قصة الحضارة - ول ديورانت - م 11 ك 4 ف 27

صفحة رقم : 14697 قصة الحضارة -> عصر نابليون -> ملوك أوروبا في مواجهة التحدي -> النِّمسا -> أباطرة متنورون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفصل السابع والعشرون: النِّمســا 0871 - 2181

1- أباطرة متنورون 1780 - 1792

في سنة 9871 كانت النمسا واحدة من دول أوربا الكبرى معتزّة بتاريخها وثقافتها وقوتها وبإمبراطوريتها الأوسع كثيرا من النمسا ذاتها. واسم النمسا (أوستريا) من كلمة (أوستر Auster) التي تعني ريح الجنوب ثم انصرف معناها ليعني شعبا صارما تيوتونيا وإن كان - رغم صرامته - حسن الطباع محباً للفكاهة يشارك بسعادة في مباهج الحياة ويشارك الإيطاليين جنونهم بالموسيقا. وكانت النمسا أمة سلتية Celtic عندما غزاها الرومان قبل ظهور المسيح بفترة وجيزة، وظهر أنها احتفظت عبر ألفي سنة بشيء من حيوية السلتيين وثقافتهم وذكائهم، وشيد الرومان في فيندوبونا Vindobona (التي أصبحت فيينا Vienna ثم فِيِن Wein) قاعدة أمامية لحضارتهم في مواجهة البرابرة المتطفّلين المهاجمين، وفي هذا الموضع كبح ماركوس أورليوس Marcus Aurelius الماركوماني Marcomanni في نحو 071م - بين أفكار ذهبية، وفي هذا المكان وضع شارلمان العلامة الشرقية East Mark أو الحدود الشرقية لمملكته، وفي هذا المكان، في سنة 559م أقام أوتو Otto العظيم مملكته الشرقية his Osterreich في مواجهة الماجيار Magiars، وفي هذا الموضع في سنة 8721 أسس رودلف الهبسبرجي (من أسرة الهبسبرج) حكم أسرة حاكمة استمر حكمها حتى سنة 8191. وفي الفترة من 8161 إلى 8461 هبت ريح الجنوب كاثوليكية عنيفة فهبت العقيدة القديمة في مواجهة العقيدة الجديدة واستعرت الحرب بينهما ثلاثين عاما، وتدعّمت تلك العقيدة عندما وقفت فينا في سنة 3861 وللمرة الثانية كحصن للدفاع عن العالم المسيحي بصدها التقدم التركي (العثماني). وفي هذه الأثناء نشرت أسرة الهبسبرج الحاكمة حكم النمسا على الدوقيات المجاورة: ستيريا Styria، وكارينثيا Carinthia وكارنيولا Carniola والتيرول Tirol وعلى بوهيميا (تشيكوسلوفاكيا) وترانسلفانيا (رومانيا) والمجر (هنجاريا) وغاليسيا البولندية ولومبارديا والأراضي المنخفضة الإسبانية (بلجيكا). وعندما دقّ نابليون بوابات فينا للمرة الأولى في سنة 7971 كان هذا هو وضع إمبراطورية النمسا ذات الممتلكات المبعثرة على هذا النحو ووصل الهبسبرج أَوْجهم في عهد ماريا تيريزا Maria Theresa (حكمت من 0471 إلى 0871)، هذه الأم العنيدة المدهشة التي نافست كاترين الثانية Catherine II وفريدريك الكبير بين ملوك عصرها. لقد فقدت سيليزيا أمام دهاء فريدريك الميكافيللي لكنها - بعد ذلك - حاربته مع شعبها وحلفائها حتى وصل الطرفان إلى طريق مسدود، واستنزفتهما الحرب تماما، وعاشت لتضع خمسة من أبنائها البالغين ستة عشر ابناً على عروش مختلفة: جوزيف في فيينا وليوبولد في تسكانيا، وماريا أماليا في بارما Parma وماريا كارولينا في نابلي وماري أنطوانت في فرنسا. ونقلت مملكتها على كُره منها لابنها الأكبر، لأنها كانت منزعجة لعدم يقينه الديني (كان لا أدرياً) كما كان ميّالاً للإصلاح، وتنبأت أن شعبها الراسخ في حبه لها لن يكون سعيداً إذا حدث ما يُعكر صفو عقائده التقليدية وأساليبه المعتادة في الحياة.

وبدا حكمها صائباً بسبب الاضطرابات التي أربكت جوزيف الذي شاركها العرش من سنة 5671 إلى 0871 ثم تبوّأه عشر سنوات أخرى. لقد صدم الأرستقراطية بتحريره أقنان الأرض Serfs، وصدم السكان الكاثوليك ذوي الشوكة بإعجابه بفولتير وبسماحه للبروتستنط بممارسة طرائقهم في العبادة، وبإزعاجه المستمر للبابا بيوس السادس. وكان عليه أن يعترف في أواخر أيامه، وكان جهازه الإداري المحيط به غير مؤيّد له لأن الفلاحين الذين انفصلوا فجأة عن سادتهم الإقطاعيين قد أساءوا استخدام حريتهم، وأنه قد عطّل المسيرة الاقتصادية وأنه قد كان سببا في ثورة الطبقات العليا في المجر والأراضي المنخفضة النمساوية بل لقد هدّد وجود الإمبراطورية النمساوية نفسها، لقد كانت أهدافه خيّرة لكن أساليبه في الحكم كانت قائمة على إصدارة ما لا حصد له من القرارات والمراسيم التي تفرض النتائج ولا تهيّئ الأسباب أو بتعبير آخر لا تضع وسائل التنفيذ في الاعتبار. لقد قال عنه فريدريك الكبير: إنه دائماً يتخذ الخطوة الثانية قبل الخطوة الأولى(1) ومات في 02 فبراير سنة 0971 آسفا على إجراءاته الطائشة المندفعة، حزيناً على النزوع العام للمحافظة ذلك النزوع الذي يُفضِّل كثيراً ما هو مألوف معتاد على إجراء الإصلاح المطلوب.

أما أخوه ليوبولد فقد شاركه أهدافه ولكنه لم يشاركه تعجّله، فرغم أنه كان في الثامنة عشرة من عمره فحسب عندما تولّى منصب دوق تسكانيا الكبير (5671) إلاّ أنه باشر سلطته بحذر وجمع حوله إيطاليين ناضجين (مثل سيزار بيكاريا Cesare Beccaria) وأدرك طبيعة الشعب وتآلف معها، وعرف احتياجات الدوقية وإمكاناتها، وبذلك قدّم لمملكته التاريخية حكومة كانت موضع حسد أوربا. وعندما أدّى موت أخيه إلى وصوله لمرتبة القيادة الإمبراطورية كان قد أصبح ذا خبرة امتدت خمسة وعشرين عاماً، فخفّف من حدة بعض إصلاحات أخيه (جوزيف) فجعلها أكثر اعتدالاً، وألغى بعضها الآخر، لكنه اعترف تماماً بالتزام الإمبراطور المتنوّر بزيادة فرص التعليم لشعبه، وتوسيع المجالات الاقتصادية أمامه. لقد سحب الجيش النمساوي الذي كان أخوه قد أعدّه دون تقدير للعواقب لمهاجمة تركيا (الدولة العثمانية) واستخدمه لحث بلجيكا على العودة للتحالف مع النمسا. وهدّأ نبلاء المجر بالاعتراف بالدايت Deit المجري ودستور المجر، وهدّأ البوهيميين Bohemians بأن أعاد إلى براغ تاج ملوك بوهيميا القدماء وقبل التتويج هناك في كاتدرائية القديس فيتس Vitus. لقد علم أن الملك يمكن ألا يكون له مكان إذا تم الحفاظ على الشكل.

وفي هذه الأثناء قاوم محاولات المهاجرين الفرنسيين (الذين تركوا فرنسا إثر أحداث الثورة الفرنسية) وملوك أوربا لجرّه إلى حرب مع فرنسا الثورة. لقد شعر بمأزق أخته الأصغر منه - ماري أنطوانيت، لكنه خشي أن تؤدي حربه مع فرنسا إلى فقدانه بلجيكا التي لازالت الأحوال فيها غير مستقرة. ومع هذا فعندما توقف لويس السادس عشر وماري أنطوانيت في هروبهما عند فارن Varennes وأُعيدا إلى باريس ليعيشا حياة يتعرضان فيها للخطر كل يوم اقترح ليوبولد على الملوك الموالين له أن يتخذوا إجراء موحّداً لضبط الثورة الفرنسية والسيطرة عليها فالتقى فريدريك وليم الثاني البروسي مع ليوبولد في بلنيتز Pillnitz ووقعا معا إعلانا (في 72 أغسطس 1971) هددا فيه بالتدخل في شؤون فرنسا. وبقبول لويس السادس عشر لدستور الثورة الفرنسية (31 سبتمبر)، بدا هذا الإعلان بلا معنى، لكن الفوضى استمرت وزادت وأصبح الملك الفرنسي والملكة الفرنسية مرة أخرى في خطر، فنظَّم ليوبولد التعبئة العامة في الجيش النمساوي، وطلبت الجمعية الوطنية الفرنسية تفسيراً لهذا غير أن ليوبولد مات (أول مارس 2971) قبل أن تصله رسالة الجمعية الوطنية الفرنسية. ورفض ابنه وخليفته فرانسيس الثاني (42 عاماً) الإنذار، وفي 02 أبريل أعلنت فرنسا الحربَ على النمسا.


2- فرانسيس الثاني

تلك القصة وصلتنا من وجهة نظر فرنسية فما هي وجهة نظر النمساويين وكيف شعروا بهذا الأمر؟ لقد سمعوا أن أرشدوقتهم - التي كان جمالها قد أطلق عنان فصاحة إدموند بورك Edmund Burke - يحتقرها أهل باريس ويُطلقون عليها ساخرين (المرأة النمساوية LصAutrichienne) وأن جماهير باريس جعلوها سجينة قصر التوليري، وأن الجمعية الوطنية الفرنسية خلعتها بعد ذلك وأودعتها السجن. لقد سمعوا عن مذابح سبتمبر وكيف أن رأس الأميرة دي لامبل de Lamballe المتصلب قد يُعرض على رأس رمح على مرأى من الملكة التي كانت تحبها. لقد سمعوا أن الشيب غزا شعرها، وأنها ركبت عرب السجناء في طريقها لتُعدم بالمقصلة وحولها جمع غفير من الجماهير يسخرون منها. ولم يكن هناك ما هو أكثر من هذا يجعلهم يجأرون لإمبراطورهم الشاب ليقودهم في حرب ضد هؤلاء الفرنسيين القتلة، ولا يهم أنه كان ذا عقل متوسط وأنه كان إمبراطوراً خيّراً لكنه غير متقِن، وأنه اختار جنرالات غير أكفاء وأنه سلَّم النمسا جزءاً بعد جزء وترك عاصمتها تحت رحمة الغازي، فهذه الهزائم جعلت النمساويين يحبون فرانسيس أكثر، لقد بدا لهم الحاكم الذي عينته العناية الإلهية وكرّسه البابا وتبؤأ العرش بشرعية لا تقبل التحدي وأنه كان يدافع عن شعبه بقدر ما يستطيع ضد البرابرة القتلة وهو الآن يدافع عنهم ضد الشيطان الكورسيكي (نابليون)، إن رفضه لكل ما هو ليبرالي مما تركه عمه وأبوه، وإعادته للسخرة والرسوم الإقطاعية ورفضه لأي تحوّل من الأوتوقراطية إلى الحكم الدستوري - كل ذلك كان مغفوراً له مُتسامحاً فيه بعد أوسترليتز Austerlitz وبريسبورج Pressburg. لقد دخل عاصمته مرة أخرى مضروباً مهزوماً منهوباً. لقد أخلص له شعبه إخلاصاً لا مزيد عليه(2). إن الشعب النمساوي لم ير في كل الأحداث المتلاحقة طوال السنوات الثماني الآتية التي انتصر فيها الشر سوى أن حاكمهم الطيب سينتقم لا محالة من أعداء النمسا وسيستعيد كلَّ سلطانه وممتلكاته التي ورثها، وكانواعلى يقين من هذا كيقينهم بأن الرب موجود.


3- ميترنيخ

لقد كان الرجلُ الذي قاد فرانسيس الثاني لهذا الإنجاز قد وُلد في كوبلنتس Coblenz (كوبلنز) على شاطئ الراين في 51 مايو سنة 3771 وجرى تعميده باسم كليمنس فنزل فون ميترنيخ Klemens Wenzel Von Metternich وكان هو الابن الأكبر للأمير فرانتس (فرانز) جورج كارل فون ميترنيخ ممثل النمسا في بلاطات الأمراء الناخبين Electors الأمراء من (الأمراء المؤهلين لاختيار رأس الإمبراطورية) في كل من ترير Trier ومينز Mainz وكولوني Cologne. وتلقى الصبي اسميه الأوليين من أول هؤلاء الحكام الإكليريكيين ولم ينس أبداً ارتباطه الديني وولاءاته خلال نزوعه لأفكار فولتير في شبابه ونزوعه لأفكار ميكيافيللي عند توليه الوزارة. وكان من أسمائه أيضاً لُثَر Lother لتذكير أوربا أن أحد أجداده الذين حملوا هذا الاسم حكم ترير Trier في القرن السابع عشر. وأحياناً كان يضيف إلى اسمه (فينبرج بيلشتين Winneburg Beilstein) ليشير إلى الممتلكات التي كانت الأسرة قد امتلكتها طوال ثمانية قرون وأن الخمسة والسبعين ميلا مربعاً التي امتلكتها أسرته هي مبرر كافٍ للفظ الدّال على النبالة الذي يحمله وهو (فون Von) من الواضح أن الرجل لم يُخلق ليحب الثورات أو يقودها.

تلقى تعليماً مناسباً لوضعه من معلم لقنه أفكار الحركة التنويرية الفرنسية(3) ثم تعلم في جامعة ستراسبورج، وعندما شعر أساتذة هذه الجامعة بشيء من الرجفة لسقوط الباستيل تمّ نقله إلى جامعة مينز (مينتس Mainz) حيث درس القانون كعلم لحقوق الملكية وكعلم يستشهد بالسوابق. وفي سنة 4971 حاصر الفرنسيون كوبلنز (كوبلنتس Coblenz) باعتبارها مأوى للمهاجرين الفرنسيين المحرّضين (الذين تركوا فرنسا إثر أحداث الثورة الفرنسية)، وأمم الفرنسيون كل ممتلكات آل مترنيخ تقريباً، فلجأت الأسرة إلى فينا، وتودّد كليمنس Klemens الطويل الرياضي الأنيق إلى إلينور فون كونيتس Eleonore Von Kaunitz فكسب ودها وهي حفيدة ثرية لرجل الدولة الذي كان قد جمع بين النمسا الهبسبرجية وفرنسا البوربونية. وقد أخذ عن عروسه فنون الدبلوماسية ممثلة في انحناءات الاحترام التي لا معنى لها، وسرعان ما أصبح متمرساً في فن الخداع والمداهنة.

وفي سنة 1081 وكان وقتها في الثامنة والعشرين من عمره، تمّ تعيينه وزيراً في بلاط سكسونيا Saxony، وهناك التقى بفريدرتش فون جنتز (جينتس) Fredrich Von Genz الذي أصبح ناصحه المخلص والناطق باسمه طوال الثلاثين عاماً التالية وسلَّحه بمعظم الحجج التي تؤيد الرجوع إلى الأوضاع السابقة على الثورة الفرنسية. وإخلاصاً منه للنظم التي كانت سائدة قبل الثورة الفرنسية Ancien Regime اتخذ له خليلة هي كاتارينا باجراسيون Katharina Bagration وهي ابنة جنرال روسي سنتحدث عنه مرة أخرى بعد ذلك، وكانت في الثامنة عشرة من عمرها. وفي سنة 2081 وضعت له طفلة اعترفت زوجته بأبوّته لها(4). واعترفت فينا بتقدمه فعينته (3081) سفيراً للنمسا في برلين. وفي أثناء الأعوام الثلاثة التي قضاها في بروسيا التقى بالقصير إسكندر الأول وكوّن معه صداقة استمرت حتى الإطاحة بنابليون. وعلى أية حالة، فإن هذا لم يكن في حساب نابليون عندما طلب من الحكومة النمساوية بعد معركة أوسترليتز Austerlitz أن ترسل واحدا من الكونيتز a Kaunitz كسفير لها في فرنسا، فأرسل له وزير خارجية النمسا الكونت فيليب فون شتاديون Stadion - مترنيخ الذي وصل باريس في 2 أغسطس 6081 وكان وقتها في الثالثة والثلاثين من عمره.

والآن بدأت معركة استمرت تسعة أعوام عامرة بالدهاء والذكاء بين الدبلوماسية والحرب انتصر فيها الدبلوماسي بتعاونه مع الجنرال. وليسترخي ميترنيخ مبتعداً عن عيني نابليون النفاذتين، وعن زوجته (أي زوجة ميترنيخ) المملّة الباردة جنسيا - راح يسلّي نفسه مع مدام لور جونو Loure Junot زوجة حاكم باريس وقتها، لكنه لم ينس أن النمسا كانت تتوقع منه أن يَسْبر أغوار عقل نابليون ويعرف أهدافه ويكتشف كل إمكانيات تحقيق مصالح النمسا. لقد كان كلا الرجلين معجباً بالآخر. لقد كتب ميترنيخ إلى جنتس Gentz في سنة 6081 إن نابليون هو الرجل الوحيد في أوربا الذي يفعل ما يريد(5) كما وجد نابليون في ميترنيخ فكراً ثاقباً كفكره(6) وفي هذا الأثناء تعلم النمساويون الكثير بدراستهم لتاليران Talleyrand. وقضى ميترنيخ ثلاثة أعوام سفيراً في باريس ورأى برضاً أخفاه الشرَّكَ الذي وقع فيه الجيش الفرنسي العظيم Grande Armee في أسبانيا، وحاول - ولكنه فشل - أن يخفي عن نابليون أن النمسا تتسلَّح من جديد لبذل محاولة أخرى للإطاحة به. وغادر باريس في 52 مايو سنة 9081 ولحق بفرانسيس الثاني على الجبهة وشهد هزيمة النمسا في وارجان (فارجان Wargan)، واستقال شتاديون Stadion من إدارة دفة السياسة بعد أن أصابه الإحباط لفشل مغامرته العسكرية، فعرض فرانسيس المنصب على ميترنيخ في 8 أكتوبر 9081 فقبله وكان وقتها في السادسة والثلاثين من عمره، وبدأ بذلك مهامه وزيراً للأسرة الإمبراطورية ومسؤولاً عن الشؤون الخارجية، واستمر في منصبه هذا تسعاً وثلاثين سنة.

وفي يناير سنة 0181 وجد الجنرال جونو Junot في مكتب زوجته بعض خطابات الحب أرسلها إليها ميترنيخ فحاول خنقها وكاد ينجح وأقسم أن يتحدى الوزير الممتلئ نشاطاً ليبارزه في مينز (مينس Mainz)، وأنهى نابليون النزاع بإرسال الجنرال وزوجته إلى أسبانيا، ومن الظاهر أن هذه الحكاية لم تدمّر سمعة ميترنيخ ولا زواجه ولا وضعه في الحكومة النمساوية، فقد شارك في ترتيب زواج نابليون من الدوقة النمساوية ماري لويز (ماريا لويس) Marie Louise، وابتهج عندما علم بأن هذا التقارب الفرنسي النمساوي قد أغضب روسيا، وراح يراقب التوتر يزداد بين هذين القطبين الأوربيين المصارعين. لقد كان يأمل ويخطط لإضعاف الإمبراطوريتين الفرنسية والروسية فهذا يمكن النمسا من استعادة الأراضي التي فقدتها واستعادة مكانتها العالية وسط القوى المتصارعة.


4- فيينا

خلف أسوار الحرب عاش أهل فيينا المسالمون الوديعون. إنهم خليط متسامح صبور - بقدر معقول - من الألمان والمجريين والتشيك والسلوفاك والكروات والمورافيين والفرنسيين والإيطاليين والبولنديين والروس 000،091 نفس. وكانت غالبيتهم العظمى من الكاثوليك التابعين لبابا روما (الأروام الكاثوليك) وكانوا - إذ سمحت لهم ظروفهم - يتعبدون في ضريح القديس حامي المدينة في كنيسة القديس ستيفن St. Stephen وكانت شوارعها في غالبها ضيِّقة وإن كانت هناك بعض الشوارع الفسيحة التي تكتنفها الأشجار والممهدة تمهيداً جيداً. وتتحلَّق المباني الملكية الفخمة حول مبنى البلاط الإمبراطوري الذي يشغله الإمبراطور وأسرته وشاغلو المناصب الأساسية في الحكومة ويمر نهر الدانوب (الأزرق) على طول حافة المدينة حاملاً التجارة والمسرات في فوضى محبّبة، وفي اتجاه النهر يُطلق على المتنزّه اسم المرج Prater حيث يُتاح لكل شاب وشيخ مجال للتنزه بالعربات التي تجرها الخيول أو التنزه سيراً على الأقدام بالنسبة إلى السائرين المحظوظين الذين يحبون الأشجار ورائحة الزهور وأوراق الشجر وشقشقة الطيور وألحانها الشجية، واللقاء بين هذه المناظر الخلابة والألحان الشجية. وبشكل عام فإن أهل فينا أناس طيِّعون سهلو الانقياد حسنو السلوك، وهم يختلفون اختلافاً تاماً عن أهل باريس الذين يكرهون نبلاءهم ويتشككون في ملوكهم ويشكّون في وجود الرّب. ويوجد في فينا نبلاء كما في باريس، لكن نبلاء فينا يرقصون ويعزفون الموسيقا في قصورهم ويحترمون من هم دونهم ولا يتَّسمون بالتفاخر والادعاء ويموتون حبا في التودد للنساء، وكانت كل هذه الصفات بطبيعة الحال غير مجدية في مواجهة جيوش نابليون المحبة للقتال. وكان الوعي الطبقي أكثر حدة لدى الشرائح العليا من الطبقة الوسطى التي كونت ثروات بتوريدها مستلزمات الجيش أو بإقراضها أفراد الطبقة الأرستقراطية الذين تعرضوا للفقر أو بإقراضها الدولة التي كانت تحارب، وتخسر الحرب دائما.

وبدأت الطبقة الأرستقراطية تتشكل فبحلول عام 0181 كان هناك ما يزيد على مئة مصنع في فينا وبالقرب منها، وكان بهذه المصانع نحو 000،72 عامل وعاملة، وكانت أجورهم تكفي - بشق الأنفس - للعيش والتكاثر(7). وفي وقت باكر يرجع لسنة 1181 ظهرت الشكاوى من أن مصانع المواد الكيماوية ومصافي البترول تلوِّث الجو(8). وكانت التجارة تتطوّر، ومما ساعد على تطورها ما أتاحه ميناء تريست Trest من تيسيرات لتجارة النمسا في البحر الأدرياتي، وكذلك نهر الدانوب الذي يمر بمئات المدن بالإضافة لبودابست، ويصل - أي النهر - إلى البحر الأسود. وبعد محاولة نابليون في سنة 6081 إقصاء البضائع الأوروبية عن القارة الأوروبية، وكذلك بعد الهيمنة الفرنسية على إيطاليا وَهَنَت أوضاع التجارة والصناعة في النمسا، وأصبحت مئات الأسر تُعاني البطالة والفقر المدقع.

أما أمور المالية، فكانت في غالبها في أيدي اليهود إذ أدَّى حرمانهم من الاستثمار الزراعي والصناعي إلى أن أصبحوا خبراء في التعاملات المالية. وضارع بعض البنكيين اليهود الإسترهيز the Esterhazys في بهاء منشآتهم وعظمتها وأصبح بعضهم أصدقاء أثيرين للأباطرة، وكُرِّم بعضهم باعتبارهم مُنقذين للدولة. ومنح جوزيف الثاني بعض البنكيين اليهود رُتب النبالة تقديراً لوطنيتهم. وكان الإمبراطور يحب عن نحو خاص زيارة ناتان فون أرنشتين Nathan Von Arnstein في بيته حيثُ كان يستطيع مناقشة أمور الأدب والفكر والموسيقا مع الزوجة الجميلة لهذا البنكي اليهودي. إنها فاني إيتسج Fanny Itzig المثقفة المتعدّدة المواهب التي كانت صاحبة أفضل صالونات فينا(9).

وكان النبلاء يُسيِّرون أمور الحكومة بكفاءة متوسطة وبغير كثير من الأمانة، وقد نعى جيرمي بنثام Jeremy Bentham في خطاب مؤرّخ في 7 يوليو 7181: الفساد التام الذي يسود دولة النمسا ويَئس لأنه لم يجد فيها شخصاً شريفا ولم يكن لأيٍ من العوام أن يطمح للوصول إلى منصب قيادي في الجيش أو الحكومة، لهذا لم يكن أي من البيروقراطيين (الإداريين) أو الجنود ليبذل الجهد متحملاً الآلام أو المخاطرة للترقي. فامتلأت صفوف الجيش بالمتطوعين الكسالى أو المجنَّدين إلزامياً أو بالمتسولين المكرهين على الخدمة والمجرمين والراديكاليين(01)، فلا عجب إذن أن كانت الجيوش النمساوية تتعرض لهزيمة منكرة أمام الكتائب الفرنسية التي كان يمكن لأي فرد فيها أن يصل إلى رتبة القيادة بل وينضم إلى جماعة الدوقات المحيطين بنابليون.

أما النظام الاجتماعي فقد كان يضبطه الجيش والبوليس والعقيدة الدينية. ورفض الهبسبرج الحركة الدينية الإصلاحية (حركة لوثر ورفاقه) وأبقوا على الولاء للكنيسة الكاثوليكية واعتمدوا على إكليروسها المدربين جيدا للتدريس في المدارس وإحكام الرقابة على الصحف وتنشئة كل طفل مسيحي على عقيدة تؤكد مبدأ وراثة العرش كحق إلهي، وتجعل الفقر والأحزان شيئاً مريحاً يُكافأ عليهما المرء في الحياة الأخرى كما تَعِدُ بذلك العقيدة الدينية. وكانت الكنائس الكبرى (مثل سيتفانسكيرش وكارلزكيرش) تقدم طقوساً وقورة مصحوبة بالأغاني والمباخر التي يتصاعد منها البخور والدعوات (الصلوات) الجماعية التي تمجدها الجماهير، والتي كان البروتستنط مثل باخ Bach والمتشككون مثل بيتهوفن يتوقون لتقديمها. وكانت المواكب الدينية مصحوبة بشكل دوري بالأعمال الدرامية التي تقدمها في الشوارع لتذكير رجل الشارع بحياة القديسين وشهداء العقيدة والاحتفاء بالتواضع والرحمة اللتين تميزان ملكة فينا، والأم العذراء. وبالإضافة للخوف من جهنم وبعض المشاهد المأسوية لتعذيب القديسين، فقد كانت هذه الأمور تمثل ديناً مُريحاً طالما جرى تقديمه للبشرية.

وتُرِك التعليم في المرحلة الأساسية والمرحلة الثانوية لتتولاّه الكنيسة، وكان الأساتذة في جامعتي فينا وانجولشتدت Ingolstadt وإنسبروك Innsbruck من الجزويت (اليسوعيين)، وتم إيقاف كل الأفكار الفولتيرية عند حدود النمسا بمعنى أنه لم يُسمح لها بالتغلغل كما تم إغلاق أبواب فينا في وجهها. وكان المفكرون الأحرار يمثلون قلة قليلة، وكان بعض المحافل الماسونية قد ظل باقياً بعد محاولة ماريا تيريزا تدميرها (أي تدمير هذه المؤسسات الماسونية) إذ حافظت بعض هذه المحافل والجمعيات على أفكار معتدلة بضرورة مقاومة تدخل الإكليروس في الحياة العامة، كان من الممكن أن يأخذ بها حتى الكاثوليكي المتمسك بكاثوليكيته، كما أخذت هذه الجمعيات والمحافل ببرنامج للإصلاح الاجتماعي أيّده الإمبراطور. ولهذا كان موزارت Mozart - وهو كاثوليكي متمسك تمسكاً شديداً بكاثوليكيته - ماسونياً، وانضم جوزيف الثاني للتنظيم السرّي (للماسونية) ووافق على مبادئ الإصلاح بل وحوَّل بعضها إلى قوانين. وبقيت جمعية سرية راديكالية أخرى هي جمعية الإليوميناتي Illuminati، وكان آدم فيشوبت Adam Weishaupt الجزويتي (اليسوعي) الذي نبذه الجزويت (اليسوعيون) قد أسس هذه الجمعية السرّية (الإليوميناتي) في سنة 6771، لكن هذه الجمعية لم تكن منتعشة بالمقارنة بالجمعيات الأخرى. وجدّد ليوبولد الثاني قرار أمّه بمنع كل الجمعيات السرّية.

وقد حققت الكنيسة بشكل طيب مهامها في تعليم الناس الوطنية والإحسان والانضباط الاجتماعي والالتزام بالمحرمات في العلاقات الجنسية. وقد ذكرت مدام دي ستيل Stael في سنة 4081: أنت لا تلتقي أبداً بمتسوّل.. فالمؤسسات الخيرية منظمة بانضباط شديد، ويُقيمها من يشاء دون مانع. إن كل شيء يحمل الطابع الأبوي لحكومة دينية حكيمة(11) ويلتزم العامة - بشكل حر - بتجنب المحرمات الجنسية، لكن الطبقات العليا أكثر تسيّباً في هذا الشأن فللرجال في هذه الطبقة خليلات وللنساء عشّاق. واعترض بيتهوفن - فيما يقول ثاير Thayer - على ممارسة كانت غير قليلة الانتشار في فيينا على أيامه وهي أن يعيش المرء مع امرأة غير متزوجة، حياة الأزواج(21) لكن قوّة الروابط داخل الأسرة كانت أمراً معتاداً، وظلت سلطة الأب قائمة، وكانت العادات معتدلة لطيفة ولم تكن المشاعر الثورية لتلقى ترحاباً كبيراً. كتبت بيتهوفن في 2 أغسطس سنة 4971 أعتقد أن النمساوي لن يثور طالما كانت لديه جعّته (البيرة) الداكنة وسجقه (السجق هو النقانق)(31).

وكان رجل فينا النمطي (التقليدي) يفضّل أن تُولم له (أي تدعوه لوليمة) أو تحتفي به أكثر من تفضيله للإصلاح. لقد كان بالفعل ينفق بنساته القليلة (قطع العملة القليلة القيمة، وكان من هذه العملات السائدة في فينا الجروشن groschen والكروزر Kreuzers) لمشاهدة نيكلوس روجر Niklos Roger ذلك الحاوي الإسباني الذي يدَّعي أنه محصن ضد النار (لا يحترق)(41) وإن استطاع ابن فينا تدبير قطعة عملة أخرى لعب البليارد أو كرة البولنج. وكانت فينا وضواحيها تغص بالمقاهي - نسبة إلى مشروب القهوة الذي أصبح الآن ينافس البيرة (الجعّة) كمشروب محبّب. وكانت المقاهي هي نوادي الفقراء، إذ كان أهل فينا من الطبقات الصاعدة يذهبون إلى البيرهولن Bierhallen التي كانت الحدائق الجميلة تحيط بها، وكان بها قاعات حسنة حيث كان في مقدور الأثرياء أن يفقدوا أموالهم في المقامرة كما كان في مقدورهم الذهاب إلى الحفلات التنكرية حيث يرقص مئات الأزواج والزوجات معاً وفي الوقت نفسه، في صالات مغلقة (ريدوتنستال)، وحتى قبل أيام جوهان شتراوس Strouss (4081 - 9481) كان رجال فينا ونساؤها وكأنهم قد خُلقوا ليرقصوا. وذابت الممنوعات والمحرّمات في ثنايا رقصات الفالس، لقد أصبح في مقدور الرجل الآن أن يسعد بالالتصاق الذي يحقق الرعشة مع من يراقصها، ويدور بها دورانا مجنونا، واحتجت الكنيسة لكنها تسامحت (غفرت).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

5- الفنـون

انتعش المسرح في فينا على كل مستوياته ابتداء من الاسكتشات التافهة في المسارح التي تقدم أعمالاً مُرتجلة (غير معدَّة سلفاً) إلى الدراما الكلاسية في المسارح الراقية ذوات الديكورات المكلِّفة. وكان أقدم المسارح وأكثرها انتظاماً هو الكيرنتنيرثور Karntnerthor الذي شيدته البلدية في سنة 8071، وفي هذا المسرح وجدنا الكاتب المسرحي جوزيف أنطون سترانيتسكي John Anton Stranitsky (توفي 6271) يبني على شخصية أرليشينو Arlecchino (هارلكوين Harlequein) الإيطالية، فيخلق ويطوّر شخصية هانزفيرست Hanswurst أو جون بولوني John Boloney المهرّج الضاحك الصخَّاب الذي هجا الألمان - في الجنوب والشمال - سخافاتهم المحبّبة من خلاله. وفي سنة 6771 دعم جوزيف الثاني وموَّل البيرجثيتر the Burgtheater الذي وعدت واجهته الكلاسية بأفضل المسرحيات الكلاسية والحديثة. وكان أكثر المسارح فخامة وترفا هو مسرح آن دير فين Theater an-der-wien (على نهر فين Wien) الذي شيّده في سنة 3971 جوهان (يوهان) إيمانويل شيكاندر Johann Emanuel Schikaneder الذي كتب النّص الأوبرالي libretto للفلوت السحرية majic Flute لموزارت Mozart (1971) وقد زوّد مسرحه بكل أساليب الحيل الميكانيكية (المسرحية) المعروفة لتغيير المشاهد في عصره، وقد أدهش روّاد مسرحه بالمشاهد المسرحية التي تفوق الحقيقة فكسب لمسرحه ميزة تقديم العرض الأول لفيدليو Fidelio لبيتهوفن.

ولم يكن في ذلك الوقت فن آخر ينافس الدراما في فينا سوى فن واحد. إنه ليس فن العمارة لأن النمسا كانت قد أنهت في سنة 9871 عصرها الذهبي الذي تميز بطراز الباروك baroque. إنه ليس الأدب لأن الكنيسة أناخت بكلكلها على فكر العباقرة كما أن عصر جريليبارتسر Grillparzer (1971 - 2781) لم يكن إلا في بدايته. وفي فينا ذكرت مدام دي سيتل أن الناس لا يقرأون إلا قليلاً(51) فقد كانت الصحف اليومية تكفي لإشباع حاجاتهم الأدبية كما هو الحال في بعض المدن اليوم، وكانت صحيفتا Wiener Zeitung (صحيفة ابن فينا)، و Wiener Zeitschrift، صحيفتين ممتازتين. وكانت الموسيقا بطبيعة الحال هي الفن الأعلى مقاماً في فينا. فقد كانت الموسيقا في النمسا وألمانيا أقرب ما تكون إلى محلّى يفضله العامة كهواية أكثر من كونها عملا يحترفه المحترفون. فقد كان النمساويون والألمان يعتبرون بيوتهم ينبوع الحضارة وحصنها، فقد كان غالب الأسر المتعلمة لدى كل منها آلات موسيقية وكان يمكن لبعضها تقديم مقطوعات موسيقية تشترك في أدائها أربع آلات (أو بتعبير آخر تقديم مقطوعات رباعية)، وبين الحين والآخر كان يجري تنظيم كونشرتات لمشتركين دفعوا - سلفاً - ثمن حضورهم، لكن الكونشرتات العامـة (الحفـلات الموسـيقية العامة) التـي يُتـاح حضـورها للعامـة كانت أمراً نادرا. وبذلك كانت فينا مدينة مزدحمة بالموسيقيين الذين أفقر بعضهم بعضاً بسبب كثرتهم.

فكيف بقي هؤلاء الموسيقيون؟ لقد كان ذلك في غالبه بسبب قبولهم دعوات (أو حتى بدون دعوة تضمن لهم حقوقهم المالية بعد ذلك) النبلاء الأثرياء ورجال الإكليروس ورجال الأعمال أو بتأليف مقطوعات موسيقية وإهدائها إليهم. لقد ظل حب الموسيقا ورعايتها تراثاً وتقليدا توارثه حكام أسرة الهبسبرج طوال قرنين، واستمر ذلك بشكل فعّال في فترة حكم جوزيف الثاني وليوبولد الثاني وابن ليوبولد الأصغر ونعني به الأرشدوق ردولف Rudolf (8871 - 1381) الذي كان تمليذا لبيتهوفن وراعياً له في الوقت نفسه. وقدمت أسرة الإسترهيزي the Esterhazy كثيرين ممن دعموا الموسيقا ورعوها، لقد رأينا الأمير ميكلوس جوزيف إسترهيزي Miklos Josef Esterhazy (4171 - 0971) يرعى هايدن Hayden طوال ثلاثين عاماً كقائد للأوركسترا في قصر Schloss إسترهيزي، الذي يُعد فيرساي المجر Versailles of Hungary. وارتبط حفيده الأمير ميلكوس نيكولاس إسترهيزي Milkos Nicolaus Esterhazy (5671 - 3381) مع بيتهوفن لتأليف مقطوعات موسيقية لأوركسترا الأسرة. وكان الأمير كارل ليشنوفسكي Lichnowsky (3571 - 4181) صديقاً حميما - وراعياً - لبيتهوفن وآواه في قصره لفترة من الزمن. وقد شَرُف الأمير جوز فران لوبكوفتس Lobkowitz وهو سليل أسرة بوهيمية عريقة، والأرشيدوق رودلف والكونت كينسكي Kinsky بتقديم العون المالي لبيتهوفن حتى وافته منيته. ولابد أن نضيف إلى هؤلاء البارون جود فريد فان شفيتن Gottfried Van Swieten (4371 - 3081) الذي ساعد موسيقين آخرين برعايته وجهوده ومهارته في جمع شملهم مع المتعاقدين معهم، أكثر من رعايته لهم بتقديم أمواله لهم. لقد فتح لندن لهايدن Hayden، وأهداه بيتهوفن أولى سيمفونياته وأسس في فينا جمعية موسيقية Musikalische Gesell Schaft من خمسة وعشرين نبيلاً بهدف العمل على عقد لقاءات واتفاقات بين المؤلفين الموسيقيين وناشري الأعمال الموسيقية وجمهور المستمعين. ويرجع إلى هذه الجمعية - على نحوٍ ما - الفضل في أن أصبح أكثر الموسيقيين في التاريخ عُرضة للنقد وعدم القبول هو سيد الموسيقا بلا منازع في القرن التاسع عشر.