محلى ابن حزم - المجلد الثالث6

1116 - مَسْأَلَةٌ : وَهَذَا بِخِلاَفِ مَنْ قَالَ : لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ , أَوْ قَالَ : بَدَنَةً , أَوْ قَالَ : مِائَةَ دِرْهَمٍ , أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْبُرِّ , هَكَذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ : فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ نَذْرٌ لاَزِمٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يَنْذُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ لاَ يَمْلِكُهُ ; لأََنَّ الَّذِي نَذَرَ لَيْسَ مُعَيَّنًا فَيَكُونُ مُشَارًا إلَيْهِ مُخْبَرًا عَنْهُ , فَإِنَّمَا نَذَرَ عِتْقًا فِي ذِمَّتِهِ , أَوْ صَدَقَةً فِي ذِمَّتِهِ. بُرْهَانُ هَذَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ثُمَّ لاَمَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ إذْ لَمْ يَفُوا بِذَلِكَ إذْ آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ : فَخَرَجَ هَذَا عَلَى مَا الْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ جُمْلَةً , وَخَرَجَ نَهْيُ النَّبِيِّ r عَنِ النَّذْرِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ عَلَى مَا نَذَرَ فِي مُعَيَّنٍ لاَ يَمْلِكُهُ. وَيَدْخُلُ فِي الْقِسْمِ اللَّازِمِ مَنْ نَذَرَ عِتْقَ أَوَّلِ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ , أَوْ أَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ أَمَتُهُ , وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ ثُمَّ أَعْتَقَ فِي الإِسْلاَمِ مِائَةَ رَقَبَةٍ , وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ قَالَ حَكِيمٌ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْيَاءُ كُنْتُ أَفْعَلُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ لَكَ مِنْ الْخَيْرِ قَالَ حَكِيمٌ : قُلْتُ : فَوَاَللَّهِ لاَ أَدَعُ شَيْئًا صَنَعَتْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلاَّ فَعَلْتُ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهُ فَهَذَا نَذْرٌ مِنْ حَكِيمٍ فِي عِتْقِ مِائَةِ رَقَبَةٍ , وَعَلِمَ النَّبِيُّ r بِذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ كَمَا أَنْكَرَ نَذْرَ الأَنْصَارِيَّةِ نَحْرَ النَّاقَةِ الَّتِي لَمْ تَمْلِكْهَا فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَيَّنِ , وَأَنَّ الْجَائِزَ هُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ حِينَئِذٍ ; لأََنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَلاَ بُدَّ , لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شِمَاسَةَ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قال أبو محمد : قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ r : : مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ وَقَوْلُهُ r : : لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَأَمْرُهُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ ، وَلاَ يَقْعُدَ ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ : بِأَنْ يَصُومَ وَيَطْرَحَ مَا سِوَى ذَلِكَ وَنَهْيُهُ ، عَنِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ نَجِدْ نَذْرًا فِي الْعَالَمِ يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ. وَقَدْ بَيَّنَ عليه السلام لِكُلِّ وَجْهٍ حُكْمَهُ , فَكَانَ مَنْ اسْتَعْمَلَ فِي أَحَد تِلْكَ الْوُجُوهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فَقَدْ أَخْطَأَ ; لأََنَّهُ زَادَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ , فَوَجَبَ حَمْلُ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى مَا لاَ يُحَالُ بِهِ حُكْمُ تِلْكَ النُّصُوصِ ، عَنْ أَحْكَامِهَا : فَوَجَدْنَاهُ إذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ صَحَّ حُكْمُهُ , وَهُوَ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فَقَطْ كَمَا فِي نَصِّ الْخَبَرِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَمْ يَلْتَزِمْهَا ، وَلاَ جَاءَ بِالْتِزَامِهِ إيَّاهَا نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ , أَوْ قَالَ : إنْ تَخَلَّصْت مِمَّا أَنَا فِيهِ فَعَلَيَّ نَذْرٌ , وَسَوَاءٌ تَخَلَّصَ أَوْ لَمْ يَتَخَلَّصْ : عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ : عَلَيَّ حَرَامٌ , عَلَيَّ نَذْرٌ قَالَ : اعْتِقْ رَقَبَةً , أَوْ صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , أَوْ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ سَعِيدٌ : وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : النَّذْرُ أَغْلَظُ الْيَمِينِ , وَفِيهَا أَغْلَظُ الْكَفَّارَةِ : عِتْقُ رَقَبَةٍ وَكِلاَهُمَا صَحِيحٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ : فِيهِ يَمِينٌ كَقَوْلِنَا : الشَّعْبِيُّ , رُوِّينَاهُ ، عَنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ : عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . 1117 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ قَالَ فِي النَّذْرِ اللَّازِمِ الَّذِي قَدَّمْنَا : إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ , أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ , أَوْ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ , أَوْ ذَكَرَ الإِرَادَةَ مَكَانَ الْمَشِيئَةِ , أَوْ إِلاَّ إنْ بَدَّلَ اللَّهُ مَا فِي نَفْسِي , أَوْ إِلاَّ أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ نَحْوِ هَذَا مِنْ الأَسْتِثْنَاءِ وَوَصَلَهُ بِكَلاَمِهِ , فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ , وَلاَ يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلأََنَّهُ إذَا عَلَّقَ نَذْرَهُ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَ تَمَامَهُ لاََنْفَذَهُ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ كَوْنَهُ. وَهُوَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ إِلاَّ إنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ , فَإِذْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ , وَكَذَلِكَ إنْ بَدَا لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 1118 - مَسْأَلَةٌ : وَنَذْرُ الرَّجُلِ , وَالْمَرْأَةِ الْبِكْرِ ذَاتِ الأَبِ , وَغَيْرِ ذَاتِ الأَبِ , وَذَاتِ الزَّوْجِ , وَغَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ , وَالْعَبْدِ , وَالْحُرِّ , سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا ; لأََنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَأَمْرَ رَسُولِهِ r بِذَلِكَ عُمُومٌ لَمْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ تَخْصِيصَ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا فَلاَ يُبَيِّنُهُ لَنَا , هَذَا أَمْرٌ قَدْ أَمِنَّاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ إِلاَّ الصِّيَامَ وَحْدَهُ فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ غَيْرَ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1119- مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَذَرَ مَا لاَ يُطِيقُ أَبَدًا لَمْ يَلْزَمْهُ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ فَجَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَهُوَ لاَ يُطِيقُهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ لاَزِمٍ لَهُ , لاَ حِينَئِذٍ , وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ. 1120 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَذَرَ فِي حَالَةِ كُفْرِهِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا فَحَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ , وَأَوْجَبَهُ لِفَاعِلِهِ , ثُمَّ عَلَى الإِيمَانِ , وَعَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ فِيهِ أَيْضًا , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : : مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّه فَلْيُطِعْهُ. وَهُوَ عليه السلام مَبْعُوثٌ إلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ , وَطَاعَتُهُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ , مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَلَيْسَ مُسْلِمًا : وَهَذِهِ جُمْلَةٌ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ ثُمَّ نَقَضُوا فِي التَّفْصِيلِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحَلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ r : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحْنَثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ , أَوْ عَتَاقَةٍ , أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ , أَفِيهَا أَجْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r بَعْدَ مَا أَسْلَمْتُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُوَفِّيَ بِنَذْرِي. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمُرَادِيُّ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمْتُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فَأَمَرَنِي أَنْ أُوَفِّيَ بِنَذْرِي. فَهَذَا حُكْمٌ لاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ. وقال مالك : لاَ يَلْزَمُهُ وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَقَوْله تَعَالَى وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا. قال أبو محمد : لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا ; لأََنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا نَزَلَ فِيمَنْ مَاتَ كَافِرًا بِنَصِّ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُمَا قَالَ تَعَالَى وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ ، عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ. ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مَنْ يَنْقُضُ هَذِهِ الْحُجَّةَ فَيُجِيزُونَ : بَيْعَهُمْ , وَابْتِيَاعَهُمْ , وَنِكَاحَهُمْ , وَهِبَاتِهِمْ , وَصَدَقَاتِهِمْ , وَعِتْقَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ : ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّ ثُمَامَةَ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ النَّبِيُّ r وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ , وَاَللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دِينٍ أَبْغَضُ إلَيَّ مِنْ دِينِكَ , فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إلَيَّ وَاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ كُلِّهَا إلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي , وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ. فَهَذَا كَافِرٌ خَرَجَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَهُ عليه السلام بِإِتْمَامِ نِيَّتِهِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ طَاوُوس مَنْ نَذَرَ فِي كُفْرِهِ , ثُمَّ أَسْلَمَ فَلْيُوَفِّ بِنَذْرِهِ وَعَنِ الْحَسَنِ , وَقَتَادَةَ نَحْوُهُ وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُهُمَا. 1121 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَذَرَ لِلَّهِ صَوْمَ يَوْمٍ يَقْدُمُ فِيهِ فُلاَنٌ , أَوْ يَوْمٍ يَبْرَأُ أَوْ يَنْطَلِقُ فَكَانَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا لَمْ يَلْزَمْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْءٌ ; لأََنَّهُ إنْ كَانَ لَيْلاً فَلَمْ يَكُنْ مَا نَذَرَ فِيهِ , وَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَقَدْ مَضَى وَقْتُ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ الَّذِي أَنْطَلِقُ فِيهِ , أَوْ أَنْ يَكُونَ كَذَا فِي الأَبَدِ , أَوْ مُدَّةً يُسَمِّيهَا , فَيَلْزَمُهُ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1122 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَذَرَ صِيَامًا , أَوْ صَلاَةً , أَوْ صَدَقَةً , وَلَمْ يُسَمِّ عَدَدًا مَا : لَزِمَهُ فِي الصِّيَامِ صَوْمُ يَوْمٍ ، وَلاَ مَزِيدٍ , وَفِي الصَّدَقَةِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِمَّا يُسَمَّى صَدَقَةً , وَلَوْ شَقَّ تَمْرَةً , أَوْ أَقَلَّ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ , وَلَزِمَهُ فِي الصَّلاَةِ رَكْعَتَانِ ; لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا أَقَلُّ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ الأَسْمُ الْمَذْكُورُ , فَهُوَ اللَّازِمُ بِيَقِينٍ ، وَلاَ يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْهَا شَرْعٌ , وَلاَ لُغَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1123 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ , أَوْ صِيَامٌ , أَوْ صَلاَةٌ , هَكَذَا جُمْلَةً : لَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ , وَيُجْزِيهِ ; لأََنَّهُ نَذَرَ طَاعَةً , فَعَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ عَمَلُ بِرٍّ : فَيُجْزِيهِ تَسْبِيحَةٌ , أَوْ تَكْبِيرَةٌ , أَوْ صَدَقَةٌ , أَوْ صَوْمٌ , أَوْ صَلاَةٌ , أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ نَذْرًا , أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ , أَوْ قَالَ عَلَى اللَّهِ كَذَا وَكَذَا , كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَلاَ يُجْزِي فِي ذَلِكَ لَفْظٌ دُونَ نِيَّةٍ , وَلاَ نِيَّةٌ دُونَ لَفْظٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. فَلَمْ يُفْرِدْ عليه السلام نِيَّةً دُونَ عَمَلٍ ، وَلاَ عَمَلاً دُونَ نِيَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 1124 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ فَفَرْضٌ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ دُيُونِ النَّاسِ كُلِّهَا , فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِدُيُونِ النَّاسِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " " وَكِتَابِ الْحَجِّ " دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَنَا شُعَيْبٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيَّ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ r فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَأَفْتَاهُ عليه السلام أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدَهُ. قال أبو محمد : إنَّ مِنْ رَغِبَ ، عَنْ فُتْيَا رَسُولِ اللَّهِ r وَسَارَعَ إلَى قَبُولِ فُتْيَا أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ : لَمَخْذُولٌ مَحْرُومٌ مِنْ التَّوْفِيقِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ. وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ فِي أَنَّ فِي ثَلاَثَةِ أَصَابِعَ تُقْطَعُ لِلْمَرْأَةِ ثَلاَثِينَ مِنْ الإِبِلِ , وَفِي أَرْبَعِ أَصَابِعَ تُقْطَعُ لَهَا عِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ , لِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ تِلْكَ السُّنَّةُ ثُمَّ لاَ يَرَى قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَهُنَا , أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , أَوْ الزُّهْرِيِّ فَكَانَتْ سُنَّةً حُجَّةً لِبَعِيدٍ مِنْ الْقَوْلِ بِالْحَقِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ مُصْعَبٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَكَفَتْ ، عَنْ أَخِيهَا بَعْدَمَا مَاتَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أُمَّهُ نَذَرَتْ اعْتِكَافًا فَمَاتَتْ وَلَمْ تَعْتَكِفْ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : اعْتَكِفْ ، عَنْ أُمِّك. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَاهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ , وَهُوَ قَوْلُ طَاوُوس , وَغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : سَأَلْت عَطَاءً عَمَّنْ نَذَرَ جِوَارًا أَوْ مَشْيًا فَمَاتَ وَلَمْ يُنَفِّذْ قَالَ : يُنَفِّذُهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ , قُلْتُ : فَغَيْرُهُ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ قَالَ : نَعَمْ , وَأَحَبُّ إلَيْنَا الأَوْلِيَاءُ. قال أبو محمد : فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلاَةً صَلَّاهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ , أَوْ صَوْمًا كَذَلِكَ , أَوْ حَجًّا كَذَلِكَ , أَوْ عُمْرَةً كَذَلِكَ , أَوْ اعْتِكَافًا كَذَلِكَ , أَوْ ذِكْرًا كَذَلِكَ , وَكُلَّ بِرٍّ كَذَلِكَ فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يُؤَدِّي دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قِبَلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1125- مَسْأَلَةٌ : قَالَ عَلِيٌّ : وَمَنْ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُلْزِمَهَا مَنْ بَعْدَهُ , فَهِيَ غَيْرُ لاَزِمَةٍ , لاَ لَهُ ، وَلاَ لِمَنْ بَعْدَهُ ; لأََنَّ النَّذْرَ اللَّازِمَ الْوَفَاءِ بِهِ هُوَ نَذْرُ الطَّاعَةِ كَمَا قَدَّمْنَا , وَهُوَ الآنَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لاَ نَذْرُ طَاعَةٍ ; لأََنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِنَّمَا قَصَدَ إدْخَالَ الْمَشَقَّةِ عَلَى مُسْلِمٍ , فَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ﴿الْوَعْدُ﴾ 1126 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ وَعَدَ آخَرَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَالاً مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ , أَوْ بِأَنْ يُعَيِّنَهُ فِي عَمَلٍ مَا حَلَفَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ , وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ , وَكَانَ الأَفْضَلُ لَوْ وَفَّى بِهِ. وَسَوَاءٌ أَدْخَلَهُ بِذَلِكَ فِي نَفَقَةٍ أَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ كَمَنْ قَالَ : تَزَوَّجْ فُلاَنَةَ وَأَنَا أُعِينُك فِي صَدَاقِهَا بِكَذَا وَكَذَا , أَوْ نَحْوِ هَذَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يُدْخِلَهُ بِوَعْدِهِ ذَلِكَ فِي كُلْفَةٍ , فَيَلْزَمُهُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ الْوَعْدُ كُلُّهُ لاَزِمٌ , وَيَقْضِي بِهِ عَلَى الْوَاعِدِ وَيُجْبَرُ. فأما تَقْسِيمُ مَالِكٍ : فَلاَ وَجْهَ لَهُ ، وَلاَ بُرْهَانَ يُعَضِّدُهُ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٍ. فَإِنْ قَالُوا قَدْ أَضَرَّ بِهِ إذْ كَلَّفَهُ مِنْ أَجْلِ وَعْدِهِ عَمَلاً وَنَفَقَةً قلنا : فَهَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ عَلَى مِنْ أَضَرَّ بِآخَرَ , وَظَلَمَهُ وَغَرَّهُ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ مَالاً مَا عَلِمْنَا هَذَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ. وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ , وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ , وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ. وَالآخَرُ : الثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : : مِنْ عَلاَمَةِ النِّفَاقِ ثَلاَثَةٌ وَإِنْ صَلَّى , وَصَامَ , وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ , وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ. فَهَذَانِ أَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَآثَارٌ أُخُرُ لاَ تَصِحُّ : أَحَدُهَا : مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ مَوَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَة الْعَدَوِيِّ حَدَّثَهُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَتْ لِي أُمِّي هَاهْ تَعَالَ أُعْطِكَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ فَقَالَتْ : أُعْطِيهِ تَمْرًا , فَقَالَ عليه السلام : أَمَا أَنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا , كُتِبَتْ عَلَيْك كِذْبَةٌ هَذَا لاَ شَيْءَ ; لأََنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ. وَآخَرُ : مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَيْضًا ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : وَأَيُّ الْمُؤْمِنِ حَقٌّ وَاجِبٌ. هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ضَعِيفٌ وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : وَلاَ تَعِدْ أَخَاكَ وَعْدًا فَتُخْلِفْهُ , فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةً. وَهَذَا مُرْسَلٌ , وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ : تَعَالَ هَاهْ لَكَ , ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا فَهِيَ كِذْبَةٌ. ابْنُ شِهَابٍ كَانَ إذْ مَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ ابْنَ أَقَلَّ مِنْ تِسْعِ سِنِينَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ كَلِمَةٌ. وَأَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ : يَرَوْنَ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ , وَيَحْتَجُّونَ بِمَا ذَكَرْنَا فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقْضُوا بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ عَلَى الْوَاعِدِ ، وَلاَ بُدَّ , وَإِلَّا فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ , فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الآثَارُ لَقُلْنَا بِهَا. وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ صَدَّرْنَا بِهِمَا فَصَحِيحَانِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِمَا عَلَيْنَا ; لأََنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا ; لأََنَّ مَنْ وَعَدَ بِمَا لاَ يَحِلُّ , أَوْ عَاهَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ , فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , كَمَنْ وَعَدَ بِزِنًى , أَوْ بِخَمْرٍ , أَوْ بِمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ , أَوْ عَاهَدَ فَغَدَرَ : مَذْمُومًا , وَلاَ مَلُومًا , وَلاَ عَاصِيًا , بَلْ قَدْ يَكُونُ مُطِيعًا مُؤَدِّيَ فَرْضٍ ; فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَكُونُ فَرْضًا مِنْ إنْجَازِ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ , إِلاَّ عَلَى مَنْ وَعَدَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ , كَإِنْصَافٍ مِنْ دَيْنٍ , أَوْ أَدَاءِ حَقٍّ فَقَطْ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ مَنْ وَعَدَ وَحَلَفَ وَاسْتَثْنَى فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحِنْثُ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ , فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحِنْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وَعْدٍ أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ وَعْدٍ لَمْ يُقْسِمْ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَصَحَّ تَحْرِيمُ الْوَعْدِ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ , فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ وَعَدَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِي وَعْدِهِ ذَلِكَ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ , فَإِنْ اسْتَثْنَى فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , أَوْ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُعَلِّقُهُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَلاَ يَكُونُ مُخْلِفًا لِوَعْدِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ; لأََنَّهُ إنَّمَا وَعَدَهُ أَنْ يَفْعَلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَهُ لاََنْفَذَهُ فَإِنْ لَمْ يُنْفِذْهُ , فَلَمْ يَشَأْ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ عَلَى هَذَا أَيْضًا مِمَّا يَلْزَمُهُمْ , كَاَلَّذِي وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذْ يَقُولُ : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ. فَصَحَّ مَا قلنا ; لأََنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ , وَالْكَوْنَ مِنْ الصَّالِحِينَ وَاجِبٌ , فَالْوَعْدُ وَالْعَهْدُ بِذَلِكَ فَرْضَانِ : فُرِضَ إنْجَازُهُمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ هَذَا نَذْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ , وَالنَّذْرُ فَرْضٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. كِتَابُ الأَيْمَانِ 1127 - مَسْأَلَةٌ : لاَ يَمِينَ إِلاَّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , إمَّا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى , أَوْ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ , مِثْلَ : مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ , وَوَارِثِ الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا , الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ , وَيَكُونُ ذَلِكَ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ أَوْ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى , أَوْ قُدْرَتِهِ , أَوْ عِزَّتِهِ , أَوْ قُوَّتِهِ , أَوْ جَلاَلِهِ , وَكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِنْ مِثْلِ هَذَا ; فَهَذَا هُوَ الَّذِي إنْ حَلَفَ بِهِ الْمَرْءُ كَانَ حَالِفًا , فَإِنْ حَنِثَ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا فَلَيْسَ حَالِفًا , وَلاَ هِيَ يَمِينًا ، وَلاَ كَفَّارَةٌ فِي ذَلِكَ إنْ حَنِثَ ، وَلاَ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ , وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَلِكَ وَالأَسْتِغْفَارُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي " كِتَابِ النُّذُورِ " مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاَللَّهِ. وَقَوْله تَعَالَى قُلْ اُدْعُوَا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوَا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى. وَقَالَ تَعَالَى وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى , لاَ شَيْءَ سِوَاهُ , وَلاَ يُرْجَعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا , مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَقَالَ تَعَالَى إنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى إِلاَّ بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ. وَصَحَّ أَنَّ أَسْمَاءَهُ لاَ تَزِيدُ عَلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ شَيْئًا , لِقَوْلِهِ عليه السلام : مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا فَنَفَى الزِّيَادَةَ , وَأَبْطَلَهَا , لَكِنْ يُخْبِرُ عَنْهُ بِمَا يَفْعَلُ تَعَالَى. وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي إحْصَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ أَسْمَاءٌ مُضْطَرِبَةٌ لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلاً , فَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ. وَمِمَّا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r , وَقَدْ بَلَغَ إحْصَاؤُنَا مِنْهَا إلَى مَا نَذْكُرُ : وَهِيَ : اللَّهُ , الرَّحْمَنُ , الرَّحِيمُ , الْعَلِيمُ , الْحَكِيمُ , الْكَرِيمُ , الْعَظِيمُ , الْحَلِيمُ , الْقَيُّومُ , الأَكْرَمُ , السَّلاَمُ , التَّوَّابُ , الرَّبُّ , الْوَهَّابُ , الإِلَهُ , الْقَرِيبُ , السَّمِيعُ , الْمُجِيبُ , الْوَاسِعُ , الْعَزِيزُ , الشَّاكِرُ , الْقَاهِرُ , الآخِرُ , الظَّاهِرُ , الْكَبِيرُ , الْخَبِيرُ , الْقَدِيرُ , الْبَصِيرُ , الْغَفُورُ , الشَّكُورُ , الْغَفَّارُ , الْقَهَّارُ , الْجَبَّارُ , الْمُتَكَبِّرُ , الْمُصَوِّرُ , الْبَرُّ , مُقْتَدِرٌ , الْبَارِي , الْعَلِيُّ , الْغَنِيُّ , الْوَلِيُّ , الْقَوِيُّ , الْحَيُّ , الْحَمِيدُ , الْمَجِيدُ , الْوَدُودُ , الصَّمَدُ , الأَحَدُ , الْوَاحِدُ , الأَوَّلُ , الأَعْلَى , الْمُتَعَالِ , الْخَالِقُ , الْخَلَّاقُ , الرَّزَّاقُ , الْحَقُّ , اللَّطِيفُ , رَءُوف , عَفُوٌّ , الْفَتَّاحُ , الْمَتِينُ , الْمُبِينُ , الْمُؤْمِنُ , الْمُهَيْمِنُ , الْبَاطِنُ , الْقُدُّوسُ , الْمَلِكُ , مَلِيكٌ , الأَكْبَرُ , الأَعَزُّ , السَّيِّدُ , سُبُّوحٌ , وِتْرٌ , مِحْسَانٌ , جَمِيلٌ , رَفِيقٌ , الْمُسَعِّرُ , الْقَابِضُ , الْبَاسِطُ , الشَّافِي , الْمُعْطِي , الْمُقَدِّمُ , الْمُؤَخِّرُ , الدَّهْرُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَذَكَرَ حَدِيثَ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَفِيهِ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام لَمَّا رَأَى الْجَنَّةَ وَأَنَّهَا حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ قَالَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. وَقَالَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُصْعَبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُعَلِّمُنَا الأَسْتِخَارَةَ فِي الأُُمُورِ كُلِّهَا , كَالسُّورَةِ مِنْ الْقُرْآنِ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً. وَقَالَ تَعَالَى ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. وَقَالَ تَعَالَى فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. وَقَالَ تَعَالَى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي. وَقَالَ تَعَالَى فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا. فَهَذِهِ جَاءَ النَّصُّ بِهَا. وَأَمَّا الْيَمِينُ بِعَظَمَةِ اللَّهِ , وَإِرَادَتِهِ , وَكَرَمِهِ , وَحِلْمِهِ , وَحِكْمَتِهِ , وَسَائِرِ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ , فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَمِينًا ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ , فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهَا 1128 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ لاَ يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا , أَوْ أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا فَإِنْ وَقَّتَ وَقْتًا مِثْلَ : غَدًا , أَوْ يَوْمَ كَذَا , أَوْ الْيَوْمَ أَوْ فِي وَقْتٍ يُسَمِّيهِ , فَإِنْ مَضَى ذَلِكَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِيهِ عَامِدًا ذَاكِرًا لِيَمِينِهِ , أَوْ فَعَلَ مَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَفْعَلَهُ فِيهِ عَامِدًا ذَاكِرًا لِيَمِينِهِ , فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ. هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ , وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ , فَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ وَقْتًا فِي قَوْلِهِ : لاََفْعَلَن كَذَا , فَهُوَ عَلَى الْبِرِّ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَّتَ وَقْتًا , وَلاَ فَرْقَ , وَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِ , وَهَذَا مَكَانٌ فِيهِ خِلاَفٌ : قَالَ مَالِكٌ : هُوَ حَانِثٌ فِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وقال الشافعي : هُوَ عَلَى الْبِرِّ إلَى آخِرِ أَوْقَاتِ صِحَّتِهِ الَّتِي يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ , فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا. قال أبو محمد : فَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ : أَحَانِثٌ هُوَ مَا لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ أَمْ بَارٌّ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قَسَمٍ ثَالِثٍ , فَإِنْ قَالُوا : هُوَ بَارٌّ قلنا : صَدَقْتُمْ , وَهُوَ قَوْلُنَا لاَ قَوْلُكُمْ وَإِنْ قَالُوا : هُوَ حَانِثٌ قلنا : فَأَوْجِبُوا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ , وَطَلاَقَ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِكُمْ إنْ كَانَ حَانِثًا وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ. فَظَهَرَ يَقِينُ فَسَادِ قَوْلِهِمْ بِلاَ مِرْيَةٍ , وَأَنَّ قَوْلَهُمْ : هُوَ عَلَى حِنْثٍ , وَلَيْسَ حَانِثًا , وَلاَ حِنْثَ بَعْدُ : كَلاَمٌ مُتَنَاقِضٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ ; لأََنَّهُ أَوْجَبَ الْحِنْثَ بَعْدَ الْبِرِّ بِلاَ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ ، وَلاَ يَقَعُ الْحِنْثُ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلاَحَ أَنَّ قَوْلَهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1129 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالأَمَانَةِ , وَبِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ , وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ , وَأَشَدَّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ , وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ r وَحَقِّ الْمُصْحَفِ , وَحَقِّ الإِسْلاَمِ , وَحَقِّ الْكَعْبَةِ , وَأَنَا كَافِرٌ , وَلَعَمْرِي , وَلَعَمْرُك , وَلأَفْعَلَنَّ كَذَا , وَأُقْسِمُ , وَأَقْسَمْت , وَأَحْلِفُ , وَحَلَفْت , وَأَشْهَدُ , وَعَلَيَّ يَمِينٌ , أَوْ عَلَيَّ أَلْفُ يَمِينٍ , أَوْ جَمِيعُ الأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي : فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ يَمِينًا وَالْيَمِينُ بِهَا مَعْصِيَةٌ , لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ التَّوْبَةُ وَالأَسْتِغْفَارُ ; لأََنَّهُ كُلَّهُ غَيْرُ اللَّهِ ، وَلاَ يَجُوزُ الْحَلِفُ إِلاَّ بِاَللَّهِ. قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرَى هَذِهِ الأَلْفَاظَ يَمِينًا , وَيَرَى الْحَلِفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ , وَبِالطَّلاَقِ , وَبِالْعِتْقِ , وَبِصَدَقَةِ الْمَالِ : أَيْمَانًا ثُمَّ لاَ يُحَلَّفُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الدِّمَاءِ , وَالْفُرُوجِ , وَالأَمْوَالِ , وَالأَبْشَارِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ أَوْكَدُ عِنْدَهُمْ ; لأََنَّهَا لاَ كَفَّارَةَ لَهَا , وَيُحَلِّفُونَهُمْ بِاَللَّهِ , وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ , أَلَيْسَ هَذَا عَجَبًا وَلَئِنْ كَانَتْ أَيْمَانًا عِنْدَهُمْ : بَلْ مِنْ أَغْلَظِ الأَيْمَانِ وَأَشَدِّهَا : فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحَلِّفُوا النَّاسَ بِالأَيْمَانِ الْغَلِيظَةِ , وَلَئِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ أَيْمَانًا فَلِمَ يَقُولُونَ : إنَّهَا أَيْمَانٌ حَسْبُنَا اللَّهُ , وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ. وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ مِنْ السَّلَفِ يَرَوْنَ كُلَّ ذَلِكَ أَيْمَانًا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لاََنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ وَبَرَةَ قَالَ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ , أَوْ ابْنُ عُمَرَ : لاََنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : إنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ وَقَدْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِالْكَعْبَةِ : لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك فَكَّرْت فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَحْلِفَ لَعَاقَبْتُك , احْلِفْ بِاَللَّهِ فَأْثَمْ أَوْ ابْرَرْ 1130 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ , أَوْ بِكَلاَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَإِنْ نَوَى فِي نَفْسِهِ الْمُصْحَفَ , أَوْ الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ , أَوْ الْمَحْفُوظَ فِي الصُّدُورِ فَلَيْسَ يَمِينًا , وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ بَلْ نَوَاهُ عَلَى الإِطْلاَقِ , فَهِيَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ ; لأََنَّ كَلاَمَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ عِلْمُهُ. قَالَ تَعَالَى وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ. وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ هُوَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى , وَالْقُرْآنُ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ رُوِّينَا خِلاَفَ هَذَا رُوِّينَا ] مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ , وَالْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ , قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ , وَقَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ : ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ , وَمُجَاهِدٌ قَالاَ جَمِيعًا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ حَلَفَ بِسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا يَمِينُ صَبْرٍ فَمَنْ شَاءَ بَرَّ وَمَنْ شَاءَ فَجَرَ. وَلَفْظُ الْحَسَنِ إنْ شَاءَ بَرَّ وَإِنْ شَاءَ فَجَرَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ : أَتَيْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّوقَ فَسَمِعَ رَجُلاً يَحْلِفُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أَمَا إنَّ عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ يَمِينًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ أَجْمَعَ , وَمَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ يَمِينٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَرُوِّينَا ، عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ : مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ خَطِيئَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : هُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : قُلْت : وَالْبَيْتُ , وَكِتَابُ اللَّهِ فَقَالَ عَطَاءٌ : لَيْسَا لَك بِرَبٍّ , لَيْسَا يَمِينًا . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ; لأََنَّهُ لاَ يُعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. 1131 - مَسْأَلَةٌ : وَلَغْوُ الْيَمِينِ لاَ كَفَّارَةَ فِيهِ , وَلاَ إثْمَ , وَهُوَ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمَرْءُ وَهُوَ لاَ يَشُكُّ فِي أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَالثَّانِي : مَا جَرَى بِهِ لِسَانُ الْمَرْءِ فِي خِلاَلِ كَلاَمِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَيَقُولُ فِي أَثْنَاءِ كَلاَمِهِ : لاَ وَاَللَّهِ , وَأَيْ وَاَللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : رُبَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِبَعْضِ بَنِيهِ : لَقَدْ حَفِظْت عَلَيْك فِي هَذَا الْمَجْلِسِ أَحَدَ عَشَرَ يَمِينًا , وَلاَ يَأْمُرُهُ بِكَفَّارَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا عَطَاءً أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ سَأَلَهَا عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ قَالَتْ : هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لاَ وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي اللَّغْوِ : هُوَ قَوْلُ الْقَوْمِ يَتَدَارَءُونَ فِي الأَمْرِ يَقُولُ هَذَا : لاَ وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ , وَكَلاَ وَاَللَّهِ , وَلاَ تَعْقِدُ عَلَيْهِ قُلُوبُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , وَعَطَاءٍ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَالشَّعْبِيِّ , وَعِكْرِمَةَ , وَمُجَاهِدٍ , وطَاوُوس , وَالْحَسَنِ , وَالزُّهْرِيِّ , وَأَبِي قِلاَبَةَ , وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ : لَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ هَذَا وَاَللَّهِ فُلاَنٌ , وَلَيْسَ بِفُلاَنٍ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْحَسَنِ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَالشَّعْبِيِّ , وَمُجَاهِدٍ , وَقَتَادَةَ , وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَغَيْرِهِمْ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ الْمَرْءِ : لاَ وَاَللَّهِ , وَأَيْ وَاَللَّهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ , فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ ; لأََنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ , كَمَا قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ،. وَأَمَّا مَنْ أَقْسَمَ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ يَرَى , وَلاَ يَشُكُّ فِي أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ الْحِنْثَ , وَلاَ قَصَدَ لَهُ , وَلاَ حِنْثَ إِلاَّ عَلَى مَنْ قَصَدَ إلَيْهِ إِلاَّ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , فَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ هَهُنَا , وَأَوْجَبُوهَا عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ أَيْضًا أَنَّهُمْ رَأَوْا اللَّغْوَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى , وَلَمْ يَرَوْهُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى , كَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ , وَالطَّلاَقِ , وَالْعِتْقِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِقَوْلِنَا : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ هُوَ الصَّائِغُ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ قَالَتْ عَائِشَةُ ، عَنِ النَّبِيِّ r هُوَ كَلاَمُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ : كَلاَ وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1132 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا , فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا , أَوْ غُلِبَ بِأَمْرٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِهِ , أَوْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلاً ذَكَرَهُ لَهُ , أَوْ أَنْ لاَ يَفْعَلَ فِعْلاً كَذَا فَفَعَلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا , أَوْ شَكَّ الْحَالِفُ أَفْعَلَ مَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَفْعَلَهُ أَمْ لاَ أَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ عَقْلِهِ , فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَى الْحَالِفِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ ، وَلاَ إثْمَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : لَغْوُ الْيَمِينِ : هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الشَّيْءِ ثُمَّ يَنْسَى قَالَ هُشَيْمٌ : وَأَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ ، عَنِ الْحَسَنِ بِمِثْلِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ. وَقَالَ تَعَالَى وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ. وَقَدْ قلنا : إنَّ الْحِنْثَ لَيْسَ إِلاَّ عَلَى قَاصِدِ إلَى الْحِنْثِ يَتَعَمَّدُ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ غَيْرُ قَاصِدِينَ إلَيْهِ , فَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِمْ , إذْ لَمْ يَتَعَمَّدُوهُ بِقُلُوبِهِمْ. وَصَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : : عُفِيَ لأَُمَّتِي ، عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. وَأَنَّهُ رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ النَّاسِ , وَلاَ الْمَغْلُوبِ بِأَيِّ وَجْهٍ : مَنْعٌ أَنْ يَفْعَلَ مَا نَسِيَ ، وَلاَ مَا غُلِبَ عَلَى فِعْلِهِ فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ فِعْلَ ذَلِكَ , وَإِذْ لَيْسَ مُكَلَّفًا لِذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْوَفَاءُ بِمَا لَمْ يُكَلَّفْ الْوَفَاءَ بِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ , وَإِبْرَاهِيمَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : إذَا أَقْسَمَ عَلَى غَيْرِهِ فَأَحْنَثَ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ أَقْسَمَ عَلَى غَيْرِهِ فَأَحْنَثَهُ أَحَبُّ إلَيَّ لِلْمُقْسِمِ أَنْ يُكَفِّرَ , فَلَمْ يُوجِبْهُ إِلاَّ اسْتِحْبَابًا. 1133 - مَسْأَلَةٌ : وَمِنْ هَذَا مَنْ حَلَفَ عَلَى مَا لاَ يَدْرِي أَهْوَ كَذَلِكَ أَمْ لاَ , وَعَلَى مَا قَدْ يَكُونُ ، وَلاَ يَكُونُ كَمَنْ حَلَفَ لَيَنْزِلَنَّ الْمَطَرُ غَدًا , فَنَزَلَ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ , فَلاَ كَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحِنْثَ ، وَلاَ كَفَّارَةَ إِلاَّ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْحِنْثَ وَقَصَدَهُ لقوله تعالى : وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ حَلَفَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ r أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ فَلَمْ يَأْمُرْهُ عليه السلام بِكَفَّارَةٍ. وقال مالك : عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَانَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهَذَا خَطَأٌ ; لأََنَّهُ لاَ نَصَّ بِمَا قَالَ , وَالأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ إِلاَّ بِنَصٍّ , وَالشَّرَائِعُ لاَ تَجِبُ إِلاَّ بِنَصٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1134 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فِيمَا يَحْلِفُ , فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا ، عَنِ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ : سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ ، عَنِ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ أَفِيه كَفَّارَةٌ قَالَ : نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى كَذِبٍ يَتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبَ , قَالَ عَطَاءٌ : عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ , وَلاَ يَزِيدُ بِالْكَفَّارَةِ إِلاَّ خَيْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ قَالَ : بِمَا تَعَمَّدْتُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قوله تعالى : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ قَالَ : بِمَا تَعَمَّدْتُمْ فِيهِ الْمَأْثَمَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : هِيَ الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَتَعَمَّدُهُ كَاذِبًا يَقُولُ : وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت , وَلَمْ يَفْعَلْ , أَوْ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت , وَقَدْ فَعَلَ , قَالَ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ. وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ مِنْ طَرِيقِ رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ : كُنَّا نَعُدُّ مِنْ الذَّنْبِ الَّذِي لاَ كَفَّارَةَ لَهُ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ كَاذِبًا عَلَى مَالِ أَخِيهِ لِيَقْتَطِعَهُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالْحَسَنِ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ : أَنَّ هَذَا الْيَمِينَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ أَوْ أَنَّهَا كِذْبَةٌ , لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا. قال أبو محمد : احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ بِالأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r : : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ، وَلاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : : ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَذَكَرَ عليه السلام فِيهِمْ الْمُنْفِقَ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ r : الْكَبَائِرُ : الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ , وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ , وَقَتْلُ النَّفْسِ , وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ. وَمِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنِ النَّبِيِّ r : : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. وَمِنْ طَرِيقِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r : : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r : : مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَلَوْ كَانَ سِوَاكًا أَخْضَرَ هَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ صِحَاحٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا : خَبَرًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : : مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ. وَبِخَبَرٍ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلِ : فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ : لاَ وَاَلَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا فَعَلْتُ , فَجَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ : بَلَى قَدْ فَعَلَ , لَكِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ بِالإِخْلاَصِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْطَأَ فِيهِ يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ فَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ , وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ قَالُوا : فَلَمْ يَأْمُرْهُ عليه السلام بِكَفَّارَةٍ قَالُوا : إنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِيمَا حَلَفَ فِيهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ. وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِذَكَرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ. قَالُوا : وَحِفْظُهَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُوَاقَعَتِهَا. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَأَبِي ذَرٍّ , وَعِمْرَانَ , وَجَابِرٍ , وَالأَشْعَثِ , وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ ، وَلاَ إيجَابُهَا , كَمَا لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِتَوْبَةٍ أَصْلاً , وَإِنَّمَا فِيهَا كُلِّهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ بِالنَّارِ وَالْعِقَابِ. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ , وَفِي هَذِهِ الآيَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ يَقُولُ : إنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ , وَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ : يَقْطَعُ : بِكَوْنِهِ ، وَلاَ بُدَّ , وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِسْمٌ قَالُوا : هُوَ نَافِذٌ مَا لَمْ يَتُبْ فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ احْتَجَّ بِآيَةٍ وَأَخْبَارٍ صِحَاحٍ فِي إسْقَاطِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ لَيْسَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ ذِكْرٌ أَصْلاً , وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا كُلَّ مَا فِيهَا عَلاَنِيَةً وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام : مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً ; لأََنَّ الأَيْمَانَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ , مِنْهَا لَغْوٌ لاَ إثْمَ فِيهِ , وَلَمْ يَرِدْ هَذَا الصِّنْفُ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِلاَ شَكٍّ. وَمِنْهَا مَا يَكُونُ الْمَرْءُ بِهَا حَالِفًا عَلَى مَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَلاَ خِلاَفَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُغْنِي فِي هَذَا. وَبِهِ جَاءَ النَّصُّ ، عَنِ النَّبِيِّ r عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ الَّتِي اخْتَلَفْنَا فِيهَا , وَبِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي نَحْنُ وَهُمْ أَنَّ الْحَالِفَ بِهَا لاَ يُسَمَّى مُسْتَلِجًا فِي أَهْلِهِ , فَبَطَلَ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْخَبَرِ هَذَا الْقَسَمَ , وَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي إسْقَاطِهِمْ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ. فإن قيل : فَمَا مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ قلنا : نَعَمْ , مَعْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بَيِّنٌ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ دُونَ تَبْدِيلٍ ، وَلاَ إحَالَةٍ ، وَلاَ زِيَادَةٍ ، وَلاَ نَقْصٍ , وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَرْءُ أَنْ يُحْسِنَ إلَى أَهْلِهِ , أَوْ أَنْ لاَ يَضُرَّ بِهِمْ , ثُمَّ لَجَّ فِي أَنْ يَحْنَثَ , فَيَضُرَّ بِهِمْ , وَلاَ يُحْسِنَ إلَيْهِمْ وَيُكَفِّرَ ، عَنْ يَمِينِهِ فَهَذَا بِلاَ شَكٍّ مُسْتَلِجٌ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ أَنْ لاَ يَفِيَ بِهَا , وَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا بِلاَ شَكٍّ وَالْكَفَّارَةُ لاَ تُغْنِي عَنْهُ , وَلاَ تَحُطُّ إثْمَ إسَاءَتِهِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ لاَ يَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ هَذَا الْخَبَرُ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا. وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ , وَسُفْيَانَ , فَطَرِيقُ سُفْيَانَ لاَ تَصِحُّ , فَإِنْ صَحَّتْ طَرِيقُ حَمَّادٍ فَلَيْسَ فِيهِ لأَِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ ذِكْرٌ , وَإِنَّمَا فِيهِ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لَهُ بِالإِخْلاَصِ فَقَطْ , وَلَيْسَ كُلُّ شَرِيعَةٍ تُوجَدُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ ، وَلاَ شَكٍّ فِي أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوْبَةِ مِنْ تَعَمُّدِ الْحَلِفِ عَلَى الْكَذِبِ , وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَهَا ذِكْرٌ , فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ عليه السلام ، عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ حُجَّةً فِي سُقُوطِهَا فَسُكُوتُهُ ، عَنْ ذِكْرِ التَّوْبَةِ حُجَّةٌ فِي سُقُوطِهَا ، وَلاَ بُدَّ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ أَمَرَ بِالتَّوْبَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ قلنا : وَقَدْ أَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَنَقُولُ لَهُمْ : إنْ كَانَ سُكُوتُهُ عليه السلام ، عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ كُلِّهَا حُجَّةً فِي إسْقَاطِهَا فَسُكُوتُهُ عليه السلام ، عَنْ ذِكْرِ سُقُوطِهَا حَجَّةٌ فِي إيجَابِهَا ، وَلاَ فَرْقَ وَهِيَ دَعْوَى كَدَعْوَى ; فَالْوَاجِبُ طَلَبُ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي نَصٍّ غَيْرِ هَذِهِ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ فَحَقٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْحِفْظَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ مُوَاقَعَةِ الْيَمِينِ فَكَذِبٌ , وَافْتِرَاءٌ , وَبُهْت , وَضَلاَلٌ مَحْضٌ , بَلْ حِفْظُ الأَيْمَانِ وَاجِبٌ قَبْلَ الْحَلِفِ بِهَا , وَفِي الْحَلِفِ بِهَا , وَبَعْدَ الْحَلِفِ بِهَا , فَلاَ يَحْلِفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ. ثُمَّ هَبْكَ أَنَّ الأَمْرَ كَمَا قَالُوا , وَأَنَّ قوله تعالى : وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ , فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا عَلَى أَنْ لاَ كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا وَهَلْ هَذَا مِنْهُمْ إِلاَّ الْمُبَاهَتَةَ وَالتَّمْوِيهَ , وَتَحْرِيفَ كَلاَمِ اللَّهِ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ وَمَا يَشُكُّ كُلُّ ذِي مَسْكَةِ تَمْيِيزٍ فِي أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا فَمَا حَفِظَ يَمِينَهُ فَظَهَرَ فَسَادُ كُلِّ مَا يُمَخْرِقُونَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَبَاطِلٌ , وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ لاَ يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرَ ، عَنْ يَمِينِهِ. فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا تَجِبُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ , وَهِيَ : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا شَرًّا مِنْهَا فَفَعَلَ الَّذِي هُوَ شَرٌّ , فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. قال أبو محمد : وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : هِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ هَذَا وَأَيْنَ وَجَدُوهُ وَهَلْ هُوَ إِلاَّ حُكْمٌ مِنْهُمْ لاَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُعَارَضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ : دَعْوَى أَحْسَنُ مِنْ دَعْوَاهُمْ , بَلْ كُلَّمَا عَظُمَ الذَّنْبُ كَانَ صَاحِبُهُ أَحْوَجَ إلَى الْكَفَّارَةِ , وَكَانَتْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْهَا فِيمَا لَيْسَ ذَنْبًا أَصْلاً , وَفِيمَا هُوَ صَغِيرٌ مِنْ الذُّنُوبِ , وَهَذَا الْمُتَعَمِّدُ لِلْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ نَحْنُ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ , وَلَعَلَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ حَالِفٍ عَلَى يَمِينٍ غَمُوسٍ , أَوْ مِثْلِهِ وَهُمْ يَرَوْنَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ إفْسَادَ حَجِّهِ بِالْهَدْيِ بِآرَائِهِمْ , وَلَعَلَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ حَالِفِ يَمِينٍ غَمُوسٍ أَوْ مِثْلِهِ. وأعجب مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا , وَأَنْ يُصَلِّيَ الْيَوْمَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ , وَأَنْ لاَ يَزْنِيَ بِحَرِيمَةٍ وَأَنْ لاَ يَعْمَلَ بِالرِّبَا , ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ , وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ , وَزَنَى , وَأَرْبَى فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي أَيْمَانِهِ تِلْكَ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُّمَا أَعْظَمُ إثْمًا : مَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ أَنَّهُ مَا رَأَى زَيْدًا الْيَوْمَ , وَهُوَ قَدْ رَآهُ فَأَسْقَطُوا فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِعَظْمِهِ. أَوْ مَنْ حَنِثَ بِأَنْ لاَ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ , وَبِأَنْ قَتَلَ النَّفْسَ , وَبِأَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ أَوْ بِأُمِّهِ , وَبِأَنْ عَمِلَ بِالرِّبَا ثُمَّ لاَ يَرَوْنَ عِظَمَ حِنْثِهِ فِي إتْيَانِهِ هَذِهِ الْكَبَائِرِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ وَاَللَّهِ قَطْعًا عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالدِّينِ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ أَلْفِ يَمِينٍ تَعَمَّدَ فِيهَا الْكَذِبَ , لاَ تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ ; لأََنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفِّرَ فَهَلْ تَجْرِي أَقْوَالُ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ عَلَى اتِّبَاعِ نَصٍّ أَوْ عَلَى الْتِزَامِ قِيَاسٍ وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِأَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم , فَهِيَ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ لاَ تَصِحُّ ; لأََنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ ، وَلاَ أَمْثَالَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إنَّمَا أَدْرَكَ أَصَاغِرَ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ , وَمِثْلِهِ , رَضِيَ اللَّهُ ، عَنْ جَمِيعِهِمْ. وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ : إنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ , أَوْ بِسُورَةٍ مِنْهُ , فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ; فَابْنُ مَسْعُودٍ حُجَّةٌ إذَا اُشْتُهُوا , وَغَيْرُ حُجَّةٍ إذَا لَمْ يَشْتَهُوا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً. قال أبو محمد : فَإِذْ قَدْ سَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فَلْنَأْتِ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا : فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ إلَى قوله تعالى : ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ. فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ يَمِينٍ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُسْقَطَ كَفَّارَةٌ ، عَنْ يَمِينٍ أَصْلاً إِلاَّ حَيْثُ أَسْقَطَهَا نَصُّ قُرْآنٍ , أَوْ سُنَّةٍ , وَلاَ نَصَّ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةَ , أَصْلاً فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ ، عَنِ الْحَالِفِ يَمِينًا غَمُوسًا ; فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ وَالْقُرْآنُ يُوجِبُهَا , ثُمَّ يُوجِبُونَهَا عَلَى مَنْ حَنِثَ نَاسِيًا مُخْطِئًا وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ قَدْ أَسْقَطَاهَا عَنْهُ. وَأَوْجَبُوهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْيَمِينَ ، وَلاَ نَوَاهَا وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ يَسْقُطَانِهَا عَنْهُ ; وَهَذِهِ كَمَا تَرَى. فَإِنْ قَالُوا : إنَّ هَذِهِ الآيَةُ فِيهَا حَذْفٌ بِلاَ شَكٍّ , وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَلَفَ سَاعَةَ حَلَفَ بَرَّ أَوْ حَنِثَ قلنا : نَعَمْ لاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ الْحَذْفَ لاَ يَصْدُقُ أَحَدٌ فِي تَعْيِينِهِ لَهُ إِلاَّ بِنَصٍّ صَحِيحٍ , أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ , عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى لاَ مَا سِوَاهُ , وَأَمَّا بِالدَّعْوَى الْمُفْتَرَاةِ فَلاَ : فَوَجَدْنَا الْحَذْفَ الْمَذْكُورَ فِي الآيَةِ قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ وَالنَّصُّ عَلَى أَنَّهُ فَحَنِثْتُمْ , وَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَالْمُتَعَمِّدُ لِلْيَمِينِ عَلَى الْكَذِبِ عَالِمًا بِأَنَّهُ كَذِبٌ حَانِثٌ بِيَقِينِ حُكْمِ الشَّرِيعَةِ , وَحُكْمِ اللُّغَةِ. فَصَحَّ إذْ هُوَ حَانِثٌ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ , وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , وَقَدْ قَاسُوا حَالِقَ رَأْسِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مُحْرِمًا غَيْرَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى. فَهَلاَّ قَاسُوا الْحَالِفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ حَانِثًا عَاصِيًا عَلَى الْحَالِفِ أَنْ لاَ يَعْصِيَ , فَحَنِثَ عَاصِيًا , أَوْ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَبَرَّ فَبَرَّ : غَيْرَ عَاصٍ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ وَقِيَاسِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1135 - مَسْأَلَةٌ : وَالْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا , وَعَلَى أَنْ يُطِيعَ , أَوْ عَلَى أَنْ يَعْصِيَ , أَوْ عَلَى مَا لاَ طَاعَةَ فِيهِ ، وَلاَ مَعْصِيَةَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إنْ تَعَمَّدَ الْحِنْثَ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ , وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحِنْثَ , أَوْ لَمْ يَعْقِدْ الْيَمِينَ بِقَلْبِهِ فَلاَ كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ فَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ حِنْثٍ قَصَدَهُ الْمَرْءُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ : فَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ هُوَ الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ ، وَلاَ كَفَّارَةَ فِيهَا. قال أبو محمد : وَهَذَا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , بَلْ الْبُرْهَانُ قَائِمٌ بِخِلاَفِهِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الرَّقِّيِّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فِي نَفَرٍ مِنْ الأَشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r وَاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا. فَصَحَّ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ فِي الْغَضَبِ قَالَ تَعَالَى وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ وَالْحَالِفُ فِي الْغَضَبِ مُعَقِّدٌ لِيَمِينِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَأَمَّا الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ : أَنَّ رَجُلاً أَضَافَهُ رَجُلٌ فَحَلَفَ أَنْ يَأْكُلَ , فَحَلَفَ الضَّيْفُ أَنْ لاَ يَأْكُلَ , فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ : كُلْ وَإِنِّي لاَ أَظُنُّ أَنَّ أَحَبَّ إلَيْك أَنْ تُكَفِّرَ ، عَنْ يَمِينِك فَلَمْ يَرَ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ اسْتِحْبَابًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ دَاوُد بْنِ هِنْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَابِسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَلَفَ أَنْ يَجْلِدَ غُلاَمَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ , ثُمَّ لَمْ يَجْلِدْهُ , قَالَ : . فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : أَلَمْ تَرَ مَا صَنَعْت تَرَكْته , فَذَاكَ بِذَاكَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ قَالَ : مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلْكِ يَمِينِهِ : أَنْ يَضْرِبَهُ , فَإِنَّ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ أَنْ لاَ يَضْرِبَهُ , وَهِيَ مَعَ الْكَفَّارَةِ حَسَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ مَمْلُوكَهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ : لاََنْ يَحْنَثَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَضْرِبَهُ , قَالَ الْمُعْتَمِرُ : وَحَلَفْت أَنْ أَضْرِبَ مَمْلُوكَةً لِي , فَنَهَانِي أَبِي وَلَمْ يَأْمُرْنِي بِكَفَّارَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ قَالَ : سُئِلَ طَاوُوس عَمَّنْ حَلَفَ : أَنْ لاَ يَعْتِقَ غُلاَمًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ طَاوُوسٌ : تُرِيدُ مِنْ الْكَفَّارَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ قَالَ : هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَرَامِ فَلاَ يُؤَاخِذُهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ كُلُّ يَمِينٍ فِي مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَتْ لَهَا كَفَّارَةٌ , مَنْ يُكَفِّرُ لِلشَّيْطَانِ وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَةَ قَالَ : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهِ : لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ فِيهِ نَزَلَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لاَ يَصِلَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ , قَالَ : كَفَّارَتُهُ تَرْكُهُ , فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ : لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ , وَلْيُكَفِّرْ ، عَنْ يَمِينِهِ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ نَذْرَ ، وَلاَ يَمِينَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ , وَلاَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ , وَلاَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ , وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَدَعْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ , فَإِنَّ تَرْكَهَا كَفَّارَتُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : قَالَ : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَهُوَ كَفَّارَتُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ يَمِينَ عَلَيْكَ , وَلاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ , وَلاَ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ , وَفِيمَا لاَ تَمْلِكُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَيَّانَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ دِرْهَمٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَقْرَبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ حَلَفَ عَلَى مَمْلُوكِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يَدَعَهُ , وَلَهُ مَعَ كَفَّارَتِهِ خَيْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ الْقَطَعِيُّ سَمِعْت الْحَسَنَ يَقُولُ : بَلَغَنَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ نَذْرَ لأَبْنِ آدَمَ فِي مَالِ غَيْرِهِ ، وَلاَ يَمِينَ فِي مَعْصِيَةٍ. قال أبو محمد : كُلُّ هَذَا لاَ يَصِحُّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ صَحِيفَةٌ , وَلَكِنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , وَالْحَنَفِيِّينَ فِي أَنْ يَحْتَجُّوا بِرِوَايَتِهِ إذَا وَافَقَتْهُمْ وَيُصَحِّحُونَهَا حِينَئِذٍ , فَإِذَا خَالَفَتْهُمْ كَانَتْ حِينَئِذٍ صَحِيفَةً ضَعِيفَةً. مَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْطِقُ بِهَذَا مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ أَمْ كَيْفَ تَدِينُ بِهِ نَفْسٌ تَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَمُنْقَطِعٌ , لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ شَيْئًا إِلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ الْمُزَنِيّ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَطْ , وَهَؤُلاَءِ يَقُولُونَ : إنَّ الْمُنْقَطِعَ , وَالْمُتَّصِلَ سَوَاءٌ , فَأَيْنَ هُمْ ، عَنْ هَذَا الأَثَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَعَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ سَاقِطٌ مَتْرُوكٌ ذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ , وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمِ بْنِ عَقْرَبٍ فَفِيهِ شُعَيْبُ بْنُ حَيَّانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ. وَوَجَدْنَا نَصَّ الْقُرْآنِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ بِعُمُومِهِ , وَمَعَ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْهُ. فإن قيل : إنَّ هَذَا فِيمَا كَانَ فِي كِلَيْهِمَا خَيْرٌ إِلاَّ أَنَّ الآخَرَ أَكْثَرُ خَيْرًا قلنا : هَذِهِ دَعْوَى , بَلْ كُلُّ شَرٍّ فِي الْعَالَمِ , وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ , فَالْبِرُّ وَالتَّقْوَى خَيْرٌ مِنْهُمَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ. فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرٌ مِنْ الأَوْثَانِ , وَلاَ شَيْءَ مِنْ الْخَيْرِ فِي الأَوْثَانِ. وَقَالَ تَعَالَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ، وَلاَ خَيْرَ فِي جَهَنَّمَ أَصْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ ] ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : وَاَللَّهِ لاََنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ. فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي يَكُونُ التَّمَادِي عَلَى الْوَفَاءِ بِهَا إثْمًا وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةَ , وَهُوَ قَوْلُ الْحَاضِرِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1136 - مَسْأَلَةٌ : وَالْيَمِينُ مَحْمُولَةٌ عَلَى لُغَةِ الْحَالِفِ وَعَلَى نِيَّتِهِ , وَهُوَ مُصَدِّقٌ فِيمَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ فِي حَقٍّ لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ وَالْحَالِفُ مُبْطِلٌ فَإِنَّ الْيَمِينَ هَهُنَا عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ. وَمَنْ قِيلَ لَهُ : قُلْ كَذَا أَوْ كَذَا فَقَالَ وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلاَمُ يَمِينًا بِلُغَةٍ لاَ يُحْسِنُهَا الْقَائِلُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْلِفْ وَمَنْ حَلَفَ بِلُغَتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ فَهُوَ حَالِفٌ , فَإِنْ حَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا هِيَ إخْبَارٌ مِنْ الْحَالِفِ عَمَّا يَلْتَزِمُ بِيَمِينِهِ تِلْكَ , وَكُلُّ وَاحِدٍ فَإِنَّمَا يُخْبِرُ ، عَنْ نَفْسِهِ بِلُغَتِهِ , وَعَمَّا فِي ضَمِيرِهِ. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ , وَقَوْلُ النَّبِيِّ r : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ. وَقَالَ تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ. وَلِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ لُغَةٍ اسْمٌ , فَبِالْفَارِسِيَّةِ : أوزمز , وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ : أذوناي , والوهيم , والوهاء , وَإِسْرَائِيلُ , وَبِاللَّاتِينِيَّةِ : داوش , وقريطور , وبالصقلبية : بغ , وَبِالْبَرْبَرِيَّةِ : يكش. فَإِنْ حَلَفَ هَؤُلاَءِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ فَهِيَ يَمِينٌ صَحِيحَةٌ ; وَفِي الْحِنْثِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَأَمَّا مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ لِخَصْمِهِ وَهُوَ مُبْطِلٌ فَلاَ يَنْتَفِعُ بِتَوْرِيَتِهِ , وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي جُحُودِهِ الْحَقَّ , عَاصٍ لَهُ فِي اسْتِدْفَاعِ مَطْلَبِ خَصْمِهِ بِتِلْكَ الْيَمِينِ , فَهُوَ حَالِفُ يَمِينٍ غَمُوسٍ , وَلاَ بُدَّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ. وَقَدْ قِيلَ : عَبَّادٌ , وَعَبْدُ اللَّهِ وَاحِد , وَلاَ يَكُونُ صَاحِبُ الْمَرْءِ إِلاَّ مَنْ لَهُ مَعَهُ أَمْرٌ يَجْمَعُهُمَا يَصْطَحِبَانِ فِيهِ , وَلَيْسَ إِلاَّ ذُو الْحَقِّ الَّذِي لَهُ عَلَيْك يَمِينٌ تُؤَدِّيهَا إلَيْهِ ، وَلاَ بُدَّ. وَأَمَّا مَنْ لاَ يَمِينَ لَهُ عِنْدَك فَلَيْسَ صَاحِبَك فِي تِلْكَ الْيَمِينِ. 1137 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ : نَوَيْت بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الَّذِي نَطَقَ صُدِّقَ , وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : جَرَى لِسَانِي وَلَمْ يَكُنْ لِي نِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ , فَإِنْ قَالَ : لَمْ أَنْوِ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1137 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ : نَوَيْت بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الَّذِي نَطَقَ صُدِّقَ , وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : جَرَى لِسَانِي وَلَمْ يَكُنْ لِي نِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ , فَإِنْ قَالَ : لَمْ أَنْوِ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1139 - مَسْأَلَةٌ : وَيَمِينُ الأَبْكَمِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ لاَزِمَانِ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ مِنْ صَوْتٍ يُصَوِّتُهُ أَوْ إشَارَةٍ إنْ كَانَ مُصْمَتًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الأَيْمَانَ إخْبَارٌ مِنْ الْحَالِفِ ، عَنْ نَفْسِهِ , وَالأَبْكَمُ , وَالْمُصْمَتُ , مُخَاطَبَانِ بِشَرَائِعِ الإِسْلاَمِ كَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا مِنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مَا اسْتَطَاعَاهُ , وَأَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمَا , وَأَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمَا مَا يُخْبِرَانِ بِهِ ، عَنْ أَنْفُسِهِمَا حَسْبَ مَا يُطِيقَانِ وَيَلْزَمُهُمَا مَا الْتَزَمَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1140 - مَسْأَلَةٌ : وَالرِّجَالُ , وَالنِّسَاءُ , الأَحْرَارُ , وَالْمَمْلُوكُونَ , وَذَوَاتُ الأَزْوَاجِ وَالأَبْكَارُ , وَغَيْرُهُنَّ , فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ سَوَاءٌ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ. وَقَالَ تَعَالَى وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ. وَقَالَ عليه السلام : مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاَللَّهِ وَقَالَ فِي الأَسْتِثْنَاءِ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَخْصِيصِ عَبْدٍ مِنْ حُرٍّ , وَلاَ ذَاتِ زَوْجٍ مِنْ أَيِّمٍ , وَلاَ بِكْرٍ مِنْ ثَيِّبٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَالتَّحَكُّمُ فِي الدِّينِ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مُخَاطَبٌ بِالصَّلاَةِ , وَبِالصِّيَامِ , وَتَحْرِيمِ مَا يُحَرَّمُ , وَتَحْلِيلِ مَا يَحِلُّ سَوَاءٌ , فَأَنَّى لَهُمْ تَخْصِيصُ بَعْضِ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ , وَالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يَمِينَ لِوَلَدٍ مَعَ يَمِينِ وَالِدٍ , وَلاَ يَمِينَ لِزَوْجَةٍ مَعَ يَمِينِ زَوْجٍ , وَلاَ يَمِينَ لِلْمَمْلُوكِ مَعَ يَمِينِ مَلِيكِهِ , وَلاَ يَمِينَ فِي قَطِيعَةٍ , وَلاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ , وَلاَ طَلاَقَ قَبْلَ نِكَاحٍ , وَلاَ عَتَاقَةَ قَبْلَ الْمِلْكِ ، وَلاَ صَمْتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ , وَلاَ مُوَاصَلَةَ فِي الصِّيَامِ , وَلاَ يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ , وَلاَ رَضَاعَةَ بَعْدَ الْفِطَامِ , وَلاَ تَغَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ , وَلاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَحَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ لاَ تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ , وَيَلْزَمُ مَنْ قَلَّدَ رِوَايَتَهُ فِي اسْتِظْهَارِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِثَلاَثٍ بَعْدَ أَيَّامِهَا , فَأَسْقَطَ بِهَا الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ وَالصِّيَامَ الْمَفْرُوضَ , وَحَرَّمَ الْوَطْءَ الْمُبَاحَ أَنْ يَأْخُذُوا بِرِوَايَتِهِ هَهُنَا , وَإِلَّا فَهُمْ مُتَلاَعِبُونَ بِالدِّينِ. بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ خَالَفُوا أَكْثَرَ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ وَأَمَّا نَحْنُ فَوَاَللَّهِ لَوْ صَحَّ بِرِوَايَتِهِ الثِّقَاتُ مُتَّصِلاً لَبَادَرْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1141- مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَمِينَ لِسَكْرَانَ , وَلاَ لِمَجْنُونٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ , وَلاَ لِهَاذٍ فِي مَرَضِهِ , وَلاَ لِنَائِمٍ فِي نَوْمِهِ , وَلاَ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغَ. وَوَافَقَنَا فِي كُلِّ هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , إِلاَّ أَنَّهُمْ خَالَفُونَا فِي السَّكْرَانِ وَحْدَهُ , وَوَافَقَ فِي السَّكْرَانِ أَيْضًا قَوْلُنَا هَهُنَا قَوْلَ الْمُزَنِيّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَالطَّحَاوِيِّ , وَالْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَغَيْرِهِمْ. وَحُجَّتُنَا فِي السَّكْرَانِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ فَمَنْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ , فَلاَ يَحِلُّ أَخْذُهُ بِمَا لاَ يَدْرِي مَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِ , وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ الْيَمِينَ , وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يُؤَاخِذُ إِلاَّ بِمَا عَقَّدَ مِنْهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : هُوَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ . فَقُلْنَا : نَعَمْ , فَكَانَ مَاذَا وَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَجُرِحَ جِرَاحَةً أَقْعَدَتْهُ , أَوْ جَرَحَهَا نَفْسَهُ عَابِثًا عَاصِيًا , أَيَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ مَنْ أُقْعِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , أَوْ بِمَرَضٍ مِنْ عِنْدِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَوَازِ الصَّلاَةِ قَاعِدًا , وَفِي وُجُوبِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي مَرَضِهِ أَمْ لاَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : نَعَمْ , فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. وَكُلُّ مَنْ صَارَ إلَى حَالٍ يَبْطُلُ اخْتِيَارُهُ فِيهَا بِأَيِّ وَجْهٍ صَارَ إلَيْهَا , فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ صَارَ إلَيْهَا بِغَلَبَةٍ , لأََنَّ النُّصُوصَ لَمْ تَسْتَثْنِ هَهُنَا مِنْ أَحْوَالِ الْمَصِيرِ إلَى تِلْكَ الْحَالِ شَيْئًا. وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ فِيمَنْ خَرَجَ قَاطِعًا لِلطَّرِيقِ فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ , وَالْخِنْزِيرِ : إنَّ لَهُ أَنْ يُقَوِّيَ نَفْسَهُ بِأَكْلِهَا , وَالْقُرْآنُ جَاءَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ ثُمَّ يَأْكُلُ حَلاَلاً فَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ , ثُمَّ لاَ يَرَى السَّكْرَانَ فِي حُكْمِ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ هُوَ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَرَى أَنَّ النَّائِمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إنْ أَكَلَ فِي حَالِ نَوْمِهِ , أَوْ شَرِبَ مَا دَسَّ فِي فَمِهِ , أَنَّهُ مُفْطِرٌ , ثُمَّ يَرَاهُ هَهُنَا غَيْرَ حَالِفٍ ثُمَّ يُلْزِمُ السَّكْرَانَ يَمِينَهُ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. فَإِنْ قَالُوا : لَعَلَّهُ مُتَسَاكِرٌ , وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ قلنا : وَلَعَلَّ الْمَجْنُونَ مُتَجَنِّنٌ , مُتَحَامِقٌ , وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ , أَوْ أَحْمَقُ وَجَوَابُنَا هَهُنَا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ , يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ , وَلاَ فَرْقَ. وَفِي الصَّبِيِّ يَحْلِفُ : خِلاَفٌ نَذْكُرُهُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ طَاوُوس قَالَ : إذَا حَلَفَ الصَّبِيُّ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ مَا يَكْبَرُ كَفَّرَ. قال أبو محمد : وَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ : عُمَرَ , أَوْ عُثْمَانَ : إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ بَلَغَ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ وَيَلْزَمُ مَنْ يَرَى مِنْ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يُكَفِّرَ ، عَنِ الصَّبِيِّ يُصِيبُ لِصَيْدٍ فِي إحْرَامِهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ إنْ حَنِثَ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا. قَالَ عَلِيٌّ : وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا : هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنْ ثَلاَثٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ , وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ , وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنْ ثَلاَثٍ ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ , وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ , وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبَرَ. قَالَ عَلِيٌّ : السَّكْرَانُ مُبْتَلًى بِلاَ شَكٍّ فِي عَقْلِهِ. 1142 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي كُفْرِهِ ثُمَّ حَنِثَ فِي كُفْرِهِ , أَوْ بَعْدَ إسْلاَمِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ , لأََنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ r وَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى لاَزِمٌ لَهُمْ قَالَ تَعَالَى وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. وَقَالَ تَعَالَى وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَلاَ يَجْزِيهِ أَنْ يُكَفِّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ مُصَدِّقًا أَنَّهَا دِينُ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا. قَالَ تَعَالَى وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ. 1143 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ : وَاللَّاتِ , وَالْعُزَّى , فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يَقُولَ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَقُولُهَا مَرَّةً ; أَوْ يَقُولُ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، وَلاَ بُدَّ. وَيَنْفُثُ ، عَنْ شِمَالِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ , وَيَتَعَوَّذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ لاَ يَعُدْ فَإِنْ عَادَ عَادَ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا. وَمَنْ قَالَ لأَخَرَ : تَعَالَ أُقَامِرْك فَلْيَتَصَدَّقْ ، وَلاَ بُدَّ بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ قَلَّ أَمْ كَثُرَ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مَخْلَدٌ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ] حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : حَلَفْتُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : قُلْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَانْفُثْ ، عَنْ شِمَالِك ثَلاَثًا , وَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ , ثُمَّ لاَ تَعُدْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، هُوَ ابْنُ أَعْيَنَ ثِقَةٌ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : حَلَفْتُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ لِي أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r : بِئْسَ مَا قُلْتَ ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ r فَأَخْبِرْهُ فَإِنَّا لاَ نَرَاكَ إِلاَّ قَدْ كَفَرْتَ فَلَقِيتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لِي : قُلْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَانْفُثْ ، عَنْ شِمَالِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، وَلاَ تَعُدْ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : : مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ : بِاللَّاتِ , فَلْيَقُلْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ : تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ. قَالَ عَلِيٌّ : فِي هَذَا إبْطَالُ التَّعَلُّقِ بِقَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَدْ قَالَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم لِسَعْدٍ : مَا نَرَاك إِلاَّ قَدْ كَفَرْت , وَلَمْ يَكُنْ كَفَرَ. 1144- مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَيْمَانًا عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا يَمِينٌ , مِثْلُ : وَاَللَّهِ لاَ أَكَلْت الْيَوْمَ , وَوَاللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا , وَوَاللَّهِ لاَ دَخَلْت دَارِهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا , فَهِيَ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ إنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. فَإِنْ عَمِلَ آخَرَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى , فَإِنْ عَمِلَ ثَالِثًا فَكَفَّارَةٌ ثَالِثَةٌ وَهَكَذَا مَا زَادَ , لأََنَّهَا أَيْمَانٌ مُتَغَايِرَةٌ , وَأَفْعَالٌ مُتَغَايِرَةٌ , وَأَحْنَاثٌ مُتَغَايِرَةٌ , إنْ حَنِثَ فِي يَمِينٍ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ فِي أُخْرَى بِلاَ شَكٍّ , فَلِكُلِّ يَمِينٍ حُكْمُهَا. 1145- مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ حَلَفَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا : إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ اسْتَثْنَى بِشَيْءٍ مَا , فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا : إنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْصُولاً فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا نَوَى , فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالأَسْتِثْنَاءِ جَمِيعَ الأَيْمَانِ , فَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَإِنْ قَالَ : نَوَيْت آخِرَهَا , فَهُوَ كَمَا قَالَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : الأَسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ الأَيْمَانِ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَكُونُ الأَسْتِثْنَاءُ إِلاَّ لِلْيَمِينِ الَّتِي تَلِي الأَسْتِثْنَاءَ. قال أبو محمد : وَبِهَذَا نَأْخُذُ , لأََنَّهُ قَدْ عَقَّدَ الأَيْمَانَ السَّالِفَةَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا وَقَطَعَ الْكَلاَمَ فِيهَا , وَأَخَذَ فِي كَلاَمٍ آخَرَ , فَبَطَلَ أَنْ يَتَّصِلَ الأَسْتِثْنَاءُ بِهَا , فَوَجَبَ الْحِنْثُ فِيهَا إنْ حَنِثَ وَالْكَفَّارَةُ , وَكَانَ الأَسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ الَّتِي اتَّصَلَ بِهَا كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1146 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ , كَمَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا ، وَلاَ خَالِدًا , وَلاَ دَخَلْت دَارَ عَبْدِ اللَّهِ , وَلاَ أَعْطَيْتُك شَيْئًا , فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ , وَلاَ يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ شَيْئًا مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ , وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى يَفْعَلَ كُلَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لاَ أَفْعَلُ كَذَا , وَاَللَّهِ لاَ أَفْعَلُ كَذَا , لأَُمُورٍ شَتَّى قَالَ : هُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ , وَلَكِنَّهُ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِيَمِينٍ , قَالَ : كَفَّارَتَانِ. وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لاَ أَفْعَلُ كَذَا , وَكَذَا لأََمْرَيْنِ شَتَّى فَعَمَّهُمَا بِالْيَمِينِ قَالَ : كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلاَ نَعْلَمُ لِمُتَقَدِّمٍ فِيهَا قَوْلاً آخَرَ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ : هُوَ حَانِثٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ , ثُمَّ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ فِعْلٍ كَفَّارَةٌ وَقَوْلٌ آخَرُ : إنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِأَوَّلِ مَا يَحْنَثُ , ثُمَّ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ ذَلِكَ. قال أبو محمد : الْيَمِينُ لاَ تَكُونُ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْقَوْلِ وَهُوَ لَمْ يَلْفِظْ إِلاَّ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ , فَلاَ يَلْزَمُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَمِينٍ أَصْلاً , إذْ لَمْ يُوجِبْ لُزُومَهَا إيَّاهُ قُرْآنٌ ; ، وَلاَ سُنَّةٌ , فَإِذْ هِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهَا عَلَى حِنْثٍ , وَفِي بَعْضِهَا عَلَى بِرٍّ ; إنَّمَا هُوَ حَانِثٌ , أَوْ غَيْرُ حَانِثٌ : وَلَمْ يَأْتِ بِغَيْرِ هَذَا قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ حَانِثًا إِلاَّ بِأَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا عَقَّدَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ أَنْ لاَ يَفْعَلَهُ وَأَيْضًا : فَالأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ وَالشَّرَائِعُ لاَ تَجِبُ بِدَعْوَى لاَ نَصَّ مَعَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1147 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ , مِثْلُ : أَنْ يَقُولَ : بِاَللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا , وَالرَّحْمَنِ لاَ كَلَّمْته , وَالرَّحِيمِ لاَ كَلَّمْته , بِاَللَّهِ ثَانِيَةً لاَ كَلَّمْته , بِاَللَّهِ ثَالِثَةً لاَ كَلَّمْته وَهَكَذَا أَبَدًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ , أَوْ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ , وَفِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ : فَهِيَ كُلُّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ كَرَّرَهَا أَلْفَ أَلْفَ مَرَّةٍ وَحِنْثٌ وَاحِدٌ ; وَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلاَ مَزِيدَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبَانَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : زَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ مَمْلُوكَهُ مِنْ جَارِيَةٍ لَهُ , فَأَرَادَ الْمَمْلُوكُ سَفَرًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : طَلِّقْهَا فَقَالَ الْمَمْلُوكُ : وَاَللَّهِ لاَ طَلَّقْتهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَاَللَّهِ لَتُطَلِّقُنَّهَا كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَ مُجَاهِدٌ لأَبْنِ عُمَرَ : كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ : أُكَفِّرُ ، عَنْ يَمِينِي , فَقُلْت لَهُ : قَدْ حَلَفْت مِرَارًا قَالَ : كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إذَا أَقْسَمْت مِرَارًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا رَدَّدَ الأَيْمَانَ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ سُئِلَ مَنْ تَعَرَّضَتْ لَهُ جَارِيَةٌ لَهُ مِرَارًا كُلَّ مَرَّةٍ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنْ لاَ يَطَأَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ : كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا حَلَفَ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ , فِي مَجَالِسَ شَتَّى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : إذَا حَلَفَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى قَالَ : كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ : وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ , وَقَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا حَلَفَ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ فِي مَجَالِسَ شَتَّى وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَمَالِكٍ , وَأَحْمَدَ. وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَبِي عُبَيْدٍ , وَأَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ : إذَا أَكَّدَ الْيَمِينَ فَعِتْقُ رَقَبَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ , وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى فَكَفَّارَاتٌ شَتَّى. صَحَّ ذَلِكَ ، عَنْ قَتَادَةَ , وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : يَقُولُونَ ذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ : إنْ نَوَى بِالْيَمِينِ الأُُخْرَى يَمِينًا ثَانِيَةً فَكَفَّارَتَانِ , وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , وَأَبُو ثَوْرٍ : إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ فَلِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلاَّ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ : إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ , وَإِلَّا فَلِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ فَلَمْ يُخْرِجْهُ ، عَنْ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ , إِلاَّ بِأَنْ يَنْوِيَ التَّكْرَارَ فَقَطْ ثُمَّ لَمْ يَشْتَرِطْ إرَادَةَ التَّغْلِيظِ. وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ : إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ , وَأَرَادَ التَّغْلِيظَ , أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَصَاعِدًا , فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ. قال أبو محمد : لاَ نَعْلَمُ لِمَنْ رَأَى فِي تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عِتْقَ رَقَبَةٍ فَقَطْ حُجَّةً , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ بَيَّنَ الرَّقَبَةَ , وَالإِطْعَامَ , وَالْكِسْوَةَ , وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ هُنَالِكَ أَيْمَانًا مُؤَكَّدَةً , قَالَ تَعَالَى وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. وَلاَ نَعْلَمُ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَصَاعِدًا حُجَّةً إِلاَّ الدَّعْوَى أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ , فِي مَجْلِسٍ , وَيَمِينٌ ثَانِيَةٌ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي. وَهَذِهِ دَعْوَى لاَ يُصَحِّحُهَا بُرْهَانٌ , وَكُلُّ لَفْظٍ فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ اللَّفْظِ الآخَرِ , كَمَا أَنَّ كُلَّ مَجْلِسٍ غَيْرُ الْمَجْلِسِ الآخَرِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَكَذَلِكَ لاَ نَدْرِي لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّغْلِيظِ وَغَيْرِ التَّغْلِيظِ حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ الدَّعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنْ نَوَى التَّكْرَارَ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ , وَإِلَّا فَهِيَ أَيْمَانٌ شَتَّى , فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : هِيَ أَلْفَاظٌ شَتَّى , فَلِكُلِّ لَفْظٍ حُكْمٌ , أَوْ أَنْ يَقِيسُوا ذَلِكَ عَلَى تَكْرَارِ الطَّلاَقِ. قال أبو محمد : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً , لأََنَّ النَّصَّ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّ حُكْمَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ غَيْرُ حُكْمِ الثَّانِيَةِ , وَغَيْرُ حُكْمِ الأُُولَى , وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الأَيْمَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهَا أَلْفَاظٌ شَتَّى , فَنَعَمْ , إِلاَّ أَنَّ الْحِنْثَ بِهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لاَ بِنَفْسِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الأَيْمَانَ لاَ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَصْلاً , وَلاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إِلاَّ الْحِنْثُ , فَالْحِنْثُ فِيهَا كُلِّهَا حِنْثٌ وَاحِدٌ بِلاَ شَكٍّ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِحِنْثٍ وَاحِدٍ كَفَّارَاتٌ شَتَّى , وَالأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ , وَالشَّرَائِعُ سَاقِطَةٌ , إِلاَّ أَنْ يُبِيحَ الْمَالَ نَصٌّ , أَوْ يَأْتِيَ بِالشَّرْعِ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ , ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1148 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لاَ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ ; أَوْ قَالَ : لاَ شَرِبْت مَاءَ هَذَا الْكُوزِ , فَلاَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِ الرَّغِيفِ , وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ فُتَاتُهُ , وَلاَ بِشُرْبِ بَعْضِ مَا فِي الْكُوزِ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لاَكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ , فَأَكَلَهُ كُلَّهُ إِلاَّ فُتَاتَهُ وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ حَنِثَ وَهَكَذَا فِي الرُّمَّانَةِ , وَفِي كُلِّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ لاَ يَحْنَثُ بِبَعْضِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ : يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَشُرْبِ بَعْضِهِ. قال أبو محمد : نَسْأَلُهُمْ ، عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ بَعْضَ رَغِيفٍ لِزَيْدٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَكَلَ رَغِيفَ زَيْدٍ أَصَادِقَانِ هُمَا أَمْ كَاذِبَانِ فَمِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُمَا كَاذِبَانِ مُبْطِلاَنِ , فَأَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفُتْيَا بِالْكَذِبِ , وَبِالْبَاطِلِ , وَبِالْمُشَاهَدَةِ يُدْرَى فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ , لأََنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَهُ , لَمْ يَحْلِفْ أَنْ لاَ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا , وَهُوَ إذَا أَبْقَى مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ , وَالأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ إِلاَّ بِنَصٍّ , وَلاَ نَصَّ فِي صِحَّةِ قَوْلِهِمْ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ : الْحِنْثُ , وَالتَّحْرِيمُ , وَكِلاَهُمَا يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الأَسْبَابِ . فَقُلْنَا : هَذَا بَاطِلٌ مَا يَدْخُلُ الْحِنْثُ وَالتَّحْرِيمُ لاَ بِأَرَقِّ الأَسْبَابِ , وَلاَ بِأَغْلَظِهَا , وَلاَ يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ أَيْضًا لاَ بِأَرَقِّ الأَسْبَابِ , وَلاَ بِأَغْلَظِهَا وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ وَإِفْكٌ , وَلاَ يَدْخُلُ الْحِنْثُ , وَالْبِرُّ , وَالتَّحْرِيمُ , وَالتَّحْلِيلُ ; إِلاَّ حَيْثُ أَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَأَطْرَفُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ قَالُوا : تَحْرِيمُ زَوْجَةِ الأَبِ عَلَى الأَبْنِ يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الأَسْبَابِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَحْدَهُ . . فَقُلْنَا لَهُمْ : نَسِيتُمْ أَنْفُسَكُمْ , أَوْ لَمْ يَكُنْ فَرْجُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ حَرَامًا عَلَى الأَبِ , كَمَا هِيَ عَلَى الأَبْنِ , ثُمَّ دَخَلَ التَّحْلِيلُ لِلأَبِ بِأَرَقِّ الأَسْبَابِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَحْدَهُ فَأَيْنَ قَوْلُكُمْ : إنَّ التَّحْلِيلَ لاَ يَدْخُلُ إِلاَّ بِأَغْلَظِ الأَسْبَابِ وَكَمْ هَذَا التَّخْلِيطُ بِمَا لاَ يُعْقَلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالُوا : وَالتَّحْلِيلُ لاَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لاَ يَدْخُلُ إِلاَّ بِأَغْلَظِ الأَسْبَابِ وَهُوَ الْعَقْدُ , وَالْوَطْءُ . فَقُلْنَا : نَقَضْتُمْ قَوْلَكُمْ قُولُوا بِقَوْلِ الْحَسَنِ , وَإِلَّا فَقَدْ أَفْسَدْتُمْ بُنْيَانَكُمْ , لأََنَّهُ يَقُولُ : لاَ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا إِلاَّ بِالْعَقْدِ , وَالْوَطْءِ , وَالإِنْزَالِ فِيهَا , وَإِلَّا فَلاَ , وَهَذَا أَغْلَظُ الأَسْبَابِ وَالْقَوْمُ فِي لاَ شَيْءَ وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ. وَابْنَةُ الزَّوْجَةِ لاَ تُحَرَّمُ عَلَى زَوْجِ أُمِّهَا بِأَرَقِّ الأَسْبَابِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ , لَكِنْ بِالدُّخُولِ بِالأُُمِّ مَعَ الْعَقْدِ , فَهَذَا تَحْرِيمٌ لَمْ يَدْخُلْ إِلاَّ بِأَغْلَظِ الأَسْبَابِ. ثُمَّ تَنَاقُضُهُمْ هَهُنَا طَرِيفٌ جِدًّا , لأََنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ رَغِيفًا فَأَكَلَ نِصْفَ رَغِيفٍ يَحْنَثُ , وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَهَبَ لِزَيْدٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَوَهَبَ لَهُ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ أَنَّهُ لاَ يَحْنَثُ , فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا كُلِّهِ لَوْ كَانَ هَهُنَا تَقْوَى وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ : بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ فَدَخَلَ شَيْئًا مِنْهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ;. . فَقُلْنَا لَهُمْ : إنَّمَا يَكُونُ الْحِنْثُ بِمُخَالَفَةِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ , وَلاَ يَكُونُ فِي اللُّغَةِ وَالْمَعْقُولُ دُخُولُ الدَّارِ إِلاَّ بِدُخُولِ بَعْضِهَا , لاَ بِأَنْ يَمْلاََهَا بِجُثَّتِهِ , بِخِلاَفِ أَكْلِ الرَّغِيفِ , وَلَوْ أَنَّهُ دَخَلَ بَعْضُهُ الدَّارَ لاَ كُلُّهُ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى : أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَهْدِمَ هَذَا الْحَائِطَ فَهَدَمَ مِنْهُ مَدَرَةً أَنَّهُ لاَ يَحْنَثُ 1149 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الرَّغِيفِ , أَوْ أَنْ لاَ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ مِنْهُ وَشُرْبِ شَيْءٍ مِنْهُ , لأََنَّهُ خِلاَفُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1150 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ مَاءَ النَّهْرِ , فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي شُرْبِ شَيْءٍ مِنْهُ حَنِثَ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْهُ ] لأََنَّهُ بِهَذَا يُخْبِرُ ، عَنْ شُرْبِ بَعْضِ مَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِ , لأََنَّ النَّبِيَّ r يَقُولُ : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. 1151 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ , فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الدُّورِ الْمُبَاحَةِ الدَّهَالِيزَ كَدُورِ الرُّؤَسَاءِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ الدِّهْلِيزِ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى مَنْ صَارَ هُنَالِكَ أَنَّهُ دَاخِلُ دَارِ زَيْدٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الدُّورِ الَّتِي لاَ تُبَاحُ دَهَالِيزُهَا حَنِثَ بِدُخُولِ الدِّهْلِيزِ. وَهَكَذَا فِي الْمَسَاجِدِ , وَالْحَمَّامَاتِ , وَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى مَا يَتَخَاطَبُ بِهِ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا فَهَذَا عُمُومٌ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ مُحَمَّدًا عليه السلام , وَالأَنْبِيَاءَ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ. 1152 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ دَارَ فُلاَنٍ , أَوْ أَنْ لاَ يَدْخُلَ الْحَمَّامَ فَمَشَى عَلَى سُقُوفِ كُلِّ ذَلِكَ , أَوْ دَخَلَ دِهْلِيزَ الْحَمَّامِ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ ، وَلاَ الْحَمَّامَ ، وَلاَ يُسَمَّى دُخُولُ دِهْلِيزِ الْحَمَّامِ دُخُولَ حَمَّامٍ 1153 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ فُلاَنًا , فَأَوْصَى إلَيْهِ أَوْ كَتَبَ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لاَ يُسَمَّى الْكِتَابُ ، وَلاَ الْوَصِيَّةُ : كَلاَمًا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : آيَتُكَ أَلاَ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا. وَقَالَ تَعَالَى فأما تَرَيِنَّ مِنْ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا إلَى قَوْلِهِ : فَأَشَارَتْ إلَيْهِ. فَصَحَّ أَنَّ الإِشَارَةَ , وَالإِيمَاءَ لَيْسَ كَلاَمًا. 1154 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْتَرِيَ إدَامًا فَأَيُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ مِنْ لَحْمٍ , أَوْ غَيْرِهِ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ بِهِ الْخُبْزُ فَاشْتَرَاهُ لِيَأْكُلَ بِهِ الْخُبْزَ حَنِثَ أَكَلَ بِهِ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ لأََنَّهُ قَدْ اشْتَرَى الإِدَامَ فَلَوْ اشْتَرَاهُ لِيَأْكُلَهُ بِلاَ خُبْزٍ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لَيْسَ إدَامًا حِينَئِذٍ. وقال أبو حنيفة : مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إدَامًا فَأَكَلَ خُبْزًا بِشِوَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ , فَإِنْ أَكَلَهُ بِمِلْحٍ أَوْ بِزَيْتِ أَوْ بِشَيْءٍ يُصْنَعُ فِيهِ الْخُبْزُ حَنِثَ. قال علي : وهذا كَلاَمٌ فَاسِدٌ جِدًّا لأََنَّهُ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ شَرِيعَةٍ ، وَلاَ لُغَةٍ : . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمَيْمُونِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَمْرٍو النَّصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ثِقَةٌ ، عَنْ يَزِيدَ الأَعْوَرِ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r أَخَذَ كِسْرَةَ خُبْزِ شَعِيرٍ وَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً وَقَالَ : هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَصْلُ الإِدَامِ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُبْزِ , فَذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا فَكُلُّ شَيْءٍ جُمِعَ إلَى الْخُبْزِ لِيَسْهُلَ أَكْلُهُ بِهِ فَهُوَ إدَامٌ. 1155 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ غُلاَمَهُ عَدَدًا مِنْ الْجَلْدِ أَكْثَرَ مِنْ الْعَشْرِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ , وَيَبِرُّ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ الْعَدَدَ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يَتَحَلَّلُ يَمِينَهُ فِي ضَرْبِ نَذْرِهِ بِأَدْنَى ضَرْبٍ فَقَالَ عَطَاءٌ : قَدْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ ، وَلاَ تَحْنَثْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ , وَاللَّيْثُ , وَمَالِكٌ : لاَ يَبِرُّ بِذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً. 1156 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ مَعْنَى لِلْبِسَاطِ فِي الأَيْمَانِ ، وَلاَ لِلْمَنِّ , وَلَوْ مَنَّتْ امْرَأَتُهُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهَا بِمَالِهَا فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَلْبَسَ مِنْ مَالِهَا ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ إِلاَّ بِمَا سَمَّى فَقَطْ , وَيَأْكُلُ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَ , وَيَأْخُذُ مَا تُعْطِيهِ , وَلاَ يَحْنَثُ بِذَلِكَ , وَيَشْتَرِي بِمَا تُعْطِيهِ مَا يَلْبَسُ ، وَلاَ يَحْنَثُ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنْ مَنَّ عَلَى آخَرَ بِلَبَنِ شَاتِه فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ مِنْهُ شَيْئًا , فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الشَّاةِ , وَمِنْ جُبْنِهَا , وَمِنْ زُبْدِهَا , وَرَائِبِهَا , لأََنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شُرْبَ لَبَنٍ. فَإِنْ بَاعَتْ تِلْكَ الشَّاةَ وَاشْتَرَتْ أُخْرَى كَانَ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا ، وَلاَ كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ , إنَّمَا يَحْنَثُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَسَمَّاهُ فَقَطْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : يَحْنَثُ بِكُلِّ ذَلِكَ , ثُمَّ تَنَاقَضَ فَقَالَ : إنْ وَهَبَتْ لَهُ شَاةً ثُمَّ مَنَّتْ بِهَا عَلَيْهِ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ مِنْ لَبَنِهَا شَيْئًا فَبَاعَهَا وَابْتَاعَ بِثَمَنِهَا ثَوْبًا لَبِسَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ، وَلاَ يَحْنَثُ بِإِمْسَاكِهَا فِي مِلْكِهِ ، وَلاَ بِبَيْعِهَا وَقَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ , لأََنَّهُ أَحْنَثَهُ بِغَيْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذِكْرَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ : أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ رَبَطَ نَفْسَهُ إلَى سَارِيَةٍ وَقَالَ : لاَ أَحُلُّ نَفْسِي حَتَّى يَحُلَّنِي رَسُولُ اللَّهِ r أَوْ تَنْزِلَ تَوْبَتِي , فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَحُلُّهُ فَأَبَى إِلاَّ أَنْ يَحُلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ عليه السلام : إنَّ فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي فَهَذَا لاَ يَصِحُّ , لأََنَّهُ مُرْسَلٌ ثُمَّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لِمَا فِيهِ , لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ زَيْدًا فَضَرَبَ وَلَدَ زَيْدٍ أَنَّهُ لاَ يَحْنَثُ. 1157 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا حِينًا أَوْ دَهْرًا أَوْ زَمَانًا أَوْ مُدَّةً أَوْ بُرْهَةً أَوْ وَقْتًا , أَوْ ذَكَرَ كُلَّ ذَلِكَ بِالأَلِفِ وَاللَّامِ أَوْ قَالَ مَلِيًّا , أَوْ قَالَ : عُمْرًا , أَوْ الْعُمْرَ , فَبَقِيَ مِقْدَارَ طَرْفَةِ عَيْنٍ لَمْ يَفْعَلْهُ , ثُمَّ فَعَلَهُ , فَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِ , لأََنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ زَمَانٌ , وَدَهْرٌ , وَحِينٌ , وَوَقْتٌ , وَبُرْهَةٌ , وَمُدَّةٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْحِينِ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْحِينُ سَنَةٌ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ : أَرَى الْحِينَ سَنَةً. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : الْحِينُ سَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , قَالاَ جَمِيعًا : الْحِينُ سَنَةٌ وَعَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , قَالَ : إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَهُ مَا نَوَى. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ سُئِلَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ : أَنْ لاَ تَفْعَلَ فِعْلاً مَا إلَى حِينٍ فَقَالَ : أَيُّ الأَحْيَانِ أَرَدْت فَإِنَّ الأَحْيَانَ ثَلاَثَةٌ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا. كُلُّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقَوْله تَعَالَى لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ فَذَلِكَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ عَامًا. وَقَوْله تَعَالَى وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ فَذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ مَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ , وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ حَرْمَلَةَ : أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ يَمِينِهِ أَنْ لاَ تَدْخُلَ امْرَأَتُهُ عَلَى أَهْلِهَا حِينًا فَقَالَ سَعِيدٌ ; الْحِينُ مَا بَيْنَ أَنْ تَطْلُعَ النَّخْلُ إلَى أَنْ تُرَطِّبَ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ قَالَ : تُؤْكَلُ ثَمَرَتُهَا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي طَارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " الْحِينُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ " وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَالشَّعْبِيِّ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا هِشَامٌ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَهُمْ عَمَّنْ قَالَ : لاَ أَفْعَلُ أَمْرًا كَذَا حِينًا فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَةُ : إنَّ مِنْ الْحِينِ مَا يُدْرَكُ وَمَا لاَ يُدْرَكُ : فَاَلَّذِي لاَ يُدْرَكُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَتَّعْنَاهُمْ إلَى حِينٍ. وَاَلَّذِي يُدْرَكُ قوله تعالى : تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ فَأَرَاهُ مِنْ حِينِ تُثْمِرُ إلَى حِينِ تُصْرَمُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَأَبُو عُبَيْدٍ. وقال أبو حنيفة : إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ مُدَّةً مَا فَلَهُ مَا نَوَى. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : الْحِينُ شَهْرَانِ , النَّخْلَةُ تَطْلُعُ السَّنَةَ كُلَّهَا إِلاَّ شَهْرَيْنِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الْحِينُ قَدْ يَكُونُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ طَاوُوسٍ قَالَ : الزَّمَانُ شَهْرَانِ. قال أبو محمد : الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمُ رَسُولِهِ r فَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ : هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا فَهَذَا مُذْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَبْدَأَ الْعَالَمِ إلَى خَلْقِ آدَمَ عليه السلام , وَنَسَمَ بَنِيهِ , وَإِلَى وَقْتِ نَفْخِ الرُّوحِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا. وَقَالَ تَعَالَى وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ فَهَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ تَعَالَى وَمَتَّعْنَاهُمْ إلَى حِينٍ فَهَذَا مُدَّةُ عُمْرِ الإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَمُوتَ. وَقَالَ تَعَالَى لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ. وَقَالَ تَعَالَى فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلاَثِ إلَى التِّسْعِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَسَاءَ حِينًا , وَالإِصْبَاحَ حِينًا , وَالظَّهِيرَةَ حِينًا. فَصَحَّ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ , وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ حَدَّ حَدًّا دُونَ حَدٍّ. وَوَجَدْنَا احْتِجَاجَهُمْ بِالنَّخْلَةِ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ , لأََنَّنَا نُشَاهِدُهَا يَرْطُبُ مِنْهَا مَا كَانَ زَهْوًا , وَيُزْهَى مَا كَانَ بَسْرًا , وَيَبْسُرُ مِنْهَا مَا كَانَ بَلَحًا , وَيُبْلِحُ مِنْهَا مَا كَانَ طَلْعًا , فَفِي كُلِّ سَاعَةٍ تُؤْتِي أُكُلَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلأََبِي حَنِيفَةَ هُنَا تَخَالِيطُ عَظِيمَةٌ : مِنْهَا ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ فُلاَنًا زَمَانًا , أَوْ الزَّمَانَ , أَوْ حِينًا أَوْ الْحِينَ , أَوْ مَلِيًّا , أَوْ طَوِيلاً , فَهُوَ كُلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ , إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ مُدَّةً مَا فَلَهُ مَا نَوَى وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ مَلِيًّا أَنَّهُ شَهْرٌ وَاحِدٌ. فَإِنْ حَلَفَ لاَ يُكَلِّمُهُ دَهْرًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لاَ أَدْرِي مَا الدَّهْرُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ : هُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. فَإِنْ قَالَ : لاَ أُكَلِّمُهُ الدَّهْرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : هُوَ عَلَى الأَبَدِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : سِتَّةُ أَشْهُرٍ. فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَهُ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ شَهْرٌ وَيَوْمٌ : فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَهُ إلَى قَرِيبٍ , فَهُوَ أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ. فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَهُ عُمْرًا فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ : سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَاحِدٌ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ مُدَّةً مَا فَلَهُ مَا نَوَى. 1158 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَهُ طَوِيلاً , فَهُوَ مَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْمُدَدِ , فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَهُ أَيَّامًا أَوْ جُمَعًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ , أَوْ ذَكَرَ كُلَّ ذَلِكَ بِالأَلِفِ وَاللَّامِ فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى ثَلاَثَةٍ , وَلاَ يَحْنَثُ فِيمَا زَادَ , لأََنَّهُ الْجَمْعُ , وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلاَثَةٌ , وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى التَّثْنِيَةِ. قَالَ تَعَالَى فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ : كَثِيرَةٌ , فَهِيَ عَلَى أَرْبَعٍ ; لأََنَّهُ لاَ " كَثِيرَ " إِلاَّ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْنَثَ أَحَدٌ إِلاَّ بِيَقِينٍ لاَ مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1159 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَلَّا يُسَاكِنَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا مَعَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ قَرِيبِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَلْيُفَارِقْ الَّتِي هُوَ فِيهَا إلَى غَيْرِهَا , وَلاَ يَحْنَثُ. فَإِنْ أَقَامَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا أَنْ لاَ يُسَاكِنَهُ فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَنِثَ فَإِنْ رَحَلَ كَمَا ذَكَرْنَا مُدَّةً قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَحْنَثْ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ : إنْ كَانَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَنْ يَرْحَلَ أَحَدُهُمَا إلَى بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ أَوْ غَيْرِهَا , وَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ رَحَلَ أَحَدُهُمَا إلَى أُخْرَى مُتَّصِلَةٍ بِهَا أَوْ مُتَنَابِذَةٍ أَوْ اقْتَسَمَا الدَّارَ وَإِنْ كَانَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ رَحَلَ أَحَدُهُمَا إلَى أُخْرَى وَإِنْ كَانَا فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ خَرَجَ أَحَدُهُمَا ، عَنْ دُورِ الْقَرْيَةِ أَوْ دُورِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَحْنَثْ , وَإِنْ رَحَلَ أَحَدُهُمَا بِجِسْمِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ لَمْ يَحْنَثْ ; إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ تُطَابِقُ قَوْلَهُ فَلَهُ مَا نَوَى. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مُسَاكَنَةٌ وَغَيْرُ مُسَاكَنَةٍ , فَإِنْ فَارَقَ تِلْكَ الْحَالَ فَقَدْ فَارَقَ مُسَاكَنَتَهُ وَقَدْ بَرَّ , وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَكْثَرَ , لأََنَّ النَّاسَ مَسَاكِنُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي سَاحَةِ الأَرْضِ , وَفِي الْعَالَمِ , قَالَ تَعَالَى وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الرِّحْلَةَ ، عَنْ مَكَّةَ وَدَارِ الْكُفْرِ إلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَفَارَقَ وَطَنَ الْكُفْرِ وَأَكْثَرُهُمْ تَرَكَ أَهْلَهُ. وَوَلَدَهُ وَمَالَهُ بِمَكَّةَ , وَفِي دَارِ قَوْمِهِ فَلَمْ يُخْرِجْهُمْ ذَلِكَ ، عَنِ الْهِجْرَةِ وَمُفَارَقَةِ الْكُفَّارِ. وقال مالك : يَحْنَثُ حَتَّى يَرْحَلَ بِأَكْثَرِ رَحِيلِهِ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا , وَلأََنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ دَلِيلٍ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِمَا رَوَى : الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ وَهَذَا لاَ يُسْنَدُ ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , لأََنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يُرْوَ ، أَنَّهُ قَالَ إِلاَّ فِي رَحْلِ نَاقَتِهِ فَقَطْ لاَ فِي رَحِيلِ مَنْزِلِهِ , بَلْ تَرَكَهُ بِمَكَّةَ بِلاَ شَكٍّ , وَلَمْ يَخْرُجْ إِلاَّ بِجِسْمِهِ. 1160 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَأَكَلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَآخَرُ مَعَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ فَدَخَلَ دَارًا يُسْكِنُهَا زَيْدٌ بَكْرًا وَكَذَلِكَ ] دَارًا بَيْنَ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ دَارًا يَسْكُنُهَا زَيْدٌ فَيَحْنَثَ , لأََنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الأَيْمَانِ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ فِي كَلاَمِهِمْ الَّذِي بِهِ حَلَفَ , وَعَلَيْهِ حَلَفَ فَقَطْ ، وَلاَ يُطْلَقُ عَلَى طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَخَالِدٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ , وَلاَ عَلَى دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ أَنَّهَا لأََحَدِ مَنْ هِيَ لَهُ. 1161 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَهَبَ لأََحَدٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَوَهَبَ لَهُ أَكْثَرَ حَنِثَ , إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ الْعَدَدَ الَّذِي سَمَّى فَقَطْ فَلاَ يَحْنَثُ. 1162 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَجْمَعَهُ مَعَ فُلاَنٍ سَقْفٌ فَدَخَلَ بَيْتًا فَوَجَدَهُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ عَرَفَ إذْ دَخَلَ أَنَّهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ , لَكِنْ لِيَخْرُجْ مِنْ وَقْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْحِنْثَ لاَ يَلْحَقُ إِلاَّ قَاصِدًا إلَيْهِ , عَالِمًا بِهِ. 1162 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَجْمَعَهُ مَعَ فُلاَنٍ سَقْفٌ فَدَخَلَ بَيْتًا فَوَجَدَهُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ عَرَفَ إذْ دَخَلَ أَنَّهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ , لَكِنْ لِيَخْرُجْ مِنْ وَقْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْحِنْثَ لاَ يَلْحَقُ إِلاَّ قَاصِدًا إلَيْهِ , عَالِمًا بِهِ. 1164 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ شَحْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ شَحْمِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ , وَكُلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ شَحْمٍ , وَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْمَحْضِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ : لاَ يَحْنَثُ إِلاَّ بِشَحْمِ الْبَطْنِ وَحْدَهُ , وَلاَ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الظَّهْرِ. وقال مالك : مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ , وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا يَحْنَثُ : وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا قَالُوا : فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى شَحْمِ الْبَطْنِ خَاصَّةً. قال أبو محمد : وَهَذَا احْتِجَاجٌ مُحَالٌ ، عَنْ مَوْضِعِهِ , لأََنَّهُ لَمْ يَخُصَّ شَحْمَ الْبَطْنِ بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِمْ بِنَفْسِ هَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ قوله تعالى : إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فَبِهَذَا خَصَّ شَحْمَ الْبَطْنِ بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَحُرِّمَتْ الشُّحُومُ كُلُّهَا فَالآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا : حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمَ الْخِنْزِيرِ فَحَرَّمَ شَحْمَهُ , وَحَرَّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ الشَّحْمَ فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّحْمَ. وَقَالُوا : الشَّحْمُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ وَلَيْسَ اللَّحْمُ مُتَوَلِّدًا مِنْ الشَّحْمِ. قال أبو محمد : وَهَذَانِ الأَحْتِجَاجَانِ فِي غَايَةِ التَّمْوِيهِ بِالْبَاطِلِ , لأََنَّ تَحْرِيمَ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَمْ يُحَرَّمْ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ , لَكِنْ بِبُرْهَانٍ آخَرَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " بَابِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيُحَرَّمُ ". وَلَوْ كَانَ تَحْرِيمُ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ لَكَانَ تَحْرِيمُ لَبَنِ الْخِنْزِيرَةِ وَعَظْمِهَا عَلَى قَوْلِهِمْ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهَا مُوجِبًا لِلْحِنْثِ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ لَحْمًا فَشَرِبَ لَبَنًا ، وَلاَ فَرْقَ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الشَّحْمَ تَوَلَّدَ مِنْ اللَّحْمِ , فَيُقَالُ لَهُمْ فَكَانَ مَاذَا أَلَيْسَ اللَّحْمُ , وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدَيْنِ مِنْ الدَّمِ , وَالدَّمُ حَرَامٌ , وَهُمَا حَلاَلاَنِ أَوَلَيْسَ الْخَمْرُ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَصِيرِ وَالْخَلُّ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْخَمْرِ وَهِيَ حَرَامٌ , وَمَا تَوَلَّدَتْ مِنْهُ حَلاَلٌ , وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا حَلاَلٌ , فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1165 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ رَأْسًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ , وَلاَ رُءُوسِ السَّمَكِ , وَلاَ يَحْنَثُ إِلاَّ بِأَكْلِ رُءُوسِ الْغَنَمِ , وَالْمَاعِزِ , فَإِنْ كَانَ أَهْلُ مَوْضِعِهِ لاَ يُطْلِقُونَ اسْمَ الرُّءُوس فِي الْبَيْعِ وَالأَكْلِ عَلَى رُءُوسِ الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهَا وَإِنْ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا فِي الْبَيْعِ وَالأَكْلِ اسْمَ الرُّءُوس حَنِثَ بِهَا , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الأَيْمَانَ إنَّمَا هِيَ عَلَى لُغَةِ الْحَالِفِ , وَمَعْهُودِ اسْتِعْمَالِهِ فِي كَلاَمِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. أَلاَ تَرَى : أَنَّ الْمِسْكَ دَمٌ جَامِدٌ , وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ دَمٍ حَلَّ وَلَمْ يَحْرُمْ. 1166 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ بِيضًا لَمْ يَحْنَثْ إِلاَّ بِأَكْلِ بَيْضِ الدَّجَاجِ خَاصَّةً وَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ بَيْضِ النَّعَامِ وَسَائِرِ الطَّيْرِ , وَلاَ بِيضِ السَّمَكِ لِمَا ذَكَرْنَا ; وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. 1167 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا أَوْ شَرِبَ عَصِيرًا , أَوْ أَكَلَ رُبًّا أَوْ خَلًّا لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ زَبِيبًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْعِنَبِ ، وَلاَ بِشُرْبِ نَبِيذِ الزَّبِيبِ وَأَكْلِ خَلِّهِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي التَّمْرِ , وَالرُّطَبِ , وَالزَّهْوِ , وَالْبَسْرِ , وَالْبَلَحِ , وَالطَّلْعِ وَالْمُنَكِّتِ , وَنَبِيذِ كُلِّ ذَلِكَ وَخَلِّهِ , وَذُو شَائِبَةٍ , وَنَاطِفَةٍ : لاَ يَحْنَثُ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْهَا حَنِثَ بِأَكْلِ سَائِرِهَا ، وَلاَ يَحْنَثُ بِشُرْبِ مَا يَشْرَبُ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , لأََنَّ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لاَ يُطْلَقُ عَلَى الآخَرِ , وَالْعَالَمُ كُلُّهُ بَعْضُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ بَعْضٍ وَنَحْنُ مَخْلُوقُونَ مِنْ تُرَابٍ وَمَاءٍ. فَلَوْ أَنَّ امْرَأً حَلَفَ أَنْ لاَ يُدْخِلَ فِي دَارِهِ حَيَوَانًا فَأَدْخَلَ التُّرَابَ وَالْمَاءَ لَمْ يَحْنَثْ بِلاَ خِلاَفٍ مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا. وقال مالك : مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا أَوْ شَرِبَ عَصِيرًا حَنِثَ , وَلاَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخَلِّ فَكَانَ هَذَا عَجَبًا جِدًّا , وَكَانَ احْتِجَاجُهُمْ لِهَذِهِ الْقَوْلَةِ أَعْجَبَ مِنْهَا , لأََنَّهُمْ قَالُوا : أَمْرُ الْخَلِّ بَعِيدٌ , وَلَيْتَ شِعْرِي مَا مَعْنَى " بَعِيدٍ " فَإِنْ قَالُوا : إنَّ بَيْنَ الْعِنَبِ وَبَيْنَ الْخَلِّ دَرَجَتَيْنِ : الْعَصِيرَ , وَالْخَمْرَ قلنا : فَكَانَ مَاذَا وَمَنْ الَّذِي جَعَلَ كَوْنَ دَرَجَتَيْنِ بَيْنَ الْخَلِّ وَالْعِنَبِ عِلَّةً فِي التَّحْلِيلِ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الْفَاسِدِ فَمَا زَادُونَا عَلَى أَنْ جَعَلُوا دَعْوَاهُمْ حُجَّةً لِدَعْوَاهُمْ وَقَدْ تَنَاقَضُوا مِنْ قُرْبٍ , فَحَنِثُوا مَنْ أَكَل جُبْنًا يَابِسًا وَقَدْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ لَبَنًا وَبَيْنَ الْجُبْنِ الْيَابِسِ وَاللَّبَنِ دَرَجَتَانِ , وَهُمَا الْعَقِيدُ , وَالْجُبْنُ الرَّطْبُ. فَإِنْ قَالُوا : كُلُّ ذَلِكَ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ قلنا : وَالْخَلُّ , وَالْعَصِيرُ , وَالْخَمْرُ : عَيْنٌ وَاحِدَةٌ , إِلاَّ أَنَّ أَحْكَامَهَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلاَفِ صِفَاتِهَا ، وَلاَ مَزِيدَ. وَكَذَلِكَ السَّمْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّبَنِ دَرَجَتَانِ : الرَّائِبُ ثُمَّ الزُّبْدَةُ , وَقَدْ يُتْرَكُ الْعِنَبُ فِي الظُّرُوفِ مِنْ أَيَّامِهِ إلَى أَيَّامِ الرَّبِيعِ ثُمَّ يُعْصَرُ خَلًّا مَحْضًا 1168 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ اللِّبَإِ ، وَلاَ بِأَكْلِ الْعَقِيدِ , لاَ الرَّائِبِ , وَلاَ الزُّبْدِ , وَلاَ السَّمْنِ , وَلاَ الْمَخِيضِ , وَلاَ الْمَيْسِ , وَلاَ الْجُبْنِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الزُّبْدِ , وَالسَّمْنِ , وَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا لأَخْتِلاَفِ أَسْمَاءِ كُلِّ ذَلِكَ. 1169 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ خُبْزًا فَأَكَلَ كَعْكًا أَوْ بشماطا أَوْ حَرِيرَةً , أَوْ عَصِيدَةً , أَوْ حَسْوَ فَتَاةٍ , أَوْ فَتِيتًا لَمْ يَحْنَثْ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ قَمْحًا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي خُبْزِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ إِلاَّ بِأَكْلِهِ صِرْفًا ، وَلاَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ هَرِيسَةٍ , وَلاَ أَكْلِ حَشِيشٍ , وَلاَ سَوِيقٍ ، وَلاَ أَكْلِ فَرِيكٍ , لأََنَّهُ لاَ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ اسْمُ قَمْحٍ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ تِينًا حَنِثَ بِالأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ , لأََنَّ اسْمَ التِّينِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ. 1170 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ شَرَابًا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ حَمَلَ عَلَيْهَا , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ بِالْخَمْرِ , وَبِجَمِيعِ الأَنْبِذَةِ , وَبِالْجَلَّابِ , وَالسَّكَنْجِينِ , وَسَائِرِ الأَشْرِبَةِ ; لأََنَّ اسْمَ شَرَابٍ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ. وَلاَ يَحْنَثُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ , وَلاَ بِشُرْبِ الْمَاءِ , لأََنَّهُ لاَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ شَرَابٍ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ لَبَنًا فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَهُ فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ الْمَاءَ يَوْمَهُ هَذَا فَأَكَلَ خُبْزًا مَبْلُولاً بِالْمَاءِ لَمْ يَحْنَثْ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ سَمْنًا ، وَلاَ زَيْتًا فَأَكَلَ خُبْزًا مَعْجُونًا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ زَيْتًا ، وَلاَ سَمْنًا. وَلَوْ حَنِثَ فِي هَذَا لَحَنِثَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ يَوْمَهُ هَذَا مَاءً فَأَكَلَ خُبْزًا , لأََنَّهُ بِالْمَاءِ عُجِنَ , وَلاَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ طَعَامٍ طُبِخَ بِهِمَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ فِيهِ لَمْ يَزُلْ الأَسْمُ عَنْهُمَا فَيَحْنَثُ حِينَئِذٍ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ مِلْحًا فَأَكَلَ طَعَامًا مَعْمُولاً بِالْمِلْحِ , وَخُبْزًا مَعْجُونًا بِهِ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِلْحًا ; فَإِنْ كَانَ قَدْ ذَرَّ عَلَيْهِ الْمِلْحَ حَنِثَ , لأََنَّهُ ظَاهِرٌ فِيهِ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ خَلًّا فَأَكَلَ طَعَامًا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُ الْخَلِّ مُتَمَيِّزًا حَنِثَ , لأََنَّهُ هَكَذَا يُؤْكَلُ الْخَلُّ. 1171 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَبِيعَ هَذَا الشَّيْءَ بِدِينَارٍ فَبَاعَهُ بِدِينَارٍ غَيْرَ فَلْسٍ فَأَكْثَرَ , أَوْ بِدِينَارٍ وَفَلْسٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لاَ يُسَمَّى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَائِعًا لَهُ بِدِينَارٍ. 1172 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ غَرِيمَهُ حَقَّهُ رَأْسَ الْهِلاَلِ فَإِنَّهُ إنْ قَضَاهُ حَقَّهُ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ , أَوْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّ هَذَا هُوَ رَأْسُ الْهِلاَلِ فِي اللُّغَةِ , فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ فِي اللَّيْلَةِ أَوْ الْيَوْمِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى قَضَائِهِ ذَاكِرًا حَنِثَ. 1173 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْتَرِيَ أَمْرَ كَذَا , أَوْ لاَ يُزَوِّجَ وَلِيَّتَهُ , أَوْ أَنْ لاَ يَضْرِبَ عَبْدَهُ , أَوْ أَنْ لاَ يَبْنِيَ دَارِهِ , أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ , فَأَمَرَ مَنْ فَعَلَ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ , وَالْبِنَاءَ , وَالضَّرْبَ , أَوْ فِعْلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ ذَلِكَ حَنِثَ بِأَمْرِهِ مَنْ يَفْعَلُهُ , لأََنَّهُ هَكَذَا يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ الْخَبَرُ ، عَنْ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا ، وَلاَ يَحْنَثُ فِي أَمْرِ غَيْرِهِ بِالزَّوَاجِ عَلَى كُلِّ حَالٍ , لأََنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ فَإِذَا لَمْ يُزَوِّجْهَا وَأَمَرَ غَيْرَهُ فَلَمْ يُزَوِّجْهَا هُوَ. 1174 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَلَّا يَبِيعَ عَبْدَهُ فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا , أَوْ أَصْدَقَهُ , أَوْ أَجَرَهُ , أَوْ بِيعَ عَلَيْهِ فِي حَقٍّ لَمْ يَحْنَثْ , لأََنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا بَيْعًا. وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ حَرَامٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ، وَلاَ شَكَّ عِنْدَ مَنْ دِمَاغُهُ صَحِيحٌ فِي أَنَّ الْحَرَامَ غَيْرُ الْحَلاَلِ , فَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، عَنْ مَوْضِعَيْهِمَا , فَإِنْ تَفَرَّقَا وَهُوَ مُخْتَارٌ ذَاكِرٌ : حَنِثَ حِينَئِذٍ , لأََنَّهُ حِينَئِذٍ بَاعَ , لِمَا نَذْكُرُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1175 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ الْيَوْمَ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَلاَةٍ , أَوْ غَيْرِ صَلاَةٍ , أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ , إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ , وَالتَّكْبِيرُ , وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ. فَصَحَّ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ قَوْلَ الْبَشَرِ , وَأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ سَيَصْلَى سَقَرَ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ , وَلاَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا اسْمُ كَلاَمٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. كَفَّارَاتُ الأَيْمَانِ 1176 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ حَنِثَ بِمُخَالَفَةِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْحِنْثِ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ. 1177 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ لَزِمَتْهُ : مِنْ الْعِتْقِ , أَوْ الْكِسْوَةِ , أَوْ الإِطْعَامِ , أَوْ الصِّيَامِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وقال أبو حنيفة , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إِلاَّ بَعْدَ الْحِنْثِ. وقال الشافعي : أَمَّا الْعِتْقُ , أَوْ الْكِسْوَةُ , أَوْ الإِطْعَامُ , فَيُجْزِئُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلاَ يُجْزِئُ إِلاَّ بَعْدَ الْحِنْثِ. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّينَ : أَنَّ الْعِتْقَ , وَالْكِسْوَةَ , وَالإِطْعَامَ : مِنْ فَرَائِضِ الأَمْوَالِ , وَالأَمْوَالُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ , وَحُقُوقُ النَّاسِ جَائِزٌ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ آجَالِهَا وَأَمَّا الصَّوْمُ فَمِنْ فَرَائِضِ الأَبَدَانِ , وَفَرَائِضُ الأَبَدَانِ لاَ يُجْزِئُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ أَوْقَاتِهَا. قال أبو محمد : وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فَاسِدَةٌ , وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَ أَمْوَالِ النَّاسِ إنَّمَا تَجِبُ بِرِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ , وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مَعًا , لاَ بِرِضَا أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ , وَأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَجِبُ أَيْضًا فِيمَا هُوَ حَقٌّ لِلإِنْسَانِ بِعَيْنِهِ فَتَرَاضَى هُوَ وَغَرِيمُهُ عَلَى تَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ إسْقَاطِهِ أَوْ إسْقَاطِ بَعْضِهِ. وَأَمَّا كُلُّ مَا لَيْسَ لأَِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقْتُهُ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ , وَلَيْسَ هَهُنَا مَالِكٌ بِعَيْنِهِ يَصِحُّ رِضَاهُ فِي تَقْدِيمِهِ , لاَ فِي تَأْخِيرِهِ , وَلاَ فِي إسْقَاطِهِ , وَلاَ فِي إسْقَاطِ بَعْضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لاَ يَحِلُّ فِيهِ إِلاَّ مَا حُدَّ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا : إنَّ حُقُوقَ النَّاسِ يَجُوزُ فِيهَا التَّأْخِيرُ وَالإِسْقَاطُ , فَهَلْ يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَاتِ الإِسْقَاطُ , أَوْ التَّأْخِيرُ إلَى أَجَلٍ أَوْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ : فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَصَابُوا هَهُنَا فَقَدْ تَنَاقَضُوا جِدًّا لأََنَّهُمْ أَجَازُوا تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ إثْرَ الْيَمِينِ , وَقَبْلَ الْحِنْثِ. وَلَمْ يُجِيزُوا تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ إثْرَ كَسْبِ الْمَالِ لَكِنْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ , وَلاَ أَجَازُوا تَقْدِيمَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إثْرَ ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ لَكِنْ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ فَقَطْ. وَلَمْ يُجِيزُوا تَقْدِيمَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَصْلاً , وَلاَ بِسَاعَةٍ قَبْلَ مَا يُوجِبُهَا عِنْدَهُمْ مِنْ إرَادَةِ الْوَطْءِ , وَلاَ أَجَازُوا تَقْدِيمَ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ قَبْلَ مَا يُوجِبُهَا مِنْ مَوْتِ الْمَقْتُولِ ، وَلاَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ , وَلاَ كَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ قَتْلِهِ. وَأَجَازُوا إذْنَ الْوَرَثَةِ لِلْمُوصِي فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمْ الْمَالُ بِمَوْتِهِ , فَظَهَرَ تَنَاقُضُ أَقْوَالِهِمْ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَتَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ , لأََنَّهُمْ أَجَازُوا تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِثَلاَثَةِ أَعْوَامٍ , وَتَقْدِيمَ زَكَاةِ الزَّرْعِ إثْرَ زَرْعِهِ فِي الأَرْضِ , وَأَجَازُوا تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بَعْدَ جِرَاحِهِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ وَتَقْدِيمَ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ. وَلَمْ يُجِيزُوا لِلْوَرَثَةِ الإِذْنَ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَبْلَ وُجُوبِ الْمَالِ لَهُمْ بِالْمَوْتِ ، وَلاَ أَجَازُوا إسْقَاطَ الشَّفِيعِ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ عَرْضِ شَرِيكِهِ أَخْذَ الشِّقْصِ عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُوبِ أَخْذِهِ لَهُ بِالْبَيْعِ ; فَظَهَرَ تَخْلِيطُهُمْ وَسُخْفُ أَقْوَالِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعُوذُ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَكُلُّهُمْ لاَ يُجِيزُ الأَسْتِثْنَاءَ قَبْلَ الْيَمِينِ , وَلاَ قَضَاءَ دَيْنٍ قَبْلَ أَخْذِهِ , وَلاَ صَلاَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا , فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا , وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا الْمَانِعِينَ مِنْ تَقْدِيمِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَقْتٌ قَبْلَ وَقْتِهِ , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : الْكَفَّارَةُ لاَ تَجِبُ إِلاَّ بِالْحِنْثِ , وَهِيَ فَرْضٌ بَعْدَ الْحِنْثِ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ , فَتَقْدِيمُهَا قَبْلَ أَنْ تَجِبَ تَطَوُّعٌ لاَ فَرْضٌ , وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُجْزِئَ التَّطَوُّعُ ، عَنِ الْفَرْضِ. وَقَالُوا : قَالَ تَعَالَى وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَالدَّلاَئِلُ هَهُنَا تَكْثُرُ جِدًّا. قال أبو محمد : وَهَذِهِ أَدِلَّةٌ صِحَاحٌ ; وَنَحْنُ مُوَافِقُونَ لَهُمْ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ قَبْلَ وَقْتِهِ إِلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : كَفَّارَةُ الْيَمِينِ , فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ , لَكِنْ بَعْدَ إرَادَةِ الْحِنْثِ ، وَلاَ بُدَّ. وَالثَّانِي : إسْقَاطُ الشَّفِيعِ حَقَّهُ بَعْدَ عَرْضِ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَتْرُكَ قَبْلَ الْبَيْعِ , فَإِسْقَاطُهُ حَقَّهُ حِينَئِذٍ لاَزِمٌ لَهُ فَقَطْ. وَإِنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ لِلنُّصُوصِ الْمُخْرِجَةِ لِهَذَيْنِ الشَّرْعَيْنِ ، عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرِيعَةِ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ ، وَلاَ يَجُوزُ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ. قال أبو محمد : وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ وَافَقَنَا هَهُنَا فِي تَصْحِيحِ قَوْلِنَا بِأَنْ قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ. قَالَ : فَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْيَمِينِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَلاَ حُجَّةَ لَنَا فِي هَذَا , لأََنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ الْمُتَيَقِّنُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْنَثْ فَلاَ كَفَّارَةَ تَلْزَمُهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَفْسِ الْيَمِينِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ فِي الآيَةِ حَذْفًا بِلاَ خِلاَفٍ وَأَنَّهُ : فَأَرَدْتُمْ الْحِنْثَ , أَوْ حَنِثْتُمْ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ دَعْوَى مِنْهُمْ فِي أَنَّ الْمَحْذُوفَ هُوَ " فَأَرَدْتُمْ الْحِنْثَ " لاَ يُقْبَلُ إِلاَّ بِبُرْهَانٍ , فَوَجَبَ طَلَبُ الْبُرْهَانِ فِي ذَلِكَ : فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ ، عَنْ يَمِينِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا عَفَّانَ ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ : سَمِعْت الْحَسَنَ هُوَ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ : ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ ، عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَمُرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ ] رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ ، عَنْ يَمِينِهِ. فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ أَحْكَامِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ , لأََنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَقْدِيمَ الْحِنْثِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَمُرَةَ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ. وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحِنْثِ وَالْكَفَّارَةِ بِوَاوِ الْعَطْفِ الَّتِي لاَ تُعْطِي رُتْبَةً هَكَذَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِهَا , وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ , وَلاَ تَحِلُّ مُخَالَفَةُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ , فَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْحَذْفَ الَّذِي فِي الآيَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَرَدْتُمْ الْحِنْثَ أَوْ حَنِثْتُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ r هُوَ الْمُبَيِّنُ ، عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : فَلْيُكَفِّرْ ثُمَّ لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ هُوَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قلنا لِلْمَلاَئِكَةِ اُسْجُدُوا لأَدَمَ. قَالَ هَذَا الْقَائِلُ : وَلَفْظَةُ " ثُمَّ " فِي هَذِهِ الآيَاتِ لاَ تُوجِبُ تَعْقِيبًا , بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ مَا عَطَفَ اللَّفْظَ عَلَيْهِ " بِثُمَّ ". قال أبو محمد : لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا : أَمَّا قوله تعالى : ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ نَصَّ الآيَاتِ هُوَ قوله تعالى : وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ الْخَيْرِ فَصَحَّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَظِيمُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي قَبُولِهِ كُلَّ عَمَلِ بِرٍّ عَمِلُوهُ فِي كُفْرِهِمْ ثُمَّ أَسْلَمُوا , فَالآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَهِيَ زَائِدَةٌ عَلَى سَائِرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَبُولِهِ تَعَالَى أَعْمَالَ مَنْ آمَنَ ثُمَّ عَمِلَ الْخَيْرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قوله تعالى : ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لأََنَّ أَوَّلَ الآيَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ ، عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا ، وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَقَالَ تَعَالَى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ. فَصَحَّ أَنَّ الصِّرَاطَ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ وَأَتَانَا بِهِ مُحَمَّدٌ r هُوَ صِرَاطُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام , وَقَدْ كَانَ قَبْلَ مُوسَى بِلاَ شَكٍّ ثُمَّ آتَى اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى الْكِتَابَ , فَهَذَا تَعْقِيبٌ بِمُهْلَةٍ لاَ شَكَّ فِيهِ. فأما قوله تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قلنا لِلْمَلاَئِكَةِ اُسْجُدُوا لأَدَمَ فَعَلَى ظَاهِرِهِ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَنْفُسَنَا وَصَوَّرَهَا , وَهِيَ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَهْدَ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةَ لأَدَمَ عليه السلام , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآيَاتِ ثُمَّ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ ، عَنْ ظَاهِرِهَا , أَوْ كَانَتْ " ثُمَّ " لِغَيْرِ التَّعْقِيبِ فِيهَا لَمْ يَجِبْ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ " ثُمَّ " لِغَيْرِ التَّعْقِيبِ حَيْثُمَا وُجِدَتْ , لأََنَّ مَا خَرَجَ ، عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ بِدَلِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ وَهَذَا مِنْ تَمْوِيهِهِمْ الْفَاسِدِ الَّذِي لاَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ إِلاَّ فِي تَحْيِيرِ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي أَوَّلِ مَا يَفْجَئُونَهُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ , وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ كَانَا يُكَفِّرَانِ قَبْلَ الْحِنْثِ. وبه إلى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ : أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ دَعَا غُلاَمًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ حَنِثَ , فَصَنَعَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ. وبه إلى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ : كَانَ يُكَفِّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ : وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا , وَالْحَسَنِ , وَرَبِيعَةَ , وَسُفْيَانَ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَمَالِكٍ , وَاللَّيْثِ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْهَاشِمِيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي خَيْثَمَةَ , وَغَيْرِهِمْ. وَلاَ يُعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إِلاَّ أَنَّ مُمَوِّهًا مَوَّهَ بِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الأَسْلَمِيِّ هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُكَفِّرُ حَتَّى يَحْنَثَ وَهَذَا بَاطِلٌ , لأََنَّ ابْنَ أَبِي يَحْيَى مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ , ثُمَّ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُجِزْ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ , إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الْحِنْثِ فَقَطْ وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ هَذَا. 1178 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُعْتِقَ عَبْدَهُ هَذَا , فَأَعْتَقَهُ يَنْوِي بِعِتْقِهِ ذَلِكَ كَفَّارَةَ تِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يُجْزِهِ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى هَؤُلاَءِ الْعَشَرَةِ الْمَسَاكِينِ فَأَطْعَمَهُمْ يَنْوِي بِذَلِكَ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِهِ , وَلاَ يَحْنَثُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ , لَكِنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَصُومَ فِي هَذِهِ الْجُمُعَةِ ، وَلاَ يَوْمًا , ثُمَّ صَامَ مِنْهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَنْوِي بِهَا كَفَّارَةَ يَمِينِهِ تِلْكَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ بِالصِّيَامِ لَمْ يُجْزِهِ , وَلاَ يَحْنَثُ بِأَنْ يَصُومَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ , وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لأََنَّ مَعْنَى الْكَفَّارَةِ بِلاَ شَكٍّ إسْقَاطُ الْحِنْثِ , وَالْحِنْثُ قَدْ وَجَبَ بِالْعِتْقِ , وَالإِطْعَامِ , وَالْكِسْوَةِ , فَلاَ يَحْنَثُ بَعْدُ فِي يَمِينٍ قَدْ حَنِثَ فِيهَا , وَالْكَفَّارَةُ لاَ تَكُونُ الْحِنْثَ بِلاَ شَكٍّ , بَلْ هِيَ الْمُبْطِلَةُ لَهُ , وَالْحَقُّ لاَ يُبْطِلُ نَفْسَهُ. 1179 - مَسْأَلَةٌ : وَصِفَةُ الْكَفَّارَةِ : هِيَ أَنَّ مَنْ حَنِثَ , أَوْ أَرَادَ الْحِنْثَ وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بَعْدُ , فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ : وَهُوَ إمَّا أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً , وَأَمَّا أَنْ يَكْسُوَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ , وَأَمَّا أَنْ يُطْعِمَهُمْ : أَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ فَرْضٌ , وَيَجْزِيهِ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ : فَفَرْضُهُ صِيَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , وَلاَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِتْقِ , أَوْ الْكِسْوَةِ , أَوْ الإِطْعَامِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ. وَمَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا , وَلاَ نُبْعِدُهُ , لأََنَّ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا أَنَّ هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ , لاَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ فِي كَفَّارَةِ الأَيْمَانِ أَيْضًا : إنَّهُ عَلَى التَّرْتِيبِ. وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ. 1180 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِيهِ بَدَلَ مَا ذَكَرْنَا صَدَقَةٌ , وَلاَ هَدْيٌ , وَلاَ قِيمَةٌ , وَلاَ شَيْءٌ سِوَاهُ أَصْلاً , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا , فَمَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ قِيمَةً فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ : وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَقَدْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. 1181 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَنِثَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الإِطْعَامِ , أَوْ الْكِسْوَةِ , أَوْ الْعِتْقِ , ثُمَّ افْتَقَرَ فَعَجَزَ ، عَنْ كُلِّ ذَلِكَ : لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ أَصْلاً , لأََنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حِينَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , فَلاَ يَجُوزُ سُقُوطُ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقِينًا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ , لَكِنْ يُمْهَلُ حَتَّى يَجِدَ أَوْ لاَ يَجِدَ , فَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ حِسَابِهِ ; وَأَمَّا مَا لَمْ يَحْنَثْ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وُجُوبُ كَفَّارَةٍ بَعْدُ إِلاَّ أَنْ يُعَجِّلَهَا فَتُجْزِيهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1182 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَنِثَ وَهُوَ عَاجِزٌ ، عَنْ كُلِّ ذَلِكَ : فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ قَدَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ , مَتَى قَدَرَ فَلاَ يُجْزِيهِ إِلاَّ الصَّوْمُ , فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ , وَالإِطْعَامِ , وَالْكِسْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ الصَّوْمَ , فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ , أَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَصُومُ عَنْهُ , لأََنَّ الصَّوْمَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وُجُوبُهُ حِينَ حَنِثَ , وَصَحَّ لُزُومُهُ إيَّاهُ فَلاَ يَجُوزُ سُقُوطُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ يَقِينًا , لاَ شَكَّ فِيهِ بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ : إنْ أَيْسَرَ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ , أَوْ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الصَّوْمَ : انْتَقَلَ حُكْمُهُ إلَى الْعِتْقِ , أَوْ الإِطْعَامِ , أَوْ الْكِسْوَةِ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ دَعْوَى فَاسِدَةٌ , وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُعْسِرَ بَعْدَ أَنْ يُوسِرَ فَلاَ يَنْقُلُونَهُ إلَى جَوَازِ الصِّيَامِ عَنْهُ , أَوْ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ , وَبَيْنَ أَنْ يُوسِرَ بَعْدَ مَا يُعْسِرُ فَيَنْقُلُونَهُ إلَى وُجُوبِ الْعِتْقِ , أَوْ الإِطْعَامِ , أَوْ الْكِسْوَةِ فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا لَزِمَهُ الصِّيَامُ لِضَرُورَةِ عَدَمِهِ قلنا : كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا , وَأَخْبَرَ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ , وَقَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى عَوَّضَ مِنْ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ , وَقَتْلِ الْخَطَإِ : الصِّيَامَ لاَ الإِطْعَامَ , ثُمَّ عَوَّضَ مِنْ الصِّيَامِ مَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ الإِطْعَامَ وَلَمْ يُعَوِّضْ مِنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إطْعَامًا , وَخَيَّرَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بَيْنَ الإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ , وَالْهَدْيِ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ، وَلاَ يَجُوزُ تَغْيِيرُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى ، عَنْ مَا أَوْجَبَهُ. وَاخْتَلَفَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا : فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ : إنْ قَدَرَ عَلَى الإِطْعَامِ , أَوْ الْكِسْوَةِ , أَوْ الْعِتْقِ , قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ جَمِيعَ صِيَامِ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ : بَطَلَ حُكْمُ الصَّوْمِ , وَلَزِمَهُ أَحَدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : إنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ صِيَامَ يَوْمَيْنِ صَامَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ تَمَامَ الْيَوْمَيْنِ انْتَقَلَ ، عَنْ حُكْمِ الصَّوْمِ وَلَزِمَهُ أَحَدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ : إنْ كَانَ قَدْ تَمَّ لَهُ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ تَمَادَى عَلَى صِيَامِ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَأَجْزَأَهُ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتِمَّ لَهُ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ انْتَقَلَ ، عَنْ حُكْمِ الصَّوْمِ وَلَزِمَهُ أَحَدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ , وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وقال مالك : إنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلْيَتَمَادَ فِي صَوْمِهِ , وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بَطَلَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَانْتَقَلَ إلَى الْعِتْقِ , أَوْ الْكِسْوَةِ , أَوْ الإِطْعَامِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ نَصَّ قُرْآنٍ فِيهَا ، وَلاَ سُنَّةٍ : فَصَحَّ أَنَّهَا آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ يَسَارِهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّوْمِ , وَبَيْنَ يَسَارِهِ بَعْدَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ , وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِلْحَالِ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ. وَنَسْأَلُهُمْ كُلَّهُمْ عَمَّنْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ : هَلْ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَفَّارَةٌ مُفْتَرَضَةٌ أَمْ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مُفْتَرَضَةٌ , وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا فَمِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَفَّارَةً مُفْتَرَضَةً وَلَوْ قَالُوا : غَيْرَ هَذَا لَخَالَفُوا نَصَّ الْقُرْآنِ بِلاَ بُرْهَانٍ ; فَإِذْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ ، وَلاَ بُدَّ , فَنَسْأَلُهُمْ مَا هِيَ فَإِنْ قَالُوا : هِيَ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ قلنا : صَدَقْتُمْ , فَإِذْ قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ سَقَطَتْ عِنْدَكُمْ بِيَسَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ , وَلَيْسَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ ، وَلاَ فِي السُّنَّةِ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ. وَإِنْ قَالُوا : هِيَ غَيْرُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ , أَوْ قَسَمُوا كَانُوا قَائِلِينَ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَكَفَوْنَا مُؤْنَتَهُمْ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ. 1183 - مَسْأَلَةٌ : وَيُجْزِئُ فِي الْعِتْقِ فِي كُلِّ ذَلِكَ : الْكَافِرُ , وَالْمُؤْمِنُ , وَالصَّغِيرُ , وَالْكَبِيرُ , وَالْمَعِيبُ , وَالسَّالِمُ , وَالذَّكَرُ , وَالأُُنْثَى , وَوَلَدُ الزِّنَى , وَالْمُخْدِمُ , وَالْمُؤَاجِرُ , وَالْمَرْهُونُ , وَأُمُّ الْوَلَدِ , وَالْمُدَبَّرَةُ , وَالْمُدَبَّرُ , وَالْمَنْذُورُ عِتْقُهُ , وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ , وَالْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا , فَإِنْ كَانَ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يُجْزِ فِي ذَلِكَ , وَلاَ يُجْزِئُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الْمَرْءِ بِحُكْمٍ وَاجِبٍ , وَلاَ نِصْفَا رَقَبَتَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ. وَعُمْدَةُ الْبُرْهَانِ فِي ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. فَلَمْ يَخُصَّ رَقَبَةً مِنْ رَقَبَةٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا الرَّقَبَةَ فِي هَذَا عَلَى رَقَبَةِ الْقَتْلِ لاَ تُجْزِئُ إِلاَّ مُؤْمِنَةٌ قلنا : فَقِيسُوهَا عَلَيْهَا فِي تَعْوِيضِ الإِطْعَامِ مِنْهَا. فَإِنْ قَالُوا : لاَ نَفْعَلُ , لأََنَّنَا نُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَنَزِيدُ عَلَى مَا فِيهِ قلنا : وَزِيَادَتُكُمْ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً ، وَلاَ بُدَّ خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَزِيَادَةٌ عَلَى مَا فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ جَائِزًا فَهُوَ فِي الآخَرِ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرَ جَائِزٍ فَهُوَ فِي الآخَرِ غَيْرُ جَائِزٍ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ : إنَّ الْقَائِلَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ r إنَّهُ لَطَمَ وَجْهَ جَارِيَةٍ لَهُ وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ : فِي السَّمَاءِ , قَالَ : مَنْ أَنَا قَالَتْ : رَسُولُ اللَّهِ , فَقَالَ عليه السلام : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لأََنَّهَا بِنَصِّ الْخَبَرِ لَمْ تَكُنْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ , وَلاَ وَطْءٍ فِي رَمَضَانَ , وَلاَ عَنْ ظِهَارٍ. وَهُمْ يُجِيزُونَ الْكَافِرَةَ فِي الرَّقَبَةِ الْمَنْذُورَةِ عَلَى الإِنْسَانِ , فَقَدْ خَالَفُوا مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ , وَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : لاَ تُجْزِئُ إِلاَّ مُؤْمِنَةٌ , وَإِنَّمَا فِيهِ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ , وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ عِتْقَ الْمُؤْمِنَةِ , وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لاَ يَجُوزَ عِتْقُ الْكَافِرَةِ , فَنَحْنُ لاَ نَمْنَعُ مِنْ عِتْقِهَا. فإن قيل : قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ الشَّرِيدَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَ أَمَرَتْنِي أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً , وَعِنْدِي أَمَةٌ سَوْدَاءُ أَفَأُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r اُدْعُ بِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ r مَنْ رَبُّكِ قَالَتْ : اللَّهُ , قَالَ : فَمَنْ أَنَا قَالَتْ : رَسُولُ اللَّهِ قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فَهَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لأََنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي رَقَبَةِ الْوَصِيَّةِ كَافِرَةً , وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ انْسَنَدَ لَقُلْنَا بِهِ فِي الْمُوصَى بِعِتْقِهَا كَمَا وَرَدَ. وقال بعضهم : كَمَا لاَ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ كَافِرٌ كَذَلِكَ لاَ يُعْتَقُ فِي الْفَرْضِ كَافِرٌ قلنا : هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ , لأََنَّهُ دَعْوَى لاَ تُقَابَلُ إِلاَّ بِالتَّكْذِيبِ وَالرَّدِّ فَقَطْ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ، وَلاَ رَسُولَهُ عليه السلام. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : يُجْزِئُ الْيَهُودِيُّ , وَالنَّصْرَانِيُّ , فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : يُجْزِئُ الأَعْمَى فِي الْكَفَّارَةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ , وَطَاوُوسٍ : يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ فِي الْكَفَّارَةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ , وَطَاوُوسٍ , وَالنَّخَعِيِّ : تُجْزِئُ أُمُّ الْوَلَدِ فِي الْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَى : فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : لاََنْ أَتَصَدَّقَ بِثَلاَثِ تَمَرَاتٍ , أَوْ أُمَتِّعَ بِسَوْطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ زِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : لِعَبْدٍ لَهُ : لَوْلاَ أَنَّك وَلَدُ زِنًى لاََعْتَقْتُك. وَقَالَ النَّخَعِيُّ , وَالشَّعْبِيُّ : لاَ يُجْزِئُ وَلَدُ الزِّنَى فِي رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَدَ زِنًى. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّوْرَقِيُّ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ ، عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ r : عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ وَلَدِ الزِّنَى فَقَالَ : لاَ خَيْرَ فِيهِ , نَعْلاَنِ أُجَاهِدُ أَوْ قَالَ أُجَهِّزُ بِهِمَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَى. قال أبو محمد : إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ , وَأَبُو يَزِيدَ مَجْهُولٌ , وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ , وَالشَّعْبِيِّ قَالاَ جَمِيعًا : لاَ يُجْزِئُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَدُ زِنًى. قال أبو محمد : وَأَجَازَهُ طَاوُوسٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ. وَلاَ يُسَمَّى نِصْفَا رَقَبَتَيْنِ رَقَبَةً وَمَنْ أَعْتَقَ بِحُكْمٍ فَلَمْ يُعْتِقْ ، عَنِ الْكَفَّارَةِ فَلاَ يُجْزِئُ فِيهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1184- مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِئُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَوْ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُرْدَدُ عَلَيْهِمْ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ , وَهُنَا خِلاَفُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وقال أبو حنيفة يَجُوزُ وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَخَالَفَهُ الشَّعْبِيُّ , وَلاَ يُجْزِئُ إِلاَّ مِثْلُ مَا يُطْعِمُ الإِنْسَانُ أَهْلَهُ , فَإِنْ كَانَ يُعْطِي أَهْلَهُ الدَّقِيقَ , فَلْيُعْطِ الْمَسَاكِينَ الدَّقِيقَ , وَإِنْ كَانَ يُعْطِي أَهْلَهُ الْحَبَّ فَلْيُعْطِ الْمَسَاكِينَ الْحَبَّ , وَإِنْ كَانَ يُعْطِي أَهْلَهُ الْخُبْزَ , فَلْيُعْطِ الْمَسَاكِينَ الْخُبْزَ , وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَطْعَمَ أَهْلَهُ فَمِنْهُ يُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ , وَلاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلاً , لأََنَّهُ خِلاَفُ نَصِّ الْقُرْآنِ وَيُعْطِي مِنْ الصِّفَةِ , وَالْمَكِيلِ الْوَسَطِ لاَ الأَعْلَى ، وَلاَ الأَدْنَى كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ : لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ , أَوْ صَاعُ تَمْرٍ , أَوْ شَعِيرٍ. وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُهُ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعُ تَمْرٍ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَابْنِ سِيرِينَ , وَقَالَ : أَوْ أَكْلَةٌ مَأْدُومَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ : مَكُّوكُ حِنْطَةٍ , وَمَكُّوكُ تَمْرٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَالْمَكُّوكُ نِصْفُ صَاعٍ. قَالَ الْحَسَنُ : وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَهُمْ أَكْلَةً خُبْزًا , وَلَحْمًا , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَخُبْزًا وَسَمْنًا وَلَبَنًا , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَخُبْزًا وَخَلًّا وَزَيْتًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ قَتَادَةَ أَيْضًا : مَكُّوكُ تَمْرٍ , وَمَكُّوكُ حِنْطَةٍ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مُدُّ بُرٍّ , وَمُدُّ تَمْرٍ هَذَا كُلُّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَقَالَ عَطَاءٌ , وَمُجَاهِدٌ : عَشْرَةُ أَمْدَادٍ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ , وَمُدَّانِ لِلْحَطَبِ , وَالإِدَامِ. وَعَنِ الْحَسَنِ , وَابْنِ سِيرِينَ : يَجْمَعُهُمْ فَيُشْبِعُهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَصَحَّ أَيْضًا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالْحَسَنِ , وَقَتَادَةَ : مُدُّ تَمْرٍ وَمُدُّ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حِنْطَةٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ مِثْلُهُ أَيْضًا. وَعَنْ عَطَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ إنْ كَانَ خُبْزًا يَابِسًا : فَعَشَاءٌ وَغَدَاءٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ يُغَدِّيهِمْ , وَيُعَشِّيهِمْ : خُبْزًا , وَزَيْتًا , وَسَمْنًا ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُمَا. وَعَنِ الْقَاسِمِ , وَسَالِمٍ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالنَّخَعِيِّ , وَغَيْرِهِمْ : غَدَاءٌ , وَعَشَاءٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا : بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُحَيَّاةِ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنْ كَانَ خُبْزًا يَابِسًا فَغَدَاءٌ وَعَشَاءٌ وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ. وقال أبو حنيفة : نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ , أَوْ صَاعُ تَمْرٍ , أَوْ شَعِيرٍ , وَمِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ وَسَوِيقِهِ نِصْفُ صَاعٍ , وَمِنْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ وَسَوِيقِهِ صَاعٌ , فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ : فَغَدَاءٌ , وَعَشَاءٌ أَوْ غَدَاءٌ , وَغَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ وَعَشَاءٌ أَوْ سَحُورٌ وَغَدَاءٌ أَوْ سَحُورٌ وَعَشَاءٌ. وَلاَ يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ : دَقِيقٌ ، وَلاَ سَوِيقٌ. قال أبو محمد : هَذِهِ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ لاَ حُجَّةَ بِشَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ , وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِلأَذَى لِلْمُحْرِمِ نِصْفَ صَاعٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ , لأََنَّ نَصَّ ذَلِكَ الْخَبَرِ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَفَّرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ , وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُعْطُوا , فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ صَاعٍ. وَهَذَا خَبَرٌ سَاقِطٌ , لأََنَّ زِيَادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ , وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَقَدْ يُنْسَبُ إلَى جَدِّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ خِلاَفًا لِقَوْلِهِمْ , لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ أَلْبَتَّةَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ الضَّرِيرُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قَالَ : الْخُبْزُ وَاللَّبَنُ , وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ , وَالْخُبْزُ وَالسَّمْنُ وَمِنْ أَعْلَى مَا يُطْعِمُهُمْ : الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَفَّرَ ، عَنْ يَمِينٍ فَعَجَنَ فَأَطْعَمَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ : قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ وَكَانَ ثِقَةً ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ الرَّجُلُ يُقَوِّتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِيهِ سَعَةٌ , وَبَعْضُهُمْ قُوتًا دُونًا , وَبَعْضُهُمْ قُوتًا وَسَطًا , فَقِيلَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا ، عَنْ شُرَيْحٍ , وَالأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَالشَّعْبِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ قَوْلُنَا , وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ كَيْلاً مَا , وَمَنْ مَنَعَ مِنْ إطْعَامِ الْخُبْزِ , وَالدَّقِيقِ , وَمَنْ أَوْجَبَ أَكْلَتَيْنِ , فَأَقْوَالٌ لاَ حُجَّةَ لَهَا مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 1185 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ : قَمِيصٌ , أَوْ سَرَاوِيلُ , أَوْ مُقَنِّعٌ , أَوْ قَلَنْسُوَةٌ , أَوْ رِدَاءٌ , أَوْ عِمَامَةٌ , أَوْ بُرْنُسٌ , أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى كِسْوَةً دُونَ كِسْوَةٍ لَبَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَتَخْصِيصُ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ : أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ ، عَنِ الْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ : أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ وَفْدًا دَخَلُوا عَلَى أَمِيرِهِمْ فَكَسَا كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَلَنْسُوَةً , قَالَ النَّاسُ : إنَّهُ قَدْ كَسَاهُمْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ : وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : لاَ تُجْزِي إِلاَّ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَهَذَا لاَ وَجْهَ لَهُ , لأََنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ وَاخْتَلَفَ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا , وَلاَ يُجْزِئُ عِنْدَهُ عِمَامَةٌ فَقَطْ , وَقَالُوا : لَوْ أَنَّ إنْسَانًا لَمْ يَلْبَسْ إِلاَّ عِمَامَةً فَقَطْ , لَقَالَ النَّاسُ : هَذَا عُرْيَانُ : قال أبو محمد : وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ لَنَا : اُكْسُوهُمْ مَا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِمْ بِهِ اسْمُ عُرْيَانَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً لَبِسَ قَمِيصًا , وَسَرَاوِيلَ فِي الشِّتَاءِ لَقَالَ النَّاسُ : هَذَا عُرْيَانُ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ وَهِيَ كِسْوَةٌ ثُمَّ يَقُولُ : لَوْ كَسَاهُمْ ثَوْبًا وَاحِدًا يُسَاوِي عَشْرَةَ أَثْوَابٍ , أَوْ أَعْطَاهُمْ بَغْلَةً , أَوْ حِمَارَةً تُسَاوِي عَشْرَةَ أَثْوَابٍ أَجْزَأَهُ : ثُمَّ تَدَبَّرْنَا هَذَا : فَرَأَيْنَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْكِسْوَةَ عَلَى الإِطْلاَقِ مُنَافِيَةٌ لِلْعُرْيِ , إذْ مُمْتَنَعٌ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ كَاسِيًا عَارِيًّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ , لَكِنْ يَكُونُ كَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ : مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ كَاسِيًا , وَبَعْضُهُ عَارِيًّا أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ كِسْوَةٌ تَعُمُّهُ , وَلاَ تَسْتُرُ بَشَرَتَهُ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْكِسْوَةَ لاَ يَكُونُ مَعَهَا عُرْيٌ إذَا كَانَتْ عَلَى الإِطْلاَقِ , وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَطْلَقَهَا , وَلَمْ يَذْكُرْهَا بِإِضَافَةٍ. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ كِسْوَةٌ سَابِغَةٌ إِلاَّ أَنَّ رَأْسَهُ عَارٍ أَوْ ظَهْرَهُ أَوْ عَوْرَتَهُ , أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْهُ , فَإِنَّهُ لاَ يُسَمَّى كَاسِيًا , وَلاَ مُكْتَسِيًا إِلاَّ بِإِضَافَةٍ , فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ لاَ تَكُونَ الْكِسْوَةُ إِلاَّ عَامَّةً لِجَمِيعِ الْجِسْمِ , سَاتِرَةً لَهُ ، عَنِ الْعُيُونِ , مَانِعَةً مِنْ الْبَرْدِ , لأََنَّهُ بِالضَّرُورَةِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي " كَانُونَ الأَوَّلِ " مُغَطًّى بِرِدَاءِ قَصَبٍ فَقَطْ أَنَّهُ لاَ يُسَمِّيهِ أَحَدٌ كَاسِيًا , بَلْ هُوَ عُرْيَانُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1186 - مَسْأَلَةٌ : وَيُجْزِئُ كِسْوَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِطْعَامُهُمْ إذَا كَانُوا مَسَاكِينَ , بِخِلاَفِ الزَّكَاةِ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ هَهُنَا نَصٌّ بِتَخْصِيصِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ فِي الزَّكَاةِ : أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. 1187 - مَسْأَلَةٌ : وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ لِلثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ مُتَفَرِّقَةٍ إنْ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وقال أبو حنيفة : لاَ تُجْزِي إِلاَّ مُتَتَابِعَةً وَاحْتَجُّوا بِقِيَاسِهَا عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ , وَالْقَتْلِ , وَقَالُوا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ : " مُتَتَابِعَاتٍ ". قال أبو محمد : مِنْ الْعَجَائِبِ أَنْ يَقِيسَ الْمَالِكِيُّونَ : الرَّقَبَةَ فِي أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ , وَلاَ يَقِيسُهَا الْحَنَفِيُّونَ عَلَيْهَا , وَيَقِيسُ الْحَنَفِيُّونَ الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ مُتَتَابِعًا عَلَى صَوْمِ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ , وَالظِّهَارِ , وَلاَ يَقِيسُهُ الْمَالِكِيُّونَ عَلَيْهِ , فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْمَقَايِيسِ الْمُتَخَاذِلَةِ الْمَحْكُومِ بِهَا فِي الدِّينِ مُجَازَفَةً وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَهِيَ مِنْ شَرْقِ الأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ , وَحَمْزَةَ , وَالْكِسَائِيِّ لَيْسَ فِيهَا مَا ذَكَرُوا ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَزِيدُوا فِي الْقُرْآنِ الْكَذِبَ الْمُفْتَرَى نَصْرًا لأََقْوَالِهِمْ الْفَاسِدَةِ , وَهُمْ يَأْبَوْنَ مِنْ قَبُولِ التَّغْرِيبِ فِي الزِّنَى , لأََنَّهُ عِنْدَهُمْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ , وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r . ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ مِنْ النَّاسِ فِي أَنْ يَزِيدُوا فِي الْقُرْآنِ مَا يَكُونُ مَنْ زَادَهُ فِيهِ كَافِرًا وَمَا إنْ قَرَأَ بِهِ فِي الْمِحْرَابِ اُسْتُتِيبَ وَإِنْ كَتَبَهُ فِي مُصْحَفٍ قُطِعَتْ الْوَرَقَةُ أَوْ بُشِرَ نَصْرًا لِتَقْلِيدِهِمْ , فَإِذْ لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى تَتَابُعًا مِنْ تَفْرِيقٍ , فَكَيْفَمَا صَامَهُنَّ أَجْزَأَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1188 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ ، عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ مَا يُطْعِمُ مِنْهُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ أَصْلاً , لأََنَّهُ وَاجِدٌ , وَلاَ يُجْزِئُ الْوَاجِدُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إِلاَّ مَا وَجَدَ , وَلاَ يُجْزِئُ الصَّوْمُ إِلاَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ. وَالْعَبْدُ , وَالْحُرُّ , فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَمَنْ حَدَّ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا مِنْ قُوتِ جُمُعَةٍ , أَوْ أَشْهُرٍ , أَوْ سَنَةٍ ; كُلِّفَ الدَّلِيلَ , وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ 1189 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِئُ إطْعَامُ بَعْضِ الْعَشَرَةِ وَكِسْوَةُ بَعْضِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ وقال أبو حنيفة , وَسُفْيَانُ : يُجْزِئُ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. 1190 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ عَلَى إثْمٍ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَفْعَلَهُ وَيُكَفِّرَ , فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَا لَيْسَ إثْمًا فَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا رَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ ، عَنْ يَمِينِهِ. قال أبو محمد : كَانَ هَذَا احْتِجَاجًا صَحِيحًا لَوْلاَ مَا رُوِّينَاهُ فِي " كِتَابِ الصَّلاَةِ فِي بَابِ الْوَتْرِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِلنَّبِيِّ r إذْ ذَكَرَ لَهُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ : لاَ إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ وَقَالَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَالزَّكَاةِ كَذَلِكَ , وَاَللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ ، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنَّ فَقَالَ عليه السلام : أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ , دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِ التَّطَوُّعِ وَخَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ , فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ عليه السلام يَمِينَهُ تِلْكَ , وَلاَ أَمْرَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ , بَلْ حَسَّنَ لَهُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ r بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ نَدْبٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. كِتَابُ الْقَرْضِ وَهُوَ الدَّيْنُ 1191 - مَسْأَلَةٌ : الْقَرْضُ فِعْلُ خَيْرٍ , وَهُوَ أَنْ تُعْطِيَ إنْسَانًا شَيْئًا بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِك تَدْفَعُهُ إلَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَيْك مِثْلَهُ إمَّا حَالًّا فِي ذِمَّتِهِ وَأَمَّا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ 1192 - مَسْأَلَةٌ : وَالْقَرْضُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَتَمْلِيكُهُ بِهِبَةِ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ جَازَ بَيْعَةُ أَوْ لَمْ يَجُزْ لأََنَّ الْقَرْضَ هُوَ غَيْرُ الْبَيْعِ , لأََنَّ الْبَيْعَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِثَمَنٍ , وَيَجُوزُ بِغَيْرِ نَوْعِ مَا بِعْت. وَلاَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ إِلاَّ رَدُّ مِثْلِ مَا اُقْتُرِضَ لاَ مِنْ سِوَى نَوْعِهِ أَصْلاً 1193 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَشْتَرِطَ رَدًّا أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ ، وَلاَ أَقَلَّ , وَهُوَ رِبًا مَفْسُوخٌ , وَلاَ يَحِلُّ اشْتِرَاطُ رَدِّ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ ، وَلاَ أَدْنَى وَهُوَ رِبًا , وَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ نَوْعٍ غَيْرِ النَّوْعِ الَّذِي أَخَذَ , وَلاَ اشْتِرَاطُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا ، وَلاَ اشْتِرَاطُ ضَامِنٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ , مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ , كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ , وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. . وَلاَ خِلاَفَ فِي بُطْلاَنِ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الْقَرْضِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّأْيِيدُ. 1194 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ تَطَوَّعَ عِنْدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُعْطِيَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ , أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ , أَوْ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ , أَوْ أَدْنَى مِمَّا أَخَذَ , فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ. وَمُعْطِي أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَرَضَ وَأَجْوَدَ مِمَّا اقْتَرَضَ مَأْجُورٌ. وَاَلَّذِي يَقْبَلُ أَدْنَى مِمَّا أَعْطَى , أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَعْطَى مَأْجُورٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ , مَا لَمْ يَكُنْ ، عَنْ شَرْطٍ , وَكَذَلِكَ إنْ قَضَاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ , وَلاَ فَرْقَ : فَهُوَ حَسَنٌ مَا لَمْ يَكُنْ ، عَنْ شَرْطٍ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ , وَمُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ , قَالَ الْبُخَارِيُّ : ، حَدَّثَنَا خَلَّادٌ , وَقَالَ مُوسَى : ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , ثُمَّ اتَّفَقَ خَلَّادٌ ، وَوَكِيعٌ , قَالاَ : ، حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r سِنًّا فَأَعْطَاهُ سِنًّا فَوْقَ سِنِّهِ وَقَالَ : خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَضَانِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَادَنِي نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : تَقَاضَيْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ دَيْنًا لِي عَلَيْهِ فَوَجَدْته قَدْ خَرَجَ مِنْ الْحَمَّامِ فَقَضَانِي وَلَمْ يَزِنْهُ , فَوَزَنْته فَوَجَدْته قَدْ زَادَنِي عَلَى حَقِّي سَبْعِينَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً قَالَ لأَبْنِ عُمَرَ : إنِّي أَسْلَفْت رَجُلاً سَلَفًا وَاشْتَرَطْت أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته ; فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : ذَلِكَ الرِّبَا , ثُمَّ ذَكَرَ كَلاَمًا وَفِيهِ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ : أَرَى أَنْ تَشُقَّ صَكَّك فَإِنْ أَعْطَاك مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْته قَبِلْته , وَإِنْ أَعْطَاك دُونَ مَا أَسْلَفْته فَأَخَذْته أُجِرْت , وَإِنْ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ , فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَك وَهُوَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْته. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ : اقْتَرَضَ مِنِّي ابْنُ عُمَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَضَانِي أَجْوَدَ مِنْ دَرَاهِمِي , وَقَالَ لِي : مَا كَانَ فِيهَا مِنْ فَضْلٍ فَهُوَ نَائِلٌ مِنِّي لَك أَتَقْبَلُهُ قُلْت : نَعَمْ ، وَلاَ يُعْرَفُ لِهَذَيْنِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إِلاَّ رِوَايَةً ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَسْتَسْلِفُ مِنْ التُّجَّارِ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُمْ إلَى الْعُمَّالِ , فَذَكَرْت ذَلِكَ لأَبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ وَحَكَى شُعْبَةُ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ , وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَمَّنْ اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ خَيْرًا مِنْهَا فَقَالاَ جَمِيعًا : إذَا كَانَ لَيْسَ مِنْ نِيَّتِهِ فَلاَ بَأْسَ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالاَ جَمِيعًا : لاَ بَأْسَ أَنْ تُقْرِضَ دَرَاهِمَ بِيضًا وَتَأْخُذَ سُودًا , أَوْ تُقْرِضَ سُودًا وَتَأْخُذَ بِيضًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا قَطَرِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الأَشْعَثِ الْحُمْرَانِيِّ قَالَ : سَأَلْت الْحَسَنَ فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيدٍ لِي جَارَاتٌ وَلَهُنَّ عَطَاءٌ فَيَقْتَرِضْنَ مِنِّي وَنِيَّتِي فِي فَضْلِ دَرَاهِمِ الْعَطَاءِ عَلَى دَرَاهِمِي قَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ إذَا أَسْلَفْتَ طَعَامًا فَأَعْطَاكَهُ بِأَرْضِ أُخْرَى , فَإِنْ كَانَ ، عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ , وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَجَازَ مَالِكٌ : أَنْ يَرُدَّ أَفْضَلَ مَا لَمْ يَكُنْ ، عَنْ عَادَةٍ , وَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَرُدَّ أَكْثَرَ وَهَذَا خَطَأٌ , لأََنَّهُ خِلاَفُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي أَوْرَدْنَا. وَأَمَّا فَرْقُهُ بَيْنَ الْعَادَةِ وَغَيْرِهَا : فَخَطَأٌ , لأََنَّهُ إنْ جَازَ مَرَّةً جَازَ أَلْفَ مَرَّةٍ ، وَلاَ فَرْقَ , وَإِنْ كَانَ خَيْرًا فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَالإِكْثَارُ مِنْ الْخَيْرِ خَيْرٌ ; وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَالشَّرُّ لاَ يَجُوزُ لاَ مَرَّةً ، وَلاَ مِرَارًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ. وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنْ رَدِّ أَكْثَرَ : فَقَدْ رُوِّينَاهُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَالزُّهْرِيِّ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إجَازَتِهِ الزِّيَادَةَ حَيْثُ هِيَ الرِّبَا الْمَكْشُوفُ الْمُحَرَّمُ , إذْ يُجِيزُ مُبَادَلَةَ دِينَارٍ نَاقِصٍ بِدِينَارِ زَائِدٍ عَلَيْهِ فِي وَزْنِهِ بِمُشَارَطَةٍ فِي حِينِ الْمُبَادَلَةِ , وَكَذَلِكَ فِي الدِّرْهَمِ النَّاقِصِ بِالدِّرْهَمِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ فِي وَزْنِهِ وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : الدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا رِبًا ثُمَّ يَمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ وَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَحَضَّ عَلَيْهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ]. 1195 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ قَضَاهُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ مَا اسْتَقْرَضَ لَمْ يَحِلَّ أَصْلاً لاَ بِشَرْطٍ ، وَلاَ بِغَيْرِ شَرْطٍ مِثْلُ : أَنْ يَكُونَ أَقْرَضَهُ ذَهَبًا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ فِضَّةً , أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ , يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَهُوَ إذَا رَدَّ غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ , وَمَنْ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ فَقَدْ أَكَلَ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مَا كَانَ لَهُ عِنْدَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ قلنا : هَذَا حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ , لأََنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ , وَلاَ يَحِلُّ الْبَيْعُ إِلاَّ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك , وَبَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ. وَكُلُّ هَذَا قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَهُوَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا رِبًا مَحْضٌ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي " أَبْوَابِ الرِّبَا " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ احْتَجُّوا بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1196 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا فَقَدْ مَلَكَهُ , وَلَهُ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ , وَهِبَتُهُ , وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ , كَسَائِرِ مِلْكِهِ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ وَبِهِ جَاءَتْ النُّصُوصُ. 1197 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا كَانَ لِلَّذِي أَقْرَضَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَقْرَضَ مَتَى أَحَبَّ إنْ شَاءَ إثْرَ إقْرَاضِهِ إيَّاهُ , وَإِنْ شَاءَ أَنْظَرَهُ بِهِ إلَى انْقِضَاءِ حَيَاتِهِ. وقال مالك : لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ إيَّاهُ بِهِ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَنْتَفِعُ فِيهَا الْمُسْتَقْرِضُ بِمَا اسْتَقْرَضَ وَهَذَا خَطَأٌ , لأََنَّهُ دَعْوًى بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَوْجَبَ هَاهُنَا أَجَلاً مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ثُمَّ هُوَ الْمُوجِبُ لَهُ لاَ يَحُدُّ مِقْدَارَهُ , فَأَيُّ دَلِيلٍ أَدَلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ يُوجِبُ فِيهِ مِقْدَارًا مَا ] لاَ يَدْرِي هُوَ ، وَلاَ غَيْرُهُ مَا هُوَ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ , فَمَنْ مَنَعَ مِنْ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُ عليه السلام 1198 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْرَضُ حَاضِرٌ عِنْدَ الْمُسْتَقْرِضِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ الْمُسْتَقْرِضُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ] أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ بِعَيْنِهِ ، وَلاَ بُدَّ , لَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى رَدِّ مِثْلِهِ إمَّا ذَلِكَ الشَّيْءُ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِثْلُهُ مِنْ نَوْعِهِ لأََنَّهُ قَدْ مَلَكَ الَّذِي اسْتَقْرَضَ وَصَارَ كَسَائِرِ مَالِهِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إخْرَاجِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ , إذْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ غَيْرُهُ قُضِيَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِرَدِّهِ , لأََنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَعْجِيلِ إنْصَافِ غَرِيمِهِ , فَتَأْخِيرُهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الإِنْصَافِ ظُلْمٌ. وَقَدْ قَالَ عليه السلام : مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَهَذَا غَنِيٌّ فَمَطْلُهُ ظُلْمٌ. 1199 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ إلَى أَجَلٍ , فَفَرْضٌ عَلَيْهِمَا أَنْ يَكْتُبَاهُ وَأَنْ يُشْهِدَا عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ , عُدُولاً فَصَاعِدًا. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي سَفَرٍ وَلَمْ يَجِدَا كَاتِبًا فَإِنْ شَاءَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَنْ يَرْتَهِنَ بِهِ رَهْنًا فَلَهُ ذَلِكَ , وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرْتَهِنَ فَلَهُ ذَلِكَ , وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ الْحَالِّ لاَ فِي السَّفَرِ ، وَلاَ فِي الْحَضَرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ إلَى قَوْلِهِ : وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إلَى أَجَلِهِ : إلَى قوله تعالى : وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ إلَى قوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ الطَّاعَةُ. وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ نَدْبٌ , فَقَدْ قَالَ : الْبَاطِلَ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى فَاكْتُبُوهُ فَيَقُولُ قَائِلٌ : لاَ أَكْتُبُ إنْ شِئْت. وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا فَيَقُولُ قَائِلٌ : لاَ أُشْهِدُ ، وَلاَ يَجُوزُ نَقْلُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى ، عَنِ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ إِلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ , أَوْ بِضَرُورَةِ جَسٍّ. وَكُلُّ هَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا , وَطَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ , وَنَتَقَصَّى ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1200 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَقِيَ غَرِيمَهُ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَدْ بَلَغَ أَجَلَهُ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ , وَأَخْذُهُ بِحَقِّهِ , وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى إنْصَافِهِ عَرَضًا كَانَ الدَّيْنُ , أَوْ طَعَامًا , أَوْ حَيَوَانًا , أَوْ دَنَانِيرَ , أَوْ دَرَاهِم كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُجْبَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَنْ لاَ يَنْتَصِفَ إِلاَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَدَايَنَا فِيهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ. وَأَمْرُهُ عليه السلام أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إنْصَافِهِ إِلاَّ حَيْثُ تَدَايَنَا فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ لأََنَّهُ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ , ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : إنْ كَانَ التَّدَايُنُ بِالأَنْدَلُسِ , ثُمَّ لَقِيَهُ بِصِينِ الصِّينِ سَاكِنًا هُنَالِكَ , أَوْ كِلاَهُمَا , أَتَرَى حَقَّهُ قَدْ سَقَطَ أَوْ يُكَلَّفُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ هُوَ وَصَاحِبُ الْحَقِّ النُّهُوضَ إلَى الأَنْدَلُسِ لِيُنْصِفهُ هُنَالِكَ مِنْ مَدِينٍ. ثُمَّ لَوْ طَرَدُوا قَوْلَهُمْ لَلَزِمَهُمْ أَنْ لاَ يُجِيزُوا الإِنْصَافَ إِلاَّ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَا فِيهَا بِأَبْدَانِهِمَا حِينَ التَّدَايُنِ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا , فَنَحْنُ نَزِيدُهُمْ مِنْ الأَرْضِ شِبْرًا شِبْرًا حَتَّى نَبْلُغَهُمْ إلَى أَقْصَى الْعَالَمِ. وَلَوْ حَقَّقَ كُلُّ ذِي قَوْلٍ قَوْلَهُ , وَحَاسَبَ نَفْسَهُ بِأَنْ لاَ يَقُولَ فِي الدِّينِ إِلاَّ مَا جَاءَ بِهِ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةً ; لَقَلَّ الْخَطَأُ , وَلَكَانَ أَسْلَمَ لِكُلِّ قَائِلٍ. وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلاَّ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ. 1201- مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ أَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يُجْبَرْ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى قَبُولِهِ أَصْلًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَتَعَجَّلَ قَبْضَ دَيْنِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى أَدَائِهِ - : سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ , وَالطَّعَامُ كُلُّهُ , وَالْعَرُوضُ كُلُّهَا , وَالْحَيَوَانُ . فَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى تَعْجِيلِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ , أَوْ عَلَى تَأْخِيرِهِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ , أَوْ بَعْضِهِ : جَازَ كُلُّ ذَلِكَ - . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا . وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ : إنْ كَانَ مِمَّا لَا مُؤْنَةَ فِي حَمْلِهِ وَنَقْلِهِ أُجْبِرَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى قَبْضِهِ , وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ مُؤْنَةٌ فِي حَمْلِهِ وَنَقْلِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ - : أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ , لَا مِنْ قُرْآنٍ , وَلَا سُنَّةٍ , وَلَا إجْمَاعٍ , وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِف لَهُ , وَلَا قِيَاسٍ , وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ . وَالثَّانِي : أَنَّ شَرْطَ الأَُجَلِ قَدْ صَحَّ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ مَا صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى . وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ أَبْطَلُوا هَذَا الشَّرْطَ الصَّحِيحَ الَّذِي أَثْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ . وَأَجَازُوا الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي أَبْدَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ , كَمَنْ اشْتَرَطَ لِامْرَأَتِهِ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ طَالِقٌ , وَكُلَّ سُرِّيَّةٍ يَتَّخِذُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ حُرَّةٌ , وَأَنْ لَا يُرَحِّلَهَا عَنْ دَارِهَا , فَإِنْ فَعَلَ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا وَاحْتَجُّوا هَاهُنَا بِرِوَايَةِ مَكْذُوبَةٍ وَهِيَ " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " فَهَلَّا احْتَجُّوا بِهَا إذْ هِيَ عِنْدَهُمْ صَحِيحَةٌ فِي إنْفَاذِ شَرْطِ التَّأْجِيلِ الْمُسَمَّى بِالدَّيْنِ , فَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الأُُمُورَ تَرَوْا الْعَجَبَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي هَذَا بِعُمَرَ , وَعُثْمَانَ , فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا فِي الْقَضَاءِ بِقَبُولِ تَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ أَجَلِهَا , وَقَدْ أَخْطَئُوا فِي هَذَا مِنْ وُجُوهٍ . أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَالثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , فِي الْكِتَابَةِ خَاصَّةً , فَقَاسُوا عَلَيْهَا سَائِرَ الدُّيُونِ , وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الدُّيُونِ فِي جَوَازِ الْحَمَّالَة وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرُ , وَعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ أَنَسٍ فَلَمْ يَرَ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ أَجَلِهَا . وَالرَّابِعُ أَنَّهُمْ خَالَفُوا عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , فِي مُئِينَ مِنْ الْقَضَايَا . مِنْهَا - إجْبَارُ عُمَرَ سَادَات الْعَبِيدِ عَلَى كِتَابَتِهِمْ بِالضَّرْبِ إذَا طَلَبَ الْعَبِيدُ ذَلِكَ , وَغَيْرُ هَذَا كَثِيرٌ , فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي آخَر . وَالْخَامِسُ أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا , لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْهُمَا وَضْعُ الْكِتَابَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ , ثُمَّ يُعْطِي السَّيِّدَ فِي كُلِّ نَجْمٍ حَقَّهُ ; فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : { مَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ } قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْهُمْ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ , لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَطَاءِ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي نُهِينَا عَنِ السُّؤَالِ فِيهِ - عَنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ - وَلَا فِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ الْوَاجِبِ السُّؤَالِ عَنْهَا وَطَلَبِهَا أَوْ الإِبْرَاءِ مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ إرَادَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ تَعْجِيلَ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ أَجَلِهِ مَعَ إبَايَةِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ وَبَيْنَ إرَادَةِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ تَعْجِيلَ مَا لَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ مَعَ إبَايَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ ؟ إذْ أَوْجَبُوا الْوَاحِدَ وَمَنَعُوا الآخَرَ . فَإِنْ قَالُوا : إنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ يُرِيدُ أَنْ يَبْرَأَ مِمَّا عَلَيْهِ ؟ قُلْنَا لَهُمْ : وَاَلَّذِي لَهُ الْحَقُّ يُرِيدُ أَنْ يُبْرِئَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِمَّا عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالُوا : لَيْسَ يُرِيدُ ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا إلَى أَجَلِهِ ؟ قُلْنَا لَهُمْ : وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ إلَّا إلَى أَجَلِهِ . 1202 - مَسْأَلَةٌ : وَالْقَرْضُ جَائِزٌ فِي الْجَوَارِي , وَالْعَبِيدِ , وَالدَّوَابِّ , وَالدُّورِ , وَالأَرْضِينَ , وَغَيْرِ ذَلِكَ لِعُمُومِ قوله تعالى : إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ فَلاَ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِي ذَلِكَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ. وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ , وَأَصْحَابِنَا. وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , فِي الْجَوَارِي خَاصَّةً , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ , إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ , لأََنَّهُ يَطَؤُهَا , ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ فَيَكُونُ فَرْجًا مُعَارًا. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُهُمْ : يَطَؤُهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ , فَهُمْ يُوجِبُونَ هَذَا نَفْسَهُ فِي الَّتِي يَجِدُ بِهَا عَيْبًا فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا قلنا : كَذَبْتُمْ , قَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ : الْمَنْعُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْوَطْءِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ إجْمَاعٌ لَلَزِمَهُمْ لأََنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ أَنْ يَقِيسُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ اُتُّفِقَ عَلَيْهِ فَهَذَا أَصْلُهُمْ فِي الْقِيَاسِ , فَأَنَّى بَدَا لَهُمْ عَنْهُ ثم نقول لَهُمْ : فَإِذَا وَطِئَهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَكَانَ مَاذَا وَطِئَهَا بِحَقٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ثُمَّ إنْ رَدَّهَا رَدَّهَا بِحَقٍّ , لأََنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ فَانْتَقَلَتْ مِنْ حَقٍّ إلَى حَقٍّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ فَرْجٌ مُعَارٌ : فَكَذِبٌ وَبَاطِلٌ , لأََنَّ الْعَارِيَّةَ لاَ يَزُولُ عَنْهَا مِلْكُ الْمُعِيرِ , فَحَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ وَطْؤُهَا , لأََنَّهُ مِلْكُ يَمِينِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْمُسْتَقْرَضَةُ فَهِيَ مِلْكُ يَمِينِ الْمُسْتَقْرِضِ فَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ , وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدّهَا , أَوْ يُمْسِكَهَا أَوْ يَرُدَّ غَيْرَهَا , وَلَيْسَتْ الْعَارِيَّةُ كَذَلِكَ. وَقَالُوا : هُوَ بِشِيَعِ شَنِيعٌ قلنا : لاَ شُنْعَةَ , وَلاَ بَشَاعَةَ فِي الْحَلاَلِ , وَأَنْتُمْ لاَ تَسْتَبْشِعُونَ مِثْلَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ يَبِيعُ جَارِيَةً مِنْ غَيْرِهِ فَيَطَؤُهَا , ثُمَّ يَبْتَاعهَا الَّذِي بَاعَهَا فَيَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةِ , ثُمَّ يَطَؤُهَا , ثُمَّ يَبْتَاعُهَا الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ وَهَكَذَا أَبَدًا. وَمِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا , فَتَعْتَدُّ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهِيَ مُصَدَّقَةٌ عِنْدَهُ , ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا جَارُهُ فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا , فَتَعْتَدُّ كَذَلِكَ , ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا الأَوَّلُ فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَهَكَذَا أَبَدًا. فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَنَعُوا مِنْهُ مِنْ قَرْضِ الْجَوَارِي إنَّمَا الشَّنِيعُ الْبَشِيعُ الْفَظِيعُ مِمَّا يَقُولُونَهُ : مِنْ أَنَّ رِجَالاً تَكُونُ بَيْنَهُمْ أَمَةٌ يَطَؤُهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ , فَلاَ يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَيُلْحِقُونَ الْوَلَدَ بِهَذَا الْوَطْءِ الْحَرَامِ الْخَبِيثِ. وَمِنْ أَنْ يَطَأَ الْوَالِدُ أُمَّ وَلَدِ ابْنِهِ فَلاَ يَرَوْنَ عَلَيْهِ حَدًّا وَيُلْحِقُونَ الْوَلَدَ فِي هَذَا الْوَطْءِ الْفَاحِشِ , لاَ سِيَّمَا الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ : مَنْ عَشِقَ امْرَأَةَ جَارِهِ فَرَشَا شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا لَهُ بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا , وَأَنَّهَا اعْتَدَّتْ , وَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ هَذَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَزَوْجُهَا مُنْكِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ , فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَطَؤُهَا حَلاَلاً طَيِّبًا فَهَذِهِ هِيَ الشَّنَاعَةُ الْمُضَاهِيَةُ لِخِلاَفِ الإِسْلاَمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1203 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ وَزْنُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ عَدَدُهُ أَوْ زَرْعُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْرَضَ جُزَافًا , لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي مِقْدَارَ مَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدّهُ , فَيَكُونُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. 1204 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا اُقْتُرِضَ مِنْ ذَلِكَ مَعْلُومَ الْعَدَدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ , فَإِنْ رَدَّهُ جُزَافًا فَكَانَ ظَاهِرًا مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ أَقَلُّ مِمَّا اقْتَرَضَ فَرَضِيَ ذَلِكَ الْمُقْرِضُ , أَوْ كَانَ ظَاهِرًا مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا اقْتَرَضَ وَطَابَتْ نَفْسُ الْمُقْتَرِضِ , وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ , لِمَا قَدَّمْنَا. فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَهُوَ مِثْلُ مَا اقْتَرَضَ أَمْ أَقَلُّ أَمْ أَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ لَهُ , لأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَالُ أَحَدٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَرِضَاهُ , وَلاَ يَكُونُ الرِّضَا وَطِيبُ النَّفْسِ إِلاَّ عَلَى مَعْلُومٍ ، وَلاَ بُدَّ , عَلَى مَجْهُولٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1205 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ تَعْجِيلُ بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي , فَإِنْ وَقَعَ رَدٌّ وَصَرَفَ إلَى الْغَرِيمِ مَا أَعْطَى , لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ فَلَوْ عَجَّلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ رَغِبَ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ الْبَاقِيَ أَوْ بَعْضَهُ , فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ وَضَعَهُ عَنْهُ أَوْ بَعْضَهُ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ وَكِلاَهُمَا مَأْجُورٌ لأََنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا شَرْطٌ أَصْلاً لَكِنْ أَحَدُهُمَا سَارَعَ إلَى الْخَيْرِ فِي أَدَاءِ بَعْضِ مَا عَلَيْهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ وَالآخَرُ سَارَعَ إلَى الإِبْرَاءِ مِنْ حَقِّهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَافْعَلُوا الْخَيْرَ. وَهَذَا كُلُّهُ خَيْرٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ]. 1206 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَحَلَّ فَرَغِبَ إلَيْهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فِي أَنْ يَنْظُرَهُ أَيْضًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَفَعَلَ , أَوْ أَنْظَرَهُ كَذَلِكَ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ وَأَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَالدِّينُ حَالٌ يَأْخُذُهُ بِهِ مَتَى شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ زُفَرَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ الأَجَلَ وَجَعَلَهُ حَالًّا , فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ , وَالدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ كَمَا كَانَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَفَاءَ بِهَا , لأََنَّ الْعُقُودَ الْمَأْمُورَ بِالْوَفَاءِ بِهَا مَنْصُوصَةُ الأَسْمَاءِ فِي الْقُرْآنِ. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ كُلَّ الْعُقُودِ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا كَمَنْ عَقَدَ : أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ أَنْ يَزْنِيَ. وَكُلُّ عَقْدٍ صَحَّ مُؤَجَّلاً بِالْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ , فَلاَ يَجُوزُ الْبَتَّةُ إبْطَالُ التَّأْجِيلِ إِلاَّ بِنَصِّ آخَر. وَكُلُّ عَقْدٍ صَحَّ حَالًّا بِالْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ , فَلاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إبْطَالُ الْحُلُولِ إِلاَّ بِنَصِّ آخَر ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل : قَدْ قُلْتُمْ : إنَّهُ إنْ عَجَّلَ لَهُ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ الأَجَلِ إنَّ ذَلِكَ لاَزِمٌ لَهُ لاَ رُجُوعَ فِيهِ قلنا نَعَمْ , لأََنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ حَقِّهِ وَصَيَّرَهُ إلَى غَيْرِهِ وَوَهَبَهُ , فَهَذَا جَائِزٌ , إذْ قَدْ أَمْضَاهُ , وَأَمَّا مَا لَمْ يُمْضِهِ فَإِنَّمَا هُوَ وَعْدٌ , وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْوَعْدَ لاَ يَلْزَمُ إنْجَازُهُ فَرْضًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال مالك : يَلْزَمُهُ التَّأْجِيلُ وقال أبو حنيفة : إنْ أَجَّلَهُ فِي قَرْضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ , وَيَأْخُذُهُ حَالًّا , فَإِنْ أَجَّلَهُ فِي غَصْبٍ غَصَبَهُ إيَّاهُ أَوْ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ مَا عَدَا الْقَرْضَ لَزِمَهُ التَّأْجِيلُ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَرُوِيَ ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ اسْتَهْلَكَ لَهُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ثُمَّ أَجَّلَهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ يَلْزَمُهُ التَّأْجِيلُ , فَإِنْ اسْتَهْلَكَ لَهُ شَاةً أَوْ ثَوْبًا فَأَجَّلَهُ فِي قِيمَتِهِمَا لَزِمَهُ التَّأْجِيلُ. قال أبو محمد : فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَف مِنْ هَذِهِ الْفُرُوقِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ : إنَّ التَّأْجِيلَ فِي أَصْلِ الْقَرْضِ لاَ يَصِحُّ فَمَا زَادَ هَذَا الْمُحْتَجُّ عَلَى خِلاَفِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمَّى قال أبو محمد : وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ مَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 1207 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ مُؤَجَّلَةٌ , أَوْ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَقَدْ بَطَلَتْ الآجَالُ كُلُّهَا , وَصَارَ كُلُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ حَالًّا , وَكُلُّ مَا لَهُ مِنْ دَيْنٍ حَالًّا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ الْقَرْضُ , وَالْبَيْعُ , وَغَيْرُ ذَلِكَ وقال مالك : أَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ مُؤَجَّلَةٌ فَقَدْ حَلَّتْ , وَأَمَّا الَّتِي لَهُ عَلَى النَّاسِ فَإِلَى أَجَلِهَا. قال أبو محمد : وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. بُرْهَانُ قَوْلِنَا : هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَقَالَ تَعَالَى فِي حُكْمِهِ فِي الْمَوَارِيثِ فَذَكَرَ فَرَائِضَ الْمَوَارِيثِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ فَصَحَّ أَنَّ بِمَوْتِ الإِنْسَانِ بَطَلَ حُكْمُهُ ، عَنْ مَالِهِ وَانْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْغُرَمَاءِ , وَالْمُوصَى لَهُمْ , وَوُجُوهِ الْوَصَايَا , وَالْوَرَثَةِ , وَعَقْدُ الْغُرَمَاءِ فِي تَأْجِيلِ مَا عَلَيْهِمْ , أَوْ تَأْجِيلِ مَا عَلَى الْمَيِّت إنَّمَا كَانَ بِلاَ شَكٍّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُتَوَفَّى إذْ كَانَ حَيًّا , وَقَدْ انْتَقَلَ الآنَ الْمَالُ ، عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ , فَلاَ يَجُوزُ كَسْبُ الْمَيِّتِ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَدْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَلاَ يَحِلُّ لِلْغُرَمَاءِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ وَالْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ , فَبَطَلَ حُكْمُ التَّأْجِيلِ فِي ذَلِكَ , وَوَجَبَ لِلْوَرَثَةِ وَلِلْوَصِيَّةِ أَخْذُ حُقُوقِهِمْ. وَكَذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُ مَالِ غَرِيمِ مَيِّتِهِمْ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ , لأََنَّ عَقْدَهُ إنَّمَا كَانَ مَعَ الْمُتَوَفَّى إذْ كَانَ حَيًّا فَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْقَى مَالُهُ بِأَيْدِي وَرَثَةٍ لَمْ يُعَامِلْهُمْ قَطُّ. وَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ إمْسَاكُ مَالِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَنْهُ , وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ حَقًّا , وَلاَ لِلْوَصِيَّةِ إِلاَّ بَعْدَ إنْصَافِ أَصْحَابِ الدُّيُونِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَالنَّخَعِيِّ , قَالاَ جَمِيعًا : مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ حَلَّ وبه إلى أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الدَّيْنَ حَالًّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ فَقَدْ حَلَّ دَيْنُهُ وَهَذَا عُمُومٌ لِمَا عَلَيْهِ وَلِمَا لَهُ. 1208 - مَسْأَلَةٌ : وَهَدِيَّةُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَلاَلٌ وَكَذَلِكَ ضِيَافَتُهُ إيَّاهُ مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، عَنْ شَرْطٍ. فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ ، عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ , جَائِزَتُهُ : يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ , وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ , فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَكَانَ عليه السلام يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَقَالَ عليه السلام : لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَهَذَا عُمُومٌ لَمْ يَخُصَّ عليه السلام مِنْ ذَلِكَ غَرِيمًا مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ , وَلاَ النُّزُولُ عِنْدَهُ , وَلاَ أَكْلُ طَعَامِهِ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا أَسْلَفْت رَجُلاً سَلَفًا فَلاَ تُقْبَلُ مِنْهُ هَدِيَّةٌ قِرَاعٍ ، وَلاَ عَارِيَّةُ رُكُوبِ دَابَّةٍ وَأَنَّهُ اسْتَفْتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ : أَقْرَضْتُ سَمَّاكًا خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَكَانَ يَبْعَثُ إلَيَّ مِنْ سَمَكِهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : حَاسِبِهِ , فَإِنْ كَانَ فَضْلاً فَرُدَّ عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ كَفَافًا فَقَاصِصْهُ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَأَهْدَى لَك حَمَلَة مِنْ تِبْنٍ فَلاَ تَقْبَلْهَا فَإِنَّهَا رِبًا , اُرْدُدْ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ أَوْ أَثِبْهُ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ سَائِلٌ فَقَالَ لَهُ : أَقْرَضْت رَجُلاً فَأَهْدَى لِي هَدِيَّةً فَقَالَ : أَثِبْهُ أَوْ اُحْسُبْهَا لَهُ مِمَّا عَلَيْهِ أَوْ اُرْدُدْهَا عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ نَحْوُ هَذَا. وَاحْتَجُّوا فَقَالُوا : هُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ هَذَا ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , وَقَتَادَةَ , وَالنَّخَعِيِّ قال أبو محمد : أَمَّا هَؤُلاَءِ الصِّحَابَةُ رضي الله عنهم فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ , وَابْنَ عَبَّاسٍ فِي مُئِينَ مِنْ الْقَضَايَا , وَقَدْ جَاءَ خِلاَفُهُمْ ، عَنْ غَيْرِهِمْ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ , كِلاَهُمَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ تَسَلَّفَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَشَرَةَ آلاَفٍ فَبَعَثَ إلَيْهِ أُبَيٌّ مِنْ ثَمَرِهِ وَكَانَتْ تُبَكِّر , وَكَانَ مِنْ أَطْيَبِ ثَمَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , فَرَدَّهَا عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ : أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ : لاَ حَاجَةَ لِي بِمَا مَنَعَك طِيبَ ثَمَرَتِي , فَقِبَلهَا عُمَرُ , وَقَالَ : إنَّمَا الرِّبَا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ وَيُنْسِئَ. وبه إلى سُفْيَانَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَذَكَرَ نَهَى عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَكْلِ الْمَرْءِ عِنْدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ : إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا كَانَ يَتَعَاطَيَانِهِ. قال أبو محمد : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ الْحَقُّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ r : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئِ مَا نَوَى. وَلَوْ كَانَتْ هَدِيَّةُ الْغَرِيمِ وَالضِّيَافَةُ مِنْهُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا لَمَا أَغْفَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r : وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَإِذَا لَمْ يَنْهَ تَعَالَى ، عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَلاَلٌ مَحْضٌ , وَإِلَّا مَا كَانَ ، عَنْ شَرْطٍ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً , فَكَانَ مَاذَا أَيْنَ وَجَدُوا النَّهْيَ ، عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَلْيَعْلَمُوا الآنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ سَلَفٌ إِلاَّ وَهُوَ يَجُرُّ مَنْفَعَةً وَذَلِكَ انْتِفَاعُ الْمُسَلِّفِ بِتَضْمِينِ مَالِهِ , فَيَكُونُ مَضْمُونًا تَلِفَ أَوْ لَمْ يَتْلَفْ مَعَ شُكْرِ الْمُسْتَقْرِضِ إيَّاهُ , وَانْتِفَاعِ الْمُسْتَقْرِضِ بِمَالِ غَيْرِهِ مُدَّةَ مَا , فَعَلَى قَوْلِهِمْ كُلُّ سَلَفٍ فَهُوَ حَرَامٌ , وَفِي هَذَا مَا فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَتَمَّ " كِتَابُ الْقَرْضِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ]. كِتَابُ الرَّهْنِ 1209 - مَسْأَلَةٌ : لاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ إِلاَّ فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي السَّفَرِ , أَوْ فِي السَّلَمِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي السَّفَرِ خَاصَّةً , أَوْ فِي الْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي السَّفَرِ خَاصَّةً , مَعَ عَدَمِ الْكَاتِبِ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّهْنِ شَرْطٌ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ إلَى قوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَهَاهُنَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ حَيْثُ أَجَازَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَالدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ بَيْعًا , أَوْ سَلَمًا , أَوْ قَرْضًا. فَهَذِهِ الْوُجُوهُ يَجُوزُ فِيهَا اشْتِرَاطُ التَّأْجِيلِ لِوُرُودِ النُّصُوصِ بِوُجُوبِهِ فِي السَّلَمِ , وَجَوَازُهُ فِي الْقَرْضِ , وَالْبَيْعِ ، وَلاَ يَجُوزُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ أَصْلاً ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُعَامَلاَت سِوَى مَا ذَكَرْنَا نَصٌّ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ التَّأْجِيلِ , فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ إِلاَّ فِي السَّفَرِ. وَأَمَّا الْحَضَرُ : فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَهُ الأَعْمَشُ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، أَنَّ النَّبِيَّ r اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : وَاَللَّهِ لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ r وَإِنَّ دِرْعَهُ لَمَرْهُونَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَخَذَهَا طَعَامًا لأََهْلِهِ فإن قيل : قَدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ r أَخَذَ شَعِيرًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ , وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَجَلٍ قلنا : وَلاَ فِيهِ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ , وَنَحْنُ لاَ نَمْنَعُ مِنْ الرَّهْنِ بِغَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ , لأََنَّهُ تَطَوُّعٌ مِنْ الرَّاهِنِ حِينَئِذٍ , وَالتَّطَوُّعُ بِمَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ حَسَنٌ. فَإِنْ ذُكِرَ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فِي بَعْثَةِ النَّبِيِّ r إيَّاهُ إلَى يَهُودِيٍّ لِيُسَلِّفهُ طَعَامًا لِضَيْفٍ نَزَلَ بِهِ فَأَبَى إِلاَّ بِرّهنَّ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. فَهَذَا خَبَرٌ انْفَرَدَ بِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدٍ الرَّبَذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْقَطَّانُ , وَابْنُ مَعِينٍ , وَالْبُخَارِيُّ , وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ : لاَ تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ 1210 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ إِلاَّ مَقْبُوضًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ . وَقَالَ قَوْمٌ : إنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّهْنَ عِنْدَ ثِقَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ , وَعَطَاءٍ . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ : وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ آخَرُونَ : لاَ يَجُوزُ هَذَا وَلَيْسَ هُوَ قَبْضًا : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ مَعْمَرٌ : عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ سُفْيَانُ : عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَكَمِ ثُمَّ اتَّفَقَ قَتَادَةَ , وَالْحَكَمُ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَلَيْسَ مَقْبُوضًا. قَالَ سُفْيَانُ : وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُنَا. وَصَحَّ أَيْضًا ، عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْهُ. قال أبو محمد : إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَبْضَ فِي الرَّهْنِ مَعَ ذِكْرِهِ الْمُتَدَايِنَيْنِ فِي السَّفَرِ إلَى أَجَلٍ عِنْدَ عَدَمِ الْكَاتِبِ وَإِنَّمَا أَقْبِض رَسُولُ اللَّهِ r الدِّرْعَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ فَهُوَ الْقَبْضُ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا قَبْضُ غَيْرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , وَاشْتِرَاطُ أَنْ يَقْبِضَهُ فُلاَنٌ لاَ صَاحِبُ الدَّيْنِ : شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , فَهُوَ بَاطِلٌ 1211 - مَسْأَلَةٌ : وَرَهْنُ الْمَرْءِ حِصَّتَهُ مِنْ شَيْءٍ مُشَاعٍ مِمَّا يَنْقَسِمُ , أَوْ لاَ يَنْقَسِمُ عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ جَائِزٌ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مَشَاعًا مِنْ مَقْسُومٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ , وَابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَمَالِكٍ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ , وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَغَيْرِهِمْ. وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ : لاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ لاَ عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ ، وَلاَ عِنْدَ غَيْرِهِ. وَأَجَازُوا أَنْ يَرْهَنَ اثْنَانِ أَرْضًا مُشَاعَةً بَيْنَهُمَا عِنْدَ إنْسَانٍ وَاحِدٍ , وَمَنَعُوا مِنْ أَنْ يَرْهَنَ الْمَرْءُ أَرْضَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ دَايَنَهُمَا دَيْنًا وَاحِدًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ : أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَيْضًا : فَإِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ بَيْعَ الْمُشَاعِ جَائِزٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ , وَمَا لاَ يَنْقَسِمُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ إجَازَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لاَ يَنْقَسِمُ إِلاَّ مِنْ الشَّرِيكِ فِيهِ وَحْدَهُ , فَأَجَازَهُ لَهُ. وَهَذِهِ تَخَالِيطُ وَمُنَاقَضَاتٌ لاَ خَفَاءَ بِهَا وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا مَوَّهُوا بِهِ إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : لاَ يَصِحُّ الْقَبْضُ فِي الْمُشَاعِ. وَمِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّ الْبَيْعَ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَبْضِ , وَقَدْ أَجَازُوا الْبَيْعَ فِي الْمُشَاعِ , فَالْقَبْضُ عِنْدَهُمْ مُمْكِنٌ فِي الْمُشَاعِ حَيْثُ اشْتَهَوْا , وَهُوَ الْبَيْعُ , وَالْقَبْضُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْمُشَاعِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَهَوْا , وَهُوَ الرَّهْنُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَيُقَالُ لَهُمْ : كَمَا يُقْبَضُ فِي الْبَيْعِ كَذَلِكَ يُقْبَضُ فِي الرَّهْنِ ، وَلاَ فَرْقَ 1212 - مَسْأَلَةٌ : وَصِفَةُ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ : هُوَ أَنْ يُطْلِقَ يَدَهُ عَلَيْهِ , فَمَا كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ نَقَلَهُ إلَى نَفْسِهِ , وَمَا كَانَ مِمَّا لاَ يُنْقَلُ كَالدُّورِ , وَالأَرْضِينَ أُطْلِقَتْ يَدُهُ عَلَى ضَبْطِهِ , كَمَا يَفْعَلُ فِي الْبَيْعِ , وَمَا كَانَ مُشَاعًا كَانَ قَبْضُهُ لَهُ كَقَبْضِ صَاحِبِهِ لِحِصَّتِهِ مِنْهُ مَعَ شَرِيكِهِ , وَلاَ فَرْقَ وَلَوْ كَانَ الْقَبْضُ لاَ يَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ لَكَانَ الشَّرِيكَانِ فِيهِ غَيْرَ قَابِضَيْنِ لَهُ , وَلَوْ كَانَا غَيْرَ قَابِضَيْنِ لَهُ لَكَانَ مُهْمَلاً لاَ يَدَ لأََحَدِ عَلَيْهِ , وَهَذَا أَمْرٌ يُكَذِّبُهُ الدَّيْنُ , وَالْعِيَانُ : أَمَّا الدَّيْنُ : فَتَصَرُّفُهُمَا فِيهِ تَصَرُّفُ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ وَأَمَّا الْعِيَانُ : فَكَوْنُهُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مُدَّةٌ يَتَّفِقَانِ فِيهَا , أَوْ عِنْدَ مَنْ يَتَّفِقَانِ عَلَى كَوْنِهِ عِنْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1213 - مَسْأَلَةٌ : وَالرَّهْنُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَلاَ يَجُوزُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ : كَالْحُرِّ , وَأُمِّ الْوَلَدِ , وَالسِّنَّوْرِ , وَالْكَلْبِ , وَالْمَاءِ , لأََنَّهُ وَثِيقَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ لِيَنْتَصِف إنْ مَطَلَ , وَلاَ يُمْكِنُ الأَنْتِصَافُ لِلْغَرِيمِ إِلاَّ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 1214 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنَافِعُ الرَّهْنِ كُلُّهَا لاَ تَحَاشٍ مِنْهَا شَيْئًا لِصَاحِبِهِ الرَّاهِنِ لَهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الرَّهْنِ ، وَلاَ فَرْقَ حَاشَا رُكُوبِ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ , وَحَاشَا لَبَنِ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ , فَإِنَّهُ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ كَمَا ذَكَرْنَا إِلاَّ أَنْ يُضَيِّعَهُمَا فَلاَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا. وَيُنْفِقُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ : رُكُوبُ الدَّابَّةِ , وَلَبَنُ الْحَيَوَانِ , بِمَا أَنْفَقَ لاَ يُحَاسَبُ بِهِ مِنْ دَيْنِهِ كَثُرَ ذَلِكَ أَمْ قَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَحَكَمَ عليه السلام بِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ وَمِلْكُ الشَّيْءِ الْمُرْتَهَن بَاقٍ لِرَاهِنِهِ بِيَقِينِ وَبِإِجْمَاعِ لاَ خِلاَفَ فِيهِ , فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ , فَحَقُّ الرَّهْنِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ , وَلَمْ يُنْقَلُ مِلْكُ الرَّاهِنِ ، عَنِ الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ لاَ يُوجِبُ حُدُوثَ حُكْمٍ فِي مَنْعِهِ مَا لِلْمَرْءِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ بِذَلِكَ , فَلَهُ الْوَطْءُ , وَالأَسْتِخْدَامُ , وَالْمُؤَاجَرَةُ , وَالْخِيَاطَةُ , وَأَكْلُ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ , وَالْوَلَدُ الْحَادِثُ , وَالزَّرْعُ , وَالْعِمَارَةُ , وَالأَصْوَافُ الْحَادِثَةُ , وَالسُّكْنَى , وَسَائِرُ مَا لِلْمَرْءِ فِي مِلْكِهِ , إِلاَّ كَوْنَ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَطْ , بِحَقِّ الْقَبْضِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ , وَلاَ مَزِيدَ. وَأَمَّا الرُّكُوبُ , وَالأَحْتِلاَبُ خَاصَّةً , لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَى الْمَرْكُوبِ , وَالْمَحْلُوبِ : فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا , وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا , وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ : النَّفَقَةُ وَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الأَمْوَالِ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ , فَالرَّهْنُ بِلاَ شَكٍّ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَدَا الرَّاهِنِ , وَلِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الأَرْتِهَانِ , فَدَخَلَ بِهِ فِي هَذَا الْعُمُومِ وَخَرَجَ مِنْهُ مَنْ عَدَاهُ بِالنَّصِّ الآخَرِ. قال أبو محمد : وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَإِنَّهُ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ , وَالسُّنَنَ , وَالْمَعْقُولَ : أَمَّا الْقُرْآنُ , وَالسُّنَنُ فَمَنْعُهُ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ مَنَافِعِ مَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ فَقَدْ أَطْلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَطْءِ أَمَتِهِ , وَلَمْ يَخُصَّ غَيْرَ مَرْهُونَةٍ مِنْ مَرْهُونَةٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَقَالَ تَعَالَى لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ، وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَأَمَّا خِلاَفُ الْمَعْقُولِ : فَإِنَّنَا نَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا هَاهُنَا ، عَنِ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ أَتُؤَاجَرُ وَيُصْلِحُ مَا هِيَ فِيهَا , أَمْ تُهْمَلُ وَتَضِيعُ وَيَخْرُجُ الْمُسْتَأْجِرُ لَهَا عَنْهَا وَعَنِ الأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ , أَتُحْرَثُ وَتُزْرَعُ , أَمْ تُهْمَلُ وَتُضَاعُ وَعَنِ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ أَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيُسْتَغَلُّ , أَمْ يَضِيعُ حَتَّى يَهْلَكَ وَعَنِ الأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ لِمَنْ تَكُونُ غَلَّتُهَا فَإِنْ قَالُوا : إنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَضِيعُ : خَالَفُوا الإِجْمَاعَ , وَقِيلَ لَهُمْ : قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَإِنْ قَالُوا : لاَ يَضِيعُ قلنا : فَالْمَنَافِعُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الإِجَارَةِ وَاللَّبَنِ , وَالْوَلَدِ , وَالصُّوفِ , وَالثَّمَرَةِ لِمَنْ تَكُونُ فَإِنْ قَالُوا : تَكُونُ دَاخِلاً فِي الرَّهْنِ قلنا لَهُمْ : وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ إدْخَالُ مَالٍ مِنْ مَالِهِ فِي رَهْنٍ لَمْ يَتَعَاقَدَا قَطُّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلاً فِيهِ وَمَنْ أَمَرَ بِهَذَا فَلاَ سَمْعَ لَهُ ، وَلاَ طَاعَةَ ، وَلاَ نَعْمَى عَيْنٍ , لأََنَّهُ خِلاَفُ قَوْلِ النَّبِيِّ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَهَذَا تَحْرِيمُ مَالِهِ عَلَيْهِ وَإِبَاحَتُهُ لِغَيْرِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ. وَإِنْ قَالُوا : بَلْ هُوَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ قلنا : نَعَمْ , وَهَذَا قَوْلُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t مِنْ قَوْلِهِ مِثْلُ قَوْلِنَا : وَهُوَ ، أَنَّهُ قَالَ : صَاحِبُ الرَّهْنِ يَرْكَبُهُ , وَصَاحِبُ الدَّرِّ يَحْلُبُهُ , وَعَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ وَ، أَنَّهُ قَالَ : الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ , وَمَحْلُوبٌ بِعَلَفِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : فِيمَنْ ارْتَهَنَ شَاةً ذَاتَ لَبَنٍ قَالَ : يَشْرَبُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ لَبَنِهَا بِقَدْرِ ثَمَنِ عَلَفِهَا , فَإِنْ اسْتَفْضَلَ مِنْ اللَّبَنِ بَعْدَ ثَمَنِ الْعَلَفِ فَهُوَ رِبًا. قال أبو محمد : هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ إبْرَاهِيمَ لاَ نَقُولُ بِهَا , وَعُمُومُ قَوْلِ النَّبِيِّ r أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي عِمْرَانَ رحمه الله بِرَأْيِهِ. وَلاَ مُخَالِفَ لأََبِي هُرَيْرَةَ هَاهُنَا مِنْ الصَّحَابَةِ نَعْلَمُهُ. وقال الشافعي : جَمِيعُ مَنَافِعِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ كَمَا كَانَتْ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ بِذَلِكَ وَبِقَوْلِنَا فِي الرُّكُوبِ , وَالْحَلْبِ , إِلاَّ أَنَّهُ زَادَ الأَسْتِخْدَامَ ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ النَّصُّ , وَالْقِيَاسُ لاَ يُسْتَحَلُّ بِهِ الْمُحَرَّمُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَقَالَ إِسْحَاقُ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : لاَ يَنْتَفِعُ الرَّاهِنُ مِنْ الرَّهْنِ إِلاَّ بِالدَّرِّ وَهَذَا قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ إلَى أَجَلٍ فِي الدُّورِ , وَالأَرْضِينَ , وَكَرِهَ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ , وَالثِّيَابِ وَالْعَرُوضِ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهِ , وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ , وَشَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ , وَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ , وَمُنَاقَضَةٌ. وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِغَرِيبَةِ وَهُوَ ، أَنَّهُ قَالَ : هُوَ فِي الْعَرُوضِ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً فَقِيلَ لَهُ : وَهُوَ فِي الْعَقَارِ كَذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ مُؤَاجَرَةِ الرَّهْنِ , وَمِنْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ثُمَّ تَنَاقَضُوا مِنْ قُرْبٍ فَأَبَاحُوا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ , وَأَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهُ الْمُرْتَهِنُ , وَلَمْ يَرَوْهُ بِذَلِكَ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِتَعَرِّيه مِنْ الْبُرْهَانِ , وَلأََنَّنَا لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ : فَإِذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ لِلرَّاهِنِ كَمَا كَانَتْ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلرَّهْنِ قلنا : أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ : أَمَّا فِي الآخِرَةِ , فَالْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَالأَجْرُ , وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا , فَلأََنَّ الرَّاهِنَ إنْ مَطَلَ بِالإِنْصَافِ بِيعَ الرَّهْنُ وَتَعَجَّلَ الْمُرْتَهِنُ الأَنْتِصَافَ مِنْ حَقِّهِ , فَأَيُّ فَائِدَةٍ تُرِيدُونَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْفَائِدَةِ وَنَقُولُ لَهُمْ : أَنْتُمْ تُوَافِقُونَنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الْقَمْحُ بِالْقَمْحِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلِ , فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَهَذِهِ اعْتِرَاضَاتٌ بِسُوءِ الظَّنِّ بِصَاحِبِهَا وَلَيْسَ إِلاَّ الأَئْتِمَارُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ r . قَالَ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ مَنْ لاَ يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ r الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام : الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ فَقَالَ : هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ هُشَيْمٌ ، عَنْ زَكَرِيَّا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ r قَالَ : إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَفُهَا , وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهَا وَتُرْكَبُ قَالَ هَذَا الْجَاهِلُ الْمُقَدَّمُ : فَإِذْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا وَبِالنَّهْيِ ، عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً. قال أبو محمد : وَهَذَا كَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْجُرْأَةِ , أَوَّلُ ذَلِكَ : إنَّ هَذَا خَبَرٌ لَيْسَ مُسْنَدًا , لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَيْضًا : فَإِنَّ فِيهِ لَفْظًا مُخْتَلِفًا لاَ يُفْهَمُ أَصْلاً , وَهُوَ قَوْلُهُ : وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ نَفَقَتُهَا وَتُرْكَبُ , وَحَاشَا اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ لَنَا , وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الصَّائِغِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، عَنْ هُشَيْمٍ , فَالتَّخْلِيطُ مِنْ قِبَلِهِ , لاَ مِنْ قِبَلِ هُشَيْمٍ فَمَنْ فَوْقَهُ , لأََنَّ حَدِيثَ هُشَيْمٍ هَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ الَّذِي هُوَ أَحْفَظُ النَّاسِ لِحَدِيثِ هُشَيْمٍ وَأَضْبَطُهُمْ لَهُ فَقَالَ : ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ فِيمَا زَعَمَ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الرَّهْنُ يُرْكَبُ وَيُعْلَفُ , وَلَبَنُ الدَّرِّ إذَا كَانَ مَرْهُونًا يُشْرَبُ وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُهُ النَّفَقَةُ وَالْعَلَفُ. وَأَمَّا قَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ : فَإِذْ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ ، عَنِ الرِّبَا وَبِالنَّهْيِ ، عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً : فَقَدْ كَذَبَ , وَأَفِك , وَمَا لِلرِّبَا هَاهُنَا مَدْخَلٌ أَصْلاً وَلَوْ أَنَّهُمْ اتَّقُوا الرِّبَا لَمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ جِهَارًا إذْ أَبَاحُوا التَّمْرَتَيْنِ بِالأَرْبَعِ تَمَرَات , وَإِنْ كَانَتْ الأَرْبَعُ أَكْبَرَ جِسْمًا , وَأَثْقَلِ وَزْنًا. وَإِذْ أَبَاحَ بَعْضُهُمْ دِرْهَمًا فِيهِ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ بِدِرْهَمِ فِيهِ دِرْهَمٌ غَيْرُ ثَمَنٍ. وَإِذْ أَبَاحُوا كُلُّهُمْ أَلْفَ دِرْهَمٍ حَاضِرَةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ غَائِبَةٍ فِي الذِّمَّةِ. فَهَذَا هُوَ الرِّبَا حَقًّا لاَ انْتِفَاعُ الرَّاهِنِ بِمَالِهِ ، وَلاَ انْتِفَاعُ الْمُرْتَهِنِ بِالدَّرِّ , وَالرُّكُوبِ الْمُبَاحَيْنِ لَهُ بِالنَّصِّ مِنْ أَجْلِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَرْكُوبِ وَالْمَحْلُوبِ. وَقَالُوا أَيْضًا : قَدْ صَحَّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْتَفِعَ الرَّاهِنُ مِنْ رَهْنِهِ بِشَيْءِ قَالُوا : وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ , فَلَمْ يَتْرُكْهُ إِلاَّ لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُ. قال أبو محمد : وَهَذَا مِنْ أَسْخَفِ مَا يَأْتُونَ بِهِ , وَلَقَدْ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ فِي بِلاَدِهِمْ بَعْضَ الْعُذْرِ لَهُمْ , إذْ يَحْتَجُّونَ بِتَرْكِ الصَّاحِبِ لِمَا رُوِيَ حَتَّى أَتَوْنَا بِتَرْكِ السُّنَّةِ مِنْ أَجَلِ تَرْكِ الشَّعْبِيُّ لَهَا. وَقَدْ أَوْرَدْنَا أَخْذَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ , فَلَئِنْ مَشَوْا هَكَذَا , لِيَكُونَنَّ تَرْكُ مَالِكٍ لِلأَخْذِ بِمَا رُوِيَ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ فِي أَخْذِهِمْ بِهِ , وَلَيَكُونَنَّ تَرْكُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ الْحَدِيثِ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ فِي أَخْذِهِمْ بِهِ , وَهَكَذَا سُفْلاً حَتَّى يَكُونَ تَرْكُ كُلِّ أَحَدٍ لِلْحَدِيثِ ، عَنِ النَّبِيِّ r إذَا بَلَغَهُ حُجَّةً قَاطِعَةً فِي رَدِّهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ إبْلِيسَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ , وَلاَ كَرَامَةَ لأََحَدٍ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بَلْ هُوَ عليه السلام الْحُجَّةُ عَلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ. وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِمَنْ خَالَفَ مَا رُوِيَ ، عَنْ صَاحِبٍ فَمَنْ دُونَهُ مِنْ الأَئِمَّةِ خَاصَّةً أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ النِّسْيَانُ أَوْ التَّأْوِيلُ الَّذِي أَخْطَئُوا فِيهِ قَاصِدِينَ لِلْخَيْرِ , فَيُؤْجَرُونَ مَرَّةً وَاحِدَةً , وَأَمَّا مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا صَحَّ عِنْدَهُ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَإِنْ اعْتَقَدَ جَوَازَ مُخَالَفَتِهِ عليه السلام كَافِرٌ حَلاَلُ الدَّمِ وَالْمَالِ , وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ قَالَ تَعَالَى فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا قال أبو محمد : وَقَدْ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَشُرَيْحٍ : أَنْ لاَ يَنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءِ مِنْ الرَّهْنِ ، وَلاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ , لأََنَّهُ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ , وَعَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ. بَلْ قَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , وَالشَّعْبِيِّ : لاَ يَنْتَفِعُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءِ وَهَذَا صَحِيحٌ إنْ كَانُوا عَنَوْا الْمُرْتَهِنَ وَبِهِ نَقُولُ إِلاَّ الْحَلْبَ , وَالرُّكُوبَ إنْ أَنْفَقَ فَقَطْ , وَإِلَّا فَلاَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : نَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى رَاهِنِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ , لأََنَّهُ مَالُهُ , إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَالُوا : إنْ مَرِضَ الرَّقِيقُ الْمَرْهُونُ , أَوْ أَصَابَتْ الْعَبْدَ جِرَاحَةٌ , أَوْ دَبَّرَتْ الدَّوَابُّ الْمَرْهُونَةُ , فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ , وَقِيمَةُ الرَّهْنِ سَوَاءً , فَالْعِلاَجُ كُلُّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ , وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَالْعِلاَجُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِحِسَابِ ذَلِكَ. وَهَذَا كَلاَمٌ يُشْبِهُ الْهَذَيَانَ إِلاَّ أَنَّهُ أَسْوَأُ حَالاً مِنْ الْهَذَيَانِ , لأََنَّهُ عَلَى حُكْمٍ فِي الدَّيْنِ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ , وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهَا بِقُرْآنِ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ بِرِوَايَةِ ضَعِيفَةٍ , وَلاَ بِقِيَاسِ , وَلاَ بِرَأْيِ سَدِيدٍ , وَلاَ بِقَوْلِ مُتَقَدِّمٍ. 1215 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ مَاتَ الرَّهْنُ , أَوْ تَلِفَ , أَوْ أَبِقَ , أَوْ فَسَدَ , أَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فَحَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا , أَوْ أَعْتَقَهَا , أَوْ بَاعَ الرَّهْنَ , أَوْ وَهَبَهُ , أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ , أَوْ أَصْدَقَهُ : فَكُلُّ ذَلِكَ نَافِذٌ , وَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ كُلُّهُ بِحَسْبِهِ , وَلاَ يُكَلَّفُ الرَّاهِنُ عِوَضًا مَكَانَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ يُكَلَّفُ الْمُعْتَقُ ، وَلاَ الْحَامِلُ اسْتِسْعَاءً , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ لاَ شَيْءَ لَهُ مِنْ أَيْنَ يُنْصِفُ غَرِيمَهُ غَيْرَهُ , فَيَبْطُلُ عِتْقُهُ ; وَصَدَقَتُهُ , وَهِبَتُهُ ، وَلاَ يَبْطُلُ بَيْعُهُ ، وَلاَ إصْدَاقُهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ الضَّبِّيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ رَهَنَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَالَ : الْعِتْقُ جَائِزٌ , وَيَتْبَعُ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ , قَالَ يَحْيَى : وَسَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ يَقُولُ فِيمَنْ رَهَنَ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ : الْعِتْقُ جَائِزٌ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ ثَبَتَ فَلاَ يُبْطِلُهُ شَيْءٌ إِلاَّ نَصُّ قُرْآنٍ , أَوْ سُنَّةٍ , فَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِ إبْطَالِهِ فِيهِمَا. وَلاَ يَجُوزُ تَكْلِيفُ عِوَضٍ ، وَلاَ اسْتِسْعَاءٍ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ ، وَلاَ رَسُولُهُ r وَالذِّمَمُ بَرِيئَةٌ إِلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ , أَوْ سُنَّةٍ. فأما الْعِتْقُ , وَالْبَيْعُ , وَالْهِبَةُ , وَالإِصْدَاقُ , وَالصَّدَقَةُ ; فَإِنَّ الرَّهْنَ مَالُ الرَّاهِنِ بِلاَ خِلاَفٍ : وَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ مُبَاحَةٌ لِلْمَرْءِ فِي مَالِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , وَالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ , إِلاَّ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ r : كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَقَوْلِهِ : الصَّدَقَةُ ، عَنْ ظَهْرِ غِنًى. فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الأَرْتِهَانَ يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ , وَدَعْوَاهُ فَاسِدَةٌ إذْ لاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ , بِتَصْحِيحِ دَعْوَاهُ. قَالَ تَعَالَى قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ : فَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , وَأَبُو ثَوْرٍ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : الْعِتْقُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : إنْ كَانَ مُوسِرًا نَفَذَ عِتْقُهُ وَكُلِّفَ قِيمَةً يَجْعَلُهَا رَهْنًا مَكَانَهُ , وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ. وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ : الْعِتْقُ نَافِذٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ , فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا كُلِّفَ قِيمَتَهُ تَكُونُ رَهْنًا , وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا لَمْ يُكَلَّفْ قِيمَتَهُ , وَلاَ كُلِّفَ الْعَبْدُ اسْتِسْعَاءً وَنَفَذَ الْعِتْقُ. وقال أبو حنيفة : الْعِتْقُ نَافِذٌ بِكُلِّ حَالٍ , ثُمَّ قَسَّمَ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا. وقال الشافعي : إنْ رَهَنَ أَمَةً لَهُ فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ , فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَكُلِّفَ رَهْنًا آخَر مَكَانَهَا , وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا , فَمَرَّةً قَالَ : تَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ ، وَلاَ يُكَلَّفُ رَهْنًا مَكَانَهَا ، وَلاَ تُكَلَّفُ هِيَ شَيْئًا وَمَرَّةً قَالَ : تُبَاعُ إذَا وَضَعَتْ ، وَلاَ يُبَاعُ الْوَلَدُ , وَتَكْلِيفُ رَهْنٍ آخَر : وَالتَّفْرِيقُ هَاهُنَا بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعَسِّر , وَبَيْعِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا دُونَ وَلَدِهَا أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : هِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ , وَلاَ يُكَلَّفُ لاَ هُوَ ، وَلاَ هِيَ شَيْئًا سَوَاءٌ مُعَسِّرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا. وَرُوِّينَا ، عَنْ قَتَادَةَ : أَنَّهَا تُبَاعُ هِيَ , وَيُكَلَّفُ سَيِّدُهَا أَنْ يُفْتِك وَلَدَهُ مِنْهَا. قال أبو محمد : افْتِكَاكُ الْوَلَدِ لاَ نَدْرِي وَجْهَهُ , وَلَئِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَلأََيِّ مَعْنَى يُكَلَّفُ وَالِدُهُ افْتِكَاكَهُ وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلِمَ يُبَاعُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى افْتِكَاكِهِ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ : أَنَّهَا تُسْتَسْعَى وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا أُعْتِقَ. قال أبو محمد : وَهَذَا عَجَبٌ : وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ حَلَّ أَخْذُ مَالِهِمَا وَتَكْلِيفِهِمَا غَرَامَةً لَمْ يُكَلِّفْهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ إيَّاهَا , وَلاَ رَسُولُهُ r وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا شِرْكًا لِلْمُرْتَهِنِ فَيُسْتَسْعَى لَهُ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ : إنْ كَانَ مُوسِرًا كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِقِيمَتِهَا فَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا وَتَخْرُجُ هِيَ مِنْ الرَّهْنِ , وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ إلَيْهِ وَتَأْتِيه فَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ , وَلاَ تُتْبَعُ بِغَرَامَةٍ ، وَلاَ يُكَلَّفُ هُوَ رَهْنًا مَكَانَهَا , وَلَكِنْ يُتْبَعُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَقَطْ , وَإِنْ كَانَ تَسَوَّرَ عَلَيْهَا بِيعَتْ هِيَ وَأُعْطِيَ هُوَ وَلَدَهُ مِنْهَا. قال أبو محمد : فِي هَذَا الْقَوْلِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ مِنْ الْخَطَإِ : وَهِيَ : تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمُعْسِرِ , وَالْمُوسِرِ , فِي ذَلِكَ وَالْحَقُّ عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ. وَتَكْلِيفُهُ إحْضَارَ قِطْعَةٍ مِنْ مَالِهِ لِتُرْهَنَ لَمْ يَعْقِدْ قَطُّ فِيهَا رَهْنًا. وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ خُرُوجِهَا إلَى سَيِّدِهَا وَبَيْنَ تَسَوُّرِهِ عَلَيْهَا. وَهُمَا آمِنَةٌ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ , وَهِيَ مَرْهُونَةٌ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَبَيْعِهِ إيَّاهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ , وَإِخْرَاجِهِ وَلَدَهَا مِنْ حُكْمِ الرَّهْنِ بِلاَ تَكْلِيفِ عِوَضٍ بِخِلاَفِ الأُُمِّ , وَكِلاَهُمَا عِنْدَهُ لاَ يَجُوزُ رَهْنُهُمَا. وَكُلُّ هَذِهِ أَوْجُهٌ فَاحِشَةُ الْخَطَإِ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا فِيهَا بِقُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ , وَلاَ دَلِيلٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ نَعَمْ , وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ. وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ إنْ حَمَلَتْ فَأَقَرَّ بِحَمْلِهَا , فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَكُلِّفَ قَضَاءَ الدَّيْنِ إنْ كَانَ حَالًّا , أَوْ كُلِّفَ رَهْنًا بِقِيمَتِهَا إنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ. فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كُلِّفَتْ أَنْ تُسْتَسْعَى فِي الدَّيْنِ الْحَالِ بَالِغًا مَا بَلَغَ , وَلاَ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى سَيِّدِهَا , وَلاَ يُكَلَّفُ وَلَدُهَا سِعَايَةً , فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ كُلِّفَتْ أَنْ تُسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا فَقَطْ , فَجَعَلَتْ رَهْنًا مَكَانَهَا , فَإِذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ كُلِّفَتْ مِنْ ذِي قَبْلِ أَنْ تُسْتَسْعَى فِي بَاقِي الدَّيْنِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا. قَالُوا : فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ اسْتَلْحَقَ وَلَدَهَا بَعْدَ وَضْعِهَا لَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ قَسَّمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ ارْتَهَنَهَا , وَعَلَى قِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ اُسْتُلْحِقَ , فَمَا أَصَابَ الأُُمَّ سَعَتْ فِيهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِلْمُرْتَهِنِ , وَلَمْ تَرْجِعْ بِهِ عَلَى سَيِّدِهَا , وَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ سَعَى فِي الأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَتِهِ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى أَبِيهِ وَيَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ كُلَّ ذَلِكَ. قَالُوا : فَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ فِيهِ الْعِتْقُ , وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ. فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا كُلِّفَ غُرْمَ الدَّيْنِ. فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ كُلِّفَ السَّيِّدُ قِيمَةَ الْعَبْدِ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ. فَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ فِي الأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الدَّيْنِ , وَرَجَعَ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ , وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِبَاقِي دَيْنِهِ. قال أبو محمد : إنَّ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ لَعِبْرَةً لِمَنْ اعْتَبَرَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ وَإِنَّ مِنْ الْعَجَبِ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ مَا تُسْتَسْعَى فِيهِ الأُُمُّ وَبَيْنَ مَا يُسْتَسْعَى فِيهِ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ , وَبَيْنَ مَا يُسْتَسْعَى فِيهِ الْوَلَدُ وَهُوَ عِنْدَهُ حُرٌّ لاَحِقُ النَّسَبِ فَمَا بَالُ أَمَةٍ خَرَجَتْ أُمَّ وَلَدٍ مِنْ سَيِّدِهَا بِوَطْءِ مُبَاحٍ. وَمَا بَالُ إنْسَانٍ حُرٍّ ابْنِ حُرٍّ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ. وَمَا بَالُ عَبْدٍ عَتَقَ يُكَلَّفُونَ الْغَرَامَات دُونَ جِنَايَةٍ جَنَوْهَا ، وَلاَ ذَنْبٍ اقْتَرَفُوهُ فَتُسْتَبَاحُ أَمْوَالُهُمْ بِالْبَاطِلِ , وَيُكَلَّفُونَ مَا لَمْ يُكَلِّفْهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَطُّ ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام , وَلاَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يُكَلِّفُونَهُمْ مَا ذَكَرْنَا , وَيُسَلِّمُونَ صَاحِبَ الْجِنَايَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ الْغَرَامَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ. وَكُلُّ مَا يَدْخُلُ عَلَى مَالِكٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إِلاَّ فَرْقَ مَالِكٍ بَيْنَ خُرُوجِهَا إلَيْهِ وَبَيْنَ تُسَوِّرهُ عَلَيْهَا. وَيَزِيدُ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الدَّيْنِ الْحَالِ وَالْمُؤَجَّلِ فِي ذَلِكَ وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ مَا تُكَلَّفُهُ الأُُمُّ وَبَيْنَ مَا يُكَلَّفُهُ الْوَلَدُ. وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ إقْرَارِهِ بِالْحَمْلِ وَبَيْنَ إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ بَعْدَ الْوَضْعِ فِيمَا يُكَلَّفُهُ مِنْ الأَسْتِسْعَاءِ فِي الْحَالَيْنِ. وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ مَا تُكَلَّفُهُ أُمُّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ مَا يُكَلَّفُهُ الْعَبْدُ بِعِتْقِ. وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الرُّجُوعِ مَرَّةً عَلَى السَّيِّدِ بِمَا غَرِمَ الْغَارِمُ مِنْهُمْ وَبَيْنَ مَنْعِهِمْ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ مَرَّةً بِذَلِكَ. وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ : إنَّ الْوَلَدَ يُسْتَسْعَى , فَلَيْتَ شِعْرِي إلَى مَتَى بَقِيَ هَذَا الدَّيْنُ الْمَسْخُوطُ حَتَّى وُلِدَ الْمَحْمُولُ بِهِ , وَحَتَّى فُطِمَ , وَكَبِرَ , وَبَلَغَ , وَتَصَرَّفَ أَفَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ مَاذَا يَكُونُ كُلُّ هَذَا بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُمْ , وَلاَ قِيَاسٍ أَصْلاً , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ مَا مِثْلُ عُقُولٍ أَنْتَجَتْ هَذِهِ الأَقْوَالَ بِمَأْمُونَةِ عَلَى تَدْبِيرِ نَوَاةٍ مُحْرِقَة , فَكَيْفَ عَلَى التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ وَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا لَعَظِيمَةٌ فِي تَوْفِيقِهِ لَنَا إلَى اتِّبَاعِ كِتَابِهِ , وَسُنَنِ رَسُولِهِ r . وَلاَ يُمَوِّهُونَ بِأَنْ يَقُولَ : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الأَسْتِسْعَاءِ الثَّابِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يَعْتِقُهُ سَيِّدُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ , فَإِنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي عَبْدٍ يَمْلِكُهُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ هَاهُنَا مَالُك غَيْرَ الْمُعْتِقِ عَبْدَهُ وَالْمُوَلِّدِ أَمَتَهُ. وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لأََنَّهُ قِيَاسُ حُكْمٍ عَلَى مَا لاَ يُشْبِهُهُ , وَعَلَى مَا لَيْسَ مِنْهُ فِي وُرُودٍ ، وَلاَ فِي صَدْرٍ قال أبو محمد : ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ عِتْقِهِ وَهِبَتِهِ وَبَيْعِهِ وَإِصْدَاقِهِ , إذْ أَجَزْتُمْ الْبَيْعَ بِغَيْرِ إجْمَاعٍ , وَمَنَعْتُمْ مِنْ سَائِرِ ذَلِكَ وَأَمَّا هَلاَكُ الرَّهْنِ بِغَيْرِ فِعْلِ الرَّاهِنِ ، وَلاَ الْمُرْتَهِنِ , فَلِلنَّاسِ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ : قَالَتْ طَائِفَةٌ : يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ : تَفْسِيرُ ذَلِكَ : أَنَّ الرَّهْنَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقِيمَةُ الدَّيْنِ سَوَاءً , فَقَدْ سَقَطَ الدَّيْنُ ، عَنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ. فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ سَقَطَ الدَّيْنُ بِمِقْدَارِهِ مِنْ الرَّهْنِ وَكُلِّفَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الرَّاهِنِ مِقْدَارَ مَا كَانَ تَزِيدُهُ قِيمَةُ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ الدَّيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِهِ وَأَدَّى الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَضْلَ مَا زَادَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ , وَقَتَادَةَ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : يَتَرَاجَعَانِ الْفَضْلَ يَعْنِي فِي الرَّهْنِ يَهْلَكُ. وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ , وَأَبِي عُبَيْدٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الدَّيْنِ أَوْ مِثْلَهَا فَقَدْ بَطَلَ الدَّيْنُ كُلُّهُ , وَلاَ غَرَامَةَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي زِيَادَةِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ الدَّيْنِ , فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الدَّيْنِ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَأَدَّى الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ مَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ : رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : وَمِنْ طَرِيق قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ ، عَنْ عَلِيٍّ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إدْرِيسَ الأَوْدِيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : مِثْلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَقَتَادَةَ . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : ذَهَبَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ كَقِيمَةِ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا تَلِفَ سَقَطَ الدَّيْنُ ، وَلاَ يَغْرَمُ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ شَيْئًا صَحَّ هَذَا ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَشُرَيْحٍ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ وَصَحَّ عَنْ طَاوُوسٍ فِي الْحَيَوَانِ يَرْتَهِن وَرُوِّينَا ، عَنِ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ فِيمَنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا فَأَعْوَرَ عِنْدَهُ قَالاَ : ذَهَبَ بِنِصْفِ دَيْنِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَخْفَى كَالثِّيَابِ , وَنَحْوِهَا , فَضَمَانُ مَا تَلِفَ مِنْهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِحَسَبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ بِكَمَالِهِ , وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَظْهَرُ كَالْعَقَارِ , وَالْحَيَوَانِ , فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَدَيْنُهُ بَاقٍ بِكَمَالِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَخْفَى أَوْ مِمَّا لاَ يَخْفَى لاَ ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَصْلاً وَدَيْنُهُ بَاقٍ بِكَمَالِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَا قَتَادَةَ ، عَنْ خِلاَسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الرَّهْنِ : يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فَإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ بَرِئَ فَصَحَّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يَرَ تُرَاد الْفَضْلِ إِلاَّ فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُرْتَهِنِ لاَ فِيمَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ , بَلْ رَأَى الْبَرَاءَةَ لَهُ مِمَّا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ ، أَنَّهُ قَالَ : الرَّهْنُ وَثِيقَةٌ إنْ هَلَكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ يَأْخُذُ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ كُلُّهُ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّهْنِ يَهْلَكُ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَقُّ هَذَا إنَّمَا هَلَكَ مِنْ رَبِّ الرَّهْنِ لَهُ غَنَمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ. قال أبو محمد : أَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ مَا يَخْفَى وَبَيْنَ مَا لاَ يَخْفَى : فَقَوْلٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ فَسَقَطَ , وَإِنَّمَا بَنَوْهُ عَلَى التُّهْمَةِ ; وَالتُّهْمَةُ ظَنٌّ كَاذِبٌ يَأْثَمُ صَاحِبُهُ ، وَلاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ , وَالتُّهْمَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى أَحَدٍ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخَبَرِ مُرْسَلٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ , لاَ يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِمَّنْ رُهِنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ. وَقَالُوا : قَدْ أَجْمَعْ الصِّحَابَةُ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ , وَالْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِيمَا زَادَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ دَيْنِهِ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْمُرْتَهِنَ أَمِينٌ فِيمَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ دَيْنِهِ , فَدَعْوَى فَاسِدَةٌ , وَتَفْرِيقٌ بِلاَ دَلِيلٍ , وَمَا هُوَ إِلاَّ أَمِينٌ فِي الْكُلِّ أَوْ غَيْرُ أَمِينٍ فِي الْكُلِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : أَجْمَعَ الصِّحَابَةُ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ , فَقَوْلٌ جَرَوْا فِيهِ عَلَى عَادَتِهِمْ الْخَفِيفَةِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى الصَّحَابَةِ بِلاَ مُؤْنَةٍ. وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ هَلْ جَاءَ فِي هَذَا كَلِمَةٌ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إِلاَّ ، عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ , وَابْنِ عُمَرَ فَقَطْ. فأما عُمَرُ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ ذَلِكَ , لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَعُبَيْدٍ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ أَوْ أَدْرَكَهُ صَغِيرًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلاَ يَصِحُّ عَنْهُ ; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَمُخْتَلَفٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ , وَأَصَحُّ الرِّوَايَات عَنْهُ إسْقَاطُ التَّضْمِينِ فِيمَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ , فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُمْ قَدْ خَالَفُوا الإِجْمَاعَ , لأََنَّهُمْ لاَ يُضَمِّنُونَ بَعْضَ الرَّهْنِ وَهُوَ مَا زَادَ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى قِيمَةِ الدَّيْنِ فَهَذَا حُكْمُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوا فَمُرْسَلٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً , لأََنَّهُ لاَ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ قَوْلِهِمْ ، وَلاَ تَقْسِيمِهِمْ , وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ لَوْ صَحَّ هُوَ أَنَّ قَوْلَ لاَ يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِمَّنْ رُهِنَهُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ , لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ , فَوَجَبَ ضَمَانُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَلاَ بُدَّ بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ. وَقَوْلَهُ لاَ يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ إنْ كَانَ أَرَادَ بِصَاحِبِهِ مَالِكَهُ , وَهُوَ الأَظْهَرُ , فَهُوَ يُوجِبُ أَنَّ خَسَارَتَهُ مِنْهُ , وَلاَ يَضْمَنُهُ لَهُ الْمُرْتَهِنُ , وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِصَاحِبِهِ الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ يُوجِبُ ضَمَانَهُ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ , فَصَارَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ بِكُلِّ وَجْهٍ , وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ , وَنَقُولُ لَهُمْ : فِي أَيِّ الأُُصُولِ وَجَدْتُمْ شَيْئًا وَاحِدًا رَهْنًا كُلَّهُ ، عَنْ دَيْنٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ مَضْمُونٌ وَبَعْضُهُ أَمَانَةٌ وَأَنْتُمْ تَرُدُّونَ السُّنَنَ بِخِلاَفِهَا بِالأُُصُولِ بِزَعْمِكُمْ ثُمَّ تُخَالِفُونَهَا جِهَارًا بِلاَ نَصٍّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ " يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ " فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّهْنُ مَكَانَ الدَّيْنِ تَقَاصَّا فِيهِ , وَهَذَا رَأْيٌ , وَالدِّينُ لاَ يُؤْخَذُ بِالآرَاءِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ " ذَهَبَتْ الرُّهُونُ بِمَا فِيهَا " فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخَبَرِ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلاً رَهَنَ فَرَسًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ذَهَبَ حَقُّكَ. قال أبو محمد : هَذَا مُرْسَلٌ , وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. قال أبو محمد : فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ , فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ , فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ الأَنْطَاكِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ ، حَدَّثَنَا نَضْرُ بْنُ عَاصِمٍ الأَنْطَاكِيُّ ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، عَنْ وَرْقَاءَ ، حَدَّثَنَا أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يُغْلَقُ الرَّهْنُ , الرَّهْنُ لِمَنْ رُهِنَهُ , لَهُ غُنْمُهُ , وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ. فَهَذَا مُسْنَدٌ مِنْ أَحْسَنِ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ , وَادَّعَوْا أَنَّ أَبَا عُمَرَ الْمُطَرِّزَ غُلاَمَ ثَعْلَبٍ , قَالَ : أَخْطَأَ مَنْ قَالَ : إنَّ الْغُرْمَ الْهَلاَكُ. قال أبو محمد : وَقَدْ صَحَّ فِي ذَمِّ قَوْمٍ فِي الْقُرْآنِ قوله تعالى : وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا. أَيْ يَرَاهُ هَالِكًا بِلاَ مَنْفَعَةٍ , فَالْقُرْآنُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ الْمُطَرِّزِ قال أبو محمد : وَوَجَدْنَا النَّبِيَّ r قَدْ قَالَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَلَمْ يُحِلَّ لِغَرِيمِ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا , وَلاَ أَنْ يَضْمَنَ الرَّهْنَ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي تَضْمِينِهِ إِلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى فِيهِ , أَوْ بِأَنْ يُضَيِّعَهُ فَيَضْمَنَهُ حِينَئِذٍ بِاعْتِدَائِهِ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ. وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ قَدْ وَجَبَ فَلاَ يُسْقِطُهُ ذَهَابُ الرَّهْنِ. فَصَحَّ يَقِينًا مِنْ هَذَيْنِ الأَصْلَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ بِالْقُرْآنِ , وَالإِجْمَاعِ , وَالسُّنَّةِ : أَنَّ هَلاَكَ الرَّهْنِ مِنْ الرَّاهِنِ , وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ , وَأَنَّ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ بَاقٍ بِحَسْبِهِ لاَزِمٌ لِلرَّاهِنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَا تَوَلَّدَ مِنْ الرَّهْنِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ : أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَضَى فِيمَنْ ارْتَهَنَ أَرْضًا فَأَثْمَرَتْ , فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مِنْ الرَّهْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُوسٍ : أَنَّ فِي كِتَابِ مُعَاذٍ " مَنْ ارْتَهَنَ أَرْضًا فَهُوَ يَحْتَسِبُ ثَمَرَهَا لِصَاحِبِ الرَّهْنِ ". قال أبو محمد : الْحُكْمَانِ مُتَضَادَّانِ , وَهُمَا قَوْلاَنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الثَّمَرَةَ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ وَالآخَرُ : أَنَّهَا مِنْ الرَّهْنِ. وقال أبو حنيفة : الْوَلَدُ , وَالْغَلَّةُ , وَالثَّمَرَةُ , رَهْنٌ مَعَ الأُُصُولِ. ثُمَّ تَنَاقَضُوا , فَقَالُوا : إنْ هَلَكَ الْوَلَدُ , وَالْغَلَّةُ , وَالثَّمَرَةُ : لَمْ يَسْقُطْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ , الدَّيْنِ شَيْءٌ , وَإِنْ هَلَكَ الأَصْلُ , وَالأُُمُّ , وَالشَّجَرُ : قُسِّمَ الدَّيْنَ عَلَى ذَلِكَ , وَعَلَى النَّمَاءِ , فَمَا وَقَعَ لِلأَصْلِ سَقَطَ , وَمَا وَقَعَ لِلنَّمَاءِ بَقِيَ. قال أبو محمد : وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ , لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ رَهْنٌ عِنْدَهُمْ , ثُمَّ خَالَفُوا بَيْنَ أَحْكَامِهَا بِلاَ بُرْهَانٍ. وقال مالك : أَمَّا الْوَلَدُ فَدَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ , وَأَمَّا الْغَلَّةُ وَالثَّمَرَةُ , فَخَارِجَانِ مِنْ الرَّهْنِ وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ جِدًّا بِلاَ بُرْهَانٍ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّ الْوَلَدَ بَعْضُ الأُُمِّ قلنا : كَذَبَ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَكَيْف يَكُونُ بَعْضَهَا , وَقَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى , وَيَكُونُ مُسْلِمًا , وَهِيَ كَافِرَةٌ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : وَالثَّمَرَةُ أَيْضًا بَعْضُ الشَّجَرِ دَعْوَى كَدَعْوَى. وقال الشافعي : كُلُّ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الأَصْلِ , وَلاَ يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَقُّ , لأََنَّ الرَّهْنَ هُوَ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ الصَّفْقَةَ , لاَ مَا لَمْ يَتَعَاقَدَاهَا عَلَيْهِ , وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا شَيْءٌ لَمْ يَتَعَاقَدَا الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ , فَكُلُّهُ غَيْرُ الأَصْلِ , وَكُلُّهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الأَصْلِ , فَكُلُّهُ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1216 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الرَّهْنُ وَوَجَبَ رَدُّ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ , وَحُلَّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ , وَلاَ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِثَمَنِ الرَّهْنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حِينَئِذٍ , وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا فَإِذَا مَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّمَا كَانَ حَقُّ الرَّهْنِ لَهُ , لاَ لِوَرَثَتِهِ ، وَلاَ لِغُرَمَائِهِ , وَلاَ لأََهْلِ وَصِيَّتِهِ , وَإِنَّمَا تُورَثُ الأَمْوَالُ لاَ الْحُقُوقُ الَّتِي لَيْسَتْ أَمْوَالاً : كَالأَمَانَاتِ , وَالْوَكَالاَت , وَالْوَصَايَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِمَوْتِهِ وَجَبَ رَدُّ الرَّهْنِ إلَى صَاحِبِهِ. وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ فَإِنَّمَا كَانَ عَقْدُ الْمُرْتَهِنِ مَعَهُ لاَ مَعَ وَرَثَتِهِ , وَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ الرَّاهِنِ ، عَنِ الرَّهْنِ بِمَوْتِهِ , وَانْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ إلَى غُرَمَائِهِ , وَهُوَ أَحَدُ غُرَمَائِهِ , أَوْ إلَى أَهْلِ وَصِيَّتِهِ ، وَلاَ عَقْدَ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَهُمْ , وَلاَ يَجُوزُ عَقْدُ الْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ كَاسِبًا عَلَيْهِمْ , فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَتَاعِهِمْ إلَيْهِمْ , وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا حُجَّةً أَصْلاً : وَرُوِّينَا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ رَهَنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَمَاتَ : أَنَّ الرَّهْنَ لَهُ أَيْ لِوَرَثَتِهِ , قَالَ : الْحَكَمُ هُوَ لِلْغُرَمَاءِ. 1217 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ ارْتَهَنَ شَيْئًا فَخَافَ فَسَادَهُ كَعَصِيرِ خِيفَ أَنْ يَصِيرَ خَمْرًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ فَيَبِيعَهُ وَيُوقِفَ الثَّمَنَ لِصَاحِبِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ يُنْصِفَ مِنْهُ الْغَرِيمَ الْمُرْتَهِنَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَصْرِفَ الثَّمَنَ إلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلاً , فَإِنْ لَمْ يُمَكِّنْهُ السُّلْطَانُ فَلْيَفْعَلْ هُوَ مَا ذَكَرْنَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ r عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ , وَلأََنَّ ثَمَنَ الرَّهْنِ هُوَ غَيْرُ الرَّهْنِ , وَإِنَّمَا عَقْدُهُ فِي الرَّهْنِ لاَ فِي ثَمَنِهِ , وَإِنَّمَا ثَمَنُهُ مَالٌ مِنْ مَالِ مَالِكِهِ كَسَائِرِ مَالِهِ ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.