ك.خ.ط.: السوفيات و67

هل منع السوفيات عبد الناصر من الهجوم عام 67؟

د. كمال خلف الطويل

6/5/2007


توقفت مليا أمام تصريح بوغوص أكوبوف الدبلوماسي السوفياتي السابق حول موقف الإتحاد السوفياتي من أزمة وحرب 67 . ومدعاة التوقف هو اعتقادي شبه الجازم أن قدرا من التشوش والضبابية في ذهن الرجل فعل فعله لينطق بما نطق.... ما الذي قاله:

1 – ان شمس بدران وزير الحربية ومبعوث عبد الناصر وصل موسكو لإجراء مباحثات مع القيادة السوفياتية في 20 مايو. والأدق أن بعثته وصلت يوم 25 مايو, وضمت بجانبه الفريق أول هلال هلال مساعد نائب القائد الأعلى وأحمد حسن الفقي وكيل وزارة الخارجية فضلا عن السفير مراد غالب.

2 –أن الوفد أتى برغبة من عبد الناصر في دعم السوفيات له لشن ضربة هجومية إستباقية على إسرائيل قبل أن تسبق بضرب سوريا.

3 – إن الوفد, وفقط في اليوم الرابع, أعلن اقتناع عبد الناصر بعدم القيام بهكذا ضربة مماشاة لتمنع السوفيات عن دعمها .. أي يوم 28 مايو.


والقاطع أن مراجعة دقيقة لمسار الحوادث تلك الأيام كفيل بتوضيح الصورة وإزالة ما علق بها من شوائب:

1 – إن عبد الناصر وبعد إغلاقه لخليج العقبة يوم 22 مايو عقد اجتماعات ثلاث لهيئة أركان الحرب, أولها في 25 مايو, وثانيها في 28 مايو, وثالثها في 2 يونيو.

2 – إن اجتماع 25 مايو الأول تواقت مع سفر بعثة شمس بدران لموسكو يومها. كان مطلب عبد الناصر الأساسي في هذا الإجتماع هو تأمين قطاع غزة وشرم الشيخ بما عناه من تعديل خطة قاهر للدفاع عن سيناء والمقرة في ديسمبر 66. والأكيد أن عبد الحكيم عامر عرض خطتين تعرضيتين محدودتين: الأولى برية واسمها الكودي "أسد" وتهدف للإستيلاء على إيلات, والثانية جوية واسمها الكودي" فجر" وتنحصر في قصف وتدمير مطارات النقب. إنتهى الإجتماع إلى قرار بتجميد العمل بالخطتين حتى إشعار آخر... وبعد نيل إذن عبد الناصر شخصيا .

3 - في اليوم التالي – الجمعة 26 مايو – خرج الأستاذ هيكل بمقال لا يمكن له إلا أن يكون من وحي عبد الناصر تبدت فيه النية جلية في الإمتناع عن الضربة الأولى, والإكتفاء بصد ضربة العدو ان أتت, ثم الرد بضربة مضادة. هكذا إعلان ينبئ أن اجتماع 25 مايو تمخض عن هكذا سياسة, مع الإحتفاظ باحتمال عمليات تكتيكية موضعية قائما حسب التطورات.

4 – إذا كان ما يقصده أكوبوف هو أن بدران أراد تأييد السوفيات في دعم هاتين العمليتين فهذا ممكن وربما كان أحد أسباب زيارته وفي ذلك التوقيت بالتحديد. أما حكاية هجوم مصري شامل على إسرائيل فغير واردة بالقطع.

5 –أما القول بأن عبد الناصر يريد استباق إسرائيل في ضربتها لسوريا فغير واقعي بالمرة. اذ ذاك فعلا ما جرى بين 15 – 22 مايو: في ذلك الأسبوع تحول جهد العمل الإسرائيلي من الشمال إلى الجنوب, وهذا ما قصده عبد الناصر بالضبط... أي تخليص سوريا من هم الغزو وتحويل أنظار العدو عنها وجنوبا إلى الجبهة الرئيسية من الآن فصاعدا. إذن ليس هناك توقع لضربة في الشمال حتى يتم استباقها من الجنوب.

6 – ما أراده بدران فعلا – فضلا عن احتمال طلب تأييد فجر وأسد – هو التسريع في توريد صفقات سلاح معقودة سابقا, والتوصل إلى صفقة سلاح جديدة تركز على الدفاع الجوي. ثم هو أراد معرفة موقف موسكو في حال شنت إسرائيل هجومها الشامل على مصر, ناهيك عن استعراض الموقف الإقليمي, وتبادل المعلومات والتركيز على وضع واشنطن من القصة وتفاعلاتها.

7 –الحيوي في هذا السياق أن السفير ديمتري بوجداييف أفاق عبد الناصر من نومه في الثالثة من فجر 27 مايو لينقل إليه رسالة عاجلة من القيادة السوفياتية محملة بمعلومات أمريكية عن هجوم مصري ذاك الصباح على إسرائيل مع طلب سوفياتي بالتوثق والتوقف على الفور. أكد عبد الناصر للسفير أن شيئا من هذا لن يكون. إتصل بعبد الحكيم عامر فوجده فعلا في صدد الأمر بفجر وأسد ذلك اليوم, ورغم قرار إجتماع 25 مايو بأن الرئيس وحده صاحب القرار النهائي. أمر عبد الناصر عامر بإلغاء أوامره والإنصياع لكلمته الأخيرة ففعل. ماذا يعني ذلك؟... يعني أن التوقف عن هجومين محدودين تم فجر 27 مايو- اليوم الثالث للمباحثات وليس اليوم الرابع- وفي القاهرة ذاتها وليس موسكو.

8 – إن شمس بدران عاد من موسكو يوم 28 مايو ليذهب من فوره لحضور اجتماع هيئة أركان الحرب الثاني ذلك المساء.

9 – في المباحثات مع كوسيغن كان واضحا أن السوفيات راغبين بنزول عبد الناصر على درجات السلّم وسعداء بخطواته لتخفيف التوتر التي أبلغها ليوثانت عندما قابله يوم 23 مايو لبحث أزمة خليج العقبة, بل ومطالبين بالمزيد من نزع فتيل الأزمة المتصاعدة. لم يكونوا سعداء بإغلاق الخليج في المقام الأول, وساعين لنزع ألغام الإغلاق طالما قد حدث. هم في المجمل أرادوا ردعا لإسرائيل وحماية لسورية وتفعيلا لمصر, ولكن من دون الإقتراب من حافة الحرب.

كانوا مقتنعين – كما قناعة عبد الناصر – أن جيشه قادر على خوض معركة دفاع معقولة في سيناء إن وصلت الأمور للحرب- وهو أسوأ الأحوال- ولم يكن في خاطرهم أن تتهدم العسكرية العربية بالدراماتيكية التي تجلت عبر أيام ستة.

لقد هزموا معنا وبنا في يونيو 67, ثم ضربوا بنا وعبرنا ما بين 72 – 81 بما كفل – إضافة لعوامل أخرى – إنهدام بنيانهم في 90 – 91.