رحلة إثيوبيا: تقرير للشعب المصرى - محمد أبو الغار

رحلة إثيوبيا: تقرير للشعب المصرى، د. محمد أبو الغار.

اتصل بى النائب السابق الأستاذ علاء عبدالمنعم ليطلب منى الانضمام إلى الوفد الشعبى المتجه إلى إثيوبيا ورحبت بذلك، ونظم الرحلة النائب السابق الأستاذ مصطفى الجندى، الذى تربطه بأفريقيا علاقات وثيقة، وغادرنا القاهرة فى الثالثة صباح الجمعة لنصل أديس أبابا فى الصباح الباكر. وصحبنا على نفس الطائرة السفير الإثيوبى فى القاهرة محمود درير، الذى تسلم منصبه منذ شهرين فقط، وكان هذا السفير كتلة نشاط فى القاهرة وفى إثيوبيا، وهو يجيد العربية، بالإضافة إلى خمس لغات أخرى، وكان عاملاً مهماً فى تقريب العلاقات المصرية الإثيوبية، وقد وطد علاقاته مع المصريين فى هذه الفترة القصيرة. هذا مثال رائع للدبلوماسى الحقيقى الواعى، الذى يراعى مصلحة بلده ويدافع عنه، وكان الاستقبال فى المطار حافلاً بالزهور والموسيقى والرقص تحية لنا.

تكون الوفد من خمسة وأربعين شخصية مرموقة من جميع التيارات السياسية المصرية، ومن بينهم شباب الثورة ومجموعة من الصحفيين. وفور وصولى إلى الفندق استبدلت ملابسى، وذهبت بصحبة الدكتور إبراهيم لابوتا من جامعة الإسكندرية لمقابلة عميد كلية الطب، ثم رئيس الجامعة، واتفقنا على المساعدة فى تلبية رغبات الجامعة بخصوص الاستعانة ببعض الأساتذة المصريين، وأكدنا الحضور فى ورشة عمل فى شهر يونيو بكلية الطب. ثم اتجهنا بعد ذلك إلى الكنيسة الأرثوذكسية وقابلنا أبونا الأنبا سيدراك بشوى، وهو راهب مصرى حضر إلى إثيوبيا موفداً من الكنيسة المصرية، وتحدثنا فى كثير من الأمور لأخذ فكرة عن وضع مصر هناك، ودعتنا السفارة المصرية بكامل طاقمها على عشاء فى السفارة.

وفى اليوم التالى ذهب جميع أعضاء الوفد إلى مبنى البرلمان الإثيوبى، حيث عقد لقاء مع رئيس البرلمان ونوابه، ثم لقاء آخر مع رئيس مجلس الشيوخ الفيدرالى ونوابه، وساد المناقشات جو ودى للغاية، وأعرب المتحدثون عن رغبتهم فى عودة الدفء للعلاقات المصرية الإثيوبية، وتحدثنا بصراحة بأننا لا نريد إعاقة التنمية لإثيوبيا، ولا نمانع فى مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية على ألا يكون ذلك على حساب حصة مصر من مياه النيل، وجاء الرد صريحاً وواضحاً بأن مصر لن تتأثر ببناء السد، وذهبنا يوم الأحد للكنيسة وحضرنا احتفالاً لذكرى القديس مار جرجس، وهتف آلاف الجماهير مع الوفد المصرى «إثيوبيا ومصر إيد واحدة»، ثم قابلنا رئيس الجمهورية وهو منصب شرفى والتقينا وزير الخارجية على العشاء، وأخيراً قابلنا رئيس الوزراء زيناوى، وهو الرجل القوى فى إثيوبيا.

بدأ اللقاء بأن تحدث عبدالحكيم عبدالناصر عن تاريخ العلاقات المصرية الإثيوبية، ثم تحدث محمد أبوالغار عن مطالب مصر وحقوقها بالتفصيل وتحدثت سالى توما من شباب الثورة، عن تأثير ميدان التحرير على مستقبل مصر ثم تحدث عبدالرؤوف الريدى عن دور الدبلوماسية فى حفظ حقوق مصر، وفى النهاية تحدث مصطفى الجندى، منسق الوفد، عن العلاقات بين البلدين. وأعلن رئيس الوزراء بعد حديث طويل أولاً: تجميد اتفاقية النيل، التى رفضتها مصر حتى تنتخب مصر برلمانها ورئيسها الجديد، وثانياً: تكوين لجنة من خبراء مصريين وإثيوبيين وعالميين تختارهم مصر للتأكد من أن مياة النيل المتدفقة إلى مصر لن تنقص نقطة واحدة بعد تنفيذ السد.

وقد قال رئيس الوزراء صراحة إن عمر سليمان كان يتحدث معه بعجرفة شديدة، وتسبب فى خسائر دبلوماسية هائلة لمصر فى أفريقيا.

الملحوظ هنا هو الخيبة الشديدة، التى تبلغ حد الخيانة فى النظام المصرى السابق، الذى أدى سوء أدائه وعدم قدرته، إلى الاختيال والتعالى غير المبرر والخطير على مستقبل مصر تجاه دول أفريقيا. وجزء من أسباب الفشل الذريع للدبلوماسية المصرية هو أن سياساتها الخارجية كانت تدار من رئاسة الجمهورية بالكامل، وأصبح وزير الخارجية المصرى لا رأى له، وكأنه سكرتير دبلوماسى للرئيس، وحيث إن قادة القصر الموجودين الآن فى طرة ليس عندهم الكفاءة لإدارة الدبلوماسية المصرية، فتدهورت الأمور بسرعة شديدة، وضاعف من المشكلة أن الخارجية أصبحت تدفع بأقل الدبلوماسيين كفاءة إلى البلاد الأفريقية.

والأمر الثانى هنا هو عدم قدرة مصر على التوصل إلى تفاصيل دقيقة عن السد وإمكانياته ومخاطره، وهذا ضعف فى الكفاءة وفى استقبال المعلومات وتحليلها.

والأمر الثالث هو التصريحات المتناقضة لوزراء وخبراء الرى ممن قال إن الأمر حياة أو موت، وممن قال إن الأمر بسيط، والشعب المصرى كان يستحق من حكومة مبارك احتراماً وتقديراً أكثر من ذلك، وكان على حكومته إعطاء تقرير دقيق مفصل للشعب المصرى، وهو ما لم يحدث، وتم استبداله ببذاءات موجهة إلى حكام إثيوبيا.

وأخيراً سوف يذهب الوفد المصرى الرسمى

إلى إثيوبيا قريباً برئاسة د.عصام شرف، وعضوية د. نبيل العربى، وزير الخارجية الكفء المحترم، وأعتقد أنهم سوف يجدون الأرض ممهدة لهم بعد زيارة الوفد الشعبى، وأنا متأكد أن الوفد المصرى لن يدلى بتصريحات غير مسؤولة مثل التى أدلى بها نظام مبارك تجاه المسؤولين فى إثيوبيا وغيرها. وأعتقد أن الدولة المصرية الحديثة بعد الثورة سوف تدخل فى مفاوضات بين الخبراء لتعرف كل شىء عن السد، وأصبح الآن لديها بدائل مختلفة تساعدها على التفاهم والتفاوض مع الحكومة الإثيوبية.

يجب أن نعرف أن إثيوبيا فى حاجة إلينا، ونحن فى حاجة إليها، وأن العلاقات المصرية الأفريقية يجب أن تتطور وبسرعة فائقة، ولأن هذا هو مجالنا الطبيعى فى المنافسة الاقتصادية. وأنا واثق بأن الخارجية المصرية مليئة بالكفاءات الوطنية، التى أصبح من واجبها المشاركة فى الثورة عن طريق مضاعفة النشاط، والعمل بكفاءة وحب وإخلاص لنصرة مصر.

قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر