مصر أولاً وثانياً وثالثاً - محمد أبو الغار

مصر أولاً وثانياً وثالثاً، د. محمد أبو الغار.


من الطبيعى بعد نجاح الثورة المصرية وتمكُّنها من الإطاحة بـ«مبارك» وجزء من نظامه أن تخرج إلى السطح والشارع قوى سياسية كثيرة، أبرزها - فى تقديرى - هو حزب مبارك وزبانيته الذين اكتشفوا فجأة أنهم بلا غطاء يحمى فسادهم ويدافع عنهم، وبدأوا فى التخطيط فرادى وجماعات لإجهاض نتائج الثورة وتقليل خسائرهم، وذلك بإثارة جو من الإحباط والخوف على مستقبل مصر بسبب القلاقل وعدم الاستقرار، وزاد من ذلك تصرفات السلفيين، وأدى ذلك إلى خوف رجال الأعمال والكثيرين من شرائح الطبقة الوسطى، وهناك اتجاهات فئوية وحزبية ودينية شجعت كلها بطريقة غير مباشرة هذا الخوف من المستقبل، وهناك دلائل على أن بعض المظاهرات الفئوية كانت مدفوعة من حزب مبارك، وربما كانت فضيحة مباراة الزمالك الأسبوع الماضى وأحداث الخطف والبلطجة والقتل عاملاً مهماً فى إثارة الناس وخوفهم، وذلك قد يؤثر على الوجه الحضارى الذى ظهرت به مصر أثناء الثورة. ويبدو أن الدعوة التى وجهها الدكتور يحيى الجمل، وإعلانه عن التقدير الكبير للدكتور مفيد شهاب، كان شيئاً غير مفهوم ولا مبرر على الإطلاق من وزارة ما بعد الثورة تجاه أحد المهندسين الأساسيين لكل عمليات التغيير المعيب فى الدستور المصرى، وأحد رجال مبارك المخلصين فى تفعيل أنواع وطرق جديدة من الديكتاتورية ضد الشعب عبر ثلاثة عقود.

هناك بعض الجيوب لـ«مبارك» فى كل مكان فى المجتمع، بعضها فى أماكن مؤثرة كالجامعات مثلاً، حيث استطاعوا أن يؤثروا على المجلس العسكرى ويقنعوه بأن استقالة بعض العمداء ورؤساء الجامعات المنحازين لـ«مبارك» ونظامه بشدة قد تؤدى إلى فوضى فى الجامعة، بينما ما فعلوه بإدخال البلطجية فى الجامعة ودعوة كبار شيوخ السلفيين للجامعة هو الذى يمكن أن يؤدى إلى فتنة، فالجامعة يجب أن تكون مكاناً للنقاش بين الأفكار السياسية المختلفة، ومنها الإسلامية بالطبع، فمحاضرة أو مناظرة بين فكر الإخوان وفكر حزب ليبرالى يمكن أن تحدث داخل الجامعة، لكن الجامعة ليست مكاناً للدعوة الدينية الإسلامية أو المسيحية أو لإقامة مقار لأحزاب.

هناك أيضاً قوى جديدة وأحزاب جديدة على الساحة، وأعتقد أن هذه الأحزاب جميعاً يجب أن تتفق بوضوح على ميثاق شرف يقول «مصر أولاً وثانياً وثالثاً»، وذلك مهما كانت هذه الأحزاب متباينة أو مختلفة أو أحياناً متضادة. فلنقل جميعاً إن مصر الموحدة المستقلة فى قرارها السياسى والاقتصادى والاجتماعى هو قرار المصريين وليس قرار أى قوة خارجية، سواء كانت تُعتبر صديقة عند البعض أو عدوة عند البعض الآخر، وسواء كانت هذه قوى أوروبية أو أمريكية أو عربية.. نحن المصريين يجب أن نراعى مصالح مصر ومستقبل مصر كدولة موحدة.

ثانياً: يجب أن يتفق الجميع على أن جميع الأحزاب تحترم الشعب المصرى كله، وتحترم كل فرد فيه، وتحترم آراء الجميع مهما كانت مختلفة معها.

ثالثاً: يجب أن يراعى المصريون أن الدين هو جزء لا يتجزأ من الشخصية المصرية منذ قديم الأزل، وأن الشعب المصرى فى أغلبه متدين، ويجب أن نحترم ذلك الأمر. نحن نعلم جميعاً أن الإسلام فى الدستور هو دين الدولة، وأن الدستور فى مادته الثانية يقول إن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وقد اتفق معظم المسلمين والأقباط على قبول هذه المادة ورفضوا مناقشتها، لأن ذلك قد يثير فتنة فى وقت نحن فى حاجة ماسة للوحدة فيه. واتفقت الغالبية العظمى من المسلمين على أن الأقباط جزء أساسى وحيوى من الشعب المصرى، ولهم ثقافة وتاريخ مماثل لتاريخ المسلمين فى مصر، فالجميع يحملون ثقافة مصر وتاريخها، والفارق الوحيد هو اختلاف الدين، ويجب أن يعلم المصريون جميعاً - من جميع الأحزاب - أن الحرية والأمان الكامل وحماية مقدسات الأقباط لابد أن تكون مماثلة لحماية مقدسات المسلمين، وهذا أمر يجب أن يعمل جميع الأحزاب على صيانته والدفاع عنه وفضح أى توجهات تضر بمصلحة الوطن.

رابعاً: يجب أن يعترف المصريون ويؤكدوا أن الديمقراطية هى خيار استراتيجى دائم، وأن تداول السلطة هو الطريقة الوحيدة الآمنة لتقدم الشعوب، وأن المنطقة العربية تدهورت وانهارت بسبب عدم تداول السلطة، ويجب أن نعلم دائماً أن الديمقراطية تعطى للأقلية حقوقا يجب أن يدافع عنها الجميع.

خامساً: يجب أن تراعى جميع الأحزاب أن مبادئ حقوق الإنسان العالمية، باستثناءات قليلة منها، تتماشى مع تعاليم الأخلاق السامية والأديان السماوية، ولذا يجب أن نلتزم بكل ما يتماشى مع تقاليدنا وفى نفس الوقت لا نتبنى قوانين ضد حقوق الإنسان.

سادساً: يجب أن نتفق جميعاً على أن الحرية مقدسة، وألا نضع قيوداً عليها، وأى تجاوز يمكن الرد عليه وإيضاحه وليس بمعاقبة صاحبه.

سابعاً: يجب ألا تدخل الأحزاب المصرية فى معارك وهمية خيالية وتطالب بأشياء مستحيلة التطبيق كسباً لأصوات انتخابية وهى تعلم أنها لم ولن تنفذ منها شيئاً، وأن تركز على خطة لدفع المجتمع إلى الأمام والتقدم.

ثامناً: مصر هى الأم والوطن والحب الكبير لنا جميعاً، ويجب أن نحتمى ببعض فى حضنها حتى تصبح مصر الكبيرة العظيمة كما كانت دوماً منذ قديم الأزل.

يجب أن نعمل جميعاً من أجل ذلك ونتنافس بشرف لرفعة الوطن.

قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر