عبد الرحمن عارف بقلم كمال خلف الطويل

عبد الرحمن عارف

واحد من "الضباط الأحرار" الذين قاموا بثورة 14 تموز العراقية عام ,1958 ولعب فيها دورا شبه ثانوي فيها قياسا بأخيه الأصغر والأخفض رتبة العقيد عبد السلام عارف.

عاش في ظل أخيه , وهو تحت الضوء وفي العتمة معا , وبلغ في هرمية السلك العسكري العراقي منصب وكيل رئيس الأركان العامة , ولم يثبت رئيسا لها لعدم توفره على كل الشروط الأكاديمية الواجبة.

تفرغ للعسكرية طيلة الفترة ما بين 58- 66 وإلى يوم 13 نيسان 66 عندما احترقت وهوت الهليوكوبتر المقلة لعبد السلام فوق البصرة.

حينها كان في موسكو لمهمة , فاستدعي على عجل ولم يكن يدري أنه في لجة سباق على الرئاسة ما كان في حسبانه أبدا.

في رئاسة الحكومة كان عبد الرحمن البزاز القومي المستقل النافر من العسكر , والأميَل لطيف الإعتدال القومي ذو اللمسة اليمينية (هو يناظر في القاهرة عبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين ونور الدين طراف وتيارهم). من هنا كان من طلاب علاقة طبيعية وودودة مع آلي سعود وهاشم فضلا , عن تطبيع هادئ مع شاه إيران وأطالسة تركيا.

البزاز إعتبر أن وقته قد أزف , وأن انتقال 14 تموز من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية قد آن أوانه , وأن هذا الإنتقال سيكون على يديه ودون إعاقة عسكريتارية. على يمينه كان عبد العزيز العقيلي أحد ضباط 14 تموز الأحرار ووزير الدفاع حينها وأحد أهم صقور الصراع المسلح مع أكراد الشمال , ونسيجه مزيج من قومي وعراقوي مع اصطفاف يميني.

وعلى يساره كان عارف عبد الرزاق الذي كان حينها لاجئا في القاهرة بعد فشل إنقلابه على عبد السلام في أيلول 65.... كان مرشح عبد الحكيم عامر بامتياز. عامر هذا كان يمقت عبد السلام مقتا شديدا معتبرا إياه مراوغا ماكرا لا يريد وحدة ولا إتحادا وإنما هو "قاسم" جديد بمسحة عروبية.

والطريف أن عبد الحكيم وصل للقناعة باستنساب عارف عبد الرزاق بمشورة من عبد الحميد السراج , والذي كان خصم عامر اللدود أيام دمشق الخوالي .. لكنهما بعد أعوام خمس توافقا في بغداد. حينها كان لمصر سفير فوق العادة في بغداد هو أمين هويدي , والذين قدّر أن الوقوف وراء عارف عبد الرزاق خليفة لعبد السلام سيؤلب عليه القوميين المعتدلين فضلا عن البعث والشيوعي واليمين ومراجع النجف والكرد , وبالتالي فهو مرشح مخاطرة إنقسامية سيتحمل عبد الناصر وزرها. حسنا ... ربما أصاب هويدي , لكنه أخطأ خطأ قاتلا بتزكية عبد الرحمن عارف .. هذا المسالم الوديع الذي ينفع في تونس ربما ولكن ليس في العراق .. والدليل هو أنه أضاع عهده بعد عامين فقط لا غير. كان الأصوب والأفضل والأجدر هو ناجي طالب. الضابط الحر .. عالي الرتبة .. الشيعي .. القومي العربي .. النزيه .. المحترم من كل الأطراف .. والبعيد عن الصراعات الجانبية. لو تبناه عبد الناصر حينها بدلا من عبد الرحمن عارف لكان فعل عين الصواب , ولكان أسهم في تنفيس الإحتقان السني – الشيعي بل وفي وأد إستفحاله وإطفاء مهيجاته. لكنه إستمع لنصيحة هويدي القاتلة واعتمد عبد الرحمن عارف رئيسا.


أول ردود الأفعال كان انقلاب عارف عبد الرزاق الثاني في 30 يونيو 1966 , والذي لاقى فشلا مماثلا لسابقه. والثاني كان تألب عسكريي 14 تموز على البزاز ونجاحهم بإخراحه من سدة الحكومة.

أما الثالث فكان اشتداد إنقسامات القوميين وتفرقهم جماعات شتى كتفرق أيدي سبأ , مما تمثل في إخراج ناجي طالب من رئاسة الوزارة في مايو 67 , ثم في التحالف على طاهر يحيى عشية إنقلاب النايف – البعث في تموز 68. والحق أن عبد الرحمن عارف رجل ذو نزوع قومي واضح , تجلى في عقده لصفقة الميراج مع شارل ديغول في فبراير ,68 وفي منح عقد استخراج الكبريت لإيراب الفرنسية , وفي تعزيز إسهام شركة النفط الوطنية العراقية في العملية النفطية , وفي إرسال القوات العراقية للأردن بقوة فرقة ولواء عشية وغداة حرب 67.

لكن أخطر ما أوشك على القيام به -وهو فعليا ما تسبب في القرار الأنغلو / أمريكي بالإطاحة به- قراره في ربيع 68 برفع عديد قواته في الأردن إلى فرق ثلاث ( أي قوة فيلق).

قرب ضباط عشيرته الجميلات منه وارثا لتلك النزعة عن أخيه عبد السلام , فسلمهم الحرس الجمهوري والمخابرات العسكرية وموقع بغداد دون أن يدري أن بعضهم مخترق حتى النخاع ومبتاع إلى الثمالة من وكالة المخابرات المركزية التي أرادت بهم أن تجهض مضي عبد الرحمن عارف في نيته لتعزيز الجبهة الشرقية إلى الحدود القصوى و كما وعد جمال عبد الناصر في قمتهما الأخيرة في فبراير 68. رأس هؤلاء المخترقين كان عبد الرزاق النايف وكيل رئيس المخابرات العسكرية (شفيق الدراجي) , والذي طاف على عدد من الأحزاب القومية طلبا لغطائها عبر شراكة معه تطيح بعارف , فلم يقبل منها إلا بعث اليمين بزعامة أحمد حسن البكر .

لاقى خيار بعث اليمين هوى عند "مراجع" النايف لكونه عدو بعث اليسار السوري , و في ذات الحين خصم عبد الناصر اللدود منذ ديسمبر 59.. وبالأخص منذ يوليو 63.... إذن لا جبهة شرقية , كما المأمول , ولا من يحزنون. نحن أمام رجل حسن النوايا , طيب , وديع , لا يحب الدم ولا الإحتراب.. لكنه محدود القدرة , وسريع العطب ,وغير مؤهل

لحكم بلد كالعراق....

يحتاج لإكسير من مزيج من البأس والحكمة والعدل.


                              رحمه الله وغفر له

د. كمال خلف الطويل 8 / 28 / 07