محلى ابن حزم - المجلد الثالث4

بسم الله الرحمن الرحيم كِتَابُ الأَطْعِمَةِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ 989 مُكَرَّرٌ - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ , لاَ لَحْمِهِ , وَلاَ شَحْمِهِ , وَلاَ جِلْدِهِ , وَلاَ عَصَبِهِ , وَلاَ غُضْرُوفِهِ , وَلاَ حَشْوَتِهِ , وَلاَ مُخِّهِ , وَلاَ عَظْمِهِ , وَلاَ رَأْسِهِ , وَلاَ أَطْرَافِهِ , وَلاَ لَبَنِهِ , وَلاَ شَعْرِهِ الذَّكَرُ وَالأُُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ ، وَلاَ يَحِلُّ الأَنْتِفَاعُ بِشَعْرِهِ لاَ فِي خَرَزٍ , وَلاَ فِي غَيْرِهِ. وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ ، وَلاَ اسْتِعْمَالُهُ مَسْفُوحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَسْفُوحٍ إِلاَّ الْمِسْكُ وَحْدَهُ , وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ ، وَلاَ مَا قُتِلَ مِنْهُ بِغَيْرِ الذَّكَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا , إِلاَّ الْجَرَادُ وَحْدَهُ , فَإِنْ خُنِقَ شَيْءٌ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ ضُرِبَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ , أَوْ سَقَطَ مِنْ عُلْوٍ فَمَاتَ , أَوْ نَطَحَهُ حَيَوَانٌ آخَرُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ , وَلاَ مَا قَتَلَهُ السَّبُعُ أَوْ حَيَوَانٌ آخَرُ حَاشَا الصَّيْدِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ أُدْرِكَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا حَيًّا فَذُكِّيَ فَهُوَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ. وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ حَيَوَانٍ ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ فَحَرَّمَ تَعَالَى كُلَّ مَا ذَكَرْنَا وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ بِالإِبَاحَةِ كُلُّ مَا ذَكَّيْنَا ، وَلاَ تَقْتَضِي الآيَةُ غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَهَهُنَا قَوْلاَنِ لِبَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ , أَحَدُهُمَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ بِالْحَيَوَانِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مَبْلَغًا يُوقَنُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ , وَإِنْ ذُكِّيَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَهُوَ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا عَرَفَ أَنَّهُ يَمُوتُ مِمَّا أَصَابَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ الذَّكَاةِ حَرُمَ أَكْلُهُ وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ الذَّكَاةِ قَبْلَ مَوْتِهِ مِمَّا أَصَابَهُ حَلَّ أَكْلُهُ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخِلاَفٌ لِلآيَةِ ظَاهِرٌ , وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ الْمُزَنِيّ أَيْضًا وَسَنَسْتَقْصِي هَذَا فِي كِتَابِ الذَّكَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَأَمَّا الدَّمُ فَإِنَّ قَوْمًا حَرَّمُوا الْمَسْفُوحَ وَحْدَهُ , وَهُوَ الْجَارِي , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ قَالُوا : فَإِنَّمَا حَرَّمَ الْمَسْفُوحَ فَقَطْ. قال أبو محمد : وَهَذَا اسْتِدْلاَلٌ مِنْهُمْ مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لأََنَّ الآيَةَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَالآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَا نَحْنُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ مِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَ فَحَرَّمَ فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ بِمَكَّةَ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ ثُمَّ حَرَّمَ بِالْمَدِينَةِ الدَّمَ كُلَّهُ جُمْلَةً عُمُومًا فَمَنْ لَمْ يُحَرِّمْ إِلاَّ الْمَسْفُوحَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الآيَةِ الأُُخْرَى وَمَنْ حَرَّمَ الدَّمَ جُمْلَةً فَقَدْ أَخَذَ بِالآيَتَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ حَرَّمَ بَعْدَ تِلْكَ الآيَةِ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ فِيهَا كَالْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَبَ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا جَاءَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ بَعْدَ تِلْكَ الآيَةِ وَالدَّمُ جُمْلَةً مِمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُهُ بَعْدَ تِلْكَ الآيَةِ. نَا أَبُو سَعِيدٍ الْفَتَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ حَدَّثَنِي يَمُوتُ بْنُ المزرع نَا أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ نَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَمْرِو بْنِ الْعَلاَءِ قَالَ : سَأَلْت مُجَاهِدًا ، عَنْ تَلْخِيصِ آيِ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ مِنْ الْمَكِّيِّ فَقَالَ : سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : سُورَةُ الأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلاَّ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلَى تَمَامِ الثَّلاَثِ الآيَاتِ. قال أبو محمد : هِيَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ، وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ ، عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. فَهَذِهِ الثَّلاَثُ الآيَاتُ هِيَ الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنْهَا فِي الْمَدِينَةِ وَسَائِرُهَا بِمَكَّةَ , وَسُورَةُ الْمَائِدَةِ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ , ( فَإِنْ ذَكَرُوا ) مَا رُوِيَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سُئِلَتْ ، عَنِ الدَّمِ يَكُونُ فِي أَعْلَى الْقِدْرِ فَلَمْ تَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَرَأَتْ قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ حَتَّى بَلَغَتْ ( مَسْفُوحًا ) فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَارَضَهُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ جُرَيِّ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ : قَالَتْ لِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ قُلْت : نَعَمْ قَالَتْ : أَمَا إنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَرَامًا فَحَرِّمُوهُ. قال أبو محمد : وَأَيْضًا فَإِنَّ الدَّمَ الَّذِي فِي أَعْلَى الْقِدْرِ إنْ كَانَ أَحْمَرَ ظَاهِرًا فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ مَسْفُوحٌ . وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا هُوَ صُفْرَةٌ فَلَيْسَ دَمًا لأََنَّ الدَّمَ أَحْمَرُ أَوْ أَسْوَدُ لاَ أَصْفَرُ فَإِنْ بَطَلَتْ صِفَاتُهُ الَّتِي مِنْهَا يَقُومُ حَدُّهُ فَقَطْ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الدَّمِ وَإِذْ لَمْ يَكُنْ دَمًا فَهُوَ حَلاَلٌ , وَكَذَلِكَ مَا فِي الْعُرُوقِ وَخِلاَلَ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فَلَيْسَ هُنَالِكَ دَمٌ يُحَرَّمُ وَإِنَّمَا نَسْأَلُ خُصُومَنَا ، عَنْ دَمٍ أَحْمَرَ ظَاهِرٍ إِلاَّ أَنَّهُ جَامِدٌ لَيْسَ جَارِيًا أَيَحِلُّ أَكْلُهُ أَمْ لاَ فَهَذَا مَكَانُ الأَخْتِلاَفِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمِسْكُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَزَلْ يَتَطَيَّبُ بِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَهَا وَأَقَرَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَأَبَاحَهُ لَهُ وَلَنَا وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فِي أَصْلِهِ دَمُ قُرْحَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ فِي حَيَوَانٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا وَالضَّمِيرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إلَيْهِ فَصَحَّ بِالْقُرْآنِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ بِعَيْنِهِ رِجْسٌ فَهُوَ كُلُّهُ رِجْسٌ وَبَعْضُ الرِّجْسِ رِجْسٌ , وَالرِّجْسُ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ فَالْخِنْزِيرُ كُلُّهُ حَرَامٌ لاَ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ شَعْرُهُ ، وَلاَ غَيْرُهُ حَاشَا مَا أَخْرَجَهُ النَّصُّ مِنْ الْجِلْدِ إذَا دُبِغَ فَحَلَّ اسْتِعْمَالُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا لَيْثٌ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ r حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا هَارُونُ بْنُ عَبْدُ اللَّهِ نَا حَجَّاجٌ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ ( ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ) نَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْت النَّبِيَّ r يَقُولُ : لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ r فَيَقُولُ : أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ : لاَ إنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُُمَّةَ.فَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ r صَوَّبَ قَتْلَ عِيسَى عليه السلام لِلْخَنَازِيرِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ بِحُكْمِ الإِسْلاَمِ يَنْزِلُ وَبِهِ يَحْكُمُ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى ، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَلَوْ كَانَتْ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ لَمَا أَبَاحَ عليه السلام قَتْلَهُ فَيُضَيِّعُ. فَصَحَّ أَنَّهُ كُلَّهُ مَيْتَةٌ مُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُ مَنْ لاَ يُبَالِي مَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ شَحْمَ الْخِنْزِيرِ إنَّمَا حُرِّمَ قِيَاسًا عَلَى لَحْمِهِ ، وَأَنَّ الإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ. قال أبو محمد : فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ هَذَا التَّخْلِيطَ الظَّاهِرَ فَسَادُهُ : أَوَّلُ بُطْلاَنِ قَوْلِك أَنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَثَانِيه أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى الأُُمَّةِ كُلِّهَا إذْ قُلْت إنَّهَا إنَّمَا أَجْمَعَتْ عَلَى الْبَاطِلِ مِنْ الْقِيَاسِ , وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لأََنَّهُ لاَ عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّحْمِ وَاللَّحْمِ , فَإِنْ قَالُوا : لأََنَّ الشَّحْمَ بَعْضُ اللَّحْمِ وَمِنْ اللَّحْمِ لأََنَّهُ مِنْ اللَّحْمِ تُولَدُ قلنا لَهُمْ : أَمَّا قَوْلُكُمْ : إنَّ الشَّحْمَ بَعْضُ اللَّحْمِ فَبَاطِلٌ لأََنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ الشَّحْمُ لَحْمًا وَهَذَا لَمْ تَأْتِ بِهِ لُغَةٌ قَطُّ ، وَلاَ شَرِيعَةٌ , وَأَمَّا قَوْلُكُمْ لأََنَّهُ مِنْ اللَّحْمِ تَوَلَّدَ فَنَحْنُ تَوَلَّدْنَا مِنْ التُّرَابِ وَلَسْنَا تُرَابًا , وَالدَّجَاجَةُ تَوَلَّدَتْ مِنْ الْبَيْضَةِ وَلَيْسَتْ بَيْضَةً , وَالتَّمْرُ تَوَلَّدَ مِنْ النَّخْلِ وَلَيْسَ نَخْلاً , وَاللَّحْمُ تَوَلَّدَ مِنْ الدَّمِ , وَاللَّبَنُ تَوَلَّدَ مِنْ الدَّمِ وَلَيْسَ اللَّحْمُ دَمًا ، وَلاَ اللَّبَنُ دَمًا بَلْ هُمَا حَلاَلاَنِ , وَالدَّمُ حَرَامٌ وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ شَيْءٍ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ لاَ فِي اللُّغَةِ ، وَلاَ فِي الدِّيَانَةِ , وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّحْمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّحْمَ بِتَحْرِيمِ الشَّحْمِ. نَعَمْ ، وَلاَ حَرَّمَ شَحْمَ الظَّهْرِ ، وَلاَ شَحْمَ الصَّدْرِ ، وَلاَ شَحْمَ الْحَوَايَا لِتَحْرِيمِ شَحْمِ الْبَطْنِ , وَلاَ يَدْرِي ذُو عَقْلٍ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ إذَا حُرِّمَ اللَّحْمُ أَنْ يُحَرِّمَ الشَّحْمَ وَقَدْ بَيَّنَّا فَرْقَ مَا بَيْنَهُمَا آنِفًا. وَالرَّابِعُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَتَرَوْنَ سَفَّ عَظْمِهِ وَأَكْلَ غُضْرُوفِهِ وَشُرْبَ لَبَنِهِ حُرِّمَ قِيَاسًا عَلَى لَحْمِهِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ جِدًّا وَكُلُّ هَذِهِ عِنْدَهُمْ أَنْوَاعٌ غَيْرُ اللَّحْمِ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْهُمْ , وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا أَخْبِرُونَا أَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى شَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَغُضْرُوفَهُ وَعَظْمَهُ وَشَعْرَهُ وَلَبَنَهُ أَمْ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا , فَإِنْ قَالُوا : حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ ذَلِكَ قلنا لَهُمْ : وَمِنْ أَيْنَ يُعْرَفُ تَحْرِيمُ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَرَّمَ إِلاَّ بِتَفْصِيلِهِ تَحْرِيمَهُ وَبِوَحْيِهِ بِذَلِكَ إلَى رَسُولِهِ عليه السلام , وَهَلْ يَكُونُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ أَمْرَ كَذَا بِغَيْرِ وَحْيٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ إِلاَّ مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَاذِبًا عَلَيْهِ جِهَارًا إذْ أَخْبَرَ عَنْهُ تَعَالَى بِمَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ وَحْيًا ، وَلاَ أَخْبَرَ بِهِ ، عَنْ نَفْسِهِ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. فَإِنْ قَالُوا : حَرُمَ كُلُّ ذَلِكَ بِتَحْرِيمِهِ اللَّحْمَ قلنا : وَهَذِهِ دَعْوَى مُكَرَّرَةٌ كَاذِبَةٌ مُفْتَرَاةٌ بِلاَ دَلِيلٍ عَلَى صِحَّتِهَا , وَعَنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْكَاذِبَةِ سَأَلْنَاكُمْ فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَكُمْ زِيَادَةً عَلَى تَكْرِيرِهَا فَقَطْ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ. فَإِنْ قَالُوا : لَمْ يُحَرِّمْهَا اللَّهُ تَعَالَى بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِهِ ، وَلاَ حَرَّمَهَا رَسُولُهُ عليه السلام بِنَصٍّ مِنْهُ لَكِنْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذَلِكَ , قِيلَ لَهُمْ : هَذِهِ أَطَمُّ وَأَفْحَشُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يُقِرُّونَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r وَإِذَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلاَ شَكٍّ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَالَفَةِ رَسُولِهِ عليه السلام إذْ حَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ الْكَفَرَةِ الصَّلْعَاءِ , فَإِنْ قَالُوا : لَمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حِينَئِذٍ قلنا لَهُمْ : مَتَى حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَقَبْلَ إجْمَاعِهِمْ أَمْ مَعَ إجْمَاعِهِمْ أَمْ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ رَابِعٍ. فَإِنْ قَالُوا : بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ جَعَلُوا حُكْمَهُ تَعَالَى تَبَعًا لِحُكْمِ عِبَادِهِ وَهَذَا كُفْرٌ مَحْضٌ , وَإِنْ قَالُوا : بَلْ مَعَ إجْمَاعِهِمْ كَانُوا قَدْ أَوْجَبُوا أَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا مُخَالَفَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ وَقَدْ بَيَّنَّا فُحْشَ هَذَا آنِفًا. وَإِنْ قَالُوا : بَلْ قَبْلَ إجْمَاعِهِمْ قلنا : فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَهُ ، وَلاَ يُعْرَفُ تَحْرِيمُهُ إيَّاهُ إِلاَّ بِتَفْصِيلٍ مِنْهُ تَعَالَى بِتَحْرِيمِهِ وَالتَّفْصِيلُ لاَ يَكُونُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ بِنَصٍّ وَهَذَا قَوْلُنَا وَإِلَّا فَهُوَ دَعْوَى كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَكَهُّنٌ. وَقَوْلٌ فِي الدِّينِ بِالظَّنِّ فَظَهَرَ يَقِينُ مَا قُلْنَاهُ وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ وَصَحَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي تَحْرِيمِهِ كَمَا لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَحْرِيمِ لَحْمِهِ إِلاَّ بَعْدَ وُرُودِ النَّصِّ بِتَحْرِيمِهِ ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ الْجَرَادِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

990 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا مَا يَسْكُنُ جَوْفَ الْمَاءِ ، وَلاَ يَعِيشُ إِلاَّ فِيهِ فَهُوَ حَلاَلٌ كُلُّهُ كَيْفَمَا وُجِدَ , سَوَاءٌ أُخِذَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَ فِي الْمَاءِ , طَفَا أَوْ لَمْ يَطْفُ , أَوْ قَتَلَهُ حَيَوَانٌ بَحْرِيٌّ أَوْ بَرِّيٌّ هُوَ كُلُّهُ حَلاَلٌ أَكْلُهُ. وَسَوَاءٌ خِنْزِيرُ الْمَاءِ , أَوْ إنْسَانُ الْمَاءِ , أَوْ كَلْبُ الْمَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ : قَتَلَ كُلَّ ذَلِكَ وَثَنِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ أَحَدٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا 

وَقَالَ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَخَالَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا كُلَّهُ وَقَالُوا : يَحِلُّ أَكْلُ مَا مَاتَ مِنْ السَّمَكِ وَمَا جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ مَا لَمْ يَطْفُ عَلَى الْمَاءِ مِمَّا مَاتَ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ خَاصَّةً , وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا طَفَا مِنْهُ عَلَى الْمَاءِ , وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا فِي الْمَاءِ إِلاَّ السَّمَكُ وَحْدَهُ , وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ خِنْزِيرِ الْمَاءِ ، وَلاَ إنْسَانِ الْمَاءِ , وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا : قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ جُمْلَةً وَالإِنْسَانِ وَهَذَا خِنْزِيرٌ وَإِنْسَانٌ , قَالُوا : فَإِنْ ضَرَبَهُ حُوتٌ فَقَتَلَهُ أَوْ ضَرَبَهُ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ أَوْ ضَرَبَتْهُ صَخْرَةٌ فَقَتَلَتْهُ أَوْ صَادَهُ وَثَنِيٌّ فَقَتَلَهُ فَطَفَا بَعْدَ كُلِّ هَذَا فَهُوَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي سَمَكَةٍ مَيِّتَةٍ بَعْضُهَا فِي الْبَرِّ وَبَعْضُهَا فِي الْمَاءِ : إنْ كَانَ الرَّأْسُ وَحْدَهُ خَارِجَ الْمَاءِ أُكِلَتْ وَإِنْ كَانَ الرَّأْسُ فِي الْمَاءِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْبَرِّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا النِّصْفَ فَأَقَلَّ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْبَرِّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ حَلَّ أَكْلُهَا. قال أبو محمد : هَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ تُعْلَمُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَبْلَهُمْ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْقُرْآنِ وَلِلسُّنَنِ وَلأََقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلِلْقِيَاسِ وَلِلْمَعْقُولِ لأََنَّهَا تَكْلِيفٌ مَا لاَ يُطَاقُ مِمَّا لاَ سَبِيلَ إلَى عِلْمِهِ هَلْ مَاتَتْ وَهِيَ طَافِيَةٌ فِيهِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَطْفُوَ أَوْ مَاتَتْ مِنْ ضَرْبَةِ حُوتٍ أَوْ مِنْ صَخْرَةٍ مُنْهَدِمَةٍ أَوْ حَتْفَ أَنْفِهَا ، وَلاَ يَعْلَمُ هَذَا إِلاَّ اللَّهُ أَوْ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِذَلِكَ الْحُوتِ , وَمَا نَدْرِي لَعَلَّ الْجِنَّ لاَ سَبِيلَ لَهَا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَمْ يُمْكِنُهَا عِلْمُ ذَلِكَ لأََنَّ فِيهِمْ غَوَّاصِينَ بِلاَ شَكٍّ قَالَ تَعَالَى وَمِنْ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ ثُمَّ لاَ بُدَّ لِلسَّمَكَةِ الَّتِي شَرَّعَ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ السَّخِيفَةَ مِنْ مُذَرِّعٍ يُذَرِّعُ مَا مِنْهَا خَارِجَ الْمَاءِ وَمَا مِنْهَا دَاخِلَ الْمَاءِ ثُمَّ مَا يُدْرِيهِ الْبَائِسُ لَعَلَّهُ كَانَ أَكْثَرُهَا فِي الْمَاءِ , ثُمَّ أَدَارَتْهَا الأَمْوَاجُ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ لِهَذِهِ الْحَمَاقَاتِ الَّتِي لاَ تُشْبِهُ إِلاَّ مَا يَتَطَايَبُ بِهِ الْمُجَّانُ لأَِضْحَاكِ سُخَفَاءِ الْمُلُوكِ , وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ فِي أَنَّهُ لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ : هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ فَلاَ نَأْخُذُ بِهَا إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ , ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَزِيدُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْعُقُولِ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ. نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ فِي الدِّينِ وَالْعَقْلِ كَثِيرًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ قَدْ حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَالإِنْسَانَ وَهَذَا خِنْزِيرٌ وَإِنْسَانٌ , وَقَدْ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ بِهَذَا أَيْضًا خَاصَّةً : فَلَيْسَ خِنْزِيرًا ، وَلاَ إنْسَانًا لأََنَّهَا إنَّمَا هِيَ تَسْمِيَةُ مَنْ لَيْسَ حُجَّةً فِي اللُّغَةِ وَلَيْسَتْ التَّسْمِيَةُ إِلاَّ لِلَّهِ تَعَالَى , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إلَى النَّاسِ لَكَانَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُحِلَّ الْحَرَامَ أَحَلَّهُ بِأَنْ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِ شَيْءٍ حَلاَلٍ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُحَرِّمَ الْحَلاَلَ حَرَّمَهُ بِأَنْ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِ شَيْءٍ حَرَامٍ , فَسَقَطَ قَوْلُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ سُقُوطًا لاَ مِرْيَةَ فِيهِ وَبَقِيَ قَوْلٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ فِي تَحْرِيمِ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : مَا طَفَا فَلاَ تَأْكُلُوهُ وَمَا كَانَ عَلَى حَافَتَيْهِ أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إبْرَاهِيمُ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ نَا أَيُّوبُ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : مَا حَسِرَ الْمَاءُ ، عَنْ ضِفَّتَيْ الْبَحْرِ فَكُلْ وَمَا مَاتَ فِيهِ طَافِيًا فَلاَ تَأْكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ فُضَيْلٍ أَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، عَنْ مَيْسَرَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : مَا طَفَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلاَ تَأْكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الأَجْلَحِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : إنِّي أَجِدُ الْبَحْرَ وَقَدْ جَعَلَ سَمَكًا قَالَ : لاَ تَأْكُلْ مِنْهُ طَافِيًا. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ قَالَ : مَا طَفَا مِنْ السَّمَكِ فَلاَ تَأْكُلْهُ. وَصَحَّ ، عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ كَرِهُوا الطَّافِيَ مِنْ السَّمَكِ , وَبِتَحْرِيمِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَرُوِيَ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِيمَا فِي الْبَحْرِ مِمَّا عَدَا السَّمَكِ قَوْلاَنِ , أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُؤْكَلُ , وَالآخَرُ لاَ يُؤْكَلُ حَتَّى يُذْبَحَ , وَهَهُنَا قَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ : نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ صَيْدَ الْمَجُوسِ لِلسَّمَكِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : ذَكَاةُ الْحُوتِ فَكُّ لَحْيَيْهِ. قال أبو محمد : أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ وَتَقْسِيمُ أَحَدِ قَوْلَيْ الثَّوْرِيِّ فَيُبْطِلُهَا كُلَّهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نَا أَبُو خَيْثَمَةَ هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ حَدَّثَنِي جَابِرٌ قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ r وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً , قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ : فَقُلْت لِجَابِرٍ : كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا قَالَ : نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ فَنَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ : وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : مَيْتَةٌ , ثُمَّ قَالَ : لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ r وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ اُضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلاَثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنَيْهِ بِالْقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ وَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ فَأَقَامَهَا , ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ , فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا فَأَرْسَلْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ r مِنْهُ فَأَكَلَهُ. قال أبو محمد : فَهَذَا لَيْسَ مِنْ السَّمَكِ بَلْ هُوَ مِمَّا حَرَّمَهُ مَنْ ذَكَرْنَا وَلَيْسَ مِمَّا فُكَّتْ لَحْيَاه بَلْ هُوَ مَيْتَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، عَنْ جَابِرٍ لِسَمَاعِ أَبِي الزُّبَيْرِ إيَّاهُ مِنْهُ , وَهَذَا بَيِّنٌ فِيهِ لِقَوْلِهِ لِجَابِرٍ فِي التَّمْرَةِ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا وَإِذْ مَيْتَةُ الْبَحْرِ حَلاَلٌ فَصَيْدُ الْوَثَنِيِّ وَغَيْرِهِ لَهُ سَوَاءٌ لأََنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ إنَّمَا ذَكَاتُهُ مَوْتُهُ فَقَطْ , وَأَمَّا مَنْ حَرَّمَ الطَّافِيَ جُمْلَةً فَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ ، عَنْ جَابِرٍ لاَ تَصِحُّ لأََنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ وَهُوَ مَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَمُدَلَّسٌ عَنْهُ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَهِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ لاَ تَصِحُّ لأََنَّ ابْنَ فُضَيْلٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلاَّ بَعْدَ اخْتِلاَطِهِ , وَهِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ أَجْلَحَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ ، عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلاَ تَأْكُلُوهُ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ وَنُعَيْمِ بْنِ الْمُجْمِرِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : كُلُوا مَا حَسِرَ عَنْهُ الْبَحْرُ وَمَا أَلْقَى وَمَا وَجَدْتُمُوهُ طَافِيًا مِنْ السَّمَكِ فَلاَ تَأْكُلُوهُ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لأََنَّهُ لاَ يَصِحُّ وَلَوْ صَحَّ لَمَا تَرَدَّدْنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ فِي الْقَوْلِ بِهِ إِلاَّ أَنَّ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لأََنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ وَلِكُلِّ مَا رُوِّينَا فِي ذَلِكَ ، عَنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ لأََنَّهُمْ يُبِيحُونَ بَعْضَ الطَّافِي إذَا مَاتَ مِنْ عَارِضٍ عَرَضَ لَهُ لاَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَيُحَرِّمُونَ كَثِيرًا مِمَّا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَخَالَفُوا الْخَبَرَ فِي مَوْضِعَيْنِ , وَكَذَلِكَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا شَيْءٌ , وَأَمَّا ضَعْفُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ , فَأَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَالآخَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَمَاعًا. نَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ الْقَاضِي نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّخِيلُ نَا أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ زَكَرِيَّا : نَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ : نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ , ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْمَدُ وَالْحَسَنُ قَالاَ جَمِيعًا : نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : جِئْت أَبَا الزُّبَيْرِ فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابَيْنِ فَقُلْت لَهُ : هَذَا كُلُّهُ سَمِعْته مِنْ جَابِرٍ فَقَالَ : مِنْهُ مَا سَمِعْت مِنْهُ , وَمِنْهُ مَا حَدَّثْت عَنْهُ فَقُلْت : أَعْلِمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْت فَأَعْلَمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي. قال أبو محمد : فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، وَلاَ قَالَ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِهِ جَابِرٌ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ بِإِقْرَارِهِ ، وَلاَ نَدْرِي عَمَّنْ أَخَذَهُ فَلاَ يَجُوزُ الأَحْتِجَاجُ بِهِ , وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ فَسَقَطَ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى بَيَانِهِ لَنَا. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلنَا ، عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، أَنَّهُ قَالَ : السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ حَلاَلٌ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا. نَا حُمَامُ نَا الْبَاجِيَّ نَا ابْنُ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا أَبُو ثَوْرٍ نَا مُعَلَّى نَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ : السَّمَكُ كُلُّهُ ذَكِيٌّ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ : طَعَامُ الْبَحْرِ كُلْ مَا فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا هَمَّامٌ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : الْحِيتَانُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ. قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَسَمَّى مَا يَلْتَقِمُ الإِنْسَانَ فِي بَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ حُوتًا. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي أَحَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ , وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِإِبَاحَتِهِ ، وَلاَ يُعْلَمُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ ، عَنِ الْحِيتَانِ وَالْجَرَادِ فَقَالَ : الْحِيتَانُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ ذَكَاتُهُمَا صَيْدُهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَكَلَ سَمَكَةً طَافِيَةً. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ نَا مُعَلَّى نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ نَا أَبُو التَّيَّاحِ ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ سَأَلَ ، عَنْ سَمَكَةٍ طَافِيَةٍ فَقَالَ : كُلْ وَأَطْعِمْنِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ الْكَلاَعِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : أَدْرَكْت سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r يَأْكُلُونَ صَيْدَ الْمَجُوسِ مِنْ الْحِيتَانِ لاَ يَخْتَلِجُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي صُدُورِهِمْ وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ صَيْدَهُ ذَكَاتَهُ , وَبِأَكْلِ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ يَقُولُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ يَطْفُو الْحُوتُ أَصْلاً إِلاَّ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقَارِبَ الْمَوْتَ فَإِذَا مَاتَ طَفَا ضَرُورَةً ، وَلاَ بُدَّ , فَتَخْصِيصُهُمْ الطَّافِيَ بِالْمَنْعِ وَإِبَاحَتُهُمْ مَا مَاتَ فِي الْمَاءِ تَنَاقُضٌ. 992 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ حَيَوَانٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَا دَامَ حَيًّا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ فَحَرَّمَ عَلَيْنَا أَكْلَ مَا لَمْ نُذَكِّ , وَالْحَيُّ لَمْ يُذَكَّ بَعْدُ. وَكَذَلِكَ لَوْ ذُبِحَ حَيَوَانٌ أَوْ نُحِرَ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ حُكْمَ الْبَدَنِ وَغَيْرِهَا فِي هَذَا سَوَاءٌ , فَلاَ يَحِلُّ بَلْعُ جَرَادَةٍ حَيَّةٍ , وَلاَ بَلْعُ سَمَكَةٍ حَيَّةٍ , مَعَ أَنَّهُ تَعْذِيبٌ , وَقَدْ نُهِيَ ، عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ ابْنِ الْفُرَافِصَةِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : إنَّ الذَّكَاةَ : الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ لِمَنْ قَدَرَ , وَذَرُوا الأَنْفُسَ حَتَّى تُزْهَقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 993 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ بِفَتْلِ عُنُقٍ , وَلاَ بِشَدْخٍ , وَلاَ بِغَمٍّ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَلَيْسَ هَذَا ذَكَاةً. 994 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ الْعَذِرَةِ , وَلاَ الرَّجِيعِ , وَلاَ شَيْءٍ مِنْ أَبْوَالِ الْخُيُولِ , وَلاَ الْقَيْءِ , وَلاَ لُحُومِ النَّاسِ وَلَوْ ذُبِحُوا ، وَلاَ أَكْلُ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْ الإِنْسَانِ إِلاَّ اللَّبَنَ وَحْدَهُ , وَلاَ شَيْءٍ مِنْ السِّبَاعِ ذَوَاتِ الأَنْيَابِ , وَلاَ أَكْلُ الْكَلْبِ , وَالْهِرِّ الإِنْسِيُّ وَالْبَرِّيُّ سَوَاءٌ ، وَلاَ الثَّعْلَبِ , حَاشَا الضَّبُعِ وَحْدَهَا , فَهِيَ حَلاَلٌ أَكْلُهَا , وَلَوْ أَمْكَنَتْ ذَكَاةُ الْفِيلِ لَحَلَّ أَكْلُهُ أَمَّا الْعَذِرَةُ وَالْبَوْلُ فَ. لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي النَّهْيِ ، عَنِ الصَّلاَةِ وَهُوَ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ , وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ قَوْلَهُ عليه السلام : أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْبَوْلِ فَعَمَّ عليه السلام كُلَّ بَوْلٍ. وَبَيَّنَّا هُنَالِكَ أَنَّ سَقْيَ النَّبِيِّ r الْعُرَنِيِّينَ أَبْوَالَ الإِبِلِ , إنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي لِلْعِلَلِ الَّتِي كَانَتْ أَصَابَتْهُمْ وَأَوْرَدْنَا الأَسَانِيدَ الثَّابِتَةَ بِكُلِّ هَذَا. وَبَيَّنَّا فَسَادَ الرِّوَايَةِ مِنْ طَرِيقِ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ وَهُوَ سَاقِطٌ لاَ بَأْسَ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ ; إذْ قَاسُوا بَوْلَ الْحَيَوَانِ وَرَجِيعَهُ عَلَى لَحْمِهِ ; فَهَلاَّ قَاسُوهُ عَلَى دَمِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْقِيَاسِ , أَوْ عَلَى بَوْلِ الآدَمِيِّينَ وَرَجِيعِهِمْ. وَأَمَّا الْقَيْءُ : فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا هِشَامُ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَشُعْبَةُ قَالاَ جَمِيعًا : نَا قَتَادَةُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ] قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَالْقَيْءُ هُوَ مَا تَغَيَّرَ , فَإِنْ خَرَجَ الطَّعَامُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَيْسَ قَيْئًا , فَلَيْسَ حَرَامًا وَأَمَّا لُحُومُ النَّاسِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ. وَلأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِأَنْ يُوَارَى كُلُّ مَيِّتٍ مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ ; فَمَنْ أَكَلَهُ فَلَمْ يُوَارِهِ ; وَمَنْ لَمْ يُوَارِهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ فَحَرَّمَ تَعَالَى أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَأَكْلَ مَا لَمْ يُذَكَّ , وَالإِنْسَانُ قِسْمَانِ : قِسْمٌ حَرَامٌ قَتْلُهُ , وَقِسْمٌ مُبَاحٌ قَتْلُهُ. فَالْحَرَامُ قَتْلُهُ إنْ مَاتَ , أَوْ قُتِلَ فَلَمْ يُذَكَّ فَهُوَ حَرَامٌ. وَأَمَّا الْحَلاَلُ قَتْلُهُ فَلاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ إِلاَّ لأََحَدِ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا لِكُفْرِهِ مَا لَمْ يُسْلِمْ , وَأَمَّا قَوَدًا , وَأَمَّا لِحَدٍّ أَوْجَبَ قَتْلَهُ , وَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ فَلَيْسَ مُذَكًّى لأََنَّهُ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ إِلاَّ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ , فَلاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَالتَّذْكِيَةُ غَيْرُ تِلْكَ الْوُجُوهِ بِلاَ شَكٍّ ; فَالْقَصْدُ إلَيْهَا مَعْصِيَةٌ , وَالْمَعْصِيَةُ لَيْسَتْ ذَكَاةً فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى , فَحَرَامٌ أَكْلُهُ بِكُلِّ وَجْهٍ , وَإِذْ هُوَ كُلُّهُ حَرَامٌ فَأَكْلُ بَعْضِهِ حَرَامٌ , لأََنَّ بَعْضَ الْحَرَامِ حَرَامٌ بِالضَّرُورَةِ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْمُخَاطُ , وَالنُّخَاعَةُ , وَالدَّمْعُ , وَالْعَرَقُ , وَالْمَذْيُ , وَالْمَنِيُّ , وَالظُّفْرُ , وَالْجِلْدُ , وَالشَّعْرُ , وَالْقَيْحُ , وَالسِّنُّ إِلاَّ اللَّبَنَ الْمُبَاحَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ. وَقَدْ أَبَاحَ عليه السلام لِسَالِمٍ وَهُوَ رَجُلٌ الرَّضَاعَ مِنْ لَبَنِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ. وَالرِّيقَ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حَنَّكَ الصِّبْيَانَ بِتَمْرٍ مَضَغَهُ , فَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ الْمَمْضُوغِ , فَالرِّيقُ حَلاَلٌ بِالنَّصِّ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا السِّبَاعُ : فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ. وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ تَرَكْنَاهَا اخْتِصَارًا. وَالْكَلْبُ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ , وَكَذَلِكَ الْهِرُّ , وَالثَّعْلَبُ , فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ. وَقَدْ أَمَرَ عليه السلام بِقَتْلِ الْكَلْبِ , وَنَهَى ، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ , فَلَوْ جَازَ أَكْلُهَا مَا حَلَّ قَتْلُهَا , كَمَا لاَ يَحِلُّ قَتْلُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ مِنْ الأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا مُبَارَكٌ ، هُوَ ابْنُ فَضَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، عَنْ عُثْمَانَ t قَالَ : اُقْتُلُوا الْكِلاَبَ وَاذْبَحُوا الْحَمَامَ , فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَأَمَرَ بِذَبْحِ مَا يُؤْكَلُ , وَقَتْلِ مَا لاَ يُؤْكَلُ : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنُ شِهَابٍ يَسْأَلُ ، عَنْ مَرَارَةِ السَّبُعِ , وَأَلْبَانِ الأُُتُنِ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ , وَلاَ خَيْرَ فِيمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ r . وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ , فَلاَ نَرَى أَلْبَانَهَا الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ لَحْمِهَا وَدَمِهَا إِلاَّ بِمَنْزِلَةِ لَحْمِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : الثَّعْلَبُ سَبُعٌ لاَ يُؤْكَلُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ أَكْلِ الْهِرِّ وَثَمَنِهِ. أَقَلُّ مَا فِي هَذَا الأَثَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ. وَبِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَبَاحَ الثَّعْلَبَ , وَأَنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ تَحْرِيمَ السِّبَاعِ وَمَوَّهُوا بِأَنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سَأَلَتْ ، عَنْ أَكْلِ لُحُومِ السِّبَاعِ فَقَرَأَتْ قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ الآيَةَ. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ : تَلاَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الآيَةَ قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا قَالَ : مَا خَلاَ هَذَا فَهُوَ حَلاَلٌ. وَقَالُوا : رَوَى الزُّهْرِيُّ خَبَرَ النَّهْيِ ، عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ , ثُمَّ قَالَ : لَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ عُلَمَائِنَا بِالْحِجَازِ حَتَّى حَدَّثَنِي أَبُو إدْرِيسَ وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ. وقال بعضهم : إنَّمَا نَهَى عَنْهَا مِنْ أَجْلِ ضَرَرِ لَحْمِهَا. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَكُلُّهُ لاَ شَيْءَ : أَمَّا الآيَةُ فَإِنَّهَا مَكِّيَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَا ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَبْطُلَ بِهَا أَحْكَامٌ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ ; وَهُمْ يُحَرِّمُونَ الْحُمُرَ الأَهْلِيَّةَ وَلَيْسَتْ فِي الآيَةِ. وَيُحَرِّمُونَ الْخَمْرَ وَلَيْسَتْ فِي الآيَةِ , وَالْخَلِيطَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرَا وَلَمْ يُذْكَرَا فِي الآيَةِ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ. وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَوْ أَنَّ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، بَلَغَهَا نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ r عَنْ ذَلِكَ لَمَا خَالَفَتْهُ كَمَا فَعَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الْغُرَابِ إذْ بَلَغَهَا وَلَيْسَ مَذْكُورًا فِي الآيَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ , لأََنَّهَا ، عَنْ جُوَيْبِرٍ وَهُوَ هَالِكٌ ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ النَّبِيِّ r . وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ : إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُلَمَائِهِ بِالْحِجَازِ فَكَانَ مَاذَا وَهَبْك أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ قَطُّ , أَتُرَى السُّنَنَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يَعْرِفَهَا الزُّهْرِيُّ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ فَكَيْفَ وَالزُّهْرِيُّ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُلَمَائِهِ بِالْحِجَازِ , بَلْ أَفْتَى بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عَائِشَةَ , وَالزُّهْرِيَّ إذَا خَالَفَهُمَا مَالِكٌ إذْ ] لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْهُ وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَفْسُهَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ فُتْيَا عَائِشَةَ فِي الْغُرَابِ وَفُتْيَا الزُّهْرِيِّ كَمَا أَوْرَدْنَا وَإِنَّمَا هُمْ كَالْغَرِيقِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَجِدُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلاَكُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِضَرَرِ لَحْمِهَا فَكَلاَمُ جَمْعِ الْغَثَاثَةِ وَالْكَذِبِ , أَمَّا الْكَذِبُ مِمَّا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ , وَمَنْ أَخْبَرَهُمْ بِهَذَا ، عَنِ النَّبِيِّ r وَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِ r إذْ قَوَّلُوهُ مَا لَمْ يَقُلْ , وَإِذْ أَخْبَرُوا عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ قَطُّ ، عَنْ نَفْسِهِ , وَهَذِهِ قِصَّةٌ مُهْلِكَةٌ مُؤَدِّيَةٌ إلَى النَّارِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. وَأَمَّا الْغَثَاثَةُ فَإِنَّ عِلْمَهُمْ بِالطِّبِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضَعِيفٌ جِدًّا , وَمَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ أَقَلُّ بَصَرٍ بِالأَغْذِيَةِ فِي أَنَّ لَحْمَ الْجَمَلِ الشَّارِفِ وَالتَّيْسِ الْهَرِمِ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ لَحْمِ الْكَلْبِ , وَالْهِرِّ , وَالْفَهْدِ. ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قَالُوا فَهَلْ فِي ذَلِكَ مَا يُبْطِلُ النَّهْيَ عَنْهَا مَا هُوَ إِلاَّ تَأْكِيدٌ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا , ثُمَّ قَدْ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِإِضَاعَةِ الْمَالِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي ذَلِكَ ; إذْ تَرَكُوا الْكِلاَبَ , وَالسَّنَانِيرَ تَمُوتُ عَلَى الْمَزَابِلِ , وَفِي الدُّورِ , وَلاَ يَذْبَحُونَهَا فَيَأْكُلُونَهَا , إذْ هِيَ حَلاَلٌ وَلَوْ أَنَّ امْرَءًا فَعَلَ هَذَا بِغَنَمِهِ وَبَقَرِهِ لَكَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى بِإِضَاعَةِ مَالِهِ. وَأَمَّا الضِّبَاعُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا سُلَيْمَانَ , أَبَاحَا أَكْلَهَا : وَالْحُجَّةُ لِذَلِكَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الضَّبُعِ أَآكُلُهَا قَالَ : نَعَمْ قُلْتُ : أَصَيْدٌ هِيَ قَالَ : نَعَمْ , قُلْتُ : أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ r قَالَ : نَعَمْ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : نَا نَافِعُ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أَخْبَرَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَأْكُلُ الضِّبَاعَ قَالَ نَافِعٌ : فَلَمْ يُنْكِرْ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لاَ يَرَى بِأَكْلِ الضِّبَاعِ بَأْسًا. وَقَالَ مَعْمَرٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ : سَمِعْت عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ ، عَنِ الضَّبُعِ فَقَالَ : رَأَيْتهَا عَلَى مَائِدَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ الطَّائِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَمِّهِ قَالَ : سَأَلْت أَبَا هُرَيْرَةَ ، عَنِ الضَّبُعِ فَقَالَ : نَعْجَةٌ مِنْ الْغَنَمِ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ : ضَبُعٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَبْشٍ. قال أبو محمد : فَوَاجِبٌ أَنْ تُسْتَثْنَى الضِّبَاعُ مِنْ جُمْلَةِ السِّبَاعِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r وَلاَ يُخَالَفُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ عليه السلام. وقال أبو حنيفة : بِتَحْرِيمِ الضِّبَاعِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إِلاَّ تَعَلَّقَهُ بِعُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ r عَنْ أَكْلِ السِّبَاعِ قَالُوا : وَهِيَ سَبُعٌ. وَذَكَرُوا خَبَرًا فَاسِدًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ نَا أَبُو زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ جُزْءٍ ، عَنْ أَخِيهِ خُزَيْمَةَ بْنِ جُزْءٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا تَقُولُ فِي الضَّبُعِ فَقَالَ لِي : وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُؤَمَّلِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، عَنِ الضَّبُعِ فَكَرِهَهُ فَقُلْت لَهُ : إنَّ قَوْمَك يَأْكُلُونَهُ فَقَالَ : إنَّ قَوْمِي لاَ يَعْلَمُونَ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا : فأما احْتِجَاجُهُمْ بِنَهْيِ النَّبِيِّ r عَنِ السِّبَاعِ فَإِنَّهُ حَقٌّ وَلَكِنَّ الَّذِي نَهَى ، عَنِ السِّبَاعِ هُوَ الَّذِي أَحَلَّ الضِّبَاعَ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إبَاحَةِ مَا حُرِّمَ مِنْ السِّبَاعِ وَبَيْنَ تَحْرِيمِ مَا حُلِّلَ مِنْ الضِّبَاعِ , وَكِلاَهُمَا لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلاَ شَيْءَ , لأََنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ مُسْلِمٍ ضَعِيفٌ وَابْنَ أَبِي الْمُخَارِقِ سَاقِطٌ , وَحِبَّانَ بْنَ جُزْءٍ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ أَصْلاً وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعَجُّبُ مِمَّنْ يَأْكُلُهَا فَقَطْ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عِظَامَ الضَّأْنِ حَلاَلٌ , ثُمَّ لَوْ رَأَيْنَا أَحَدًا يَأْكُلُهَا " أَوْ يَأْكُلُ جُلُودَهَا لَعَجِبْنَا مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَجَبِ. وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ جُمْلَةً ثُمَّ حَرَّمَ النَّبِيَّ r بُيُوعًا كَثِيرَةً فَلَمْ يُغَلِّبُوا عُمُومَ الإِبَاحَةِ عَلَى تَخْصِيصِ النَّهْيِ وَهَذَا خِلاَفُ فِعْلِهِمْ هَهُنَا , وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْفِيلُ فَلَيْسَ سَبُعًا ، وَلاَ جَاءَ فِي تَحْرِيمِهِ نَصٌّ , وَقَالَ تَعَالَى خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَقَالَ تَعَالَى قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ; وَقَالَ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَكُلُّ شَيْءٍ حَلاَلٌ إِلاَّ مَا جَاءَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ بِهَذَا جَاءَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْفِيلِ نَصُّ تَحْرِيمٍ فَهُوَ حَلاَلٌ. 995 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَّاتِ ، وَلاَ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَوَاتِ الْمَخَالِبِ مِنْ الطَّيْرِ وَهِيَ الَّتِي تَصِيدُ الصَّيْدَ بِمَخَالِبِهَا , وَلاَ الْعَقَارِبِ , وَلاَ الْفِئْرَانِ ، وَلاَ الْحِدَاءِ , وَلاَ الْغُرَابِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ نَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ " قَالَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ كَانَ عليه السلام يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ , وَالْفَأْرَةِ , وَالْعَقْرَبِ , وَالْحُدَيَّا , وَالْغُرَابِ , وَالْحَيَّةِ , قَالَ : وَفِي الصَّلاَةِ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ نَا إسْمَاعِيلُ وَهُوَ عِنْدَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَوْمًا عِنْدَ هَدْمٍ لَهُ ] رَأَى وَبِيصَ جَانٍّ فَقَالَ : اُقْتُلُوا فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَارِيُّ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إِلاَّ الأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَتْبَعَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ صَيْفِي ، هُوَ ابْنُ أَفْلَحَ أَخْبَرَنِي أَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ , فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ. فَكُلُّ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِقَتْلِهِ فَلاَ ذَكَاةَ لَهُ , لأََنَّهُ عليه السلام نَهَى ، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ , وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُ شَيْءٍ يُؤْكَلُ , وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلَهُ عليه السلام : خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَذَكَرَ الْعَقْرَبَ , وَالْفَأْرَةَ , وَالْحِدَأَةَ , وَالْغُرَابَ , وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ. فَصَحَّ أَنَّ فِيهَا فِسْقًا , وَالْفِسْقُ مُحَرَّمٌ قَالَ تَعَالَى قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. فَلَوْ ذُبِحَ مَا فِيهِ فِسْقٌ لَكَانَ مِمَّا أُهِّلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ; لأََنَّ ذَبْحَ مَا لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعْصِيَةٌ , وَالْمَعْصِيَةُ قَصْدٌ إلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ : رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلَّهَا. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : مَنْ قَتَلَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا قَتَلَ كَافِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نَا أَبِي نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : إنِّي لاََعْجَبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ , وَقَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي قَتْلِهِ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا , وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَاسِقًا , وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَاسِقًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : كَرِهَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَكْلَ الْحِدَاءِ وَالْغُرَابِ حَيْثُ سَمَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ فَوَاسِقِ الدَّوَابِّ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ. فإن قيل : قَدْ رُوِيَ وَتَرْمِي الْغُرَابَ ، وَلاَ تَقْتُلْهُ قلنا : رَوَاهُ مَنْ لاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِرِوَايَتِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَضْعِيفَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَحَرَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ الْغُرَابَ الأَبْقَعَ , وَلَمْ يُحَرِّمْ الأَسْوَدَ ; وَاحْتَجَّ بِأَنَّ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ ذَكَرَ الْغُرَابَ الأَبْقَعَ. قال أبو محمد : الأَخْبَارُ الَّتِي فِيهَا عُمُومُ ذِكْرِ الْغُرَابِ هُوَ الزَّائِدُ حُكْمًا لَيْسَ فِي الَّذِي فِيهِ تَخْصِيصُ الأَبْقَعِ , وَمَنْ قَالَ : إنَّمَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ r بِقَوْلِهِ " الْغُرَابُ " الْغُرَابَ الأَبْقَعَ خَاصَّةً ; لأََنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْغُرَابَ الأَبْقَعَ فِي خَبَرٍ آخَرَ : فَقَدْ كَذَبَ , إذْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ عليه السلام بِقَتْلِ الأَبْقَعِ فِي خَبَرٍ , وَبِقَتْلِ الْغُرَابِ جُمْلَةً فِي خَبَرٍ آخَرَ , وَكِلاَهُمَا حَقٌّ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ. وَتَرَدَّدَ الْمَالِكِيُّونَ فِي هَذِهِ الدَّوَابِّ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْعَقَارِبُ وَالْحَيَّاتُ فَمَا يَمْتَرِي ذُو فَهْمٍ فِي أَنَّهُنَّ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. وَأَمَّا الْفِئْرَانُ فَمَا زَالَ جَمِيعُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ يَتَّخِذُونَ لَهَا الْقِطَاطَ , وَالْمَصَائِدَ الْقَتَّالَةَ , وَيَرْمُونَهَا مَقْتُولَةً عَلَى الْمَزَابِلِ , فَلَوْ كَانَ أَكْلُهَا حَلاَلاً لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي , وَمِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَبَاحُوا أَكْلَ الْحَيَّاتِ الْمُذَكَّاةِ , وَهُمْ يُحَرِّمُونَ أَكْلَ مَا ذُكِّيَ مِنْ قَفَاهُ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى تَذْكِيَةِ الْحَيَّاتِ إِلاَّ مِنْ أَقْفَائِهَا قال أبو محمد : وَهِيَ وَالْخَمْرُ تَقَعُ فِي التِّرْيَاقِ فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي , لأََنَّ الْمُتَدَاوِيَ مُضْطَرٌّ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ. وَأَمَّا ذَوَاتُ الْمَخَالِبِ مِنْ الطَّيْرِ : فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ أَحْمَدُ : نَا هُشَيْمٌ أَنَّ أَبَا بِشْرٍ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي وَحْشِيَّةَ أَخْبَرَهُ , وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَكَمُ , وَأَبُو بِشْرٍ , كِلاَهُمَا ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ حَلاَلٍ : وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَأَبَاحَ الْمَالِكِيُّونَ أَكْلَ سِبَاعِ الطَّيْرِ , وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ ابْتَلاَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَقْلِيدِهِ بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَمْ يَسْمَعْهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَشَارَ إلَى خَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ ، عَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَعَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ. قال أبو محمد : أَرَادَ هَذَا النَّاقِضُ أَنْ يَحْتَجَّ لِنَفْسِهِ فَدَفَنَهَا , وَأَرَادَ أَنْ يُوهِنَ الْخَبَرَ فَزَادَهُ قُوَّةً , لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ هُوَ النَّجْمُ الطَّالِعُ ثِقَةً وَإِمَامَةً وَأَمَانَةً , فَكَيْفَ وَشُعْبَةُ , وَهُشَيْمٌ , وَالْحَكَمُ , وَأَبُو بِشْرٍ , كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لاَ يَعْدِلُ بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ أَنْ لَمْ يُوصَفْ بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يُقَالَ : إنَّ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ يُسَمَّى ذَا مِخْلَبٍ عِنْدَ الْعَرَبِ إِلاَّ الصَّائِدَ بِمِخْلَبِهِ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الدِّيكُ , وَالْعَصَافِيرُ , وَالزُّرْزُورُ , وَالْحَمَامُ , وَمَا لَمْ يَصِدْ , فَلاَ يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا ذَا مِخْلَبٍ فِي اللُّغَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 996 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ الْحَلَزُونِ الْبَرِّيِّ , وَلاَ شَيْءٍ مِنْ الْحَشَرَاتِ كُلِّهَا كَالْوَزَغِ وَالْخَنَافِسِ , وَالنَّمْلِ , وَالنَّحْلِ , وَالذُّبَابِ , وَالدُّبْرِ , وَالدُّودِ كُلِّهِ طَيَّارَةٍ وَغَيْرِ طَيَّارَةٍ وَالْقَمْلِ , وَالْبَرَاغِيثِ , وَالْبَقِّ , وَالْبَعُوضِ وَكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ. وَقَوْله تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ. وَقَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِي الْحَلْقِ أَوْ الصَّدْرِ , فَمَا لَمْ يُقْدَرْ فِيهِ عَلَى ذَكَاةٍ فَلاَ سَبِيلَ إلَى أَكْلِهِ : فَهُوَ حَرَامٌ , لأَمْتِنَاعِ أَكْلِهِ إِلاَّ مَيْتَةً غَيْرَ مُذَكًّى. وَبُرْهَانٌ آخَرُ : فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا قِسْمَانِ : قِسْمٌ مُبَاحٌ قَتْلُهُ : كَالْوَزَغِ , وَالْخَنَافِسِ , وَالْبَرَاغِيثِ , وَالْبَقِّ , وَالدُّبْرِ ; وَقِسْمٌ مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ : كَالنَّمْلِ , وَالنَّحْلِ , فَالْمُبَاحُ قَتْلُهُ لاَ ذَكَاةَ فِيهِ , لأََنَّ قَتْلَ مَا تَجُوزُ فِيهِ الذَّكَاةُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ , وَمَا لاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ لاَ تَجُوزُ فِيهِ الذَّكَاةُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ : كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَلاَ ذَكَاةَ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ النَّبِيَّ r : أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ عِنْدَ كُلِّ ذِي نَفْسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا قُتَيْبَةُ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنِ مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَأَمَرَ عليه السلام بِطَرْحِهِ وَلَوْ كَانَ حَلاَلاً أَكْلُهُ مَا أَمَرَ بِطَرْحِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ : النَّحْلَةُ , وَالنَّمْلَةُ , وَالْهُدْهُدُ , وَالصُّرَدُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ r عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ قَتْلِهَا. قال أبو محمد : هَذَا يَقْضِي عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ قَدِيمًا فَأَحْرَقَ قَرْيَةَ النَّمْلِ لأََنَّ شَرِيعَةَ نَبِيِّنَا r نَاسِخَةٌ لِكُلِّ دِينٍ سَلَفَ , وَقَدْ ذَكَرْنَا قَتْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لِلْقِرْدَانِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَتْلُ الأَوْزَاغِ ; وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ نَهَى ، عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخِيفُوا الْهَوَامَّ قَبْلَ أَنْ تُخِيفَكُمْ. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثَ غَالِبِ بْنِ حُجْرَةَ ، عَنِ الْمِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِ ، عَنْ أَبِيهِ صَحِبْتُ النَّبِيَّ r فَلَمْ أَسْمَعْ لِلْحَشَرَاتِ تَحْرِيمًا فَغَالِبُ بْنُ حُجْرَةَ , وَالْمِلْقَامُ مَجْهُولاَنِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّهُ لَيْسَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ حُجَّةً عَلَى مَا قَامَ بِهِ بُرْهَانُ النَّصِّ. 997 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ تَوَحَّشَتْ أَوْ لَمْ تَتَوَحَّشْ , وَحَلاَلٌ أَكْلُ حُمُرِ الْوَحْشِ تَأَنَّسَتْ أَوْ لَمْ تَتَأَنَّسْ , وَحَلاَلٌ أَكْلُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ أَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ ، عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ , فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ. فَصَحَّ أَنَّهَا كُلَّهَا رِجْسٌ , وَإِهْرَاقُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم الْقُدُورَ بِهَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ r بَيَانُ أَنَّ وَدَكَهَا وَشَحْمَهَا وَعَظْمَهَا وَكُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ ، عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ r عَنِ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ. وَرُوِّينَا تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِنْ طَرِيقِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ , وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ : وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ , وَابْنِ عُمَرَ بِأَسَانِيدَ كَالشَّمْسِ. وَعَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ كَمَا ذَكَرْنَا , فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى ، عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَيَأْمُرُ بِلُحُومِ الْخَيْلِ. وَقَدْ رُوِّينَا النَّهْيَ عَنْهَا ، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ أَحَدِ الْمُبَايِعِينَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ , وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي لُحُومِ الْحُمُرِ قَالَ : هِيَ حَرَامٌ أَلْبَتَّةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَنَحَا نَحْوَهُ مَالِكٌ , فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَبَاحَهَا قلنا : لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَكَيْفَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ فِيهَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نَا أُبَيٌّ نَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ , أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ " فَهَذَا ظَنٌّ مِنْهُ , وَوَهْلَةٌ لأََنَّهُ لَوْ لَمْ يُحَرِّمْهَا عليه السلام جُمْلَةً لَبَيَّنَ وَجْهَ نَهْيِهِ عَنْهَا , وَلَمْ يَدَعْ النَّاسَ إلَى الْحِيرَةِ ; فَكَيْفَ وَقَوْلُهُ عليه السلام فَإِنَّهَا رِجْسٌ وَيَبْطُلُ كُلُّ ظَنٍّ وَلَقَدْ كَانُوا إلَى الْخَيْلِ بِلاَ شَكٍّ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَى الْحُمُرِ , فَمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى نَهْيٍ عَنْهَا ; بَلْ أَبَاحَ أَكْلَهَا وَذَكَاتَهَا , إذْ كَانَتْ حَلاَلاً , وَبِذَلِكَ أَيْضًا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّمَا نَهَى عَنْهَا لأََنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّمَا حُرِّمَتْ لأََنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَظَنٌّ كَاذِبٌ أَيْضًا بِلاَ بُرْهَانٍ , وَالدَّجَاجُ آكَلُ مِنْهَا لِلْعَذِرَةِ وَهِيَ حَلاَلٌ. فَإِنْ ذَكَرُوا : أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ احْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا الآيَةَ قلنا : لَمْ يَبْلُغْهَا التَّحْرِيمُ وَلَوْ بَلَغَهَا لَقَالَتْ بِهِ , كَمَا فَعَلَتْ فِي الْغُرَابِ , وَلَيْسَ مَذْكُورًا فِي هَذِهِ الآيَةِ. فَإِنْ ذَكَرُوا : مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام فِي لُحُومِ الْحُمُرِ أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ , فَإِنَّمَا كَرِهْتُ لَكُمْ جَوَّالَ الْقَرْيَةِ , أَلَيْسَ تَأْكُلُ الشَّجَرَ وَتَرْعَى الْفَلاَةَ فَأَصِدْ مِنْهَا. فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ , لأََنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ بِشْرٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُوَيْمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ أَوْ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ، عَنْ غَالِبِ بْنِ ديج ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَمِنْ طَرِيقِ سَلْمَى بِنْتِ النَّضْرِ الْخِضْرِيَّةِ ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هِيَ. وَأَمَّا حُمُرُ الْوَحْشِ : فَكَمَا ذَكَرْنَا ، عَنِ النَّبِيِّ r تَحْلِيلَهَا. وقال مالك : إنْ دَجَنَ لَمْ يُؤْكَلْ وَهَذَا خَطَأٌ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ ; فَهُوَ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَلاَ يَصِيرُ الْوَحْشِيُّ مِنْ جِنْسِ الأَهْلِيِّ حَرَامًا بِالدُّجُونِ , وَلاَ يَصِيرُ الأَهْلِيُّ مِنْ جِنْسِ الْوَحْشِيِّ حَلاَلاً بِالتَّوَحُّشِ. وَأَمَّا الْبِغَالُ , وَالْخَيْلُ : فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ كَرِبَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ r نَهَى ، عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ , وَالْبِغَالِ , وَالْحَمِيرِ , وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ , وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَحَرَّمَ الْمُجَثَّمَةَ. وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ r عَنِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَمْ يَنْهَنَا ، عَنِ الْخَيْلِ. وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَقَالَ تَعَالَى وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً. قَالُوا : فَذَكَرَ فِي الأَنْعَامِ الأَكْلَ , وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْخَيْلِ , وَالْبِغَالِ , وَالْحَمِيرِ. وَقَالُوا : الْبَغْلُ وَلَدُ الْحِمَارِ فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فأما الأَخْبَارُ فَلاَ يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا : أَمَّا حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ فَهَالِكٌ لأََنَّهُمْ مَجْهُولُونَ كُلُّهُمْ , ثُمَّ فِيهِ دَلِيلُ الْوَضْعِ , لأََنَّ فِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ : غَزَوْت مَعَ النَّبِيِّ r خَيْبَرَ وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ خَالِدٌ إِلاَّ بَعْدَ خَيْبَرَ بِلاَ خِلاَفٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ , فَعِكْرِمَةَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِهِ خَبَرًا مَوْضُوعًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يُتَّهَمُ غَيْرَهُ : فأما أُدْخِلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَأْبَهُ لَهُ , وَأَمَّا الْبَلِيَّةُ مِنْ قَبَلِهِ ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مُبَيَّنًا فِي كِتَابِ الإِيصَالِ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ ; وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِهِ ، عَنْ جَابِرٍ , وَلاَ ذَكَرَ فِيهِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ فَصَحَّ مُنْقَطِعًا. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَابِرٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبِغَالَ وَقَدْ صَحَّ قَبْلُ ، عَنْ جَابِرٍ إبَاحَةُ الْخَيْلِ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَأَمَّا الآيَةُ : فَلاَ ذِكْرَ فِيهَا لِلأَكْلِ لاَ بِإِبَاحَةٍ ، وَلاَ بِتَحْرِيمٍ , فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا , وَلاَ ذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا الْبَيْعَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّمُوهُ لأََنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الآيَةِ , وَإِبَاحَةُ النَّبِيِّ r لَهَا حَاكِمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ ، عَنْ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ , وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ , وَسُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ , وَمَعْمَرٍ , وَأَبِي مُعَاوِيَةَ , وَأَبِي أُسَامَةَ , كُلُّهُمْ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ لَحْمِ الْفَرَسِ فَقَالَ : لَمْ يَزَلْ سَلَفُك يَأْكُلُونَهُ قُلْتُ : أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : نَعَمْ. وَقَدْ أَدْرَكَ عَطَاءٌ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ مِنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ دُونَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ , وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : ذَبَحَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَرَسًا , قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ : فَاقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ ; وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقُ : فَأَكَلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : أُهْدِيَ لِلأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ لَحْمُ فَرَسٍ فَأَكَلَ مِنْهُ وبه إلى هُشَيْمٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : مَا أَكَلْتُ لَحْمًا أَطْيَبَ مِنْ مَعْرَفَةِ بِرْذَوْنٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ ، عَنْ لَحْمِ الْفَرَسِ , وَالْبَغْلِ , وَالْبِرْذَوْنِ فَقَالَ : لاَ أَعْلَمُهُ حَرَامًا ، وَلاَ يُفْتِي أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَكْلِهِ. قال أبو محمد : لَمْ يُحَرِّمْ الزُّهْرِيُّ الْبَغْلَ , وَأَمَّا فُتْيَا الْعُلَمَاءِ بِأَكْلِ الْفَرَسِ فَتَكَادُ أَنْ تَكُونَ إجْمَاعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَمَا نَعْلَمُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ كَرَاهَةَ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ إِلاَّ رِوَايَةً ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ تَصِحُّ ; لأََنَّهُ ، عَنْ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُهُ فَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَلَوْ صَحَّ عِنْدَنَا فِي الْبَغْلِ نَهْيٌ لَقُلْنَا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْبَغْلَ وَلَدُ الْحِمَارِ , وَمُتَوَلِّدٌ مِنْهُ , فَإِنَّ الْبَغْلَ مُذْ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ غَيْرُ الْحِمَارِ , وَلاَ يُسَمَّى حِمَارًا , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الْحِمَارِ , لأََنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ بِتَحْرِيمِ الْحِمَارِ , وَالْبَغْلُ لَيْسَ حِمَارًا ، وَلاَ جُزْءًا مِنْ الْحِمَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ : الْحِمَارُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ , وَالْفَرَسُ , وَالْبَغْلُ مِثْلُهُ , لأََنَّهُمَا ذَوَا حَافِرٍ مِثْلُهُ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْخَفِ قِيَاسٍ فِي الأَرْضِ , لأََنَّهُ يُقَالُ لَهُ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَك وَبَيْنَ مَنْ عَارَضَك فَقَالَ : قَدْ صَحَّ تَحْلِيلُ الْفَرَسِ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ , وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ ذَوَا حَافِرٍ مِثْلُهُ , فَهُمَا حَلاَلٌ ; فَهَلْ أَنْتُمَا فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ r إلَّا فَرَسَا رِهَانٍ أَوْ مَنْ قَالَ لَك : حِمَارٌ وَحْشٌ حَلاَلٌ بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ ذُو حَافِرٍ , فَالْفَرَسُ , وَالْبَغْلُ مِثْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ , بَلْ حِمَارُ الْوَحْشِ , وَالْفَرَسِ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْلِيلِهِمَا , وَالْحِمَارُ الأَهْلِيُّ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ , فَلاَ يَجُوزُ مُخَالَفَةُ النُّصُوصِ. وَأَمَّا الْبَغْلُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسِ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا. وَقَالَ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ. فَالْبَغْلُ حَلاَلٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لأََنَّهُ لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ ، وَلاَ يَحِلُّ مِنْ الْحِمَارِ إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ النَّصُّ مِنْ مِلْكِهِ , وَبَيْعِهِ , وَابْتِيَاعِهِ , وَرُكُوبِهِ , فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 998 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا حَرُمَ أَكْلُ لَحْمِهِ فَحَرَامٌ بَيْعُهُ وَلَبَنُهُ , لأََنَّهُ بَعْضُهُ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إِلاَّ أَلْبَانَ النِّسَاءِ فَهِيَ حَلاَلٌ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيُقَالُ : لَبَنُ الأَتَانِ , وَلَبَنُ الْخِنْزِيرِ , وَبَيْضُ الْغُرَابِ , وَبَيْضُ الْحَيَّةِ , وَبَيْضُ الْحِدَأَةِ كَمَا يُقَالُ يَدُ الْخِنْزِيرِ , وَرَأْسُ الْحِمَارِ , وَجَنَاحُ الْغُرَابِ , وَزِمِكَّى الْحِدَأَةِ ، وَلاَ فَرْقَ. 999 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ الْهُدْهُدِ , وَلاَ الصُّرَدِ , وَلاَ الضِّفْدَعِ , لِنَهْيِ النَّبِيِّ r عَنْ قَتْلِهَا , كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. 1000 - مَسْأَلَةٌ : وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَرِّيَّةُ وَالْبَحْرِيَّةُ حَلاَلٌ أَكْلُهَا , وَأَكْلُ بَيْضِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا مَعَ قوله تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ السُّلَحْفَاةِ , فَهِيَ حَلاَلٌ كُلُّهَا وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ النُّسُورُ , وَالرَّخَمُ , والبلزج , وَالْقَنَافِذُ , وَالْيَرْبُوعُ , وَأُمُّ حَبِينٍ وَالْوَبْرُ , وَالسَّرَطَانُ , وَالْجَرَاذِينُ , وَالْوَرَلُ , وَالطَّيْرُ كُلُّهُ , وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ أَنْ يُذَكَّى مِمَّا لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ. وَكَذَلِكَ الْخُفَّاشُ , وَالْوَطْوَاطُ , وَالْخَطَّافُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءٍ إبَاحَةَ أَكْلِ السُّلَحْفَاةِ , وَالسَّرَطَانِ. وَعَنْ طَاوُوس , وَالْحَسَنِ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ , وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ : إبَاحَةُ أَكْلِ السُّلَحْفَاةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَهَى الْمُحْرِمَ ، عَنْ قَتْلِ الرَّخَمَةِ وَجَعَلَ فِيهَا الْجَزَاءَ , فَإِنْ ذُكِرَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ : الْقُنْفُذُ خَبِيثٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَهُوَ ، عَنْ شَيْخٍ مَجْهُولٍ لَمْ يُسَمَّ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ , وَمَا خَالَفْنَاهُ. 1001 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ , وَلاَ شُرْبُ أَلْبَانِهَا , وَلاَ مَا تَصَرُّفُ مِنْهَا ; لأََنَّهُ مِنْهَا وَبَعْضُهَا , وَلاَ يَحِلُّ رُكُوبُهَا , وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ مِنْ الإِبِلِ وَغَيْرِ الإِبِلِ مِنْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ خَاصَّةً. وَلاَ يُسَمَّى الدَّجَاجُ , وَلاَ الطَّيْرُ : جَلَّالَةً , وَإِنْ كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَإِذَا قُطِعَ عَنْهَا أَكَلَهَا فَانْقَطَعَ عَنْهَا الأَسْمُ حَلَّ أَكْلُهَا , وَأَلْبَانُهَا , وَرُكُوبُهَا. لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ نَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ وَلُحُومِهَا وَعَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَا طَعَامُهُ الْجِلَّةُ , وَهِيَ الْعَذِرَةُ هَكَذَا رُوِّينَا ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ سُرَيْجٍ الرَّازِيّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَهْمٍ نَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ أَبِي قَيْسٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنِ الْجَلَّالَةِ فِي الإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَفِي هَذَا بَعْضُ مَا فِي ذَلِكَ. وَفِيهِ أَيْضًا زِيَادَةُ الرُّكُوبِ وَتَحْرِيمُهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِرَجُلٍ لَهُ إبِلٌ جَلَّالَةٌ : لاَ تَحُجَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَعْتَمِرْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ كَانَ عَطَاءٌ يَنْهَى ، عَنْ جَلَّالَةِ الإِبِلِ , وَالْغَنَمِ أَنْ تُؤْكَلَ فَإِنْ حَبَسْتهمَا وَعَلَفْتهمَا حَتَّى تَطِيبَ بُطُونُهُمَا فَلاَ بَأْسَ حِينَئِذٍ بِأَكْلِهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ أُصَاحِبُ أَحَدًا رَكِبَ جَلَّالَةً. 1002 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ مَا سُمِّيَ عَلَيْهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبًا بِتِلْكَ الذَّكَاةِ إلَيْهِ سَوَاءٌ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى مَعَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَكَذَلِكَ مَا ذُكِّيَ مِنْ الصَّيْدِ لِغَيْرِهِ تَعَالَى فَلَوْ قَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى الْمَسِيحِ , أَوْ قَالَ عَلَى مُحَمَّدٍ , أَوْ ذَكَرَ سَائِرَ الأَنْبِيَاءِ , فَهُوَ حَلاَلٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يُهِلَّ بِهِ لَهُمْ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَسَوَاءٌ ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ , أَوْ لَمْ يُذْكَرْ هُوَ مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ : قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا أَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُونَ : وَهَذَا لَيْسَ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى , لأََنَّ الَّذِي أَبَاحَ لَنَا ذَبَائِحَهُمْ ; وَعَلِمَ مَا يَقُولُونَ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُحَرِّمُ عَلَيْنَا مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ , فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ تَعَالَى لأََمْرٍ آخَرَ , وَلاَ بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمَا جَمِيعًا , وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ بِاسْتِثْنَاءِ الأَقَلِّ مِنْ الأَعَمِّ. وَرُوِيَتْ فِي هَذَا رِوَايَاتٌ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ , وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ , وَعَلِيٍّ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَبِي أُمَامَةَ , كُلُّهَا ، عَنْ مَجَاهِيلَ , أَوْ ، عَنْ كَذَّابٍ , أَوْ ، عَنْ ضَعِيفٍ ; وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ ، عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَمَّا ذُبِحَ لِعِيدِ النَّصَارَى فَقَالَتْ عَائِشَةُ : أَمَّا مَا ذُبِحَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ فَلاَ تَأْكُلُوا مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ مَا ذُبِحَ لِلْكَنِيسَةِ فَلاَ تَأْكُلْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ زَاذَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : إذَا سَمِعْت النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ : بِاسْمِ الْمَسِيحِ , فَلاَ تَأْكُلْ , وَإِذَا لَمْ تَسْمَعْ فَكُلْ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي ذَبِيحَةِ النَّصْرَانِيِّ إذَا تَوَارَى عَنْك فَكُلْ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ , قَالَ : كُلُّ مَا لَمْ تَسْمَعْهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنِ الْحَسَنِ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا ذُبِحَ لِلآلِهَةِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ وَكَّلَ بِهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا عَلَى ذَبَائِحِهِمْ , وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يُسَمُّوا اللَّهَ تَعَالَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : إذَا سَمِعْتَ فِي الذَّبِيحَةِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى , فَلاَ تَأْكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : إذَا سَمِعْته يُهِلُّ بِالْمَسِيحِ , فَلاَ تَأْكُلْ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَيُقَالُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا : قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَبَائِحَهُمْ , وَهُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَذْبَحُونَ الْخِنْزِيرَ , أَفَيَأْكُلُهُ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : لاَ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ فَيُقَالُ لَهُمْ : وَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ سَوَاءً سَوَاءً , وَلاَ فَرْقَ. 1003 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ فَقَتَلَهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْبِلاَدِ , أَوْ يَصِيدُهُ الْمُحِلُّ فِي حَرَمِ مَكَّةَ , أَوْ الْمَدِينَةِ فَقَطْ , فَقَتَلَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فَكُلُّ قَتْلٍ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَحَرَامٌ أَكْلُ مَا أُمِيتَ بِهِ , لأََنَّهُ غَيْرُ الذَّكَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : أَكْلُهُ حَلاَلٌ , كَذَبِيحَةِ الْغَاصِبِ , وَالسَّارِقِ , وَلاَ فَرْقَ. 1004 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِعَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : إنْ تَرَكَ عَمْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ , وَإِنْ تَرَكَ نِسْيَانًا حَلَّ أَكْلُهُ. وقال الشافعي : هُوَ حَلاَلٌ تَرَكَ عَمْدًا , أَوْ نِسْيَانًا. رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا خَرَجْتَ قَانِصًا لاَ تُرِيدُ إِلاَّ ذَلِكَ , فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ تَخْرُجُ , فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِيك. وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَنْ ذَبَحَ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَلْيُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَكَلَ. وَعَنْ عَطَاءٍ إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ : بِاسْمِ الشَّيْطَانِ فَكُلْ. وَرُوِّينَا ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ إبَاحَةَ أَكْلِ مَا نُسِيَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ , وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ تَحْرِيمُهُ فِي تَعَمُّدِ تَرْكِ الذِّكْرِ. قال أبو محمد : احْتَجَّ أَهْلُ الإِبَاحَةِ لِذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَخِي سُفْيَانَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَتْ الْيَهُودُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالُوا : أَنَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا , وَلاَ نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ الآيَةِ. قال علي : هذا مِنْ التَّمْوِيهِ الْقَبِيحِ , وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ ذِكْرٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ لأَِبَاحَةِ أَكْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ , بَلْ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَافِيَةٌ. فأما قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا الأَحْوَصُ بْنُ حَكِيمٍ ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ النَّبِيُّ r : إنَّ ذَبِيحَةَ الْمُسْلِمِ حَلاَلٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ. فَهَذَا مُرْسَلٌ , وَالأَحْوَصُ بْنُ حَكِيمٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ , وَرَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ ضَعِيفٌ. وَخَبَرٌ آخَرُ : مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا ثَوْرُ الشَّامِيُّ ، عَنِ الصَّلْتِ مَوْلَى سُوَيْد قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ r : ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلاَلٌ وَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ لأََنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَمْ يَذْكُرْ إِلاَّ اللَّهَ تَعَالَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ لاَ حُجَّةَ فِيهِ , وَالصَّلْتُ أَيْضًا مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وقال بعضهم : إنَّمَا ذَبَحْت بِدِينِك. قَالَ عَلِيٌّ : وَمَا نَذْبَحُ إِلاَّ بِأَدْيَانِنَا وَبِمَا يَنْهَرُ الدَّمَ , وَمِنْ الذَّبْحِ بِالدِّينِ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ لَمْ يُسَمِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَذْبَحْ بِدِينِهِ ، وَلاَ كَمَا أُمِرَ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : رُفِعَ ، عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ صَلاَةَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا نَاسِيًا , وَصَوْمَ مَنْ أَكَلَ فِيهِ نَاسِيًا , فَمَا الْفَرْقُ قَالُوا : وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ إخْرَاجٌ لِلنَّاسِي مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ , لأََنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ فِسْقًا. هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا سُقُوطُ الْجُنَاحِ فِي الْخَطَأِ , وَسُقُوطُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ , وَرَفْعُهُمَا عَنَّا , فَنَعَمْ وَهُوَ قَوْلُنَا , وَهَكَذَا نَقُولُ : إنَّهُ هَهُنَا مَرْفُوعٌ عَنْهُ الإِثْمُ وَالْحَرَجُ إذَا نَسِيَ التَّسْمِيَةَ , لَكِنَّا قلنا : إنَّهُ لَمْ يُذَكِّ , لَكِنْ ظَنَّ أَنَّهُ ذَكَّى وَلَمْ يُذَكِّ , كَمَنْ نَسِيَ الصَّلاَةَ وَظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ , فَلَمَّا لَمْ يُذَكِّ كَانَ مَيْتَةً لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَانَا أَنْ نَأْكُلَ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ مَتَى وُجِدَتْ فِي مَذْبُوحٍ أَوْ مَنْحُورٍ أَوْ تَصَيُّدٍ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا جَهِلُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُ مِنْ ذَلِكَ : هُوَ أَنَّ الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْ نَسِيَ أَنْ يَعْمَلَهُ , أَوْ تَعَمَّدَ أَنْ لاَ يَعْمَلَهُ , فَلَمْ يَعْمَلْهُ إِلاَّ أَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ حَرِجٍ فِي نِسْيَانِهِ وَالْعَامِدَ فِي حَرَجٍ , وَكُلُّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْمَرْءُ مِمَّا أُمِرَ بِهِ فَزَادَ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ نَاسِيًا فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ نَاسِيًا , وَعَمَلُهُ لِمَا عَمِلَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ صَحِيحٌ جَائِزٌ جَازَ فَهَذَا هُوَ حُكْمُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ إِلاَّ مَا جَاءَ نَصٌّ بِإِخْرَاجِهِ ، عَنْ هَذَا الْحُكْمِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَأَمَّا قوله تعالى : وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ فَلَمْ نَقُلْ قَطُّ : إنَّ نِسْيَانَ النَّاسِي لِتَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَبِيحَتِهِ وَنَحِيرَتِهِ وَصَيْدِهِ : فِسْقٌ ، وَلاَ قلنا : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى نِسْيَانَهُ لِذَلِكَ : فِسْقًا , لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى ذَلِكَ الْعَقِيرَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ : فِسْقًا هَذَا نَصُّ الآيَةِ الَّذِي لاَ يَجُوزُ إحَالَتُهَا عَنْهُ أَنَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ فِسْقٌ , وَالْفِسْقُ مُحَرَّمٌ , وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ بِنَصِّ الآيَةِ الَّتِي لاَ تَحْتَمِلُ تَأْوِيلاً سِوَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. نَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا أَبُو ثَوْرٍ نَا مُعَلَّى نَا هُشَيْمٌ , عَنْ يُونُسَ ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ : إنَّ رَجُلاً نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى شَاةٍ ذَبَحَهَا فَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ غُلاَمَهُ فَقَالَ : إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا لأََحَدٍ فَقُلْ لَهُ : إنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : إنَّ هَذَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهَا حِينَ ذَبَحَهَا وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : لاَ تَأْكُلْ إِلاَّ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ أَشْعَثَ هُوَ الْحُمْرَانِيُّ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ ذَبَحَ وَنَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ فَتَلاَ عَبْدُ اللَّهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ صَحِيحُ الصُّحْبَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِنِسْيَانٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : إذَا وَجَدْت سَهْمًا فِي صَيْدٍ وَقَدْ مَاتَ فَلاَ تَأْكُلْهُ , إنَّك لاَ تَدْرِي مَنْ رَمَاهُ ، وَلاَ تَدْرِي أَسَمَّى أَمْ لَمْ يُسَمِّ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ الْمُنْقِرِيُّ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِيمَا نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَرَأَيْت لَوْ قُلْتُ : كُلْ وَقَالَ اللَّهُ : لاَ تَأْكُلْ أَكُنْتَ تَأْكُلُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ مَا نَسِيَ ذَابِحُهُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ مَا نَسِيَ ذَابِحُهُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِ , وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نَا زَائِدَةُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ نَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ r : مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَكُلْ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ نَا الشَّعْبِيُّ سَمِعْت عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ يَقُولُ : قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ r أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَ كَلْبِي كَلْبًا قَدْ أَخَذَ لاَ أَدْرِي أَيَّهُمَا أَخَذَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : فَلاَ تَأْكُلْ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ فَجَعَلَ عليه السلام الْمَانِعَ مِنْ الأَكْلِ لأََنَّهُ لَمْ يُسَمِّ عَلَى الَّذِي لاَ يَدْرِي أَهُوَ قَتَلَهُ أَمْ غَيْرُهُ. 1005 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ سَمَّى بِالْعَجَمِيَّةِ فَقَدْ سَمَّى كَمَا أُمِرَ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْتَرِطْ لُغَةً مِنْ لُغَةٍ ، وَلاَ تَسْمِيَةً مِنْ تَسْمِيَةٍ , فَكَيْفَمَا سَمَّى فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1006 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ ذَبَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَنَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى , أَوْ تَعَمَّدَ فَهُوَ ضَامِنٌ مِثْلَ الْحَيَوَانِ الَّذِي أَفْسَدَ , لأََنَّهُ مَيْتَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا فَقَدْ أَفْسَدَ مَالَ أَخِيهِ , وَأَمْوَالُ النَّاسِ تُضْمَنُ بِالْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1007 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا نَحَرَهُ أَوْ ذَبَحَهُ إنْسَانٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ مَالِكِهِ بِغَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ تَعَدٍّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ وَيَضْمَنُهُ قَاتِلُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ نَظَرًا صَحِيحًا كَخَوْفِ أَنْ يَمُوتَ فَبَادَرَ بِذَكَاتِهِ , أَوْ نَظَرًا لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ غَائِبٍ , أَوْ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَقَالَ تَعَالَى وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ. فَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا أَبِحَقٍّ ذَبَحَ هَذَا الْحَيَوَانَ أَوْ نَحَرَ , أَمْ بِبَاطِلٍ , وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَلاَ يَقُولُ مُسْلِمٌ : إنَّهُ ذَبَحَ بِحَقٍّ , فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ نَحَرَ وَذَبَحَ بِبَاطِلٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ أَكْلُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْحَيَوَانَ حَرَامٌ أَكْلُهُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْنَا , فَالذَّكَاةُ حَقٌّ مَأْمُورٌ بِهِ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى لاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا حُرِّمَ مِنْ الْحَيَوَانِ إِلاَّ بِهِ , وَذَبْحُ الْمُعْتَدِي بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلاَ خِلاَفٍ وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ ، عَنِ الطَّاعَةِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْفُرُوجَ الْمُحَرَّمَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ بِالْعَقْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ لاَ بِالْعَقْدِ الْمُحَرَّمِ : فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا الْحَيَوَانَ الْمُحَرَّمَ بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَصَيُّدِ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِ , وَبَيْنَ ذَبْحِ الْمُتَعَدِّي لِمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ الثَّابِتَةُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ نَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِع بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلاً فَعَجَّلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r فَأُكْفِئَتْ , ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ r قَدْ أَمَرَ بِهَرْقِ الْقُدُورِ الَّتِي فِيهَا اللَّحْمُ الْمَذْبُوحُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَلاَلاً أَكْلُهُ مَا أَمَرَ بِهَرْقِهِ , لأََنَّهُ عليه السلام نَهَى ، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ حَرَامٌ مَحْضٌ , وَأَنَّ ذَبْحَهُ وَنَحْرَهُ تَعَدٍّ يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَلاَ يُبِيحُ الأَكْلَ. وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِ حُجَّةً أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ مَوَّهَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي جِنَازَةٍ , فَاسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فَأَكَلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ r يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فِيهِ ثُمَّ قَالَ : أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا , فَأَرْسَلَتْ الْمَرْأَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْسَلْتُ إلَى الْبَقِيعِ مَنْ يَشْتَرِي لِي شَاةً فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إلَى جَارٍ لِي قَدْ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إلَيَّ بِثَمَنِهَا , فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إلَى امْرَأَتِهِ , فَأَرْسَلَتْ إلَيَّ بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَطْعِمِيهِ الأُُسَارَى. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , بَلْ هُوَ لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ : أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ ، وَلاَ يُدْرَى أَصَحَّتْ صُحْبَتُهُ أَمْ لاَ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَسْتَحِلَّ أَكْلَهُ ، وَلاَ أَبَاحَ لأََحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْهُ , بَلْ أَمَرَ بِأَنْ يُطْعِمَ الْكُفَّارَ الْمُسْتَحِلِّينَ لِلْمَيْتَةِ , وَلَعَلَّ أُولَئِكَ الأُُسَارَى كَانُوا مَرْضَى يَحِلُّ لَهُمْ التَّدَاوِي بِالْمَيْتَةِ , مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ غَصْبًا ، وَلاَ مَسْرُوقَةً , وَإِنَّمَا أَخَذَتْهَا بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ عِنْدَ نَفْسِهَا , لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ مَالِكِهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا لِمُسْلِمٍ , فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ تِلْكَ الشَّاةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ , وَذَلِكَ مَنْصُوصٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ " ابْعَثْهَا إلَيَّ بِثَمَنِهَا " وَنَحْنُ نَأْتِيهِمْ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ بِعَيْنِهَا بِمَا هُوَ حُجَّةٌ مُبَيَّنَةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ , فَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا , فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي , إذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r يَمْشِي عَلَى قَوْسِهِ فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ ثُمَّ قَالَ : إنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنْ الْمَيْتَةِ , أَوْ إنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنْ النُّهْبَةِ ; شَكَّ أَبُو الأَحْوَصِ فِي أَيَّتِهِمَا قَالَ عليه السلام. فَهَذَا ذَلِكَ الإِسْنَادُ نَفْسُهُ بِبَيَانٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ مِنْ إفْسَادِهِ r اللَّحْمَ الْمَذْبُوحَ مُنْتَهَبًا غَيْرَ مَقْسُومٍ وَخَلَطَهُ بِالتُّرَابِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ حَرَامٌ بَحْتٌ لاَ يَحِلُّ أَصْلاً , إذْ لَوْ حَلَّ لَمَا أَفْسَدَهُ عليه السلام ; فَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنْ تَكُونَ طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ حُجَّةً فِيمَا لاَ بَيَانَ فِيهَا مِنْهُ , وَلاَ تَكُونُ حُجَّةً فِيمَا فِيهَا الْبَيَانُ الْجَلِيُّ مِنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ طَاوُوس , وَعِكْرِمَةَ النَّهْيَ ، عَنْ أَكْلِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِ , وَلاَ نَعْلَمُ خِلاَفَ قَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلاَ عَنْ تَابِعٍ إِلاَّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1008 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ فَخْرًا أَوْ مُبَاهَاةً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَهَذَا مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ نَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ : لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ , وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ , وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا , وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ قَالَ : سَمِعْت الْجَارُودَ بْنَ أَبِي سَبْرَةَ يَقُولُ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي رِيَاحٍ يُقَالُ لَهُ : ابْنُ وَثِيلٍ هُوَ سُحَيْمٌ قَالَ : وَكَانَ شَاعِرًا نَافِرًا غَالِبًا أَبَا الْفَرَزْدَقِ الشَّاعِرُ بِمَاءٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ عَلَى أَنْ يَعْقِرَ هَذَا مِائَةً مِنْ إبِلِهِ وَهَذَا مِائَةً مِنْ إبِلِهِ إذَا وَرَدَتْ , فَلَمَّا وَرَدَتْ الإِبِلُ الْمَاءَ قَامَا إلَيْهَا بِالسُّيُوفِ فَجَعَلاَ يَكْسَعَانِ عَرَاقِيبَهَا , فَخَرَجَ النَّاسُ عَلَى الْحُمُرَاتِ يُرِيدُونَ اللَّحْمَ وَعَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ فَخَرَجَ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ يُنَادِي : أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِهَا فَإِنَّهَا مِمَّا أُهِلَّ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ لاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةٌ ذَبَحَهَا الشُّعَرَاءُ فَخْرًا وَرِيَاءً , وَلاَ مَا ذَبَحَهُ الأَعْرَابُ عَلَى قُبُورِهِمْ , وَلاَ يُعْلَمُ لِعَلِيٍّ t فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ فَهُوَ بُرْهَانٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ تَحْرِيمِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ , وَالْغَاصِبِ , وَالْمُتَعَدِّي لأََنَّ هَؤُلاَءِ بِلاَ شَكٍّ مِمَّنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَذَبَائِحُهُمْ وَنَحَائِرُهُمْ مِمَّنْ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ بِيَقِينٍ , إذْ لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَعْصِيَ أَحَدٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَؤُلاَءِ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلاَ شَكٍّ , مُخَالِفُونَ لأََمْرِهِ فِي ذَلِكَ الذَّبْحِ نَفْسِهِ , وَفِي ذَلِكَ الْعَقْرِ نَفْسِهِ. 1009 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا جَوَازُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَمَصْلَحَةً فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ; فَحِفْظُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَاجِبٌ وَبِرٌّ وَتَقْوَى , وَإِضَاعَتُهُ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ وَحَرَامٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ نَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ بِأَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا فَقَالَ لأََهْلِهِ : لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ r فَأَسْأَلَهُ أَوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ r فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ r بِأَكْلِهَا 1010 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ خَرَجَتْ بَيْضَةٌ مِنْ دَجَاجَةٍ مَيِّتَةٍ أَوْ طَائِرٍ مَيِّتٍ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَوْ ذُكِّيَ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ قِشْرٍ فَأَكْلُهَا حَلاَلٌ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ قِشْرٍ بَعْدُ فَهِيَ حَرَامٌ ; لأََنَّهَا إذَا صَارَتْ ذَاتَ قِشْرٍ فَقَدْ بَايَنَتْ الْمَيْتَةَ وَصَارَتْ مُنْحَازَةً عَنْهَا , وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ قِشْرٍ فَهِيَ حِينَئِذٍ بَعْضُ حَشْوَتِهَا وَمُتَّصِلَةٌ بِهَا فَهِيَ حَرَامٌ. 1011 - مَسْأَلَةٌ : وَلَوْ طُبِخَ بَيْضٌ فَوُجِدَ فِي جُمْلَتِهَا بَيْضَةٌ فَاسِدَةٌ قَدْ صَارَتْ دَمًا أَوْ فِيهَا فَرْخٌ رُمِيَتْ الْفَاسِدَةُ وَأُكِلَ سَائِرُ الْبَيْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَالْحَلاَلُ حَلاَلٌ لاَ يُفْسِدُهُ مُجَاوَرَةُ الْحَرَامِ لَهُ , وَالْحَرَامُ حَرَامٌ لاَ يُصْلِحُهُ مُجَاوَرَةُ الْحَلاَلِ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1012 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ خُبْزٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ طُبِخَ أَوْ شُوِيَ بِعَذِرَةٍ أَوْ بِمَيْتَةٍ فَهُوَ حَلاَلٌ كُلُّهُ , لأََنَّهُ لَيْسَ مَيْتَةً ، وَلاَ عَذِرَةً , وَالْعَذِرَةُ وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ , وَمَا أُحِلَّ فَهُوَ حَلاَلٌ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَيْنُ الْعَذِرَةِ أَوْ الْمَيْتَةِ فَهُوَ حَلاَلٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ طَعَامٌ فِي خَمْرٍ , أَوْ فِي عَذِرَةٍ فَغُسِلَ حَتَّى لاَ يَكُونَ لِلْحَرَامِ فِيهِ عَيْنٌ فَهُوَ حَلاَلٌ , إذْ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ. 1013 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ مَاتَ حَيَوَانٌ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَوْ ذُكِّيَ فَحُلِبَ مِنْهُ لَبَنٌ فَاللَّبَنُ حَلاَلٌ , لأََنَّ اللَّبَنَ حَلاَلٌ بِالنَّصِّ , فَلاَ يُحَرِّمُهُ كَوْنُهُ فِي ضَرْعِ مَيْتَةٍ , لأََنَّهُ قَدْ بَايَنَهَا بَعْدُ , وَهُوَ وَمَا حُلِبَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا ثُمَّ مَاتَتْ سَوَاءٌ , وَإِنَّمَا هُوَ لَبَنٌ حَلاَلٌ فِي وِعَاءٍ حَرَامٍ فَقَطْ , فَهُوَ وَاَلَّذِي فِي وِعَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ سَوَاءٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1014 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ السُّمِّ الْقَاتِلِ بِبُطْءٍ أَوْ تَعْجِيلٍ ، وَلاَ مَا يُؤْذِي مِنْ الأَطْعِمَةِ , وَلاَ الإِكْثَارُ مِنْ طَعَامٍ يُمْرِضُ الإِكْثَارُ مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ : سَمِعْت أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ قَالَ " شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ بِهِ دَوَاءً إِلاَّ الْهَرَمَ قَالَ عَلِيٌّ : زِيَادٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ , وَسُفْيَانُ , وَسُفْيَانُ وَمِسْعَرٌ , وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ , وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ هُمْ الَّذِينَ لاَ يَكْتَوُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ حُمِدَ لِتَرْكِ الدَّوَاءِ أَصْلاً , وَلاَ ذِكْرَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ , وَأَمْرُهُ عليه السلام بِالتَّدَاوِي : نَهْيٌ ، عَنْ تَرْكِهِ , وَأَكْلُ الْمُضِرِّ : تَرْكٌ لِلتَّدَاوِي , فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1015 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ حَيَوَانٍ ذَكِيٍّ فَوُجِدَ فِي بَطْنِهِ جَنِينٌ مَيِّتٌ , وَقَدْ كَانَ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَهُوَ مَيِّتَةٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ , فَلَوْ أُدْرِكَ حَيًّا فَذُكِّيَ حَلَّ أَكْلُهُ , فَلَوْ كَانَ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَهُوَ حَلاَلٌ إِلاَّ إنْ كَانَ بَعْدُ دَمًا لاَ لَحْمَ فِيهِ , وَلاَ مَعْنَى لأَِشْعَارِهِ ، وَلاَ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ. وَقَالَ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ. وَبِالْعِيَانِ نَدْرِي أَنَّ ذَكَاةَ الأُُمِّ لَيْسَتْ ذَكَاةً لِلْجَنِينِ الْحَيِّ , لأََنَّهُ غَيْرُهَا وَقَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى , فأما إذَا كَانَ لَحْمًا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَهُوَ بَعْضُهَا وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ حَيًّا فَيَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ. وَقَدْ احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِأَخْبَارٍ وَاهِيَةٍ : مِنْهَا : مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ وَعَطِيَّةُ هَالِكٌ. وَمِنْ طَرِيق إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r بِمِثْلِهِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي الْجَنِينِ كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ , مُجَالِدٌ ضَعِيفٌ , وَأَبُو الْوَدَّاكِ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r : ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ حَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ ] مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ اللَّيْثِ عَنْهُ , أَوْ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ ; فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ وَهَذَا مِنْ هَذَا النَّمَطِ لاَ يُدْرَى مِمَّنْ أَخَذَهُ ، عَنْ جَابِرٍ فَهُوَ ، عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ. ثُمَّ لَمْ يَأْتِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ شُعَيْبٍ , وَالْحَسَنِ بْنِ بِشْرٍ , وَعَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَدَّاحِ وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى قَالَ : ذُكِرَ لِي ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي الْجَنِينِ إذَا أَشْعَرَ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَبُو حُذَيْفَةَ ضَعِيفٌ , وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَسْقَطُ مِنْهُ ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r : ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا أَشْعَرَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ , ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالُوا : هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يَقُولُونَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي جَنِينِ النَّاقَةِ إذَا تَمَّ وَأَشْعَرَ : فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَيُنْحَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ إذَا أَشْعَرَ جَنِينُ النَّاقَةِ فَكُلْهُ , فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَعَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى جَنِينِ نَاقَةٍ وَأَخَذَ بِذَنَبِهِ وَقَالَ : هَذَا مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ نَحْرُ جَنِينِ النَّاقَةِ نَحْرُ أُمِّهِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , وطَاوُوس , وَأَبِي ظَبْيَانَ , وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ , وَالْحَسَنِ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَنَافِعٍ , وَعِكْرِمَةَ , وَمُجَاهِدٍ , وَعَطَاءٍ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى , وَالزُّهْرِيِّ , وَمَالِكٍ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , وَالشَّافِعِيِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي جَنِينِ الْمَذْبُوحَةِ قَالَ : لاَ تَكُونُ ذَكَاةُ نَفْسٍ ، عَنْ نَفْسَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَزُفَرَ : . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمَيْمُونِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْبَجَلِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ عُمَرَ النَّصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَيَّانَ قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ النَّاقَةُ تُذْبَحُ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ يَرْتَكِضُ فَيُشَقُّ بَطْنُهَا فَيَخْرُجُ جَنِينُهَا أَيُؤْكَلُ قَالَ : نَعَمْ , قُلْت : إنَّ الأَوْزَاعِيَّ قَالَ : لاَ يُؤْكَلُ , قَالَ : أَصَابَ الأَوْزَاعِيُّ فَهَذَا قَوْلٌ لِمَالِكٍ أَيْضًا. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِ : فَرُوِّينَا ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. قَالَ : إذَا عَلِمَ أَنَّ مَوْتَ الْجَنِينِ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ أُكِلَ وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ , قِيلَ لَهُ : مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ ذَلِكَ قَالَ : إذَا خَرَجَ لَمْ يَنْتَفِخْ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ مَوْتُهَا. وقال بعضهم : لاَ يُؤْكَلُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَشْعَرَ وَتَمَّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى , وَالزُّهْرِيِّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَنَافِعٍ , وَعِكْرِمَةَ , وَمُجَاهِدٍ , وَعَطَاءٍ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ يَحْيَى : فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إِلاَّ أَنْ يُذَكَّى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ , إِلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ : إنْ خَرَجَ حَيًّا كُرِهَ أَكْلُهُ , وَلَيْسَ حَرَامًا. وَقَالَ آخَرُونَ : أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ هُوَ حَلاَلٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَاللَّيْثِ , وَسُفْيَانَ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , وَالشَّافِعِيِّ. قال أبو محمد : لَوْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r لَقُلْنَا بِهِ مُسَارِعِينَ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ الْقُرْآنِ لِقَوْلِ قَائِلٍ أَوْ قَائِلِينَ : فأما أَبُو حَنِيفَةَ , فَإِنَّهُ يُشَنِّعُ , بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ , وَخِلاَفِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ , وَيَرَى ذَلِكَ خِلاَفًا لِلإِجْمَاعِ , هَذَا مَكَانٌ خَالَفَ فِيهِ الصَّحَابَةَ وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ وَالآثَارُ الَّتِي يَحْتَجُّ هُوَ بِأَسْقَطَ مِنْهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ. وَأَمَّا مَالِكٌ , فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ الْجَنِينَ إذَا خَرَجَ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ حَيًّا , وَمَا نَعْلَمُ هَذَا ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ. وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَكِيًّا بِذَكَاةِ أُمِّهِ أَنَّهُ إنْ عَاشَ وَكَبُرَ وَأَلْقَحَ وَنَتَجَ أَنَّهُ حَلاَلٌ أَكْلُهُ مَتَى مَاتَ , لأََنَّهُ ذُكِّيَ بَعْدُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا , فَكِلاَهُمَا خَالَفَ الإِجْمَاعَ , أَوْ مَا يَرَاهُ إجْمَاعًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ]. 1016 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الأَكْلُ ، وَلاَ الشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لاَ لِرَجُلٍ ، وَلاَ لأَمْرَأَةٍ , فَإِنْ كَانَ مُضَبَّبًا بِالْفِضَّةِ جَازَ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , لأََنَّهُ لَيْسَ إنَاءَ فِضَّةٍ , فَإِنْ كَانَ مُضَبَّبًا بِالذَّهَبِ , أَوْ مُزَيَّنًا بِهِ حَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ , لأََنَّ فِيهِ اسْتِعْمَالَ ذَهَبٍ وَحَلَّ لِلنِّسَاءِ لأََنَّهُ لَيْسَ إنَاءُ ذَهَبٍ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ هُوَ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ فَهَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَصَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : أَنَّ الذَّهَبَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِهِ حِلٌّ لأَِنَاثِهَا. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيٍّ t أَنَّهُ أُتِيَ بفالوذج فِي إنَاءِ فِضَّةٍ فَأَخْرَجَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى رَغِيفٍ وَأَكَلَهُ إِلاَّ أَنْ يَصِحَّ مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ قَاضِي سَرَقُسْطَةَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُطَّوِّعِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَاكِمُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ بِنَيْسَابُورَ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ بِمَكَّةَ , قَالاَ جَمِيعًا : ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَارِي ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ. فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ قلنا بِهِ عَلَى نَصِّهِ , وَلَمْ يَحِلَّ الشُّرْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِرَجُلٍ ، وَلاَ لأَمْرَأَةٍ , وَإِنَّمَا تَوَقَّفْنَا عَنْهُ لأََنَّ زَكَرِيَّا بْنَ إبْرَاهِيمَ لاَ نَعْرِفُهُ بِعَدْلٍ ، وَلاَ جِرَاحَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْعَلاَءِ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ : قَالَ عَمْرٌو : مَنْ شَرِبَ فِي قَدَحٍ مُفَضَّضٍ سَقَاهُ اللَّهُ جَمْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَشْرَبُ بِقَدَحٍ فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ ، وَلاَ حَلَقَةُ فِضَّةٍ : وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِثْلُ هَذَا وَعَنْ آخَرِينَ إبَاحَتُهُ 1017 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الْقِرَانُ فِي الأَكْلِ إِلاَّ بِإِذْنِ الْمُؤَاكَلِ , وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ أَنْتَ شَيْئَيْنِ شَيْئَيْنِ وَيَأْخُذَ هُوَ وَاحِدًا وَاحِدًا كَتَمْرَتَيْنِ وَتَمْرَةٍ , أَوْ تِينَتَيْنِ وَتِينَةٍ , وَنَحْوِ ذَلِكَ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ كُلُّهُ لَك فَافْعَلْ فِيهِ مَا شِئْت. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا آدَم ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ وَهُوَ يَمُرُّ بِهِمْ وَهُمْ يَأْكُلُونَ لاَ تُقَارِنُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنِ الْقِرَانِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ قَالَ شُعْبَةُ : الإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. قال علي : هذا أَعَمُّ مِمَّا رَوَاهُ سُفْيَانُ ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ , فَإِذَا أَذِنَ الْمُؤَاكِلُ فَهُوَ حَقُّهُ تَرَكَهُ. 1017 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الْقِرَانُ فِي الأَكْلِ إِلاَّ بِإِذْنِ الْمُؤَاكَلِ , وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ أَنْتَ شَيْئَيْنِ شَيْئَيْنِ وَيَأْخُذَ هُوَ وَاحِدًا وَاحِدًا كَتَمْرَتَيْنِ وَتَمْرَةٍ , أَوْ تِينَتَيْنِ وَتِينَةٍ , وَنَحْوِ ذَلِكَ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ كُلُّهُ لَك فَافْعَلْ فِيهِ مَا شِئْت. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا آدَم ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ وَهُوَ يَمُرُّ بِهِمْ وَهُمْ يَأْكُلُونَ لاَ تُقَارِنُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنِ الْقِرَانِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ قَالَ شُعْبَةُ : الإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. قال علي : هذا أَعَمُّ مِمَّا رَوَاهُ سُفْيَانُ ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ , فَإِذَا أَذِنَ الْمُؤَاكِلُ فَهُوَ حَقُّهُ تَرَكَهُ. 1019 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ جُبْنٍ عُقِدَ بِإِنْفَحَة مَيْتَةٍ لأََنَّ أَثَرَهَا ظَاهِرٌ فِيهِ وَهُوَ عَقْدُهَا لَهُ لِمَا ذَكَرَ آنِفًا وَهَكَذَا كُلُّ مَا مُزِجَ بِحَرَامٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1020 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ , لأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r بِهَرْقِهِ , فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَلَغْ فِيهِ فَهُوَ كُلُّهُ حَلاَلٌ وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1021 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الأَكْلُ مِنْ وَسَطِ الطَّعَامِ ، وَلاَ أَنْ تَأْكُلَ مِمَّا لاَ يَلِيَك سَوَاءٌ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا أَوْ أَصْنَافًا شَتَّى , فَلَوْ أَنَّ الْمَرْءَ أَخَذَ شَيْئًا مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ ثُمَّ جَعَلَهُ أَمَامَ نَفْسِهِ وَتَرَكَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَأَكَلَهُ فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ : ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ : قَالَ لَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ فَكُلُوا مِنْ نَوَاحِيهِ ، وَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ سَمَاعُ سُفْيَانَ , وَشُعْبَةَ , وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ كَانَ قَبْلَ اخْتِلاَطِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُُوَيْسِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ : كُلْ مِمَّا يَلِيَكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْعَطَّارُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ : اُدْنُهُ يَا بُنَيَّ فَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيَكَ فَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام صِنْفًا مِنْ أَصْنَافٍ. وَذَكَرَ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ ذَلِكَ خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ الْمُنْقِرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْهُذَيْلِ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَتَوْا بِحَفْنَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ ثُمَّ أَتَيْنَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ طَعَامٍ وَاحِدٍ , قَالَ : وَجَالَتْ يَدُ النَّبِيِّ r فِي الطَّبَقِ فَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ ضَعِيفٌ جِدًّا لاَ يُحْتَجُّ بِهِ , وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ رَسُولُ اللَّهِ r لأََنَّهُ لاَ يَكَادُ يُوجَدُ طَعَامٌ لاَ يَكُونُ أَصْنَافًا إِلاَّ فِي النُّدْرَةِ ; فَالثَّرِيدُ فِيهِ لَحْمٌ وَخُبْزٌ , وَرُبَّمَا بَصَلٌ وَحِمَّصٌ وَالْمَرَقُ كَذَلِكَ , وَيَكُونُ فِي اللَّحْمِ كَبِدٌ وَشَحْمٌ وَلَحْمٌ وَصُدْرَةٌ وَظَهْرٌ , وَهَكَذَا فِي أَكْثَرِ الأَشْيَاءِ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ أَنَسٍ : دَعَا رَسُولَ اللَّهِ r رَجُلٌ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَجِيءَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا دُبَّاءُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r يَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ الدُّبَّاءِ وَتُعْجِبُهُ , قَالَ أَنَسٌ : فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ إلَيْهِ ، وَلاَ أَطْعَمُهُ. وَفِيهِ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الثِّقَاتِ : فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الصَّحْفَةِ فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إنَّمَا هَذَا فِي الدُّبَّاءِ خَاصَّةً. قال أبو محمد : وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا كَذَلِكَ لأََنَّهُ فِعْلٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَمْ يَقُلْ : إنَّهُ خَاصٌّ بِالدُّبَّاءِ , فَلاَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقُولَهُ , لَكِنْ نَقُولُ : إنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الأَصْلِ , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ مُبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ عليه السلام : كُلْ مِمَّا يَلِيَكَ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ بِأَمْرِهِ عليه السلام بِالأَكْلِ مِمَّا يَلِي الآكِلَ , وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ عَادَ مُبَاحًا لَمْ يُصَدَّقْ إِلاَّ بِبُرْهَانٍ لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَمَّا تَدَبَّرْنَاهُ وَجَدْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ لاَ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام أَخَذَ الدُّبَّاءَ مِمَّا لاَ يَلِيهِ وَمَنْ ادَّعَى هَذَا فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ وَقَالَ مَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ. وَقَدْ يَكُونُ الدُّبَّاءُ فِي نَوَاحِي الصَّحْفَةِ مِمَّا يَلِي النَّبِيَّ r عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَيَتَتَبَّعُهُ مِمَّا يَلِيهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ , وَهَذَا الَّذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ الْخَبَرَ عَلَى مَا سِوَاهُ. إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَظُنُّ الْمُخَالِفُ أَصْلاً : فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِذَا أَخَذَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ مِمَّا لاَ يَلِيهِ ثُمَّ جَعَلَهُ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا نَهَى ، عَنْ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا لاَ يَلِيهِ , وَهَذَا لَمْ يَأْكُلْ مِمَّا لاَ يَلِيهِ فَإِذَا صَارَ أَمَامَهُ فَلَهُ أَكْلُهُ حِينَئِذٍ , لأََنَّهُ مِمَّا يَلِيهِ وَقَدْ اجْتَرَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الضَّبَّ مِنْ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَكَلَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ r ذَلِكَ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الضَّبِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1022 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ فَلاَ يَأْكُلُ إِلاَّ مِمَّا يَلِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَإِنْ أَدَارَ الصَّحْفَةَ فَلَهُ ذَلِكَ , لأََنَّهُ لَمْ يُنْهَ ، عَنْ ذَلِكَ , فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُدِيرَ الصَّحْفَةَ لأََنَّ وَاضِعَهَا أَمْلَكُ بِوَضْعِهَا , وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إدَارَتَهَا إنَّمَا جَعَلَ لَهُ الأَكْلَ مِمَّا يَلِيهِ فَقَطْ , فَإِنْ كَانَتْ الْقَصْعَةُ وَالطَّعَامُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُدِيرَهَا كَمَا يَشَاءُ , وَأَنْ يَرْفَعَهَا إذَا شَاءَ ; لأََنَّهُ مَالُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إِلاَّ مِمَّا يَلِيهِ , لأََنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ r بِذَلِكَ عُمُومٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. 1023 - مَسْأَلَةٌ : وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ عَلَى كُلِّ آكِلٍ عِنْدَ ابْتِدَاءِ أَكْلِهِ ، وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ بِشِمَالِهِ إِلاَّ أَنْ لاَ يَقْدِرَ فَيَأْكُلَ بِشِمَالِهِ لأََمْرِ النَّبِيِّ r عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا بِالتَّسْمِيَةِ وَالأَكْلِ بِالْيَمِينِ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r : لاَ تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ وَهَذَا عُمُومٌ فِي النَّهْيِ ، عَنْ شِمَالِهِ وَشِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. وَقَالَ النَّبِيُّ r : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَمَنْ تَحَكَّمَ فَجَعَلَ بَعْضَ الأَوَامِرِ فَرْضًا وَبَعْضَهَا نَدْبًا فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَقَالَ تَعَالَى وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. 1024 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الأَكْلُ فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى تُغْسَلَ بِالْمَاءِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا أَيْضًا لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ سَرِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ : سَمِعْت رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ يَقُولُ : ، حَدَّثَنَا أَبُو إدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ : سَمِعْت أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ فَقَالَ عليه السلام : أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ تَأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهَا. وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ ، حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُنْقِرِيُّ أَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ قَتَادَةَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَطْبُخُ فِي قُدُورِهِمْ وَنَشْرَبُ فِي آنِيَتِهِمْ قَالَ : إنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ اُطْبُخُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اُكْتُبْ لِي بِأَرْضٍ قَالَ : كَيْفَ أَكْتُبُ لَكَ وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ قَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَمْلِكَنَّ مَا تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ , فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ r وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضٍ أَهْلُهَا أَهْلُ كِتَابٍ نَحْتَاجُ مِنْهَا إلَى قُدُورِهِمْ وَآنِيَتِهِمْ , فَقَالَ : لاَ تَقْرَبُوهَا مَا وَجَدْتُمْ مِنْهَا بُدًّا , فَإِذَا لَمْ تَجِدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ وَاطْبُخُوا وَاشْرَبُوا. قال أبو محمد : وَتَعَلَّقَ قَوْمٌ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ الثَّابِتَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ الأَنْطَاكِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُسْلِمِ بْنِ مِشْكَمٍ ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ , وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا , وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا. قال أبو محمد : هَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ , لأََنَّ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَمُسْلِمَ بْنَ مِشْكَمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ. 1025 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ السَّيْكَرَانِ لِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ r كُلَّ مُسْكِرٍ , وَالسَّيْكَرَانُ مُسْكِرٌ فَإِنْ مَوَّهَ قَوْمٌ بِاللَّبَنِ وَالزُّوَانِ فَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لأََنَّ اللَّبَنَ وَالزُّوَانَ مُخَدِّرَانِ مُبْطِلاَنِ لِلْحَرَكَةِ لاَ يُسْكِرَانِ , وَالسَّيْكَرَانُ وَالْخَمْرُ مُسْكِرَانِ لاَ يُخَدِّرَانِ ، وَلاَ يُبْطِلاَنِ الْحَرَكَةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1026 - مَسْأَلَةٌ وَكُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ مِنْ خِنْزِيرٍ أَوْ صَيْدٍ حَرَامٍ , أَوْ مَيْتَةٍ , أَوْ دَمٍ ; أَوْ لَحْمِ سَبُعٍ أَوْ طَائِرٍ , أَوْ ذِي أَرْبَعٍ ; أَوْ حَشَرَةٍ , أَوْ خَمْرٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ : فَهُوَ كُلُّهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ حَلاَلٌ حَاشَا لُحُومِ بَنِي آدَمَ وَمَا يُقْتَلُ مَنْ تَنَاوَلَهُ : فَلاَ يَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلاً لاَ بِضَرُورَةٍ ، وَلاَ بِغَيْرِهَا. فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَلَمْ يَجِدْ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ : فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ , وَيَتَزَوَّدَ حَتَّى يَجِدَ حَلاَلاً ; فَإِذَا وَجَدَهُ عَادَ الْحَلاَلُ مِنْ ذَلِكَ حَرَامًا كَمَا كَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ. وَحَدُّ الضَّرُورَةِ أَنْ يَبْقَى يَوْمًا وَلَيْلَةً لاَ يَجِدُ فِيهَا مَا يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ , فَإِنْ خَشِيَ الضَّعْفَ الْمُؤْذِيَ الَّذِي إنْ تَمَادَى أَدَّى إلَى الْمَوْتِ , أَوْ قَطَعَ بِهِ ، عَنْ طَرِيقِهِ وَشُغْلِهِ حَلَّ لَهُ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيمَا يَدْفَعُ بِهِ ، عَنْ نَفْسِهِ الْمَوْتَ بِالْجُوعِ أَوْ الْعَطَشِ. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ لاَ فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إنْ وَجَدَ مِنْهَا نَوْعَيْنِ , أَوْ أَنْوَاعًا فَيَأْكُلُ مَا شَاءَ مِنْهَا لِلتَّذْكِيَةِ فِيهَا. أَمَّا تَحْلِيلُ كُلِّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ فَأَسْقَطَ تَعَالَى تَحْرِيمَ مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ , فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ , فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَالَ مُسْلِمٍ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى : أَطْعِمُوا الْجَائِعَ فَهُوَ إذَا وَجَدَ مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَقَدْ وَجَدَ مَالاً قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِطْعَامِهِ مِنْهُ , فَحَقُّهُ فِيهِ , فَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ , فَإِنْ مُنِعَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَهُوَ مُضْطَرٌّ حِينَئِذٍ. وَخَصَّصَ قَوْمٌ الْخَمْرَ بِالْمَنْعِ وَهَذَا خَطَأٌ لأََنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِلاَ بُرْهَانٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ; وَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ , وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنَّهَا لاَ تُرْوَى وَهَذَا خَطَأٌ مُدْرَكٌ بِالْعِيَانِ , وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُدْمِنِينَ عَلَيْهَا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْخِلاَعِ لاَ يَشْرَبُونَ الْمَاءَ أَصْلاً مَعَ شُرْبِهِمْ الْخَمْرَ. وَقَدْ اضْطَرَبُوا : فَرُوِيَ ، عَنْ مَالِكٍ : الأَسْتِغَاثَةَ بِالْخَمْرِ لِمَنْ اخْتَنَقَ بِلُقْمَةٍ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَسْتِغَاثَةِ إلَيْهَا فِي ضَرُورَةِ الأَخْتِنَاقِ أَوْ فِي ضَرُورَةِ الْعَطَشِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ قِيَاسٍ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ آمِرُونَ لَهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْرَبْ الْخَمْرَ فَمَاتَ فَهُوَ قَاتِلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ. وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ لُحُومِ بَنِي آدَمَ فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ الأَمْرِ بِمُوَارَاتِهَا , فَلاَ يَحِلُّ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا يُقْتَلُ فَإِنَّمَا أُبِيحَتْ الْمُحَرَّمَاتُ خَوْفَ الْمَوْتِ أَوْ الضَّرَرِ فَاسْتِعْجَالُ الْمَوْتِ لاَ يَحِلُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وَبِهَذِهِ الآيَةِ أَيْضًا حَلَّتْ الْمُحَرَّمَاتُ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهَا قَاتِلَ نَفْسِهِ فَيَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ وَيَكُونُ قَاتِلَ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ وَهَذَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ. وَأَمَّا تَحْدِيدُنَا ذَلِكَ بِبَقَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِلاَ أَكْلٍ فَلِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ r الْوِصَالَ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنْ خَافَ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ الضَّعْفَ فَلأََنَّهُ مُضْطَرٌّ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ فَضْلَ لِبَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ النَّبِيُّ r فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ وَبَلَّغَهُ هُوَ عليه السلام إلَيْنَا , وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَالنَّبِيُّ عليه السلام بَلَّغَ الْقُرْآنَ إلَيْنَا , وَلَوْلاَهُ مَا عَرَفْنَا مَا هُوَ الْقُرْآنُ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ حَرَامٍ , أَوْ كُلَّ مُفْتَرَضٍ , أَوْ كُلَّ حَلاَلٍ فَهُوَ ، عَنِ النَّبِيِّ r عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلاَ فَرْقَ. وَلَيْسَ قَوْلُنَا : إنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الصَّيْدِ ، وَلاَ لِلْمُحِلِّ فِي الْحَرَمِ مَا دَامَ يَجِدُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ نَاقِضًا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ , بَلْ هُوَ طَرْدٌ لَهَا ; لأََنَّ وَاجِدَ الْخِنْزِيرِ , وَالْمَيْتَةِ , وَالدَّمِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ مَعَهَا , بَلْ هُوَ وَاجِدُ حَلاَلٍ , فَلَيْسَ مُضْطَرًّا إلَى الصَّيْدِ إِلاَّ حَتَّى لاَ يَجِدَ غَيْرَهُ فَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ مَعْنَى لِلتَّذْكِيَةِ فَلأََنَّ الذَّكَاةَ إخْرَاجٌ لِحُكْمِ الْحَيَوَانِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِكَوْنِهِ مَيْتَةً إلَى التَّحْلِيلِ بِكَوْنِهِ مُذَكًّى , وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَيَوَانِ فَهُوَ مَيْتَةٌ ; فَالتَّذْكِيَةُ لاَ مَدْخَلَ لَهَا فِي الْمَيْتَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1027 - مَسْأَلَةٌ : وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا لِمَنْ كَانَ فِي طَرِيقِ بَغْيٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُمْتَنِعًا مِنْ حَقٍّ , بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَأْكُلُ فَلْيَتُبْ مِمَّا هُوَ فِيهِ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الْبَغْيِ وَلْيَأْكُلْ حِينَئِذٍ وَلْيَشْرَبْ مِمَّا اُضْطُرَّ إلَيْهِ حَلَالًا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَاسِقٌ , آكِلُ حَرَامٍ . بُرْهَانُ ذَلِكَ - : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَوْلُهُ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } فَإِنَّمَا أَبَاحَ تَعَالَى مَا حَرَّمَهُ بِالضَّرُورَةِ مَنْ لَمْ يَتَجَانَفْ لِإِثْمٍ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بَاغِيًا وَلَا عَادِيًا - : وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ نَعْلَمُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا الْمَالِكِيِّينَ , فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَانْتَظَرَ رِفَاقَهُمْ مِنْ الْمُحَارِبِينَ , وَحَاصَرَ قُرَاهُمْ وَمَدَنَهُمْ مِنْ الْبَاغِينَ لِسَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ , وَيَسْتَبِيحُ أَمْوَالَهُمْ وَفُرُوجَ الْمُسْلِمَاتِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا , فَلَمْ يَجِدْ مَأْكَلًا إلَّا الْخَنَازِيرَ وَالْمَيْتَاتِ - أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ أَكْلُهُ , فَأَعَانُوهُ عَلَى أَعْظَمِ الظُّلْمِ , وَأَشَدِّ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَوَّهُوا هَهُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ مِنْ الإِبْهَامِ وَمَا أَمَرْنَاهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ , فَلْيَنْوِهَا بِقَلْبِهِ , وَلْيُمْسِكْ عَنِ الْبَغْيِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْحَقِّ بِيَدَيْهِ , ثُمَّ يَأْكُلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ حَلَالًا لَهُ , وَمَا سَمِعْنَا بِقَوْلٍ أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ هَذَا أَنْ لَا يَأْمُرُوهُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْبَغْيِ , وَيُبِيحُوا لَهُ التَّقَوِّي عَلَى الإِفْسَادِ فِي الأَُرْضِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ - : رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ { غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ } غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَلَا عَادٍ عَلَيْهِمْ - قَالَ مُجَاهِدٌ : وَمَنْ يَخْرُجُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ , أَوْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى , فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ , إنَّمَا تَحِلُّ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى , فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا فَلْيَأْكُلْ . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ أَكَلَ , وَإِنْ خَرَجَ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُ . وَمَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ سَابُورٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَى الْبَاغِي , وَالْعَادِي , إنَّمَا هُوَ فِي الأَُكْلِ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ - : أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ فِي تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ . وَالثَّانِي أَنَّهُ إسْنَادٌ فَاسِدٌ لَا يَصِحُّ , لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ سَابُورٍ ضَعِيفٌ , وَعَطِيَّةَ مَجْهُولٌ . وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا لَا لِقَوْلِهِمْ , لِأَنَّ الْبَاغِيَ فِي الأَُكْلِ , وَالْعَادِيَ فِيهِ : هُوَ مِنْ أَكْلِهِ فِيمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ , وَآكِلُهُ فِي الْبَغْيِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَاغٍ فِي الأَُكْلِ وَعَادٍ فِيهِ , وَهَكَذَا نَقُولُ . وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ : أَنَّ مَنْ خَرَجَ مُفْسِدًا فِي الأَُرْضِ فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَلَهُ أَكْلُهَا مُصِرًّا عَلَى إفْسَادِهِ مُتَقَوِّيًا عَلَى ظُلْمِ الْمُسْلِمِينَ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ . وَقَالَ قَائِلُونَ : لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ ؟ قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذَا خَطَأٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى الْمُضْطَرَّ مِنْ التَّحْرِيمِ , فَهُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي التَّحْرِيمِ , وَإِذْ هُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ فَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ جُمْلَةً . 1028 - مَسْأَلَةٌ : وَالسَّرَفُ حَرَامٌ , وَهُوَ النَّفَقَةُ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ , وَلَوْ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ قَدْرِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ أَوْ التَّبْذِيرُ فِيمَا لاَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ ضَرُورَةً مِمَّا لاَ يَبْقَى لِلْمُنْفِقِ بَعْدَهُ غِنًى أَوْ إضَاعَةُ الْمَالِ وَإِنْ قَلَّ بِرَمْيِهِ عَبَثًا ; فَمَا عَدَا هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلَيْسَ سَرَفًا وَهُوَ حَلاَلٌ وَإِنْ كَثُرَتْ النَّفَقَةُ فِيهِ. وَقَوْلُنَا هَذَا رُوِّينَاهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ تُسْرِفُوا إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. وَصَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : " ، أَنَّهُ قَالَ : خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ ، عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ". فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ نَفَقَةُ شَيْءٍ مِنْ الْمَعْرُوفِ , وَلاَ الْمُبَاحِ , إِلاَّ مَا أَبْقَى غِنًى , إِلاَّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى قُوتِ نَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ , فَلاَ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ ، وَلاَ تَضْيِيعُ مَنْ مَعَهُ , ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الرَّزَّاقُ , وَأَمَّا مَا دُونَ هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ، وَلاَ تَعْتَدُوا. وَقَالَ تَعَالَى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ. فَمَنْ حَرَّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبَاطِلَ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هَذِهِ الآيَةُ فِي الْكُفَّارِ خَاصَّةً بِنَصِّ الآيَةِ قَالَ تَعَالَى وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ. قال أبو محمد : التَّمْوِيهُ بِإِيرَادِ بَعْضِ آيَةٍ وَالسُّكُوتِ ، عَنْ أَوَّلِهِمَا أَوْ آخِرِهَا عَادَةُ سُوءٍ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى خِزْيُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ , لأََنَّهُ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ وَكَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. 1029 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا تَغَذَّى مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ أَكْلُهُ بِالْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ حَلاَلٌ : كَالدَّجَاجِ الْمُطْلَقِ , وَالْبَطِّ , وَالنَّسْرِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّ جَدْيًا أُرْضِعَ لَبَنَ خِنْزِيرَةٍ لَكَانَ أَكْلُهُ حَلاَلاً حَاشَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَلَّالَةِ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. فَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ مَا يَأْكُلُ إِلاَّ الْجَلَّالَةَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى تَحْلِيلُ الدَّجَاجِ وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ الْقَذِرَ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَكْلَهَا حَبَسَهَا ثَلاَثًا حَتَّى يَطِيبَ بَطْنُهَا. قال أبو محمد : هَذَا لاَ يَلْزَمُ لأََنَّهُ إنْ كَانَ حَبَسَهَا مِنْ أَجْلِ مَا فِي قَانِصَتِهَا مِمَّا أَكَلَتْ فَاَلَّذِي فِي الْقَانِصَةِ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ جُمْلَةً , لأََنَّهُ رَجِيعٌ , وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ اسْتِحَالَةِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي أُكِلَتْ فَلاَ يَسْتَحِيلُ لَحْمُهَا فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , وَلاَ فِي ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ بَلْ قَدْ صَارَ مَا تَغَذَّتْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لَحْمًا مِنْ لَحْمِهَا , وَلَوْ حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ لَحَرُمَ مِنْ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ مَا يَنْبُتُ عَلَى الزِّبْلِ وَهَذَا خَطَأٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَرَامَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُهُ وَاسْمُهُ بَطَلَ حُكْمُهُ الَّذِي عُلِّقَ عَلَى ذَلِكَ الأَسْمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1030 - مَسْأَلَةٌ : وَالْقِرْدُ حَرَامٌ أَكْلُهُ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَخَ نَاسًا عُصَاةً عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى صُورَةِ الْخِنْزِيرِ , وَالْقِرَدَةِ. وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ تَعَالَى لاَ يَمْسَخُ عُقُوبَةً فِي صُورَةِ الطَّيِّبَاتِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَإِذْ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ الْخَبَائِثِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ إِلاَّ طَيِّبٌ أَوْ خَبِيثٌ , فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ طَيِّبًا فَهُوَ مِنْ الْخَبَائِثِ خَبِيثٌ فَإِذًا الْقِرْدُ خَبِيثٌ , وَالْخِنْزِيرُ خَبِيثٌ , فَهُمَا مُحَرَّمَانِ وَهَذَا مِنْ الْبَرَاهِينِ أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ جُمْلَةً وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الْمُسُوخِ فِي غَيْرِ الْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ : فَبَاطِلٌ وَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1031 - مَسْأَلَةٌ : وَأَكْلُ الطِّينِ لِمَنْ لاَ يَسْتَضِرُّ بِهِ حَلاَلٌ , وَأَمَّا أَكْلُ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ مِنْ طِينٍ أَوْ إكْثَارٍ مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْخُبْزِ : فَحَرَامٌ ; لأََنَّهُ لَيْسَ مِمَّا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ لَنَا فَهُوَ حَلاَلٌ , وَأَمَّا كُلُّ مَا أَضَرَّ فَهُوَ حَرَامٌ , لِقَوْلِ النَّبِيِّ r : إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ , وَسُفْيَانَ , وَهُشَيْمٍ , وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ , وَابْنِ عُلَيَّةَ , وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ , كُلُّهُمْ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ حَفِظَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ , فَمَنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَمْ يُحْسِنْ , وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَدْ رُوِيَ فِي تَحْرِيمِ الطِّينِ آثَارٌ كَاذِبَةٌ : مِنْهَا : مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ الْحَدَثَانِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ , وَمُرْسَلاَتٌ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ. قَالَ : وَالطِّينُ لَيْسَ مِمَّا أَخْرَجَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ. قال أبو محمد : وَهَذَا مِنْ التَّمْوِيهِ الَّذِي جَرَوْا عَلَى عَادَتِهِمْ فِيهِ فِي إيهَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ , وَإِنَّمَا يَأْتُونَ بِمَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , وَهَذِهِ الآيَةُ حَقٌّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ أَكْلِ مَا لَمْ يُخْرِجْ لَنَا مِنْ الأَرْضِ وَإِنَّمَا فِيهَا إبَاحَةُ مَا أَخْرَجَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ مَا عَدَا ذَلِكَ لاَ بِتَحْلِيلٍ ، وَلاَ بِتَحْرِيمٍ ; فَحُكْمُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الأَرْضِ مَطْلُوبٌ مِنْ غَيْرِهَا. وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَانِعَةً مِنْ أَكْلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الأَرْضِ لَحَرُمَ أَكْلُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ بَرِّيِّهِ وَبَحْرِيِّهِ , وَلَحَرُمَ أَكْلُ الْعَسَلِ , والطرنجبين , وَالْبَرَدِ , وَالثَّلْجِ , لأََنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مِنْ الأَرْضِ ; فَالطِّينُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ فَكَيْفَ وَهُوَ مِمَّا فِي الأَرْضِ وَمِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الأَرْضِ لأََنَّهُ مَعَادِنُ فِي الأَرْضِ مُسْتَخْرَجَةً مِنْ الأَرْضِ , وَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ دِينٌ أَنْ لاَ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا مِمَّا يَفْتَضِحُ فِيهِ مِنْ قُرْبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْفِطَرِ وَالْكَمْأَةِ , وَلَحْمِ التَّيْسِ الْهَرِمِ أَضَرُّ مِنْ قَلِيلِ الطِّينِ , وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَرِيفَةٍ فَقَالَ : خُلِقْنَا مِنْ التُّرَابِ فَمَنْ أَكَلَ التُّرَابَ فَقَدْ أَكَلَ مَا خُلِقَ مِنْهُ. . فَقُلْنَا : فَكَانَ مَاذَا وَعَلَى هَذَا الأَسْتِدْلاَلِ السَّخِيفِ يَحْرُمُ شُرْبُ الْمَاءِ لأََنَّنَا مِنْ الْمَاءِ خُلِقْنَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ. 1032 - مَسْأَلَةٌ : وَالضَّبُّ حَلَالٌ , وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْلَهُ . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ الضَّبَّ . وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ : سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ : لَا تَطْعَمُوهُ .

وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَحَادِيثَ - : مِنْهَا صَحِيحٌ : كَاَلَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ , وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ عَنِ الأَُعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ قَالَ { : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي غَزَاةٍ فَأَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ فَوَجَدْنَا ضِبَابًا فَبَيْنَمَا الْقُدُورُ تَغْلِي بِالضِّبَابِ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فُقِدَتْ , وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ هِيَ فَأَكْفِئُوهَا , فَأَلْقَيْنَا بِهَا. هَذَا لَفْظُ أَبِي مُعَاوِيَةَ , وَلَفْظُ يَحْيَى نَحْوُهُ. وَمِنْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ : مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ r نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ } . وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ فِيهَا التَّوَقُّفُ فِيهِ - : كَاَلَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الضَّبِّ ؟ فَقَالَ عليه السلام . إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخَتْ - فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ } وَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا بِمَعْنَاهُ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ r . وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ r . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ ثَابِتِ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنِ النَّبِيِّ r . وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ فِي الضَّبِّ : لَا آمُرُ بِهِ , وَلَا أَنْهَى عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنِ الأَُسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : { أَنَّ النَّبِيَّ r أُتِيَ بِضَبٍّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ ؟ قَالَ : لَا تُطْعِمُوهُمْ مَا لَمْ تَأْكُلُوا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أَمَّا هَذِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ فَفِيهِ ضُعَفَاءُ وَمَجْهُولُونَ – فَسَقَطَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ فَهُوَ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ , لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ r . إنَّمَا أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ بِالضَّبَابِ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَقَايَا مَسْخِ الأُُمَّةِ السَّالِفَةِ , هَذَا نَصُّ الْحَدِيثِ , فَإِنْ وَجَدْنَا عَنْهُ عليه السلام مَا يُؤَمِّنُ مِنْ هَذَا الظَّنِّ بِيَقِينٍ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْكَرَاهَةُ أَوْ الْمَنْعُ فِي الضَّبِّ , فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ - : فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَاللَّفْظُ لَهُ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : { قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مُسِخَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا , وَإِنَّ الْقِرَدَةَ , وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّ الْقِرَدَةَ ذُكِرَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ r فَقَالَ عليه السلام : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا وَقَدْ كَانَتْ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ تِلْكَ الْمَخَافَةَ مِنْهُ عليه السلام فِي الضِّبَابِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا مُسِخَ قَدْ ارْتَفَعَتْ , وَصَحَّ أَنَّ الضِّبَابَ لَيْسَتْ مِمَّا مُسِخَ , وَلَا مِمَّا مُسِخَ شَيْءٌ فِي صُوَرِهَا - : فَحَلَّتْ . ثُمَّ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ { عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بَيْتَ مَيْمُونَةَ : فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ r يَدَهُ , فَقُلْتُ : أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ , قَالَ خَالِدٌ : فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ r يَنْظُرُ } . فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى تَحْلِيلِهِ , وَهَذَا هُوَ الآخَرُ النَّاسِخُ , لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بِلَا شَكٍّ لَمْ يَجْتَمِعْ قَطُّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِالْمَدِينَةِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ غَزْوَةِ الْفَتْحِ , وَحُنَيْنٍ , وَالطَّائِفِ , وَلَمْ يَغْزُ عليه السلام بَعْدَهَا إلَّا تَبُوكَ , وَلَمْ تُصِبْهُمْ فِي تَبُوكَ مَجَاعَةٌ أَصْلًا . وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ خَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ كَانَ قَبْلَ هَذَا الْخَبَرِ بِلَا مِرْيَةٍ فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً وَصَحَّتْ إبَاحَتُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ - : وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . 1033 - مَسْأَلَةٌ : وَالأَرْنَبُ حَلاَلٌ , لأََنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهَا , وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهَا ; رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عُمَرَ أَوْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الأَرْنَبَ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبَاهُ كَرِهَا الأَرْنَبَ وَأَكَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ كَرِهَ الأَرْنَبَ. وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَهَا بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَكِينٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r أُتِيَ بِأَرْنَبٍ فَقِيلَ لَهُ : إنَّهَا تَحِيضُ فَكَرِهَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ : سَأَلَ جَرِيرُ بْنُ أَنَسٍ الأَسْلَمِيُّ النَّبِيَّ r عَنِ الأَرْنَبِ فَقَالَ : لاَ آكُلُهَا أُنْبِئْتُ أَنَّهَا تَحِيضُ. قال أبو محمد : عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ هَالِكٌ وَحَدِيثُ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ , وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَادَ أَرْنَبًا فَأَتَى بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ إلَى النَّبِيِّ r بِوَرِكِهَا وَفَخْذَيْهَا فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ r فَقَبِلَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r أُتِيَ بِأَرْنَبٍ مَشْوِيَّةٍ فَلَمْ يَأْكُلْ عليه السلام مِنْهَا وَأَمَرَ عليه السلام الْقَوْمَ فَأَكَلُوا فَهَذَا نَصٌّ صَحِيحٌ فِي تَحْلِيلِهَا وَقَدْ يَكْرَهُهَا عليه السلام خِلْقَةً , لاَ لأَِثْمٍ فِيهَا , وَنَحْنُ لَعَمْرُ اللَّهِ نَكْرَهُهَا جُمْلَةً ، وَلاَ نَقْدِرُ عَلَى أَكْلِهَا أَصْلاً , وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّحْرِيمِ فِي شَيْءٍ 1034 - مَسْأَلَةٌ : وَالْخَلُّ الْمُسْتَحِيلُ ، عَنِ الْخَمْرِ حَلاَلٌ تَعَمَّدَ تَخْلِيلَهَا أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ إِلاَّ أَنَّ الْمُمْسِكَ لِلْخَمْرِ لاَ يُرِيقُهَا حَتَّى يُخَلِّلَهَا أَوْ تَتَخَلَّلَ مِنْ ذَاتِهَا : عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُجَرَّحُ الشَّهَادَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الْخَمْرَ مُفَصَّلٌ تَحْرِيمُهَا , وَالْخَلُّ حَلاَلٌ لَمْ يُحَرَّمْ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّارِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ فَإِذًا الْخَلُّ حَلاَلٌ , فَهُوَ بِيَقِينٍ غَيْرُ الْخَمْرِ الْمُحَرَّمَةِ , وَإِذَا سَقَطَتْ ، عَنِ الْعَصِيرِ الْحَلاَلِ صِفَاتُ الْعَصِيرِ وَحَلَّتْ فِيهِ صِفَاتُ الْخَمْرِ فَلَيْسَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ عَصِيرًا حَلاَلاً , بَلْ هِيَ خَمْرٌ مُحَرَّمَةٌ , وَإِذَا سَقَطَتْ ، عَنْ تِلْكَ الْعَيْنِ صِفَاتُ الْخَمْرِ الْمُحَرَّمَةِ وَحَلَّتْ فِيهَا صِفَاتُ الْخَلِّ الْحَلاَلِ , فَلَيْسَتْ خَمْرًا مُحَرَّمَةً , بَلْ هِيَ خَلٌّ حَلاَلٌ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ إنَّمَا الأَحْكَامُ عَلَى الأَسْمَاءِ فَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الأَسْمَاءُ بَطَلَتْ تِلْكَ الأَحْكَامُ الْمَنْصُوصَةُ عَلَيْهَا وَحَدَثَتْ لَهَا أَحْكَامُ الأَسْمَاءِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَيْهَا فَلِلصَّغِيرِ حُكْمُهُ , وَلِلْبَالِغِ حُكْمُهُ , وَلِلْمَيِّتِ حُكْمُهُ , وَلِلدَّمِ حُكْمُهُ , وَلِلْغِذَاءِ الَّذِي اسْتَحَالَ مِنْهُ حُكْمُهُ , وَلِلَّبَنِ , وَاللَّحْمِ الْمُسْتَحِيلَيْنِ ، عَنِ الدَّمِ حُكْمُهُمَا ; وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ. وَلاَ مَعْنَى لِتَعَمُّدِ تَخْلِيلِهَا , أَوْ لِتَخْلِيلِهَا مِنْ ذَاتِهَا لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَإِنَّمَا الْحَرَامُ إمْسَاكُ الْخَمْرِ فَقَطْ. ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَخْلِيلِهَا أَوْ تَرْكِ تَخْلِيلِهَا , بَلْ الْمُرِيدُ لِبَقَائِهَا خَمْرًا أَعْظَمُ إثْمًا وَأَكْثَرُ جُرْمًا مِنْ الْمُتَعَمِّدِ لأَِفْسَادِهَا وَالْقَاصِدِ لِتَغْيِيرِهَا وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ. وقال الشافعي , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : إذَا تَخَلَّلَتْ حَلَّتْ , وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَحِلَّ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ وَرُوِّينَا ، عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيِّينَ : أَنَّ كُلَّ خَلٍّ تَوَلَّدَ مِنْ خَمْرٍ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا عِصْيَانُ مُمْسِكِ الْخَمْرِ : فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ قَالَ : ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا ، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو ، عَنْ زَيْدٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ يَحْيَى النَّخَعِيِّ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيذِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ , وَفِيهِ : أَنَّ النَّبِيَّ r أَمَرَ بِسِقَاءٍ فَجُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَمَاءٌ جُعِلَ مِنْ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ فَشَرِبَ مِنْهُ يَوْمَهُ وَاللَّيْلَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ وَمِنْ الْغَدِ حَتَّى أَمْسَى فَشَرِبَ وَسَقَى فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَأُهْرِقَ. فَلاَ يَحِلُّ إمْسَاكُ الْخَمْرِ أَصْلاً. فإن قيل : فَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى خَلٍّ لاَ يَأْثَمُ مُعَانِيهِ قلنا : نَعَمْ , بِأَنْ يَكُونَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ يُلْقَى فِي الظَّرْفِ صَحِيحًا فَإِذَا كَانَ فِي اسْتِقْبَالِ الصَّيْفِ الَّذِي يَأْتِي عُصِرَ فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَصِرُ إِلاَّ الْخَلُّ الصِّرْفُ. وَلاَ يُسَمَّى خَمْرًا مَا لَمْ يَبْرُزْ مِنْ الْعِنَبِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ عَصَرَ الْعِنَبَ , أَوْ نَبَذَ الزَّبِيبَ أَوْ التَّمْرَ ثُمَّ صَبَّ عَلَى الْعَصِيرِ الْحُلْوِ أَوْ النَّبِيذِ الْحُلْوِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمَا الْغَلَيَانُ مِثْلَ كِلَيْهِمَا خَلًّا حَاذِقًا , فَإِنَّهُ يَتَخَلَّلُ , وَلاَ يَصِيرُ خَمْرًا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1035 - مَسْأَلَةٌ : وَالسَّمْنُ الذَّائِبُ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ مَاتَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَمُتْ : فَهُوَ حَرَامٌ , لاَ يَحِلُّ إمْسَاكُهُ أَصْلاً , بَلْ يُهْرَاقُ , فَإِنْ كَانَ جَامِدًا أُخِذَ مَا حَوْلَ الْفَأْرِ فَرُمِيَ , وَكَانَ الْبَاقِي حَلاَلاً كَمَا كَانَ. وَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا السَّمْنِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ أَوْ غَيْرُ الْفَأْرِ فَيَمُوتُ أَوْ لاَ يَمُوتُ فَهُوَ كُلُّهُ حَلاَلٌ كَمَا كَانَ , مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ , فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ الْحَرَامُ فَهُوَ حَرَامٌ. وَكَذَلِكَ السَّمْنُ يَقَعُ فِيهِ غَيْرُ الْفَأْرِ فَيَمُوتُ أَوْ لاَ يَمُوتُ فَهُوَ حَلاَلٌ كُلُّهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَغْيِيرُ الْحَرَامِ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَا , وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْقِصَّةَ كُلَّهَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهَا وَعُمْدَتُهُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا جَاءَ فِي السَّمْنِ الذَّائِبِ فِيهِ الْفَأْرُ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى مَا عَدَاهُ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1036 - مَسْأَلَةٌ : وَمَا سَقَطَ مِنْ الطَّعَامِ فَفَرْضٌ أَكْلُهُ , وَلَعْقُ الأَصَابِعِ بَعْدَ تَمَامِ الأَكْلِ فَرْضٌ. وَلَعْقُ الصَّحْفَةِ إذَا تَمَّ مَا فِيهَا فَرْضٌ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا , أَوْ يُلْعِقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : إذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَذَى , وَلْيَأْكُلْهَا ، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ قَالَ : فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ. 1038 - مَسْأَلَةٌ : وَغَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ حَسَنٌ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ. قال أبو محمد : فَهَذَا نَدْبٌ لاَ أَمْرٌ , وَالْجُرَذُ رُبَّمَا عَضَّ أَصَابِعَ الْمَرْءِ إذَا شَمَّ فِيهَا رَائِحَةَ الطَّعَامِ وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ ، عَنْ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ , وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : هُوَ مِنْ فِعْلِ الأَعَاجِمِ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَإِنَّ أَكْلَ الْخُبْزِ لَمِنْ فِعْلِ الأَعَاجِمِ , وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَهُ أَوْ كَرَاهِيَتَهُ لَنَا لَبَيَّنَهُ فإن قيل : فَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قُرِّبَ إلَيْهِ الطَّعَامُ فَقِيلَ لَهُ : أَلاَ تَتَوَضَّأُ قَالَ : لَمْ أُصَلِّ فَأَتَوَضَّأُ فَلَيْسَ فِي هَذَا ذِكْرٌ لِغَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ أَصْلاً , وَإِنَّمَا فِيهِ الْوُضُوءُ وَهُوَ كَمَا قَالَ عليه السلام : لاَ وُضُوءَ وَاجِبًا إِلاَّ لِلصَّلاَةِ. 1039 - مَسْأَلَةٌ : وَحَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الأَكْلِ حَسَنٌ وَلَوْ بَعْدَ كُلِّ لُقْمَةٍ لأََنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَبِرٍّ , وَفِي كُلِّ حَالٍ. 1040 - مَسْأَلَةٌ : وَقَطْعُ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ لِلأَكْلِ حَسَنٌ , وَلاَ نَكْرَهُ قَطْعَ الْخُبْزِ بِالسِّكِّينِ لِلأَكْلِ أَيْضًا وَتُسْتَحَبُّ الْمَضْمَضَةُ مِنْ الطَّعَامِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَكَلَ سَوِيقًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ النَّبِيَّ r شَرِبَ لَبَنًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ بِالْمَاءِ وَقَالَ : إنَّ لَهُ دَسَمًا. وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام شَرِبَ لَبَنًا وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا أَمْرٌ ، وَلاَ نَهْيٌ فَهِيَ فِعْلٌ حَسَنٌ وَمُبَاحٌ : وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ] أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ : " أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ r يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَدُعِيَ إلَى الصَّلاَةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ ، عَنْ قَطْعِ الْخُبْزِ وَغَيْرِهِ بِالسِّكِّينِ فَهُوَ مُبَاحٌ. وَجَاءَ خَبَرٌ فِيهِ : لاَ تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ , فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ الأَعَاجِمِ , وَهُوَ لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ لِلْمَدِينِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 1041 - مَسْأَلَةٌ : وَالأَكْلُ فِي إنَاءٍ مُفَضَّضٍ بِالْجَوْهَرِ , وَالْيَاقُوتِ , وَفِي الْبَلُّورِ , وَالْجَزِعِ مُبَاحٌ وَلَيْسَ مِنْ السَّرَفِ لأََنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَفَصَّلَ تَحْرِيمَهُ , وَمَا لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلاَلٌ , وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى آنِيَةَ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ فَهِيَ حَرَامٌ وَأَمْسَكَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ حَلاَلٌ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ r وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلاَلَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلاَلٌ , وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ , وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ : أَحَلَّ اللَّهُ حَلاَلَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ , فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلاَلٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا سَرَفٌ أَوْ ادَّعَى ذَلِكَ فِي الْمَأْكَلِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِحَدِّ مَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَحِلُّ , وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. فَصَحَّ يَقِينًا ] أَنَّ قَوْلَهُ بَاطِلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1042 - مَسْأَلَةٌ : وَالثُّومُ , وَالْبَصَلُ , وَالْكُرَّاثُ حَلاَلٌ إِلاَّ أَنَّ مَنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا فَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَذْهَبَ الرَّائِحَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ وَلَهُ الْجُلُوسُ فِي الأَسْوَاقِ , وَالْجَمَاعَاتِ وَالأَعْرَاسِ وَحَيْثُ شَاءَ إِلاَّ الْمَسَاجِدَ لأََنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ إِلاَّ فِيهَا. 1043 - مَسْأَلَةٌ : وَالْجَرَادُ حَلَالٌ إذَا أُخِذَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا سَوَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ فِي الظُّرُوفِ أَوْ لَمْ يَمُتْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ [ قَالَ ] سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ : { غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ } وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ لَا بَأْسَ بِالْجَرَادِ , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ الْجَرَادُ ذَكَاةٌ كُلُّهُ , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَرَادِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ - وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ , فَلَمْ يَسْتَثْنُوا فِيهِ حَالًا مِنْ حَالٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَا يَحِلُّ وَإِنْ أُخِذَ حَيًّا إلَّا حَتَّى يُقْتَلَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَمْكُنُ فِيهِ , وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إنْ وُجِدَ مَيِّتًا فَإِنْ أُخِذَ حَيًّا حَلَّ كَيْفَ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ , رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سَلْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي الْجَرَادِ : مَا أُخِذَ وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ مَاتَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ . وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ أَخْذُ الْجَرَادِ ذَكَاتُهُ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } . فَمَا وُجِدَ مَيِّتًا فَهُوَ حَرَامٌ , وَقَالَ تَعَالَى { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } . وَصَحَّ أَكْلُ الْجَرَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَصَحَّ بِالْحِسِّ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُمْكِنُ فِيهِ فَسَقَطَتْ , فَصَحَّ أَنَّ أَخْذَهُ ذَكَاتُهُ لِأَنَّهُ صَيْدٌ نَالَتْهُ أَيْدِينَا . قَالَ عَلِيٌّ : وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إبَاحَةُ مَا نَالَتْهُ أَيْدِينَا حَيًّا دُونَ مَا نَالَتْهُ مَيِّتًا , وَصَحَّ فِي كُلِّ مَقْدُورٍ عَلَى تَذْكِيَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّكَاةِ وَالذَّكَاةُ الشَّقُّ وَهِيَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا فِي الْجَرَادِ فَارْتَفَعَ حُكْمُهَا عَنْهُ رحمه الله تعالى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } وَقَدْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ بِالنَّصِّ فَهُوَ حَلَالٌ كَيْفَمَا وُجِدَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . 1044- مَسْأَلَةٌ : وَإِكْثَارُ الْمَرَقِ حَسَنٌ , وَتَعَاهُدُ الْجِيرَانِ مِنْهُ وَلَوْ مَرَّةً فَرْضٌ ; وَذَمُّ مَا قُدِّمَ إلَى الْمَرْءِ مِنْ الطَّعَامِ مَكْرُوهٌ , لَكِنْ إنْ اشْتَهَاهُ فَلْيَأْكُلْهُ وَإِنْ كَرِهَهُ فَلْيَدَعْهُ وَلْيَسْكُتْ . وَالأَُكْلُ مُعْتَمِدًا عَلَى يُسْرَاهُ مُبَاحٌ - : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : { إذَا طَبَخْتُمْ اللَّحْمَ فَأَكْثِرُوا الْمَرَقَ وَأَطْعِمُوا الْجِيرَانَ } . وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ r : { فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا فَلْيُنَاوِلْهُ مِنْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ } يَعْنِي صَانِعَهُ , فَصَحَّ أَنَّ التَّعْلِيلَ مِنْ الْمَرَقِ مُبَاحٌ . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُفْيَانُ عَنِ الأَُعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ - هُوَ الأَُشْجَعِيُّ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ r طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ } . وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَسَارِ شَيْءٌ - وَرُوِيَ فِيهِ أَثَرٌ مُرْسَلٌ لَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ { زَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عِنْدَ الأَُكْلِ } وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . كِتَابُ التَّذْكِيَةِ 1045 - مَسْأَلَةٌ : لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ طَائِرُهُ وَدَارِجُهُ إِلاَّ بِذَكَاةٍ كَمَا قَدَّمْنَا حَاشَا الْجَرَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَمْرَهُ وَالتَّذْكِيَةُ قِسْمَانِ , قِسْمٌ فِي مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ , وَقِسْمٌ فِي غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ ; وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ ; فَتَذْكِيَةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الْمُتَمَكِّنِ مِنْهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا شَقٌّ فِي الْحَلْقِ وَقَطْعٌ يَكُونُ الْمَوْتُ فِي أَثَرِهِ. وَأَمَّا نَحْرٌ فِي الصَّدْرِ يَكُونُ الْمَوْتُ فِي أَثَرِهِ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْدِ الشَّارِدِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيْدِ , وَهَذَا حُكْمٌ وَرَدَ بِهِ النَّصُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَالذَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَهُوَ أَيْضًا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَى جُمْلَتِهِ إِلاَّ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي تَقْسِيمِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1046 - مَسْأَلَةٌ : وَإِكْمَالُ الذَّبْحِ هُوَ أَنْ يُقْطَعَ الْوَدَجَانِ وَالْحُلْقُومُ , وَالْمَرِيءُ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. 1047 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ قَطَعَ الْبَعْضَ مِنْ هَذِهِ الآرَابِ الْمَذْكُورَةِ فَأَسْرَعَ الْمَوْتُ كَمَا يُسْرِعُ مِنْ قَطْعِ جَمِيعهَا فَأَكْلُهَا حَلاَلٌ فَإِنْ لَمْ يُسْرِعْ الْمَوْتُ فَلْيُعِدْ الْقَطْعَ ، وَلاَ يَضُرُّهُ ذَلِكَ شَيْئًا , وَأَكْلُهُ حَلاَلٌ , وَسَوَاءٌ ذَبَحَ مِنْ الْحَلْقِ فِي أَعْلاَهُ أَوْ أَسْفَلِهِ رُمِيَتْ الْعُقْدَةُ إلَى فَوْقَ أَوْ إلَى أَسْفَلَ أَوْ قُطِعَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْقَفَا أُبِينَ الرَّأْسُ أَوْ لَمْ يُبَنْ كُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : مَا قُطِعَ مِنْ الْقَفَا لَمْ يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنْ لَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ , وَلاَ نُبَالِي بِتَرْكِ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ نَعْرِفُ الْمَرِيءَ ; لَكِنْ إنْ لَمْ يَقْطَعْ الْوَدَجَيْنِ جَمِيعًا وَالْحُلْقُومَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ , وَإِنْ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ تَمَامِ قَطْعِهَا كُلِّهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. وَإِنْ ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. فَإِنْ ذَبَحَ مِنْ الْحَلْقِ فَأَبَانَ الرَّأْسَ غَيْرَ عَامِدٍ فَهُوَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ : إنْ أَلْقَى الْعُقْدَةَ إلَى أَسْفَلَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هِيَ أَرْبَعَةُ آرَابٍ , الْحُلْقُومُ , وَالْمَرِيءُ , وَالْوَدَجَانِ , فَإِنْ قَطَعَ مِنْهَا ثَلاَثَةً وَتَرَكَ الرَّابِعَ لاَ نُبَالِي أَيَّ الأَرْبَعَةِ تَرَكَ الْحُلْقُومَ , أَوْ الْمَرِيءَ أَوْ أَحَدَ الْوَدَجَيْنِ فَهُوَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ , وَإِنْ قَطَعَ اثْنَيْنِ مِنْ الأَرْبَعَةِ فَقَطْ لاَ نُبَالِي أَيُّهُمَا قَطَعَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. فَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَرْبَعَةِ حَلَّ أَكْلُهُ , فَإِنْ قَطَعَ أَقَلَّ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَالنِّصْفَ مِنْ الْوَدَجَيْنِ حَلَّ أَكْلُهُ. فَإِنْ قَطَعَ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : إنْ قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ فَقَطْ حَلَّ أَكْلُهُ , وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ ، وَلاَ الْمَرِيءَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ : إنْ قَطَعَ هَذِهِ الأَرْبَعَةَ مِنْ جِهَةِ الْحَلْقِ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلاَ وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا. قال أبو محمد : احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي تَرْكِ الْوَدَجَيْنِ بِأَنَّهُمَا عِرْقَانِ قَدْ يَعِيشُ مَنْ قُطِعَا لَهُ. قال أبو محمد : وَلَسْنَا نَحْتَاجُ إلَى مُنَاظَرَةٍ فَهَلْ يَعِيشُ أَمْ لاَ يَعِيشُ لَكِنْ إنَّمَا نُكَلِّمُهُ فِي مَنْعِهِ أَكُلُّ مَا لَمْ يُقْطَعْ مَرِيئُهُ فَقَطْ , فَإِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ فِي ذَلِكَ عَلَى نَصٍّ , وَلاَ عَلَى قِيَاسٍ أَصْلاً , وَلاَ عَلَى قَوْلِ صَاحِبٍ. وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَمُوتُ مَنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْمَرِيءَ , كَمَا يَمُوتُ مَنْ قَطَعَ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ ، وَلاَ فَرْقَ فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ ; فَتَعَرَّى هَذَا الْقَوْلُ مِنْ الدَّلِيلِ , فَسَقَطَ ; إذْ كُلُّ قَوْلٍ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَاعَى الأَكْثَرَ فِي الْقَطْعِ , وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَاهُ عَلَى نُقْصَانِ أُذُنِ الذَّبِيحَةِ وَذَنَبِهَا قلنا : قِسْتُمْ الْخَطَأَ عَلَى الْخَطَأِ ; وَمَا لاَ يَصِحُّ عَلَى مَا لاَ يَصِحُّ , وَلاَ تَخْلُو هَذِهِ الآرَابُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعُهَا كُلَّهَا فَرْضًا , وَلاَ يَكُونُ قَطْعُهَا كُلُّهَا فَرْضًا , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعُهَا كُلُّهَا فَرْضًا فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ فِي إيجَابِ قَطْعِ ثَلاَثَةٍ مِنْهَا , وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ قَطْعُهَا كُلُّهَا قَدْ وَجَبَ فَرْضًا فَلاَ يُجْزِئُ ، عَنِ الْفَرْضِ بَعْضُهُ. وَيَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ صَلَّى ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ الظُّهْرِ , لأََنَّهُ قَدْ صَلَّى الأَكْثَرَ ، وَأَنَّ مَنْ صَامَ أَكْثَرَ النَّهَارِ أَنَّهُ يَجْزِيهِ , وَهَذَا لاَ يَقُولُونَهُ , فَلاَحَ فَسَادُ قَوْلِهِ جُمْلَةً , وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّ إيجَابَهُ الْحُلْقُومَ وَإِسْقَاطَهُ الْمَرِيءَ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ , وَلاَ قِيَاسٍ. وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلُّ مَا أَفْرَى الأَوْدَاجَ غَيْرُ مُتَرَدٍّ. وَعَنِ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ , وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ كَذَلِكَ , وَاحْتَجُّوا فِي إيجَابِهِ الْوَدَجَيْنِ بِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا مُطَّلِبٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ ذَبَحَتْ شَاةً فَقَالَ لَهَا : أَفَرَيْتِ الأَوْدَاجَ قَالَتْ : نَعَمْ , قَالَ : كُلُّ مَا أَفْرَى الأَوْدَاجَ مَا لَمْ يَكُنْ قَرْضَ سِنٍّ , أَوْ حَزَّ ظُفْرٍ. قال أبو محمد : وَهَذَا خَبَرٌ فِي نِهَايَةِ السُّقُوطِ لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِالْكَذِبِ , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ الْكَذِبَ , وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ , وَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ. ثُمَّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى وَغَيْرُهُ. ثُمَّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الأَلْهَانِيُّ دِمَشْقِيٌّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. ثُمَّ ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا , فَبَطَل كُلُّهُ , وَلَيْسَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْعٌ مِنْ أَكْلِ مَا عَدَا ذَلِكَ. وَلاَ مُتَعَلِّقَ لِلْمَالِكِيِّينَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لأََنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الحُّلْقُومِ وَقَدْ أَوْجَبُوهُ , وَلاَ فِيهِ إيجَابُ الذَّبْحِ مِنْ الْحَلْقِ وَقَدْ أَوْجَبُوهُ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ : إنْ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا وَحُجَّتُهُمْ لَهُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ فِي حَالٍ لاَ يَعِيشُ مِنْهَا فَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي مَيِّتَةٍ ، وَلاَ بُدَّ . فَقُلْنَا : نَعَمْ , فَكَانَ مَاذَا وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ تَحْرِيمَ مَا هَذَا صِفَتُهُ قال أبو محمد : وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا , وَهَلْ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى قَطْعِ مَا قَطَعَ رَجَاءٌ فِي حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ هَذَا مَا لاَ رَجَاءَ فِيهِ , فَتَمَادِيهِ فِي الْقَطْعِ بِغَيْرِ رَفْعِ يَدٍ أَوْ بَعْدَ رَفْعِ يَدٍ , إنَّمَا هُوَ فِيمَا لاَ تُرْجَى حَيَاتُهُ فَعَلَى قَوْلِهِ هَذَا لاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَذْبُوحٍ أَبَدًا , لأََنَّهُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّبْحِ ، وَلاَ بُدَّ قَدْ حَصَلَ فِي حَالٍ لاَ يَعِيشُ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ , وَدَعْوَى أَيْضًا بِلاَ بُرْهَانٍ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لاَ يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنْ أَبَانَ الرَّأْسَ غَيْرَ عَامِدٍ حَلَّ أَكْلُهُ , فَإِنْ أَبَانَهُ عَامِدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ , لأََنَّهُ تَفْرِيقٌ بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً , وَإِذَا تَمَّتْ ذَكَاتُهُ عَلَى إقْرَارِهِ وَعَلَى تَمَامِ شُرُوطِهِ فَمَا الَّذِي يَضُرُّ تَعَمُّدَ قَطْعِ الرَّأْسِ حِينَئِذٍ فَإِنْ قَالُوا : إنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْمَذْبُوحِ قلنا : فَتَعْذِيبُهُ عِنْدَكُمْ بَعْدَ تَمَامِ ذَكَاتِهِ مَانِعٌ مِنْ أَكْلِهِ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : لاَ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَحْرِيمُهُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّعْذِيبِ خَاصَّةً وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَا أُبِينَ رَأْسُهُ ، عَنْ عَطَاءٍ. وَكَرِهَ نَافِعٌ , وَالْحَكَمُ , وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي لَيْلَى , وَابْنُ سِيرِينَ مَا أُبِينَ رَأْسُهُ. وَرُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ فِيمَا أُبِينَ رَأْسُهُ أَثَرٌ لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ هَالِكٌ وَقَدْ صَحَّ خِلاَفُهُ ، عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَرُوِيَ عَنْهُ نَفْسِهِ أَيْضًا خِلاَفُ ذَلِكَ , وَاخْتَلَفَ فِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ t وَعَنْهُمْ. وَأَمَّا مَنْعُهُمْ أَيْضًا مِمَّا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا فَقَوْلٌ أَيْضًا لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. فَإِنْ قَالُوا : هُوَ تَعْذِيبٌ قلنا : مَا التَّعْذِيبُ فِيهِ إِلاَّ كَالتَّعْذِيبِ فِي الذَّبْحِ مِنْ أَمَامٍ ، وَلاَ فَرْقَ , وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ رُوِيَ ، عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قلنا : نَعَمْ , وَلاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّكُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ فِي مَنْعِكُمْ مِنْ الذَّكَاةِ فِي اللَّبَّةِ فِي بَعْضِ الْحَيَوَانِ وَمَنْعِكُمْ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ فِي بَعْضِهِ وَلَيْسَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْرِيقٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَوْنِ الذَّكَاةِ فِي الْحَلْقِ مَا يُوجِبُ أَنْ لاَ يَكُونَ قَطْعُ الْحَلْقِ ذَكَاةٌ مِنْ وَرَائِهِ دُونَ أَمَامِهِ , أَوْ مِنْ أَمَامِهِ دُونَ وَرَائِهِ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا , وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْمَنْعُ مِمَّا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا . وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ , وَإِسْحَاقُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلْقَاءَ الْعُقْدَةِ إلَى أَسْفَلَ فَإِنَّ أَصْحَابَ مَالِكٍ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ , وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذُبِحَ فِي الرَّأْسِ لاَ فِي الْحَلْقِ , وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَخْنُوقِ فَكَانَتْ الْحُجَّةُ أَشَدَّ بُطْلاَنًا وَمُكَابَرَةً لِلْعِيَانِ مِنْ الْقَوْلِ الْمُحْتَجِّ لَهُ بِهَا وَقَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَمَا ذُبِحَ بِالْمُشَاهَدَةِ إِلاَّ فِي أَوَّلِ الْحَلْقِ , وَأَوَّلُ الْحَلْقِ بَعْضُ الْحَلْقِ كَوَسَطِهِ وَكَآخِرِهِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَلاَ نَعْلَمُ لأَبْنِ الْقَاسِمِ أَحَدًا قَبْلَهُ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ فَسَقَطَ لِتَعَرِّيه ، عَنِ الدَّلِيلِ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنَّهُ لاَ تَكُونُ ذَكَاةٌ إِلاَّ مَا قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ , وَالْحُلْقُومَ , وَالْمَرِيءَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ الْحَيَوَانِ حَيًّا حَتَّى يُذَكَّى , وَقَطْعُ هَذِهِ الأَرْبَعَةِ ذَكَاةٌ صَحِيحَةٌ مُجْتَمَعٌ عَلَى تَحْلِيلِ مَا زُكِّيَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَا دُونَ ذَلِكَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ تَحْرِيمٍ إلَى تَحْلِيلٍ إِلاَّ بِإِجْمَاعٍ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ صَحِيحَةُ الْمَبْدَأِ نَاقِصَةُ الآخِرِ , وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولُوا : مَا صَحَّ تَحْرِيمُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ ، عَنِ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ إِلاَّ بِنَصٍّ صَحِيحٍ , ثُمَّ لاَ نُبَالِي أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَمْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً لاَ يَأْخُذُ مِنْ النُّصُوصِ إِلاَّ بِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ لَخَالَفَ جُمْهُورَ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ , وَجُمْهُورَ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ r ; وَهَذَا لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ , وَهُوَ خِلاَفُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ , وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى فَرَدُّوهُ إلَى مَا أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّنَا لاَ نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا الْتَزَمَ هَذَا الأَصْلَ ، وَلاَ أَحَدًا قَالَ بِهِ وَصَحَّحَهُ. فَالْوَاجِبُ إذْ قَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا أَنْ يُرَدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَالذَّكَاةُ الشَّقُّ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ r بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ فِيمَا تُمُكِّنَ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَتَعَدَّى حَدَّهُ عليه السلام. وَأَمَرَ عليه السلام بِالإِرَاحَةِ , أَنَّ كُلَّ ذَبْحٍ وَكُلَّ شَقٍّ قَالَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَهُوَ ذَكَاةٌ , وَإِذْ هُوَ ذَكَاةٌ فَإِنَّ الْمُذَكَّى بِهِ خَارِجٌ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ. وَلَوْ أَنَّ الذَّكَاةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِقَطْعِ بَعْضِ الآرَابِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا دُونَ بَعْضٍ , أَوْ بِقَطْعِ جَمِيعِهَا , أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا لَمَا نَسِيَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهَا ، وَلاَ أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ r إعْلاَمَنَا بِهَا حَتَّى نَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى رَأْيٍ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى رَأْيَهُ حُجَّةً فِي تَبِنَةٍ فَمَا فَوْقَهَا , وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يُضَيِّعَ إعْلاَمَنَا بِمَا افْتَرَضَهُ عَلَيْنَا حَتَّى يَشْرَعَهُ لَنَا مَنْ دَوَّنَهُ مِنْ الأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ , تَاللَّهِ إنَّ فِي مَغِيبِ هَذَا عَمَّنْ غَابَ عَنْهُ لَعَجَبًا , وَلَكِنْ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لاَقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ : مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكَ : أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ , وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ , وَزَائِدَةَ , وَأَبِي الأَحْوَصِ , وَعَمْرِ بْنِ سَعِيدٍ كُلُّهُمْ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ. فَكُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فِي الْمُتَمَكَّنِ مِنْهُ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ ذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ فَهُوَ ذَكَاةٌ يَحِلُّ بِهَا الأَكْلُ , وَلَوْ كَانَ هَهُنَا صِفَةٌ لاَزِمَةٌ لَبَيَّنَهَا عليه السلام كَمَا بَيَّنَ وُجُوبَ أَنْ لاَ يُؤْكَلَ إِلاَّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَنْ لاَ يَكُونَ ذَلِكَ بِسِنٍّ ، وَلاَ ظُفْرٍ. وَمِنْ أَعْجَبْ الْعَجَائِبِ مَنْ أَسْقَطَ فِي الذَّكَاةِ مَا اشْتَرَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام فِيهَا فَيُبِيحُ أَكْلَ مَا لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى بِنِسْيَانٍ أَوْ تَعَمُّدٍ , وَيُبِيحُ أَكْلَ مَا ذُبِحَ بِعَظْمٍ أَوْ ظُفْرٍ , ثُمَّ يَزِيدُ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r بِرَأْيِهِ الزَّائِفِ مِنْ أَنْ لاَ يَكُونَ ذَلِكَ إِلاَّ مِنْ أَمَامَ وَبِأَنْ يَعُمَّ الْوَدَجَيْنِ , وَالْحُلْقُومَ , دُونَ الْمَرِيءِ ; وَالذَّبْحُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ وَالنَّحْرُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ , وَبِأَنْ لاَ يَرْفَعَ يَدًا , وَأَنْ لاَ يَتَعَمَّدَ إبَانَةَ الرَّأْسِ , وَأَنْ لاَ يُلْقِيَ الْعُقْدَةَ , أَوْ بِأَنْ يَقْطَعَ الثَّلاَثَ الآرَابَ , أَوْ الأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الأَرْبَعَةِ أَوْ بِأَنْ يُبَيِّنَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ فَقَطْ إنَّ فِي هَذَا لَعَجَبًا شَنِيعًا لِمَنْ تَأَمَّلَهُ , وَأَشْنَعُ مِنْ هَذَا تَهَالُكُ مَنْ تَهَالَكَ عَلَى التَّدَايُنِ بِهَذِهِ الآرَاءِ وَنَصْرِهَا بِمَا أَمْكَنَهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ حِمَارَ وَحْشٍ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَسَأَلُوا ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْهُ فَقَالَ : صَيْدٌ فَكُلُوهُ. قال أبو محمد : هَذَا حِمَارُ وَحْشٍ مُتَمَكَّنٌ مِنْهُ فِي الدَّارِ ، وَلاَ يُخَالِفُنَا خُصُومُنَا فِي أَنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْدِ ذَكَاتُهُ كَذَكَاةِ الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ , وَالْغَنَمِ , وَلاَ فَرْقَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، حَدَّثَنَا أَبُو غِفَارٍ هُوَ الطَّائِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مِجْلَزٍ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ ، عَنْ ذَبِيحَةٍ قُطِعَ رَأْسُهَا فَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ بِأَكْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الدَّجَاجَةِ إذَا قُطِعَ رَأْسُهَا : ذَكَاةٌ سَرِيعَةٌ , أَيْ كُلْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : ضَرَبَ رَجُلٌ بِسَيْفِهِ عُنُقَ بَطَّةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا , فَسَأَلَ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ كِلاَهُمَا ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَقَدْ أَدْرَكَ يُوسُفُ عِمْرَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ عَوْفٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ هِنْدٍ الْجَمَلِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ ، عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ عُنُقَ بَعِيرٍ بِالسَّيْفِ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ فَقَطَعَهُ , فَقَالَ عَلِيٌّ : ذَكَاةٌ وَحَيَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ خَبَّازًا لأََنَسٍ ذَبَحَ دَجَاجَةً فَاضْطَرَبَتْ , فَذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا فَأَبَانَ الرَّأْسَ فَأَرَادُوا طَرْحَهَا , فَأَمَرَهُمْ أَنَسٌ بِأَكْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ دَجَاجَةً فَظَنَّ رَأْسَهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ذَكَاةٌ وَحَيَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنِ الْمَعْرُورِ ، عَنْ أَبِي الْفُرَافِصَةِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى أَلاَ إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ , وَأَقِرُّوا الأَنْفُسَ حَتَّى تَزْهَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إبْلاَغُ الذَّبْحِ أَنْ تَبْلُغَ الْعَظْمَ. وَصَحَّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إذَا أُهْرِيقَ الدَّمُ وَقُطِعَ الْوَدَجُ فَكُلْهُ : فَهَؤُلاَءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَابْنُ عَبَّاسٍ أَجْمَلاَ وَلَمْ يُفَصِّلاَ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ , وَأَنَسٌ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَابْنُ عُمَرَ لاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ : الذَّبْحُ قَطْعُ الأَوْدَاجِ فَقُلْت لِعَطَاءٍ : ذَبَحَ ذَابِحٌ فَلَمْ يَقْطَعْ الأَوْدَاجَ قَالَ : مَا أَرَاهُ إِلاَّ قَدْ ذَكَّاهَا فَلْيَأْكُلْهَا فَهَذَا عَطَاءٌ يَرَى الذَّكَاةَ كَيْفَ كَانَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ , وَكِلاَهُمَا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ دِيكٍ ذُبِحَ مِنْ قَفَاهُ فَقَالَ : إذَا سَمَّيْت فَكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الذَّبِيحَةِ تُذْبَحُ فَتَمُرُّ السِّكِّينُ فَتَقْطَعُ الْعُنُقَ كُلَّهُ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ ذَكَاةٌ سَرِيعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ : سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ ، عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ عُنُقَ حِمَارٍ وَحْشٍ فَأَمَرَنِي بِأَكْلِهِ , وَسَأَلْته ، عَنْ دَجَاجَةٍ ذُبِحَتْ مِنْ قَفَاهَا فَقَالَ إبْرَاهِيمُ : تِلْكَ الْقَفِينَةُ لاَ بَأْسَ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَ الرَّأْسَ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : بِئْسَمَا فَعَلَ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَفَنَأْكُلُهَا قَالَ : نَعَمْ. قال أبو محمد : لَوْ كَانَ مَغْلُوبًا لَمْ يَقُلْ الزُّهْرِيُّ , " بِئْسَمَا فَعَلَ ". فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ فِي مُتَعَمَّدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلاً ذَبَحَ جَدْيًا فَقَطَعَ رَأْسَهُ لَمْ يَكُنْ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي بَطَّةٌ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهَا بِالسَّيْفِ , فَقَالَ الْحَسَنُ : لاَ بَأْسَ بِأَكْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ قَالاَ جَمِيعًا فِيمَنْ ذَبَحَ فَأَبَانَ الرَّأْسَ : فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِيمَنْ ذَبَحَ فَأَبَانَ الرَّأْسَ , قَالَ : كُلْ وَرَوَى أَيْضًا ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الذَّبْحِ لاَ يُقْطَعُ الرَّأْسُ فَإِنْ قُطِعَ الرَّأْسُ فَلْيَأْكُلْ : فَهَؤُلاَءِ عَطَاءٌ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٌ , وَالْحَسَنِ , وَالنَّخَعِيُّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَالزُّهْرِيُّ , وَالضَّحَّاكُ يُجِيزُونَ أَكْلَ مَا قُطِعَ رَأْسُهُ فِي الذَّكَاةِ وَبَعْضُهُمْ أَكَلَ مَا لَمْ يُقْطَعْ أَوْدَاجُهُ وَمَا ذُبِحَ مِنْ قَفَاهُ وَمَا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. 1048 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا جَازَ ذَبْحُهُ جَازَ نَحْرُهُ , وَكُلُّ مَا جَازَ نَحْرُهُ جَازَ ذَبْحُهُ : الإِبِلُ , وَالْبَقَرُ , وَالْغَنَمُ , وَالْخَيْلُ , وَالدَّجَاجُ , وَالْعَصَافِيرُ , وَالْحَمَامُ , وَسَائِرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ; فَإِنْ شِئْت فَاذْبَحْ , وَإِنْ شِئْت فَانْحَرْ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا. وقال مالك : الْغَنَمُ , وَالطَّيْرُ , تُذْبَحُ ، وَلاَ تُنْحَرُ , فَإِنْ نُحِرَ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ يُؤْكَلْ وَأَمَّا الإِبِلُ فَتُنْحَرُ , فَإِنْ ذُبِحَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يُؤْكَلْ , وَأَمَّا الْبَقَرُ فَتُذْبَحُ وَتُنْحَرُ ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ سَلَفًا مِنْ الْعُلَمَاءِ أَصْلاً , إِلاَّ رِوَايَةً ، عَنْ عَطَاءٍ فِي الْبَعِيرِ خَاصَّةً قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُهَا , وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ذَبْحَ الْجَمَلِ تَعْذِيبٌ لَهُ لِطُولِ عُنُقِهِ , وَغِلَظِ جِلْدِهِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ لِلْعِيَانِ , وَمَا تَعْذِيبُهُ بِالذَّبْحِ إِلاَّ كَتَعْذِيبِهِ بِالنَّحْرِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَمَا جِلْدُهُ بِأَغْلَظَ مِنْ جِلْدِ الثَّوْرِ , وَمَا عُنُقُهُ بِأَطْوَلَ مِنْ عُنُقِ الإِبِلِ وَهُوَ يَرَى الذَّبْحَ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَمَا تَعْذِيبُ الْعُصْفُورِ , وَالْحَمَامَةِ , وَالدَّجَاجَةِ بِالنَّحْرِ إِلاَّ كَتَعْذِيبِهَا بِالذَّبْحِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ فَيُجِيزُونَ فِيهَا النَّحْرَ وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ يَلْزَمُنَا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَإِنْ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ r نَحَرَ الإِبِلَ بِمِنًى , وَذَبَحَ الْكَبْشَيْنِ إذْ ضَحَّى بِهِمَا قلنا : نَعَمْ , وَهَذَا فِعْلٌ لاَ أَمْرٌ , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْفِعْلِ , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَهَذَا هُوَ الْفُتْيَا الْمُبِينَةُ الَّتِي لاَ يَحِلُّ تَعَدِّيهَا , لاَ الْعَمَلُ الَّذِي لَمْ يُنْهَ عَمَّا سِوَاهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَابْنِ عَبَّاسٍ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ , وَلَمْ يَخُصَّا بِإِحْدَاهُمَا حَيَوَانًا مِنْ حَيَوَانٍ بَلْ هَتَفَ عُمَرُ بِذَلِكَ مُجْمَلاً ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً. بَلْ قَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ بَعِيرٍ ضُرِبَ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ وَرَأَى ذَلِكَ ذَكَاةً وَحَيَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَ جَزُورًا وَهُوَ مُحْرِمٌ , وَالْجَزُورُ الْبَعِيرُ بِلاَ خِلاَفٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الذَّبْحَ فِي الْقُرْآنِ , فَإِنْ ذَبَحْت شَيْئًا يُنْحَرُ أَجْزَى عَنْك. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : الذَّبْحُ مِنْ النَّحْرِ , وَالنَّحْرُ مِنْ الذَّبْحِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ , قَالاَ جَمِيعًا : الإِبِلُ , وَالْبَقَرُ إنْ شِئْت ذَبَحْت وَإِنْ شِئْت نَحَرْت. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كَانَ الذَّبْحُ فِيهِمْ , وَالنَّحْرُ فِيكُمْ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ , فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. قال أبو محمد : قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَقَوْلَ النَّبِيِّ r : مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَبْحًا مِنْ نَحْرٍ , وَلاَ نَحْرًا مِنْ ذَبْحٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَنِي جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى , وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ زُبَيْدٍ اليامي ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمِنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأََهْلِهِ وَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ r قَدْ نَحَرَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ r مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ ، وَلاَ يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ رَسُولُ اللَّهِ r . وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي كِتَابِ الأَضَاحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى فَأَطْلَقَ عليه السلام فِي الأَضَاحِيِّ الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ عُمُومًا وَفِيهَا الإِبِلُ , وَالْبَقَرُ , وَالْغَنَمُ , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِنَحْرٍ دُونَ ذَبْحٍ ، وَلاَ بِذَبْحٍ دُونَ نَحْرٍ , وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الأَمْرَيْنِ لاَ يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ لَبَيَّنَهُ عليه السلام : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَرَسًا وَرُوِّينَا عَنْهَا أَيْضًا ذَبَحْنَا فَرَسًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1049 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَمَكَّنِ مِنْهُ فَذَكَاتُهُ أَنْ يُمَاتَ بِذَبْحٍ أَوْ بِنَحْرٍ حَيْثُ أَمْكَنَ مِنْهُ مِنْ خَاصِرَةٍ , أَوْ مِنْ عَجُزٍ , أَوْ فَخِذٍ , أَوْ ظَهْرٍ , أَوْ بَطْنٍ , أَوْ رَأْسٍ , كَبَعِيرٍ , أَوْ شَاةٍ , أَوْ بَقَرَةٍ , أَوْ دَجَاجَةٍ , أَوْ طَائِرٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ : سَقَطَ فِي غَوْرٍ فَلَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ حَلْقِهِ , وَلاَ مِنْ لِبَتِهِ , فَإِنَّهُ يَطْعَنُ حَيْثُ أَمْكَنَ بِمَا يُعَجِّلُ بِهِ مَوْتَهُ , ثُمَّ هُوَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اسْتَعْصَى مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ ; فَإِنَّ ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ الصَّيْدِ , ثُمَّ يُؤْكَلُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَصْحَابِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِنَا. وقال مالك : لاَ يَجُوزُ أَنْ يُذَكَّى أَصْلاً إِلاَّ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ. قال أبو محمد : وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ السَّلَفِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ حِمَارًا وَحْشِيًّا اسْتَعْصَى عَلَى أَهْلِهِ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ : تِلْكَ أَسْرَعُ الذَّكَاةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , وَشُعْبَةُ كِلاَهُمَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ بَعِيرًا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَذُكِّيَ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ , فَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ حَدَّثَنِي أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ , فَكَانَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْحَرَهُ , فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَجِزْ عَلَيْهِ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَأَجَازَ عَلَيْهِ مِنْ شَاكِلَتِهِ فَأُخْرِجَ قِطَعًا قِطَعًا فَأَخَذَ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سِيَاهٍ سَمِعَ أَبَا رَاشِدٍ السَّلْمَانِيَّ قَالَ : كُنْت فِي مَنَائِحَ لأََهْلِي بِظَهْرِ الْكُوفَةِ أَرْعَاهَا فَتَرَدَّى بَعِيرٌ مِنْهَا فَنَحَرْتُهُ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ , فَأَتَيْت عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ : اهْدِ لِي عَجُزَهُ : الشَّاكِلَةَ : الْخَاصِرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ بَعِيرًا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَصَارَ أَسْفَلُهُ أَعْلاَهُ , قَالَ : فَسَأَلْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : قَطِّعُوهُ أَعْضَاءً وَكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ : مَا أَعْجَزَك مِنْ الْبَهَائِمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ : ابْنُ مَسْعُودٍ , وَعَلِيُّ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنُ عُمَرَ , وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سَأَلَ ، عَنْ قَالِحٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَذُكِّيَ مِنْ قِبَلِ خَاصِرَتِهِ , فَقَالَ مَسْرُوقٌ : كُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا حُرَيْثٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : إذَا خَشِيت أَنْ يَفُوتَك ذَكَاتُهَا فَاضْرِبْ حَيْثُ أَدْرَكْت مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْبَعِيرِ يَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ قَالَ : يُطْعَنُ حَيْثُ قَدَرُوا ذِكْرَ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مَقْتَلاً فَسُئِلَ الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ذَكُّوهُ مِنْ أَدْنَى مَقْتَلِهِ ; فَفَعَلُوا فَأَخَذَ الأَسْوَدُ مِنْهُ بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاكِ يَقُولُ فِي بَقَرَةٍ شَرَدَتْ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَالْحَسَنِ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَلاَ نَعْلَمُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا سَلَفًا إِلاَّ قَوْلاً ، عَنْ رَبِيعَةَ. قال أبو محمد : وَقَالَ قَائِلُهُمْ : إنْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ فَأَبِيحُوا قَتْلَهَا بِالْكِلاَبِ وَالْجَوَارِحِ . فَقُلْنَا : نَعَمْ , إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالصَّيْدِ ، وَلاَ فَرْقَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّعَمِ وَالإِنْسِيَّاتِ فِي الذَّكَاةِ , فَهَلاَّ قَالُوا : إنَّ النِّعَمَ وَالإِنْسِيَّاتِ إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا فَمَنْزِلَتُهَا كَمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ يَوْمًا مَا لَكَانَ هَذَا أَصَحَّ قِيَاسٍ فِي الْعَالَمِ. وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ : إنِّي لأََرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ كَلْبٍ وَلَغَ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ هَهُنَا : إنِّي لأََرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُضَيَّعَ وَيُفْسَدَ لأََجْلِ أَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى لَبَّتِهِ , وَلاَ عَلَى حَلْقِهِ ; فَلَوْ عُكِسَ كَلاَمُهُ لاََصَابَ ; بَلْ الْعَظِيمُ كُلُّ الْعَظِيمِ هُوَ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ فَيَقُولُ قَائِلٌ بِرَأْيِهِ : لاَ يُرَاقُ , وَأَنْ يَنْهَى النَّبِيُّ r عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَيُضَيَّعُ الْبَعِيرُ , وَالْبَقَرَةُ , وَالشَّاةُ , وَالدَّجَاجَةُ , وَنَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى تَذْكِيَتِهَا مِنْ أَجْلِ عَجْزِنَا ، عَنْ أَنْ تَكُونَ التَّذْكِيَةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ ; فَهَذَا هُوَ الْعَظِيمُ حَقًّا قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ. وَقَالَ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا فَصَحَّ أَنَّ التَّذْكِيَةَ كَيْفَمَا قَدَرْنَا لاَ نُكَلَّفُ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِنَا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا عَوَانَةُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ r فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ فَنَدَّ بَعِيرٌ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ , فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَنَدَّ عَلَيْنَا بَعِيرٌ فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى وَهَصْنَاهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ عَلِيٌّ : الْوَهْصُ الْكَسْرُ وَالإِسْقَاطُ إلَى الأَرْضِ ، وَلاَ يَبْلُغُ الْبَعِيرُ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ وَهُوَ مَنْفَذُ الْمُقَاتِلِ , وَقَدْ أُذِنَ عليه السلام فِي رَمْيِهِ بِالنَّبْلِ , وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا الْمَوْتُ بِإِصَابَتِهَا وَهَذَا إذْنٌ مِنْهُ عليه السلام فِي ذَكَاتِهَا بِالرَّمْيِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَهَهُنَا خَبَرٌ لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِهِ لَطَغَوْا : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي الْعَشْرَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلاَّ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ : لَوْ طُعِنَتْ فِي فَخْذِهَا لاََجْزَأَكَ. قال أبو محمد : أَبُو الْعَشْرَاءِ قِيلَ : اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قَهْطَمٍ , وَقِيلَ : عُطَارِدُ بْنُ بَرْزٍ وَفِي الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَا كِفَايَةٌ. وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ , وَالسُّنَنِ , وَالصَّحَابَةِ , وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ , وَالْقِيَاسَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.