كيف تشعر الخلايا؟

كيف تشعر الخلايا؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

د.إيهاب عبد الرحيم محمد

هل يمكن لومضات ضعيفة من الضوء أن تخبرنا بالكيفية التي تشعر بها الخلايا؟ وإذا تعلمنا لغتها، فهل يمكننا التحكم بها… من يدري!

هناك مجموعة صغيرة من الباحثين في جميع أنحاء العالم تجري أبحاثها في مختبرات مظلمة على أمل التقاط ذلك الضياء الخافت الذي ينبعث من جميع الأنسجة الحية. وهذا الضياء مراوغ لدرجة أننا لا نستطيع رؤيته سوى باستخدام أكثر أجهزة الاستشعار حساسية، لكننا لا نتحدث عن الأورة الروحانية هنا ، لكن تلك النبضات الخافتة من الضوء قد تكون أكثر قليلا من مجرد نواتج ثانوية لاستقلاب الخلية ذاتها- وهو مقابل انبعاث عادم السيارة. وعلى الرغم من ذلك، يأمل الباحثون في أن يؤدي الفرق في شدة الضوء المنبعث من الخلايا الصحيحة وتلك السرطانية ، إلى منح الأطباء وسيلة غير جراحية أخرى لاكتشاف المرض الخبيث. ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، إذ يعتقدون أن الخلايا بوسعها تنسيق أنشطتها بواسطة أنماط الفوتونات photons . بينما يجرؤ أقل القليل على اقتراح أن هذه الفوتونات قد تكون في واقع الأمر ، هي الوسائط المستبطنة للوعي ذاته. ومما لا شك فيه أن كثير من الكائنات الحية تشع ضوءا ؛ وعلى سبيل المثال، فإن 80% من المخلوقات البحرية ، وذبابة النار، وعدد قليل من الفطريات، والحريش (أم أربعة وأربعين centipede) ، تستخدم الضياء الحيوي bioluminescence للتواصل فيما بينها . ويتم توليد الضوء عادة عن طريق تفاعل كيميائي بين ثلاثي فسفات الأدينوزين ATP- وهو مخزن طاقة الخلية- وبين الأكسجين وجزيء اسمه لوسيفرين luciferin. ويقوم الأخير بتحويل الطاقة الكيميائية المحتبسة في ثلاثي فسفات الأدينوزين إلى فوتونات ضوئية. وفي أغلب الحالات، تنتج هذه الخلايا وميضا خافتا يرى بالكاد بالعين البشرية. لكن نوع الضوء الذي نتحدث عنه هنا أضعف من ذلك بكثير- بل إنه أوهى بنحو مليون مرة من الضوء المنبعث من ذبابة النار. وفي الحقيقة أن انبعاث "البيوفوتونات"- أو الفوتونات الحيوية biophotons ، ضعيف لدرجة أن الباحثين لم يبدءوا سوى مؤخرا في الاتفاق على مصدرها!… والمصدر الرئيسي لها هو الجذور الحرة Free radicals، وهي ذرات أو جزيئات تحتوي على إلكترون طليق ومن ثم تسعى جاهدة للاقتران بإلكترونات الجزيئات الأخرى. وكثيرا ما تمثل الجذور الحرة نواتج جانبية غير مرغوبة لتفاعلات تتم في الغشاء الداخلي للمتقدرات mitochondria- وهي مصانع الطاقة للخلية، والتي تستخدم الأكسجين لصنع وقود الخلايا- ثلاثي فوسفات الأدينوزين ATP. وهذه الجذور الحرة خطيرة للغاية ؛ فعندما تصطدم بالجزيئات الأخرى داخل الخلية مثل البروتينات أو الدهون أو السكريات، تقوم بتدميرها عن طريق تحطيمها إلى قطع صغيرة. وتتم أغلب التفاعلات البيولوجية عبر العديد من الخطوات الصغيرة، وكل منها مصمم لاستهلاك الطاقة بصورة مقتصدة. لكن تفاعلات الجذور الحرة تستهلك قدرا كبيرا من الطاقة يكفي لجعلها تتم في خطوة واحدة كبيرة . لكن هذا لا يعني أن طاقة الخلية تستنفد بالكامل في هذا التفاعل ، فهناك قدر ضئيل منها يمتصه إلكترون موجود على الجزيء الذي تتم مهاجمته، وبالتالي يصبح هذا الإلكترون غير مستقر ، ويطلق طاقته الفائضة في صورة فوتون ضوئي. وباعتبار أن الإنزيمات ومضادات الأكسدة antioxidants تقوم بإزالة جزيئات الأكسجين المتفاعلة والجذور الحرة قبل أن تتمكن من إلحاق الأذى بالخلية، تنزع الخلية السليمة لإطلاق عدد قليل جدا من الفوتونات ، قد لا تزيد عن عشرة في الدقيقة الواحدة، وهو مقدار يصعب اكتشافه حتى في أدق المختبرات المظلمة. ويعد هذا أحد أسباب بقاء تلك الظاهرة عصية على الدراسة والبحث؛ ففي سبعينات القرن العشرين، كان علماء الكيمياء الحيوية يعتبرون البيوفوتونات إحدى الطرق التي يمكن بها دراسة جزيئات الأكسجين المتفاعلة reactive. لكن انبعاث هذه البيوفوتونات ضعيف ، وآليات إنتاجها معقدة لدرجة أصابت أغلب الباحثين بالإحباط، الأمر الذي دعاهم لإيقاف أبحاثهم في هذا المضمار في نهاية الأمر. وعلى سبيل المثال، أظهر عالم الفيزياء الحيوية – بريتون تشانس Chance- من جامعة بنسلفانيا الأمريكية، أن الضوء كان ينبعث من الجذور الحرة التي تنتجها المتقدرات المعزولة ، لكن الدراسات المتعمقة فشلت في اكتشاف أية إشارة تدل على وجودها في أمخاخ الحيوانات. وقد تحسنت الأمور قليلا في عقد الثمانينات التالي، عندما قامت شركات مثل Hamamutu، وهي شركة يابانية متخصصة في صناعة أجهزة الاستشعار الضوئي المعروقة باسم المتضاعفات الضوئية photomultipliers ، بتطوير أدوات جديدة بالغة الحساسية صممت لتسجيل الإشارات الضوئية الواهية. ولاستغلال تلك الفرصة ، قامت الحكومة اليابانية بتمويل برنامج للأبحاث المتعلقة بالبيوفوتونات مدته خمس سنوات (بدأت عام 1986) ، وتبلغ تكلفته مليارات الدولارات. وقد ترأس المشروع هوميو إينابا Inaba، وهو مهندس يعمل في معهد أبحاث الاتصالات الكهربائية التابع لجامعة توهوكو اليابانية. وقد اكتشف عشرات الباحثون من جميع أنحاء اليابان والذين عملوا في المشروع، أن هذه الانبعاثات تصدر من كل شيء تقريبا؛ من بذور الطماطم إلى ذبابة الفاكهة! وقد اكتشف إينابا أيضا أن الخلايا المصابة أو المعرضة للضغوط تطلق عددا من الفوتونات يزيد بكثير عما تطلقه مثيلاتها السليمة. وبصورة خاصة، وجد أن نبتات فول الصويا التي يتم قطعها بشكل الصليب، تنبعث عنها مستويات أعلى من هذه الفوتونات في موضع القطع. وقد اكتشفت فرق بحثية أخرى زيادة معدلات إطلاق البيوفوتونات في مواضع تلف الخلية؛ فقد قامت مجموعة بحثية بجامعة كالجاري الكندية بتمزيق أوراق الأشجار بالقرب من أجهزة الاستشعار الحساسة ، فوجدوا ذروة هائلة من عشرات آلاف البيوفوتونات ، فيما يشبه انفجارا ضوئيا… ويبدو الأمر كما لو كانت أوراق الأشجار تبكي عندما نمزقها ، لكننا نستطيع الآن أن "نرى" صرختها بدلا من أن نسمعها! وليست الخلايا النباتية فقط هي التي تمتلك هذه الخاصية، فقد اكتُشف في معهد الفيزياء بجامعة كاتانيا الإيطالية أن الخلايا السرطانية المعزولة من الثدييات تطلق الفوتونات بمعدلات مرتفعة تصل إلى 1400 /سم2/ دقيقة- بينما لا تزيد معدلات إطلاق الخلايا السليمة عن 40 في الدقيقة! وفي دراسة أجريت على سرطان المثانة، اكتشف الباحثون اليابانيون أن شدة الضوء في خلايا الورم تبلغ أربعة أضعاف مثيلاتها في الخلايا السليمة المحيطة بها. ومن الواضح أن الخلايا عندما تتعرض للضغوط أو التلف تنطلق منها كميات من الجذور الحرة – وهذا يطلق الضوء. لكن السؤال الآن هو: هل يستطيع الأطباء استخدام هذا الوهيج الناتج عن الضغوط distress flare، كعلامة منذرة بحدوث المرض أو الاعتلال؟… يرى بعض الباحثين أن ذلك شبه مؤكد؛ فالانبعاث الضوئي قد يزودنا بمؤشر بالغ الحساسية عن الظروف الحادثة داخل الخلايا ، وعن وظيفة الآليات الدفاعية الخلوية. وربما كان بوسعنا استخدام البيوفوتونات يوما لتقييم حدة الالتهاب في الأنسجة ، الأمر الذي قد يحذرنا من حدوث قرحة في الساق، على سبيل المثال. ومن أجل التوصل إلى التشخيص، فإن ما نحتاجه الآن هو أجهزة استشعار sensors وأنظمة للتحليل حساسة، يفضل أن تستخدم طرقا غير جراحية، تقوم بقياس الانبعاث الضوئي وتحديد مصدره – ربما باستخدام قياس الطيف الضوئي أو من خلال الخصائص الإحصائية للفوتونات. ويحاول الباحثون حاليا معرفة ما إن كان بوسعنا استخدام الفوتونات لاكتشاف الأمراض في البشر، وليس فقط في خلايا المختبر، كما يطورون طرقا لتحويل أنماط انبعاث الفوتونات إلى صور للجسم تشبه صور الأشعة السينية أو الأشعة المقطعية المحوسبة (CT).

الالتفات نحو الضوء!

وعلى الرغم من ذلك، يعتقد البعض أن البيوفوتونات أكثر بكثير من كونها مجرد إشارات تدل على تعرض الخلية للضغوط. ففي أوائل التسعينات من القرن الماضي، اكتشف أحد الباحثين من جامعة نورث وسترن الأمريكية أن بعض الخلايا تستطيع اكتشاف الضوء المنبعث من الخلايا الأخرى ، بل والاستجابة له. وتمثلت التجربة التي أجراها في إعداد خليط من الكريات المصنوعة من اللاتكس بحجم الخلايا ، ومن الخلايا البانية للألياف fibroblasts المأخوذة من الفئران ، ومن ثم تعريض الخليط للأشعة تحت الحمراء. وعندئذ، بدأ العديد من الخلايا البانية للألياف بفرد أقدامها الكاذبة الشبيهة بالأذرع محاولة الوصول إلى الضوء المتناثر بفعل كريات اللاتكس. وسرعان ما كانت هذه الخلايا تتجه مباشرة إلى كريات اللاتكس، وقد التف بعضها بدرجة 180 ْ للوصول إليها . ونظرا لقدرته الواهية وطوله الموجي الذي لا يزيد عن 380 نانومترا، لا يولّد هذا الضوء سوى القليل من الحرارة ، وبالتالي فلا يمكن اعتبار أن الخلايا كانت متجهة نحو الحرارة، ولكن إلى مصدر الضوء. وباعتبار كون بعض الخلايا حاولت التوجه في الوقت نفسه لمصدرين ضوئيين مختلفين لهما نفس الشدة ، يبدو أنها تستطيع "رؤية" كل من المصدرين بوضوح. وفي تجارب أخرى ، قام الباحثون بتوزيع خلايا مأخوذة من همستر (جرذ أرنبي: hamster) على جانبي شريحة من الزجاج. ومع نمو الخلايا، وجدوا أن هذه الخلايا انحرفت حتى استقرت عند زاوية تزيد على 45 ْ من تلك الموجودة على الجانب الآخر من الزجاج. ولكن عندما أضيفت للزجاج طبقة مرشحة تحجب الأشعة تحت الحمراء، بدأت الخلايا تنمو بصورة عشوائية. وباعتبار أن الأنسجة أن تترتب الخلايا تصالبيا crisscross ، لأن ذلك يمنحها قوة إضافية ، فربما كانت الخلايا الموجودة على الشريحة الزجاجية تستخدم الضوء كإشارات تهديها إلى الطريق الصحيح للنمو. وإذا كان الأمر كذلك، فلابد أنها تمتلك نوعا من "العيون". يعتقد بعض الباحثين أن الأمر كله يتركز في مريكزات الخلية centrioles، وهي بنى أسطوانية لها نصل blade منحرف، يعتقد أنها تعمل كمصراع بسيط لحجب الضوء اختياريا؛ فمن خلال السماح بمرور الضوء إلى المريكزات من زوايا معينة فقط، يمكن لمصراع مستقبلة الضوء البسيطة الموجودة داخل المريكزات – مثل جزيئات الهيم heme ، وهو أحد مكونات الهيموجلوبين- معرفة الاتجاه الذي يأتي منه الضوء. كما يمكن للييفات microtubules – وهي خييطات filaments مجوفة تمر عبر الخلايا ، أن تعمل كألياف بصرية توصل الضوء إلى المريكزات من جدار الخلية. ولكن لماذا تريد الخلايا اكتشاف الضوء أصلا؟ … تتمثل الإجابة الأكثر وضوحا في أنها تتحدث إلى بعضها البعض بهذه الطريقة كما يرى بعض العلماء… وقد تكون الإشارات التي ترسل بها لخلايا الجنينية هي عبارة عن فوتونات ، وبالتالي فهي تتعرف من خلالها على كيف وأين سيكون موقعها في الجسم النامي للجنين. لكن ماذا إذا أردنا تعلم لغتها هذه؟ …لنتخيل يوما يصبح الأطباء فيه قادرين على توجيه الخلايا لما تفعله باللغة ذاتها التي تتواصل بها فيما بينها؛ وحينئذ سيمكننا أن نأمر الخلايا السرطانية بالتوقف عن النمو، أو أن نشجع الخلايا المحيطة بالجروح على أن تنمو لتسد الجرح. وقد نتعلم عندئذ أن نصيغ رسائلنا الخاصة بلغة الخلايا لإجبارها على تنفيذ مهام خاصة لم تقم بها من قبل. وليست هذه الأحلام وليدة يومنا هذا ؛ ففي عقد الثمانينات من القرن العشرين ، وجد الباحثون في جامعة ماربورج الألمانية في سلسلة من التجارب أنه عند الفصل بين خليتين بواسطة حاجز معتم ، فإن هاتين الخليتين تبثان بيوفوتونات بأنماط غير متناسقة (عشوائية). وعند إزالة الحاجز الذي يفصل بينها، سرعان ما كانت الخليتان تطلق الفوتونات بصورة متناسقة. وقد خلصت هذه التجارب إلى أن الخلايا تتواصل فيما بينها بواسطة الضوء. وربما كان الأمر كذلك بالفعل، فالفوتون يمكنه إحداث وقائع معينة في الخلايا المستقبلة ، مما يجعلها تغير معدلات انقسامها أو تعبيرها expression للبروتينات المختلفة. وفي تجارب أخرى، يحاول الباحثون بجامعة كالجاري الكندية اكتشاف ما إن كانت هذه المحفزات تستطيع عمل ذلك بالفعل. وبرغم أن أولئك الباحثين يتكتمون حتى الآن على نتائج أبحاثهم، إلا أنهم يؤكدون على أن النتائج التي توصلوا إليها حتى الآن مشجعة للغاية.

البساطة سر النجاح

لكنه من المرجح أن البيوفوتونات لا يمكنها سوى توصيل رسائل بسيطة ، فالواضح أن ما تخبر به الخلايا الأخرى هو أن ثمة تفاعلات تأكسدية معينة تجري في ذلك الوقت. ومن الصعب معرفة ما إن كان بوسع الخلايا المضيئة أن تمكننا يوما من تحقيق فهم أفضل للأمراض ، أو مساعدة العلماء على سبر غور لغة الخلايا ، أو حتى معرفة ما إن كانت البيوفوتونات تلعب دورا في الوعي البشري. وسبب ذلك ، ببساطة، هو أن الخلايا تمتلك حساسية مفرطة لتلك العوامل التي تغير معدلات إطلاق الفوتونات. وكذلك، فمن المشكلات الرئيسية التي تواجه الأبحاث الجارية في هذا المضمار إمكانية تكرار النتائج reproducibility ، حتى بالنسبة للمنظومات البسيطة نسبيا مثل مزارع الخلايا؛ فانبعاث الضوء قد يكون معتمدا على الجذور الحرة، لكنه يتأثر أيضا بعوامل مثل النشاط الإنزيمي، وتوفر مضادات الأكسدة الطبيعية مثل الفيتامين E أو الكاروتينويدات، وبالتالي فإذن التشخيص المباشر للأمراض بهذه الطريقة سيبقى غاية في الصعوبة ما لم تتحقق تطورات تقنية أو طبية هائلة في هذا الميدان. وفي الوقت الحالي، تركز الأبحاث على أهداف أكثر واقعية ، فقد تم في ألمانيا إنشاء شركة أطلق عليها اسم Biophotonen ، وتعرض الشركة خدماتها "لقراءة" انبعاثات الفوتونات لقياس مدى طزاجة ونقاء الأطعمة! وتتضمن قائمة عملاء الشركة إحدى كبرى شركات صناعة المشروبات في ألمانيا، حيث تقوم أجهزة الشركة باكتشاف الضياء المنبعث من البكتريا الضارة قبل أن تلوث المشروبات. وتقوم مجموعة بحثية أخرى في العاصمة الصينية بكين بتطوير اختبار معتمد على الفوتونات يمكنه اكتشاف وجود الجراثيم ، ويعد لاستخدامه في صناعة المواد الغذائية, لكن سيأتي اليوم قريبا الذي لن تكون فيه الجراثيم وحدها هي المستهدفة من تلك الأبحاث، إذ يأمل الباحثون في تطوير جيل جديد من الكواشف detectors- مثل الأجسام الضوئية الغامرة avalanche photobodies، والتي تزيد كثيرا من فرص اكتشاف الفوتونات المنفردة (من 20% إلى 80% أو أكثر)، وبالتالي يمكنها أن تزودنا بالطفرة التي نحتاجها لتطوير ماسح scanner يمكنه تشخيص الأمراض. وقد يستغرق هذا الأمر 10-20 سنة ، لكن على الأقل هناك بصيص من الضوء في نهاية النفق… من يدري!

الضوء الداخلي

يقترح بعض المنظرين المستقلين أن فكرة وجود لغة مشتركة بين الخلايا تجعل الاهتمام بالأمر يتمحور حول البيوفوتونات ، ليس فقط بالنسبة لعمليات التواصل البيولوجي، ولكن أيضا بالنسبة لدراسة الوعي consciousness. لكن الوعي أمر شديد الاختلاف عن بقية الوظائف البيولوجية الأخرى؛ ففي جميع العمليات الحيوية الأخرى، تقوم كل ذرة أو جزيء بتأدية مهمة منفردة خاصة بها ، لكننا لا نستطيع أن "نفكر" إلا من خلال عمل خلايا المخ بصورة متزامنة ومتناسقة – كأجزاء من كل متكامل وليس كجزر منفصلة. ولا توجد ثمة طريقة يمكن بها للفيزياء التقليدية أن تفسر هذه العملية، لكن في فيزياء الكم quantum physics، هناك أنظمة معروفة بأن كلا منها "كل في حد ذاته"، وهو ما يعرف باسم "الحالات الكمية المترابطة" Quantum Coherent States؛ وهي حالات تندمج فيها الوظائف الموجية للذرات أو الجزيئات لتكون وحدة منفردة واحدة! (انظر الإطار رقم 1) . ويقودنا البحث في الحالات الكمية المترابطة في المخ إلى البحث داخل الخلايا العصبية – أو العصبونات neurons- أي النظر إلى بنيتها الشبيهة بالهيكل العظمي، والتي تتكون من نبيبات مجهرية microtubules ، والتي يعتقد أنها تقوم بنقل الطاقة عبر الخلية ، والمساعدة في بناء الوصلات بين العصبونات ، والاحتفاظ بالذكريات. وتعمل أدوية التخدير anesthetics عن طريق الارتباط بهذه النبيبات. ولأن هذه الأدوية تجعل الوعي يتبخر ، فإن موضع عملها يتمتع بأهمية فائقة في تحديد الآليات المسؤولة عن الوعي. وفي نظرية تخمينية للغاية، يقترح العالمان سكوت هاجان (بريطاني)، وستيوارت هامروف (أمريكي) أن الترابط الكمي في الوحدات الفرعية subunits للبروتينات الموجودة في النبيبات المجهرية قد تؤدي للوعي ذاته، كما يرى واضعا النظرية أن البيوفوتونات قد تتحكم في هذه العملية بصورة ما غير معلومة لنا حتى الآن.

إطار 1: مشكلة الوعي

يمكن تقسيم مشكلة الوعي إلى قسمين ؛ الأول هو مشكلة كيفية تفسير ما أسماه عالم الأعصاب والمؤلف الأمريكي الشهير أنطونيو داماسيو "بالفيلم المخي" movie in the brain، أي ذلك السيل من الصور المترابطة التي تمر في رءوسنا بصورة مستمرة. وبعد ذلك تأتي مشكلة تفسير إحساسنا "بامتلاك" هذا الفيلم – أي الإحساس بوجودنا كمشاهد أول للصور والأفكار ، أي "كذات" مستقلة. وبرغم أنه من الممكن – نظريا- حل مشكلة الذات بالطرق العلمية المتاحة لنا حاليا، دون أن نحتاج إلى ميكانيكا الكم المعقدة لتفسيرها. أما إذا أردنا تفسير "الفيلم المخي"، فتلك مشكلة أخرى! … فهناك فجوة كبيرة بين ما يمكن للعلم معرفته حول أنماط النشاط العصبي في المخ، وبين ما أعرفه أنا وأنت عن صورنا العقلية الذاتية. ولسد هذه الفجوة، قد نحتاج لمعرفة أكثر مما نعلمه الآن عن المادة matter وطرق سبر أغوارها. لكن السؤال الآن هو: هل سيؤدي التعرف على هذه "الأفلام المخية" لتعريض خصوصية تفكير كل منا للخطر في يوم من الأيام؟ ؛ كأن يتم اختراع جهاز يمكنك من الاطلاع على "الفيلم" الذي يدور داخل رأسي… اطمئن ! … فذلك لن يحدث أبدا؛ لأنك في هذه الحالة لن تحظى أبدا بمنظور "المشاهد الأول" الذي ذكرناه للتو، فما يحدد وعيك الشخصي هو أن هذا "الفيلم" يتم تصويره من منظورك أنت، وليس غيرك.