الفصل العاشر: الجليد وأثره في تشكيل قشرة الأرض

الفصل العاشر: الجليد وأثره في تشكيل قشرة الأرض

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثلج

انظر: ثلج

يعتبر الثلج مظهراً من مظاهر التساقط, شأنه في ذلك شأن الأمطار. وهو عبارة عن بلورات متطايرة على شكل شظايا رقيقة تشبه زغب القطن, ويستاقط بخار الماء بعد تكاثفه على شكل ثلج إذا إنخفضت درجة الحرارة دون نقطة التجمد. وإذا كان تساقط الثلج غزيراً, وإذا ظلت الحرارة دواماً دون نقطة التجمد, فمن المستحيل أ، ذتوب الثلوج المتراكمة على سطح الأرض, بل يزداد سمكها وتتحول إلى طبقة صلبة من الجليد , لها مظهرها الخاص, كما أنها تتحرك فوق سطح الأرض على شكل أنها رجليدية تعمل - كالأنهار - على تغيير سطح الكرة الأرضية وتشكيل تضاريسها.

ويتساقط الثلج في واقع الأمر في العروض المختلفة, ولكنه يتساقط في العروض العليا والقطبية عند مستوى سطح البحر, بينما يتساقط على مناسيب أعلى من سطح البحر بكثير في العروض الدنيا, فهو لا يسقط في العروض المدارية إلا على قمم الجبال الشاهقة حيث تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون نقطة التجمد. ويعرف الخط الذي يمثل الحد الأسفل لغطاء ثلجي مستديم على قمم المرتفعات والجبال بخط الثلج الدائم. ولابد بطبيعة الحال من أن يختلف إرتفاع هذا الخط عن سطح البحر في الرعوض المختلفة, فهو في المناطق القطبية يتمشى مع سمتوى البحر, ويقع في جنوب جزيرة جرينلند على منسوب 2000 قدم فوق سطح البحر, ويتراوح إرتفاع هذا الخط في بلاد النرويج ما بين الأربعة آلاف والخمسة آلاف قدم, ويصل إرتفاعه في جبال الألب إلى 9000 قدم, وفي شرق أفريقيا إلى حوالي 16.000 قدم. وكثيراً ما يختلف خط الثلج الدائم على جانبي سلسلة جبلية واحدة, إذ يبلغ هذا الخط على منحدرات جبال الهيملايا التي تواجه شبه الجزيرة الهندية وهي الجوانب المشمسة حوالي 16.000 قدم, بينما لا يزيد إرتفاعه على أربعة آلاف قدم عند السفوح الشمالية لهذه السلسلة الجبلية, وهي السفوح الظلية - التي تتعرض لمؤثرات الكتل الهوائية القطبية الباردة.


حقول الثلج

انظر: حقل ثلج

إذا تراكم الثلج في منطقة حوضية أو في أحد تجاويف قشرة الأرض, فلابد أن تتحول طبقات الثلج المتجمعة من حالتها الهشة إلى حالة من التجمد والتصلب. وتعرف لاالمنطقة الحوضية حينئذ بالحقل الثلجي ( بالفرنسية وتسمى بالألمانية ) وتختلف كتل الجيلد التي تتراكم في حقول الثلج عن المياه المتجمدة, في أنها تحتفظ بقدر من الهواء بين جزيئاتها, ولهذا إذا ما تعرض سطح الحقل الثلجي للذوبان في فصل الحرارة العظمى, فلابد أن يتبع هذا تسرب المياه في الفراغات التي توجد بين جزيئات الحقل الثلجي, وتحل محل الهواء فيها, وسرعان ما تتجمد هذه المياه مرة أخرى فتعمل على زيادة تماسك الكتلة الجليدية وتصلبها. وإذا ما عمل قطاع في كتلة جليدية من هذا النوع, يمكننا أن نرى في هذا القطاع نوعاً من الطبقاية الواضحة نستطيع أن نعرف من دراستها سمك طبقة الثلج التي أضيفت في كل سنة من السنين التي تكونت إبانها الكتلة الجليدية.

الأنهار الجليدية

انظر: مثلجة

إذا تميز الحقل الثلجي بإتساعه, وبعظم كميات الثلج التي تاضف إليه سنوياً, تتكون في هذه الحالة ألسنة من الجليد تنحدر على جوانبه وتتحرك فوق سطح الأرض حركة محسوسة, وتعرف هذه الألسنة بالأنهار الجليدية, وذلك لأنها تشق لنفسها أودية واضحة الجوانب يملؤها الجليد بدلاً من الماء. ويختلف الجليد الذي يملأ أودية الأنهار الجليدية, عن جليد الحقول الثلجية, إختلافاً واضحاً في خصائصه الطبيعية, إذ بينما جليد الحقول الثلجية بكثرة فراغاته البينية وبمساميته, نجد أن الأنهار الجليدية جليد غير منفذ للمياه, شديد التماسك والصلابة.

وتتحرك الأنهار الجليدية على طول منحدرات الجبال من مصادرها الممثلة في الحقول الثلجية حركة بطيئة, ويلاحظ أن هذه الأنهار تتخير دائماً مناطق الضعف في قشرة الأرض, والتي تتمثل في معظم الأحوال إما في أودية نهرية جفت مياهها, أو على طول خطوط الإنكسار أو على طول الإمتداد المناطق الحدية بين التكوينات الجيولوجية. ويبلغ معدل تحرك الجليد وزحفه زهاء الستين قدماً في اليوم, وقد يصل هذا المعدل إلى أكثر من مائة قدم في اليوم كما هي الحال في الأنهار الجليدية حركة بطيئة للغاية لا تزيد عن قدم واحد في اليوم, وهذا ما تتيمز به الأنهار الجليدية الألبية. ويعزى بطء حرطة الجليد في الأنهار الجليدية بصفة عامة إلى أن الجليد جسم صلب شديد الإحتكاك بسطح الأرض أثناء حركته. وتكاد تتميز معظم الأنهار الجليدية بقصرها إذ يتراوح طولها بين ميل وعشرة أميال, كما أنها أنهار ضيقة لا يزيد عرضها على المائتي متر بأي حال من الأحوال.

ولا تتحرك كتلة الجليد التي توجد في نهر جليدي, بدرجة واحدة في جميع أجزائها إذ تتميز حركتها ببطئها عند جوانب الوادي وفي قاعه, ولكنها في نفس الوقت أسرع نسبياً في جزئه الأوسط. وقد إختلفت آراء العلماء وتضاربت بصدد تفسير الطريقة التي يتم بها تحرك الجليد, فمن قائل بأ، الإختلاف في السرعة بين الجليد الذي يتحرك عند الجوانب وذلك اذلي يزحف في الوسط, يؤدي إلى حدوث شقوق طولية في الكتلة الجليدية المتحركة هي التي تساعد على زحف الجليد. ولعل أقرب الآراء إلى الصحة ذلك الرأي الذي يعزو حركة الأنهار الجليدية إلى ضغط الجليد على قيعان الأودية مما يسبب هبوطاً في درجة ذوبانه, فتتحول بعض جزيئاته إلى مياه, وتعمل هذه المياه التي تظهر عند قاع النهر الجليدي على تشحيم كتلة الجليد وسهولة تحركها. وتعرف هذه العملية بعميلة الذوبان بالضغط . ويظهر مثل هذا الغشاء المائي الرقيق في قاع النهر الجليدي بوضوح كلما إزدادت سرعته, إما لشدة إنحدار الأرض التي يجري عليها أو لعظم الحقل الثلجي الذي يستمد منه جليده.

ومن أحسن الذين درسوا موضوع تحرك الجليد العالم السويسري "ديمورسيه " (1942) فهو يرى أن الجليد يخضع هو الآخر في حركته لقوة الجاذبية الأرضية مثله في هذا تماماً كمثل الأنهار أو المياه الجارية, إذ إنه أثناء إنتقاله من المستويات المرتفعة إلى المستويات المنخفضة يؤثر في نحت سطح الأرض إزاء ثقله على قشرتها, ولكنه زيادة عما يؤديه وهو خاضع لقوة جذب الأرض, يستطيع أن يتحرك فوق المرتفعات. ويرجع هذا إلى أن للجليد مرونة واضحة. فإذا صادف الجليد أثناء إنتقاله من السمتويات المرتفعة إلى مناطق منخفضة, عقبة من العقبات نوعاً ما, فإن ضغط الجليد بعضه على بعض يؤثر في مقدمة الجليد المتحرك ويجعلها تعلو زاحفة على هذه العقبة التي تعترضه, حتى إذا بلغ أعلى نقطة في هذه العقبة, إنحدر عليها من جديد. ومعنى هذا أن الجليد في هذه الحالة لا يخضع لقوى الجاذبية الأرضية, وذلك لأنه يستطيع أن يتحرك من أسفل إلى أعلى متأثراً في هذا بقوة الدفع التي تأتيه من الخلف. على أننا نلاحظ أنه إذا كان إنحدار قاع واد من الأودية الجليدية يتميز بأنه من الكفاية بحيث يسمح للجليد الزاحف بالتغلب على التأخر الذي ينجم عن إحتكاكه بسطح الأرض, فإن هذا يعني أن النهر الجليدي في هذه الحالة لن يختلف كثيراًِ عن النهر العادي.

ومازال موضوع كيفية تحرك الجليد في الأنهار الجليدية رغم هذه الآراء العديدة من الموضوعات التي يكتنفها شئ كبير من الغموض والتي مازال العلماء المتخصصون في الدراسات الجليدية يجاهدون في الكشف عن غوامضها بالدراسة والبحث.

أنواع الكتل الجليدية

تظهر الكتل الجليدية التي نشاهدها في مختلف جهات العالم على ثلاث صور رئيسية: فهي إما غطاءات جليدية مستديمة كتلك التي توجد في جزيرة جرينلند وقارة أنتاركتيكا, أو كتل جليدية تملأ أودية الأنهار الجليدية ,أو أنهار جليدية تمتد وتنتشر عند حضيض المرتفعات .

أولاً: الغطاءات الجليدية

وتكسو هذه الغطاءات مساحة شاسعة من سطح الكرة الأرضية, تمثل البقية الباقية من الأراضي الواسعة التي كان يغطيها الجليد البلايستوسيني في الزمن الجيولوجي الرابع, فقد كان الجليد ف يتلك الفترة يغطي مساحة كبيرة من شمال قارة أمريكا الشمالية تزيد على 4 ملايين ميل مربع, ومساحة أخرى كبيرة في شمال أوروبا تزيد على ميلوني ميل مربع, هذا بالإضافة إلى مناطق أخرى واسعة لم يتمكن العلماء بعد من أن يقدروا مساحتها وتتمثل أكبر هذه المناطق بصفة خاصة في سيبريا. أما أكبر المناطق التي مازالت تكسوها الغطاءات الجليدية فتظهر في الوقت الحالي في قارة أنتاركتيكا وفي جزيرة جرينلند.

أما غطاء أنتاركتيكا الجليدي فيغطي كساحة كبيرة من تلك الكتلة القارية تزيد على 3.5 مليون ميل مربع أي تكاد تقرب من مساحة قارة أوروبا بأجمعها, ويؤلف هذا الغطاء طبقة سميكة قد يزيد سمكها في بعض الجهات على ستة آلاف قدم. وتبرز فوق سطح هذا الغطاء الجليدي في المناطق الساحلية قمم جبلية ناتئة هي التي تعرف بالنواتئ , تفصلها عن بعضها البعض أنهار جليدية تنحدر صوب البحر, وقد تمتد كثيراً في مياهه. وكثيراً ما يمتد الغطاء الجليدي ذاته في مياه البحر لمسافات كبيرة, كتلة جليدية كبيرة هي التي تعرف بحاجز روس , وذلك لمسافات كبيرة تبلغ بضعة عشرات من الأميال. وتتميز حركة الغطاء الجليدي في أنتاركتيكا بأنها حركة متناهية في البطء تتجه من منطقة مركزية صوب الأطراف حتى إذا بلغ الجليد سواحل هذه الكتلة القرية, إمتد فوق سطح الماء لمسافات كبيرة, أو قد يتكسر إلى كتل ضخمة تطفو فوق الماء على شكل جباال جليدية . وقد جابت أنحاء قارة أنتاركتيكا بعثات كشفية عديدة كانت آخرها البعثة النرويجية الإنجليزية السويدية التي قامت بأبحاث ودراسات عديدة فيما بين عامي 1950-1951 في القطاع النرويجي من القارة وهو الذي يعرف ب , وكان الهدف الرئيسي لهذه البعثة هو معرفة سمك الغطاء الجليدي بإستخدام طريقة إرتداد الصدى الصوتي, وهي طريقة مكنتهم من معرفة طبيعة صخور هذه القارة بعض المعرفة. فقد إتضح أن المناطق الساحلية يتراوح سمك هذا الغطاء ما بين 800, 2500 قدم, كما إتضح كذلك أن سمك هذا الغطاء الجليدي يتزايد تزايدأً مطردأً كلما إتجهنا من الساحل إلى الداخل حيث يصل إلى أوج سمكه (أكبر سمك سجل كان 7500 قدم), ومن النتائج الهامة الأخرى التي وصلت إليها هذه البعثة, أن سطح أرض القارة تحت الغطاء الجليدي السميك يتميز بوعورته المتناهية وكثرة تقطعه بواسطة أودية عميقة تشبه الفيوردات وتفصل بينها حافات فقرية قد تظهر بعض أجزاء منها فوق سطح الغطاء الجليدي على صورة قمم ناتئة .

أما الغطاء الجليدي الذي يغطي جزيرة جرينلند ويكسو ثلاثة أرباع مساحتها الأصلية (تبلغ مساحته حوالي نصف مليون ميل مربع) فتظهر بالقرب من هوامشه بعض القمم الجبلية الناتئة, ولكنها تختفي تماماً في الأصقاع الداخلية الواسعة. ويحد الغطاء الجليدي الجرينلندي حاجز جبلي مرتفع وخصوصاً من ناحية الغرب حيث يتميز الساحل الغربي للجزيرة بكثرة فيورداته وتعددها, أما على طول الساحل الشرقي, ثكيراًِ ما يمتد الغطاء الجليدي ويتعمق في مياه البحر حيث يظهر على شكل حائط رأسي مرتفع (كثيراً ما يسمى مجازاً بسور الصين الجرينلندي ). ويبدو الغطاء الجليدي في وسطه على هيئة كتلة قبابية هائلة يزيد إرتفاعها على عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر. وتظهر فوق هذه الكتلة القبابية أعلى قمم الجزيرة وهي قمة ماون فوريل في الجنوب الشرقي, ويزيد إرتفاعها على 11 ألف قدم. وقد كان يظن من قبل أن سمك الغطاء الجليدي في هذه الجزيرة يتراوح بين ألفين وسبعة آلاف قدم ولا يزيد بأي حال عن ثمانية آلاف قدم, ولكن الأبحاث الحديثة الأخيرة قد دلت على أن مساحات كبيرة من الصخور الأصلية التي يركز عليها الجليد تقع فعلاً دون مستوى سطح البحر بكثير, وهذا يدل على أن الغطاء الجليدي لابد أن يزيد سمكه كثيراً عن ثمانية آلاف قدم.

وتنحدر من كتلة الجليد الوسطى القبابية, بعض أنهار جليدية أهمها نهر همبولت الجليدي , الذي ينحدر صوب الشمال الغربي وينتهي إلى البحر على هيئة مرتفع يصل إتساعه إلى 40 ميلأً. ويبلغ إرتفاعه زهاء الثلاثمائة قدم, وكثيراً ما تنفصل من هذا الحائط الجليدي بعض كتل كبيرة تطفو فوق سطح المحيط الأطلسي وتتجه صوب الجنوب على هيئة جبال جليدية.

وتوجد غطاءات جليدية محدودة المساحة تعرف أحياناً بالهضاب الجليدية , أو الجزر الجليدية, ومن أهمها تلك الغطاءات التي تكسو سطح جزيرة سفالباد أو , وجزيرة نوفايازيمليا , وجزيرة أيسلند . ويغطي الجليد حوالي 1/8 مساحة الجزيرة ألأخيرة, ويظهر على شكل غطاءات منفصلة مبعثرة يعرف كل واحد منها باليوكول ويبلغ عددها 37. وأكبر هذه الغطاءات الصغيرة غطاء فاتنا الذي تبلغ مساحته 3300 ميل مربع. وتوجد كذلك في بلاد النرويج غطاءات جليدية أقل مساحة بكثير من الغطاءات الأيسلندية ويعرفها النرويجيون محلياً بالفييلدز وهي تمثل في الواقع مرحلة إنتقالية بين الغطاءات الصغيرة الأيسلندية وبين الأنهار الجليدية التي تنحدر على هيئة ألسنة من أحواض الثلج وحقوله.

الأودية الجليدية

وتمثل هذه الأودية أهم الظاهرات الجيومورفية التي تتميز بها صورة عامة السلاسل الجبلية الشاهقة التي توجد في مختلف جهات سطح الأرض. وهي - كما ذكرنا من قبل - عبارة عن ألسنة من الجليد تنتشر على جوانب الجبال ومنحدراتها من أحواض تجمع الجليد التي تعلو خط الثلج الدائم حيث تساعد البرودة على تماسك الثلج وتحوله إلى جليد صلب. وتتوقف أحجام هذه الأدوية الجليدية وأطوالها على مساحة أحواض تجمع الجليد, وعلى كمية التساقط من الثلج, وعلى درجات الحرارة في المناطق التي تخترقها هذه الأودية. وتظهر نهايات هذه الأودية الجليدية على شكل أودية مقعرة تمتد في المناطق التي يتعادل فيها مقدار ما يذوب من الجليد (نتيجة إحتكاكها بصخور القشرة وما يتبع هذا من إرتفاع درجة الحرارة وتعرهض للذوبان) مع مقدار ما يجلب إلى النهايات المقعرة من جليد من أحواض التجمع. فإذا ما إرتفعت درجة الحرارة أو قلت كمية الثلج المتشاقط على الجزء الأعلى من الوادي فلابد أن يتزايد إزاء هذا مقدار الجليد الذي يتعرض للذوبان, ويتعرض النهر الجليدي في هذه الحالة للإنكماش, ويقال في هذه الحالة أن النهر الجليدي آخذ في التقهقر , وقد إنكمشت معظم الأنهار الجليدية الألبية إنكماشاً ملحوظاً بهذه الطريقة إبان القرن الماضي.

ويمكننا من دراسة نه رألتش الجليدي - الذي ينحدر على جبال الألب في إقليم أن نعرف الشئ الكثير عن خصائص الأنهار الجليدية وأوديتها. إذ يبلغ طول هذا النهر الجليدي عشرة أميال, ويعد أطول الأنهار الجليدية الأوروبية, وفي هذا دليل على أن الأنها رالجليدية في معظم الأحوال أنهار قصيرة ليست ذات شأن كبير. وتتمثل بداية هذا الوادي في مجموعة من الأحواض الثلجية, يحاط كل حوض منها بحاجز من القمم الرمتقعة. وأهم هذه الأحواض حوضا يونجفرا ومنش ويتجمع جليد كل هذه الأحواض في حقل ثلجي واسع هو حقل الكونكورديكا بلاتز الذي يعلو فوق سطح البحر بحوالي 9200 قدم, وينحدر من هذا الحقل الواسع لسان من الجليد يتجه صوب الجنوب, يتمثل في نهر ألتش الجليدي الذي تحده من كلاا جانبيه حوائط صخرية مرتفعة. ومن أهم الظاهرات الجيومورفية التي يتميز بها وادي النهر الجليدي ما يلي:

1- الهوة الجليدية  : وتوجد هذه الهوة الجليدية على هيئة ثغرة واسعة تفصل لسان الجليد الزاحف على شكل نهر جليدي, عن الحوائط الرمتفعة التي تحيط بحوض تجمع الجليد. وتظهر هذه الهوة في المعتاد في الجزء الأعلى من وادي النهر الجليدي, وكثيراً ما يغطي هذه الهوة العميقة معبر رقيق من الجليد المتجمد يمثل أحد الصعاب التي تواجه هواة التزحلق على الجليد, أو تسلق الجبال في هذه المناطق.

2- الشقوق الجليدي  : وتتكون هذه الشقوق إذا ما إشتد إنحدار النهر الجليدي, أو تغايرت سرعة أجزاء كتلة الجليد الزاحف, ولابد أن يؤدي هذان العاملان معاً إلى حدوث نوع من الشد والتمزق في سطح الجليد فتتكون شقوق طولية وعرضية. وتتكون الشقوق العرضية إذا ما إزداد إنحدار أرض الوادي الجليدي, وتمتد هذه الشقوق عبر النهر الجليدي. أما الشقوق الطولية التي تمتد موازية لإتجاه زحف الجليد "وتدققه" فتحدث في حالة تغاير سرعة زحف الجليد المتحرك. وكثيراً ما تتقاطع هذه الشقوق في جميع الإتجاهات إذا ما إشتد إنحدار أرض الوادي الجليدي بصورة فجائية, ويتكون حينئذ ما يعرف بالمسقط الجليدي , الذي تظهر عنده مجموعة من الشقوق الغائرة العميقة وبعض كتل مدببة من الجليد. ويتميز وادي نهر ألتش الجليدي بأنه نهر منتظم في إنحداره إلى درجة كبيرة, ولذا تختفي منه ظاهرة المساقط الجليدية. ولكننا نرى في نفس الوقت بعض الأنهار الجليدية التي تنحدر من قمة من بلان بسويسرا كنهر دية بوسون الجليدي - تنحدر إنحداراً فجائياً من منسوب عشرة آلاف قدم إلى حوالي ثلاثة آلاف قدم, وذلك في مسافة لا تزيد على الميلين من مسيرها. ولذا يتميز نه ردية بوسون الجليدي بكثرة مساقطه الجليدية وبظاهرة الهبار الجليدي ومن أمثلتها ذلك الهبار الهائل الذي حدث في صيف سنة 1949.

2- يتميز سطح نهر ألتش الجليدي في فصلي الشتاء والربيع بشدة تراكم اللثج فوقه بدرجة كبيرة بحيث تختفي معالم الشقوق والهوات الجليدية, ويصبح من الخطورة بمكان تسلق هذا الوادي في هذين الفصلين. أما في فصل الصيف فيتميز سطح هذا النهر بوعورته. ويوضح معالم الشقوق والهوات وما شباههها, كما تظهر فوق سطحه بعض البرك الصغيرة التي تشبه البحيرات في أشكالها (وذلك أثناء النهار بصفة خاصة) كما تجري المايه الناتجة عن ذوبان الجليد على شكل جداول قصيرة تنحدر مياهها نحو الشقوق التي يكثر وجودها فوق سطح الغطاء الجليدي, وقد تنحت في بعض الأحيان حفراً صغيرة تشبه البالوعات فوق سطح كتلة الجليد, وتعرف مثل هذه الحفر بالحفر الجليدية .

4- والنهر الجليدي كما ذكرنا من قبل عامل هام من العوامل الجيومورفية التي تؤدي إلى النحت والنقل والإرساب. وسنبين في الصفحات القادمة الدور الرئيسي الذي يلعبه هذا العامل في تشكيل سطح الأرض. وكل ما يمكننا قوله في هذا المجال, إنه إذا كانت جوانب الوادي الذي يشغله النهر الجليدي, صخرية مرتفعة, ففي هذه الحالة تنهار منها كتل صخرية كثيرة تستقر على جانبي الوادي بحيث تبدو على شكل حائطي, وقد تسقط بعض المواد الصخرية على سطح كتلة الجليد, فتسقط في الشقوق التي تنتشر فوقه وبذا تتحرك مع زحفه وإنتقاله. ومنها ما يحتك بقاع الوادي فيسحق الصخور وينحتها. وتتكون من المواد المفتتة رواسب هائلة يحملها الجليد ويرسبها على شكل كومة هلالية الشكل عند نهايته, هي التي تعرف بالركام النهائي أما المفتتات الصخرية التي تتراكم على جانبي الوادي الجليدي فتعرف بالركامات الجانبية .

وإذا إتصل النهر الجليدي برافد من الروافد, فلابد أن يتحد ويلتحم الركامان الجانبيان لكلا النهرين الجليديين, ويتكون ركام واحد هو الذي يعرف بالركام الجليدي ألأوسط .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أنهار الخضيض الجليدية

كثيراً ما تنحدر الأنهار الجليدية على جوانب المرتفعات حتى تبلغ حضيضها, وتمتد عند مخارج هذه الأنهار من المنطقة المرتفعة على شكل ألسنة. وقد يحدث في بعض الأحيان أن تتلاقى وتندمج هذه الألسنة عندما تبلغ الأرض المنخفضة التي تمتد عند أقدام المرتفعات, وتتكون كتلة جليدية واسعة يحدها "واد" واحد. وتظهر مثل هذه الكتل المندمجة في أنتاركتيكا وشبه جزيرة ألاسكا. ففي المنطقة الأولى يوجد ال في الجزء الجنوبي من فيكتوريا لاند, أما في شبه جزيرة ألاسكا فيوجد أكبر نهر جليدي ينتمي إلى هذا النوع وهو ال , الذي يمتد فوق مساحة كبيرة من الأرض تزيد على 1500 ميل مربع على طول إمتداد سلسلة جبال سانت إلياس التي تطل على المحيط الهادي بحوالي 1500 قدم, ويزيد سمك كتلة الجليد الهائلة التي توجد به على الألف قدم.

ويمكنالقول بصفة عامة بأن ظاهرة الأنهار الجليدية المندمجة التي توجد عند أقدام المرتفعات, ظاهرة قليلة الإنتشار على سطح الأرض في وقتنا الحالي, ولعلها كانت ظاهرة شائعة إبان العصر الجليدي البلايستوسيني, فمن المحتمل أن بعض هذه الأنهار الجليدية كان يمتد على طول المنحدرات الشمالية لجبال الألب فوق هضبة بافاريا فيما بين جبال الألب ونهر الدانوب, كما أن الجزء الشمالي من سهل لمبارديا الذي يمتد على طول المنحدرات الجنوبية لجبال الألب من المحتمل أنه كانت تحتله هو الآخر أنها رجليدية مندمجة.

النحت بفعل الجليد

إختلفت آراء العماء وتضاربت في القرن التاسع عشر فيما يتصل, بقدرة الجليد المتحرك على النحت,تبلور هذا الإختلاف حول نقطة واحدة, وهي فيما إذا كانت تلك الصور التضاريسية التي توجد في المناطق التي شاهدت عصراً جليدياً فيما مضى, ناجمة عن عمليات النحت بفعل الجليد أو المياه الجارية, ويبني الذين يعتقدون بأن المايه الجارية هي التي كونت تلك الصور التضاريسية, وجهة نظرهم على أساس أن الجليد إذا غطى قشرة الأرض في منقطة من المناطق, فهو غالباً ما يكون بمثابة درع لها يقيها من أن تؤثر فيها عوامل النحت.

ومن الحقائق المتفق عليه الآن, أن للجليد قدرة هائلة على النحت, هذا مع ملاحظة أن المياه الجارية كثيراً ما تلعب دوراًِ هاماً في النحت عند حواف الكتل الجليدية وهوامشها تماماً مثلما حدث إبان الفترات ما بين الجليدية. كما أن التجوية الميكانيكية تساهم هي الأخرى في تفكيك الصخر وتفتيته في المناطق التي تبرز فيها فوق حقول الثلج قمم أو حافات مرتفعة, وذلك بواسطة الصقيع .

ويقوم النهر الجليدي بعمله في النحت بالطرق الاتية:

1- طريقة الألتقاط , إذ إن الجليد عندما يزحف في واديه يلتقط كل ما يصادفه في قاع الوادي من الجلاميد وحجارة ويدفعها معه.

2- قوة ضغط الجليد وثقله على الصخور, إذ يساعد ثقله العظيم وما يحمله من مواد صخرية إلتقطها أثناء زحفه, على نحت الصخور وصقلها وتجويفها وخدشها . . إلخ.

3- يعمل ثقل الجليد وضغطه على صخور القشرة بالإضافة إلى إحتكاك المواد التي يحملها بعضها ببعض, على طحن الصخور بحيث يؤدي هذا إلى تكوين رواسب متناهية في النعومة هي التي تعرف بدقيق الصخر , كما يؤدي هذا إلى تكوين مفتتات صخرية مختلفة الأشكال والأحجام, تختلف تماماً عن ذلك الزلط المصقول المستدير الذي تحمله مياه الأنهار.

وتعتبر الأنهار الجليدية من العوامل الرئيسية التي تعمل على نحت سطح الأرض في المناطق الجبلية المرتفعة التي يتكون فيها الجليد. ومن الأمور الثابتة التي يجمع العلماء على صحتها, أن معظم الأنهار الجليدية لا تجري في أودية حفرتها لنفسها إنما تجري في أودية قديمة حفرتها المياه الجارية, وتدأب هذه الأنهار في الأطوار الأولى من حياتها على تعميق أوديتها سواء بوساطة ضغط جليدها على قاع الوادي, أو بما تحمله من حطام ومواد صخرية تساعدها على النحت الرأسي مما يؤدي في النهاية إلى شدة عمق هذه الأودية.

ولا جدال في أن مقدرة الأنهار الجليدية على النحت الرأسي تفوق كثيراً مقدرتها على النحت الجانبي, ولذا تتميز أودية هذه الأنهار بعمقها الكبير وبقلة إتساعها. ويتميز النهر الجليدي بأنه لا يتبع في مسيره إنحناءات الوادي (الذي حفرته المياه في أول الأمر) بل يعمل بواسطة قوة ضغطه على إزالة أي سفوح معزولة , ولهذا تبدو أودية الأنهار الجليدية وقد خلت من الإنثناءات والمنحنيات وتكاد تتميز بإستقامتها بصورة عامة. كما تمتاز جوانب هذه الأودية, بأنها رأسية أو شديدة الإنحدار بحيث يبدو القطاع العرضي لوادي النهر الجليدي على شكل حرف "", وهو بهذا يختلف إختلافاً جوهرياً عن الوادي النهري الذي يبدو مقطعه العرضي المنتظم قريب الشبه من حرف "".

وقد غيرت الأنهار الجليدية - التي توجد في المناطق الجبلية المرتفعة - الشئ الكثير من خصائص أودية الأنهار القديمة, لدرجة جعلتها تختلف تماماً عن الصورة التي تكونت بها هذه الأودية في مبدأ الأمر. ولهذا يمكن القول بأن عملية النحت بفعل الجليد, عملية تسهم إسهاماً كبيراً في تشكيل قشرة الأرض, وتعد مسئولة عن تكون ظاهرات جيومورفية لعل أهمها ما يلي:

1- دارة الجليد  : وهي أهم الظاهرات الجيومورفية, التي تتميز بها المناطق الجبلية المرتفعة التي لها من إرتفاعها ما يجعلها تتأثر بعمليات النحت الجليدي, ودرات الجليد هي تلك الأحواض التي تشبه إلى حد كبير حلبات الملاعب ومدرجاتها إذ إنها تكاد تحاط بحوائط أو جوانب رأسية (على أنه لا يشترط أن تحيط مثل هذه الجوانب الرأسية بهذه الأحواض من كل جهاتها) وتوجد مثل هذه الحلبات في الأجزاء العليا من الأودية الجليدية, وقد تتألف منها رؤوس هذه الأودية في معظم الأحوال. وليس أدل على أن الحلبات من أهم الظاهرات الجيومورفية الناجمة عن عمليات النحت بفعل الجليد, من أن هذه الظاهرة تكاد تخلو منها منطقة جبلية مرتفعة تتأثر بالجليد, ويظهر هذا في الألافاظ التي تطلق عليها في اللغات المختلفة, إذ تعرف الحلبات بالألمانية بال , وباللغة الولشية (لغة سكان ويلز) بال , وفي إسكتلنده بال , وفي إقليم كمبرلاند بإنجلترة بال , كما تعرف في شبه جزيرة إسكندناوه بال أو الكييدل .

وتتميز "الحلبات" التي تتخلف عن ذوبان الجليد بأنها تـألف من ثلاثلة أجزاء: المنطقة الحوضية,ونطاق المرتفعات التي يحيط بها, وعتبة أو أو مدخل . أما المنطقة الحوضية فتبدو على شكل فجوة مقعرة الشكل تمتد على طول سفح جبلي, وتحيط بها من ثلاثة جوانب حوائط مرتفعة يتراوح إرتفاعها بين 2000, 3000 قدم, ومن أهم خصائص هذه الحوائط المرتفعة أنها شديدة الإنحدار, وتنتهي أرض الحلبة في معظم الأحوال على شكل "عتبة" مرتفعة نوعاً ما ولكنها أقل إرتفاعاً من الحوائط التي تحيط بها, ولهذا كثيراً ما تحتل قيعان الحبلات بعض البحيرات الصغيرة التي تسمى ببحيرات الحبلات (وتعرف في إسكتلنده بال ) ولا يمنع إنحدار المايه منها طول السفح الجبلي الذي تكونت فيه فجوة الحلبة, إلا وجود "العتبة" المرتفعة عند نهايتها.

وقد تقدم عدد كبير من الجيومورفولوجيين بنظريات عديدة لتفسير الطريقة التي تكونت بها الحبلات, ولعل أكثر هذه النظريات قبولاً تلك التي تفسر نشأة هذه الأحواض بأنها كانت في مبدأ الأمر قبل أن يملأها الجليد عبارة عن فجوات صغيرة حفرتها المسيلاتا المائية المنحدرة على سفوح المرتفعات, ثم وسعت هذه الفجوات توسيعاً مطرداً بعد ذلك. وعندما يتراكم الثلج في إحدى هذه الفجوات, فلابد أن يؤدي هذا إلى تفكيك صخور هوامشها, وذلك لتعاقب ظاهرة التجمد والذوبان. وفي الفترات التي يتعرض فيها الثلج المتراكم للذوبان, تعمل المياه الناجمة عن ذوبانه علىإزالة المفتتات الصخرية التي تتساقط عند الهوامش وبذا تتسع مساحة الفجوة وتتحول إلى حوض واسع يزداد إتساعاً بفعل عملية التجوية الميكانيكية وبفعل المياه الناتجة عن ذوبان الجليد, هذا بالإضافة إلى إشتداد تراكم الثلج في وسط المنطقة الحوضية - وذلك لأن إنحدار جميع جوانبها صوب الوسط - يؤدي إلى إشتداد عملية النحت الجليدي في الوسط وضعفها عند المخرد فتتكون العتبة.

2- القمم والحافات المسننة  : إذا إستمرت الحبلات المتجاورة تزداد إتساعاً وعمقاً , فلابد أن يؤدي هذا إلى تكوين قمم جبلية حادة مدببة. فإذا أتسعت حلبتان تقعان على كلا جانبي سلسلة جبلية, تكونت في هذه الحالة حافة فقرية حادة تفصل الدارتين عن بعضهما البعض. وبإطراد عملية توسيع هاتين الدارتين, لا تبقى بينهما إلا بعض القمم الحادة الممزقة التي لا تلبث هي الأخرى أن تنهدم, ثم ينشأ غيرها نتيجة تعمق الحلبات وتوسعها وتقابلها مع بعضها البعض على طول جوانب الكتل الجبلية. ولذا تتميز القمم الجبلية التي توجد ف يمناطق تتأثر بعمليات النحت الجليدي, بانا في معظم الأحوال عبارة عن قمم حادة مسننة تختلف تماماً عن المرتفعات المستديرة المصقولة التي توجد في الأقاليم الرطبة.

الأحواض الجليدية

ولا يقصد بهذه الأحواض حقول الثلج , بل هي عبارة عن الأحواض الطولية التي تظهر في معظم الحالات في الأجزاء العليا من الأودية الجليدية,وتبدأ الأحواض الجليدية عند أعتاب الحلبات, التي تنحدر إنحداراً فجائياً شديداً صوب قيعانها.

4- الأودية المعلقة  : وهي عبارة عن روافد نهر جليدي كبير, تحتل أودية جانبية, ولم يتمكن الجليد الذي يملؤها من تعميق هذه الأودية إلى مستوى قاع الوادي الجليدي الرئيسي, فتبقى معلقة, أو مرتفعة عن أرض الوادي الرئيسي.وكثيراً ما تعتبر هذه الأودية دليلاً حاسماً على أن المنطقة التي توجد بها قد تأثرت بفعل الجليد, ولكننا نرى أن ظاهرة الأودية المعلقة قد تتسم بها الأنهار في بعض الأحوال, وخصوصاً إذا كان جريان الماء في روافده متقطعاً وغير منتظم أو إذا كانت كمية المياه التي تحملها هذه الروافد كمية قليلة مما يؤدي إلى عدم إستطاعتها أن تعمق أوديتها إلى مستوى وادى النهر الرئيسي.

5- الفيوردات  : يكاد يتفق عدد كبير من المتخصصين في الدراسات الجليدية, على أن الفيرودات ما هي إلا أودية جليدية إستطاع الجليد أن يعمقها كثيراً إلى ما دون سطح البحر. ولكننا نرى نقرأ آخر من العلماء يرجحون أن هذه الأودية الجليدية قد تكونت في بادئ الأمر فوق سطح البحر ثم تعرضت بعد ذلك لطغيان مياهه. ولكن المهم هو أن الرأي القديم القائل بأن الفيوردات قد تكونت بفعل عوامل تكتونية لم يعد يأخذ به أحد من العلماء, وآل إليه الأمر إلى الإختفاء والزوال تماماً. ولكننا قد نجد الفيوردات وقد تحكمت في إتجاهاتها خطوط إنكسارية, ولكن هذا لا يعني إطلاقاً أن مثل هذه الفيوردات قد نشأت كأغواراً ثم غمرتها مياه البحر,بل كل ما في الأمر أن خطوط الإنكسارات قد تحكمت بعض التحكم في إتجاهاتها. وعلى هذا يمكن القول بأن الفيوردات إنما تكونت في الواقع بفعل عمليات النحت الجليدي وحدها.

الصخور المحززة

وهي عبارة عن صخور ناتئة في قيعان الأودية, تمتاز بشكلها المحدب, ويرجع السبب في بقائها ناتئة في قاع النهر الجليدي, إلى أن الجليد أثناء نحته لقاعه نحتاً راسياً لم يستطع إزالتها, بل إندفع فوقها وإحتك بها. ولذا تتميز جوانب هذه الكتل التي تواجه الجليد الزاحف بسطحها المستدير, وبتحززها , أما جوانبها التي تواجه مصب النهر الجليدي أو نهايته, فتتميز بتجعدها وعدم إنصقالها - وخصوصاً إذا كانت هذه الجوانب كثيرة الشقوق والمفاصل - ويعزى هذا إلى أثر عملية الإلتقاط الي يقوم بها الجليد على هذا الجانب. ولذا تتميز جوانبها التي تواجه الجليد الزاحف أو التي تواجه الأجزاء العليا من الوادي الجليدي بمعنى آخر - بأنها أقل إنحداراً من جوانبها التي تواجه مصب النهر الجليدي أو نهايته.

الإرساب بفعل الجليد

تتميز الرواسب الجليدية على إختلاف أنواعها بعدم تجانسها وبغختفاء ظاهرة الطباقية منها, وهي بهذا تختلف إختلافاً جوهرياً عن بقية أنواع الرسوبيا الأخرى سواء كانت هذه التكوينات الرسوبية, نهرية أو بحيرية . . .إلخ. ولعل أهم أنواع الإرسابات الجليدية هي تلك الأكوام الهائلة من الجلاميد والحصى والطين التي تعرف بالركامات الجليدية . ويمكننا أن نفرق بين عدة أنواع من هذه الركامات.

أولاً: الركام النهائي  : وهو الذي يتكون عند نهاية النهر الجليدي بعد أن يتعرض للذوبان, مما يدل على أن عملية الإرساب قد حدثت عند نهاية النهر الجليدي.ومنذ بضع سنوات كانت تعرف الرواسب التي تتراكم عند نهايات الأنهار الجليدية بالركامات التراجعية على أساس أنها ترتبط بظاهرة تراجع النهر الجليدي وتقهقره عندما يتعرض جليده للذوبان, وعلى أساس أنه إذا وجدت خطوط من هذه الركامت عند نهاية النهر, ففي وجودها ما يدلنا على المراحل التي مر بها النهر الجليدي عند تقهقره. ولكننا يمكن أن نجزم الآن بأن كل هذه الركامات ليست ركامات تراجعية, فقد يدل بعضها على مراحل تقهقر الجليد, كما قد يدل بعضها الآخر على المراحل التي تقدم فيها, وخصوصاً أن تقهقر النره الجليدي لم يكن مطردأً بل يتميز بتذبذه, وببهض فترات كان يتقدم فيها الجليد أحيانأً. ولكننا مع هذا لا يمكننا التفرقة بين الركامات التراجعية والركامات التي تتكون بعد تقدم النهر الجليدي وتقهقره خلا عملية إنكماشه. وعلى هذا يحسن دائماً أن نطلق على الرواسب التي تراكم عند نهايات الأنهار التراجعية, إصطلاح الركامات النرهاشية, وهو إصطلاح أدق بكثير من إصطلاح الركامات التراجعية. ومما يجدر ذكره, أن ارلكامات النهائية لا يشترط أن تتكون عند نهايات كل الأنهار الجليدية المتقهقرة, بل يتوقف ترسبها على عدة عوامل نذكر منها: المدر اليت تمكثها جبهة الجليد الزاحف في وضع واحد لا تحيد عنه, وحمولة الأنهار الجليدية من الرواسب, وعلى طاقة الأنهار الجليدية على نحت المواد الصخرية بنفس السرعة التي تتراكم بها هذه المواد.

ثانياً: الركامات الجانبية  : وتتكون على كلا جانبي النهر الجليدي. وتتألف مواد هذه الرواسب من المفتتات الصخرية التي تسقط من حوائط الوادي وجوانبه, بواسطة عمليات التجوية (فعل الصقيع, أو تتابع التجمد والذوبان) وعمليات الإنهيار والتهدل الأرضي كالهيارات الجليدية, وإنزلاق الجليد . . .إلخ. ولا تظهر الركامات الجانبية على هيئة خطوط متصلة تمتد على طول كلا جانبي النهر, إذ قد تظهر في جانب واحد دون الآخر, ويرجع هذا إلى أن الأنهار التي إحتلت الأودية الجليدية بعد إنتهاء العصر الجليدي, كثيراً ما تعمل على تقطيع هذه الركامات أو إزالتها بواسطة عمليات النحت الجانبي, وقد تحصر بعض البحيرات الصغيرة بين الركام الجانبي وبين حائط الوادي.

ثالثاً: الركام الأوسط  : وهو الذي يتكون إذا ما إتحد ركامان جانبيان ف يمجرى واحد, أو عندما تتصل عدة أنهار جليدية وتنحدر كلها في مجرى واحد - كما يحدث في حالة الأنهار الجليدية التي توجد عند حضيض المرتفعات - إذ تظهر الركامات الوسطى في هذه الحالة على شكل عدة خطوط متوازية. ولكن يمكن القول بأن الركامات الوسطى تمثل في واقع الأمر إحدى الظاهرات الجيومورفية التي تميز الأنهار الجليدة, ولكنها تظل على سطح الأرض فترة محدودة بعد أن يذوب جليد هذه الأنهار إذ تشغل أوديتها مجار مائية.

رابعاً: الركام الأرضي  : ويتألف منتلك الرواسب الهائلة التي يتركها النهر الجليدي في قاعه بعد أن يذوب جليده, على أننا نرى في الحقيقة أن الركامات الأرضية تتكون بصفة خاصة في المناطق التي تغطي سطح الأرض فيها غطاءات جليدية صغيرة (كغطاءات اليوكول في إيسلنده أو الفييلد النرويجي) أما في حالة الأنهار الجليدية, فالمعروف أن لهذه الأنهار طاقة كبيرة على إلتقاط المواد الصخرية التي توجد في قيعانها ونحتها. ولهذا تتميز الركامات الجليدية الأرضية التي تتكون في الأودية الجليدية, بأنها تتألف من رواسب رقيقة قليلة السمك إذا ما قورنت بتلك التي تتكون ف يمناطق الغطاءات الجليدية.

الرواسب الجليدية النهرية

تساهم المايه التي تجري على شكل أنهار خلال الجليد أو تحت سطحه أو عند قاعه, مساهمة كبيرة في نحت المواد الصخرية وحملها وإرسابها. وتتميز الرواسب النهرية بتشابهها مع الرواسب الجليدية ولكنها تختلف عنها في أنها قد أعيد ترتيبها وتوزيعها فترسبت بشئ من التناسق, ويتوقف هذا التصنيف على طول المسافة التي حملتها فيها الأنهار قبل أن ترسبها. وتعرف مثل هذه مثل الرواسب بالرواسب الجليدية النهرية, ومنأمثلتها رواسب الإسكرز , والكام . . .إلخ.

رواسب الإسكرز  : وهي عبارة عن رواسب من الطفل والرمل والحصى تبدو على شكل حافات فقرية , وتتميز المواد التي تـألف منها بأ،ها موزعة توزيعأً منتظماً,وبأنها قد تظهر على شكل طبقات, كما أ، حبيبات الرمال والحصى ذات شكل مستدير أو بيضاوي مما يدل على أنها رواسب جليدية أعادت الأنهار التي كانت تجري تحت الجليد عملية توزيعها وترتيبها. ويكثر وجود مثل هذه الحافات الفقرية من الرواسب بالقرب من جوانب الوادي الجليدي, بحيث تظهر قريبة الشبه من الركامات الجانبية. على أن التفرقة بينها وبين الركامات الجليدية التي تتميز بعدم تجانس المواد التي تتألف منها وبإخفاء ظاهرة الطباقية منها أمر لا يصعب القيام به.

رواسب الكام  : وهي عبارة عن تلال صغيرة منخفضة تتألف من مواد أرسبتها المياه الجارية ولكنها لم تصنف أو يعد توزيعها بالردجة التي تمت بها إعادة توزيع رواسب الإسكرز, وقد أرسبت هذه المواد أول ما أرسبت فوق سطح الجليد في بعض الحفر الوعائية المستديرة التي تظهر فوق سطح الجليد أو في الشقوق أو في المناطق المنخفضة التي تفصل جليد النهر الجليدي الزاحف عن حوائط وادية - وهي التي تعرف بال - كما أنها قد تتكون على صورة رواسب مروحية أو مخروطية على طول جبهة النهر الجليدي عند نهايته.وقد ترسبت هذه الرواسب في هذه المواضع المتلفة, إما أنهار تتخلل الجليد أو أنهار تجري في قاع النهر الجليدي تحت جليده المتراكم.

رواسب الجلاميد الصلصالية  : وهي عبارة عن تلك الرواسب التي تتألف من صلصال ناعم يختلط بجلاميد صخرية توجد بصفة خاصة عند أطراف الغطاءات الجليدية, وهي التي يتعرض الجليد عندها للذوبان أكثر من غيرها من المواضع, مما يؤدي إلى إرساب المواد التي يحملها على شكل سلسلة من التلال.

وكثيراً ما يتساوى سمك هذه الرواسب مما يؤدي إلى تسوية سطح الأرض لأن الرواسب الجليدية التي تتراكم في المناطق المنخفضة أكثر سمكاً بكثير من الرواسب التي تتراكم في المناطق المرتفعة, أما إذا كان سطح الأرض يتميز أصلاً بإستوائه فلابد أن يؤدي تراكم الرواسب الجليدية فوقه إلىظهوره بصورة وعرة, وخصوصاً إذا كانت هذه الرواسب من الركامات الأرضية التي لا تتوزع في قاع النهر الجليدي بسمك واحد.

الكتلة الضالة  : وهي عبارة عن كتل صخرية ضخمة نقلها الجليد لمسافات طويلة ثم أرسبها في مناطق متفرقة بعيدة تماماً عن مصادرها الأصلية. وتتميز هذه الكتل بكثرة تخدش سطوحها مما يدل على أن الجليد قد أثر فيها, كما أن في أشكالها المستديرة ما يدل على أنها دفعت بفعل المايه التي عملت على إستدارتها, فهي إذن رواسب جليدية نهرية, وقد تبدو هذه الكتل المعلقة فوق نتوءات بارزة من الأرض, أو فوق بعض القمم الجبلية المدببة وتعرف في هذه الحالة بالكتل المعلقة , ولكنها تظهر في معظم الحوال في المناطق السهلية أو في قيعان الأودية اليت كان يملؤها الجليد في وقت من الأوقات. وقد كان "لوي أجاسيز " أول من أطلق على تلك الكتل الصخرية - إسم الصخور الضالة وذلك لأن مصادرها ومواطنها غير معروفة, وفي وجود هذه الكتل الضالة أو المعلقة, دليل ثمين, يرشد العلماء ويهديهم إلى تتبع إتجاهات حركة الجليد الزاحف ومعرفة أقصى إمتداد له.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الكثبان الجليدية

وهي عبارة عن تكوينات الجلاميد الصلصالية اليت تم ترسيبها على صورة تلال أو كثبان مستديرة الشكل, تتفاوت كثيراً في أحجامها, فقد تتراوح أطوالها ما بين بضعة أمتار وأكثر من 1500 متر, ويكثر وجود هذه التلال في الجزر البريطانية, في إيرلنده الشمالية, وفي السهول الوسطى الإسكتلندية, حيث تظهر ف يالمناطق الساحلية وتظهر بصفة خاصة بين خطوط الركامات النهائية المتوازية. ويبدو اللاندشافت الطبيعي في المناطق التي تظهر فيها على سطح الأرض مثل هذه التلال المستديرة على شكل أحواض طولية (الأراضي الوطيئة التي تنحصر بين الركامات النهائية) تنتشر عليها تلك التلال البيضاوية أو المستديرة.

ويرجح أن هذه التلال قد تكونت نتيجة تجمع الرواسب (الجلاميد الصلصالية) تحت الجليد فوق قاع الوادي الجليدي, وذلك في المناطق التي كان الجليد يحمل فيها قدراًِ كبيراًِ من الرواسب والمفتتات الصخرية, وهكذا تراكمت رواسب الجلاميد الصلصالية على هيئة تلال تحت الجليد. وتمتد محاور هذه التلال في معظم الأحيان في نفس إتجاه زحف الجليد وتقدمه. والفرق الرئيسي بين رواسب الكثبان الجليدية, والركامات الأرضية أن النوع الأول من الرواسب قد تكون تحت جليد زاحف متحرك, أما الركامات الأرضية فلم يتم ترسيبها إلا بعد ذوبان الجليد وإرسابه لمعظم حمولته من الرواسب.

والآن وقد وصلنا إلى هذا الحد يحسن بنا أن نشير إلى عدة حقائق هامة:

(الحقيقة الأولى): وهي أنه يجب أن نتذكر دائماً أن الأنهار التي كانت تتخلل الجليد الزاحف أو التي تنحدر على طول هوامشه لها طاقة كبيرة على النحت, ويظهر هذا من دراسة الغطاء الجليدي البلايستوسيني الذي كان يغطي شمال ووسط أوروبا في الزمن الجيولوجي الرابع, فقد كانت نهاية هذا الغطاء الجنوبية تمتد إمتداداً عرضياً من اشلرق إلى الغرب موازية لإمتداد المرتفعات الوسطى بالقارة الأوروبية (الألب والركبات إلخ), وعندما تعرضت هوامش الجليد للذوبان لم تستطع المياه الجارية أن تتحرك شمالأً أو جنوبأًِ بل إنحدرت غرباً على طول إمتداد النهاية الهامشية للغطاء الجليدي, وهذا يعني أن هذه المياه كانت تنصرف إلى بحرالشمال في الأوقات التي كانت تتجمد فيها مياهه. وقد أدى هذا إلى حفر منخفضات عرضية تمتد من الشرق إلى الغرب هي التي تعرف في ألمانيا (باودية الأنهار القديمة ), كما أن هذه الظاهرة شائعة الحدوث في بولندا حيث تعرف بمنخفضات البرادوليني . وهكذا تكونت سلسلة متتابعة من هذه الأحواض العرضية يرتبط طل حوض منها بفترة من فترات تراجع الجليد وتقهقره. وتتميز الأنهار الحالية التي تخترق السهل الأوروبي الشمالي - كنهر الأودر , والألب , والإيمز بأنها تتجه كلها من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي, ولكننا نلاحظ أن هذه الأنهار كثيراً ما تجري في بعض أجزاء من ال أو البرادوليني, وهذا يفسر لنا تلك الأكواع والإنحناءات التي تتميز بها في بعض اجزاء من مجاريها. وقد إستغلت أجزاء أحواض "الأورسترومالر" التي لم تخترقها مجار مائية, في شق شبكة القنوات الملاحية المعروفة بشبكة ال التي تسير معظم قنواتها من الشرق إلى الغرب.

(الحقيقة الثانية): تعمل المياه الناتجة عن ذوبان الجليد عند نهايته على إرساب غطاءات من الصلصال والرمال والحصى على سطح الأرض. وغني عن الذكر أن المواد الناعمة من هذه الرواسب - كالصلصال مثلأ - قد تسربت في المعتاد في البحيرات القديمة اليت كانت تتكون في كثير من الحالات عند نهاية الغطاء الجليدي, كما هي الحال في بحيرة أجاشيز القديمة في أمركيا الشمالية التي كانت عظيمة الإتساع فيما مضى بحيث كانت تشغل مساحة واسعة من السهول الوسطى الكندية, وتمثل بحيرات وينبج , و , وماونيتوبا , وأثاباسكا , وجريت بير, وجريت سليف . . بقايا هذه البحيرة القديمة التي تخلفت عن طمر مساحات كبيرة منها برواسب صلصالية سميكة هي التي تـتألف منها السهول الصلصالة الخصيبة المعروفة "بسهول العزق" ( ) في كندا الوسطى, أما في السهل الأوروبي العظيم فقد ترسبت المياه الناتجة عن ذوبان الجليد غطاءات سميكة من الرمال تظهر فوقها في بعض المواضع جزر حصوية. وقد يزيد سمك هذه الرواسب في بعض الحالات على 250 قدماًِ, وهي تغطي الركامات الأرضية القديمة. وقد قطعت "أودية الأنهار القديمة , والأودية النهرية الحالية كالألب والإيمز والفيزز , هذه الرواسب, إلى مسطحات مرتفعة تفصل بينها أودية الأنهار وسهولها الفيضية. وتعرف المسطحات الرملية منها بمسطحات الجيست التي تكسوها في ألمانيا المروج المعروفة بالهيث (وأكبر هذه المروج ) ولهذا فهي تمثل أجود مناطق الرعي في ألمانيا.

(الحقيقة الثاثة): تتضح لنا قدرة الجليد على النحت والحمل والإرساب من دراستنا للجليد الذي يتكون في المناطق الجبلية, أو الذي يغطي المناطق السهلية على صورة غطاءات جليدية سميكة, وسواء وجد الجليد في منطقة محلية محدودة, أو إنتشر فوق منطقة واسعة الأرجاء, فالآثار التي تنجم عن قدرته على القيام بالعمليات الجيومورفية الثلاث (النحت والحمل والإرساب) آثار هامة تتمثل في تغيير مجاري الأنهار, وفي تكوين البحيرات, والسهول الصلصالية الجليدة الخصيبة, والركامات الجليدية, والتلال الجليدية - . . . إلخ, على أننا نرى في الواقع, أن أوضح الآثار الجيومروفية التي تخلفت عن فعل الجليد هي تلك التي تكونت أثناء عصر الجليد البلايستوسيني في الزمن الجيولوجي الأربع, وذلك لأن الجليد في ذلك العصر غطى مساحات واسعة من سطح الأرض وأثر في سطحها تأثيراً كبيراً, ويضاف إلى هذا أن تكون الغطاءات الجليدية فوق مناطق واسعة من نصف الكرة الشمالي قد أدى إلى إضطراب العلاقة بين مستوى اليابس والماء. ففي الفترات التي كان يتقدم فيها الجليد كان يتميز مستوى سطح مياه البحار والمحيطات بإنخفاضه, وذلك لتحول جزء كبير من المياه التي تنصرف إليها, إلى جليد يكسو سطح الآرض. أما في الفترات ما بين الجليدية التي كانت تذوب فيها الغطاءات الجليدية وتقهقر فكان سطح البحر يتعرض للإرتفاع. وقد أدى تراكم الغطاءات الجليدية كذلك, إلى الإخلال بحالة التوازن الأرضي فلاشك إذن في أن السواحل البحيرية القديمة ترتبط إرتباطاً وثيقاًِ بتراكم الغطاءات الجليدية أو ذوبانها, كما أن تذبذب مستوى سطح مياه البحار والمحيطات يرتبط إرتباطاً وثيقاً بظاهرة المدرجات النهرية. ومن الظاهرات الأخرى التي ترتبط أوثق إرتباطأً بظاهرة إرتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات ثم هبوطه ظاهرة تكون الحلقات والجزر المرجانية .

انظر أيضا