللون ما قد يكون بداية لحرب عربية سادسة معها..

من العجيب أن تفرد الولايات المتحدة كل هذ الجهد لشن حرب إعلامية ضخمة تستهدف "حزب الله" ، والأعجب أن يتحول "حزب الله" من مجرد هدف من الأهداف التى تهاجمها الولايات المتحدة فى المنطقة للهدف الأول لحربها الإعلامية والسياسية والعسكرية كما حدث فى الأيام القليلة الماضية ، فقد أعلنت الولايات المتحدة منذ عامين تقريبا أن "حزب الله" أشد خطورة عليها من تنظيم القاعدة الذى تحول بين عشية وضحاها للهدف الثانى للولايات المتحدة, بينما صار لـ"حزب الله" الأولوية فى حرب الولايات المتحدة أو ما تعرّفه بحرب الإرهاب .. وأمريكا لم تترك وسيلة يمكنها بها تلطيخ سمعة "حزب الله" إلا وقامت بها.. حيث ناصبته العداء منذ بداية إنشائه فى عام 1982 واعتبرته مسئولاً عن عدد من العمليات ضد القوات متعددة الجنسيات التى كانت موجودة فى لبنان قبل الانسحاب الإسرائيلى من جنوبه, وقد تكلل سعى الولايات المتحدة الدؤوب لإقناع الدول الغربية لاعتبار"حزب الله" منظمة إرهابية بالنجاح, حيث أعلن عدد من الدول الحليفة لها كالمملكة المتحدة واستراليا وهولندا وكندا أنها تعتبر "حزب الله" منظمة إرهابية، كما تمكنت بدعاياتها من دفع البرلمانات الأوروبية فى اجتماعها فى مارس الماضى للتصويت "موافقة 437 صوتاً ورفض 8 وامتناع 33" إلى اعتبار "حزب الله" جماعة لها أنشطة إرهابية, كما مارست الكثير من الضغوط على الأمم المتحدة لكنها حتى الآن لم تذعن لرغبة الولايات المتحدة فى إعلان "حزب الله" جماعة إرهابية, ولكنها رغم ذلك تصر فى كل مناسبة على مناشدة الحكومة اللبنانية تنفيذ القرار 1559 للأمم المتحدة والصادر فى 2 سبتمبر 2004 والذى يهدف للمطالبة بتفكيك الجناح العسكرى لـ"حزب الله" ونزع أسلحته. وقد بذل كوفى عنان الأمين العام للأمم المتحدة جهودا كبيرة فى العام الماضى لحث لبنان على دفع "حزب الله" لتنفيذه . و دعاياتها المغرضة تعتبر "حزب الله" جماعة إرهابية مسئولة منذ 1982 عن قتل 800 شخص فى جنوب لبنان كما تنسب له عدداً من عمليات الخطف ضد المارينز الأمريكان أثناء تواجدهم فى لبنان فى الثمانينيات وعلى رأسها الشاحنة الملغومة التى تسببت فى قتل 200 من أفراد المارينز فى ثكناتهم فى عام 1983 فى بيروت, كما تنسب له اختطاف 847 مقاتلاً عام 1985 وعمليتى هجوم على أهداف إسرائيلية خارج إسرائيل فى التسعينيات هما القنبلة التى تم إلقاؤها على السفارة الإسرائيلية عام 1992 فى الأرجنتين والتى تسببت فى قتل 29 شخصاً, وقنبلة عام 1994 فى المركز الاجتماعى اليهودى والتى قتلت 95 شخصاً ولم يشفع لـ"حزب الله" لدى الولايات المتحدة كونه قد نفى أى علاقة له بالهجوم على القوات الدولية أو العمليات التى تتم خارج لبنان فيما عدا هجومه على إسرائيل والتى يعتبرها دولة عدوة يشن ضدها حرب عصابات، عموماً.. فلم يقف شىء ضد رغبة الولايات المتحدة فى تشويه سمعة "حزب الله" حتى ولو كانت الاتهامات التى توجهها له مضحكة من نوعية ما ذكرته الكاتبة "باربارا نيومان" فى كتابها عن "حزب الله" والذى أسمته "حزب الجحيم" وصدر فى الولايات المتحدة العام الماضى وتؤكد فيه "باربارا" أنها قد استقت معلوماتها من عملاء "السى آى إيه" و"الإف بى آى", وقد ذكر لها عملاء المخابرات والمكتب الفيدرالى للتحقيقات أن "حزب الله" هو أخطر منظمة إرهابية فى العالم وأنهم مجموعة من "السوبر مان" يمكنهم أن يتسببوا بالضرر للولايات المتحدة فى أى وقت يشاءون, وأينما أرادوا..!! وأن هدفهم النهائى هو تحويل لبنان لصورة من إيران.. ومن المعروف أنه أينما ذكرت إيران فإنها تمثل "البعبع" لأمريكا والأمريكيين.. وبناء على ادعاءات باربارا فإن "حزب الله" يعتبر أمريكا (الشيطان الكبير) بينما تمثل له إسرائيل مجرد (شيطان صغير) لذا فهدفه هو القضاء على الولايات المتحدة.. والطريف فيما ذكرته السيدة باربارا تأكيدها أن "حزب الله" الذى يتمركز فى لبنان له أعضاء فى جميع أنحاء العالم ( وهو ادعاء غالبا ما تدعيه الولايات المتحدة عندما ترغب فى الإساءة لسمعة جماعة حيث تؤكد دائما أنها خطر عالمى ) وتدعى باربارا أن مكتب التحقيقات الفيدرالى قد قام بترحيل المئات من أتباع "حزب الله" من الولايات المتحدة الأمريكية وأن أتباعه هؤلاء كانوا يقومون بجرائم خطيرة..!! من وجهة نظر السادة فى المخابرات الأمريكية مثل الاحتيال على التأمين وتزوير أوراق إقامة وادعاء الزواج من أمريكيات بهدف تسهيل الإقامة فى الولايات المتحدة.. ويبدو أن السيدة باربارا ومصادرها لا يدركون أن هذه الجرائم الخطيرة كلها هى اتهامات عادية يتعرض لها حوالى 10% من سكان الولايات المتحدة ، أما أخطر التهم الموجهة لـ"حزب الله" فهى أنهم يقومون بتهريب (السجائر) وتزوير (بناطيل الجينز ليفى) وأنهم - بهاتين الوسيلتين (الماكرتين..!!!) -يتمكنون من تحويل ملايين الدولارات لـ"حزب الله" فى لبنان لتمويل أنشطته الإرهابية..!! وهم يبدأون أنشطتهم الإرهابية من كندا حيث يقومون بشراء أجهزة تليفونات محمولة..!! وكمبيوترات مستعملة..!! ليتم استخدامها فى عملياتهم..!!؟

وبالإضافة لهذه التهم الساذجة فقد عملت الولايات المتحدة لفترة على الترويج لأكذوبة ارتباط "حزب الله" بتنظيم القاعدة خاصة الفرع الموجود فى العراق بقيادة الزرقاوى واستمرت فى زعمها هذا حتى أعلن تنظيم القاعدة أنه يعتبر الشيعة منحرفين عن الطريق الاسلامى القويم ونفى عنهم صحة العقيدة الإسلامية، وهو ما أظهر بوضوح عدم وجود أى تعاون ما بين تنظيم القاعدة وبين "حزب الله" أو إيران باعتبار كلا منهما ينتمى للطائفة الشيعية

أسلحة وتمويل "حزب الله"

لا يعرف أحد على وجه التحديد حجم ترسانة الأسلحة التى يملكها "حزب الله" ولا عدد المقاتلين فيه أو ميزانيته لأن هذه المعلومات يتم استنباطها من ثلاث مصادر غير دقيقة هى المخابرات الأمريكية والمخابرات الإسرائيلية علاوة على خطب وبيانات السيد حسن نصر الله وهى بالتالى معلوماتغير دقيقة قد تذكر على سبيل التهويل أو التخفى حيث لا يعلم أحد ما هى الإستراتيجية التى تتبعها أمريكا وإسرائيل أو "حزب الله" فى طريقة عرض المعلومات عن الخصم أو المقدمة له ، ولكن عموما فإن أكثر المعلومات المتداولة تشير لأن "حزب الله" لديه 25 ألف مقاتل نظامى وما بين 12 إلى 15 ألف صاروخ وبالإضافة لصواريخ الكاتيوشا التى يصل مداها لأربعين كيلومترا هناك صواريخ "فجر-3" و"فجر-4" و"فجر-5" ويبلغ مدى الصاروخ الأخير منها 75 كيلومترا. أما صاروخ "زلزال-1" البالغ مداه 150 كيلومترا والقادرعلى بلوغ تل ابيب فيملك "حزب الله" حوالى مئة منه. وأفادت جريدة معاريف الإسرائيلية بأن هناك الآن مخاوف من احتمال أن يكون "حزب الله" قد تمكن من الحصول على صواريخ مضادة للطائرات. ويملك عدة طائرات بدون طيار يمكنها قصف أهداف محددة، ويقال أن بعض هذه الأسلحة قد تم تطويرها أو صناعتها فى لبنان حيث أعلن السيد حسن نصر الله أنه قد تمكن من صنع طائرات بلا طيار ، كما أعلنت مصادر إيرانية منذ أيام أن "حزب الله" لديه علماء ومختبرات يطور فيها صواريخه وقد ذكر بعض الصحفيين الغربيين أنهم قد شاهدوا لدى حماس مصانع ومعامل صغيرة ( تحت السلم) يتم فيها صناعة قذائف وتطوير صواريخ وربما كان لدى "حزب الله" مصانع أكبر ولكن كل هذه المعلومات لا يمكن تأكيدها حتى الآن حيث لا يعرف أحد أين قد تقع المصانع الكبرى التى يحتاجها الحزب لصناعة سلاح متطور وضخم كالطائرات ويبقى التصور الأكثر ثباتا هو أن إيران قد تكون هى من يمد "حزب الله" بمعظم أسلحته وذلك عن طريق سوريا وهو سيناريو تؤكده أمريكا وإسرائيل ( لأهداف سياسية) ولكنه يبقى حتى الآن التصور الأكثر معقولية ، وتدعى المخابرات الأمريكية أن "حزب الله" يحصل على ميزانية سنوية من إيران تقدر بمائة مليون دولار وأن هذه الأموال تذهب له عن طريق شبكة ضخمة من شبكات غسيل الاموال تمتد فى أوربا والولايات المتحدة ولا أحد يدرك بالضبط من أين جاءت المخابرات الأمريكية بهذه المعلومات وإن كانت صادقة وتعلم فروع هذه الشبكة فلماذا لم تقض عليها حتى اللآن..!!

لماذا "حزب الله" ؟

ولكى نجد إجابة عن التساؤل المحير، لماذا الإلحاح على القضاء على القوة العسكرية لـ"حزب الله" ؟ ما الذى يدفع الولايات المتحدة لتجشم عناء عمل كل هذه الدعاية المضادة من جهة ، والضغوط السياسية من جهة أخرى ؟ وما الذى يدفع إسرائيل لتدمير بلد كامل بغية الضغط عليه لنزع سلاح حزب الله ؟ فعلينا أولا أن ندرك عددا من الإعتبارات الهامة أولا أنه منذ نشوء "حزب الله" كحركة مقاومة شيعية فى بداية الثمانينات فى لبنان (1982) بدى واضحا أن الحزب وإن كان يرفض دخول غير الشيعة له إلا أنه يلزم نفسه مع ذلك بمسلك (عربى قومى) فرغم علاقته القوية مع الثورة الخمينية والتى رعته بسبب الإنتماء الطائفى الشيعى الواحد لهما ثم ولاستخدامه فى محاربة إسرائيل والتمتع بنفوذ فى المنطقة إلا أن " حزب الله" ورغم بنوته الشرعية للنظام الإسلامى فى إيران إلا أنه كان واضحا منذ البداية أن الخيار الرئيسى لحزب الله هو محاربة الوجود الإسرائيلى فى جنوب لبنان ومحاربة ملشيات جنوب لبنان الموالية لإسرائيل حيث تحول طوال الثمانينات والتسعينات للشوكة الأكبر التى تقصم ظهر إسرائيل فى لبنان بل وربما للشوكة الوحيدة التى تقوم بذلك حيث حمل وحده (فى معظم الأحيان) عبء قتال إسرائيل وبقى كذلك حتى استطاع فى يناير عام 2000 أسر العقيد "عقل هاشم" المسؤل عن متابعة عمليات جيش جنوب لبنان ونتيجة لأسر العقيد عقل اضطرت إسرائيل للإنسحاب من جنوب لبنان فى مايو عام 2000 وهو ما أكسب "حزب الله" إحترام، تعاطف ومكانة كبيرة فى العالم العربى خاصة لدى الدول التى تضم أغلبية من الشيعة، كما تمتع "حزب الله" وحسن نصر الله بمكانة لا يضاهيها أحد فى لبنان والتى تمثل الشيعة أغلبية فيها (نسبة 48% من إجمالى السكان الذى يبلغ عددهم 3 مليون نسمة) ولم يكتف "حزب الله" بدوره فى اخراج إسرائيل من جنوب لبنان لكنه فيما بعد خروج إسرائيل أصر على عدم تفكيك الجناح العسكرى له على اعتبار أن إسرائيل لم تزل تحتل مزارع شبعا ، وعموما فقد نجح "حزب الله" فى أكتوبر من عام 2000 فى أسر ثلاث جنود إسرائيلين. ثم تمكن فى يوليو 2004 و بوساطة ألمانية من فك أسر 30 سجين لبنانى وعربى وإعادة رفات 60 ستين شهيد لبنانى وفك أسر420 سجين فلسطينى والحصول على خرائط تظهر حقول الألغام التى زرعتها إسرائيل فى جنوب لبنان فى مقابل تسليم أسير إسرائيل ورفات الجنود الثلاثة لإسرائيل وبهذا حصل حزب الله على اعتراف شبه رسمى من أسرائيل بشرعية وجوده ، وتمكن لأول مرة من تأكيد دوره الحقيقى فى فك أسر الأسرى اللبنانيين والفلسطينين فأرسى بذلك قاعدة تبادل الأسرى.

والمدهش فى أمر "حزب الله" أنه على الرغم من بدايته الطائفية إلا أنه على خلاف حركات أخرى كحركة أمال فى لبنان فقد ظل وفيا لخياره فى محاربة العدو واعتباره القضية الفلسطينية خيار استراتيجى له حيث قدم للكثير من الجماعات والكتائب الفلسطينية مساعدات فى السلاح والعتاد حيث كان له دور ملحوظ فى مساندة انتفاضة الأقصى كما أنه رفض التورط فى حرب المخيمات ضد الفلسطينيين فى لبنان إذا أضفنا لكل ذلك التأثير الكاريزمى للسيد حسن نصر الله فى الجموع التى تختشد بمئات الآلاف لسماع خطبه وأيضا ما يبدو لدى حزب الله من قدرات استخبراتية وقدرة على إستخدام الإعلام للتأثير فى الجماهير (حتى اتهمته إسرائيل بانه يستخدم متخصصين فى الحرب النفسية لكتابة خطب زعيمه التى تظهر استطلاعات الرأى أنها تؤثر بشدة فى الجماهير خاصة الجماهير الإسرائيلية )

إذا تفحصنا كل هذه الإعتبارات لوجدنا أن "حزب الله" قد تحول فى ذهن الكثير من العرب لحركة المقاومة الوحيدة التى ترفع صوتها ضد إسرائيل والتى تملك إلى جوار ذلك أسلحة يمكنها تهديد إسرائيل بها ، كما أنه رغم كل الدعاية الإسرائيلية والأمريكية التى استهدفته لم تتلوث صورته لم تتم إدانته فى الشارع العربى كما حدث مع "تنظيم القاعدة" مثلا، إذا أضفنا لكل ذلك أن حزب الله يمثل صورة مشرقةلما يمكن أن يكون عليه التواجد الإيرانى فى المنطقة لوجدنا الأسباب التى تسعى أمريكا واسرائيل والغرب من أجلها للقضاء على القوة العسكرية لـ"حزب الله" ثم ربما لتوريطه فيما بعد فى عدد من الصراعات السياسية التى قد يفقد فيها احترامه وصورته الطيبة فى المنطقة.

22 يوليو 2006




المحبة على الطريقة الأمريكية

"الشرق الأوسط الجديد" .. أصولى .. رجعى.. وكاره للغرب..؟!" • مصر والسعودية وتركيا وسوريا لهم حق الأخ الأكبر . • إيران تأخذ صورة العدو المتخلف والهمجى. • وإسرائيل الملكة المدللة التى تحكم كيفما تشاء!! • الولايات المتحدة تطالب بالمحبة فى مقابل القتل.. وتخريب البلاد؟! • الشعوب مرعوبة من الغطرسة الأمريكية ، وتلتجأ لله ومشاعر الكرامة، فهل للولايات المتحدة أمل فى صداقة عربية؟


لا أحد يعلم هل كانت السيدة "كوندوليزا رايس" تدرك ما قد تسفر عنه ولادة شرق أوسط جديد عندما صرحت قبيل حضورها للمنطقة العربية عن التضحية بلبنان فى سبيل هذه الولادة المزعومة، (والتى يبدو أنها متعسرة منذ تسعينات أو ثمأنينات القرن الماضى) .. غالب الظن أن وزيرة الخارجية الأمريكية هى والإدارة الأمريكية (كلها) لا يدركون أن هذا الطفل الذى يرغبون فى ولادته (على عجل) قد لا تأتى ملامحه كما يحبون .. فبينما يتنبأون بأنه سيكون وديعا، منفتحا وقابلا للإستغلال فإن ما يفعلونه الآن قد يؤدى لأن يولد "الشرق الأوسط الجديد" متمردا أصوليا رافضا للغرب ولكل ما يأتى منه ، وغالب الظن أيضا أنهم (فى الولايات المتحدة كما فى إسرائيل) لا يدركون أنه لو حدث ذلك فهم على رأس من يتحمل اللوم..؟! من يستمع لوزيرة الخارجية الأمريكية وهى تقول جملتها التى أصبحت شهيرة فى الأيام الماضية عن مخاض ولادة شرق أوسط جديد، لابد وأن يتصور رسم كاريكاتورى لأم فى حالة مخاض وحولها عدد من العسكريين متلهفين بشدة لولادة طفلها لكنهم فى نفس هذه اللحظة يضربونها بطلقات الرصاص وكلهم يصوب بندقيته على قلبها غير مدركين من فرط غبائهم أنهم يقتلونها قبل أن تلد الطفل الذى ينتظرونه. الشرق الأوسط الجديد القديم بداية علينا أن ندرك أن مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير هو مشروع قديم فقد بدأ التهيؤ له مع رغبة إسرائيل فى الأنخراط فى المنطقة والإستفادة من مواردها ولعب دور القائد بدلا من دور العدو ويمكن قراءة صيغة للمشروع في دراسة شمعون بيريس «الشرق الأوسط الجديد» ومنها يمكننا أن نفهم وجود تيار برجماتى إسرائيلى داعى للسلام بين العرب وإسرائيل والتطبيع والعمل على توثيق الروابط الإقتصادية والثقافية فيما بينهم لتستفيد إسرائيل التى تمثل فى هذا المشروع التكنولوجيا والذكاء التقنى والحضارى والثقافى من اليد العاملة المصرية والمياه التركية والبترول الخليجى ويحل تصور إسرائيل الدولة الكبرى المسيطرة إقتصاديا وثقافيا بدلا من تصور إسرائيل الدولة العظمى جغرافيا والتى تحتل الدول العربية بقوة السلاح. ويبدو أن الولايات المتحدة قد وجدت أن الفرصة سانحة فى العام قبل السابق لطرح مسألة الشرق الأوسط الجديد مرة أخرى ولكن هذه المرة تحت مسمى الشرق الأوسط الكبير، وأن نظرة سريعة على المشروع الذى طرحته الولايات المتحدة فى العام قبل الماضى على قمة الثمأنى التى أنعقدت فى يونيو 2004 تظهر أن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق تغيير فى الأساس الثقافى لدول المنطقة والسعى لتحقيق درجة أكبر من العلمانية والتعلم والحرية وتمكين النساء والشباب أو بمعنى أصح إحداث إصلاح فى الإتجاه الهلمأنى الثقافى الأوربى لمقأومة أى وجود أصولى فى المنطقة وقد بدى واضحا أن من قاموا على اعداد المشروع والذين استفادوا من تقريرى الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين 2002 و2003 كأنوا على ادراك أن الشعوب لن تقبل بالسير فى الإتجاه الذى يرغبونه إلا تدريجيا وبالتقليل من الفساد وزيادة نسبة الحريات والديمقراطية ومساعدة الفئات الأقل حظا كالمرأة ومنج فرص للتدريب والتعليم والتوجه بالتعليم فى طريق أكثر تطورا على أن يكون تعليما عالمأنيا لا دينيا وقد قبل بهذا المشروع الكثير من المثقفين العرب على اعتبار أنه سوف يتيح مزايا هامة وتمويل أوربى أمريكى لمشاريع تنموية وتثقيفية كثيرا ما طالبوا بها صحيح أن من قبلوا بهذا المشروع وشجعوه يعرفون تماما أن (الحداية لا تنقط كتاكيت) وأن الولايات المتحدة لم تكن تلعب دور المصلح الإجتماعى والسياسى والإقتصادى الطيب عندما اقترحت هذا المشروع ولكنها كانت تهيأ الأجواء العربية لتقبل إسرائيل ثقافيا وسياسيا لكنها كانت تسعى لتغيير المنطقة لما يناسبها تمهيدا للخروج من العراق والترسيخ للصورة الجديدة لإسرائيل، لكنهم تعاملوا مع المسألة بشكل برجماتى نفعى فقالوا : (وما المشكلة نحصل على ما يمكننا أن نحصل عليه من إصلاحات ومشاريع ثم نرفض فيما بعد مالا يروق لنا فنحن فى النهاية أحرار، كما أنه بعيدا عن أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل السياسية والمشكوك فيها هناك أهداف أخرى شرعية لأطراف ستستفيد من تنمية المنطقة كأهداف الشريك الأوربى الذى تدفعه رغبته فى صد هجمات الهجرة غير الشرعية من جنوب المتوسط لبلاده، للسعى للمشاركة فى تطوير بلاد شمال أفريقيا والشرق الأوسط حتى يضمن قبول شعوب هذه البلاد البقاء فى بلادها وتطويرها بدلا من غزو أوربا التى تخاف أن تجد نفسها بعد عشرين عاما وقد أصبحت قارة تضم غالبية سكان من المسلمين ثم هناك فى النهاية أهداف رجال الإقتصاد الذين يرغبون فى تقليل الفساد وزيادة الإستقرار فى بلاد الشرق الأوسط للإمتداد بمشاريعهم فى المنطقة وإستغلال المواد الخام فى أماكن تواجدها بلا مصاريف نقل وإستغلال الأيدى العاملة الرخيصة قال المثقفون ومعضم من قبل بالمشروع لنستفد ونفيد ونرفض ما لا نرغب فيه هكذا قبل الكثير من الصفوة بالمشروع الأمريكى وحبزته أوربا ورغم مقأومة الحكومات العربية التى شعرت بتهديد تدخل الولايات المتحدة فى شئونها إلا أنها بدأت بالتدريج فى إحداث عددا من الإصلاحات والتوجه فى إتجاه الديمقراطية). جنود أمريكا يموتون فى العراق لكن الريح تأتى أحيأنا بما لا تشتهى السفن فنتيجة سنين من الفساد وتقهر الديمقراطية ونظام تعليمى متخلف والبطالة إلى آخر هذه القائمة بدا من الواضح أن الشعوب العربية سوف تستخدم هذه الحرية والديمقراطية ليس فى انتخاب أحزاب وليدة لا ثقل لها فى الشارع أو الوقوف وراء منظمات وحركات بدت بلا تاريخ ولا سند سوى دعم قلة من الصفوة ولكن فى انتخاب الأحزاب والكيانات الأصولية التى ترتبط فى ذهن المواطن العادى قليل الثقافة بالدين وبالتالى بالنزاهة هنا بدأت الولايات المتحدة تعيد تفكيرها من جديد وكان من الطبيعى والأمر كذلك أن تتغاضى عن تأجيل مسألة الديمقراطية وقتيا حتى تقوم بإرساء مجتمع مدنى قوى ودعم أحزاب تحصل على أرضية وتقدم خدمات وتسعى لتطويل التعليم والتثقيف وتمكين المرأة إلى آخر هذه العناصر التى ضمها مشروعها ، لكن الولايات المتحدة لم تكن تملك الكثير من الوقت فبينما ربما كانت تملك بعض الوقت لتغيير أوربا الشرقية حيث لم تكن متورطة عسكريا هناك و سمعتها لم تكن مهددة بعشرات الفضائح ، فأنها لم تكن تملك الوقت هنا فى الشرق الأوسط فجنود أمريكا يقتلون فى العراق و أفغانستان وخاصة وأنها لم تستطع فى السنوات القليلة الماضية أن ترسى نظام قوى فى العراق حتى يمكنها الأنسحاب منه وبينما جنودها يستخدمون أبشع الوسائل مع العراقيين إلا أنهم لا يستطيعون القضاء لا على المقاومة ولا على الصراعات الطائفية كما أن مغامرة الديمقراطية فى المنطقة قد أسفرت عن وجود حماس فى السلطة الفلسطينية وإسرائيل الإبنة المدللة ( كما سماها كارتر) تبكى وتصرخ لذا فأن الإدارة الأمريكية غير الحصيفة لم تجد بد من طرح مسألة التغيير الثقافى الهادئ على جنب وفرض التغيير بالسلاح . الشرق الأوسط الأمريكى الجديد والشرق الأوسط كما تريده أمريكا يتكون من المنطقة العربية بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا وإسرائيل وربما بعض دول البلقان فى المستقبل وطبقا لما تدعيه الحاجة . وفى هذا الشرق الأوسط سوف تلعب إسرائيل دور الرئيس بينما تلعب إيران دور البعبع العدو وبالتالى فإن كل ما تدعيه إسرائيل لنفسها من صفات كالالعلمانية والديمقراطية …إلى أخره سيصبح قدوة حسنة وكل ما تمثله إيران كدولة أصولية وشيعية سيصير من المحرمات ولكى يتحقق ذلك فلابد أولا وكما قلنا أن يتم قبول إسرائيل ثقافيا ورفض إيران وثقافتها ولهذا فعلى أمريكا أن تطهر الأرض سريعا قبل أن ترحل ولتطهير الأرض عليها أن تقوم بما يلى: • القضاء على أى تواجد شيعى مهم أو مسلح. • القضاء على حركات المقاومة خاصة زات الفكر الأصولى ( حماس فى فلسطين ) • القضاء على التعاطف الجماهيرى مع الشيعة ومع حركات مقاومة ومع الجماعات والأحزاب السياسية الأصولية. • استيعاب سوريا. • عزل إيران تمهيدا لتحويلها لصورة العدو. وقد وجد عباقرة واشنطن أن كل هذا يمكن أن يحدث بتخريب لبنان ثم إلقاء اللوم على حزب الله وبالعودة لدفع جزء من فاتورة إصلاح لبنان يمكنها الخروج بمظهر البطل وتنتهى المسألة بعد ذلك بعقد مؤتمر أو عدة مؤتمرات ترسى فيها دعائم النظام الجديدفى الشرق الأوسط ولا مناع من التحايل على الدول الهامة فى المنطقة (وكلها فيما عدا سوريا دول سنية) لكسب تأييدها وهى دول لديها بالفعل ما يكفيها من القلق من نفوذ إيران الشيعى ولضمان ود هذه الدول يمكن أن تمنح الأخ الأكبر أو التغاضى عن عدد من مشكلات الإصلاح وحقوق الإنسان كما حدث مع تركيا التى بدى أنها قد حصلت على ضوء أخضر فيما يخص مهاجمة حزب العمال الكردستانى وعن تغاضى أمريكى عن ملف الأكراد لديها. عموما فقد بدى واضحا فى الأيام الماضية من تصريحات كوندوليزا رايس ومن اتصالاتها والدول التى دعتها التفاوض فى مشكلة لبنان أنها تمنح كل من تركيا ومصر والسعودية حقوق الأخوة الكبار كما أنها تضع للأردن مكانة خاصة بسبب تورطها الجغرافى والسكانى والسياسى فى مشكلات المنطقة وتحاول استيعاب سوريا. إستيعاب سوريا يبدو أن مسألة استيعاب سوريا كانت حاضرة فى ذهن الولايات المتحدة منذ البداية حيث تملك سوريا الكثير من المفاتيح فى المنطقة كما أنها تمثل النظام الرسمى العربى الوحيد الذى يملك علاقات قوية بإيران . وقد لعبت الولايات المتحدة لعبة (هى أذكى ما تم فى مسألة شن الحرب على لبنان ) لتدفع سوريا للسعى للتفاوض معها بلا أو بأقل الشروط الممكنة . فبعدما عزلت النظام السورى فى الفترة الماضية بدأت فى تهديده بضربة قاسمة تعجز سوريا عن مساعدة حزب الله وتؤدى لنهاية نظام الأسد وقد لوحت بذلك عبر عدة تهديدات تحتية كالحوار الذى أجراه جيمز ويلسى لقناة فوكس التليفزيونية والمعروفة بتعاونها وتحيزها لإدارة بوش حيث أكد جيمز (وهو رئيس سابق للمخابرات الأمريكية وعمل لفترة فى البحرية) أن على الولايات المتحدة أن توجه ضربة سريعة حاسمة ضد المواقع الإستراتيجية فى سوريا ، ضربة قد تؤدى كما يدعى لنهاية زعامة أسرة الأسد ، ولكى تؤكد جيمز على رسالته للنظام السورى فقد أجاب عن سؤال المذيع ولماذا لا نوجه ضربة مباشرة لإيران أكد أنه ليس من الممكن ضرب إيران الآن ولأن ضرب سوريا سيؤدى لإضعاف إيران وتأثيرها فى المنطقة بمثل هذه التصريحات التحتية تم فى الأيام الماضية تهديد سوريا ثم بضربة محتملة بالإضافة لاقصائها عن أى مفاوضات وبالتالى نفيها من الحصول على أى مكاسب عند إرساء دعائم الشرق الأوسط الجديد مع التأكيد على أن الضرر سينال سوريا وحدها لا إيران وهكذا بدأت سوريا بنفسها فى اضهار نيتها فى الدخول كوسيط فى المفاوضات وقد تلى ذلك مباشرة تشدد جديد من طرف الولايات المتحدة التى وافقت على وساطة سوريا ولكن عبر مصر والأردن وعلى أن تتم سواطتها خلال عشرة أيام تقنع فيهم حزب الله أن يخرج منهزما . وهكذا بدأت الولايات المتحدة فى استيعاب سوريا دون وعدها بأى شىء على الإطلاق سوى ربما مجرد التواجد السياسى فى المنطقة ورغم ما تبديه الولايات المتحدة من تشدد تجاه سوريا إلا أن حقيقة أنها تحتاجها تؤكد أنها ستسعى بجدية للوصول للإتفاق معها وهو ما سيتبعه مباشرة السعى لإحتجاز إيران . هذا ما تتصور الإدارة الأمريكية أنه قد يحدث فى الشهور القادمة حتى يمكنها ترتيب الأوراق وترك العراق فى عهدة الكبار فى الشرق الأوسط ، لكن ما لا تدركه الولايات المتحدة أن حقيقة ما قد يحدث على أرض الشرق الأوسط فى الشهور والسنين القادمة قد يختلف كثيرا عن هذا التصور. الحب فى مقابل القتل ما لا تدركه الولايات المتحدة هو أن منطقة الشرق الأوسط ليست منطقة فارغة خالية من السكان حتى يمكنها ترتيبها بالإتفاق مع الحكام ومحاولة استمالتهم ، وما تغفله هو أن استخدام القوة العسكرية الغاشمة لتدمير دولة كاملة لا يمكن أن يؤدى أبدا لمشاعر اجابية تجاه الولايات المتحدة حتى ولو قامت الولايات المتحدة فيما بعد بالقيام ببنائها من جديد وبشكل كامل على نفقتها، فسكان هذه المنطقة وأجهزة اعلامها ومثقفيها وقادة الرأى بها ليسوا جماعة من الحمقى لكى لا يدركو حقيقة الأمر ويحملوا حزب الله المسئولية كاملة عن تدمير لبنان ، بل إن مشاعر القهر أمام الغطرسة الأمريكية رفعت من أسهم حزب الله فى الوطن العربى كله ومشاعر القهر والظلم والكره هذه قد تؤدى لانتشار بذور لحركات مقاومة عديدة فى البلدان العربية وأن الشعوب الكاره لنموذج الغرب المتآمر قد لا تستطيع اكتشاف هويتها إلا فى جماعات وأحزاب أصولية سوف تتمكن من الاستيلاء على السلطة فى البلدان العربية وفى هذا الوقت لن يهم من هو شيعى ممن هو سنى .. ما يدهشنى حقا هو كيف أمكن للساسة الأمريكان المؤسسات البحثية التى تمدهم بالمعلومات إغفال البديهية البسيطة التى تؤكد أن القتل والدمار لا يخلق إلا الكراهية.

28 يوليو 2006



ببلوجرافيا مصحوبة بصورة للشاب الوسيم هيثم زكى !!


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هل كان "عبد الحليم حافظ" كائن فضائى يتحرك بحقن نووية ..؟

نصحنى أصدقاء سبق لهم مشاهدة فيلم "حليم" أن أحمل كيس فيشار كبير عند ذهابى لمشاهدة الفيلم .. قالوا لى أن الفيلم ميلودرامى (نكد) وأن الفيشار قد يساعد فى تحسين حالتى النفسية أثناء المشاهدة، عموما فقد حملت كيس الفيشار وذهبت.. ولكننى بعد مشاهدة عدة مشاهد فوجئت بأن الفيلم على عكس ما ذكروا .. فـ حليم فيلم كوميدى مضحك هذا على الأقل فى النصف الأول منه ..

الحقيقة أنه أثناء المشاهدة كان لدى الكثير من الوقت للتساؤل هل من الممكن أن يوجد كل هذا الإضحاك فى فيلم لم يقصد أى من صانعية أن يكون فيلما كوميديا؟ عادة يملك المشاهد الوقت للتساؤل والتفكير والأخذ والرد إذا كان الفيلم الذى يشاهده يعجز عن دفعه للإندماج مع أبطاله ولهذا السبب تحديدا كان لدى الكثير من الوقت أثناء مشاهدة فيلم حليم للتساؤل والتفكير والسرحان والملل .. صحيح أن النصف الأول من الفيلم كان كوميديا و صحيح أن هيثم زكى شاب وسيم ورؤيته على شاشة السينما شىء مبهج إلا أن الجلوس على كرسى السينما لمدة ساعتين ونصف لمشاهدة هيثم وهو يكرر خمس حركات لا أكثر وصورة عبد الحليم حافظ مستبدلة فى المشاهد القديمة من الأفلام والأغانى بصورته بينما أغانى عبد الحليم تنساب، لم يكن ممتع بالقدر الكافى ولم يرحمنى من االتململ ولا من الندم على ضياع الوقت فقد كنت قد ذهبت للسينما لمشاهدة فيلم لا لمشاهدة ببلوجرافيا مصحوبة بصورة للشاب الوسيم هيثم زكى.

ويبدو أن منتج الفيلم لديه مسبقا هذه المعرفة بأن ما أنتجه هو عمل ( لا فيلم ) ممتلأ بالمشكلات ونقاط الضعف وربما هذا ما دفعه لمحاولة استخدام مأساة أحمد زكى للتأثير العاطفى على النقاد حيث طالب النقاد بأن يترفقوا بالفيلم إكراما لذكرى أحمد زكى .. وفى تصورى على المنتج أن يلعب غيرها فأحمد زكى واحد من أعظم الممثلين الذين أنجبتهم مصر هذا إن لم يكن أعظمهم، وهو ممثل عالمى بكل المقاييس ومدح أو زم أداؤه فى فيلم "حليم" بل إن جودة هذا الأداء أو ضعفه فى فيلم ما، لن يغير من حقيقة أنه ممثل عظيم، وبعيدا عن تلك الحقيقة فإن السينما فى النهاية هى عمل جماعى يتحمل المخرج فيه المسئولية الكبرى عن جودة وتكامل باقى العناصر فى الفيلم ، فهو المسئول الأول عن أداء باقى عناصر فيلمه وهو بالضرورة المسئول الأول عن اختيار أحمد زكى رحمه الله لهذا الأسلوب فى الأداء حيث ركز على التقليد للشكل والحركات والأداء الجسدى والصوتى دون التركيز على نقل روح الشخصية وهو خطأ وقع فيه أحمد زكى عندما ركز فى الفترة الأخيرة من حياته على أداء أدوار لشخصيات عامة وكان قد جانبه الصواب فى اختيار المنهج الذى قرر أن يمثل به هذه الشخصيات وهو منهج التقليد لا التقمص .

ولا أعلم لماذا اختار شريف عرفة هذا المنهج العبيط فى التمثيل ليوجه ممثليه للأداء من خلاله ، حيث حاول كل ممثل أن يبدو قريب الشبه خارجيا من الشخص الحقيقى الذى يؤدى دوره مما عطل الممثلين وجعلهم عاجزين عن التقمص الحقيقى للشخصية وقد أدى ذلك لإضحاك المشاهدين على طريقة الملحن محمد عبد الوهاب فى نطق الكلمات أو اسلوب احسان عبد القدوس فى التذاكى أو لكنة الأبنودى الصعيدية إلى آخر هذه التيمات المضحكة والكاريكاتورية التى ظهرت فى أداء الممثلين .. والتى كانت سببا فى تحويل قسم كبير من الفيلم لفيلم كوميدى والتى أدت أيضا لفصل المشاهدين عن الأبطال أو عن معايشتهم للقصة والأحداث وهنا لابد من الإشارة لأداء عزت أبو عوف لشخصية الملحن محمد عبد الوهاب حيث كان ظهور أبو عوف على الشاشة علامة على بداية الكوميديا وكان هذا الأداء ليكون رائعا لو أن المخرج كان يقصد تقديم فيلما كوميديا لا دراميا .. أما الأداء التمثيلى الملفت للإنتباه فقد جاء من الممثلين الذين لم يتورطوا فى تقليد شخصيات حقيقية حيث أدوا أدوار شخصيات مجهولة وليست شخصيات عامة فقد أدت منى زكى دورا جيدا وكذلك سلاف فواخرجى وصلاح عبد الله وسميرة عبد العزيز اما كل من تورط فى التقليد فقد كانت نتيجة أدائه سيئة جدا وخاصة هيثم زكى والذى ربما دفعه الشعور بالمسؤلية لمحاولة انقاذ الفيلم بتقليد أداء والده أحمد زكى والذى يقلد بدوره عبد الحليم حافظ ويبدو من المشاهد القليلة التى أداها أحمد زكى أنه كان يملك فى قرارة نفسه خطة للأداء تنطوى على اظهار الكم الكبير من التناقضات الموجودة فى شخصية عبد الحليم وربما كان السيناريو الأول المكتوب لأحمد زكى يركز على هذا الجانب لكن وفاة أحمد زكى أدت لتغيير السيناريو أبدلت الفيلم وقلبته رئسا على عقب ، ولعل هيثم زكى عندما ألزم نفسه بتقليد والده قد قام بهذا الأداء بهدف أن يخرج الفيلم كله ميه واحدة وحتى لا يكون هناك تناقض بين ادائه وبين اداء والده، عموما فلا يمكن الحكم على هيثم الممثل من هذا الفيلم لأنه لا يظهر سوى محاولة محدودة وغير ناجحة للتقليد لا التمثيل وهذه النتيجة السيئة لا يمكن أن يتحمل هيثم زكى نتيجتها وحده فهو شاب عديم الخبرة يقدم تجربة الأولى فى الأداء التمثيلى ولكن يتحمل اللوم عليها المخرج شريف عرفة صاحب الخبرة الكبيرة كمخرج والذى لم تفرق معه خبرته فى هذا الفيلم واستسلم للإرتباك (ككل) المخرجين المصريين الذين سبق لهم تقديم أفلام عن قصة حياة شخصية شهيرة فتجاهلوا أنهم فى الأساس يقدمون فيلما ورضخوا لمطالب الورثة فى ظهور البطل كشخصية ملائكية مسطحة بلا عيوب أو أعماق وبذلك حولوا أفلامهم لمجرد سرد لعدد من الأحداث العامة يعلمها الجميع وابتعدوا عن الحياة الشخصية للبطل لتكون النتيجة فى النهاية مسخا لا ملامح له.

ورغم فشل المخرج شريف عرفة فى عمل فيلم جيد عن قصة حياة عبد الحليم حافظ إلا أن خبرته وموهبته لم تخزله أو تتخلى عنه تماما فشاهدنا فى "حليم" عدد من المشاهد واللقطات المتميزة لعل أهمها لقطة ميدان القتال فى يونيو 1967 وهى فى تصورى أفضل لقطة حرب شاهدناها فى فيلم مصرى حتى الآن وقد بدى واضحا فيها الأداء التمثيلى الجيد والذى استفاد من مئات الأفلام الغربية الحديثة التى قدمت عدد من اللقطات المبهرة فى هذا المجال، هناك أيضا مشهد البداية والتى ضم عدة لقطات رائعة كاللقطة التى يظهر فيها جمهور حليم من الفتيات وهن ينتظرن ظهوره فى التليفزيون، ولقطة عبد الحليم وهو يحاول الوصول لكوب الماء وهناك أيضا مشهد اعلان النكسة فى راديو المقهى واعلان موت عبد الحليم فى الأستديو وغيرها من المشاهد الجيدة…

أما أسوأ المشاهد فكانت تلك التى يتناول فيها عبد الحليم "هيثم زكى" الحقنة فتبدو عليه فجأة مظاهر الصحة ويقوم كالوحش ليغنى إن هذه المشاهد كانت تشعرنا أننا نشاهد قصة حياة كائن فضائى يتناول حقن شحن نووية تحوله لفتوة لا تظهر عليه ملامح الرجل المريض وهنا يجب الانتباه لأن الماكياج لم يساعد على اشعار الجماهير بالمراحل العمرية لعبد الحليم حافظ والذى على ما يبدو قد انتقل من عمر العشرين لعمر الخمسين فجأة وبلا مقدمات. وعلى عكس الماكياج فقد كانت الملابس وتسريحات الشعر والديكور عناصر دقيقة وجيدة.

25 يوليو 2006




أمم تعشق السادية وتستمتع بالكهنوت..!

جلست أتناقش مع قريبتى التى تصغرنى بخمسة عشر عاما فى حوار امتد لساعتين كانت تحاول فيه إقناعى بأننى مغفلة لأنني أرى فى الغرب وأهله حسنة ما .. كانت تصر على أننا (كما لقنتها ثقافتها التليفزيونية المحدودة والميمونة) أحسن ناس، العربى أحسن من أى شخص آخر ومصر جنة الله فى الارض ليس بها تلوث ولا حرامية ولا يتآكل أهلها الفقر المادى والمعنوى ولا حاجة .. ذكرت لها ألف حقيقة تفند عقيدتها الراسخة بأننا أحسن من الخواجات، لكنها لم تقتنع وأنهت حوارها معى باتهام أننى لا أعرف شيئا.. ثم التزمت الصمت ليس لشىء إلا لأن صبرى كاد ينفد معها وربما لأن الشرر كان قد بدأ يتطاير من عيونى، والتزمت أنا الصمت حتى لا أتعب نفسى مع طفلة رومانسية تصارع ضد فرصتها فى النضوج وتصر على أمان الانتماء للثقافة السائدة.

عقيدة أننا الافضل لم نرثها من الإسلام. إنها دائما عقيدة الجاهل المتخلف فى مواجهة العالم، عقيدة غرستها فينا بصبر لا ينفد وسائل إعلامنا التى تحاول ان ترسخ فينا تخلفنا حتى لا نسعى للتغيير، وعموما لو كنا قد ورثناها عن شىء فقد ورثناها عن حضاراتنا الشرق أوسطية القديمة.

الأزمة ليست فى الإسلام لكنها فى تصورى أزمة الثقافات التى احتضنت الاسلام وكونت منه النسخة السائدة، وأقصد بذلك ثقافات الشرق الاوسط وحضاراته. فكل دين يتكون ويصطبغ بصبغة مهده، وهو فى تكوينه يتماثل والمطالب النفسية لبيئته، ولم يولد الاسلام فى بيئة صحراوية دون ان يكون لذلك أثر فى إيمانه بالعقاب الشديد وتصويره لإله يستلذ بعذاب البشر، كما انه لم ينتشر ويترسخ فى دول الشرق الاوسط وحضاراتها الفرعونية والفارسية والفينقية والحيثية وغيرها دون ان يلبى لهذه الحضارات رغبتها الملحة فى صبغ الدين بصبغة بعيدة تستعصى على الفهم، نوع من التعقيد والكهنوت يحيطان به، ولا شك أن المسيحية فى صورتها الشرق اوسطية الأرثوذكسية وخاصة فى مصر تظهر أفضل الصور للصبغة التى يصطبغ بها الدين نتيجة البيئة التى يولد فيها، حيث تحولت المسيحية أثناء تطورها المصرى إلى ديانة كهنوتية معقدة ليس من السهل فيها أن يتمكن الفرد من استجلاب عطف وحب الرب الا بعشرات من الممارسات، حتى ان التسامح الشهير للمسيحية يكاد يختفى تحت وطأة الكهنوت والتعاليم المشددة للكنيسة وسلطتها المطلقة على حياة البشر.

وأنا أختلف معك فى ربط قوة علاقة البشر بعضهم البعض بقوة علاقة الإنسان بربه. فبينما تدَّعي الأديان أنها تقوِّي العلاقات بين البشر نجدها دائما ما تُغلِّب علاقة الإنسان بربه على علاقته بأخيه الإنسان، وهو ما دفع البشر فى كثير من الأحوال للإضرار ببعضهم البعض والتضحية بإخوانهم لإرضاء الرب. إذا لم تكن تصدق كلامى فتأمل أسباب الحروب الصليبية، ولا أقصد بذلك الأسباب السياسية والاقتصادية لدى الملوك ومهندسي الحرب، ولكنني أقصد الأسباب الموجودة لدى المواطنين البسطاء "المؤمنين" أنفسهم، فقد سيق ملايين الفلاحيين المسيحيين من أوروبا تحت دعوى تحرير القدس من دنس المسلمين.

وعموماً، كلما زاد الجهل والتخلف كلما زادت إمكانية استخدام الدين لإدانة الآخرين. حيث إن الدين فى طبيعته يقبل ذلك تماماً، لكن التهذيب والتسامح اللذين ينبعان من حسن التربية والتحضر يمنعان ذلك ويدفعان المجتمعات لرفض المغالاة والمزايدة باسم الدين. ونحن فى الشرق الاوسط قوم متخلفون لم ننل فى معظمنا تربية أخلاقية صحيحة تدفعنا لقبول الآخر، ولهذا فإن كل مجموعة دينية تكفر الآخرين وتكن لهم كراهية قد تكون أسبابها اقتصادية أو سياسية، ولكنها تجد تنفيساً عنها فى إطار دينى لأن الدين هو النافذة الشرعية التى لا يدينها الآخرون بل بالعكس يتعاطفون معها، وعموما فإن أي دين لن ينجح في اجتذاب أتباع إذا ما اعترف بصلاحية المناهج الأخرى التي يستمد شرعيته من رفضها والاستعلاء عليها (انظر كيف قام النبي إبراهيم بتحطيم التماثيل التي يعبدها قومه !!). فالأديان الشرق أوسطية بالذات تبالغ فى الرفض والاستعلاء سواء كانت يهودية او إسلامية او مسيحية. وجميع أبناء إبراهيم يصور كل منهم نفسه على أنه دليل الفرقة الناجية الوحيدة. وحتى الدول والمجتمعات الأكثر تحضراً لم تكف عن استخدام الدين فى الاستعلاء ورفض الآخر الا بعد ان ذاقت الأمرّين فى العصور المظلمة ثم فى عصر النهضة نفسه.

نحن إذن ملعونون بالاستعلاء على الآخرين والمزايدة عليهم. انه نظام ذهنى فى التفكير ونظام نفسى للاستعلاء على حقيقة تخلفنا. فنحن اما ان نردد اننا افضل من العالم المتحضر بفضل اخلاقنا !! أو ان نردد اننا افضل من بعضنا البعض بفضل الدين أو العرق أو حتى درجة الالتزام باتباع تعاليم الدين وأوامره.

إننا ملعونون أبناء ملعونين، خلق الله وبسط أمامنا كل سبل العيش وأتاح لنا إمكانيات لا نهائية لاختيار التقاليد المناسبة والعادات والدين، وكان علينا أن نختار لأنفسنا ونترك الآخرين ليختاروا ونحترم اختياراتهم ونتركهم يحترمون اختياراتنا، لكننا بينما فتح هو علينا اخترنا نحن ان نغلق على انفسنا. نحن شعوب تحب وتهوى المبالغة والمغالاة (وليس أفضل من الدين مجالا لذلك) ولما كان الدين مصنوعاً من المبالغة كان من الممكن ان نبالغ فى التسامح والتهاون وقبول الآخر، لكننا وجدنا ان هذا لن يمكننا من لعب دور طليعى فى إدانة كل منا للآخر.

الخلاصة نحن من كل الاديان وداخل هذه المنطقة فى الغباوة سواء .. فهذه العادات تجرى فى عروقنا مجرى الدم.

14 يوليو 2005




ما رأى فضيلته فى مأساة فلسطين ومحنة العراق..؟! مفتى القدس يؤكد أن الله حارب أمريكا نيابةً عنا !!

ما زال كبار مشايخنا يرددون على مسامعنا وعلى مسامع العالم آراءهم وأقوالهم العبقرية التي لا ينجم عنها إلا تشويه صورة المسلمين وإظهارهم بمظهر المتوحشين المتعطشين إلى دماء غير المسلمين.. ناهيك بالطبع عن أن كلام أصحاب الفضيلة كلام شبه مقدس وله منزلة عالية عند عامة الناس خاصةً من يجهلون أمور دينهم ودنياهم.

فها هو مفتي القدس يتحفنا في ليلة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج بخطبة عصماء ، يقول لنا فيها إن الله ينتقم للمسلمين من أمريكا ويحاربها نيابةً عنهم .. وإن إعصار كاترينا الذي أغرق مدينة نيوأورليانز الأمريكية وقتل أهلها وشردهم هو عقاب إلهي على ما فعلته أمريكا بالعراق.

بالله عليك يا شيخ .. إن كان هذا صحيحاً فلماذا فى رأى فضيلتك ينتقم الله من المسلمين، سواء في فلسطين المبتلاة بالاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من نصف قرن، أو في العراق التي لا يمر بها يوم دون أن يسقط فيها عشرات الضحايا من العراقيين بينما لا يتضرر الامريكان إلا قليلاً ؟!.. وكيف تفسر عشرات الكوارث الأخرى التي تصيب المسلمين مثل زلزال مصر وزلزال الجزائر الشهير وكارثة العراق الأخيرة التي وقعت أثناء إقامة شعائر دينية "إسلامية"، وغيرها وغيرها من الكوارث ؟!

أرجوك يا شيخنا أن لا تكرر هذا الكلام مرة أخرى حتى لا تعطي لإسرائيل فرصة لأن تقول إنها يد الله التي تقتل الفلسطينيين تنفيذاً لمشيئته تعالى، مستخدمة نفس المنطق الذي استخدمتموه فضيلتكم لتبرر استمرارها في إبادة الشعب الفلسطيني.

ثم أين سماحة الدين عندما نفرح فيما يحدث لمدنيين "غلابة" لا شىء بيدهم معظمهم من النساء والأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة، علاوة على أن أغلبيتهم من أصول أفريقية ، والحكومة الأمريكية متهمة بأنها أساءت معاملتهم وتأخرت عن إغاثتهم لأنهم ليسوا من البيض.. كما أن فيهم إخواناً لنا من العرب والمسلمين الذين ذهبوا إلى أمريكا بحثا عن لقمة العيش !!!

كيف يمكن لفضيلتكم أن تظهروا هذه الشماتة اللا إنسانية في طفل أو امرأة أو عجوز ماتوا غرقاً أو جوعاً وعطشاً بسبب تأخر الإغاثة عنهم ؟! وأخيراً.. فإن الدمار الذي نتج عن الإعصار لم ينل من مبنى البنتاجون ولا البيت الأبيض ولم يخفض حتى معنويات الرئيس الأمريكي الذى ذهب مسرعا بالطائرة ومتجملاً بمكياج الرفق بالحيوان حيث نزل من الطائرة وهو يحمل كلبه أو خنزيره العزيز - لا أعلم - كما أن الدمار لم ينل من مصانع الأسلحة ولا من بارونات السلاح أو السياسة فى الولايات المتحدة.

يا شيخ.. كنا ننتظر أن تظهر روح الإسلام الحقيقية وتدعو الله أن يسبغ رحمته على ضحايا الكوارث فى كل مكان، بدلاً من عبارات الشماتة التي ينتظرها أعداؤنا - بفارغ الصبر - للنيل منا ومن صورتنا كعرب ومسلمين.

2005




هل المسألة كلها استغفال ومقايضة

مهرجان الاذاعة والتليفزيون ووهم التسويق للخليج تساؤلات لقادة ماسبيروا على الله يجاوبوا عليها المرة دى:

متى ترحمنا وزارة الاعلام من اوبريتات البله التليفزيونى؟

هل انتهت مشاكل الاعلام المصرى وتفرغنا لبعزقة فلوس الشعب فى احداث البذخ الاستعراضية؟


قالها من قبل سعد زغلول وأكد أنه مفيش فايدة .. فلو أحضروا عمر بن عبد العزيز لكى يتولى قيادة مبنى الفساد والخواء الفكرى المسمى ماسبيرو.. حتى بن عبد العزيز نفسه قد ينجحون فى توريطه فى تفاهتهم التى لا مثيل لها.. ومش بعيد يطلع بعد سنتين بقضية رشوة فالدماغات الفاضية عندما تتسلط على الرؤساء تحول اى عبقرى إلى أبله.. كما ان المال السايب يعلم السرقة.

بالصدفة البحتة شاهدت جزءا من افتتاح مهرجان الاذاعة والتليفزيون والصدفة هنا سببها اننى منذ فتح الله علىّ بالدش لا اشاهد التليفزيون المصرى أبدا، وقبلها لم اكن اشاهد التليفزيون على الاطلاق كرامة لقدر التخلف والغباء والقبح الذى يعمر به تليفزيون بلدنا – مصر- ، المهم لا أذكر ما هى المناسبة التى جعلتنى اشاهد هذا الجزء من الافتتاح حيث وجدت مجموعة من الراقصين والراقصات يرتدون شاشات كمبيوتر فى رؤوسهم ويرقصون فى حركات ارتجالية مضحكة مرددين كلام فارغ لم استطع فهمه ولا ادراك علاقته بافتتاح مهرجان للاذاعة والتليفزيون.. فى هذه اللحظة تأكدت من انه لا فائدة ترجى من مبنى ماسبيروا كما تأكدت من حكمة القدماء فى ان المال السايب يعلم السرقة فعلاً.

منذ عامين كنت فى زيارة إلى صديق فى هيئة قصور الثقافة، وفوجئت برئيس الهيئة يخرج وفى يده ورقة من جريدة ما ويطلب من سكرتيره الاتصال بصاحب المقال لانه يملك فكرة جيدة يمكن تطبيقها.. وقتها تصورت انه لابد ان يُحدث هذا الرئيس طفرة فى هيئة قصور الثقافة ، حيث لابد انه يحمل تصورا مختلفا عن قدرة هذه الهيئة فى التأثير فى الثقافة المصرية.. مرت الايام سريعة وتولى هذا الرئيس (أنس الفقى) وزارة الاعلام فكنت من القلائل الذين استبشروا بذلك خيرا لان وزير الاعلام الذى يحكم القلعة العتيقة المسماة بماسبيرو يحتاج لآلاف من الافكار الجديدة ليطور هذه المؤسسة العفنة الممتلئة بالحيتان من الحرامية والفاسدين ومن لا علاقة لهم بالعمل الاعلامى أو الادارى والذين يقودون آلافا من المنتفعين والاقارب والمتملقين والجهلاء.. ببساطة هذا المبنى يحتاج لإعادة احلال وتجديد، وقد تصورت ان الوزير الجديد قد يستطيع ان يهز عروش الزبانية فى ماسبيروا خاصة وانه قد احاط قراراته بمزيد من السرية وبدأها بتولية عدد من المجتهدين فى مواقع المتسلطنين.. ولكننى بعدما شاهدت افتتاح مهرجان الاذاعة والتليفزيون فقدت الأمل من جديد.

لمــــاذا......؟!!!

فى البداية كنت أتصور بسذاجتى المعهودة أن إصرار اتحاد الاذاعة والتليفزيون على عمل حفلات تضم أوبريتات بسب وبدون سبب - عيد الإعلامين، عيد ميلاد مبارك، مهرجان القراءة، مهرجان الاذاعة والتليفزيون - يعود إلى انعدام الذوق الجمالى والثقافة الفنية لدى قادته، حتى أنهم يحبون هذا التخلف الذى يسمونه "أوبريت"، أو ربما يعود إلى الرغبة الشديدة فى تملق رئيس الجمهورية والسيدة الأولى مما يدفعهم إلى ترديد إنجازاتهما فى أوبريتات كاذبة من نوعية اخترناك، كفر مصيلحة، ماما سوزان.....وإلخ إلخ، وتصورت أيضا أن السبب قد يعود إلى جهل هؤلاء المتملقين بأنه لا يوجد بلد فى العالم يفتتح مهرجاناته باستعراضات حتى ولو كانت جيدة وليست بهذا القبح، وان افتتاح وختام مهرجانات هامة وضخمة كمهرجان كان أو برلين أو فينيسيا لا يتضمنان أوبريتات ولا يحزنون ولكن فقط كلمة ترحيب وفيلم تسجيلى أو درامى أو مجموعة عروض فيلمية وكان الله بالسر عليم.. وهو ما دفعنى للكتابة مرارا منتقدة افتتاحاتنا المتخلفة، ولكن وكما هى العادة فى مبنى ماسبيرو فهناك دائما ودن من طين وأخرى من عجين والأوبريتات مستمرة..

وقد اكتشفت فيما بعد أن الاوبريتات مازالت مستمرة لانها تمثل أكل عيش لحفنة من المنتفعين.. فالاوبريت تُرصد له ميزانية قد تصل مليون جنيه أو على الاقل نصف مليون يتقاسمها عدد من المدراء والمسئولين عن المتابعة والتنفيذ وفرقة من المستفيدين من مخرج وفرقة استعراضية ومصمم رقصات وكاتب أغان وملحن إلى آخره.. وشبكة العلاقات والمصالح المعقدة فى التليفزيون لا تسمح بان يتم تنحية هؤلاء جانبا وتوفير الميزانية.. وهكذا فلا بد من استمرار هذه الأوبريتات التى تمثل قمة قلة الذوق والادعاء، حيث نبلى ضيوفنا بقصيدة عصماء فى الاشادة بذواتنا مدَّعين اننا اسياد المنطقة اعلاميا وأسياد التطور الحديث فى الاعلام والراديو والكتابة والتليفزيون .. الى آخر هذه الخزعبلات المكررة والتى قد يصلون فيها للادعاء باننا فى مصر وبواسطة وزارة الاعلام المصرية قد اخترعنا فكرة الاكل والشرب وربما التنفس أيضا.. وهم فى انطلاقتهم الاوبريتية الكاذبة لا يخجلون من التأكيد على أن مصر واحة الحوار والديمقراطية والتكنولوجيا ويصوروننا على اننا اغنى من سويسرا واكثر تقدما من امريكا وأكثر ديمقراطية من انجلترا، مما يسبب للمرء الشعور بالغثيان والضيق النفسى، ويزداد ضيقنا عندما نتصور الضيوف الذين نستقبلهم فى الافتتاح والختام وهم مقيدون الى كراسيهم مضطرين الى الاستماع لهذا الكذب والادعاء الوقح ومن بينهم ان لم يكن معظمهم من هم اكثر منا تقدماً تكنولوجيا واعلاميا .....

فكر آل العدل

ولان هذه المهازل المسماة أوبريتات ضرورية لكى يقتات منها حفنة من الحرامية.. وحتى لا يتم إرهاب وإهانة الضيوف.. فقد أضافت إدارة المهرجان هذا العام تجديدا هاما باستخدام فكرة وحدة المصير كأساس لاوبريت الافتتاح.. وهى اضافة عبقرية من مدحت العدل فى اشارة إلى وحدة مصير الحكام العرب الذين يعانون هذا العام من الضغوط الخارجية لزحزحتهم ولو قليلا عن استبدادهم من فوق عروشهم.. ومن اولى من مدحت العدل والذى اشتهر بالالمعية فى اختيار الكلمات المناسبة للمواقف والداعية لترويج افكار الحكام العرب !!.. وعموما فإن العدل ليس غريبا على مهازل الأوبريتات بل يعتبر من قدامى المستفيدين، حيث قام بتأليف - وأحيانا إنتاج - عدد منها.. وفى هذا العام انضم له من المستفيدين الملحن عمرو مصطفى والموزع عادل حقى ومحمد حسانين صاحب الفرقة الاستعراضية والمخرجان وليد عونى واشرف لولى، ليقدموا معاً تحفتهم الفنية "أحلام واحدة و مصير واحد" – أبو زعبل إن شاء الله !

وبعيدا عن حفلات الافتتاح والختام التى تتسم ببذخ لا سبب له.. ما هو السبب وراء إقامة مهرجان الإذاعة والتليفزيون من أصله .. لماذا يقيمونه؟

فى اللائحة المعلنة عن المهرجان يدعون ان اسباب اقامته هى :

  • 1- تحقيق تقارب إعلامى عربى يُكـرّس مفهوم الأخـوّة العربية , ويُعزز الصلات بين المبدعين العرب فى كل مكان.
  • 2- الارتقاء بمستوى الإنتاج الإذاعي والتليفزيوني في الوطن العربي ...
  • 3- الوصول إلى مفاهيم عربية مشتركة ، وتحقيق التكامل بين المؤسسات الإعلامية العربية.
  • 4- الاطلاع على أحدث ما تفرزه تكنولوجيا الاتصال من خلال ما تعرضه الشركات والمؤسسات العالمية المتخصصة من أجهزة ومعدات.
  • 5- تنشيط تسويق الإنتاج الإذاعي والتليفزيوني العربي والأجنبي.

ودعونا نصدق ان الهدف من المهرجان ليس دعوة اصدقاء القيادات الماسبيروية من الدول العربية لقضاء يومين حلوين على حساب الدولة والذين بدورهم سوف يقومون برد الدعوة مشكورين ومنحهم الهدايا فى مقابل الجوائز أو على اقل تقدير الجوائز فى مقابل الجوائز ويخرج الجميع فرحا لانهم وزعوا الجوائز على بعض فاستطاع كل منهم ان يدعى انه يؤدى عمله بتميز.. سوف ندعى انه لا يوجد فى هذا المبنى الشريف النظيف والذى يعلى من شأن الموهبة والموهوبين ويشجع الابداع والحرية فى ابداء الرأى - لا يوجد داخله من يفكر بهذه الطريقة الخبيثة الملتوية وأنهم أقاموا هذا المهرجان لاسبابهم النبيلة التى اعلنوها وخاصة زيادة مبيعات الانتاج التليفزيونى والاذاعى الذى لم يعد احد فى دول الخليج (التي كانت تمثل السوق الرئيسية لبيع الانتاج الاعلامى المصرى) يرغب فى شرائه لأن الآخرين قد اجتذبوا المواهب من جميع انحاء المنطقة وقاموا بتدريبهم على يد خبراء اجانب وامدوهم بالتكنولوجيا والامكانات وطالبوهم بالابداع او على الاقل عمل نسخ من برامج غربية ناجحة فعملوا عشرات من البرامج والمسلسلات والافلام الناجحة.. واصبحنا نحن اقل منهم فلماذا يشترون.. ما علينا لعل براءة من اقترح اقامة هذا المهرجان قد صورت له انه قد يؤدى إلى عملية البيع المرغوبة.

وحتى اذا كانوا العرب من السذاجة او المجاملة بحيث يقومون بشراء بعض الإنتاج المصرى فنحن لا نعطيهم الفرصة اصلا لاستعراض هذا الانتاج.. حيث يضم المهرجان 30 لجنة تحكيم فى 30 مسابقة تضم المسلسلات والبرامج والسهرات بانواعها.. وكل مسابقة تمنح ثلاث جوائز ذهبية وفضية وبرونزية وأحيانا تمنح جائزة رابعة خاصة أو تمنح إحدى الجوائز مناصفة.. أى أن الفائزين فى النهاية تتراوح أعدادهم بين الـ90 والـ100 فائز.. هل يمكن أن نتصور سويقة أكبر من ذلك ليس فى المهرجانات ولكن فى الكون كله ؟!.. وإذا افترضنا انهم يقيمون هذا المهرجان لكى يضمنوا تسويق اعمالهم أفليس من الحكمة ان يقام فى فرع او فرعين كالاعمال الدرامية مثلا او البرامج السياسية أو غيرها، ليضمنوا ان يشاهد الضيوف ما يعرضونه بتأمل ويملكون الفرصة للشراء.. سيرد البعض بأن عمليات الشراء لا تتم كذلك ولكن لاننا ما زلنا فى مجتمع متخلف فان البيع والشراء يتمان فى الحفلات الخاصة ولأسباب بعضها غير مشروع وبعضها سببه الرغبة فى الحصول على الجوائز، ولذلك فإن اللجان عادة لا تضم أكثر من شخصية عربية واحدة بحيث يمكن التحكم تماما فى نتائج كل مسابقة، فقد جرت العادة على تزوير النتائج فتمنح للأعمال المصرية التى سبق وفشلت من حيث التسويق أو للمنتجين واصحاب القنوات العرب الذين أبدوا رغبة فى الشراء.. ودورات المهرجان العشر السابقة تمتلئ بحوادث تغيير النتائج فى آخر دقيقة أواعلان نتائج مختلفة عما اتفقت عليه اللجنة المختصة .. اتساءل اذا كان هذا ما يحدث فهل يجب الاستمرار فى سويقة هذا المهرجان؟ اليس من الافضل ان نعتكف قليلا على انفسنا نطور أداءنا الاعلامى وننتج اعمالا تستحق التسويق ثم نعرضها للبيع فنجد من يشتريها بلا استغفال ولا مقايضة.. ومن ثم نوفر فلوس اتحاد الاذاعة والتليفزيون لتدريب كوادر الاتحاد التى تحتاج لعشرات الملايين ليتم غسل وتجديد رؤوسهم..

2004




هل يفجر مزيدا من المشاعر العدائية ضد العرب..؟

منذ أيام بدأ عرض فيلم "يونايتد 93" فى الولايات المتحدة الأمريكية ،وهذا الفيلم هو أول فيلم يتم تكريسه من أول دقيقة إلى آخر دقيقة لمعالجة أحداث 11 سبتمبر ، والفيلم يثير فى الوقت الحالى العديد من ردود الفعل- ليس بسبب مستواه الفنى- ولكن بسبب ما يعيده لذاكرة المواطن الأمريكى من ذكريات مؤلمة ، وما قد يفجره فى المجتمع الأمريكى من رغبة فى الإنتقام ، رغبة قد تفيد الإدارة الأمريكية وتحسن قليلا من صورة "بوش" الذى يقود حربه خارج أمريكا باسم محاربة الإرهاب، لكنها أيضا قد تشعل المجتمع الأمريكى من الداخل بمحاولات للإنتقام من العرب والمسلمين..!!

أهم ما يميز فيلم "يونايتد 93" هو ابتعاده التام عن الطابع الميلودرامي الذي يبالغ في تصوير المأساة حتى يجعلها شبه خيالية ويفقد الفيلم مصداقيته وتأثيره المطلوب. فرغم أن أحداث 11 سبتمبر نفسها كانت أغرب من الخيال ، إلا أنها في نهاية الأمر واقع حي نجح المخرج "بول جرينجراس" في تصويره وتجميع شوارده وضمها إلى خيوطه الرئيسية ليقدم لنا فيلماً نابضاً بالحياة وبكل ما احتوته تلك اللحظات القليلة من عدم تصديق وذهول وخوف وتخبط اعترى الناس في الشوارع وفي البيوت وفي مقر هيئة الطيران المدني وفي البيت الأبيض ومباني المباحث الفيدرالية والمخابرات والجيش والشرطة.

لقد ركز الفيلم أولاً على ركاب الطائرات التي تم اختطافها والاصطدام بها في برجي مركز التجارة العالمي والبنتاجون ، ثم انتقل بعد ذلك إلى ردة فعل هذه الحوادث على المسئولين الأدنى درجة في غياب المسئولين الكبار الذين بحث كل منهم (بمن فيهم الرئيس الأمريكي ومعاونوه) على مكان تحت الأرض يختفي فيه من أهوال مجهولة لم يتبدَ منها سوى نذر تشير إلى دمار شامل قادم في الطريق.

يظهر الفيلم ردة الفعل الأولى وهي عدم تصديق ما يحدث واعتباره خدعة أو مقلباً سخيفاً ، و مع توالي الأحداث وثبوت وقوع الكارثة تظهر الصدمة التي أصابت الجميع بالذهول ثم بالخوف الذي قاد إلى التخبط والعجز أمام هذا الشر المجهول المصدر والمصير..

فى مشاهد سريعة الايقاع تدور الكاميرا في كل أنحاء الولايات المتحدة لتصور مشاعر البشر على اختلاف مواقعهم من الحدث.. الحزن الذي غمر أهالي الضحايا الذين يوقنون أن أبناءهم أو ذويهم على متن إحدى هذه الطائرات أو في أحد البرجين المنهارين.. والرعب الذي أصاب من يظنون أن أحد أبنائهم أو أقاربهم يمكن أن يكون ضمن ضحايا الكارثة.. والخوف العام الذي عرف طريقه إلى قلب كل أمريكي سواءً كان مواطناً عادياً أو مسئولاً أمنياً.. وشعور المسئولين بالخزي والخجل من عجزهم عن حماية أرواح مواطنيهم.

خصص المخرج النصف الأول من فيلمه لعرض حوادث الطائرات الثلاث التي اصطدمت بالبرجين وبالبنتاجون وما تبع ذلك من ردة فعل ، ثم أفرد النصف الثاني من الفيلم لحادثة الطائرة الرابعة التي فشلت في الوصول إلى هدفها وسقطت في أحد الحقول الزراعية في ولاية بنسلفانيا.. وقد أخذ الفيلم اسمه من كودي الرحلة الذي تحمله هذه الطائرة وهو "يونايتد 93".

دخل المخرج بكاميراه إلى قلب الطائرة ، واستعرض وجوه ركابها ووجوه الخاطفين.. وهنا تظهر موضوعية المخرج بوضوح (وإن كانت موضوعية مُغرضة بعض الشيء) ، فهو لم يبالغ في تشويه صورة الخاطفين وإظهارهم على هيئة مسوخ بشرية لا غرض لها سوى القتل وسفك الدماء ، وإنما كانت الكاميرا تمر على وجوههم وتلتقط ما يبدو عليها من ملامح القلق الغارق في سكون أشبه بسكون الموتى أو الموشكين على الموت.. لم يُبدِ الخاطفون وحشيةً في تعاملهم مع الركاب إلا لهدف استراتيجي مدروس وهو الوصول بسلام إلى غرفة القيادة للسيطرة على الطائرة واقتيادها إلى المصير الذي أرادوه لها ، وفيما عدا ذلك لم تخرج أفعالهم عن إطار إشهار السكاكين وتهديد الركاب بها عن بعد ، إضافة إلى ابتهالهم بالدعاء لله كي يوفقهم في مهمتهم ، وقد أخذت هذه الابتهالات تبدد تعبيرات القلق التي كانت تكسو وجوههم ، لتحل محلها تعبيرات عن عزم شديد وثقة تامة بأنهم محل عناية الخالق.. ورغم أن الفيلم يصور في حيوية بالغة مشهد قتل قائد الطائرة ومعاونه ، إلا أن المخرج لم ينتهز هذه الفرصة لإظهار الخاطفين في صورة سفاحين دمويين يتلذذون بالقتل وينكلون بضحاياهم دون داعٍ ، وإنما أظهرهم قتلةً طبيعيين مضطرين إلى فعل ذلك لتحقيق الهدف الذي ركبوا الطائرة من أجله، وهنا يظهر حرص المخرج وطاقم الفيلم على عدم إثارة مزيدا من المشاعر العدائية عند المشاهد " الأمريكى والغربى" ضد العرب والمسلمين ، حيث أن الأوضاع الحالية فى الولايات المتحدة لا تحتمل المزيد من هذه المشاعر.

تستمر الأحداث حيث يتمرد الركاب على الخاطفين ثم يفشلون في السيطرة على الموقف وتسقط الطائرة ويموت كل من عليها.. وفي مشهد التمرد تتجلى مرة أخرى موضوعية المخرج "جرينجراس" حيث يؤكد على موضوعيته في تناول الأحداث حين يبين لنا أن الأمل وليس التضحية هو السبب الرئيسي لهذا التمرد.. فالركاب لم يثوروا على خاطفيهم رغبةً منهم في منعهم من الوصول إلى البيت الأبيض وحماية واشنطن من هذه الكارثة ، ولكن ما دفعهم إلى الثورة هو الأمل في السيطرة على الموقف ومنع الطائرة من السقوط كما أراد الخاطفون.. لقد كانت الرغبة في الحياة هي الدافع وليس التضحية على غرار البطولة العنترية الأمريكية المعهودة في أفلام هوليوود.

فى "يونايتد 93" قدَّم لنا المخرج "بول جرينجراس" فيلماً موضوعياً (من وجهة النظر الأمريكية على الأقل) حول أحداث ما زالت تلقي بظلالها على ما يجري في العالم حتى اليوم ، ليضيف بذلك إلى رصيده السينمائي فيلماً مهماً آخر بعد فيلمه الشهير "يوم الأحد الدامي".


30 أبريل 2006




هل "بن لادن" هو من أحرق دهب ..؟

تنظيم القاعدة.. بن لادن.. قناة الجزيرة.. بدو سيناء هذه هى عناصر السيناريو الذى حاولت أغلب وسائل الإعلام الغربية ترويجه بعد ساعة من تفجيرات دهب ، مؤكدة ليس فقط مسئولية " القاعدة" عن تلك التفجيرات، بل ومتهمة شريط بن لادن بأنه يحوى شفرة خاصة تلقفها منفذو العملية لارتكاب جريمتهم فما هى حقيقة ما حدث؟ وهل يمكن فعلا أن نحمل شريط بن لادن مسئولية التفجيرات؟

ليس التوقيت وحده هو ما يثير الريبة فى أن يكون شريط بن لادن الذى أذاعته الجزيرة قبل تفجيرات دهب بيوم واحد يحتوي على شفرة تتضمن الإشارة إلى جماعة متفرعة عن القاعدة بالقيام بالتفجيرات (هذا فى حالة أن يكون القاعدة هو المسئول عن هذه التفجيرات)، لكن جملة معينة تم ذكرها فى الشريط الأخير ربما تكون قد أثارت الكثير من الريبة.. تلك الجملة هى " مع الأخذ فى الاعتبار إلى ما نبه له الشيخ أيمن الظواهري من حرمة الدخول في المجالسة الشركية".. فهذه الجملة تبدو لا محل لها من الإعراب في سياق مجمل الخطاب ، وكأنما قد تم إقحامها إقحاماً على النص، خاصة مع الدلالات المختلفة التي يحملها اسم "أيمن الظواهرى"، فهو كما نعلم الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة إضافةً إلى كونه مصرى الجنسية، كما أن لقبه "الظواهرى" فيه إشارة إلى "الظهور" أي الخروج إلى النور ، وهو ما يعنى هنا أن تفى هذه الجماعة التي نفذت التفجيرات بما طالب به بن لادن المسلمين فى نفس الشريط من محاربة الصهاينة وأعداء الإسلام.. أما باقي الجملة فيشير إلى تنبيه الظواهرى بعدم مجالسة الشركيين (والمقصود بها المشركين ومن يتشبه بهم) ، أى عدم التواجد معهم فى نفس الأماكن والتى تضم بالضرورة الأماكن السياحية ، والتى ربما كانت تعنى القيام بالهجوم المتوقع فى الموقع السياحى المختار الذي يختلط فيه المسلمون بالسائحين من كافة الملل…!! لذا لم يكن غريبا أن تخرج علينا جريدة الإندبندنت صبيحة تفجيرات دهب بأخبار عن تحليل شريط بن لادن ومحاولة الخروج بشفرة استخدمها بن لادن لمخاطبة الخلية الفرعية التى كان عليها أن تقوم بالعملية فى دهب.. وعموما فإن تصديقنا لمفردات مثل هذه الشفرة المفترضة سوف يؤدى بنا مباشرة إلى تصور مفاده أن تنظيم القاعدة يعد العدة للقيام بسلسلة من التفجيرات فى البلدان التى ذكرها بن لادن فى شريطه ومنها السودان والعراق والولايات المتحدة.. وهذا التصور لن يقلل من مصداقيته (المفترضة جدلاً) عدم ذكر اسم مصر صراحةً فى هذا الشريط ، طالما أنه قد تم ذكر أيمن الظواهرى بدلا منه.. المشكلة أن مثل هذه الافتراضات إن صدقت ستثير الكثير من الرعب فى العديد من البلدان، ولكن لكى نبدأ فى الشعور بهذا الرعب الجديد علينا أولا أن نصدق أن تنظيم القاعدة هو من قام بهذه العملية وهو افتراض تؤكده عدة أسباب وتنفيه أسباب أخرى .

هذا الافتراض كانت وراءه محاولات من قبل الولايات المتحدة (فى تصريحاتها الرسمية) وإسرائيل (فى صحافتها) الإيحاء به ، مع الأخذ فى الاعتبار أن صحافة إسرائيل حاولت أن تترك الأمر متراوحاً بين اتهام حماس أو القاعدة بالقيام بذلك ، بينما كانت مواساة بوش الحميمة تبدو وكأنها تشير من طرف إلى أن المصريين والأمريكان يعانون من نفس المصدر "الإرهاب" والذى له عند بوش وإدارته مسمى واحد وهو تنظيم القاعدة.. صحيفة معاريف الإسرائيلية ذكرت أن القاعدة قد يكون وراء التفجيرت، وأضافت أنه إذا ثبتت صحة ذلك فسوف يكون من الصعب أن تعرف الحكومة المصرية إلى أى جهة عليها أن تتجه بانتقامها..!! وعن السؤال حول كيف تمكنت القاعدة من تنفيذ هذا المخطط الإرهابى يجيب الطرف الأمريكى على لسان بروس هوفمان خبير وحدة الإرهاب بأنه على الرغم من أن مصر كانت من أهم الدول فى الشرق الأوسط التى استطاعت التعامل بنجاح مع الجماعات الإرهابية إلا أن الهجوم الأخير يوضح كيف أن الإرهابيين مهرة ومبتكرون، ثم أشار هوفمان إلى من يعتبرهم كعب أخيل فى الأمن المصرى أو نقطة الضعف الوحيدة مؤكدا أن هذه النقطة ليست إلا بدو سيناء..!! إذن فالسيناريو المقدم لنا هو أن القاعدة قد قامت بالعملية مستخدمة بـدو سيناء وبإعطائهم الإشارة الأخيرة عن طريق شريـط فـيديو قامت ببثه قـناة الجزيـرة (!!) والحقيقة أننا لما كنا نعلم يقينا أن هذا الهجوم لم يأت من الداخل لأن المصريين بعدما ذاقوه من الإرهاب والتطرف أصبحوا يمقتون مثل هذه العمليات التى لا تؤدى سوى للخراب، ولما كان من غير المحتمل أبدا أن نصدق السيناريو الثانى الذى تطرحه جريدة معاريف الإسرائيلية من أن حماس قد تكون وراء هذا الهجوم ، وهى فكرة مزعجة وغير قابلة للتصديق حتى وإن كانت الأردن قد سبق لها واتهمت حماس بالإعداد لعمليات إرهابية لاستهداف شخصيات سياسية وأماكن عامة ( لأننا لن نتورط فى هذا الهجوم على حماس) فإننا سنجد أنفسنا فى النهاية وقد سلَّمنا ( ربما) بتصديق سيناريو( القاعدة .. الجزيرة .. البدو) الذى تطرحه إسرائيل وأمريكا علينا.. ولكن ، ألم يكن بمقدور القاعدة أن يقوم بضربات أكثر قوة أو اقترابا من المركز المتمثل في القاهرة خاصة وهى كما يبدو لا تسعى وراء الإسرائيليين الذين لم يمت منهم أحد فى التفجير الأخير، ولكنها تسعى وراء المصريين.. هذا هواء السؤال الذى ننتظر منهم أجابتنا عليه؟

28 أبريل 2006




"فوكو ياما" ينقلب على بوش وإدارته :

أمريكا ووصفة الديمقراطية فى الشرق الأوسط


ليس من المستغرب أن تخرج علينا كونداليزا رايس وهى تقر بكم الأخطاء الفادحة التى ارتكبتها الولايات المتحدة فى العراق، وأن يتم التخلص من بعض رجال الإدارة الأمريكية إنقاذا لصورة بوش الذى انخفضت شعبيته بشدة فى الفترة الأخيرة. والحقيقة أن هذا النقد الذاتى لم تقدم عليه الإدارة الأمريكية بمحض إرادتها، بل اضطرت إليه بعد الكثير من الضغط الشعبى والنقد الشديد من جانب المفكرين ورجال السياسة.. ولعل الكاتب والفيلسوف السياسى "فوكوياما" كان الأكثر نقدا والأكثر هجوما على سياسة بوش وادارته، على الرغم من أنه ينتمى إلى نفس الاتجاه الفكرى الذى ينتمى إليه بوش وهو اتجاه "المحافظين الجدد".

وفرانسيس فوكوياما ليس فقط واحدا من أهم المفكرين والمنظّرين السياسيين فى العصر الحديث ولكنه أيضا أكثرهم شهرة وانتشاراً. وهو معروف ببصيرته الثاقبة وقدرته على قراءة الواقع واستشراف المستقبل من خلاله. وقد أحدث من قبل ضجة عارمة  بكتابه الشهير "نهاية التاريخ" والذي صدم به القراء والمثقفين على حد سواء، هذا الكتاب الذى صنع شهرة فوكوياما وأبرز قدراته الخاصة فى قراءة اللحظة واستخلاص طابع العصر  بعد سقوط حائط برلين. 

وفى كتابه الأخير "فترة ما بعد المحافظين الجدد" يوجه فوكوياما سهامه النقدية صوب الإدارة الأمريكية، وبلهجة تحمل الكثير من المرارة يشن هجوماً شرساً على سياسة بوش الخارجية. والمدهش فى هذه المسألة أن فوكوياما نفسه كان واحدا من أهم المنتمين للمحافظين الجدد لكنه الآن ينتقد الصورة التي تم بها تطبيق أفكار المحافظين الجدد على يد بوش وادارته ويخرج بحقيقة أن سياسة بوش أدت فى النهاية إلى كارثة. ومع ذلك ـ وعلى حد قول فوكوياما ـ فقد خلق فشل الغزو الأمريكى على العراق جواً من البحث الروحى فى واشنطن وهذا ما سوف يؤدى فى السنوات القادمة إلى هز المعتقدت وقلب الموازين ، وخاصة ما يتعلق منها بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة ، كما سيترك هذا الفشل أثرا قد لا يقل عن الأثر الضخم الذى تركته حرب فيتنام. يحلل فوكوياما المبررات التى ذكرتها إدارة بوش فى سياق الدفاع عن غزوها للعراق، فيذكر المبررات الثلاثة التى كان أولها الدفع بأن نهاية نظام صدام ستؤدى لانهيار الأنظمة القديمة والمتآكلة فى منطقةالشرق الأوسط وبذلك يتكرر ما حدث فى أوروبا الشرقية حيث أدى انهيار الاتحاد السوفييتى إلى تغيير النظام الحاكم فى المنطقة كلها. أما ثانى هذه المبررات فكان أن الأسلحة الحديثة المستخدمة فى الغزو سوف تؤدى إلى التقليل من الخسائر التى تتكبدها الأمم المتحدة للحد الأدنى ـ وهو ما ثبت عدم صحته. ثالثا: ادعاء الإدارة بوجود صلة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة وهو أمر لم يكن يحتاج جهداُ كبيراً لنفيه وتأكيد عدم صحته. ويظهر فوكوياما كيف انهارت هذه المبررات الثلاثة أمام الشعب الأمريكى الذى دفع فاتورة الحرب ، حيث اتضح أن العلاقة بين صدام وتنظيم القاعدة وما أثير عن أسلحة الدمار الشامل كلاهما مجرد سراب ، كما لم ينتج عن دخول الولايات المتحدة إلى العراق سوى أن أصبحت العراق على شفا حرب أهلية،أضف إلى هذا المئات من القتلى فى الجانب الأمريكى (حوالي 2300 قتيل حسب الإحصاءات الرسمية). أمريكا السيئة والديمقراطية أما الجانب الأكثر أهمية والذى يركز عليه فوكوياما فى كتابه ويرى أن له أبلغ الأثر فى مستقبل أمريكا والادارة الامريكية فهو فشل هذه الإدارة فى توقع كيف سينقلب العالم على الولايات المتحدة فيما بعد غزوالعراق ، مؤكدا على حقيقة أن المحافظين الجدد لا يهتمون كثيرا بالصورة التى يرى بها باقي العالم كيفية تصرف أمريكا في مختلف المواقف وكيف تفرض إرادتها بالقوة العسكرية وما تعكسه هذه الإدارة أخلاقيا فى سياستها الخارجية. وهو إذ يذكر ذلك يشير إلى غباء هذه الإدارة لأنها لا تضع سوى القليل من الأهمية لصورتها فى الخارج. وهو يؤكد أنه على الرغم من أن نمو التوجه المعادى لأمريكا يعود لما بعد نهاية الحرب الباردة وإلى الزيادة الحاصلة في عددالدول الساعية للإلتفاف حول أمريكا (القطب الأوحد)، كما أن تضخيم عظمة أمريكا كمركز وحيد متحكم فى العالم قد أدى لظهور لا مبالاة ملحوظة لدى الإدرة الأمريكية إزاء توجهات واهتمامات باقى العالم، هذا النوع من الغرور والعجرفة قد انتهز فرصة 11 سبتمبر ليظهر واضحا للعيان مما أدى لتبنى وجهات نظر سياسية خارجية أحادية الجانب وعدم الاهتمام بآراء البلدان الأخرى (حتى البلدان الحليفة) كما أدى إلى شن حروب بمبررات ضعيفة ومفبركة أحياناً كمبرر الأمن القومى. وفوكوياما يؤمن أنه لن يكون من السهل على الولايات المتحدة أن تستعيد الأرض التى فقدتها فى أوروبا كما أنها وهذا هو الأهم فقدت وإلى الأبد صورتها الحسنة والمرتبطة بالديمقراطية فى الشرق الأوسط حيث صار الشرق الأوسط يملك تاريخا مؤلما مع الولايات المتحدة. أضف إلى ذلك أن صورتها السيئة أصلا فى أمريكا اللاتينية قد تحولت للأسوأ حيث تتابع أمريكا اللاتينية بفضول ما تفعله الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط ، فإدارة بوش لا تلتفت لكل هذه الأنظار الموجهة إليها وتحت اسم الديمقراطية تسىء لصورتها وللديمقراطية نفسها متجاهلة فى ادعاءاتهاأنه لا يمكن نشر الديمقراطية بالقوة الخارجية فالديمقراطية لا يمكن أن تتحقق فى أى بلد حتى يتم توفر عدد من الظروف الداخلية تمكنها من الحدوث والاستقرار، والمجتمعات لا يمكن تحويلها من الديكتاتورية للديمقراطية فى ظرف أيام. ويوضح فوكوياما أن ادارة بوش كانت تميل للتصديق على أنها ستلاقى ترحيبا فى العراق وأنها ستتمكن من تحويل العراق من بلد يحكمه ديكتاتور لبلد ديمقراطى بين عشية وضحاها، إنها تلك الطريقة الخاطئة فى التفكير والتى كانت تصور أن الأمريكان والبريطانيين سيكون مرحبا بهم فى العراق، هذا التصور كان يستلهم نموذج أورباالشرقية - فيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتى - ويتخيل أنه نموذج عالمى قابل للتطبيق على مستوى العالم كله. وكما يقول فوكوياما فإن هذا النوع من التفكير هو خطأ فادح ناتج عن رغبة الولايات المتحدة والغرب فى فرض نظامه على الثقافات التى تختلف تماما عنه ، هذه الثقافات التى تحتاج لوصفات محلية من الديمقراطية، وصفات محمية من الداخل ، وصفات ستكون طبقا لرأى فوكوياما بعيدة جدا عن النوعية الغربية من الديمقراطية. سياسة خارجية ..جديدة يختتم فوكوياما كتابه بمناقشة حاجة أمريكا إلى اتباع نوعية مختلفة من السياسة الخارجية التي تعتمد على قاعدة تعددية بدلا من الأحادية، وتظهر هذه التعددية على نطاق واسع ومن خلال السياسات الاقتصادية والسياسية سياسة لا تعتمد على فرض إرادة الجيش بل على استخدام القوة الهادئة أكثر من إستخدام القوة الغاشمة، سياسة تعي جيداً أن الدول والأمم المختلفة لديها جذور ثقافية مختلفة وبالتالى فإن الديمقراطية لا يمكن فرضها من الخارج. وهو يقترح أن تعتمد الولايات المتحدة على دعم عدد من المنظمات متعددة الجوانب والتى يمكن لها أن تخلف بالتدريج الأمم المتحدة.

وفوكوياما يؤكدأنه بهذه الفكرة لا ينضم إلى حملة التشويه الأمريكية للأمم المتحدة. فعلى الرغم من أن الأمم المتحدة قد تكون غير فعالة وبلا أسنان (ومن المحتمل أنها ستكون كذلك دائماً) فلديها ميزة كبيرة تتمثل في أنها تفتح الباب لكل الأمم للتعبير عن نفسها ، دون اعتبارات جغرافية أو عرقية أو ثقافية، كما أنها أقل الكيانات الدولية قابلية للانقياد والخضوع لضغوط الولايات المتحدة ، وهذا بالتحديد ما يدفع الأمريكيين إلى كراهيتها. ويؤكد فوكوياما أنه رغم وضوح نتائج فشل سياسة المحافظين الجدد في العراق، لا يزال 150 ألف جندي أمريكي موجودين هناك بعد مرور ثلاث سنوات على الغزو وليس في الأفق أي بشائر تشير إلى وقت خروجهم من العراق، على الرغم من أن البنتاجون كان قد أعلن أصلاً أنه لن يحتاج إلى أكثر من 60 ألف جندي في خلال الأشهر الستة التالية لانتهاء الاشتباك المباشر. ويشير فوكوياما بسخريةإلى الاقتراح الذي تضمنه خطاب بوش في 2002 والذي يفيد بأن غزو العراق سيعقبه غزو إيران ثم كوريا الشمالية – هذا الاقتراح الذى تم ركنه على الرف في هدوء وصمت.

يختتم فوكوياما عتابه ذاكراً أن الولايات المتحدة قد انغمست في ممارسات استعمارية ذات مطامع عسيرة المنال. فقد بالغت في تقدير قوتها وفي الوقت نفسه استهانت بقوة بقية دول العالم، وخاصة قوة العراقيين. ويبدو أن الأمريكيين سيضطرون الآن إلى مراجعة سياستهم الخارجية، وبهذا الكتاب أطلق فوكوياما أولى طلقات النقد اللازم لإجراء المراجعة الضرورية التى على الولايات المتحدة أن تجريها على سياستها فى الوقت الحالى.


23 أبريل 2006




طارق رمضان المثير للجدل

بريطانيا قتلت جده وبلير عينه مستشاراً


منذ أيام وقَّع رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير قرار تعيين طارق رمضان مستشارا له لشئون الإرهاب ، وهو قرار يصعب تقبله دون إبداء أي اندهاش، فقد بات في حكم المعروف أن بريطانيا كانت وراء مقتل حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين وجد طارق لأمه. ولكن يبدو أن السياسة بالفعل ليس لها مبدأ، فقد تؤدي ظروف معينة إلى قتل الجد بينما تؤدى ظروف أخرى إلى مصادقة الحفيد ، علماً بأن كليهما - الجد والحفيد - يتشاركان نفس الأفكار والمعتقدات ، ولا يفصل بينهما إلا بُعد الزمن..!

صعد نجم طارق رمضان وذاعت شهرته العالمية فى فترة وجيزة نسبياً. فمنذ سنوات لم يكن أحد يعلم عنه شيئا إلا في أضيق الحدود. وكان معروفاً فقط بوصفه أستاذ فلسفة مصرى الأصل سويسرى الجنسية متزوج من سيدة فرنسية، درس الأدب الفرنسى بجامعة جنيف. لم يكن يثير الشبهات ولا تثار حوله ضجة. وبقى الحال كما هو عليه حتى أعلنت الولايات المتحدة عن منعه من دخول أراضيها فى العام الماضى. وأعقب ذلك إعلان جامعة أوكسفورد استضافته لتدريس العلوم الإسلامية بها ، إلى أن فاجأنا بلير بتعيينه مستشارا له. ورغم أن هذا قد يبدو صعودا فجائيا إلى بؤرة الضوء ، إلا أن إرهاصات هذا الصعود كانت قد بدأت منذ سنوات.

فليس من المستغرب أن يؤدى اسم حسن البنا إلى شهرة أى شخص من أسرته، خاصة إذا كان هذا الشخص حفيده وفى نفس الوقت ابناً لواحد من أهم قيادات الإخوان المسلمين في الخمسينيات وهو الدكتور سعيد رمضان الذي كان مسئولاً عن الإخوان في أوروبا.

وتشير مصادر غربية إلى أن طارق رمضان لم يكن له أى نشاط فى مجال الدعوة الإسلامية فى فترة شبابه الأولى. فرغم أن ولادته ومعيشته فى جنيف بسويسرا لم يمنعاه من الحصول على ثقافة عربية رفيعة تظهر فى إجادته التامة للغة العربية ، إلا أن انتماءاته الأولى كانت إلى حد ما فى اتجاه التماهى مع الثقافة الغربية ، ويظهر ذلك فى ولعه بالأدب الفرنسى والفلسفة الغربية وحصوله على درجة الدكتوراه في الفلسفة فيما قبل إعداده لأطروحتة فى الدراسات الإسلامية. لكن فكره الأيدولوجى قد تغير بشكل بالغ فى أواخر الثمانينيات ( كما تذكر مجلة أمريكان ثينكر ) وتبلور هذا التغير بعد رحلته لموطنه الأم مصر فى عام 1991 والتى تسميها المصادر المتحيزة لطارق رمضان رحلة البحث عن الجذور ، حيث بدأ فى حفظ وإجادة تلاوة القرآن ، وربما شكلت هذه الزيارة مرحلة من مراحل تطوره من مجرد مهاجر عربى مسلم يعيش فى أوروبا إلى داعية إسلامى يمثل فكر الإخوان فى أوروبا والغرب ، وهو ما أوصله فى النهاية إلى أن تدرجه مجلة التايم الأمريكية ضمن أهم 100 شخصية من المفكرين المجددين فى العالم .

وقبل أن نحلل آراء طارق رمضان دعونا نعرفكم أولاً من هو طارق رمضان من حيث أصوله وظروف حياته.

من هو طارق رمضان

طارق رمضان، 42 عاما، ولد يوم 26 أغسطس 1962 بجنيف السويسرية، حفيد حسن البنا، مؤسس الإخوان المسلمين (سنة 1928)، فى عام 1954 تم نفي والده سعيد رمضان على يد الرئيس المصرى السابق جمال عبد الناصر. سافر سعيد رمضان إلى جنيف. وهناك قام بتأسيس مركز إسـلامي يديره حاليا هانى رمضان الشقيق الأكبر لطارق رمضان. وقد أعد طارق رمضان رسالة دكتوراة فى الدراسات الإسلامية وذلك بعد دراسته للفلسفة وهو يعمل كما يذكر بنفسه على مشروع إيجاد شخصية إسلامية أوروبية متناغمة وهو مبحث فلسفى اجتماعى كما يبدو واضحا من العنوان. ولا أعلم أيهما أسبق بالنسبة له ، الاهتمام الفلسفى بهذ البحث أم عمله ناشطاً إسلامياً يسعى لفرض اسمه فى مجال الدعوة الإسلامية حيث تزامن بحثه الفلسفى المعلن مع نشاط واسع فى عدد من منظمات المجتمع المدنى كالرابطة الفرنسية للمدرسين ومركز فيينا للسلام والمركز البريطانى وعدد من المنظمات المهتمة بالحوار بين الشرق والغرب كلجنة " الإسلام والعلمانية" ومعهد الشرق الألمانى. وقد قام بتأليف عدد من الكتب يصل إلى 12 كتاباً كان آخرها "المسلمون الغربيون ومستقبل الإسلام" (أوكسفورد 2004). والذى سبقته كتب مثل:

  • "المسلمون داخل العلمانية" دار التوحيد 1994.
  • "الإسلام: المواجهة بين الحضارات، أي مشروع لأي حداثة" 1995
  • "نحو مسلم أوروبي"..1998
  • "أن تكون مسلما أوروبيا" 1999
  • "أصول التجديد الإسلامي/ قرن من الإصلاح الإسلامي"1998
  • "العيش مع الإسلام: لقاءات مع جاك نيرينك" 1999
  • "الإسلام في أسئلة، مع آلان غريش2000.

وكانت الولايات المتحدة قد منعته فى أغسطس الماضى من السفر إليها حيث ألغت تأشيرة دخوله لأراضيها بينما كانت الدراسة على الأبواب ، مما منعه من الوفاء بتعاقده مع جامعة نوتردام التي تعاقد معها على العمل أستاذاً زائراً للدراسات الإسلامية. وظاهر الحال أن هذا الإلغاء قد جاء نتيجة لزوبعة إعلامية أثيرت حول أفكاره عن السامية ومعاداتها فى الصحف الفرنسية فى منتصف العام الماضى وقبل انتقاله لأمريكا مباشرة.

وعموما فهذه لم تكن المرة الأولى التى يمنع فيها طارق رمضان من دخول دولة. ففي سنة 1995 منعه وزير الداخلية الفرنسي من دخول فرنسا بسبب علاقته بحركة إسلامية جزائرية متطرفة كانت في ذاك العام قد قامت بسلسلة من التفجيرات في باريس.

وقد اعتبرته مجلة تايم الأمريكية - كما ذكرت سابقاً - فى مقال نشر بها فى العام الماضى واحداً من أهم 100 شخصية من المجددين فى القرن 21وقالت المجلة إنه يشغل مكانة خاصة بين قادة الفكر الإسلامي. وأضافت أنه بوصفه ممثلاً لجيل جديد من الإصلاحيين الإسلاميين، فإنه يدعو إلى بلورة وتطبيق تقاليد وقيم إسلامية في إطار مجتمع حديث يتسم بالتعددية، داعياً المسلمين الغربيين إلى احتضان الثقافة الأوروبية بدلاً من رفضها.


وعموما، فإن وجهات النظر حول طارق رمضان تمتلئ بالتناقضات، حيث يعتبره البعض داعية يطالب بتحديثات إيجابية فى العقيدة قد تؤدى فى النهاية إلى التعايش السلمى بين الشرق والغرب بينما يعتبره آخرون معادياً للسامية وداعية يذهب مذهباً أكثر تشددا فى الفكر الإخوانى ويطالب بأسلمة الحداثة أى تحويل المجتمع المعاصر ليتطابق مع قواعد الإسلام.

والمدقق فى أفكار وتصريحات طارق رمضان يجد أنه أقرب إلى داعية "إعلامى" منه إلى داعية إسلامي حيث يتسع مدى دعوته ليعبر عن عدد من الأفكار الإسلامية تتراوح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار ، فهو على ما يبدو ليس مفكرا ولا فيلسوفا ولكن رجل سياسة وتصريحات ، ومشكلة تصريحاته أنها تختلف باختلاف من يوجهها لهم ، وقد صدق فيما ذكره لمجلة "لا تريبيون" الفرنسية من أنه قد يخفف من آرائه لأنه على حد قوله يريد أن يكون مسموعاً !! وكانت المجلة قد سألته حول تضارب دعوته إلى تجميد تنفيذ الحدود الإسلامية مع ماذكره فى نفس الحوار من أنه ضد تطبيق الحدود الإسلامية على طول الخط، وسألته ولماذا لم تطالب بإلغائها؟

ومن المؤكد أن طارق رمضان يضع أفكار جده مرشد الإخوان حسن البنا ووالده طارق سعيد نصب عينيه ، ولذا فإنه كثيرا ما يردد فى كتبه ومقالاته ومحاضراته مقولة "الاسلام هو الحل" ، لكنه فى نفس الوقت يسعى لاعتراف وتقدير عالمى به ، ولذا فإنه غالبا ما يقع فى ازدواجية الخطاب حيث يوجه خطابه للمسلمين والعرب محملا بأفكار ووجهات نظر إخوانية صرفة ترى فى الغرب حضارة منحلة أخلاقيا وهى الأفكار المأخوذة من أفكار جده ووالده فى صيغة للاستهلاك داخل المجتمع الإسلامى ، بينما يوجه خطابه للغرب فى صيغة أخرى يحرص على ملئها بالأفكار التجديدية فى الشريعة الإسلامية حيث يخاطبهم على أن هدفه هو تنقية الإسلام وتحديثه ليتماشى مع النمط الحضارى الغربى المعاصر.

لذا فإن طارق رمضان متهم من قبل كل من له اطلاع على الثقافتين الغربية والعربية بأنه ذو وجهين ، مراوغ ، ويعتمد خطابه على هوية الطرف الذي يتلقاه.. يخاطب الغرب بكلام يتناقض مع ما يقوله للعرب والمسلمين.. ولعل أكبر دليل على ذلك المقال الذى نشرته له جريدة "هاآرتس" الإسرائيلية حيث دافع فيه عن تهمة معاداة السامية الموجهة له، كما أظهر آراءً تختلف كلية مع آراء جده التي يروج لها والتى يدعو إليها الشباب المسلم فى خطبه وندواته. ومن الطريف أنه حين تم منعه من دخول أمريكا ، كان أشد المدافعين عنه هم الطلبة اليهود في جامعة "نوتردام" التي كان من المقرر أن يقوم بالتدريس فيها لولا قرار المنع.

2004



"جمــاهير الســينما" تســتحق اللى يحــصل لــها..!!

المسألة كلها تغيير مناظر!!



"جمــاهير الســينما" تســتحق اللى يحــصل لــها..!!

"كل الجنينة ولد وبنت.. يا حب.. حاسب.. حاسب.. كل الجنينة ولد وبنت.." يبدو أنها ليست وحدها جنينة صلاح جاهين التى تخلو سوى من الثنائيات الحبيبة ولكن أفلامنا المصرية فى الفترة الأخيرة أيضا لم يعد فيها سوى الحبيبة السذج ، والملاهى الوهمية ، والأغانى الدافئة ، وسيل القفشات المفتعلة .. ولسان حال صناع السينما لدينا يقول طلما إن الهلس موجود وناجح ،نتعب ونبتكر ونجتهد ليه ، خلينا ماشين على الوصفة المضمونة اياها..!!


• عايزين نعمل فيلم - طب ايه رأيك نعمل سبق نجيب "حنان ترك" مع "مصطفى شعبان" • لأ بلاش "حنان" دى اتحجبت خلاص - يبقى نجيب منة شلبى مع أحمد السقا ..بس منة شلبى كل شوية تجيلها أزمة نفسية يعنى إحتمال كبير تتحجب على آخر السنة..!! • يبقى بسرعة نشوف قصة حب ومنظرين فى شرم وتعالى نلحقها قبل الحجاب ،واتفقوا لنا على أغنية رومانسية عشان كليب التسويق. - أغنية لـ كارول سماحة ولا ثومة ولا نعمل أغنية رجالى لمدحت صالح؟ • مش مدحت ده اللى ابنه مرضاش يتجوز "هند الحناوى" ؟ - لأ التانى الفيشاوى.. والفيشاوى مبيغنيش! • خلاص طالما ملوش دعوة بهند يبقى على البركة .. خلوها أغنية مدحت صالح. هذا الحوار ليس حوارا خياليا لكنه الواقع الذى يتكرر كلما قررأحد منتجينا الكبار إنتاج فيلم، فمنتجينا المصريين الكبار يصنعون السينما بهذه الطريقة وطبقا لوصفة معروفة مسبقا وتم تجريبها من قبل وهى واحدة من اثنتين لا ثالث لهما .. أولا: وصفة النجم الكوميدى الكبير ( محمد سعد، هنيدى،….) هى وصفة بدون حدوته ولا مخرج فالنجم يفرض نفسه على السيناريست والمخرج، ويتدخل فى عملهما فلا داعى إذن لصرف فلوس ملهاش لزمة .. والنجم الكوميدى بكل قفشاته ونكته يحتاج بالضرورة لفتاة جميلة لتقف بجواره وتتوله فى حبه، ولوكيشن جذاب قد يكون حارة خيالية او مصيف وهمى أو بلد خارج مصر هذه هى تفاصيل الوصفة الأولى . أما الوصفة الثانية فهى المسماة " بالخلطة "وتقوم أساسا على قصة فيلم أمريكانى أو أوربى يتم مسخها وتخليصها من أى معنى مع الإبقاء على عدد الأبطال والذى يتراوح بين أربعة وثمانى يتوزعون على شوية قصص حب ويتم تغذية كل هذا بالكليب غنائى رومانسى ومطاردة بوليسية بالموتوسيكل والعربات الفارهة وذلك طبقا لموضة الأكشن التى أدخلها أحمد السقا ثم ازدهت فى أفلام من نوعية " ملاكى اسكندرية" و"فتح عينك" وإذا لم يكن هناك أكشن بالفيلم فمن الضرورى اضافة مشهدين على البلاج بالمايو وفى هذه الحالة يجب أن يضم الفيلم ممثلة لبنانية ترضى بتصوير المشهدين ليس لأن نجماتنا لا يرتدين المايو فى حياتهن العادية ولكن لأنهن يفضلن الحفاظ على الصورة الكاذبة التى للا تصدقها الجماهيرلطهارتهن المفتعلة . وفى أفلام " الخلطة " أو " المجموعات " يفضل دائما أن يتم تصويرها فى لوكيشن أنيق (شقق فاخرة وشاليهات مبهرة ونايت كلبات لم نرى مثلها فى حياتنا). هاتان هما الوصفتان اللتان يتم على أساسهما صناعة معظم أفلامنا المصرية، والمنتجين لا يخاطروا بعيدا عن حدودهما حتى فى حالة إضافة بعض الرطوش الإجتماعية فى أفلام مثل "بنات نصف البلد" أو"أحلى الاوقات" أو" سهر الليالى" فإن حسبة المنتج لا تتغير لأن جواز مرور هذه الأفلام لا يعتمد على قصتها ولا على ما تقدمه من أفكار أو تكنيك ولكن على كاست العمل الجماعى والذى يضم عدد كبير من النجوم سيذهب لهم المشاهد فى كل الحالات فإذا لم يذهب المشاهد لرؤية "هند صبرى" فسوف يذهب لمشاهدة "حنان ترك" أو"منة شلبى" وإذا لم ترغب البنات فى رؤية "شريف منير" فسوف تذهب لمشاهدة "هانى سلامة" أو "خالد أبو النجا" أو "أحمد حلمى" إلى آخر القائمة. الطلبات السرية لنجوم الكوميديا أما أهم ما يجب ملاحظته فى أفلامنا الكوميدية فهو قاعدة أنه ليس على المنتج البحث عن مخرج أو سيناريست لفيلم كوميدى، خاصة لو كان الفيلم بطولة محمد سعد أو عادل إمام لأن كل منهما يضرب عرض الحائط بالسيناريو وبتعليمات المخرج فهما يحبان عمل أفلامهما بنفسيهما وعموما فلو بقى المخرج معهما فلن يطيق طلباتهما المبالغ فيها فعادل إمام مثلا يشترط وجود ممثلات جميلات مثيرات وأن يظهر وهو فى السبعين من عمره بمظهر الفتوة فى الخناقات ومحطم قلوب العذارى مع النساء حتى أنه فى أحد الأفلام أصر على أن يضم الفيلم عددا من المشاهد التى يقبل فيها الممثلة التى تقوم بدور ابنته بطريقة تخلو تماما من الأبوة وعندما رفضت الممثلة كاد أن يفسخ العقد معها ، أما محمد سعد فهو يشترط أن يكون محور كل مشهد فى الفيلم فلا يخلو مشهدا واحدا فى الفيلم من وجوده وتركيز الكاميرا عليه وقد غير فى أحد أفلامه الأخيرة ثلاث مخرجين بسبب رغبته الملحة تلك، لذا فإن محمد هنيدى بالنسبة لهما والذى يشترط الغناء والرقص وإرتداء ملابس النساء وتأدية دور شاب فى العشرينات فى كل أفلامه يبدو متواضع الطلبات ، وعليه فإن المطلوب من المنتج فى حالة تواجد نجم كوميدى فى الفيلم ليس أكثر من إحضار سيناريست يوافق على عدم كتابة شىء بل يكتفى بحكاية قصة الفيلم الأمريكانى للأبطال وربما إحضار شريط كاسيت يضم نسخة من الفيلم الأصلى ليشاهدوه قبل الإتفاق على المشاهد التى سيتم استعارتها والأخرى التى سيتم حذفها ثم يبدأ المخرج فى عدم اخراج شىء و تنفيذ أوامر النجم الكبير بطل الفيلم . ورغم أن 90% من الأفلام المصرية مسروقة من سيناريو أمريكانى ( وأحيانا أوربى كفيلم سهر الليالى الذى ُأخِذ عن فيلم فرنسى ) إلا أن كتاب السيناريو لدينا مصابين بداء الحساسية ضد الإعتراف بالإقتباس مم يحول الأمر من إقتباسا لسرقة مباشرة . الطعم البلدى المكروه..!!

فى هذه الأفلام التى يفترض أنها مصرية 100% يقرر صناعها أنه لا داعى أبدا لإضفاء جو واقعى مصرى على السيناريو المسروق وحتى إذا لم يكن السيناريو منقولا بالحرف من فيلم أجنبى ولكن مأخوذا بطريقة القص واللزق من عدة أفلام فإن الجو المصرى يبقى غير محبوب حتى أن بعض المشاهدين يضيعوا أثناء مشاهدة الفيلم فقد علق عدد من المشاهدين الشباب على فيلم "ويجا" فى أحد مواقع الدردشة قائلين:

• (اللي حسيته و انا باتفرج علي الفيلم … ياانا عايشة منعزلة عن المجتمع المصري … يا الفيلم بيعرض مجتمع ما للأحلام ..حرام بقي !! ) • (أنا تعليقي بس إن جو الشياكة و الدنيا السهلة اكيد حيلعب في أدمغة الشباب، حتي لو كان احد افراد الشلة من منطقة شعبية، بس ايه الحلاوة دي صاحبته فرشت له شقة آخر حلاوة كده و بمنتهي البساطة، حتي هي أصلا بنت عادية، شغل ايه يا خويا دة اللي بيعمل كدة، اللهم لا حسد ..) • (أنا خارج من الفيلم دا متعقد اساسا…الي تتسرق عربيته المرسيدس و قال مش زعلان و كل الي همه يلاقي البت و تاني يوم جايب عربية شبهها…و الي بتأجر لصاحبها شقة بتلات تلاف جنيه و صاحبها دا عضلات و مروق كل بنات مصر و ما شاء الله كلها شقق اخر شياكة و اخر حاجة بيشتكوا منها في الفيلم هي الفلوس …) وكلام الشباب فى التعليق على الفيلم لا يحتاج لمزيدا من التوضيح فهو يعبر بوضوح كاف عما أصبح عادة فيما يسمى "سينما الشباب" حيث يبتعد كل من المخرجين والكتاب عن تقديم الواقع المصرى ويسعون لإستعارة واقع غريب غالبا ما يعيش فيه الأبطال حياة براقة من الرفاهية والسلوك غير المعتاد وهو واقع يتم استعارته أحيانا عن الفيلم الأجنبى الذى يتم اقتباسه ، حيث يأخذونه دون بذل مجهودا لتحويل السيناريو لسيناريو مصرى وهو ما كان يفعله كتاب سيناريو ومخرجين تألقوا فى الثمانينات والتسعينات مثل "وحيد حامد" والذى كان يجيد نقل الفكرة والأبطال لجو مصرى ، و تحريك الأحداث الأصلية فى جو مصرى صميم داخل الشوارع والحارات والشقق الضيقة التى تسكنها شخصيات تشبه أبطال الفيلم الأجنبى فى دوافعها وصراعاتها ولكنها مصرية التكوين أو عاطف الطيب المخرج الذى استطاع تحويل قصص المافيا الأمريكية لأفلام عن الثأر وأزمة الإنسان والسلطة فى مصر .وعموما فنحن نلاحظ الميل لكل غريب فى أفلام هذه الأيام فحتى إذا لم يكن السيناريو مسروقا وكان من نوعية القص واللزق أوالقصص العبيطة فإن مخرجين ومنتجين هذه الأيام يكرهون الطعم المصرى ويرغبون فى إبادته من أى فيلم حتى وإن دارت الأحداث فى الحوارى فهذه الحوارى لا تشبه أبدا حارة "داوود عبد السيد" المصرية فى "الكيت كات" أو حارة "رضوان الكاشف" فى "ليه يا بنفسج" لكنها أشبه بحارات السود فى أمريكا حيث يرتدى الشاب المجرم ملابس جلد ويقود الموتسيكل بسرعة طائشة أو يقود السيارة التى على الزيرو فى مطاردات أمريكانى صرفة وهو ما شاهدناه فى أفلام مثل "ملاكى إسكندرية" على ، أو أشبه بصورة ممسوخة من الحارة التى كانت تظهر فى الأفلام المصرية فى الأربعينات والخمسينات وهو ما نجده فى أفلام مثل "اللمبى" و"فول الصين العظيم" و"حاحا وتفاحة" وغيرها، وعموما فإن الحارة بإعتبارها مكان فلكولورى أوريجنال تلقى حظا أفضل من حظ القرى أو الشوارع العادية حيث تعيش الطبقة المتوسطة فهذه الأماكن مكروهة ويجب تجنبها بإعتبارها أماكن مملة وإبعاد أحداث الفيلم عنها بأى ثمن (سوى فى استثناءات نادرة) . وليس غريبا عندما لا يكون هناك هوية ولا شخصية للفيلم أن يتم التركيز فيه على التكنولوجيا وامكانيات الآلة فى مقاب إاخفاء أى أثر للإنسان والفكر الإنسانى حيث الإبداع صفة غير مرغوب فيها، فالمطلوب من السيناريست حدوتة بسيطة لطيفة تدور فى أماكن جميلة ولا تخرج عن شخصين أو مجموعة أشخاص يحب كل منهما الآخر ومن الضرورى أن تكون الشخصيات بسيطة وغير مرسومة جيدا بحيث يغيب ماضيها ولا تفهم دوافعها وأسباب تصرفاتها ومهم أيضا أن تكون الأحداث لا معنى لهما وربما تصل لغير المنطقية وقد تكون ردود أفعال الشخصيات عليها غريبة وغير متسقة مع تكوينهم النفسى والثقافى، كل هذا مش مهم طالما أن هناك حدودتة حب ونهاية سعيدة ومكان للأغنية الفيديو كليب أما المطلوب من المخرج فهو أن يكون متميزا فى حرفة الفيديو كليب ( على الطريقة المصرية) بمعنى أنه ليس مطلوبا منه إخراج قصة فيها معانى وأفكار ولكن عمل مناظر حلوة ويكفى أن يعرف كيف يقطع الفيلم أمريكانى وأن ينوع فى زوايا التصوير وأن يهتم بجمال الكادر وجاذبية وتناسق الألوان داخله وقد يطلب منه على أكثر تقدير إبهار المشاهد بعدة لقطات متتابعة من زوايا عديدة ، فأفلامنا التى يطلقون عليها السينما الشبابية أصبحت سينما فيديو كليب تكره المعنى وتغفل حقيقة أن التقنية فى السينما يتم استخدامها للتخديم على المعنى وليس لمجرد الإستخدام أو لكى يظهر لنا المخرج معرفته بكيفية استخدامها أو لمجرد التشبه بمشاهد شهيرة فى أفلام أجنبية ناجحة. كان زمان..!! كان طموح العديد من مخرجى السينما المصرية طوال العقود الماضية هو تحقيق شخصية متفردة وطعم خاص يميز كل منهم حيث كان بإمكانك أن تختلف معهم دون أن تنفى تميزهم فمخرجين كصلاح أبو سيف أو عاطف الطيب أو رضوان الكاشف أو أسماء البكرى و غيرهم يمكنك شم رائحتهم المميزة بداية من تتر الفيلم أما مخرجى هذا الجيل فمعظمهم متشابهين لا يسعون للتفرد والتميز فهم جميعا يقلدون نفس المصدر الأمريكى ودون تمييز، فأنت لن تميز ساندرا نشأت عن عثمان أبو لبن ومحمد حفظى فى "ملاكى اسكندرية" يشبه نفسه "فى فتح عينك" فهو لم يأخذ طعم المخرج الذى يعمل معه، ولكن نفس الطعم الأمريكانى المصطنع. ثم ما الذى ستتذكره أو يبقى فى ذهنك عن الفارق بين أسلوبى كل من المخرج "على أدريس" فى "كلام فى الحب" والمخرج "وائل إحسان" فى "ظرف طارق" وهما أكثر فيلمين حققا ايرادات فى الفترة الأخيرة "أثنين مليون إلا ربع لكل منهما" ومن الذى سينتبه للموضوعات المفضلة أوأسلوب المعالجة لدى "زينب عزيز" مؤلفة "كلام فى الحب" أو "محمد فضل" مؤلف "ظرف طارق" هذا على الرغم من الاختلاف فى نوعية الفيلمين فأحدهما اجتماعى رومانسى بينما الآخر كوميدى رومانسى ( أيضا) لكن الجماهير والتى تعرف عن ظهر قلب الفارق بين أسلوب مخرج شهير مثل "سبيلبرج" وأسلوب مخرج شهير أخر مثل "كوبولا" أو"اسكورسيزى" لا تهتم ولا تدرك الفارق بين المخرجين وكتاب السيناريو لدينا فجماهيرنا من جهة وصناع السينما من جهة أخرى يتعاملان بناء على عقد غير مكتوب تقر فيه الجماهير بأنها لا ترغب من الفيلم العربى بغير التسلية الساذجة الرخيصة وأنها لا تطلب منهم أى إبداع فى هذه الأفلام بينما يقر صناع السينما بأنهم لن يزعجوا الجماهير بالتفكير الذى يضر برؤوسهم أو بالنهايات الكئيبة وغير السعيدة وأنهم سيقدمون لهم أفلام هى عبارة عن كليب رومانسى جميل أو سكتش كوميدى ممتلىء بالنكات الرخيصة وأن الصراع الدرامى فى هذه الأفلام سيكون تافها بقدر الإمكان والشخصيات ليست عميقة والأحداث حول مشكلات حلولها سريعة تنتهى بنهايات سعيدة، لذا فإن جماهير السينما المصرية التى تنفق الملايين لحضور أفلام تافهة وساذجة ليس من حقها أن تنتقد هذه النوعية من الأفلام، ولا أن تشتكى ، فالزبون هنا هو الذى يطلب هذه الطلبات .

25 يوليو 2006




إحنا فين ..؟! وإيران فين..؟! بلا سينما بلا ظواهر..

بوسى سمير ببدلة الرقص تصافح حلا بالحجاب الشيك..!!


ماذا نريد ؟ إلى أى اتجاه نسير ؟ هذه هى التساؤلات التى من المستحيل أن تجد لها اجابة فى المجتمع المصرى المتخبط على مستوى القيم ، والذى يعأنى من داء الافتعال والادعاء المزمن.. و لأن السينما مثلها مثل بقية الفنون مرآة للمجتمع، فمن الطبيعى فى مجتمع لم يحدد أهدافه ولا أولوياته ويكاد لا يملك قناعات قيمية محددة أن تعكس السينما والفنون التى ينتجها حالة عدم التوازن التى يعيشها ، أو بمعنى آخر أن تضم أفلامه حلا شيحة المحجبة ، إلى جوار دوللى شاهين بالمايوه وبوسى سمير ببدلة الرقص.. كله ماشى .. ومفيش مشكلة.. فلماذا إذن نفتعل المشكلة وندعى أن هناك سينما جادة أو متحفظة أو متدينة فى طريقها للظهور ؟

ما أن صعد تيار الإخوان المسلمين سياسيا ليمثل التيار المعارض الأساسى فى مجلس الشعب حتى طفت فى الصحف المصرية دعاوى لإنتاج سينما نظيفة وملتزمة وسينما محجبات ، وكالعادة فى مجتمعنا الثقافى والفنى المصرى بدأت أقلام العديد من محدودى الثقافة ممن يرغبون فى مغازلة أو محاربة الإخوان المسلمين فى افتعال ظاهرة ليست موجودة أصلا، وبدأ الكلام عن ما أسموه التشبه بالسينما الإيرانية ، وذلك بناء على تصور مغلوط من البعض بأن السينما الإيرانية سينما محجبات وأنها سينما ملتزمة وأنها سينما نظيفة ، واستخدمت كلمة ملتزمة ومتدينة ونظيفة بمعنى أنها لا تضم قبلات ولا مايوهات ولا ملابس مثيرة ترتديها البطلات كما لا تضم أحضاناً ولا مشاهد عرى الى آخر القائمة الطويلة الساذجة إياها ..

سينما إيران تكره الحجاب وتكافح للخروج منه..!!

ما يغيب عن عقول الكثيرين وافكارهم (وذلك اما لضعف فى ثقافتهم وتصديهم لمناقشة قضايا لا يفقهون شيئا عنها أو لترديدهم مقولات أشخاص يتلاعبون بالحقائق لمصالح أيدولوجية معينة) أن سينما إيران ليست سينما محجبات، وهى لا تعترف بالحجاب ولكن تتعامل معه باعتبار وضعاً اجتماعياً سائداً ومفروضاً ولا يمكن الإفلات منه.. وبالتالى فالسينما الإيرانية التى تتخذ فى مجملها موقف المناوئ للأصولية وتسعى للإصلاح الاجتماعى مطالبة بالمزيد من الحقوق للمرأة والإصلاحات داخل المجتمع هى سينما ترفض الحجاب وتناضل للتخلى عنه، كما ترفض اضطرار المرأة للخروج بإذن ولي أمرها أو برفقته، وتنتقد الظلم البين الواقع على المرأة.. ولهذه الأسباب يتحيز لها الغرب ويغرقها بالجوائز فى المهرجانات الغربية.. ولاشك أن السينما الإيرانية سينما ملتزمة بالمعنى الفنى، فهى سينما جيدة الصنع على المستويين الفكرى والتقنى ، وتعبر عن مجتمعها وتناقش قضاياه.. لكن تعلق الغرب بها لا يأتى فى أغلب الأحيان للأسباب الفنية ولكن لما تظهره هذه السينما من غرابة واقع يبدو لا إنسانياً ومتحيزا ضد المرأة بشكل خاص، وهو الموضوع الذى تدور حوله الكثير من الأفلام الإيرانية التى تتخذ من النقد الاجتماعى اتجاها فنيا لها.. هذه الغرابة تشد الغربى المثقف وتؤكد له على ارتفاع مستواه الحضاري فى مواجهة الحضارة الشرقية، كما تدفعه للتعامل مع صناع الأفلام الإيرانيين المنتقدين للأوضاع داخل إيران باعتبارهم إصلاحيين يحتاجون للدعم المالى والمعنوى ليتمكنوا من القيام بمهامهم التنويرية داخل إيران.

ملابس السينمائيات الإيرانيات خارج إيران

والكثير من المخرجين الإيرانيين من أمثال محسن مخملباف وعباس كيروستامى وسميرة مخملباف وغيرهم ينظر لهم الغرب على اعتبارهم دعاة للحرية، ولذا لا تجد النساء منهم غضاضة فى المشاركة فى الاحتفالات الغربية دون أن يرتدين الحجاب، فهن لا ينظرن للحجاب المفروض فى إيران على اعتباره واجباً دينياً ولكن باعتباره مجرد لباس رسمى يشبه "البردة" فى الصعيد أو "الجلباب الأسود" فى ريف بحرى أو "الجرجار" فى النوبة، مجرد لباس قومى يتم استبداله بمجرد الخروج من إيران وارتداء الملابس الغربية العادية أو الحفاظ عليه كلباس له سحره الفولكلورى بينما الشعور منسدلة والبرفانات الشيك تعبق من ملابسهن.. وأذكر هنا مشهدا رأيته فى مدينة كان الفرنسية حيث كانت هناك المخرجة الشابة "سميرة مخملباف" التي تسير على درب والدها محسن مخملباف وتنتقد فى أفلامها المجتمع الإيرانى بقوة.. أذكر سميرة فى مهرجان كان الفرنسى وهى تسير بينما يلحق بها جمع من المصورين الصحفيين وهى متألقة بشعرها الأسود الطويل منسدلا تحت طرحة سوداء لا تخفى منه شيئا مرتدية عباءة سوداء أنيقة والمصورون من كل مكان فى العالم يلتفون حولها منادين سميرة.. سميرة لكى يحظوا بصورة للوجه الإيرانى الشاب الجميل ذي العيون السوداء.. لاشك لدى أن سميرة كانت تدرك سحر الأنوثة المنساب من ملابسها ذات الطابع الشرقى الشعبى فى عيون الأجانب، ولهذا السبب كانت ترتديها وليس باعتبارها لباساً دينياً.

لماذا تدعم الحكومة الإسلامية السينما فى إيران ؟

ربما يندهش البعض من أن سينما هدفها الأول وسمتها الفنية هى النقد الاجتماعى تحظى بكثير من الدعم من الجهات الحكومية الرسمية فى إيران.. فعلى الرغم من أنه أحيانا ما يمنع فيلم ما من العرض فى إيران بسبب نوعية النقد التى يستهدف بها المجتمع ، إلا أن الحكومة تبدو مع ذلك حريصة على تدعيم صناعة السينما وإنشاء العديد من الجهات شبه المستقلة التى تقدم الدعم والمساعدات للمنتجين السينمائيين، وذلك لأن الدولة على اختلاف الحكومات التى تأتى وتذهب فى إيران تدرك بذكاء أن السينما رغم ما تقدمه من نقد حاد للواقع الاجتماعى فى إيران إلا أنها تعكس أيضا وضعاً ديمقراطياً مزدهراً داخلها ، وهى بالتدريج تعرف الغرب بالحضارة الإيرانية المغايرة والتى تضم فى تكوينها الثقافى الكثير من الحسنات إلى جوار الكثير من المشكلات . مسألة تجارة

لذا يبدو من الغريب أن يدعو البعض لسينما محجبات متذرعين بأن لإيران تجربة مماثلة ناجحة، بينما ما يجعل من سينما إيران سينما ناجحة هو محاولتها الخروج على ما فرض على نساء مجتمعها من حجاب لا العكس .. ويبدو من الغريب أننا لم نلتفت لإلتزام السينما الايرانية تجاه مجتمعها واهتمامها بقضاياه مما جعل منها السينما "ذات الطابع الاجتماعى" الأولى فى العالم ، بينما ركزنا كعادتنا على الشكل مدعين أو متصورين أن الحجاب كوضع اجتماعى فى إيران لم يمثل عقبة أمام هذه السينما للتعبير عن مجتمعها.. فطبيعة الفن السينمائى هى أن يعكس صورة من الحياة اليومية.. وفى حياة المسلمين اليومية يقبل الرجل امرأته ويحتضن أمه ويربت على كتف ابنته التى لا تتحرج فى رفع حجابها أمامه أو أمام باقى محارمها فكيف نصدق أفلاماً تمثل حياة المسلمين بينما لا تصافح فيها المرأة زوجها وتعجز الابنة فيها عن تطبيب والدها خوفا من لمسه.. إن مثل هذه الأفلام ستكون قاصرة عن عكس حياة المسلمين، وأفضل للمسلمين فى هذه الحالة أن يقوم غير المسلمين بتمثيل الأفلام التى تتناول حياتهم طالما أن معتقدات الآخرين الدينية لن تمنعهم من عكس الطبيعة الحقيقية لحياة المسلمين ، ولا داعى للمسلمين ممن يرون أن الإسلام لا يبيح للمسلمة أوللمسلم أن يقوموا بضروريات التمثيل من لمس الرجال للنساء والعكس من التمثيل أصلا .. هذا هو المنطق ولكن لأن المنطق شىء والتجارة شيء آخر .. لذا ومن منطق التجارة لعب منتج فيلم "كامل الأوصاف" على فكرة سينما المحجبات وروج لفيلمه على اعتبار أنه فيلم ملتزم لأن بطلته ستكون الممثلة المحجبة (حلا شيحة) ولأن كاتب السيناريو له (أحمد البيه) قال إنه سيقول رأيه فى المحجبات من خلاله.. فهل يمكننا تصور مدى الاستخفاف بعقولنا حيث يصور لنا المنتج أن فيلمه فيلم ملتزم لا لشيء سوى لأن ممثلة محجبة ستقوم بأحد أدوار البطولة فيه .. ولكن ماذا نقول !.. إنها التجارة هى التى تتكلم هنا لا الالتزام ولا التدين. وإلا فلماذا يتم اختيار ممثلة محجبة للبطولة بينما الحجاب ليس لزاما اجتماعيا فى مصر والتمثيل يتناقض بالضرورة مع الحجاب وهذه الممثلة بالذات لم يعرف عنها أنها عبقرية بينما عدد الممثلات فى مصر من غير المحجبات يسد عين الشمس ويمكن لأيهن أن تكرر تجربة منى زكى أو ياسمين عبد العزيز عندما قمن بأدوار لفتيات محجبات دون أن يصيبهن تشنج عدم القدرة على لمس الرجال، ثم من قال إن فيلما يضم سيدة محجبة أو- ولو بافتراض أن كل النساء به محجبات - سيكون بالضرورة فيلما ملتزما، وأين هى الأفلام الملتزمة فى مصر حيث 90% من أفلامنا ينتج بهدف التسلية البسيطة بعيدا عن أى إدعاء للجودة ، فنحن فى مصر ربما نملك مقومات صناعة سينما ولكننا فى معظم أفلامنا لا نملك أفلاما تستحق عناء المشاهدة.. لدينا ممثلون ،مخرجون، كتاب، مصورون، دون أن نملك أفلاما لها طابع أو سمة خاصة.. ليس لدينا فى معظم أفلامنا نقد اجتماعى ولا أفكار ولا تحليل ولا شىء سوى الضحك والنكات والقفشات.. ثم أن طاقم الفيلم وعلى رأسهم السيناريست والمخرج لم نرى منهم من قبل فيلما يناقش قضايا هامة.. وأتساءل ماذا لو لم يكن هناك مد سياسى دينى حاليا ؟!.. هل كان المنتج سيذكر أى شىء عن الحجاب؟! وهل سيغامر المخرج فى مرة قادمة ويقدم فيلما آخر من بطولة حلا شيحة؟! أم أنها مرة واحدة لإرضاء الجماهير التى ترغب فى معرفة كيف يبدو شكل حلا شيحة فى الحجاب…؟!

25 يوليو 2006




فاتن حمامة ..العفريته التى خرجت من القمقم..!! من الطفلة اللهلوبة حتى سيدة الشاشة

أنجبت مصر مواهب كثيرة فى مجال التمثيل، لكن القليل منها من كان فى ذكاء فاتن حمامة، فهذه السيدة استطاعت أن تغير من صورة الممثلة ومن تصور الجماهير عن مهنة التمثيل وعالم الممثلات ..قبلها كانت الممثلة فتاة جميلة تجيد الرقص أو الغناء ولابد أن تكون أما من أصل أجنبى أو يهودى، أو ابنة لكار العوالم والراقصات وذلك حتى تسمح لها أسرتها بامتهان مهنة تحصل فيها السيدة على المال فى مقابل أن يتفرج عليها الرجال.. وبعدها صار هناك نوعية من الممثلات المحترمات السيدات اللاتى يتهادين على الشاشة وفى المحافل العامة كالأميرات يتابع الجميع أناقتهن لا فضائحهن..!!

لقد استطاعت فاتن حمامة أن تفرض احتراما خاصا للممثلة من خلال النموذج الخاص الذى حققته كإنسانة وممثلة فقد كانت منذ بداياتها ذكية، متعلمة، مثقفة، أبعدت نفسها عن عالم الفضائح وركزت على مهنتها محاولة بكل الطرق الإرتقاء فيها بما تبذله من جهد،ولاشك أن فاتن التى كانت فى بداية الخمسينات تمثل طليعة جيل الممثلات المصريات الأصل والثقافة قد استفادت كثيرا من ثورة يوليو حيث وجدت فى التغير الإجتماعى الجديد فى مصر متنفسا لها للنمو الفنى فهجرت أدوار الفتاة البائسة المسكينة الفقيرة لتتألق فى أدوار تقدم فيها شخصيات أكثر نضوجا وتطلعا، فاتن التى بدأت فى عام 40 كطفلة كانت فى عام 52 قد صارت شابة وبدأت فى إظهار أفضل مميزاتها كفنانة وامرأة ذكية وجميلة .

بدأت فاتن كطفلة معجزة ، طفلة لهلوبة استطاعت أن تسرق الكاميرا من نجوم كبار فى فيلم يوم سعيد ( 1940) ولم تكتف فاتن بسمعتها التى اكتسبتها من العمل مع المخرج محمد كريم لكنها رغبت فى أكثر من ذلك رغبت فى التخصص والثقافة لذا التحقت بمعهد التمثيل الذى انهت دراستها فيه فى عام 1947 كانت فاتن ابنة لأول دفعة لمعهد التمثيل وبذلك اكتملت الملامح الأولى لفاتن حمامة الممثلة فتاة جميلة رقيقة الملامح موهوبة ،ذكية ومثقفة ، زات ملامح تخلط بين المصرى والأوربى وجسد نحيل رشيق وصاحبة تجربة سابقة، كان كل شىء فى هذا الوقت النجمة المطلقة القادمة فى عالم التمثيل.

فى أواخر أربعينات وبداية خمسينات القرن الماضى نظر المخرجين لفاتن على اعتبارها طاقة من التعبير ووجه يختزل كم هائل من البرائة لذا استغلوها فى أفلام لعبت على هذه البرائة حيث كانت تؤدى فى معظم أفلامها أدوار الفتاة المسكينة المظلومة المنكسرة ،استغلها المخرجون لكى يستجلبوا دموع المشاهدين ويحققوا النجاح فى شباك التذاكر من خلال ميلودراما كانت تضم الرقص والغناء أحيانا وتدور حول فتاة مسكينة تعانى فى هذه الفترة قدمت فاتن حمامة أفلام مثل "اليتيمتان" و"ظلمونى الناس" و "أنا بنت ناس" مع المخرج حسن الإمام والذى يعتبر من أكثر المخرجين الذين استثمروا برائة فاتن حمامة.. و فى هذه الفترة كان أداء فاتن حمامة يتسم ببعض المبالغة الميلودرامية وكانت هذه النوعية من الأداء التمثيلى هى الغالبة فى هذا العصر المتأثر بخطابية المسرح حيث أعتبرت المبالغة من سمات جودة التمثيل عموما فإن من يشاهد هذه الأفلام اليوم دون أن يعلم أى تطور فنى ونجاح حققته فاتن حمامة فيما بعد لن يتصور أبدا أن هذه الفتاة النحيلة سوف تتألق فيما بعد كممثلة لا مثيل لها .

ما أن تعدت فاتن حمامة سن العشرين حتى وجدت نفسها ترغب فى أكثر من دور الفتاة البريئة المسكينة الفقيرة ومع ما أحدثته ثورة يوليو من تغييير فى المجتمع والفن والثقافة تفتحت أمام الفتاة الصغيرة عوالم يمكنها أن تحقق طموحها من خلالها فى هذه المرحلة بدأ أدائها التمثيلى يثقل وبدأت بالتدريخ فى التخلص من بعض شوائب المبالغة التى كانت تعلق بها فى أفلام النكد ( الميلودراما) السابقة وظهرت فاتن بالشخصية الفنية التى أنطبعت بها صورتها فى أذهان المشاهدين حيث قدمت أداءا بسيطا ممتعا وأنيقا مع رقة تحلت بها فى كل أدوارها، ولم تكتف بالتنويع داخل إطار بنت الطبقة الثرية والمتوسطة أو الفيديت الجميلة الطيبة، لكنها رغبت فى أن تظهر فى شخصية شريرة أتحيانا كدورها فى فيلم " لا أنام" وفى دور يتحدى ثوابت المجتمع كشخصية الزوجة الخائنة فى فيلم " سيدة القصر" أوالصعيدية المنتقمة فى فيلم "دعاء الكروان" الفلاحة فى فيلم " الحرام" والمرأة التى نسيت من تكون فى فيلم "الليلة الأخيرة" استمرت فاتن حمامة فى ابداعها طوال هذه الفترة الطويلة وحتى فيلم "الخيط الرفيع" عام 1971 كانت كأنها طاقة لا تنضب أو كأنها جنى خرج من القمم، طاقة مبدعة مهولة لا تكف عن دراسة كل ما يحيط بالشخصيات التى تؤديها ولا تقتصد أبدا أو تبخل فى بذل كل ما يلزم من مجهود لتنجح فى أداء أى دور تختاره ، تختار بروية ولكن تختار الأ صعب والذى يحتاج لجهد أكثر لا تكف عن التغيير والتنويع فى أدوارها تحاول جاهدة الاستفادة من كل ما تشاهده من السينما العالمية أو تقرأه من روايات ونقد .. مستخدمة أداء تمثيلى رائق بعيد كل البعد أى أى مبالغة أو تزييف ، تؤدى بصدق كبير وبرقة محسوبة، تمتلك مرونة لطيفة فى حركتها وملامحها، ترسم على وجهها تعبير وتأخذ فى تغييره وتطويره فى تصاعدات حتى تصل لنهاية المشهد أو اللقطة فتجبر المشاهد على متابعة كل لحظة من لحظات ظهورها على الشاشة بشغف وتفرغ. ومع فيلم "امبراطورية ميم" عام 72 كانت فاتن حمامة قد بدأت تسعى لأن يعبر كل عمل فنى تمثله عن مضمون يتعلق بقضية اجتماعية، وربما لهذا السبب بدأت رقتها المعتادة تختفى تحت سمة خطابية كانت قد بدأت تتسلل لأدائها التمثيلى فكانت مع تعبيرها الهادى كثيرا ما تخلط بنبرة من الصوت العالى والتعبير المبالغ فيه باليد ، ففى افلام مثل "أريد حلا" و"أفواه وأرانب" و"لاعزاء للسيدات" شاهدناها كما شاهدناها فيما بعد فى المسلسلات التليفزيونية "ضمير أبلة حكمت " و" وجه القمر " وشاهدنا معها فى كل دور المصلحة الاجتماعية زات الصوت العالى ورغم ذلك فعندما توفر لفاتن حمامة النص والمخرج الجيدين كما حدث معها فى فيلم "أرض الاحلام" اخراج داوود عبد السيد شاهدنا الجنى يخرج من القمقم من جديد واستمتعنا بكل سكنة وكل تعبير صغير علا وجهها أو لمع فى عينيها.

يوليو 2006



فيلم "عن العشق والهوى"


أحداث عميقة.. لأنها عادية وتتكرر كل يوم( الحــــــب، الـــــــزواج والخـــــــــيانة)

هناك دائما فرصة لنبدأ حياتنا من جديد، لنتخلص من قيودنا ونجرب أن نعيش.. أنها حياة واحدة تلك التى نحياها فلماذا لا ننهى سريعا الجزء الكئيب المزعج منها، لننال فرصتنا فى معيشة الجزء الآخر المبهج والسعيد ؟ هذا ببساطة هو السؤال الذى يطرحه فيلم "عن العشق والهوى" وهو التساؤل الذى يعود ويجيب عليه بشكل واقعى مصرى ومعاصر، بلا تغريب ولا ميلودراما أو لت وعجن..

زوجة تخون زوجها ، أخ يحب زوجة أخيه ، ورجل يخون زوجته الوفية ، عاهرة تتزوج زيجة محترمة ، وحبيب يتخلى عن حبيبته ، انها مجرد نماذج من شخصيات فيلم "عن العشق والهوى" شخصيات قد يجرمها المجتمع لكنها تبقى فى النهاية شخصيات عادية موجودة ومتكررة .. ليست مستوردة ولا غريبة عنا كما أنها ليست غريبة عن أى مجتمع آخر، وهى فى الحقيقة ليست شخصيات شريرة كما تبدو لكنها كأنها متورطة فى قدرها الخاص تحاول جاهدة ألا تؤذى نفسها أو غيرها.. لكنها تتورط فى الأذى تؤذى نفسها .. تؤذى غيرها.. ثم تسرق لحظات لكى تتوقف وتختار.. لكى تنحاز لجانب سعادتها وتعيد كتابة قدرها من جديد.

الأحداث والشخصيات الواقعية هى أول ما يلفت الإنتباه فى سيناريو "تامر حبيب" حيث تضفى الواقعية على الفيلم الكثير من العمق فشخصيات الفيلم تختلف وتتنوع لكنها تتفق كلها فى واقعيتها فجميعها شخصيات مأزومة تضيع الكثير من الوقت والجهد فى سلك طرق ملتوية والاستمرار فى حياة لا ترغبها، لكنها مع ذلك لا تترك نفسها لتضيع تماما.. حيث تقبض فى النهاية على زمام قدرها.. تضع المفتاح فى قفل الحياة لتفتح بابا جديدا لنفسها وهذا التأرجح بين الحسم والتراخى هو تحديدا ما يجعلها واقعية فهى ليست حاسمة بالشكل الكافى لتكون مثالية ولا مضحية تماما لتكون مأساوية هى شخصيات واقعية تقف من حياتها فى موقع النصف نصف ..تتقبل قدرها أحيانا وتتحكم فيه فى أحيان أخرى.

نلاحظ هذه السمة فى كل الشخصيات تقريبا بداية من الشخصية الرئيسية (عمر) أحمد السقا فهو شاب ثرى الذى يحب (عاليا ) منى ذكى الفتاة الفقيرة لكنه رغم هذا الحب يختار فى أول أزمة أن يترك حبيبته ليستمر فى سلسلة من الاختيارات العشوائية حيث يترك نفسه " مسيرا " وراء قدره فيختار بعد ذلك أن يتزوج بلا حب.. لكنه يعود فيحاول الإمساك بزمام الأمور فيقرر أن يقيم علاقة جديدة مع شابة أخرى عندما يعثر على الحب من جديد.. ثم يعود ويشعر بالذنب تجاه زوجته.. لكنه فى النهاية يعود لحبيبته.. إنها شخصية واقعية لشخص لا يدعى البطولة يبحث عن السعادة ويرغب ألا تأتى سعادته على حساب الآخرين شخص ليس مثاليا تماما ليختار التضحيةطوال الوقت ولا تتحكم فيه عواطفه طوال الوقت.. إنه أنسان عادى يقاوم مجرى الأحداث أحيانا لكنه يترك نفسه لها غالب الوقت متنقلا من قدر لآخر.

نفس التركيب الواقعى نجده فى الشخصيات النسائية الرئيسية الثلاث بداية من "عاليا" الفتاة الفقيرة التى تحب شاب ثرى فيمثل لها طموحها ومستقبلها كله ، ثم تتقوض احلامها فجأة عند نهاية قصتها معه، فتستسلم لإبتذاذ جارها العاطفى الذى يقنعها أنه يحبها فتقيم علاقة معه اشفاقا عليه، وهكذا ولأنها تعانى من مشكلة دونية تستسلم لظروفها حتى تكاد تسقط فى بئر من المآسى ولكن لأن الفيلم واقعى فهو ينتشر بطلته سريعا من جحيم الميلودراما الصارخة فيقدم لها وكما يحدث فى الحياة فرصة لبداية جديدة .. فرصة ضئيلة التى تتاح لها، لتتشببث بها وتعيد من جديد كتابة واقعها وقدرها ، لذا يكون من الطبيعى ألا تنهار عندما تكتشف أن حبيبها الأول لم يعد يحبها تقابل لكنها فى هذه اللحظة بالذات تختار أن تنتقل لمرحلة جديدة مع شخص مناسب.

التركيب الوقعى نجده أيضا فى شخصية ( سلمى زوجة أحمد السقا الثانية ) منة شلبى فرغم أن هذه الشخصية تمثل فى الفيلم النموذج للجرأة والشخص القادر على تحديد رغباته والسعى دون خوف ورائها إلا أن السيناريست لم يستسلم لغواية أنه يحولها لشخص ميثالى أحادى الأبعاد شخصية فلم يجعل منها شخص صاحب حلول نهائية وقاطعة لكنه رسم ماضيها بحيث أظهر فيه قدرا من الاستسلام مثلها فى ذلك مثل غيرها من الشخصيات.

شخصية (قسمت) هى أكثر شخصيات هذا الفيلم تكرارا فى الواقع ، شخصية الزوجة التى تعانى من شعور مزمن أن بينها وبين زوجها جدار لا يمكنها رؤيته لذا فهى لا تستطيع هدمه أو التغلب عليه ، هذه السيدة التى كان من المفروض أن تتخذ قرارها فى اللحظة الأولى التى أدركت فيها مدى الهوة التى تفصل بينها وبين زوجها ، السيدة التى استمرت فى بعثرة حياتها أملا فى تستطيع يوما تحقيق ما لا يمكن أن تحققه ن هذه الشخصية هى الأكثر مأساوية حيث تتوالى عليها الفرص لإعادة ابتكار وتوجيه حياتها لكنها تهملها عن قصد وهى شخصية كان من الممكن أن تحول الفيلم لفيلما مملا لو تم التركيز عليها ، لكن الفيلم أعطاها المساحة الدرامية المناسبة فدفع الجماهير للتعاطف معها بحساب فهى من جانب قد أضاعت جزء كبير من حياتها لكنها على الجانب الآخر فعلت ذلك عمدا وبناء على رغبتها.

وبعيدا عن الشخصيات الأربع الرئيسية (السقا وحبيباته الثلاث) جاءت الشخصيات الثانوية مكتوبة أيضا بشكل جيد واقعى ومتوازن خاصة شخصية جارسونة بار الدرجة الثالثة (بطة بطاطس ) غادة عبد الرازق والتى كتبت بدقة أضاف لها أداء غادة عبد الرازق الممتاز الكثير، وكذلك كانت شخصيتى الأخ الذى يكتم حبه لزوجة أخية ويحاول الإصلاح بينهما (طارق لطفى ) والمدمن ( مجدى كامل) الذى يدمن الخداع والكذب مع إدمانه للمخدرات.

وقد أعجبنى بشكل خاص أن السيناريست عندما قرر أن يكون قصة فيلمه من قطاع طولى فى حياة عدد من الأشخاص يضم فترة زمنية تقترب من عشرة أعوام كان على إدراك بضرورة أن يظهر التطورات التى أحدثها الزمن بشخصيات فيلمه وكيف تغير القطاع الطولى كل منهم من داخله . وهذه سمة ينساها الكثير من كتاب السيناريو لدينا حيث يعتقدون أن مرور الزمن يعنى حدوث عدد من التغيرات الشكلية من الخارج على الأبطال بينما يهملون التغير الأهم وهو تغيير الشخص من الداخل.

منى زكى وعدت جمهورها بأن يكون أدائها فى ( عن العشق والهوى ) مفاجأة وقد وفت منى بوعدها الذى وعدت به كان أداء منى زكى مفاجأة لأنها استطاعت اقناعنا بأنها البنت الغلبانة التى تشعر بالدونية والتى تتكلم وتتصرف كأبنة لحى فقير وتعليم فوق المتوسط ، لكن المفاجأة الأكبر فى تصورى كانت غادة عبد الرازق ، غادة عبد الرازق التى أدت دور الجارسونة التى تبيع نفسها للحصول على لقمة العيش والتى رغم ما يعتريها من لحظات ضعف لا تفقد نفسها كسيدة قوية علمتها الوحدة والحياة الصعبة ألا تستسلم او تشعر بالمهانة ، وقد وصل غادة عبد الرازق فى أدائها التمثيلى لحد عالى من الطبيعية والصدق. وقد ساعد الديكور والملابس والماكياج على خلق بيئة مناسبة لتألق أداء كل من منى زكى وغادة عبد الرازق. وعموما فكون الشخصيات مكتوبة جيدا ولدينا فى هذا الفيلم مخرجة تستطيع السيطرة على أداء ممثليها فقد كان لابد أن يأتى الأداء التمثيلى جيدا لمعظم الأبطال ومع ذلك فقد سقطت المشاهد الأولى من أحمد السقا وكان كأنه قد فقد الكمياء التى تتحقق فى مشاهده مع منى زكى أو كأنه فى داخله يشعر أنه قد كبر على مشاهد حب شباب العشرينات ويبدو أن كاملة ابو زكرى قد تحرجت من إعادة توجيه السقا وهو بهذا الحجم من النجومية، ولكن عموما فإن أحمد السقا قد استعاد جودة أدائه واقناعه فى باقى الفيلم وكان يبدو طبيعا فى دور الزوج الذى يفتقد التحقق فى علاقته الزوجية ويبحث عن نفسه فى علاقة بديلة أما منة شلبى فقد كانت بمثابة قطعة البونبون فى هذا الفيلم ملأت الفيلم بهجة حيوية وأناقة ولم يشوب أدائها سوى جحوظ ( تبريئة ) كان يظهر أحيانا فى عينيها وهو ما قد يكون تعبير غير مقصود ناتج ربما من أثر النحافة الشديدة . أما محمد كامل وطارق لطفى وبشرى كانوا فى أماكنهم الطبيعية يؤدون أدوار مناسبة لهم.

الخلاصة أنه فيما يخص الأداء التمثيلى فقد نجحت كاملة أبو ذكرى تماما أولا فى اختيار طاقم الممثلين المناسبين كل منهم للدور الذى يؤديه وثانيا فى أن تقوم بتوجيههم بشكل جيد لنوعية الأداء ودرجته وثالثا فى أن تضعهم فى بيئة مناسبة (من ديكور وملابس وماكياج وإضاءة) للشخصية والحدث وهو ما يعنى أن كاملة تثبت هنا أنها مخرجة جيدة، لم تدعى أنها تصنع المستحيل أو أنها تقدم فيلم طليعى لكنها أيضا لم تستسهل فقد ركزت وهى تسعى لتقديم فيلم تجارى ناجح أن تقرأ مشاهد من الواقع.. تقدمها بصدق دون افتعال.. تكشف بها النقاب عن جوانب فينا وفى مجتمعنا..

إذن خلاصة الأمر أن فيلم (عن العشق والهوى) هو بمثابة درس فى كيفية عمل فيلم مسلى مبهج ممتلأ بالأحداث لا يفقد واقعيته أو يعتمد على شخصيات مستغربة وغريبة عنا .. فيلم تنبع خصوصيته من أنه يتبع مشاهد واقعية من الحياة اليومية بعمق دون تغريب ولا لطلطة يصل لجوهرها الأصلى، الجوهر الذى يصعب على أفلام أخرى الوصول له، وربما لهذا لم تكن مفاجأة أن يحقق الفيلم نصف مليون جنيه فى أول يومين لعرضه وأتصور أنهسيكون واحدا من أنجح أفلام الموسم وأكثرها استمرارا فى دور العرض.

يونيو 2006




مصادر

  • مدونة قديمة لغادة عبد المنعم على مكتوب

http://ghada-amoneim.maktoobblog.com/recent-posts

  • مقالات قديمة لغادة عبد المعم فى موقع عربتايمز

http://www.arabtimes.com/writer3/gadah.htm