العلاقات العربية الاوروبية .. من منظور نقدي (بالعربية)

مركز البحوث العربية والإفريقية بالتعاون مع مؤسسة روزا لوكسمبورج الألمانية




العلاقات العربية الأوروبية من منظور نقدى





منسق الندوة: ممدوح حبشي

تحرير: إلهامـى الميــرغنى


تقرير عن ندوة "العلاقات العربية الأوربية من منظور نقدي" القاهرة 23 -25 فبراير 2007



إدراكا من مركز البحوث العربية والأفريقية (القاهرة) ومؤسسة روزا لوكسمبورج (ألمانيا) لأهمية العلاقات العربية الأوربية بالنسبة إلى العلاقات الدولية عامة، وخاصة في الظرف الحالي الذي تتكاثف فيه المتغيرات الدولية الحديثة للعولمة النيوليبرالية، وكذلك ضرورة التناول النقدي لمسار وطبيعة هذه العلاقات، فقد تعاون الطرفان في عقد ندوة تحت هذا العنوان بالقاهرة في الفترة من 23 إلى 25 فبراير 2007 ، ضمت مشاركين من أوربا (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بريطانيا، السويد وتركيا) والبلدان العربية (الإمارات، تونس، الجزائر، السودان، سوريا، فلسطين، لبنان، ليبيا، مصر، المغرب) بين برلمانيين وأكاديميين ومثقفين ونشطاء سياسيين واجتماعيين (مرفق قائمة بأسماء المشاركين في الندوة)، وحيث دارت الندوة تحت ستة محاور رئيسية : أولا : أوربا والبلدان العربية، ثانيا : العالم العربي والعولمة، ثالثا :العامل العسكري ومثلث أوربا والولايات المتحدة والعالم العربي، رابعا : الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خامسا : التنمية وعلاقات الاتحاد الأوربي مع العالم العربي، سادسا : دور ومسئولية اليسار. وقد اتسمت الحوارات المعمقة بدرجة عالية من المكاشفة، انطلاقا من الشعور القوي بوحدة التحديات الماثلة أمام شعوب الإقليمين في ظل عسكرة العولمة والأحادية القطبية وتفاقم التبعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخطيرة للعولمة النيوليبرالية، ومن ثم فإن تبادل التحليلات والآراء وإزالة كافة مظاهر سوء الفهم، يمثل شرطا أساسيا لبناء توافق عالمي عريض في مواجهة العدوان الإمبريالي والاستغلال وتفاقم الضغائن الثقافية وغيرها من النتائج الكارثية التي جلبتها هذه العولمة على كافة الشعوب. ينقسم التقرير الحالي إلى جزأين، يتضمن الجزء الأول الاستخلاصات العامة للنقاش، وقد أعده مصطفى مجدي الجمال، الباحث بمركز البحوث العربية والأفريقية، ومقرر الندوة. ويتضمن الجزء الثاني الذي أعده الدكتور سمير أمين بعض المعالم الرئيسية التي برزت في الحوار والتي يمكن للتركيز عليها في جولات مقبلة من التفاعل أن يزيده عمقا وخصوبة.













الجـــــــــــــزء الأول

تقرير باستخلاصات الحوار الذي جرى في إطار ندوة العلاقات العربية الأوربية من منظور نقدي


مصطفى مجدي الجمال

ملاحظات عامة على النقاش: 1- الإيجابية العامة لحرص كل المشاركين على المساهمة في النقاش حيث قدمت في ورشة العمل ثلاث وعشرون مداخلة رئيسية، فضلا عن المناقشات الضافية لكافة المحاور. 2- الصراحة الكاملة التي اتسم بها الحوار، مما وفر جوا صحيا للفهم المتبادل، خاصة مع الشغف الواضح من جانب المتحاورين الأوربيين بالتعرف على المواقف العربية، حيث تتكثف صراعات كبرى للعولمة الآن على الأرض العربية، فضلا عن الحضور الضعيف للفكر السياسي اليساري العربي في بلاده، ناهيك عن حضوره خارجها. 3- جمع النقاش بين ما هو نظري وتاريخي وسياسي وبين ما هو عملي وتنظيمي. 4- سمح جدول الأعمال بتناول مختلف الجوانب الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتنظيمية، وكان لا بد أن يأتي جدول الأعمال هكذا باعتباره مفتتحا لحوار لم يشهد مبادرات مماثلة من قبل بين المثقفين والنشطاء التقدميين في الإقليمين. 5- عكست وجهات النظر تنوع الآراء في الجانبين، ووجدت كل فكرة مؤيدين لها فى كل جانب. 6- بالتمعن فى المناقشات تتضح إمكانية حقيقية لبناء توجه عام في كل قضية يمكن أن يوحد نضالات اليسارين الأوربي والعربي، وفي إطار النضال المشترك لكافة القوى التقدمية في العالم. 7- أجمع المتحاورون على ضرورة تطوير الحوار، بالبناء على ما تم إنجازه في جولته الأولى، مع أهمية ابتكار أساليب وقنوات جديدة للتفاعل لا تتخذ بالضرورة شكل الندوات، وبما يضمن توسيع دائرة المتحاورين.

المحور الأول: أوربا والبلدان العربية

  - نحن أمام هجوم عاتٍ للرأسمالية والاستعمار، مع التأكيد على اضطلاع الولايات المتحدة الأمريكية بالدور القيادي والمهيمن في مجمل المنظومة الرأسمالية.

- وأيضاً نحن إزاء مقاومة متصاعدة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وفي كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلا أن هذه المقاومة لم تزل مجزأة جغرافيا، وعلى مستوى القضايا أيضاً، فضلا عن طابع الدفاع السلبي الذي تتسم به حتى الآن. - مضت العولمة النيوليبرالية شوطًا بعيدًا في العسكرة، تدمير البيئة، استغلال الطبقات العاملة، قهر الشعوب، إثارة العداوات والأحقاد الثقافية والعرقية، بما يمهد الطريق لدكتاتورية عالمية، وربما فاشية من نوع جديد، تتهدد البشرية بأكملها. - يعد تحقيق التمفصل articulation بين النضالات هو الرهان والتحدى الأكبر لنجاح المقاومة. - إن الهيمنة الأمريكية على العولمة الحالية، وبالأخص هيمنة أكثر الدوائر رجعية من المحافظين الجدد ذوي المطامح الإمبراطورية... تمثل أخطر تحديات العولمة حالياً، والذي يجب أن تنصب عليه المهام النضالية المباشرة لليسار العالمي. يواجه اليسار الأوربي تحديات جسيمة:

  • مثل التوجه النيوليبرالي الحاكم لبناء الاتحاد الأوربى حالياً.
  • الهجوم الشرس على الرعاية الاجتماعية والخدمات العامة.
  • تداعيات العسكرة ونتائج الحروب التي تورط أمريكا العالم فيها، وأوربا خاصة. فضلا عن تمدد حلف الناتو في شرق ووسط أوربا، وحتى أصبحنا أمام حقيقة وجود أكثر من أوربا وليست أوربا واحدة.
  • الضعف النسبي الواضح لمكانة أوربا إزاء الولايات المتحدة، وبدرجة لا تتناسب أبدا مع حقائق التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والثقافة.
  • المخاطر الأمنية القادمة من جنوب شرقي المتوسط ووسط آسيا.
  • مشاكل الاندماج الاجتماعي والتعددية الثقافية مع الحفاظ على تراث التسامح والتنوير والديمقراطية. ومما يسترعي الانتباه بشكل خاص تصاعد النزعات المعادية للأجانب، وبالذات حمى الإسلاموفوبيا التي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على السلم الدولي والتفاهم بين الشعوب، ثم امتدت لتصيب بسهامها جماعات كبيرة من المسلمين في أوربا.

ويواجه اليسار العربى:

  • العدوان العسكري الوحشي المتواصل من جانب أمريكا وحلفائها، وإنكار الحقوق التاريخية للشعوب، ومحاولة الولايات المتحدة الانطلاق من عمليتها العدوانية الإجرامية في العراق لتوسيع مدى التدخلات والحروب الاستباقية وسياسة "فرق تسد!" التى تهدد بانقسامات عمودية مدمرة على أساس عرقى أو دينى...
  • العولمة النيوليبرالية التي تنتهك الاستقلال والسيادة الوطنية، وتفرض برامج التكيف الهيكلي ذات النتائج الاجتماعية الكارثية على الطبقات الشعبية والوسطى من إفقار وبطالة وحرمان من الخدمات الأساسية، فضلا عن تدمير الزراعة وتفكيك قاعدة الصناعة الوطنية...
  • دكتاتورية نظم الحكم الفردية والعائلية والقبلية والعسكرية التي تلقى دعم الإمبريالية العالمية طالما انضمت إلى تنفيذ وتيسير مخططاتها...
  • فشل المشروعات اليسارية والقومية الشعبوية الذي أفسح الطريق أمام تنامى التيارات الدينية السياسية، والتى تتغذى أيضاً على تفشي أيديولوجية "صدام الحضارات"، وكذلك الطابع الخاص بالدولة "العبرية"، والنفوذ العارم لليمين الديني على السياسة الأمريكية، وخاصة في ما تسمى "الحرب العالمية على الإرهاب".

وعلى مستوى القوى الذاتية :

  • يعانى اليساران العربي والأوربي من استمرار انخفاض الروح المعنوية بعد الانهيار الدرامي للمنظومة "الاشتراكية" السوفيتية، ورغم حقيقة الأثر السلبي الكبير لهذا الانهيار فقد كانت هناك بالتأكيد عوامل أخرى ذاتية أسهمت في تعظيم هذا الأثر على قوى اليسار في العالم، سواء تعلقت هذه العوامل بالخطاب أم التوجه أم البرامج أم البنية التظيمية الداخلية..
  • ولا تزال الانقسامات التنظيمية، وبعضها غير موضوعي، عاملاً قوياً وراء ضعف الأداء النضالى، وهو ما يصعب أيضا من تحقيق تلاحم مباشر مع الجماهير الشعبية.
  • كما لا نزال جميعاً فى دائرة الدفاع ورد الفعل، ولم ننتقل بعد إلى مرحلة "الدفاع النشط" كمرحلة انتقالية نحو استعادة زمام المبادأة.
  • ولم ننجح بعد فى خلق قنوات التواصل الكفيلة بصياغة جدول أعمال موحد على صعيد عالمى. ذلك رغم أن كوارث العولمة النيوليبرالية تطال كل الطبقات العاملة، بل وتهدد كل البشر على سطح الكوكب.

وهذه الأجندة يجب أن تتناول : - كيفية لجم التوسع الإمبراطورى imperial الأمريكى. - حماية المصالح والحقوق والمكتسبات الاجتماعية للطبقات العاملة. - حماية ودعم قواعد الإنتاج الوطني، والحفاظ على البيئة. - تطوير وحماية الديمقراطية السياسية والاجتماعية والدولية. - تفعيل التسامح بين الثقافات. - إرساء حقوق الإنسان الأساسية.


وتظل هناك أخطار حالّة ومباشرة، تتطلب اليقظة والتصدي: - الإمكانية الكبيرة لوقوع المزيد من الحروب، في إيران ولبنان وفلسطين... - تفكيك العراق ودخول المنطقة فى حالة من الفوضى "الهدامة" بفعل الصراعات الطائفية والعرقية والقومية. وهي الفوضى التي يعتبرها المحافظون الجدد في واشنطن مقدمة ضرورية لولادة مشروع "الشرق الأوسط الجديد". - خطر انهيار بعض المجتمعات الكبرى فى المنطقة تحت وطأة الإفقار والبطالة والتهميش لغالبية الطبقات الشعبية. وينطوي هذا على خطرين آخرين، هما الإنذار بعودة الدكتاتوريات العسكرية السافرة، وحرف النضال الاجتماعي والوطني عن مساراتهما الطبيعية لتسود الاضطرابات الطائفية وما أشبه.

وفي ما يتعلق بالحركة العالمية لمقاومة العولمة: - فعليها مسئولية كبرى لتوحيد النضالات الشعبية على صعيد عالمي، مع إضفاء الطابع الراديكالي عليها، وإخراجها من حالة الدفاع السلبي والجزئي. - ضرورة تطوير حركة المنتديات الاجتماعية العالمية، بما يعيد إليها زخمها وبريقها ويجعلها أكثر راديكالية، ومتبلورة بالدرجة الأولى على المستويات الوطنية والإقليمية، والتأكيد على خاصية التعددية والتنوع، مع ضرورة التوصل إلى توافق سياسي حول نقاط عامة رئيسية. - إحياء روح التضامن النضالي، مع ضرورة أن تبدأ كل النضالات على مستوى قاعدي grassroots وجماهيرى، وبعيداً عن الطابع "النخبوي" elitist أو الإدعاء "بالطليعية" vanguardis.

المحور الثانى: العالم العربي والعولمة - تتجسد كل تطبيقات العولمة النيوليبرالية بشراسة في العالم العربى، بل يكاد أن يكون نقطة الانطلاق والاختبار الأولى لمشروعاتها. - لم تتورع هذه العولمة عن الاستفادة من آليات الشمولية ونظم الحكم البوليسية لتمرير "الإصلاح الاقتصادى" والخصخصة والتحرير المالي.. الخ. - أصبحت الهيمنة الاقتصادية للرأسمالية العالمية في المنطقة العربية مطلوبة في حد ذاتها لتأمين مستقبل المراكز الرأسمالية الكبرى، وأيضاًَ لمواجهة الاقتصادات البازغة. - إن الحروب القائمة والمتوقعة فوق الأرض العربية، كلها ذات صلة باستنزاف واحتكار الموارد الطبيعية فيه. - أما المشروعات الإقليمية التي تطرحها المراكز الإمبريالية للتنفيذ فى المنطقة، فتحاول إدماج بلدانها في العولمة بشروط مجحفة، وتعمق التبعية، وتعيد توزيع مناطق النفوذ، وجميعها يقوم على مبادىء النيوليبرالية... وهي أيضاً: تلتف على الإطار الإقليمي العربى سواء باسم "الشرق أوسطية" أم "البحر متوسطية"، وتعمل على إدماج إسرائيل في المنطقة حتى قبل أن تنسحب من الأراضي المحتلة، أو تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه في أرضه، أو تتخلى عن طابعها الاستيطاني التوسعي، أو سلاحها النووي... - تستحوذ الرأسمالية العالمية بالفعل على القطاعات الأهم في الاقتصادات العربية، ولكنها تريد المزيد وبخاصة في مجالي الطاقة والمال. - النخب القبلية والبيروقراطية والعسكرية الحاكمة، والتي حولت الدولة إلى أداة للتراكم الرأسمالى الأولي، تتخذ طابعاً كومبرادورياً واضحاً، وأصبحت جزءًا عضويًا من العولمة المالية ومضارباتها. - تعاني المجتمعات العربية من هجوم كاسح على خدمات الصحة والتعليم والسكن والحق فى العمل، فضلاً عن تفشي الفساد واللامساواة. - التنميط الثقافي الذى تحاول الدوائر اليمينية الأمريكية فرضه، يتسبب فى تفاقم صراعات الهوية، ويساعد في انتشار النزعات الثقافوية المنغلقة على الذات. - تتعرض سيادة القرار الوطنى فى السياسة والاقتصاد للخطر جراء تدخلات المؤسسات الدولية (مجلس الأمن - البنك والصندوق الدوليان- منظمة التجارة...)، وهى مؤسسات خاضعة بالكامل تقريباً للنفوذين الأمريكي والأوربي. - تلعب الاحتكارات الكبرى لوسائل الإعلام الجماهيرى العالمية، دورًا مؤثراً في نشر ثقافة العولمة النيوليبرالية، وتشويه النضالات المقاومة لها، وإخفاء – وربما تزيين- الجرائم الإمبريالية وإذكاء الأحقاد بين الأعراق والأديان. - تعتبرالديمقراطية شرطا أساسيا لنجاح نضالات مقاومة العولمة، ولبناء نظم وطنية قادرة على تعبئة الموارد المجتمعية لتحقيق تنمية كفؤة وعادلة، وقادرة على تعميق اللحمة الوطنية والتكامل العربى....

المحور الثالث: العامل العسكري ومثلث الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والعالم العربي - كانت الحرب لصيقة دائماً بالرأسمالية كأداة للتوسع والتراكم على صعيد عالمي، وكوسيلة لإعادة تقسيم مناطق النفوذ بين المراكز الإمبريالية. لكنها أصبحت أيضا وسيلة الولايات المتحدة – بالذات - لتعظيم دورها القيادى، حيث تتدهور قوتها الاقتصادية نسبياً. كما تلعب أيديولوجية المحافظين الجدد دوراً مهماً في إشعال الحروب والصراعات. - إن حكومات أوربا تنزلق بدرجات متفاوتة في دعم المجهود العسكري العدواني الأمريكي، كجزء من حماية المنظومة الرأسمالية العالمية ككل، وأيضًا للحفاظ على ما تتصوره الدول الأوربية كمواقع نفوذ تاريخية لها. - كما يجب أن يناضل اليسار الأوربي بشكل واضح ضد الاستراتيجية العسكرية الجديدة، وبالأحرى عسكرة الاتحاد الأوربى، خاصة أن هذه الاستراتيجية تعتمد ذات المفاهيم الأمريكية في ما يتعلق بالمنظور الخاص لطبيعة التهديدات وما تسمى "الحرب على الإرهاب". - إننا مواجهون بخطر حقيقي جراء اختراع أو اختلاق التهديدات من جانب الدوائر الحاكمة في واشنطن، بهدف ابتزاز أوربا والعالم أجمع، فضلاً عن تمرير الحروب تحت مسمى "دمقرطة" المجتمعات في الجنوب، وهو ما لم ينتج حتى الآن سوى المزيد من الحروب الأهلية ونظم الحكم الفاشلة. - إن الأسلوب الحربى الأمريكى /الأوربى/ الإسرائيلى المطبق حديثًا، أصبح يعتمد على الوحشية المفرطة، وإبادة أعداد هائلة من المدنيين، وتدمير البنى التحتية، في ما يمكن أن يطلق عليه "إرهاب الدولة" بامتياز. - وأيضًا يسارع كثير من الحكومات العربية إلى التواطؤ العلني أو السري مع الحروب الإمبريالية في المنطقة، على أمل أن يساعدها هذا في شراء المزيد من زمن بقائها في السلطة، مهما كانت طبيعتها القمعية وفسادها. - بالمثل فإن صفقات السلاح الضخمة في المنطقة تلعب دوراً مهماً في إعادة تدوير العوائد النفطية لصالح رأسمالية المركزين الأمريكى والأوربى، فضلاً عن الفساد الفاضح الذي يكتنف هذه الصفقات والذي يعتبر بمثابة المكافآت التي تحتجزها النخب الحاكمة لنفسها. - هناك حاجة ملحة إلى تصعيد نضال اليسار الأوربى مع كل قوى السلام ضد تمدد حلف الناتو شرقاً وجنوباً، بل وضد وجوده من الأصل. - كما أن الاعتداءات والتدخلات الإمبريالية قد تسببت في إثارة وتبرير أشكال "غير نظامية" في مواجهتها قد تتداخل مع ممارسة الإرهاب ضد المدنيين، وإن لم يكن القانون الدولي قد توصل بعد إلى تعريف محدد "للإرهاب". - إن الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة فى كافة أنحاء العالم ضد الحرب لم تنجح – للأسف- حتى الآن فى إيقاف عجلة الحرب، وقد آن الأوان لبلورة مشروع عربي- أوربي يتضمن رؤية قوى السلام في الجانبين لكيفية بناء سلام عادل ومستقر.

المحور الرابع: الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي - ثمة رأى قوي بأن الصراع المعني أوسع من ذلك، وأنه صراع عربي- إسرائيلي في الأساس، حتى لو كانت بعض الدول العربية قد عقدت معاهدات سلام مع إسرائيل.. ذلك لأن إسرائيل ما زالت تحتل أراضي في سوريا ولبنان، ولأنها لعبت – تاريخياً- دوراً إقليمياً لصالح الإمبريالية العالمية ضد مشروعات التحرر الوطني العربية، كما تحتل حماية إسرائيل (على ما هي عليه) من أي مساءلة دولية عن ممارساتها، تحتل أولوية متقدمة في الاستراتيجية الأمريكية الرسمية في المنطقة. - إن الممارسات العدوانية الإسرائيلية قد وصلت إلى أعلى مستوياتها مع الهجمة الأمريكية على المنطقة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، فأصبحت إسرائيل تمارس ذات الأسلوب العسكري الأمريكي في العدوان والتدمير والاغتيالات، فضلاً عن الاستمرار في توسيع المستوطنات والحصار والاعتقالات والجدار العازل وفرض الكانتونات على الشعب الفلسطيني... الخ. وكان ما اقترفته إسرائيل فى لبنان جريمة حرب كاملة الأركان عجزت كل المؤسسات الدولية عن أن تفعل شيئاً لتوقفه، بسب التواطؤ الأمريكي - الأوربي والذي شاركت فيه أيضاً نظم عربية حاكمة. - إن القانون الدولى في امتحان حقيقي الآن كي يوقف الممارسات العدوانية الإسرائيلية، في ظل الهيمنة الأمريكية على مجلس الأمن الدولى، وعلى ما تسمى "الرباعية الدولية". - أما الحصار المفروض على الشعب الفلسطينى بسبب خياره الديمقراطي فى انتخابات نزيهة، فهو يكشف زيف ادعاءات الدمقرطة والإصلاح من ناحية، كما يكشف من ناحية أخرى النزعة اللاإنسانية والمريضة نحو عقاب الشعوب وتأديبها. - ولعل مما ساعد فى تفاقم الأوضاع : تلك الصراعات الداخلية في السياسة الفلسطينية، إلى حد عدم التوافق على برنامج نضالي وطني مشترك، وعدم إدارة الخلافات الداخلية بعيداً عن أجواء العنف والفساد، ورضوخ البعض للمطالب والضغوط الإمبريالية والاستقطابات الإقليمية. - لا تبدو فى الأفق أية إمكانية حقيقية لإحياء ما تسمى "العملية السياسية" بسبب الشروط التعجيزية التى تطرح على الفلسطينيين بالتخلي عن الأرض وعن حق العودة مع إعفاء إسرائيل من أي ضغط. - وأصبح من الملح الآن المطالبة بإعادة القضية الفلسطينية بأكملها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كي تتحمل مسئوليتها بعيدا عن هيمنة القوى الإمبريالية وسياسة المعايير المزدوجة. كما أصبح من واجب الاتحاد الأوربي ألا يقنع بدور من يمنح المساعدات ويمنعها عن السلطة الفلسطينية، وأن يتقدم بمبادرات تتناسب مع حجمه الدولي وألا يترك الزمام الحقيقي لما تسمى "العملية السلمية" في أيدي الإدارة الأمريكية.

المحور الخامس: التنمية وعلاقات الاتحاد الأوربي مع العالم العربي - نتج عن اتفاقات "الشراكة" وضع اقتصادات البلدان العربية تحت وصاية وهيمنة خارجية، وبالتحديد الرأسمالية الأوربية. وكل هذه الاتفاقات تقوم على النموذج النيوليبرالي، ومن ثم لا فرق كبيراً بينها وبين التوجه الأمريكى. - إن المعونات التى تقدم للبلدان العربية لا تعد سوى جزء يسير من تعويضات واجبة عن سنوات طويلة من الاستعمار واستنزاف مواردها واستغلال طبقاتها العاملة. - ونحن مواجهون بازدواجية حقيقية في المعايير الأوربية في ما يتعلق بالدعم وتحرير الأسواق. حيث يطلب فتح الأسواق العربية بالكامل أمام المنتجات والخدمات ورؤوس الأموال الأوربية، في وقت تقفل الأسواق الأوربية أمام الصادرات الزراعية وأيدي العمل العربية. - تنطوي برامج الشراكة على مفهوم التحالف بين رجال الأعمال والحكومات وما يسمى "المجتمع المدني". وحيث اختزل المجتمع المدني فى المنظمات الأهلية العاملة في المجالين الحقوقي والتنموي المحلي، مما يعنى استبعاد أي مشاركة شعبية حقيقية. - إن مسئولية التنمية فى البلدان العربية تقع في الأساس عليها هي. ومن واجب القوى الوطنية والديمقراطية فيها أن تبلور رؤية تقدمية متكاملة لأهداف التنمية ووسائلها.



المحور السادس: دور ومسئولية اليسار - إن التفاهم والتعاون بين اليسارين العربي والأوربي مطلب بالغ الأهمية لتطوير تعاون ديمقراطي بين الإقليمين العربي والأوربي. - على اليسار الأوربي أن يقدم رؤى فكرية وبرنامجية متكاملة إزاء قضايا مثل الحرب وعدم انجراف أوربا وراء المغامرات الأمريكية وحلف الأطلنطي، قضايا الهوية والتعددية الثقافية والهجرة والإسلاموفوبيا، والربط بين الديمقراطية الاجتماعية والسياسية. - كما هو مطالب بتقديم مواقف أكثر وضوحاً من الصراع العربي - الإسرائيلى، وأوضاع البلدان النامية عموما، وخاصة في مايتعلق بإلغاء الديون المجحفة، وإتاحة الحق في المعرفة ونقل التكنولوجيا. - أما اليسار العربي فيواجه وضعاً شديد التعقيد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، يتطلب منه إعادة النظر الشاملة في مجمل رؤيته وأجندته النضالية. ومما يزيد الأمر صعوبة: حالة الترهل التنظيمي التي أصابته. على أن المنطلق الحقيقى هنا يجب أن يتمثل في النقد الجريء للذات. - وفي مقدمة القضايا التى يجب على اليسار العربي الاعتناء بها: كيفية تحقيق اندماج أكبر مع الحركات الاجتماعية، فضلا عن بذل جهود ذات مغزى من أجل توطين indigenizationالفكر الاشتراكي في مجتمعاته، وإبداع الصيغ التنظيمية الكفيلة بتحقيق الديمقراطية الداخلية والفعالية الجماهيرية. - كما يتوجب على اليسار العربي اتخاذ موقف مرن ومبدئي من تيارات الإسلام السياسي يراعي التباينات بينها، ويضع في المقدمة أولويات التصدي للهجمة الإمبريالية ذات الطابع العسكري الوحشي، ويأخذ في الحسبان القواعد الجماهيرية الواسعة المتأثرة بالخطابات الثقافية لهذه التيارات. ومن ثم ضرورة جذبه إلى المجرى الرئيسي للنضال من أجل الاستقلال وبناء الدولة المدنية وإرساء الديمقراطية السياسية والاجتماعية. ففي الوقت الذي يعاني اليسار العربي من ضعف الحضور على الساحة الشعبية، تواجه المجتمعات العربية صعود التيارات الدينية التي يتخذ بعضها ما يعرف بنمط "الإسلام السياسي". وقد طرحت في الندوة آراء حول ضرورة النظر إلى الإسلام السياسي كنوع من تطور التعبير عن الثقافة الدينية الشعبية السائدة، والتي تستغل النظم الحاكمة نفسها بعض أوجهها، كما تتجه بها أطراف أخرى نحو التطرف والإرهاب، خاصة في ظل عدم الاعتراف الرسمي بها. بينما طرحت آراء مقابلة تتخوف من أن يتحول "الإسلام السياسي" إلى أداة في يد الهيمنة الرأسمالية وتغلغل العولمة الإمبريالية نفسها بفعل تشابه التوجه الاقتصادي، فضلا عن العلاقات التاريخية لأطراف من الرجعية الدينية بالقوى الاستعمارية، الأمر الذي يتطلب فرزا صحيحا لهذه التيارات الدينية، وتحديد الموقف منها وفق مدى تمايز مواقفها عن سياسات وممارسات الإمبريالية والعولمة النيوليبرالية، وكذلك مدى استعدادها للانخراط في المقاومة. وعموما كان هناك إجماع على التزام جانب الحذر إزاء محاولات البعض لوضع اليسار في خيار "مستحيل" وغير منطقي بين الاستبداد السلطوي والتيارات الإسلامية ككل، فهي مقايضة غير مبدئية تأتي ترجمة لخيار تعسفي آخر على الساحة العالمية اليوم بين الإمبريالية و"الإرهاب الإسلامي" ! ومن المؤكد أن باستطاعة اليسار، ومن واجبه، بلورة خيار ثالث. - إن اليسارين العربي والأوربي مطالبان بصياغة تحالفات ديمقراطية فعالة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، شريطة قيام هذه التحالفات على أسس الندية وجذرية التوجه والطابع الشعبي للنضال.







الجزء الثاني معالم رئيسية في الحوار وأجندة مقترحة لتطويره

د.سمير أمين

تتجلي أهمية الحوار الذي جرى بالقاهرة مؤخرا بين مثقفين ونشطاء تقدميين من أوربا والعالم العربي في أنه يتم في ظرف خاص استدعى مناقشة مختلف أبعاد العلاقات العربية الأوربية في إطار نقدي من الظاهرة الرئيسية التي تحكم العالم اليوم، ألا وهي ظاهرة العولمة النيوليبرالية. ومن أهم سمات هذه العولمة : طابعها الرأسمالي الإمبريالي، حيث أصبح من المستحيل الفصل بين هذين الوجهين لهذه العولمة، فالتوسع الرأسمالي يتطلب تعميق الطابع الإمبريالي واكتسابه لصفات وحشية بالمعنى الحرفي للكلمة. ومن أبرز خصوصيات المرحلة الراهنة من العولمة النيوليبرالية تلك النقلة الكيفية التي حدثت من نظام إمبريالي قائم على تعدد الأقطاب مع حدة التناقضات بينها (وصلت إلى حد الحروب) إلى تبلور تكتل إمبريالي ثلاثي (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوربي، اليابان) له أدواته الجماعية، الاقتصادية منها مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والسياسية مثل مجموعة السبعة وحلف شمال الأطلنطي. ومن الواجب التساؤل في هذه اللحظة التاريخية المحددة عما إذا كان من الممكن أن تبرز تناقضات بين أقطاب هذا التكتل يمكن أن تؤدي فرضا إلى الإنذار "بتفجير" التكتل ككل ؟ ومن أين يمكن أن تأتي تناقضات كهذه ؟ من تصادم المصالح الاقتصادية أم تناقض الثقافات السياسية أم من الاثنين معا أم ماذا ؟ وهناك تساؤل آخر مهم بشأن انقسام بلدان "الجنوب" إلى دول ومجتمعات لديها "مشروع" (وطني- رأسمالي..) وأخرى لا تملك مثل هذا المشروع... فهل يمكن أن نعول كثيرا على أن تصبح البلدان ذات "المشروع" فاعلة في تشكيل وإعادة تشكيل المنظومة العالمية ؟ وبالنسبة للمجموعة الثانية من البلدان : ماهي الآفاق المتاحة أمام المشروعات الإقليمية الجديدة التي يرعاها الاستعمار في تلك المناطق (مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير...) ؟ وقبل الحديث عن دور اليسار العالمي في مواجهة العولمة النيوليبرالية، أصبح من الضروري أولا تحديد مفهوم "اليسار" ذاته في مجموع القوى التي تجمع بين العملية المستمرة لدمقرطة المجتمع وبين التقدم الاجتماعي، ومن ثم رفض "وصفة" الديمقراطية المطروحة على المجتمعات العربية من خارجها، وذلك انطلاقا من أن إنجاز دمقرطة حقيقية في المجتمع يأتي دوما كنتيجة للصراعات الاجتماعية من أجل التقدم ومصالح الطبقات الشعبية. وفي ما يتعلق بالتحدي الرئيسي الذي يواجهنا الآن فهو الانتقال من حالة "مقاومة" العولمة النيوليبرالية إلى تبني مواقف "هجومية" تتيح تبلور بديل إيجابي. ومن المهم التأكيد على خطوات أولى أنجزت في هذا الاتجاه في أمريكا اللاتينية، إلا أننا نلحظ عدم حدوث تقدم مماثل في أوربا أو الوطن العربي. وعلينا البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا، خاصة في ضوء ما يترتب عليه من نتائج في مجال العلاقات العربية الأوربية. ولعل البداية في هذا المسعى تنطلق من ضرورة نقد المشروع الأوربي القائم منذ البداية على تكريس المبادئ الرأسمالية والأطلسية. أما في الوطن العربي فإن انهيار المشروع الوطني الشعبوي (الذي حاول إنجاز تقدم اجتماعي بدون ديمقراطية، ومن ثم هشاشة منجزه) قد ترك فراغا واسعا تزامن مع انهيار المعسكر "الاشتراكي" السابق، مما أفسح المجال أمام انتشار الاتجاهات الثقافوية المحلية، وفي مقدمتها الإسلام السياسي. وكان من نتائج هذا تسويد رؤية إمبريالية (أمريكية – أوربية) للقضية الفلسطينية أثمرت مشروعات مثل مشروع "أوسلو" الذي فتح المجال أمام المزيد من الاستيطان والقمع الإسرائيليين، دون إنجاز أي سلام حقيقي. وفي ما يتعلق بالعلاقات مع الوطن العربي كانت مشروعات الشراكة المزعومة القائمة على مباديء النيوليبرالية والمتسمة بعدم التكافؤ بين الجانبين. وأصبحت الأطراف العربية الرسمية مطالبة بضرورة "التكيف" التام مع المصالح الاستعمارية. ونتيجة للطابع الكمبرادوري الواضح للنظم العربية تبلور تحالف ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل والنظم العربية، وهو التحالف الذي تجلت بعض معالمه في التعامل مع ملفات لبنان والعراق وفلسطين... وفي الحقيقة أن الدور الأوربي في المنطقة يتم تهميشه ليصبح ملحقا فعليا بالتحركات الأمريكية، وإن كان من أهم العوامل التي تصعّب من قيام أوربا بدور مستقل : حقيقة اصطفاف النظم العربية بكاملها وراء واشنطن. وحتى يتسني لليسار الأوربي أن يلعب دورا مؤثرا مرة أخرى على كل الأصعدة فعليه أولا أن يتصدى بالنقد الجذري لفلسفة وممارسات مشروع الاتحاد الأوربي. وفي ما يتصل بالعلاقات العربية الأوربية أصبح هذا اليسار مطالبا بمساندة المقاومات العربية الشعبية في فلسطين ولبنان والعراق (مثل اتخاذ مبادرة في البرلمان الأوربي من أجل الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الموحدة) وعدم الوقوف عند مجرد إدانة المعتدي. أما اليسار العربي فمن المهام العاجلة المطروحة عليه الآن ضرورة التوصل إلى موقف سليم من حركات ما يسمى "الإسلام السياسي"، على أن يأتي هذا الموقف نتيجة لحوار ديمقراطي وموضوعي بين مختلف أطراف اليسار. علما بأن مختلف جماعات الإسلام السياسي هي بالأساس تنظيمات سياسية تستخدم الدين بشكل انتهازي من أجل الوصول للسلطة، وأنها في المجمل من أدوات الطبقة الرأسمالية التابعة حيث لا يوجد تناقض جوهري بينها وبين الأجندة النيوليبرالية للعولمة الرأسمالية، كما يجب النظر إلى المواجهات المسلحة أو السياسية بين تلك التيارات والسلطات الحاكمة في البلدان العربية من منظور التنافس والصراع بين قطاعات مختلفة في الطبقة السائدة، أما الاختلافات بين تيارات الإسلام السياسي فهي تأتي في إطار توزيع ضمني للأدوار. وعموما فإن هناك مجموعة من المبادئ يمكن أن تصبح منطلقات سليمة للحوار في هذا الصدد، في مقدمتها ضرورة التعامل مع كل حالة من حالات الإسلام السياسي على حدة، والحذر من إطلاق التعميمات الضارة غير المستندة إلى التحليل الجدلي الملموس، وأن يكون المعيار الأساسي في تقييم هذه التيارات هو موقفها العملي من الإمبريالية ومقاومة مخططاتها (فلا يمكن مثلا وضع المؤسسات الدينية الرسمية مع جماعة الإخوان المسلمين مع حركة حماس مع حزب الله ...في سلة واحدة دون التمييز بينها)، وأخيرا ضرورة العمل على تعميق الفرز الاجتماعي داخل هذه التيارات ومعرفة كيفية الاستفادة من تناقضاتها. ... هذه جميعا أسئلة حيوية ومصيرية تتطلب المزيد من الحوار المعمق بين سائر قوى اليسار في أوربا والوطن العربي. فهل نكون عند مستوى هذه المسئولية ؟













قائمة المشاركين فى حلقة نقاش "العلاقات العربية الأوروبية" (من منظور نقدى) 23-25 فبراير 2007


1- المشاركون الأوربيون

1. Wolfgang Gehrcke Member of German Parliament - German 2. Prof. Dr. Norman Paech Member of German Parliament - German 3. Tobias Pflueger Member of European Parliament – (German) 4. Dr. Arne C. Seifert Former Ambassador - (German) 5. Dr. Ingrid El Masry Universität Marburg - (German) 6. Prof. Dr. Michael Brie Rosa-Luxemburg Foundation – (German) 7. Dr. Erhard Crome Rosa-Luxemburg Foundation- (German) 8. Dr. Fritz Balke Rosa-Luxemburg Foundation – (German) 9. Gisela Kremberg Rosa-Luxemburg Foundation – (German) 10. Dr. Peter Gowan Professor of International Relations 11. Domenico Rizzuti researcher - (Italy) 12.. Bernard Cassen Directer – Le monde Diplo - (France) 13. Eric Rouleau Former Ambassador - (France) 14. Per Wirtén Chefredakteur oft he Magazine „Arena“- (Sweden) 15. Prof. Dr. Fulya Atacan Department of Political Science, Yildiz Technical University - (Turkey)















2- المشاركون من البلدان العربية الاسم الجنسية الوظيفة 1. سلامة جورج سلامة كيلة الأردن كاتب 2. عبد الخالق عبد الله عبد الرحمن الإمارات العربية المتحدة أستاذ جامعي- جامعة الإمارات العربية المتحدة 3. أحمد بن مسعود إبراهيم تونس أستاذ جامعى - جامعة تونس 4. أحمد عمر المزوغي - الشهير (العزعوزى) تونس باحث 5. خالد الوحيشى تونس باحث- الجامعة العربية 6. صادق هجرس الجزائر عضو اللجنة التوجيهية لفضاء ماركس- باريس 7. إبراهيم السورى السودان باحث - الجامعة العربية 8. حيدر إبراهيم على محمد السودان أستاذ- مدير مركز الدراسات السودانية 9. نبيل أحمد مرزوق سوريا باحث اقتصادي 10. جمال سعيد مرشد أبو عوض– الشهير بـ (خالد عطا) فلسطين باحث – مركز الملف 11. صالح محمد عبد الأحد – الشهير بـ (فهد سليمان) فلسطين كاتب- مركز الملف 12. ماهر مصباح الشريف فلسطين باحث فى المعهد الفرنسى للشرق الأدنى بدمشق 13. عبد القادر ياسين فلسطين كاتب 14. سعد الله مزرعانى لبنان الحزب الشيوعي اللبناني 15. ليلى غانم لبنان رئيسة تحرير الإكولوجيست العربى ( البدائل) 16. إبراهيم كشبور ليبيا مدير آنياميد ، أنباء المتوسط وعضو مؤسسة بونتو روسّو 17. عبد الله ساعف المغرب أستاذ علوم سياسية – جامعة محمد الخامس- كلية الحقوق 18. كمال عبد اللطيف المغرب أستاذ فلسفة-جامعة محمد الخامس














3- المشاركون من مصر


19. 1 إبراهيم العيسوى أستاذ اقتصاد- مستشار معهد التخطيط القومى 20. إبراهيم سعد الدين أستاذ اقتصاد سياسى 21. إلهامى الميرغنى باحث 22. أمينة رشيد أستاذة الأدب الفرنسى والمقارن 23. حسام عيسى أستاذ بكلية الحقوق 24. حلمى شعراوى مدير مركز البحوث العربية والأفريقية 25. سمير أمين رئيس مجلس إدارة مركز البحوث العربية والأفريقية 26. شريف حتاته كاتب 27. شهيدة الباز باحثة- استشارية- بحوث التنمية 28. صلاح عدلى مدير مركز آفاق اشتراكية 29. عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب 30. عبد العال الباقورى كاتب وصحفى 31. عبد الغفار شكر نائب رئيس مجلس إدارة مركز البحوث العربية والإفريقية 32. عواطف عبد الرحمن أستاذة بكلية الإعلام 33. فوزى منصور أستاذ اقتصاد سياسى 34. محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية 35. محمود عبد الفضيل أستاذ اقتصاد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 36. مصطفى مجدى الجمال باحث- مركز البحوث العربية والإفريقية 37. ممدوح فوزى حبشى مهندس – وعضو مجلس إدارة مركز البحوث العربية والإفريقية




اســـم الكتاب: منسق الندوة: ممدوح حبشى تحرير: إلهامى الميرغنى إعداد فنى: ناهد عفيفى مـركز البحـوث العـربية والإفريقية- 5 شارع حسن برادة متفرع من

    شارع قرة بن شريك– أمام مستشفى رمد الجيزة
 القاهرة - ت/ف: 7744644- 5714785

البريد الإلكتروني: info@aarcegypt.org الموقع على الإنترنت: Website: aarcegypt.org الغلاف: الناشر: مكتبة مدبولى الطبعة الأولى: رقم الإيداع: الترقيم الدولي:






المحتـــــــويـــــات

مقـدمـة الباب الأول تقرير عن ورشة عمل حول العلاقات العربية- الأوربية القاهرة 28-30 أبريل 2001: ............................................. ورقة عمل حلقة نقاش "العلاقات العربية- الأوربية" (من منظور نقدي) القاهرة 23-25 فبراير 2007: .............................................

الباب الثانى

من أجل رؤية جديدة للتعاون رؤية يسارية أوروبية: .................

الدفاع عن الإنسانية يتطلب راديكالية النضالات الشعبية: .......

عن العولمة وأوربا والعرب.. اليوم: ........................................

المنطقة العربية تتعولَم أم تُعولَم أم تُهمَش ؟: ..........................

الاستقرار المشترك بناء علاقة جديدة بين أوربا وجيرانها فى شمال أفريقيا والشرقين الأدنى والأوسط: ..............................................................


أوروبا والمتوسط مشكلة اليسار الأوروبي: ............................

دبلوماسيون من أجل السلام مع العالم الإسلامى: ...............

الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى الفرص والتحديات أمام مؤتمر سلام الشرق الأوسط ودور القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة: ...............................


حول الموقف من الإسلام السياسى: .....................................


دور ومسئولية اليسار فى أوروبا والبلدان العربية: ......................

دور اليسار: ......................................................

اليسار العربي واليسار الأوروبي إشكالات ومآزق: ................................

الأطلنطية الجزائر في مواجهة الفخ: .....................


الباب الثالث مناقشات

أوربا والبلدان العربية في عالم اليوم "العالم العربي والعولمة": ............

العامل العسكري ومثلث الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والعالم العربي: .......

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فرص وتحديات مؤتمر السلام في الشرق الأوسط: ......................................................

التنمية وسياسة وعلاقات الاتحاد الأوروبي مع جنوب البحر المتوسط: ...

دور ومسئولية اليسار: ..................................

مائدة مستديرة

تقرير عن ندوة "العلاقات العربية الأوربية من منظور نقدي" القاهرة 23 -25 فبراير 2007


مقـــــــــــدمـــــة

  • * * * *


منذ مدة ونحن نفكر في موضوع الحوار بين اليسار الأوروبي واليسار العربي. ولقد سبق وأن عقد مركز البحوث العربية والأفريقية حلقة نقاش عربية حول العلاقات العربية الأوروبية وكانت موضع جدل طول الوقت وأصدرنا في هذا الصدد كتابا مهما في هذا الصدد حرره الأستاذ مصطفي مجدي الجمال وقد نشر بالعربية والإنجليزية والفرنسية، كنص لـ د. سمير وعلي الكنز . وقد تحمس الزملاء في مؤسسة " روزا لوكسمبورج" لإتمام هذا العمل. واستطعنا أخيرا أن نتفق على أن نتحاور بهذه الطريقة وهذه الصراحة والإمكانيات. تعتبر ندوة الحوار بين اليسارين العربي والأوربي متميزة علي المستوي الثقافي والفكري وأنشطة المنظمات الأهلية والمدنية والمنظمات السياسية، لأنها استطاعت أن تجمع عناصر وشخصيات مسئولة من أنحاء أوروبا، من بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا وهولندا، مجموعة من الأصدقاء تتوفر فيهم الكفاءة والمسئولية والمعرفة بالموضوع الذي سيناقشونه وبالحماس له وبجوانبه الإيجابية والسلبية علي الدوام، فهذا مكسب نسجناه لأنفسنا جميعا. وعلي الجانب العربي أيضا تكاد تكون هذه من المرات القليلة التي نستطيع فيها جمع الأصدقاء من أقصي المغرب لأقصي المشرق بهذا القدر، من المغرب وتونس والسودان والخليج وفلسطين ولبنان وسوريا. ولم نستطع تدبير حضور أحد من العراق لأن ظروف الترتيبات لم تسمح وكان لابد أن نسمع أحدا من داخل المعركة نفسها مع الإمبريالية المتصاعدة القائمة على أرض العراق، ولكن قد يشفينا وجود الأصدقاء من فلسطين لأنها نفس الكارثة، والأصدقاء من السودان لأنهم في قلب كارثة أخري. حاولت الندوة النظر للعلاقات العربية الأوروبية والبحث عن البديل ، وما هي شروط البديل سواء في التغييرات اللازمة في أوروبا أو في الوطن العربي أيضا، فلا يمكن بدون هذا أن ننظر للأوضاع أو في العلاقات بين الطرفين أو في العلاقات بين طرف من الطرفين أو أطراف أخري. وعلي سبيل المثال العلاقات بين أوروبا وأمريكا وهي تلعب دورا محوريا لفهم العلاقات الأوروبية- العربية في هذا الإطار، وقد اعتبرنا أن العولمة هي عولمة رأسمالية في مرحلة معينة من تطور النظام الرأسمالي. والجانب الاستعماري يصاحب بالضرورة التوسع الرأسمالي منذ حوالي 4 أو 5 قرون، لأن هذه العولمة شكلت أوروبا الحديثة فرأينا أنه من الضروري فهم ما هي التحديات التي تواجهها الشعوب الأوروبية نتيجة هذه العولمة وما هي خيارات القوي السياسية والاجتماعية والأيدلوجية المختلفة في داخل أوروبا، وذلك كي نفهم، سواء كانت العلاقات الأوروبية العربية كما هي أو البديل لها، كذلك نظرنا ورأينا أنه من المفيد أن ننظر للعلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة علي أنها جزء لا يتجزأ من إشكالية العلاقات الأوروبية مع الجنوب بشكل عام، وأيضا بهذا القطاع من الجنوب والذي هو الوطن العربي.

رأينا أنه من المفيد أن ننظر لوضع الشعوب العربية في إطار هذه المنظومة العالمية. أن الجنوب في خلال الثلاثين أو الأربعين عاما الماضية قد انقسم لجزأين بشكل عام. دول ومجتمعات لها مشروع ومهما كان هذا المشروع فهو يعني بأن ترتفع إلي مستوي الفاعل وتساهم في قولبة المنظومة العالمية ولا تكتفي بالتكيف لها، ومناطق أخري ليس لها مشروع وهي تكتفي بالتكيف لما يبدو مفروضا عليها، ونحن في الوطن العربي ننتمي لهذه المجموعة الثانية في المرحلة الراهنة.

إن نتيجة هذا التهميش في المنظومة العالمية هو الذي أعطي لمشكلة فلسطين دورها المركزي في المنطقة في خطة التوسع الرأسمالي الاستعماري في المرحلة الراهنة، وحاولنا عند كل مرحلة من مراحل النقاش أن نرى ما هو البديل وما هي شروطه. وتم التوصل إلي استنتاج بديهي وهو أن البديل يتطلب تغييرا في موازين القوي الاجتماعية، وبالتالي السياسية والأيدلوجية في داخل المجتمعات الأوروبية وفي داخل المجتمعات العربية قبل النظر لنوع آخر من العلاقات بين الدول الأوروبية والعربية. لقد عرض أمام الندوة العديد من المداخلات لمثقفين أوروبيين وعرب. وقد نجحت هذه المداخلات الرئيسية في تفجير مناقشة حيوية وبناءة من خلال مساهمات أكثر من خمسة وعشرين مشاركا، وكان النقاش حول ستة محاور رئيسية، المحور الأول كان عن أوروبا والبلدان العربية في عالم اليوم، المحور الثاني كان عن العالم العربي والعولمة، والمحور الثالث كان عن العامل العسكري ومثلث العلاقات للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والعالم العربي، المحور الرابع عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، المحور الخامس عن موقع التنمية من سياسة وعلاقات الاتحاد الأوروبي مع العالم العربي، أما المحور الأخير فكان عن دور ومسئولية اليسار. لذلك رغبنا في تعميم نتائج الندوة والأوراق التي قدمت إليها والمناقشات البناءة التي شهدتها لكي يمكن البناء عليها ، ولكي يتاح لمن لم تتح له فرصة المشاركة معرفة ما تم واللحاق بالمناقشة. لقد انتهت الندوة لضرورة بناء آليات متنوعة لاستكمال الحوار منها موقع إليكتروني بعدة لغات ، ومنها ورش عمل مصغرة وتركيز علي موضوعات محددة لكي نستطيع تطوير الحوار. وتم تقسيم الكتاب إلى أربعة أبواب:

الباب الأول: ويتضمن تقرير الندوة السابقة وورقة عمل الندوة الحالية.

الباب الثاني: ويتضمن الأوراق التي قدمت للندوة.

الباب الثالث: ويتضمن ملخصا وافيا للمناقشات التي جرت بالندوة.

الباب الرابع: ويتضمن التقارير الصادرة عن الندوة وملحقا بأسماء المشاركين. وأخيرا لقد حققت هذه الندوة هدفها في تحقيق التفاهم بين اليسارين الأوروبي والعربي. وجدول الأعمال ملئ بالقضايا التي تحتاج منا لمزيد من الجهد المشترك لاستكمال ما بدأناه معاً . فاليسار الأوروبي واليسار العربي مطالبان بوضع رؤية للمستقبل وتجاوز مشروع الليبرالية المتوحشة باتجاه بناء اشتراكية من نوع جديد تولد أجنتها الآن في مختلف أنحاء العالم ، وبالحوار والتواصل المستمر نصنع مستقبلنا المشترك. ممدوح حبشي





















البــــــــاب الأول























(1)

تقرير عن ورشة عمل حول العلاقات العربية- الأوربية القاهرة 28-30 أبريل 2001


إعداد: مصطفى مجدى الجمال مركز البحوث العربية- القاهرة

عقدت ورشة عمل حول العلاقات العربية الأوربية بالقاهرة (مصر) فى المدة من 28 إلى 30 أبريل 2001 وقد اشترك فى تنظيم ورشة العمل: منتدى العالم الثالث Third World Forum والمنتدى العالمى للبدائل Forum Mondial des Alternatives ومركز البحوث العربية Arab Research Center (القاهرة). وترجع أهمية ورشة العمل هذه إلى التغيرات الكبرى التى لحقت بالعلاقات الدولية وحالة إعادة تشكيل "النظام الدولى" فى ظل تجاذبات شديدة بين قوى متعارضة ومتناقضة. أحدها يحاول إعلاء تصور لبديل واحد هو الليبرالية الجديدة Neo-Liberalism، وإن كان هو نفسه لا يخلو من تناقضات عارمة بين المراكز الرأسمالية. بينما هناك تصورات بديلة متعددة– تتفاوت درجات تبلورها ومقوماتها– تحاول أن تقدم وتبنى مشروعات أخرى للعولمة والأقلمة Regionalisation. وتأتى من هنا أهمية مناقشة العلاقات العربية- الأوربية: تاريخها، هياكلها، أنماطها، أهدافها، مشكلاتها، وكيفية تطويرها وتصحيح مسارها. والهدف من هذه المناقشة– لا ريب– هو بناء علاقات مثمرة، مفيدة للجانبين، على أساس متساوٍ، ووضع هذه العلاقات فى إطار النضال من أجل بناء نظام عالمى مستدام وديمقراطى ومتعدد الأقطاب. كما تنبع أهمية ورشة العمل من تنوع المشاركين فيها من مفكرين وأكاديميين يمثلون بلدانا عربية ورؤى فكرية مختلفة (مرفق قائمة بالمشاركين). وقد اقتصرت أعمال الورشة فى اليومين الأول والثانى على المشاركين الذين أجروا حوارًا معمقًا فيما بينهم حول العلاقات العربية- الأوربية، بينما خصص اليوم الثالث لجلسة عامة موسعة عرضت فيها استخلاصات الورشة على عدد كبير من المثقفين المصريين. تضمن جدول أعمال ورشة العمل مناقشة الموضوعات التالية:- 1-العولمة والأقلمة- اتجاهات عامة. 2-العلاقات العربية الأوربية– فرص وتحديات. 3-المشروع الأورومتوسطى– نظرة مكثفة. وقد أعدت ثلاث أوراق لورشة العمل. أعد الورقة الأولى البروفيسور سمير أمين بعنوان "الأقلمة، الأورومتوسطية والبديل". والورقة الثانية كانت بعنوان "المشروع الأورومتوسطى بين الواقع والخيال". من إعداد البروفيسور على الكنز. واستخلص البروفيسور حلمى شعراوى من الورقتين السابقتين ورقة موجزة ضمنها تساؤلات وقضايا للنقاش.

الأقلمة، الأورومتوسطية والبديل أوضح البرفيسور أمين أن الأقلمة مصطلح غامض ولا تتضح قوانينه إلا إذا وضعت فى إطار استراتيجيات البلدان المعنية بها، أى من خلال التحديات والأهداف المشتركة التى تصبو إليها هذه البلدان. وقد أصبحت الأقلمة إحدى الإجابات الفعالة بالنسبة لمعظم دول العالم الثالث المعاصر لمواجهة الاستقطاب الناتج عن العولمة الرأسمالية الآخذة فى التعمق والتعاظم والانتشار. ورغم أن المؤسسات الرأسمالية العالمية (مالية، تجارية، سياسية وعسكرية..) دأبت فى الماضى على معارضة السياسات والتجمعات الاقليمية بوصفها تهديدًا لمصالح الانتشار السريع وغير المقيد للعولمة، إلا أن هذه المؤسسات أخذت فى الآونة الأخيرة تتخلى بحذر عن تلك الدوجماتية الليبرالية، وتبلور استراتيجية جديدة للأقلمة تعتمد على مفاهيم وممارسات معدلة للأقلمة مثل الجغرافيا الاقتصادية فى مواجهة الجغرافيا السياسية، ومثل الإقليمية الجديدة المفتوحة.. الخ. بما يكفل تحول الأقلمة إلى أداة لوصل حلقات العولمة الليبرالية. لقد أدى الانتشار العالمى للرأسمالية إلى تعاظم متزايد فى الفوارق بين مراكز قوية وغنية، وأطراف يسودها البؤس والهشاشة. واتخذ هذا الاستقطاب أشكالاً تاريخية متعاقبة ترتبط بالمنطق المهيمن لتراكمات رأس المال فى كل مرحلة. إن النموذج الكلاسيكى للاستقطاب، والذى والذى تعمم ابتداء من الثورة الصناعية وخلال القرن التاسع عشر، يرتكز على الفوارق الموجودة بين البلدان المصنعة (الثالوث الحالى) والبلدان والمناطق غير المصنعة (أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا دون اليابان). وقد حاولت الثورات الاشتراكية فى البلدان المتأخرة (روسيا والصين) وحركات التحرر الوطنى مواجهة هذا الاستقطاب باستراتيجيات مبنية على التصنيع بهدف اللحاق بالمراكز الرأسمالية المتقدمة، وعلى نموذج الدولة – القومية State-Nation. ومـن المعـــروف جيدًا أن معظم التنظيمات العالم ثالثية فى فترة باندونج (1955-1975) لم تستهدف إقامة تجمعات اندماجية اقتصادية إقليمية، وإنما مقاومة الضغوط الغربية على المستوى السياسى، وحماية المصالح الاقتصادية المشتركة ضد سطوة رؤوس الأموال. وقد فشلت هذه الاستراتيجية لأسباب تاريخية عديدة، لتكشف عن أوهام "اللحاق فى إطار التبادل اللامتكافىء"، خاصة بعد فشل بلدان العالم الثالث فى مشروعها من أجل إقامة نظام اقتصادى عالمى جديد. لقد تزامن تقدم التراكم الرأسمالى فى المركز مع التفكك الجزئى والتدريجى للنظم الانتاجية الوطنية، وبالتالى كان المرور عشوائيًا من اقتصاد دولى إلى اقتصاد قابل للعولمة. ومع انهيار الاشتراكية القائمة وتراجع حركات التحرر الوطنى جرى الدخول والاندماج بالعولمة بصورة متسارعة. ونظرًا لتزايد قبضة المراكز (الثالوث) على الاحتكارات الخمسة الجديدة (التكنولوجيا الحديثة– قرار الحصول على الموارد الطبيعية– السيطرة على المؤسسات المالية العالمية– الإعلام على صعيد عالمى– وأسلحة التدمير الشامل) فقد اتخذ قانون القيمة المعولم شكلاً ومضمونًا جديدين، مما يعيد إنتاج الاستقطاب ويعمقه. ومن المستحيل اليوم على مجتمعات الأطراف مواجهة تحديات القوى الاحتكارية الجديدة دون تبلور استراتيجيات وطنية وهياكل إقليمية قادرة على تطوير التكنولوجيات وتحدى قواعد الحماية المزعومة للملكية الثقافية والصناعية، وأن تضع وسائل وإمكانيات الموارد الطبيعية للإقليم فى خدمة تنميتها الذاتية، وإقامة نظام نقدى إقليمى يتصدى للعولمة المالية التى يسيرها رأس المال السائد، وإقامة نظم اتصالات إقليمية لحماية الثقافات الوطنية والوقوف ضد التلاعب السياسى بأجهزة الإعلام المعولمة، وأخيرًا إقامة نظم للأمن الإقليمى كفيلة بحل المشكلات البيئية والحيلولة دون التدخل الأجنبى من خارج الإقليم. ومن خلال مبادىء الأقلمة المذكورة سابقًا يمكن المضى فى مرحلة تاريخية ممتدة من التفاوض الجنوبى الجماعى مع الغرب وصولاً إلى عولمة ديمقراطية متعددة المراكز. ومن المفهوم أن النظام العالمى متعدد المراكز لن يكون "نهاية التاريخ"، وإنما مرحلة من مراحل التطور التدريجى للقيم الاجتماعية نحو بناء مجتمع عالمى أساسه التضامن الإنسانى بدلاً من أنانية الأفراد أو الجماعات أو الأمم. وفى هذه المرحلة يجب التركيز على مبادىء ثلاثة طالما استهين بها خلال القرن العشرين: (1)النظر إلى الديمقراطية كعملية متعددة الجوانب وتساعد فى توعية الضمير الإنسانى بضرورة محاربة الاستلاب الاقتصادى، ومن ثم الانتقال تدريجيًا من مشروعات تتطلع للتحرر فى إطار الرأسمالية إلى نظرة التحرر من الرأسمالية نفسها؛ (2)النظرة العالمية الإنسانية التى تضع فى الصدارة حقوق الإنسان والجماعات (بدلاً من وضع القانون والحقوق فى خدمة رأس المال)، بما يساهم فى خلق دولية للشعوب فى مواجهة دولية رأس المال؛ (3)النظر إلى سياسات الأقلمة كوسيلة فعالة – كما أسلفنا – للحد من الآثار الاستقطابية لرأس المال. وفى إطار تلك المبادىء يمكن تناول "مشروع" تعاون من نوع جديد تشترك فيه قوى من أوربا وأفريقيا والعالم. ومن المتصور أن يستهدف هذا المشروع (أ) سد الفجوات بين مختلف أطراف المشروع؛ (ب) ضمان قدر كافٍ من الاستقلال للبلدان والأقاليم يأخذ فى الاعتبار الفوارق الموجودة بينها ويقدم إجابات فعالة للمشكلات الاجتماعية فى كل منها؛ (ج) وضمان الانفتاح المدروس بين أطراف المشروع وبينها وبقية مناطق العالم. ويؤكد البروفيسور أمين أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تحولات عميقة فى بنى الأنظمة القائمة؛ وبالتحديد: هيمنة العمل فى أوربا بدلاً من هيمنة رأس المال، وتجسيد تحالف اجتماعى شعبى فى بلدان الاتحاد السوفيتى السابق وأوربا الشرقية، وإقامة تحالفات وطنية وشعبية فى أفريقيا والعالم العربى. وبدون تحقق هذه الشروط تظل المشروعات الأورو- أفريقية والأورو- عربية غطاء لمشروعات إمبريالية جديدة ترمى إلى فرض سيطرة أوربا الغربية على جنوبها الأفريقى والعربى وشرق أوربا، وعلى نحو يشبه علاقة الولايات المتحدة ببلدان أمريكا اللاتينية. ومما يدفع فى هذا الاتجاه حرص الدول الأوربية الغربية على عدم التعامل مع العرب والأفارقة كمجموعات إقليمية، وإنما التعامل مع الحكومات المنفردة. ناهيك عن أن أوربا الغربية نفسها ليس لديها نظرة سياسية موحدة. ورغم ما قد يلوح من "عدم واقعية" قيام مشروع أقلمة أوربى– عربى– أفريقى، فإن العبء الأكبر فى ظل موازين القوى الراهنة يقع على عاتق المثقفين الديمقراطيين الذين يجب أن يمتلكوا الجرأة على النقد واقتراح المبادرات، الاندماج فى الحركات الاجتماعية الفاعلة حتى يتسنى فرض منطق التغيير. ومن ثم تتحول "اليوتوبيا" إلى "يوتوبيا واقعية" لا تتجاهل منطق القوة السائدة، وإن كانت تسعى للتمرد عليه من خلال حشد وتفعيل كل طاقات التغيير الممكنة.

المشروع الأورو- متوسطى بين الواقع والخيال ينطلق البروفيسورعلى الكنز فى ورقته من فكرة "التحول الكبير" الذى بدأ من عدة قرون ولم ينته بعد لإخضاع جميع أشكال الحياة الاجتماعية لمنطق الربح، وهى عملية تاريخية طويلة تخللتها أزمات اقتصادية واجتماعية وصراعات دامية ودمار شامل لشعوب وثقافات بأكملها. وكانت منظومة الاشتراكية الواقعية قد قدمت بديلاً منظمًا وقويًا للرأسمالية الفجة، مما أجبر الأخيرة على "أنسنة" سلوكها طوال القرن العشرين فظهرت "الكينزية" و"دولة الرفاه" و"الفوردية" و"التنموية". غير أن سقوط المعسكر الاشتراكى، وما رافقه من صخب إعلامى ودعائى عن "انتهاء التاريخ"، قد أدى إلى تلاشى الضغوط التى كانت تؤثر على التنافس بين النظامين، وبدت الرأسمالية منتصرة. وبعدما تحررت الليبرالية أخيرًا من المنافسة الاشتراكية، تحولت إلى نيو- ليبرالية طليقة تدعو إلى رفع كل القيود والضوابط عن تنظيم الإنتاج والثقافة والتربية والصحة، والعلاقات بين الدول والمجتمعات، بين الأمم والمؤسسات، وبين الأجيال.. الخ. وأدى تزامن "الثورة المعلوماتية" مع "النصر الاستراتيجى" للرأسمالية إلى الإدخال السريع لحركة العولمة فى النشاط الاقتصادى العالمى. ومثلما تخلت النيو-ليبرالية عن القيم الإنسانية البرجوازية للدولة القومية الأوربية، لم تعد تبالى بقواعد مستقرة لإدارة الشئون المجتمعية أو قيود كينزية على الاقتصاد. وتستند الأيديولوجية الرأسمالية النيو- ليبرالية إلى المؤسسات المالية والتجارية العالمية، والشركات متعدية الجنسيات، وأجهزة الإعلام الجبارة، فضلا عن حلف "الناتو". وأسهم النظام الجديد فى توسيع الفوارق التنموية بين الطبقات الاجتماعية والبلدان والأقاليم. وإذا كنا نشهد منذ العقد الأخير فى القرن الماضى استقطابًا جغرافيًا يتفاعل عبر إنشاء تجمعات إقليمية تتعدى حدود الدول، فمن المؤكد أن أنجح هذه التجمعات وأقواها حتى الآن هى تلك التى التفت حول الأقطاب المركزية للاقتصاد العالمى أو الثالوث (اليابان وجنوب شرق آسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، وأوربا الغربية). وإذا كان "الاتحاد الأوربى" هو أقدم هذه التجمعات الاقليمية، فإن النيو – ليبراليين مثلما يرفضون الدولة – القومية بما تضعه من عراقيل أمام مسيرة الاقتصاد الحر، فإنهم يرفضون بالمثل تبلور دولة إقليمية أوربية، ولا يرون فى "الاتحاد الأوربى" سوى مجرد مؤسسة بنكية لا أكثر. وفى ظل تراجع الدور الاجتماعى للدولة الأوربية التى تحاول الحفاظ على تنافسيتها داخل منطقة "اليورو" على حساب الأجور والنفقات الاجتماعية، تتعرض الطبقات الشعبية فى "القارة العجوزة" لتهديد كبير فى مكتسباتها الاجتماعية، فضلاً عن توفير مناخ مواتٍ لازدهار التيارات الفاشية. إذا كان هذا هو حال مجتمعات الاتحاد الاوربى، فمن المقطوع به أن البلدان التى تقع جنوب المتوسط وشرقه تتعرض لمخاطر أكبر بسبب ضعف تطورها وهشاشة الدولة – القومية فيها. أضف إلى ذلك: التناقض السافر فى الفلسفة النيو- ليبرالية التى تدعو إلى حرية تنقل البضائع ورؤوس الاموال ولكنها تضع كل العراقيل الممكنة فى مواجهة حرية تنقل الأيدى العاملة، فضلا عما أنتجته برامج التكيف الهيكلى فى هذه البلدان من ازدياد معدلات البطالة والإفقار وسوء توجيه الموارد. ومن ثم فهناك افتراض قوى يكون مشروع الشراكة الأورو- متوسطية مجرد اتفاق لحماية الاتحاد الأوربى من "فيضانات" اجتماعية واقتصادية وسياسية قادمة من بلدان الضفة الجنوبية للبحر المتوسط. يشير البرفيسور على الكنز إلى كثرة مؤسسات الشراكة على الصعيدين السياسى (جمعيات للبرلمانيين، مجالس وزارية، غرف تجارية) والاقتصادى (تجارة، مالية، تكنولوجيا) والثقافى. ورغم أن هذه الظاهرة يمكن النظر إليها من جانب البعض كمؤشر جيد على ديناميكية الشراكة، فقد كان هناك رأى آخر بأن ذلك يستهدف إشراك "النخب" السياسية والمدنية لبلدان جنوب المتوسط فى العملية، وكذلك إغراق الرهانات الحقيقية للمشروع فى بحر من الإجراءات والمؤسسات. فالرهان الاقتصادى هو تحويل جنوب المتوسط إلى منطقة تابعة (مثل موقع أمريكا اللاتينية من الولايات المتحدة) بفتح الاقتصادات وخصخصتها وتكييفها لحاجات الاقتصادات الأوربية، ومن ثم تصبح المنطقة سندًا قويًا لأوربا فى التنافس مع المركزين الآخرين للثالوث. أما الرهان الديموجرافى فهو دعوة بلدان جنوب المتوسط للتحكم فى تحركات الهجرة صوب شماله، وتعزيز سياسة الهجرة الانتقائية لتلبية احتياجات سوق العمل فى أوربا، والتصدى لخطر عدوى الأصولية الاسلامية لدى المهاجرين المغاربة فى بلدان الاتحاد الأوربى. وبالنسبة للرهان الاستراتيجى فينطلق من إدماج إسرائيل فى المنظومة الأورو- متوسطية، وتقليل احتمالات تفجر نزاعات إقليمية قد تضر كثيرًا بالمصالح الأوربية. وكذلك فك تضامن بلدان المغرب العربى مع القضية الفلسطينية، أما منطقة الخليج العربى فينظر إليها كمحمية أمريكية بالأساس، وكل المطلوب هو انتظام تدفق النفط بأسعار مناسبة. ويتوصل بروفيسور الكنز إلى أنه ليس بإمكان دول ضفتى المتوسط تجاهل الهوة التى تفصل خطاب الشراكة عن الواقع، وخاصة واقع التبعية والتهميش الذى تعيشه مجتمعات الجنوب. ولما كانت الطبقات الحاكمة والساسة فى بلدان جنوب المتوسط لا يملكون الشرعية الضرورية واللازمة لحكم مجتمعاتهم فإنهم يتذرعون بضغوط العولمة لتجنب مهمة إعادة بناء الإجماع الشعبى حول سياسات مقاومة وبناءة. ومع ذلك يلقون دعم ومساندة المؤسسات الأوربية والعالمية التى تعتبرها نماذج للحكم الجيد طالما تضطلع بالانفتاح الاقتصادى والخصخصة، باعتبار الأخيرين من شروط فتح الطريق أمام المقرطة. وهكذا فنحن إزاء حالة استثنائية تجمع بين السلطوية السياسية والانفتاح الاقتصادى تحت الرعاية السامية للمؤسسات الخارجية، وهو ما يعرض الطبقات الشعبية وجزءًا كبيرًا من الطبقات المتوسطة لوضعية مأسوية. استخـلاصـات دارت مناقشات عميقة ومكثفة لورقتى العمل، واسترشدت بالأسئلة الموحية فى ورقة المناقشات الثالثة. وفيما يلى رصد لاهم اتجاهات الرأى. أولاً: رغم كثرة الجدل فى الخمس عشرة سنة الأخيرة حول العولمة، إلا أن هناك المزيد الذى يجب أن يبحث، خاصة بعد تجلى العديد من المظاهر السلبية للعولمة فى الممارسة. كما أن ذلك يتطلب من القوى المقاومة للعولمة النيو- ليبرالية إدراك التناقضات الملازمة لهذه العملية وابتكار صور وفعاليات جديدة للمقاومة. ولعل البداية السليمة فى ذلك هى عدم تناول العولمة كشر مطلق أو خير مطلق، وإنما هى عملية موضوعية ترجع جوانبها الخيرة إلى التقدم الذى يحرزه المجتمع الإنسانى فى جميع المجالات صوب التقارب والاندماج. أما جوانبها الشريرة فتقود أساسًا إلى السياقات الراهنة من سيادة الأيديولوجية النيو- ليبرالية والهيمنة الأمريكية حتى على باقى مراكز الثالوث. ومن المؤكد أن المعولمة ذاتها لم تصل بعد إلى أقصى إمكانيات توسعها، فنحن لا زلنا إزاء "أرخبيل" من العناصر المعلومة فى محيط غير معولم. وتزداد كثافة هذه العناصر فى مراكز الثالوث، بينما هى متوسطة فى البلاد المصنعة حديثًا ذات النظم الإنتاجية المتقدمة نسبيًا. ومن المرجح أن يستمر هذا الحال فى الأمد المتوسط. كما أن العولمة لا تزال عملية غير متجانسة حيث تجرى أساسًا فى المجال الاقتصادى، أما فى المجال السياسى فهى تتصف بأحادية القطبية أو "الأمركة". وحتى على المستوى الاقتصادى نجدها تنتج نقيضها من خلال هدم مقومات الدولة – القومية وإنعاش هويات وانتماءات ما قبل- رأسمالية وتقوم على أسس عرقية ومحلية ودينية وجهوية. إذن هى عملية تتم بسرعات متعددة وإيقاعات متفاوتة بما يعكس موازين القوى (الاقتصادية أساسًا)، وفى الوقت نفسه تشهد تدخلات مختارة فى المجال السياسى والاستراتيجى بهدف أساسى هو حسم اتجاهات التدفقات الاقتصادية. ثانيا: إن العولمة هى عملية صراعية بوجه عام، فهى تحمل تناقضاتها الخاصة فضلاً عما تخلقه من تناقضات جديدة. لعل أهمها التناقض بين فيض الإنتاج المدجج بالتكنولوجيا الحديثة (العرض) وقصور الطلب نتيجة الإفقار والبطالة وغياب دولة الرفاه، وهو ما يعنى أن الأزمات ستكون من سماتها اللصيقة. وكذلك التناقض بين رأس المال العينى ورأس المال المالى، وزيادة استقلالية الأخير وانفصاله عن الإنتاج بدرجة لم يسبق لها مثيل فى التاريخ. وبالمثل فإذا كانت النيو – ليبرالية تتلاعب بشعارات حقوق الإنسان والمقرطة والحكم الجيد.. الخ، فإن هذه الشعارات نفسها تفضح عدم صدقية القوى المهيمنة عالميًا والتى تتواطؤ مع نظم دكتاتورية وغير شرعية فى بلدان الجنوب، طالما أنها تلتزم بتطبيق برامج التثبيت والتكيف الهيكلى وتحرير التجارة المملاة من جانب مؤسستى "بريتون وودز" والمنظمة العالمية للتجارة والاحتكارات متعدية الجنسية. وإذا كانت القوى المحركة للعولمة اليوم تسعى بقوة إلى مصادرة السيادة الوطنية لصالح تنظيمات وقوى فوق- قومية وتحت- قومية فى آن، فإن هذا يفضى غالباً إلى اندلاع صراعات عرقية وثقافية وإقليمية عنيفة تهدد بالخروج عن السيطرة فى أحوال كثيرة. ولعل أخطر أسلحة العولمة فى مواجهة السيادة القومية هو رفع مبدأ "التدخل الإنسانى الدولى" إلى مرتبة قواعد القانون الدولى، مع ملاحظة الاستخدام الذرائعى له ومتعدد المعايير وفق المصالح الرأسمالية العالمية. وتكشف العولمة الجارية عن جانب ضعف آخر يتمثل فى عدم استطاعتها إنتاج نظام دولى جديد دون الاعتماد على دور قيادى لحلف الناتو الذى تهمين عليه الولايات المتحدة. ثالثا: لا تعتبر ظاهرة الأقلمة جديدة بالمرة، ولكن العولمة جلبت معها تَشكٌّل أعداد كبيرة من التجمعات الإقليمية (الاقتصادية أساساً). ولا يحوز اعتبار العولمة والأقلمة جناحين لطائر واحد، مثلما لا ينبغى اعتبارهما متناقضتين على طول الخط. فمن الواضح أن العولمة- كظاهرة غير متسقة- تتخذ صوراً متعددة بعضها مؤقلم وبعضها غير مؤقلم. كما يلاحظ أن معظم دول الجنوب تنضم إلى أكثر من تجمع إقليمى فى ذات الوقت، وهو ما يعكس نوعاً من الحيرة أو الورطة التاريخية التى تمر بها هذه البلدان، فضلاً عن الرغبة فى تعظيم المنافع الاقتصادية. وهنا تجب التفرقة بين نوعين رئيسيين من التجمعات الإقليمية: أولهما تلك التجمعات التى تقوم تحت الرعاية المباشرة لإحدى قوى الثالوث، أو غير المباشرة من خلال قيادة دولة إقليمية متوسطة النمو تمثل دور "القاطرة" لهذا التجمع الإقليمى وحيث يضطلع هذا التجمع هنا بوظيفة مزدوجة هى، تطويع اقتصاديات ومجتمعات البلدان الأعضاء لعملية العولمة مقابل تحسين شروط الاندماج فيها. ويتسم هذا النوع من التنظيمات الإقليمية بعدم التكافؤ بين القوى الداخلة فيه. أما النوع الثانى من التنظيمات الإقليمية فمعظمه يستند إلى مقومات الجغرافيا السياسية، وهو معرض فى الغالب للفشل والتعثر خاصة إذا حاول تحدى الحدود الموضوعية من قبل قمة النظام الدولى القائم. ولا يمكن بالطبع وضع حدود فاصلة وقاطعة بين النوعين، إلا أنه يمكن الجزم بأن حرية الحركة المتاحة أمام كل تجمع إقليمى تتوقف على عوامل عدة أهمها: طبيعة وكثافة التناقضات بين قوى الثالوث، وداخل التنظيم والمجال الإقليمى نفسه. غير أن كثرة التجمعات الإقليمية المستندة إلى نظرية الإقليمية المفتوحة أو الجديدة تعبر فى المقام الأول عن عمق الأزمة الوجودية التى تمر بها التنظيمات التى أنشأتها بلدان الجنوب فى الخمسينيات والستينيات (حركة عدم الانحياز، مجموعة الـ 77، مجموعة الـ 15، منظمة المؤتمر الإسلامى، منظمة الوحدة الأفريقية ..الخ). رابعاً: ولعل من أهم ما تشير إليه ظاهرة العولمة هو نجاح بعض الأقاليم فى إحراز تقدم محسوس بالرغم من الطبيعة الاستقطابية التى تتميز بها هذه العملية. وإذا كانت عوامل تاريخية محددة قد وقفت وراء ذلك، وإذا كانت مجتمعات واقتصاديات هذه الأقاليم قد مرت بأزمات كبرى (جنوب شرقى آسيا وأمريكا اللاتينية مثلاً)، إلا أنها لم تدخل فى حيز التهميش والاستبعاد الذى دخلته أقاليم أخرى بوتائر عالية. وهو ما يوحى بأن مدى الاستفادة أو الضرر من عملية العولمة يتوقف إلى حد بعيد على عوامل داخلية وإقليمية متعددة. ومع ذلك تظل كل استفادة محتملة رهينة بموازين القوى، أى أن اكتمال النجاح يتمثل فى إحداث تغيير كيفى وليس مجرد تقليل كمى للآثار السلبية للعولمة.وبديهى أن التغيير الكيفى يتطلب حدوث تغيير جذرى فى موازين القوى العالمية، وفى طبيعة النظم السياسية القائمة فى بلدان الجنوب. خامساً: إن الطبيعة الاستقطابية التى تحملها الرأسمالية فى صلب تكوينها تجعل التنافس- وربما التناحر- بين المراكز هو القاعدة وليس الاستثناء. وما لم تكن هناك بدائل عالمية وإقليمية ووطنية متكاملة وراسخة فإن تفاعلات العولمة لابد أن تفضى إلى كوارث تهدد استقرار وأمن البشرية (فوضى، حروب، إرهاب...). فلاشك أن انكسار العولمة النيو- ليبرالية لن يتم فقط بفعل تناقضاتها الداخلية، وإنما أيضاً بوحدة وتنظيم القوى المقاومة لها على صعيد عالمى. ولعل أخطر ما تتسم به العولمة فى الحقبة التاريخية الراهنة هى تعاظم الهيمنة الأمريكية المستندة إلى قوتها العسكرية والاقتصادية والإعلامية والمعلوماتية.. الخ. وهذا ما يطرح بقوة التساؤل عن موقع أوربا من استراتيجية الهيمنة الأمريكية. خاصة وأن هناك شبه إجماع على أن الهدف المركزى لهذه الاستراتيجية هو الحيلولة دون قيام تجمع "أوراسيوى" (أوربا، روسيا والصين) والعمل على بقاء أوراسيا مفتتة إلى أنظمة متنافسة، باعتبار ذلك الشرط الأساسى لحماية "الجزيرة" الأمريكية. ورغم النجاح الى حققه "الاتحاد الأوربى" على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن هذا "الاتحاد" لازال يفتقد الإرادة السياسية الموحدة، ناهيك عن الرؤية الاستراتيجية، وخاصة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية السابقة فى روسيا وشرق أوربا. فبريطانيا تكاد تكون ولاية أمريكية، وإذا كانت ألمانيا قد تحررت مؤخراً من العقدة النازية فإنها آخذة فى الالتحاق المتزايد بواشنطون لتمرير توسعها ونفوذها فى وسط وشرق وربا، بل حتى فرنسا أخذت تتخلى عن مفهوم "أوربا من الأطلسى للأورال" وانضوت أخيراً فى استراتيجيات حلف "الناتو"... الخ. ومن ثم فإن مقاومة العولمة ترتبط أساساً بالقوى الديمقراطية والشعبية فى أوربا مع نظيراتها فى سائر بلدان العالم. وقد أصبح من المهم جداً ربط الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة على صعيد عالمى، ولا شك أن فعاليات النضال والتضامن سوف تساعد فى دعم وحتى تطوير حركات اجتماعية جديدة فى البلدان المهمشة، وبما يساعد الوطن العربى- مثلاً- على الخروج من عزلته الاستراتيجية. غير أنه من الملاحظ القدرة الكبيرة التى يتمتع بها رأس المال المعولم فى رشوة القوى التقدمية فى بلاد المراكز، بهدف الانكباب على الصراعات الاجتماعية الداخلية دون إعطائها بعداً عالمياً. ويزداد الوضع قلقاً مع الشعور المتنامى بأن التيارات الاشتراكية فى أوربا أخذت تتحول تدريجياً إلى تيارات هامشية. إن القوى الديمقراطية فى الجنوب وفى الشمال لا يجوز أن تقع فى خطأ الرفض المطلق للعولمة، وإنما عليها أن تسعى إلى بناء عولمة أخرى، ديمقراطية وتقدمية وإنسانية. ومن ثم فإن أى مشرع نضالى أو تضامنى على المستوى الإقليمى يجب أن يوضع فى إطار عالمية النضال ضد العولمة القائمة. سادساً: لقد أظهرت الممارسة العملية عن تبلور ثلاث استراتيجيات أو استجابات رئيسية للدول- القومية الجنوبية فى التعامل مع العولمة. استراتيجية دفاعية تقوم على الوطنية التقليدية والسياسات الحمائية، غير أنها قابلة للاختراق فى النهاية بفعل الفشل الاقتصادى الممتد للنظم الشعبوية والشمولية، خاصة مع اتساع عمليات العولمة فى مجالات التجارة والمال والاستثمار... الخ. واستراتيجية التكيف والرضوخ- تحت ضغوط شتى- لكل إملاءات الرأسمالية العالمية، وهى استجابة أدت إلى كوارث اقتصادية واجتماعية مازالت تعصف بعدد كبير من البلدان النامية. أما الاستراتيجية الثالثة فقد وصفت بالهجومية أو التكيف الإيجابى، حيث استفادت بعض البلدان من قاعدتها الانتاجية وسوقها الواسعتين وعملت على تمكين المجتمع والدولة من امتلاك معارف ومهارات تمكنهما من المنافسة الدولية، فكان الاهتمام بالتعليم والبحث والتطوير، وإعادة صياغة دور الدولة والإطار الإقليمى. غير أن نجاح أى استراتيجية هجومية يتطلب بالأساس توافر مضمون اجتماعى تقدمى قائم على تحالفات شعبية واسعة ومشاركة حقيقية. خاصة وأن الرأسمالية العالمية تسعى بإصرار وراء مقولة اقتصادوية الخدمات الاجتماعية، ولاشك أن هذا الموضوع يمكن أن يصبح منطلقاً أساسياً فى المراحل الأولى من الاستراتيجية الهجومية، على الأقل من زاوية ضرورة التنمية البشرية لتحقيق التقدم المادى. سابعاً: لقد أثبتت النظم العربية فشلاً ذريعاً فى التعامل مع عملية العولمة، سواء أكانت نظماً تقليدية عشائرية، أو عسكرية ذات خطاب شعبوى، أو أنظمة تمارس هذا النوع أو ذاك من الديمقراطية المقيدة أو المظهرية. ويمكن القول إن أزمة الدولة – الوطنية العربية هى نتاج التركيب البنيوى للبرجوازيات العربية. كما تعرض مشروع الدولة- الوطنية لعملية تخريب منظمة بفعل استراتيجيات الدول العظمى تجاه هذه المنطقة، مثل زرع دولة إسرائيل فى قلب الوطن العربى، وعمليات الاستمالة والإفساد المنظمة للنخب العربية (رشاوى، عمولات وامتيازات تقدمها الأجهزة الغربية والشركات متعدية الجنسيات)، فضلاً عن التدخل السياسى والعسكرى الصريح فى أوقات الأزمات. كما تواكب مع أزمة الدولة الوطنية- العربية: (أ) فشل التجارب التنموية ذات المفاهيم الاقتصادوية والطابع المركزى الأوامرى للحيلولة دون حراك اجتماعى جدى يهدد النخب الحاكمة؛ (ب) الدور السلبى الذى لعبه الريع النفطى على المستويين الاقتصادى والقيمى. حيث بددت النخب الحاكمة هذه الموارد الهائلة فى استثمارات عقيمة أو نزعة استهلاكية سفيهة أو إقامة مشروعات ضخمة لإشباع جنون العظمة أو شراء كميات هائلة من مخزون السلاح لدى الشركات الغربية والتى لم تستخدم سوى فى الصراعات العربية- العربية؛ (ج) انهيار التوازن بين الأقطار العربية وعجز النظام الإقليمى العربى عن حل المشكلات البينية أو التعامل الجماعى مع العالم الخارجى؛ (د) انكماش هامش المناورة على الساحة الدولية بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية. ومع تسارع عملية العولمة لم يعد أمام النخب الشعبوية سابقاً سوى القبول باللبرلة الاقتصادية الكاملة، ومع ذلك حرصت القوى الغربية على عدم ممارسة ضغوط شديدة على هذه الدول لتحقيق ليبرالية سياسية فورية، حرصاً منها على الاستفادة من عناصر القمع التى مازالت تتمتع بها هذه الدول لفرض برامج التثبيت والتكيف الهيكلى بتكاليفها الاجتماعية الباهظة على الطبقات المتوسطة والدنيا. أما النخب التقليدية (خاصة فى بلدان النفط) فقد لجأت إلى طلب الحماية المباشرة من القطب الأمريكى وحلف "الناتو". ثامناً: رغم الإقرار بضعف النظام الاقليمى العربى ممثلاً فى الجامعة العربية (وخاصة بعد أزمة الخليج)، إلا أن هذا لا يبرر المحاولات المتعددة التى تبذلها القوى الخارجية لتحقيق المزيد من تفككه. وإذا كانت النظم العربية الحاكمة التى فقدت شرعيتها المجتمعية منذ زمن طويل تحاول تحقيق "شرعية" دولية لحمايتها من شعوبها أساساً، فإن الجهد الغربى لتمزيق النظام الإقليمى العربى يؤدى فى النهاية إلى نتائج بالغة الضرر بالشعوب العربية أيضاً. لقد فشلت حتى الآن كافة مشروعات التكامل العربى- رغم توفر المقومات التاريخية والثقافية والجغرافية السياسية وحتى التنظيمية- وذلك لغياب إرادة سياسية مـوحدة لبناء عالم عربى موحد مثلما يتم فى أوربا (التجارة البينية لا تمثل سوى 3% من حجم التجارة العربية). ومثلما لعبت النزاعات البينية والتدخلات الأجنبية دورها فى إحباط مشروعات التكامل العربى، نجد أن مشروعات التكامل الاقتصادى قد تبنت مقاربة تنسيق التجارة الخارجية، بينما المقاربة السليمة هى الإنماء التكاملى، أى إعادة صياغة التخصص وتقسيم العمل بين البلدان العربية من خلال تنسيق أنماط الاستثمار وصولاً إلى تكامل الهياكل الإنتاجية. وبدون ذلك لن يمكن لأى تكتل اقتصادى عربى أو لأى دولة عربية على حدة تحقيق أقصى استفادة من الشراكة مع أوربا. وإلا فإن البلدان العربية ستظل شبه مستعمرة وخاضعة تماماً للسيطرة الأجنبية. وإذا كان ذلك هو الهدف المعروف للدول والقوى الغربية فإنه لا يجوز أن يلقى قبول القوى الديمقراطية فى أوربا خاصة والغرب عامة. والحكومات العربية واعية تماماً بمصالح الطبقات التى تمثلها، ومن هنا عزوفها عن إقامة أية علاقات حقيقية بالقوى الديمقراطية والتقدمية فى أوربا، وهو ما يفرض حتمية اللقاء بين هذه القوى ونظيراتها فى الوطن العربى على أرضية مناهضة العولمة والهيمنة الأمريكية. إن القوى الديمقراطية والتقدمية فى أوربا الغربية تبذل جهوداً دءوبة من أجل فرض مضمون اجتماعى شعبى على الاتحاد الأوربى (ومن بينها الدعوة إلى ميثاق الحقوق الاجتماعية)، ومن أجل تحويل المفوضية الأوربية إلى حكومة حقيقية وإعطاء سلطات تشريعية للبرلمان الأوربى. ومن ثم فإن على هذه القوى- بالمثل- أن تضغط على حكوماتها لإيقاف إملاء السياسات النيو- ليبرالية على الدول العربية، ولاحترام حق الشعوب العربية فى تفعيل النظام الإقليمى العربى. تاسعاً: لقد فشلت تجربة الحوار العربى- الأوربى التى بدأت عام 1975 بسبب أن الجامعة العربية لم تكن لها أى سلطات حقيقية تماثل تلك التى لدى الاتحاد الأوربى. كما أن أزمة النفظ العالمية وقتها كانت الباعث الأساسى وراء تحمس الحكومات الأوربية للحوار. وبخروج مصر من الجامعة العربية بعد عقد صلح كامب ديفيد تحول الحوار إلى مسارات ثنائية. غير أن اندلاع حرب الخليج الثانية كان وراء استبعاد بلدان الخليج العربى التى تحولت إلى منطقة نفوذ أمريكية خالصة، كما لاح أن دول جنوب أوربا هى المهتمة وحدها بالخيار المتوسطى، وتجلى أكثر اهتمام هذه الدول بالشراكة مع بلدان المغرب العربى بوصفها مجال نفوذ مباشر ومصدر تهديد مجتمعى لتلك البلدان. ويمكن القول إن المشروع الأورو- متوسطى يندرج فى إطار عملية العولمة ككل، ولكنه يندرج أيضا فى إطار التناقض الثانوى أو النسبى بين المشروعين الأوربى والأمريكى. ومن ثم فهو يوفر فرصة أمام البلدان العربية لفتح ثغرة فى جدار الهيمنة الغربية. غير أن شراكة حقيقية لن تقوم بين أوربا والعرب، إذا ظلت أوربا متمسكة بالتعامل الانفرادى مع الدول العربية، وإلا فإنها ستكون شراكة غير متكافئة بالمرة. كما أن الموقف الأوربى تجاه العالم العربى يتسم بالتعقد والتفاوت، سواء على مستوى الحكومات أم مستوى القوى الاجتماعية والسياسية. ومن أهم الملاحظات السلبية على المشروع الأورو- متوسطى أنه يضيف دولاً غير عربية مثل تركيا ومالطة وقبرص، ويستبعد دولاً عربية أخرى بعضها يقع على شاطئ المتوسط مثل ليبيا فى الوقت الذى يضيف الأردن. غير أن نقطة الالتقاء الكبرى بين المشروعين المتوسطى والشرق أوسطى هى اشتمال إسرائيل قبل أن يتم حل الصراع العربى- الصهيونى. وقد يتمسك أصحاب المشروع بمقولة أن التشابكات الاقتصادية (فى إطار الإقليمية الجديدة) يمكن أن تسهم فى صنع السلام، بينما الواقع العربى يقول بعكس ذلك تماماً خاصة فى حالة استعمار استيطانى، مثلما نفصل فيما بعد. والملاحظ أيضا على الشراكة المطروحة طابعها التجارى الغالب، وهو ما سينتج عنه إغلاق المزيد من المصانع وزيادة البطالة فى البلدان العربية، ومع ذلك فما زال الوعد بالاستثمارات الأوربية الكبيرة مجرد سراب. ومن الغريب زعم القائمين على الاتحاد الأوربى أنهم لا يتدخلون فى الشئون الداخلية للدول العربية، فى الوقت الذى يربطون فيه المعونة بإجراءات اللبرلة الاقتصادية. وتشير الخبرات المتعددة إلى أن المعونات الأوربية لم تتنزه كثيراً عن المصالح السياسية والاقتصادية، فضلا عن شكلية المعونة الفنية وحصول الخبراء الأوربيين على معظم مخصصاتها، وربط المعونة بنمط الهجرة الانتقائى. عاشرا: إن المنظور الأوربى العام فى تناول الشأن العربى قد أصبح محل انتقاد شديد من القوى الديمقراطية والانتلجنسيا عامة. فهو منظور أمنى بالدرجة الأولى (حروب- إرهاب- أصولية- هجرة..) مضافاً إليه اهتمامات السوق والنفط. ومن المثير أن أوربا هى التى تؤوى قيادات الإرهاب، وهى التى سبق لها استخدامهم فى الصراع ضد السوفيت وضد قوى اليسار فى بلدان عديدة. كما أن المنظور الأمنى لا يصلح وحده لقيام شراكة. كذلك يتصف المنظور الغربى بالذرائعية المفرطة. فمثلا موقف البلدان الأوربية من الديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم العربى يتحدد أساساً وفق هدف حماية المصالح الأوربية (وخير مثال على ذلك موقفاها القديم والجديد من نظام صدام حسين، وكذلك موقفها من النظم العربية العشائرية والدكتاتورية). كما تنضم أوربا إلى الولايات المتحدة فى ازدواج المعايير (والمثال الصارخ على ذلك موقفها الرافض لامتلاك أى دولة عربية لأسلحة تدمير شامل، بينما تسكت تماماً عن امتلاك إسرائيل 300 سلاح نووى). وتنجرف الحكومات الأوربية أكثر وراء الولايات المتحدة فى ممارسة التدخل فى شئون الدول الأخرى تحت شعارات "إنسانية" وباسطة جيوش حلف "الناتو". وعموما، فبدون استقلال حقيقى للسياسة الخارجية الأوربية عن السياسة الأمريكية لن تكون هناك جدوى لشراكة أورومتوسطية. وهناك نقد عربى أشد للثقافة الأوربية السائدة فيما يتعلق بالعرب. فمن الملاحظ أن الأوربى لم يتحرر بعد من مشاعر وهواجس الحقبة الكولونيالية خاصة مع تصاعد "الإسلاموفوبيا" التى تكاد تعيد بعض أجواء الحروب الصليبية. وأصبح الإعلام الغربى مليئاً بالصور السلبية للعرب (مجتمعات نفطية- تعصب دينى وطائفى- بطريركية واضطهاد للمرأة- انتهاك حقوق الإنسان..). والملفت للنظر أن الجماعة الثقافية الأوربية لا تستطيع فهم سبب تزايد الإدراكات السلبية لما تمثله أوربا فى الذهنية العربية (مستعمرون- صليبيون- مستغلون باستخدام التكنولوجيا والمال..) رغم أن جذر ذلك يكمن فى تاريخ طويل من الاستعمار والقهر، وفى ممارسات أوربية متناقضة أو مناهضة للعرب. حادى عشر: تصر الدول الأوربية على إدراج إسرائيل فى المنظومة المتوسيطة المقترحة، وهو ما سيمثل عائقاً مزعجاً لتطور أى علاقات شراكة مثمرة مع العرب. ونحن هنا لسنا إزاء مجرد أزمة إقليمية أو صراع داخلى مثل غيرها من الأزمات والصراعات التى تجتاح العالم، وإنما إزاء خطر استعمارى استيطانى إحلالى يهدد وجود الشعب العربى فى فلسطين والدول المجاورة لها. فالشعب الفلسطينى محروم من حق العودة إلى دياره وأرضه المغتصبة ويعيش الملايين منه فى الشتات، بينما الدولة العبرية تعطى حق المواطنة لكل من ينحدر من أم يهودية وأياً كان موطنه ومحل إقامته. يشهد التاريخ أن عار العداء للسامية كان مرضاً أوربياً مزمناً، وأن المجتمعات العربية والإسلامية لم تشهد من هذا المرض ما يمكن أن يشكل ظاهرة. بل إن الأغلبية الكاسحة من القوى الديمقراطية العربية تفرق بشدة بين الديانة اليهودية وبين الأيديولوجية الصهيونية العنصرية. ولا حاجة لاستخراج أدلة من التاريخ بأن أوربا قد حاولت التخلص من المسألة اليهودية فيها على حساب الشعب الفلسطينى ووحدة وتكامل التراب العربى. والغريب حقاً هو ما يتواتر فى وسائل الإعلام والثقافة الغربية من تصوير إسرائيل كدولة مسالمة صغيرة وديمقراطية تعيش وسط بحر من العداء العربى، ربما على سبيل التكفير عن الاضطهاد الذى وقع بحق اليهود فى أوربا، فضلاً عن استمرار بعض الحكومات الأوربية فى الرضوخ للابتزاز الصهيونى بدفع التعويضات والدعم السياسى والعسكرى. وفى الوقت الذى تتوجس فيه العلمانية الأوربية خيفة من موجات الأصولية الإسلامية، نجدها متخاذلة تماماً أمام دولة تقوم على أساس دينى وخرافة النقاء العنصرى فضلاً عن إمكانية تصور تشكل قومية يهودية من الأصل. والأغرب حقاً هو عدم تعاطف الإعلام والخطاب الثقافى الأوربيين مع المقاومة والانتفاضة الفلسطينية ضد المحتل رغم أنها تأتى تعبيراً عن حق أصيل للشعوب التى تتعرض للاحتلال والاستعمار. كما تأتى المواقف الأوربية شديدة الوهن إزاء احتلال إسرائيل للأراضى العربية، وإزاء الاستيطان كجريمة حرب، وإزاء انتهاك حقوق الإنسان فى الأرض المحتلة الذى يصل حد الإبادة القومية، وإزاء امتلاك إسرائيل لأقوى منظومة تسليح تقليدى ونووى فى المنطقة.. الخ. ومن الملفت للنظر ضعف الدور الأوربى فى ما تسمى "عملية السلام" وتسليمها- عملياً- للولايات المتحدة لتلعب الدور الأكبر، وربما الأوحد، فى رعاية هذه العملية، وتكتفى ببعض الاتصالات الدبلوماسية المظهرية والانتقادات الخجولة للممارسات الإسرائيلية. وكأن أوربا لم تدرك بعد أن استمرار الخطر الصهيونى فى المنطقة يطيل عمر أنظمة عربية غير ديمقراطية، كما يحرم أوربا- وقواها الديمقراطية أساساً- من إمكانية اتخاذ موقف عربى قوى مساند لها فى مواجهة الهيمنة الأمريكية. وتحاول أوربا الالتفاف على موقفها الضعيف هذا بتقديم الشراكة الأورو- متوسطية منفصلة عن التسوية السلمية للصراع العربى- الصهيونى. إلا أن تعقدات وتعثر هذه التسوية- فى ظل الانحياز الأمريكى السافر لإسرائيل- لم تكف عن فرض ظلال كثيفة على إمكانية تحقيق شراكة حقيقية فى ظل توترات أمنية وسياسية عنيفة فى الاقليم. ومن المفهوم أن بعض الدول والقوى الاجتماعية العربية تنظر إلى الخيار المتوسطى كخيار أقل خطراً من الشرق أوسطى، نظراً لاختلاف المواقف الأوربية- جزئياً- عن الموقف الأمريكى من الصراع العربى- الصهيونى. ومن ثم فهى تتعامل مع الخيار المتوسطى بشكل وظيفى للخروج من عزلة استراتيجية أو لممارسة ضغط جانبى على الولايات المتحدة. وهذا الموقف لا يكفى فى حد ذاته لتطوير علاقات الشراكة إلى مداها. ثانى عشر: بسبب النضال من أجل الاستقلال الوطنى، وخاصة مع تفاقم الخطر الصهيونى، نالت الدول- الوطنية العربية تأييد مجتمعاتها عبر فترات تاريخية طويلة. ولكن النتيجة كانت إضعاف المجتمع مقابل استقواء الدولة بالسلطات المركزية المفرطة والأجهزة الأمنية والتشريعات المعادية للحريات، وأيضا بالدعم الأجنبى. كما أن الأحزاب السياسية- بمختلف اتجاهاتها- لعبت هذا الدور او ذاك فى مجال التحرر الوطنى، لكنها لم تناضل بالقدر الكافى لتعبئة المجتمع فى مواجهة استبداد الدولة، بل إن بعضها انغمس فى صراع المواقع مع الدولة وكثيراً ما تحول إلى أداة لقمع المجتمع حينما وصل إلى السلطة. ومن ثم فإن التحول الديمقراطى فى المجتمعات العربية أصبح مرهوناً- إلى حد بعيد- يتبلور وازدياد فاعلية مؤسسات المجتمع المدنى. وبالتالى ستلعب هذه المؤسسات دوراً حيوياً فى إنجاح الشراكة الأورو- متوسيطة. غير أن المنظور الأوربى للمجتمع المدنى العربى ودوره لازالت تغلب عليه رطانة البنك الدولى. فمن الملاحظ أولاً أن هذا المنظور يكاد يختزل المجتمع المدنى فى المنظمات غير الحكومية، ويستبعد مؤسسات بالغة الأهمية مثل النقابات والروابط والنوادى والحركات الاجتماعية، بل إن حتى بعض الأحزاب السياسية لا يجوز استثناؤها من المجتمع المدنى نظراً لانعدام احتمال تداول السلطة السياسية فى مجتمعاتنا العربية حتى الآن. ومن المعروف أيضاً أن النسبة الغالبة من المنظمات غير الحكومية فى العالم العربى تلعب درواً وظيفياً فى الرعاية وتقديم الخدمات والإبقاء على الأوضاع القائمة من خلال تلطيف بعض آثار التكيف الهيكلى. ومن ثم فإنها لن تؤدى دوراً تنموياً وديمقراطياً فعالاً ما لم تترابط مع الحركات الاجتماعية التقليدية (عمالية- طلابية- مثقفين...)، وما لم تتحرر من سيطرة الدولة، فضلاً عن التخلص من الآثار السلبية لمساعى اليمين الأصولى للسيطرة على مؤسسات المجتمع المدنى فى إطار منظومة تدرجية متكاملة للسيطرة على المجتمع ككل. وتحاول المنظمات غير الحكومية الأوربية فرض أجندتها الخاصة على المنظمات العربية، بمقتضى قيامها بتمويل الأنشطة. وقد كشفت ممارسات تلك المنظمات فى أحوال كثيرة عن عدم درايتها الكافية بأولويات الحركات الاجتماعية العربية والخصائص الثقافية لمجتمعاتها. فضلاً عن محاولة فرض مفاهيم ليبرالية خاصة لحقوق الإنسان والجماعات قد تضع المنظمات غير الحكومية العربية فى عزلة عن مجتمعاتها. وما يثير القلق أيضا هو تدخل المنظمات غير الحكومية الأوربية فى قضايا حساسة تمس صميم التكوين القومى والوحدة الوطنية، وخاصة عند زعم الدفاع عن أقليات عرقية ودينية بصورة قد تضر فى النهاية بقضايا هذه الأقليات نفسها.وتظل مشكلة أخرى قائمة وهى إسهام المجتمع المدنى الاوربى فى بناء ما يسمى "نخبة مدنية عالمية" تنحصر أنشطتها فى التبشير الحقوقى (إصدار النشرات- عقد الندوات- المشاركة فى المؤتمرات الدولية...) وتقديم الخدمات لبعض الفئات الاجتماعية المحددة، وهو ما يضفى على هذه المنظمات طابعاً نخبوياً وبدون علاقات محسوسة بالجماهير، مما يعرقل انخراطها فى حركات اجتماعية كبرى. خاصة مع زيادة الطابع المهنى- الاحترافى وليس التطوعى- فى داخل هذه المنظمات، وافتقاد الشفافية، وضعف بنيتها المؤسسية، وبالأحرى ضعف العلاقات الديمقراطية داخلها. ثالث عشر: أسلفنا الحديث عن انتشار النزعات المعادية للعرب والمسلمين فى الخطابين الثقافى والإعلامى فى أوربا، غير أن ما يثير القلق أكثر هو تبلور هذه المشاعر السلبية فى صورة حركات سياسية واجتماعية معادية للأجانب فى أوربا. وفى الوقت الذى تسعى فيه الحكومات الأوربية إلى تحرير حركة السلع والخدمات والإعلام عبر الحدود، نجدها تضع العراقيل الهائلة فى وجه حركة البشر. وبينما تعانى سوق العمل فى أوربا من أوجه نقص معينة لأسباب ديموجرافية معلومة، نجد الحكومات الأوربية تفرض منطق الهجرة الانتقائى لتستنزف أفضل العقول بأبخس الشروط. والغريب ألا تحاول الثقافة الأوربية استيعاب أو تفهم حق العمال العرب الوافدين فى اعتناق وتبنى الأنماط الثقافية الخاصة بهم، فضلاً عن عرقلة والانزعاج من دخول هؤلاء الوافدين وأبنائهم حلبة النشاط السياسى والنقابى فى البلدان المضيفة. وعموماً فإنه بدون تبنى موقف إنسانى وديمقراطى من قضايا الهجرة والعمالة الوافدة ستصبح محاولات الشراكة وبرامجها موضع شك كبير. رابع عشر: تتبقى العناصر التاريخية قابعة بقوة فى الذاكرة الجماعية للشعوب العربية وبما يعوق إرساء الثقة فى طريق إقامة شراكة أوربية عربية أو متوسطية فعالة. ولنعطى مثالاً بأن مؤرخاً عربياً واحداً لم يتحدث عن الحروب الصليبية، وإنما عن حرب الفرنجة، بينما الحكام الأوربيون هم الذين حولوها إلى حروب دينية بهدف تعبئة مجتمعاتهم للحرب. وأوربا مثلاً هى التى وقفت بكل قوة ضد عملية التحديث التى قام بها حاكم مصر محمد على فى أوائل القرن التاسع عشر. أما تاريخ الاستعمار الأوربى المباشر لبلدان العربية فهو حافل بالعدوان والقمع والاستيطان واستنزاف الموارد.. الخ. كما تتحمل أوربا مسئولية تاريخية كبرى عن فتح الباب للهجرة اليهودية إلى قلب الوطن العربى بهدف فصل مشرقه عن مغربه بكيان استيطانى وعنصرى يعمل فى خدمة المخططات الاستعمارية لتفكيك النظام الاقليمى العربى وضرب ثورات التحرر الوطنى والتخلص من المشكلة اليهودية. وحتى بعد نقل دولة إسرائيل ولاءها الكامل صوب الولايات المتحدة، مازالت أوربا عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم من هذا الكيان وإجباره على احترام قرارات ما تسمى "الشرعية الدولية". كما كان العالم العربى مسرحاً لصراعات القوى الإمبريالية الأوربية، ودفعت الشعوب العربية تكاليف باهظة من مواردها وبنيتها الأساسية ومواطنيها فى حروب لاناقة لها فيها ولا جمل. حتى أن الألغام التى مازالت متبقية فى صحراء مصر الغربية منذ الحرب العالمية الثانية تمثل أكبر حقل ألغام فى العالم، ولا تقدم أوربا أدنى مساعدة لعلاج هذه المشكلة. أليس من حق الشعوب العربية أن تطالب أوربا باعتذار تاريخى (مثلما فعلت اليابان وألمانيا.. وغيرها) عن كل الجرائم التى ارتكبتها الحكومات الاستعمارية؟ إن هذا المطلب المشروع يعتبر مقدمة سليمة لإرساء علاقة شراكة متكافئة وقائمة على الفهم المتبادل، وليس بحال من الأحوال وسيلة لابتزاز أوربا لدفع تعويضات مثلما تفعل إسرائيل. خامس عشر: إن المشروع الأورو- متوسطى هو ظاهرة صراعية، ويتوقف تقدمه أو تقهقره على التناقض بين المركزين الأمريكى والأوربى، وكذلك التناقض بين الشعوب العربية والأوربية من جانب والحكومات العربية والأوربية من جانب آخر. وحتى لا يتحول هذا المشروع إلى مجرد مسعى لإلحاق المنطقة العربية برأس المال والحكومات الأوربية، لابد من إنشاء شبكات فعالة للتفاهم والنضال المشترك بين القوى الديمقراطية فى أوربا والبلدان العربية لمقاومة العولمة- الهيمنة والإفقار والتهميش والاستبداد. ومثل هذه الشبكات يجب أن تضطلع بنفى المدركات السلبية المتبادلة بين الجانبين، ولعل البداية السليمة فى ذلك هى إرساء هذه العلاقات نفسها على أرضية ديمقراطية.





















(2)

ورقة عمل حلقة نقاش "العلاقات العربية- الأوربية" (من منظور نقدي) القاهرة 23-25 فبراير 2007


إعداد: مركز البحوث العربية والأفريقية ومؤسسة روزا لوكسمبورج

1- أوربا والبلدان العربية فى عالم اليوم: تسببت العولمة الرأسمالية خلال العقود الماضية فى إحداث تحول جذرى فى الشروط التى تتطور فى ظلها المجتمعات الأوربية والعربية. وتضطلع القوى الحاكمة فى الاتحاد الأوروبى بدور فاعل فى هذه العملية، سواء خارجياً (فى مواجهة الأقاليم والبلدان الأخرى فى العالم) أم داخلياً (فى مواجهة البلدان والسكان داخل الاتحاد الأوربى). - ما هى القوى الاجتماعية والسياسية التى تقود العولمة؟ ومن هم الفائزون والخاسرون فيها؟ - كيف تغيرت مكانة أوربا/ الاتحاد الأوروبى فى العالم من حيث العلاقة بالشرقين الأدنى والأوسط؟ - ما الذى أحدثته هذه العملية من تغيرات بالنسبة لسياسة الاتحاد الأوروبى بحسن الجوار مع البلدان العربية؟ - ما أثر ذلك بالنسبة لسياسة يسارية تجمع بين النضال من أجل بدائل داخل الاتحاد الأوروبى وبين سياسة حسن جوار تعاونية إزاء البلدان العربية.


2-العالم العربى والعولمة: تعد البلدان العربية جزءًا مهمًا فى عملية العولمة بسبب وفرة الموارد الطبيعية فيها (وفى مقدمتها النفط والغاز الطبيعى) وكذا دورها كأسواق واسعة. وفى الوقت نفسه فإن سياسة الغرب تجاه الإسلام واستخدام الوسائل العسكرية والحربية فى الإقليم قد ساعدا فى تقام التوترات. - ما هى آليات إعادة إنتاج التبعية فى العالم العربى؟ ما الدور الذى تلعبه فى هذا الصدد النخب الاقتصادية والسياسية والثقافية فى البلدان العربية نفسها؟ - هل عاد الغرب إلى استخدام سياسة "فرق تسد!" مرة أخرى فى العالم العربى؟. - كيف تؤثر السياسة النيوليبرالية (برامج التكيف الهيكلى تحديداً) فى مستقبل التنمية والعدالة الاجتماعية والاستقرار السياسى فى العالم العربى؟ - ماذا ينبغى على اليسار عمله إزاء سياسة المعايير المزدوجة فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية فى العالم العربى؟ - كيف ينظر اليسار إلى مستقبل الديمقراطية فى العالم العربى فى ظل وجود نظم مستبدة من ناحية، وتحديات الإسلام السياسى بمختلف مظاهره من ناحية أخرى؟

3- العامل العسكرى ومثلت الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة والعالم العربى: للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى مصالح مشتركة ومتباينة فى الشرقين الأدنى والأوسط، وهو ما يؤثر أيضاً على العلاقات الأوربية- الأمريكية فى الإطار شمال الأطلنطى. - ما هو الأثر الناجم عن مركب المصالح الغربية فى الشرقين الأدنى والأوسط على المشروع الأوروبى من ناحية، وعلى مفهوم الهيمنة الأمريكية من ناحية أخرى؟ - كيف يمكن تقييم التطورات الأخيرة فى العراق ولبنان وإيران والسودان؟ - ماذا ينبغى على اليسار الأوروبى عمله إزاء تضاؤل دور أوربا فى عملية العولمة؟ - ما رؤية اليساريين الأوروبى والعربى لمستقبل الإقليم العربى؟

4-الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى: فرص وتحديات مؤتمر سلام فى الشرق الأوسط: لقد ظل الصراع فى الشرق الأوسط (بين إسرائيل والفلسطيين) هو الصراع المركزى فى المنطقة لعقود من السنين. وهو أيضاً يحدد المنظورات الجديدة فى السياسة الدولية، والتى أدت منذ انتهاء الصراع بين الشرق والغرب إبان الحرب الباردة إلى استقطاب جديد بين "الغرب" و"الإسلام" ولما كان حق إسرائيل فى الوجود أصبح معترفاً به دولياً، فإن المسألة التى نواجهها اليوم هى خلق دولة فلسطينية قابلة للحياة. - كيف يمكن إيقاف تصاعد العنف فى الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى؟ - كيف يمكن لليسار أن يساعد فى عقد تسوية سلمية عادلة ودائمة فى الشرق الأوسط، ومبنية على القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة؟ - كيف يمكن الاستفادة من خبرة مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبى (CSCE) لتحقيق سلام شامل فى الشرق الأوسط؟ - ما هى الشروط السياسية الواجب توافرها لعقد مؤتمر أوسع للسلام فى الشرق الأوسط؟

5-التنميـة وسياسة وعلاقات الاتحاد الأوروبى إزاء بلدان جنوب البحر المتوسط: إن السلم والاستقرار والتعاون المتبادل يعد مصلحة مشتركة لجميع شعوب ودول إقليم البحر المتوسط. - ما هى السياسة الأوربية الممكن تضمينها فى إطار "عملية برشلونة بديلة"؟ - ما الذى يمكن أن يقدمه اليسار العربى من أجل دفع هذه العملية قدماً؟ - ما الذى تعنيه عملية كهذه بالنسبة للتنمية فى أوربا ككل وفى مجمل العالمين العربى والإسلامى؟ - كيف يمكن لهذه العملية أن تسهم فى تغيير مجمل العلاقات بين الشمال والجنوب؟

6- دور ومسئولية اليسار: يمكن للقوى اليسارية فى أوربا والبلدان العربية أن تسهم فى اعتماد مقاربات سياسية بديلة، عن طريق تطوير مفاهيم جديدة وبديلة، والتعبير والدفاع عنها فى الجدل السياسى. - كيف يمكن لليسار الأوروبى والعربى الوصول إلى مواقف مشتركة صلبة فى النضال من أجل السلم والاستقرار والتعاون؟ - وما هى المسائل الأكثر إلحاحاً فى إطار هذه المواقف، وفى مواجهة النيوليبرالية ومكونها العسكرى. - ما هى البدائل التى يمكن تطويرها للعولمة الرأسمالية؟ - كيف يمكن أن يسهم "الجنوب" بفاعلية أكبر فى هذه العملية؟






الباب الثاني

أوراق الندوة

  • * * * *

























(1)

من أجل رؤية جديدة للتعاون رؤية يسارية أوروبية


ميشائيل بري

لقد حان الوقت لحوار بين يسار الاتحاد الأوروبي و العالم العربي، و بهذه المناسبة أود توجيه الشكر للداعين لهذا اللقاء, وعلى الأخص سمير أمين و مركز البحوث العربية والأفريقية, ونأمل أن تكون هذه الندوة بمثابة نواة للاتصالات المكثفة والتعاون الوثيق . لقد أشارت روزا لوكسيمبورج في كتابها " أوهام السلام " الصادر عام 1911 إلى أن الخمسة عشر عاما السابقة على هذا التاريخ لم تكن تخلو من حروب، وحذرت بوجه خاص من عواقب هذه الحروب: فكل واحدة من هذه الحروب جاءت بموجة جديدة من التسليح وتنامي الخلافات الدولية التي كانت بمثابة نواة للحروب العالمية في القرن العشرين، وأدت إلى يقظة الشعوب " في الصين والهند ومصر و الجزيرة العربية والمغرب والمكسيك "1, مما مكن دولا جديدة من الدخول إلى مسرح السياسة العالمية . وبعد ذلك بمائة عام يواجه اليسار في أوروبا والعالم العربي موقفا مماثلا خطرا, فقد بدأت نهاية الحرب الباردة بحرب ساخنة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق بعد استنفاد جميع الوسائل السلمية لإنهاء احتلال العراق للكويت, وبدلا من إيجاد حل نهائي للصراع التاريخي بين إسرائيل والشعب الفلسطيني والدول المجاورة لإسرائيل فقد سمح لذلك الصراع أن يزداد حدة وقد تحولت الحرب الباردة ضد العراق والتي تسببت عن طريق الحصار الاقتصادي والقذف بالقنابل في مقتل نصف مليون مواطن على الأقل معظمهم من الأطفال إلى حرب ساخنة وحرب أهليه في عام 2003 كان من نتائجها حتى منتصف عام 2006 مقتل حوالي 650 ألفا نسمه 2 , و تشريد 1.8 مليون شخص داخل العراق و 2 مليون إلي خارج العراق3، وانتشرت الأصولية و الإرهاب و الأسلحة النووية بعـد عام 1990بدرجة لم تكن متوقعة في ذلك الوقت ، وإن كان قد سبق التبوء بها.4 و بإلقاء نظرة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والعالم العربي من وجهة نظر اليساريين يجب علينا أن نقر بأن العقدين الأخيرين كانا هما الأسوأ باعتبارهما أعواما ضائعة, و ظل مشروع برشلونة الذي أعلن عنه عام 1995 والشراكة الأورومتوسطية ( الأوروبية و دول البحر المتوسط )5 دون نتائج فعلية, وحددت اللعبة المشتركة بين الولايات المتحدة و القوى المضادة ( وكان جزء من هذه القوى المضادة الأصولية وإن لم تكن وحدها ) الديناميكية المؤثرة– وهي تصعيد المواجهة وتواصل عدم الاستقرار- وبقيت قضية فلسطين دون حل, وتسببت سياسة خلق حقائق من جانب واحد وسياسة الابتزاز وسياسة استخدام القوة العسكرية في إيجاد موقف متفجر يمكن أن ينتهي بالإضافة إلى جانب معاناة الشعوب إلى عدم استقرار المنطقة بأسرها. وفي نفس الوقت لعب تحديد الأهداف الليبرالية الجديدة للاتحاد الأوروبي تجاه الدول العربية في إطار التجارة الحرة واللانظام دورا رئيسيا, وأدت سلسلة من الاتفاقيات الثنائية إلى زيادة تبعية دول حوض البحر المتوسط بصفة خاصة للاتحاد الأوروبي, ولكن طبقا لاهتمامات الاتحاد الأوروبي فإن هذه التبعية امتدت لتشمل شبكة واسعة من التعاون وإجراءات دعم واسعة لسلسلة من المجالات مثل محاربة الفقر والتوسع في البنية التحتية والتعليم والحقوق6 , ويعتبر الاتحاد الأوروبي من هذه الناحية قوة مرنه أكثر منه قوة متشددة , وتأثيره على العالم العربي مزدوج . ومن وجهة نظر الصفوة الغربية الحاكمة فإن العالم العربي على وجه الخصوص هو مصدر البترول , وهو المكان الذي منه يتم التحكم في المنطقة الأوروبية الأسيوية الأفريقية والطرق البحرية العالمية, وهو نقطة الانطلاق للهجرة الغير مراقبة وتهديد أمنها ( أمن الصفوة ) من خلال نظم جديدة للصواريخ وأسلحة نووية وإرهاب 7, فهل لدى اليسار الأوروبي بالنسبة لهذا رؤية خاصة به؟ وهناك أربع نظريات خاصة بأهم أربع مشاكل أوروبية:

النظرية الأولى – توجه داخلي جديد: أهم واجب لليسار الأوروبي هو الكفاح من أجل الوضع الاجتماعي والبيئي و المدني لأوروبا نجحت القوى الاجتماعية والديموقراطية القوية المضادة في غرب أوروبا بعد عام 1945 في توحيد غرب أوروبا ضد القهر الذي نشأ بسبب الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي على أساس حلول وسط بين الطبقات وعلى أساس توازن قومي وتوصلت من خلال خبراتها مع التغلغل المريع لأسوأ بربرية تمثلت في النازية الألمانية إلى إيجاد صيغة تكاملية لغرب أوروبا على شكل سوق أوروبية مشتركة ثم على شكل اتحاد أوروبي, وقد أنهت هذه الصيغة التكاملية الحروب فيما بين دول غرب أوروبا و ربطت النمو الاقتصادي المستقر بالتوازن الاجتماعي والديموقراطية السياسية. وقد تحول هذا النمو مع نهاية مواجهة النظام ومع التحول إلى رأسمالية تسوق المال وسيادة الليبرالية الجديدة وطغيان عالمي للولايات المتحدة الأمريكية إلى أزمة كان من أعراضها الفشل المؤقت لمشروع الدستور والمناقشات حول انضمام تركيا . و بهذا بدأ الكفاح من أجل مستقبل الاتحاد الأوروبي , و أدخل اليسار في هذه المعركة ثلاثة مشروعات رئيسية: 1) سياسة اقتصادية و اجتماعية جديدة تقوم على توسيع الاتحاد الأوروبي باعتباره اتحادا اجتماعيا - تتغلب على رأسمالية سوق المال. - تهدف إلى بداية طويلة الأمد للإصلاح الاجتماعي البيئي للاقتصاد والحياة الاجتماعية وطريقة الحياة ( ثورة في الطاقة وثورة في مصادر الدخل .. الخ) - تربط قطاعات عامة قوية و مجالات واسعة و اقتصاد تضامني و رجال أعمال مجددين . 2) إرساء ديموقراطية شاملة للاتحاد الأوروبي يقوم فيها النمو الاقتصادي على ديموقراطية اجتماعية وذلك من خلال التقسيم الواضح للمهام على مستوى المناطق والدول و الاتحاد . 3) تحويل الاتحاد الأوروبي إلى منطقة مفتوحة لنمو سلمى وفاعل قوى للتغلب السلمي على الصراعات مع تحول متزامن إلى القدرة الهيكلية العسكرية على عدم الهجوم . و يرتبط بنجاح هذه المعركة ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيتمكن من حشد طاقاته (إمكاناته) لحل المشاكل العالمية للقرن الحادي والعشرين وإرساء نظام آخر عالمي اقتصادي اجتماعي سياسي بيئي , وكما قال جيريمى ريفكن Jeremy Rifkin : إن تحقيق الحلم يتناسب بطريقة مختلفة عن كابوس الولايات المتحدة الأمريكية مع عالم القرن الحادي والعشرين 8 , و إنه لأمر فاصل بالنسبة للعالم العربي أن يعرف مع أي أهم شريك جغرافي سياسي على حدوده الشمالية يتعامل.

النظرية الثانية – توجه غربي جديد: علاقة مستقلة مع الولايات المتحدة الأمريكية كان للحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي تارة بالناتو وتارة بخطة مارشال أيضا وبصفة خاصة وظيفة إخضاع غرب أوروبا تماما لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية 9 , التي تتبع هدفا مشابها في حربها العالمية واللامحدودة ضد الإرهاب ("الإسلامي") وهو : السيطرة على الشرق الأدنى والأوسط كمدخل للسيطرة على القارة الأوروبية 10, وتجديد طاعة أوروبا القديمة و الجديدة لها . إن رفض بعض الدول الأوروبية ومن بينها أيضا ألمانيا المشاركة المباشرة في الحرب الثانية للولايات المتحدة ضد العراق عام 2003 كان خطوة أولى مترددة نحو التحرر من تبعية غير مشروطة. وأصبحت السيطرة الجغرافية السياسية للولايات المتحدة الأمريكية أكبر مخاطرة أمنية عالمية بعد الحرب الباردة , وأدى سعيها إلى السيطرة على الشرق الأدنى والأوسط كشرط للسيادة العالمية إلى كارثة لا تزال تجذب إليها باستمرار حروب جديدة ينتج عنها موجه جديدة من التسلح الشديد وتدمير لحق الشعوب المهضوم أصلا والضغط من أجل بناء ترسانة أسلحة نووية خاصة بهذه الشعوب وانتشار مناخ سياسة القوة الخبيثة وعدم الثقة بسبب سياسة الكيل بمكيالين . ولكن هذا التحرر للاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة لا يمكن أن يعنى وضع قوة عظمى أوروبية أمام الولايات المتحدة و إنما خلق قوة فاعلة تحدد مصالحها الخاصة و تجسدها بمسؤولية تضامنية وذلك من خلال : (1) تقوية جميع المنظمات الدولية التي تساهم في - تفعيل حق الشعوب و فردية سلطة الأمم المتحدة - تشجيع نظام اقتصادي عالمي تضامني ينطوي تحت أهدافه التجارة والماليات ونظم عالمية لحق الملكية . (2) وضع سياسة أمنية غير استعمارية و توسيع علاقات التعاون المشترك مع الشرق الأدنى والأوسط وأفريقيا و أمريكا اللاتينية وآسيا (3) رفض صريح لكل أنشطة الولايات المتحدة العدوانية والعسكرية الغير مشروعة و الإستخباراتية, وتفكيك القواعد العسكرية على أراضى الاتحاد الأوروبي, وحظر كل الأنشطة المضادة لحقوق الشعوب داخل الاتحاد الأوروبي . وتعتبر استراتيجية الصراع الصريح هذه مع الولايات المتحدة في المجالات المذكورة شرطاً ضرورياً لدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلي أشكال أخرى من التعاون، ويجب على اليسار في هذا الإطار أن ينضم أيضاً بحزم إلي المطالبة بتخفيض الناتو إلي حلف دفاعي بحت أو حله (تفكيكه) ، فالاتحاد الأوروبي هو الأكثر قدرة من قوى أخرى على تقديم بدائل مسئولة لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية.

النظرية الثالثة – توجه شرقي جديد:

خلق منطقة اقتصادية وأمنية مشتركة والتحول إلي سياسة أمنية جديدة

أسهم توسع الاتحاد الأوروبي بعد عام 1990 جهة الشرق في إيجاد حل سلمي للمشاكل الناجمة عن تفكك الاتحاد السوفيتي، وكان ثمن ذلك أيضاً إضعاف أو التخلص من أشكال التعاون الأوروبية الشرقية والجنوب شرق أوروبية، فبالنظر إلي أوكرانيا وروسيا البيضاء (بيلا روسيا) وأيضاً منطقة القوقاز ووسط أسيا نجد أنه لا توجد منطقة مستقرة من أجل إحلال التكامل والأمن، فقد نشأ هناك اختلال بالتوازنات يمكن أن يؤدي إلي صراعات كبيرة من الصعب حلها أيضاً عن طريق توسيع الاتحاد الأوروبي جهة الشرق ، كما أن نموذج الشراكة (المميزة) يشوبه القصور لأنه يهدف فقط إلي التعاون داخل إطار أوروبا الشرقية ومنطقة القوقاز ، ولا يوجد حتى الآن بدايات لحلول واضحة للمشاكل المرتبطة بذلك، وتعد منظمة الأمن والتعاون الأوروبي واحدة من المؤسسات القليلة التي يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في هذا، إلا أنها ليست قادرة حتى الآن في التأثير بفاعلية على التحالفات الهشة في المنطقة السوفيتية السابقة، والمطلوب على وجه السرعة تغيير للإستراتيجية يستخدم القدرات الذاتية ويدمج معها التراث ويضع نصب أعينه في نفس الوقت التغييرات على المدى البعيد و الربط ما بين التحول والوقاية من الصراعات12، ويصبح في نفس الوقت سياسة تهدف إلي تطوير مشترك للمجتمعات ذات الطابع الأوروبي المسيحي ومجتمعات وسط آسيا ذات الطابع الإسلامي .

النظرية الرابعة – توجه جديد نحو الجنوب:

من أجل اتحاد مع الدول العربية 

من المحتمل أن يدخل العالم العربي والشرق الأدنى كله في مرحلة يغلب عليها استمرار التدخل المكثف من الخارج، وعدم استقرار شديد, وحروب، وحروب أهلية، وتأثير للقوى الأصولية، وكما أكد ريتشارد ن. هاس وهو رئيس مجلس العلاقات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في مقاله عن العلاقات الخارجية فإن "أوهام قيام منطقة جديدة شبيهة بأوروبا – يسودها السلام والرخاء والديمقراطية – لن تتحقق"13 ، ولكن ما لم يقله أن حرب العراق الثانية والتي تمت باسم الديمقراطية زادت من التوتر بين العالم العربي والغرب وزادت من الصراعات في المنطقة ومنعت قيام دول مستقرة 14، ولم يقل أيضا أن صعود أوربا وفيما بعد الولايات المتحدة تطلب تحول العالم العربي من حضارة زراعية إلى حضارة مادية حديثة منذ مائتي عام ، ولكن تمت إعاقة هذا التحول بالاحتلال والاستعمار وهياكل تبعية راسخة . وتاريخ العالم العربي مليء بتناقضات ومآسي هذا التحديث (التحول) الذي تأثر بشدة وتمت إعاقته أيضا بشدة ، فقد أفضت مثلا محاولات إسماعيل باشا حفيد والي مصر محمد علي باشا شق قناة السويس ، ومد سكة حديد بطول أكثر من 900 كيلومتر، وبناء مدارس، وإعادة تنظيم القاهرة.. إلى إفلاس الدولة، ذلك الإفلاس الذي صار حجة لفرض الوصاية على مصر عام 1882 من أجل "حماية" المساهمين البريطانيين، وساهمت هزيمة الدول العربية في الحرب ضد إسرائيل عام 1967 بدرجة كبيرة في فشل مشروع الوحدة العربية والقومية العربية، كما أبقت قضية إسرائيل- فلسطين المستمرة منذ 60 عاما كل المنطقة في حالة حرب دائمة أو حالة استنفار عسكري دائم .15 وما الانقلاب الذي رتبت له وكالة المخابرات المركزية والمخابرات البريطانية ضد نظام حكم المصلح الديمقراطي مصدق عام 1953 إلا مثال آخر، وتمت مواجهة تأميم إيران لصناعة النفط وقيامها بعمل إصلاح زراعي أولا بالمقاطعة ثم بعمل مخابراتي ضد حكومة منتخبة بأغلبية ديمقراطية كبيرة، وأطلق الرئيس أيزنهاور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يد وكالة المخابرات المركزية لتفعل كل "ما يلزم في قضية مصدق"، وفي نفس هذا السياق حدث انقلاب ضد نظام الحكم في الجزائر تسامح معه الغرب، وفي نفس هذا السياق أيضا لم يتم الاعتراف بحكومة حماس في فلسطين عام 2006، كما أن الربط بين سياسة المصالح الاستعمارية العنيفة للدول الغربية والتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان لا يوفر للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان أكثر مما يمكن أن توفره أي أصولية . ويجب على اليسار الأوربي أن يخرج أولا من هذا التشابك ، ويجب أولا أن يعترف بأن علاقته أيضا بالدول العربية تحمل سمات قوية من المركزية الأوروبية ، ويجب عليه أن يدرك أن مجرد التقليد غير ممكن بالنسبة للعالم العربي ، وعليه أن يتغلب على موقفه المعادي للإسلام 16، ويجب عليه أن يشق طريقه الخاص به إلى القرن الحادي والعشرين ، طريق يرتبط بتعايش جديد بين الحداثة والإسلام إن كان يوجد مثل هذا الطريق . ويجب أولا قيام بديل لتلك السيطرة الدينية والحكم الاستبدادي (سعد الدين إبراهيم17)، فما كان يصلح لعام 1956 يصلح اليوم أيضا : "إن ما ما نحتاجه اليوم هو تحول اقتصادي واجتماعي كبير يقوي المجتمع ويجعله قادرا على تحمل عبء الدولة الحديثة. وهذا التطور شرط ضروري لإرساء ديمقراطية حقيقية في الإقليم18" . ونتيجة لتركيبة (لتوليفة) من العوامل الداخلية والخارجية لم يتم التحول ، وطالما لم تحل مشكلة فلسطين وطالما تحتل قوات الولايات المتحدة وقوات من الاتحاد الأوربي دولا عربية أو تهددها سيظل هذا التحول غير ممكن، فقد كان إنهاء السيادة الأجنبية دائما هو الشرط الضروري وإن لم يكن أبدا الشرط الكافي لقيام الديمقراطية وإحداث التطور . ولكن أي أهمية يمكن أن تكون في هذا الإطار للعلاقات الأوربية العربية لإقامة مثل هذه التركيبة من العوامل؟ يقول المثل العربي "عندما لا يكون هناك أمل تتوقف الحياة" (الأمل يحيي النفوس) ، وفي تصوري أن الأمل هو الشيء الناقص (المفتقد) الوحيد– الأمل الواقعي في طريق يأخذنا بعيدا عن الخضوع المتجدد دائما وعن السيادة الأجنبية والحرب والدمار والفقر، واتحاد أوربي بتوجه جديد يمكن أن يساهم في خلق معطيات للأمل، وهذا ليس بكثير ولكنه يمكن أن يصبح ضمن الأوضاع الحالية مصفاة (فلتر) تنقية مهم لطرق تخرج بنا من الأزمة .19 وإن كان مشروع برشلونه لعام 1995 قد ساهم في تشجيع التعاون الثنائي والتفاهم المحدود جدا بين أطراف متعددة، إلا أن منظوره كان قاصرا بشدة عن تحقيق التعاون الجوهري الحقيقي، وكان غير مستعد لحل أهم المشاكل، وعندما يروج الآن ساركوزي مرشح المحافظين للرئاسة في فرنسا لاقتراح إقامة اتحاد البحر المتوسط فإنما يفعل ذلك خاصة لمنع انضمام تركيا للاتحاد الأوربي وتطوير العروض الخاصة بقضايا الهجرة والبيئة والإرهاب20. وينبغي على اليسار الأوربي مواجهة هذه المبادرة بمواقف خاصة به تهدف إلى وضع رؤية بعيدة المدى لاتحاد يجمع بين أوربا والعالم العربي وتقدم المشروع اللازم لذلك، وبهذا يمكن أن ينشأ اتحاد يضم في غضون 20 أو 30 أو 40 عاما ما بين 600 و 700 مليون نسمة، ويوحد مرة أخرى عالم مقسم منذ تفكك الإمبراطورية الرومانية ، عالم له جذور مشتركة قوية، منطقة جغرافية سياسية ذات استقلالية كبيرة تساهم في اللاعولمة التضامنية، اتحاد يمكن أن يكون قادرا على حل مشاكل سياسته الأمنية بطريقة مدنية بمعزل تام عن الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه يجب على ما يبدو الانطلاق من أن الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة لها مصلحة في الحفاظ على دوام الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وصراع الشرق الأدنى عامة لفرض سيطرتها بنفس الدرجة على أوروبا والعالم العربي 21 ، والحاسم لهذا الأمر هو ارتباط رؤية طويلة الأمد بتحقيق مشروعات ملموسة جدا تهتم في نفس الوقت بأكثر المشاكل إلحاحا وتحرز تقدما سريعا للشعوب (على مستوى السياسة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية ..ألخ) وتوسع باستمرار من ديناميكية التعاون الوثيق ، ويجب تشكيل العملية السياسية برمتها من جديد 22 .

ما هي النقاط الأولى التي يمكن أيضا مناقشتها في هذا اللقاء: (1) إنهاء سياسة الحصار و المهل الزمنية المحددة ضد القوى المنتخبة ديمقراطيا في العالم العربي 23, و اتخاذ خطوات واضحة ضد إسرائيل في إشارة إلى أن الاحتلال الدائم للمناطق الفلسطينية وكذلك منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة قادرة على الحياة لا يمكن قبولهما بعد الآن24. (2) تشكيل لجان ديمقراطية مشتركة مثل لجان مجلسي البرلمان العربي الأوروبي وهيئات المجتمعات المدنية, وعقد لقاءات دورية على المستوى التنفيذي و طبعا أيضا عقد لقاءات مشتركة لليسار تجعل جميعها عملية التعاون 25 عملية مؤسسية . (3) تعاون الاتحاد الأوروبي و الدول العربية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني و الصراع بين إسرائيل و دول عربية أخري على أساس خطة جنيف للسلام وتطوير عملية الحل هذه باعتبارها مهمة (واجب) مشترك للسياسة الأمنية و الاقتصادية ة الاجتماعية و الديموقراطية 26 . (4) اتخاذ خطوات جماعية لعمل استراتيجية مشتركة من أجل إنهاء احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وإحلال السلام بالعراق ونشر الاستقرار الديموقراطي والاجتماعي والاقتصادي به . (5) عمل خطة تنمية للعالم العربي تدعم بشكل خاص دول المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية في إطلاق قدراتها و خفض معدل الفقر و البطالة . (6) تشجيع حوار الحضارات و الأديان الذي يربط احترام الآخر بعملية نشر الديموقراطية لديه والتوجه نحو مجتمع مدني .27 إن لقاءنا في القاهرة هو جزء من جهود القوى اليسارية في العالم العربي و أوروبا للمساهمة بطريقة تضامنية في عمل ما هو ضروري لكي لا يظل السلام و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية كلمات جوفاء بعد الآن.









ملاحظات 1) روزا لوكسيمبورج : أوهام السلام . في : الأعمال مجمعة , الجزء الثاني , صفحة 496 2) جيلبرت برنهام , رياض لفته , شانون دووكى , لى روبرتس : Martality after the 2003 invasion of Iraq : a cross-sectional cluster sample survey. 3) يستند هذا على تقديرات المفوض الأعلى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين قارن صفحة النت http:/www.unhcr.de/unhcr.php/aid/1467. 4) قارن : ميشائيل برى Let’s play Golf . Berlin : دار نشر Aufbau Taschenbuch Verlag - 1992 5) توجد وثائق جوهرية على صفحة النت الخاصة باللجنة الأوروبية و هي : http://ec.europa.eu/comm/external_relations/euromed/. 6) قارن في هذا تقرير عام 2006 http://ec.europa.eu/comm/external_relations/euromed/com06_620_en.pdf 7) قارن : جونتر هوزر : The Medierranea Dialogue – A Transatlantic Approach. AIPA 2/2005 8) جيريمي ريفكن : الحلم الأوروبى دار نشرCampus-Verlag -2004 9) "من وجهة النظر الأمريكية لم يكن هناك(بعد 1954- MB)تعارض بين سيطرة ما وراء الأطلنطي و الاندماج الأوروبى الغربي , بل كانا وجهان لنفس العملة " . فيرنر لينك : سياسة الأمن الأوروبية . مخرج أوروبا من عدم الأهلية الذي تسببت فيه لنفسها . في : ميركور , العدد 617/618 (2000) , صفحة 916 و الصفحة التي تليها . 10) Zbigniew Brzezinski: The Grand Chessboard: American Primacy and Its Geostrategic Imperatives ,Basic Books 1998 . 11) تسبيجنيف برتسيتسينكى : القوة العظمى الوحيدة . إستراتيجية السيادة لأمريكا . فرانكفورت على نهر الماين 1990 12) أرنيه كليمنس زيفرت : تحول النظام و الوقاية من اندلاع صراع – حان الوقت لتغيير الإستراتيجية . في : تحول النظام و الوقاية من اندلاع صراع – مسؤولية مشتركة للشرق و الغرب . روزا لوكسمبورج : مخطوط 9 , برلين 2000 , صفحة 12-20 13) Richard N. Haass : The New Middle East. In : Foreign Affairs, November/December 2006 (http:/www.foreignaffairs.org/20061101faessay85601/Richard-n-haass-new-middle-east.html. 14) قارن :Bassam Tibi : From Islamist Jihadism to Democratic Peace? In: Ankara Papers 16, London :Taylor& Francis 2005, S. 1-41; Glen Rangwala: Iraq in Fragments: The Occupation and its Legacy. Cornell University Press 2006. 15) عن هذا التاريخ للشرق الأدنى و الأوسط تحت سيادة غرب أوروبا و الولايات المتحدة قارن أيضا بيتر مانسفيلد؛ نيكولاس بيلهام : تاريخ الشرق الأوسط . لندن : بينجوين 2003. هنا يتضح كيف أن السياسة الحالية أيضا امتدادا للاستعمار و الاحتلال الكلاسيكي بينما ترتبط الخصخصة و أوامر صندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية ارتباطا وثيقا بالإشكال التقليدية للتدخل الغير مباشر . 16) و ينبغي أن يسرى أيضا على اليسار : "يجب على الشعوب الغربية أن تدرك أنه ليس من مصلحتها أن يبقى الإسلام متعافيا وقويا. فالغرب لم يكن مسئولا بالكامل عن أشكال الإسلام المتطرفة التى زرعت العنف وتتجاهل الأحكام الدينية المقدسة. ولكن الغرب قد أسهم بالتأكيد في هذا التطور.. ويجب أن يعمل من أجل تقييم أدق للإسلام"

  Armstrong: Islam. A Short History . London: Phoenix Press 2002, S. 158.  

إن تحريف معنى الديموقراطية وحقوق الإنسان على هيئة أيدلوجية تضفي شرعية لصالح شن الولايات المتحدة الأمريكية والناتو لحروب هجومية ليس أقل شذوذا من تحريف الدين لتبرير الإرهاب . 17)Club de Madrid: Democracy, Terrorism and Security. Brochure for the International Summit on Asfe Democracy, Terrorism and Security, Madrid,8-11 March 2005. 18) Charles Issawi: Economic and Social Foundations of Democracy in the Middle East. In: International Affairs, vol.32,No. 1, January 1956, S.28. تقول نهال الشهال "لا الجهود الدولية ولا الإطار هما المشكلة، على الرغم من تطبيقات كل منهما، والتي تستدعي بالضرورة القييم والتمحيص. تكمن المشكلة الحقيقية في افتقار القوى المحلية- المعنية مباشرة- للقدرة على تطوير حلها الممكن الوحيد أو حتى تحديد الدور الذي يتعين عليها القيام به" The Civil Wars That No One Wants but Everyone Creates. Saturday 17. February 2007 )http://aternatives-international.net/article.628.html( و لكن في ظل هذه المعطيات يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورا حاسما و يجب على الاتحاد الأوروبى أن يتحرر من أسر الولايات المتحدة فيما يختص بسياسة الشرق الأوسط لتحسين هذه المنطقة . قارن في هذا أيضا مطالبة السفير السابق لإسرائيل قي ألمانيا آفى بريمورأن الأوروبيون مطلوب تواجدهم نظرا لفقدان الرغبة (الإرادة) من جانب الولايات المتحدة : " يستطيع الاتحاد الأوروبى إذن أن يقدم مبادرة و يلعب دورا قياديا . و لكن هل لديه الشجاعة لذلك ؟ " آفى بريمور : الشرق الأدنى (الأوسط – المترجم) يحتاج الى مبادرة أوروبية. صحيفة فرانكفورتر ألجمينه بتاريخ 17 فبراير 2007 . 20)http://de.news.yahoo.com/08022007/12/sarkozy-mittelmeer-union-vorbild-eu-gruend en-franzoesischer-praesidentschaftskandidat-europas.html 21) "إن شكل الشرق الأوسط الجديد الذي تريد الولايات البدء بتكوينه- وخاصة منذ حرب العراق وحصار غزة- هو الشرق الأوسط المبني على أنقاض اتفاق سايكس بيكو، ليس بمعنى أن يحل محله المزيد من التعاون واللحمة والوحدة، وإنما بالمزيد من التمزيق بالطبع. إنهم يريدون تحويل هذا الإقليم عن طريق خلق كيانات طائفية متناحرة، يكون أقواها الكيان الصهيوني المبني أساسا على مفهومين: الجيش الذي لا يقهر والقبلية اليهودية العنصرية. وبهذه الطريقة يمكنهم السيطرة مباشرة على الدول القزمية في الإقليم ونهب ثرواته". The new Middle East? Interview with the general secretary of the Lebanese Communist Party, Khalid Haddadeh (http//alternatives-international.net/article326.html). 22) أندرى جربر : الشرق الأدنى/ الأوسط و أفريقيا المنطقة المحاصرة في مفترق الطرق . مؤسسة فردريش إيبرت . يناير 2007 – صفحة 25. 23) كان واحدا من أكبر أخطاء الاتحاد الأوروبى أنه ترك الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل يدفعونه دفعا لسياسة عدم التعاون مع حكومة حماس في فلسطين . قارن في هذا الشأن أيضا : ناصر إبراهيم : The Hidden Agenda of the War on Gaza > Wednesday 6 December 2006 (http://alternatives-international.net/article473.html). 24) صور الكاتب أموس أوز حوارا في الخمسينيات في أحد معسكرات عمل المستوطنتين الإسرائيليين الزراعية ( الكيبوتز ) يعرض مأساة الصراع في الشرق الأوسط من وجهة النظر اليهودية الإسرائيلية : " اندلعت عام 1948 حربا مروعة ... و انتصرنا و أخذنا منهم ( الفلسطينيين العرب ) شيئا . و هذا ليس سببا للفخر, و لكن لو كانوا قد انتصروا علينا عام 1948 , لكان سبب الفخر أقل : لأنهم لم يكونوا ليتركوا يهوديا واحدا على قيد الحياة ... و لكن هذا هو الوضع : لأننا أخذنا منهم 1948 ما أخذناه فنحن نمتلك الآن شيئا, ولأننا نملك الآن شيئا من غير المسموح به لنا أن نأخذ منهم أكثر . انتهي . و هذا هو كل الفرق بيني و بين سيدك بيجين : و إذا أخذنا منهم يوما ما شيئا أكثر فيما هو لدينا بالفعل فسيكون ذلك خطيئة كبيرة " آموس أوز : قصة الحب و الظلام . فرانكفورت على نهر الماين : سور كامب 2006- صفحة 679 . 25) "ما نفتقر إليه في الشرق الأوسط ليس سياسات بديلة، وإنما عملية سياسية وإطار أمني يساعدان القوى الإقليمية في القضاء على البدائل السياسية السيئة، ويرشدانها إلى تحقيق الأهداف المشتركة". George Willcoxon: An Alternative Middle East Strategy . September 28, 2006, Middle East (http://www.policymatters.net/2006/09/an_alternativ_middle_east_str.html) 26) http://www.uni-kassel.de/fb5/frieden/regionen/Nahost/genf-deutsch.html. قارن أيضا تحليل السيناريو للشرق الأوسط بمعرفة جيرومى س. جلين و تيودور جى جوردون : Ac/UNU – Millennium Project. Three Middle East Peace Scenarios (http://www.acunu.org/millennium/ME-Peace-Scenarios.html).




(2) الدفاع عن الإنسانية يتطلب راديكالية النضالات الشعبية

 د. سمير أمين
(1) الرأسمالية: منظومة بالية أصبحت عدواً للإنسانية

إن الرأسمالية، مثلها كمثل جميع النظم الاجتماعية التاريخية، قد أنجزت – فى مرحلة صعودها- وظائف تقدمية (مقارنة بتلك التى أنجزتها المنظومات السياسية السابقة عليها): فقد حررت الفرد من كثير من العوائق التى فرضتها عليه النظم الأسبق، وطورت قوى الإنتاج إلى مستويات غير مسبوقة، وصهرت العديد من الجماعات الصغيرة فى صورة الأمم التى نعرفها الآن، ووضعت أسس الديمقراطية الحديثة. بيد أن كل هذه الإنجازات قد اتسمت وتحددت وفق طبيعتها الطبقية: ألا وهى أن الفرد "الحر" لا يعدو فى الحقيقة أن يكون "الرجل البرجوازى الثرى"، بينما حافظت الأبوية المستمرة على إخضاع نصف البشرية المتكون من الإناث، واحتجزت فوائد الديمقراطية لمصلحة ذلك البرجوازى، كما ارتبط استغلال الطبيعة بمنطق الحساب المالى قصير الأمد الذى سيطر دائماً، مما أفسح المجال أمام تهديدات خطيرة على الأمد الطويل؛ كذلك انحسرت حقوق الأمم فى تلك المنتمية إلى المراكز المسيطرة بينما تم إنكار هذه الحقوق ذاتها وبشكل منهجى على الشعوب فى الأطراف المستعمرة والخاضعة للسيطرة. ومع ازدياد نجاحات التوسع العولمى للرأسمالية، نمت بثبات أيضاً حدود الرأسمالية، وبما أوصلنا إلى الأبعاد المأسوية التى نشهدها اليوم. لم تعد الرأسمالية المعولمة المعاصرة توفر أى إطار ملائم لتحقيق خلاص الإنسان، سواء على نحو فردى أم جماعى. فالرأسمالية ليست فقط تلك المنظومة المبنية على استغلال العاملين (وخاصة الطبقات العاملة)، وإنما أصبحت أيضاً العدو للإنسانية جمعاء. ليس لدى الإمبريالية الحديثة ما تعطيه للأغلبية الساحقة من شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية (التى تشكل ثلاثة أرباع سكان الكوكب)، إذ إن استمرار تطورها – وهو كما أسلفنا يميز القلة وفق شروط محددة – يتطلب بالمقابل إفقاراً هائلاً للآخرين (وبخاصة المجتمعات الفلاحية التى تشكل قرابة نصف البشرية)، بل وقد يتطلب منها الأمر الإقدام على ممارسات تقترب فى طابعها من إبادة الجنس البشرى. إن استمرار سيطرة رأس المال على مجمل تلك الأطراف التى تقف شعوبها على حافة التمرد المستمر جراء تلك السياسات (أى "منطقة الاضطرابات"، تلك التى تدعى اليوم فى رطانة سادة المنظومة باسم الدول "المارقة" وأوكار الإرهابيين)، يتطلب عسكرة العولمة. وهى العملية التى تستبعد الدمقرطة الحقيقية المرتبطة بالتقدم الاجتماعى، باعتبار الأخيرة الإمكانية الحقيقية الوحيدة أمام تلك الشعوب. أما فى المراكز الغنية فى المنظومة العالمية، فلم يعد بإمكان الرأسمالية أن تقدم الكثير لشعوبها فيما عدا النزعة الاستهلاكية التى تتسبب فى استلاب وتدمير الفرد، وعلاقات الإخوة الإنسانية، والخلاص الحقيقى للنساء، والبعد التحريرى للممارسة الديمقراطية. ويجب أن يكون واضحاً أن هذه "المزايا" توزع بشكل متزايد على نحو غير متساوٍ. ففى ظل الأشكال القديمة من الممارسات "البرجوازية المبادرة" حلت الرأسمالية الحديثة محل دكتاتورية البلوتوقراطية. ولكن الخداع المتواصل لتلك الشعوب (وبخاصة تعبئتها ضد الضحايا الرئيسيين للمنظومة – أى الشعوب فى الأطراف- تحت دعوى ما يسمى "صدام الحضارات") يلقى الدعم من سيطرة البلوتوقراطيات نفسها على وسائل الإعلام، وحيث يتم اختزال الديمقراطية فى ممارسات خالية من المضمون ومنحسرة النطاق، ومن ثم تدمير مشروعيتها. أما على المستوى العالمى، فإن التراكم المستخلص من منطق الهيمنة الكلية للربح الرأسمالى يعنى التدمير المتسارع للقواعد الطبيعية لإعادة إنتاج الحياة فى سائر أنحاء الكوكب، واستنزاف الموارد غير المتجددة (وبخاصة النفط)، والهدم الذى يصعب إصلاحه للتنوع البيولوجى، وعمليات التدمير البيئي واسعة النطاق التى قد تهدد الحياة نفسها على الكرة الأرضية. وهنا ينبغى أن يكون واضحاً أن عمليات التدمير هذه تفضى إلى اتساع اللامساواة فى الحصول على "الفوائد" التى يمكن توفرها على الأمد القريب للفئات المميزة. فحينما يعلن الرئيس جورج دبليو بوش أن "الطريقة الأمريكية فى الحياة غير قابلة للتفاوض"، فإن هذا يعنى عملياً إقصاء كل إمكانية "للحاق" من جانب شعوب القارات الثلاث، وذلك من أجل قصر النفاذ الحصرى إلى موارد الكوكب ككل وتبديدها على البلدان الإمبريالية وحدها (الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، ثم يأتى بعدها الأوربيون واليابانيون). إن الفتح القسرى لميادين جديدة لتوسيع سيطرة البلوتوقراطيات الراسخة- من خلال خصخصة الخدمات العامة (الصحة والتعليم...) والإنتاج الملبى للاحتياجات الضرورية (المياه والكهرباء والإسكان والنقل....) ينتهى دائماً إلى تفاقم اللامساواة والقضاء على الحقوق الاجتماعية الأساسية للطبقات الشعبية. إن المنطق الحصرى للعقلية ضيقة الأفق والتى تنظر إلى كل شىء من زاوية العائد على رأس المال فى الأمد القصير، ينطوى على دعوة إلى تفجر تطورات إجرامية أو منذرة بسلوك إجرامى (وخاصة من خلال التكنولوجيا الحيوية). لقد أصبحت الرأسمالية العدو الأول لكل الإنسانية، وأضحى من الواجب النظر إليها كمنظومة "بالية". بل حتى يمكننى القول إنها منظومة "خرفة" وعلى الرغم من النجاحات الظاهرة التى تحرزها فى سياق توسعها. ومن ثم فإن الدفاع عن الإنسانية يتطلب منا أن ننتقل إلى طرق جديدة مبنية على المبادىء الجوهرية، وليست تلك المبنية على التراكم وإعادة الإنتاج الرأسمالية/ الإمبريالية المعولمة.

2- ضرورة إضفاء الطابع الراديكالى على النضالات الشعبية إن عدوانية رأس المال السوقى المعولم الواقع تحت سيطرة البلوتوقراطيات المالية، يتصادم مع المقاومة المتصاعدة للشعوب فى كل الكوكب، مما يفسح إمكانية حقيقية لهجمات مضادة وتدابير انتقامية. بيد أنه يجب ملاحظة أن كلاً من المقاومات وردود الأفعال عليها آخذة فى التفتت. ففى البلدان الغنية بالمراكز الرأسمالية هناك مقاومات لابد وأن تؤسس إلى حد كبير على أرضية الدفاع عن المكاسب التى تتعرض للهجوم كل يوم بفعل التوسع فى السياسة الليبرالية. وفى بعض المجتمعات الطرفية تتبلور ردود فعل انتقامية حول مشروعات ثقافوية ظاهرة التخلف، والتى تعتبر غير قادرة على مواجهة تحديات القرن الحادى والعشرين. إن أغلبية الحركات المتصارعة حاليًا مع السلطة الجديدة للبلوتوقراطيات لا تضع المبادىء الجوهرية للرأسمالية نفسها محل تساؤل، حتى لو كانت هى المنشأ الحقيقى للمآسى الاجتماعى التى تسقط الجماهير الشعبية ضحية لها. فهذه الحركات تدرك عواقب المنظومة، دون أن تنشغل بما فيه الكفاية بالآليات التى أفرزتها. وهذا هو سبب عدم نجاح تلك النضالات حتى الآن فى تعديل ميزان القوى لصالح الطبقات الشعبية، حتى لو كانت قد حققت بعض الانتصارات بالفعل هنا أو هناك. إن إضفاء الطابع الراديكالى على هذه النضالات – وأعنى به الوعى بالطابع البالى للرأسمالية- هو الذى سيحكم قدرتها على إنتاج بدائل إيجابية. وهو أمر ممكن وضرورى فى آنٍ واحد. وعلى الرغم من التباين الشديد فى الشروط الموضوعية لإدخال الطبقات العاملة وأممها فى المنظومة الرأسمالية/ الإمبريالية المعاصرة، فإن جميع شعوب العالم تتطلع نحو التقدم الاجتماعى والديمقراطية الحقيقية والسلام. ومعنى أن تكون راديكالياً اليوم هو أن تجمع بين الأبعاد المختلفة للتحدى، لا أن تفصل بينها، ألا وهى:- أ-الربط بين دمقرطة جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفى الأسرة والعمل والمدرسة والجيرة والأمة ككل، وبين التقدم الاجتماعى للجميع، على أن تكون البداية بالفئات الأكثر فقراً. فليس من الممكن فصل الدمقرطة الحقيقية عن التقدم الاجتماعى (أنظر مقالتى تحت هذا العنوان). إذ لا يكفى الدفاع عن حقوق الإنسان، والحق فى العمل، و"الفرصة المتساوية" كما يقولون، للرجال والنساء فى كل مكان، وهى حقوق مشروعة بالفعل، وإنما يجب إنجاز المزيد عن طريق إدماجها فى إطار مشروع عالمى للبدء فى الانتقال نحو الاشتراكية. وإذا كان من الواجب احترام تنوع الرؤى فى حد ذاته، وباعتباره يثرى الرؤية أيضاً، فإن هذا لا يجوز أن يصبح عقبة كأداء أمام بناء وحدة الطبقات العاملة وأممية الشعوب. ب - ضرورة احترام استقلال وسيادة الدول والأمم والشعوب، وبناء منظومة دولية متعددة المراكز تقوم على أساس هذا الاحترام. وهو ما يعد شرطاً جوهرياً لتقليص صراعات المصالح الناجمة عن تفاوت النمو الرأسمالى، ولإزاحة الصراعات العنيفة على السلطة ليحل محلها الالتزام بالتفاوض، وللقضاء على حروب الشمال التى لا تنتهى ضد الجنوب، والتى صارت تطبع الحقبة التاريخية الراهنة. وهو ما يعنى بالتحديد بناء "جبهات متحدة" (وبخاصة تجديد حركة عدم الانحياز وتحالف القارات الثلاث) حول الأهداف المشتركة، وكذا إزاحة المؤسسات القائمة على خدمة رأس المال المالى المعلوم (مثل منظمة التجارة العالمية، صندوق النقد الدولى، البنك الدولى، حلف الأطلنطى، الاتحاد الأوربى بوضعه الحالى، المشروعات الإقليمية مثل اتفاقية التجارة الحرة للأمريكتين، وتلك المشروعات المعنية بالعلاقات بين الاتحاد الأوربى وبلدان أفريقيا والكاريب والمحيط الهادى) لصالح مؤسسات أخرى لإدارة العولمة. وقد اتخذت بالفعل بعض الخطوات المهمة فى هذا الاتجاه، مثل مشروع "البا" وإلى حد ما "ميركسور" فى أمريكا اللاتينية، ومجموعة شنغهاى فى آسيا. ومع هذا فلا زلنا بعيدين جداً عن القدرة على توجيه دفة المؤسسات القائمة، حتى وإن كانت قد فقدت مشروعيتها بالفعل فى أعين الشعوب. ومما يؤسف له أن الكثير من المناضلين فى الحركات المنخرطة فى الصراع، وبالذات فى البلدان الغنية بالمراكز الإمبريالية (أو "الثالوث" الذى يتشكل من الولايات المتحدة وكندا - ويجب أن يضاف إليهما استراليا- ، وغرب ووسط أوربا، واليابان) يرفضون فكرة الدفاع عن الأمم، ويتسرعون بوضع هذه الفكرة فى خانة الشوفينية العدوانية. وفى رأيى أنهم بهذا يتخذون جانب الرأسمالية الإمبريالية المعولمة، سواء أحبوا هذا أم لا. إن إضفاء الطابع الراديكالى – مفهوماً كما أوضحته فى العناصر السابقة- هو مرادف لتسييس النضالات وتأكيد للبديل الاشتراكى. ونعنى بالتسييس: الوعى المباشر بأنه لا يمكن لحركة اجتماعية ما أن تدعى لنفسها طابعاً "لا سياسى" حتى وإن بدت هذه الحركة كاستجابة مشروعة لمنطق التعبئة التى تقوم بها القوى السياسية المتواجدة، وحتى لو كان من المشروع تماماً رفض شعار "الطليعة" الذى تلجأ إلى رفعه بعض الأحزاب، كبيرة كانت أم صغيرة. ويتطلب إضفاء الطابع الراديكالى – فى المرحلة الراهنة إعطاء الأولوية لإلحاق الهزيمة بمشروع السيطرة العسكرية على الكوكب لخدمة العولمة البلوتوقراطية.

3- فى مواجهة العدوان الإمبريالى: لا مفر من التعبئة المسلحة لشعوب الجنوب

تتسم الحقبة الحالية بتجدد التوسع الإمبريالى، بالاتحاد مع الشركاء فى "الثالوث" سابق الذكر. ويعنى هذا الاتحاد (والذى جعلنى أذهب إلى وصفه بالإمبريالية "الجماعية"، مقارنة بإمبرياليات الماضى التى انخرطت فى صراعات متواصلة فى ما بينها) وفق رؤية الطبقة الحاكمة فى الولايات المتحدة، يعني الانحياز غير المشروط لها من جانب شركائها الخاضعين. وقد يرغب الأوربيون – دون أن ينازعوا واشنطن فى القيادة – بالتمكن من تحقيق مشاركة أكبر فى صياغة استراتيجية مشتركة، وفى اقتسام للمنافع المستخلصة يكون أقل إجحافاً. وعلى أية حال، يشكل التوسع الإمبريالى "حرب مائة سنة" جديدة للشمال ضد الجنوب، فى ما يعد استمراراً لعدوان لا ينتهى منذ العام 1492. إن الطريقة التى تنظر بها البلوتوقراطيات للعالم تقدم لنا فى صورة مصطلح "العولمة" المائع، كما لو كان يشير إلى شكل آخر غير الذى يقع فى الحاضر. والحادث فعلياً أن عنف التناقضات بين مصالح الشعوب والأمم فى أطراف المنظومة وبين مصالح القطاعات السائدة من رأس المال المعولم، قد بلغ من الحدة فى عصرنا ما يجعل العولمة معسكرة بالضرورة، وحيث تلقى هذه العولمة ضمانات الحماية من السيطرة العسكرية على العالم، وحسبما أعلن حكام واشنطن أنفسهم. إن المشروع الأمريكى، مدعوماً بالحلفاء الأوربيين (وإسرائيل فى ما يتعلق بإقليم الشرق الأوسط) يتطلع إلى فرض السيطرة العسكرية على مجمل الكرة الأرضية. وفى إطار هذا المنظور تم اختيار الشرق الأوسط ليكون ميدان "الضربة الأولى" لأربعة أسباب: أولاً: توجد فيه أكبر الموارد النفطية فى العالم، ومن ثم فإن السيطرة الأمريكية المباشرة عليه تعطى واشنطن موقعاً متميزاً بين حليفتيها (أوربا واليابان) وفى مواجهة الخصوم المحتملين (الصين مثلاً) والذين يعانون جميعاً من وضع غير مريح فى الاعتماد على واردات الطاقة من الخارج. ثانياً: يقع هذا الإقليم فى قلب العالم القديم، بما يساعد فى توجيه التهديد العسكرى المستمر ضد الصين والهند وروسيا. ثالثاً: إن الإقليم يمر حالياً بحالة من الضعف والاضطراب، وهو ما يسمح للمعتدين بتحقيق نصر سهل، على الأقل الأمد القريب. رابعاً: تملك الولايات المتحدة بالفعل حليفاً وثيقاً فى الإقليم، هى إسرائيل التى تملك أسلحة نووية. ويهدف المشروع الأمريكى إلى وضع الإقليم كله تحت السيطرة العسكرية لواشنطن (متذرعة بتصدير "الديمقراطية") وإقامة نظام نيوليبرالى يخدم مصالحها حصراً. بل إن واشنطن قد ربطت نفسها بخرافات الصهيونية، وأخذت على عاتقها تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية أو دينية، وفرض إسرائيل لنوع من "الحماية" على هذه الدويلات وفى إطار سيطرة الولايات المتحدة. وها هو تنفيذ ذلك المشروع يمضى قدماً، حيث احتلت ودمرت فلسطين والعراق وأفغانستان، وتوجه التهديدات السافرة إلى سوريا وإيران بعد ما حدث للبنان. ولكن إفلاس هذا المشروع الأمريكى ليس أقل وضوحاً، فمقاومة الشعوب لم تضعف، وهاهو الشعب اللبنانى قد تعلم درس الوحدة فى الدفاع عن مقاتليه في ما خيب آمال تل أبيب وواشنطن والأوربيين. واستطاعت المقاومة اللبنانية باستخدام وسائل بسيطة أن تزعج القوات المعادية المدججة بالسلاح، وبخاصة الجسر الجوى الذى أقامته الولايات المتحدة من قاعدتها الحربية فى دييجوجارسيا (وهو ما يبين أهمية مثل تلك القواعد لمشروع واشنطن العالمى الإجرامى). والآن بعد أن أثبتت المقاومة الشعبية المسلحة فعاليتها فى جنوب لبنان، أصبحت كل جهود الولايات المتحدة وأوربا تستهدف نزع سلاحها، من أجل تمكين إسرائيل من تحقيق نصر سهل فى العدوان القادم. ولقد بات من الضرورى اليوم، أكثر من أى وقت سابق، الدفاع عن الحق غير المذكور للشعوب فى المقاومة المسلحة للمعتدين الإمبرياليين ووكلائهم الإقليميين. إن هذا المشروع لا يحمل الموت لإقليم "الشرق الأوسط الكبير" وحده. فنشر ما يزيد عن 600 قاعدة عسكرية أمريكية موزعة فى مختلف أنحاء العالم، يهدف إلى إرساء سيطرة واشنطن على العالم بأكمله، بما فيه المجتمعات الخاضعة فى مناطق الثالوث والمجبرة – بسبب افتقارها إلى قدرات عسكرية وسياسية مكافئة – على الاصطفاف وراء نزعة الهيمنة الأحادية الأمريكية، قانعة بالاشتراك فى المغانم الناتجة عن نهب الكوكب لصالح الإمبريالية الجماعية الجديدة. وفى هذا الأفق أيضاً طورت الولايات المتحدة وشركاؤها مذهباً عسكرياً جديداً، يهدف إلى منحهم "تفوقا مطلقا" على سائر خصومهم، وبالذات شعوب وأمم الجنوب. ولا شىء جديد بالطبع فى أمر هذا التفوق فهو بلا ريب نتاج طبيعى لطابع اللاتكافؤ الملازم لتطور الرأسمالية ذاتها، والذى مكن الشمال منذ العام 1492 من تعزيز موقفه فى مواجهة الجنوب، حتى لو كان ثمن هذا شن حروب الفتح الاستعمارى الطويلة (ناهيك عن الحروب التى اندلعت بين القوى الإمبريالية نفسها). وقد تعرض هذا التفوق المطلق للتحدى لبعض الوقت من جانب القوة العسكرية السوفيتية، وكذلك القدرات العسكرية الذاتية للبلدان المحررة فى آسيا (الصين، فيتنام..) وآخرين قلائل (مثل كوبا..). إن المنعطف السياسى الراهن بما فيه من اختلالات فى القوى، قد مكن الطبقات المسيطرة فى الإمبريالية الجماعية من تخيل نموذج جديد فى "الحرب" لم يعد يتطلب احتلال الأرض بكل ما ينطوى عليه من مصاعب ومخاطر. وتختزل "الحرب" الحديثة الآن فى القصف الجوى الموسع (والذى لا يمكن للضحية القيام برد مماثل عليه)، وتدمير جميع البنى التحتية وكل سبل البقاء للضحايا. ولا يستبعد هذا الشكل من "الحرب" إمكانية اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية – "عند الضرورة" كما أعلن جورج دبليو بوش- وسائر أسلحة التدمير الشامل الأخرى (حتى لو كانت "محرمة" دولياً) مثل: الألغام المضادة للأفراد، والقنابل الانشطارية، والعنقودية (وكلها تستخدمها إسرائيل) والأسلحة الكيماوية والبيولوجية. والغرض من اللجوء إلى هذا الشكل من الحرب بالغ البساطة، ألا وهو إرهاب جميع السكان، أما فى حال اندلاع المقاومة (المسماة "انتحارية" من قبل الخبراء العسكريين الجدد فى البنتاجون) فيكون الهدف استئصالهم (الإبادة الجماعية). ويخبرنا "دانييل إليسبرج" – من خلال نشر وثائق للبنتاجون- أن الإبادة الجماعية محل الحديث كانت النظر فى تصفية حوالى 600 مليون إنسان (أى مائة ضعف الهولوكوست حسبما يكتب) فى إطار سلسلة لا تنتهى من "الحروب الوقائية". وهكذا يتضح أن الولايات المتحدة هى بحق الدولة الإرهابية والدولة المارقة بامتياز. أما الخطابات الرنانة عن القانون الدولى، والقانون الإنسانى والديمقراطية فلا معنى لها يمكن أن يصمد أمام هذه الحقائق. ولم يعد أمامنا إلا الدفاع عن أنفسنا، وأن نعد جيداً لهذا الدفاع حتى نجبر البلوتوقراطيات القائدة للمنظومة عن التراجع عن مشروعها هذا. وعندئذ سيمكن للمرء أن يتحدث عن القانون فى ظل شروط تمكنه حقاً من الازدهار. وتمثل التكنولوجيا الحربية الحديثة ميزة ثانية مهمة، ألا وهى "الحرب بدون خسائر بشرية" (للمعتدين بالطبع). وهو ما يلبى "احتياجا" إزاء التطور الملحوظ فى مجتمعات الشمال التى لم تعد تقبل وقوع مجازر الأزمان الماضية. ويرى واضعو مذهب "صفرية الخسائر البشرية" أنه كفيل بإقناع الشعوب بإيقاع المجازر بالآخرين. ومما يؤسف له أن هذه هى الحالة الآن فيما يتعلق بالشعب الأمريكى. أما فيما يتعلق بأوربا فقد اختارت سلطاتها التزام جانب الصمت. ولا يمكن لشعوب الجنوب مواجهة هذا التحدى إلا من خلال الاستعداد –عسكرياً- للمجابهة. إن أجهزة الإعلام العاملة فى خدمة الإمبريالية تقول لنا: "انزعوا سلاحكم، نحن قادمون لمهاجمتكم" ولا يمكن الرد على هذه الدعوة بالغة الغرابة والخسة إلا بأن تضطلع شعوب ودول الجنوب بتطوير قدراتها العسكرية إلى المستوى المطلوب وبالأشكال الملائمة لردع العدو. لقد شهد القرن العشرون تقدم وانتشار حركات التحرر الوطنى للشعوب فى الأطراف. وقد اضطر الكثير من الحركات الشعبية إلى امتشاق السلاح فى مواجهة التدخلات العنيفة من قبل الإمبريالية. واستطاعت تحقيق النصر فعلاً، وحيث صاغت نظرية حربية واستراتيجية ملائمتين، كان من نماذجها الجيش الشعبى الصينى، وحرب العصابات فى فيتنام والجزائر وكوبا والمستعمرات البرتغالية. واستندت فعاليتها إلى المبدأ المزدوج للتعبئة الشعبية الواسعة (بما فيها تسييس القوات المسلحة وإشراكها فى التحولات الاجتماعية التقدمية) واكتساب المعدات والتقنيات القتالية المناسبة. وقد أسهمت الكتابات العسكرية للبلاشفة وماوتسى تونج وإميلكار كابرال فى بناء نظرية "السمك فى الماء"، وحيث كان العدو يخوض القتال على أرض مجتمعات تمور بالثورة فى الأطراف. وقد أفضت نضالات التحرر الوطنى الرأسمالية فى العالم الثالث إلى بناء سلطات برجوازية متنوعة فى طبيعتها، وتتراوح بين التسليم النيوكولنيالى والمحاولة البرجوازية الراديكالية لفرض نظام دولى أقل إجحافاً. ويعد المذهب العسكرى لدول العالم الثالث من وظائف طابعها السياسى والاجتماعى، وبعبارة أخرى: توهم البرجوازية الوطنية إزاء المشروع الذى تحمله. وفى هذا ساد تصور القوات المسلحة باعتبارها قوى للبوليس الداخلى أساسًا. بينما شرعت النظم الراديكالية فى عملية يمكن أن تتحدى ذلك التصور، غير أنها ظلت أسيرة الطابع البرجوازى للطبقة، والذى لا يمكنه التسامح مع فكرة حلول "الشعب المسلح" محل العدو التقليدى. وفوق هذا فإن التصور الخاص باللعبة الدبلوماسية من أجل دعم الوطن فى صراعه مع الإمبريالية، قد ارتكز على الحليف السوفيتى، الذى ينتظر منه التزويد بالأسلحة الحديثة، مع الاستمرار فى التهديد بالتدخل إذا دعت الحاجة. وفى الوقت نفسه فإن هذه النظم لم تنظر إلى الصراع مع الإمبريالية خارج الطابع المؤقت. وهذا يفسر لنا كيف فكر هذا النوع من النظم فى العالم العربى أنه يستطيع دق إسفين بين عدوه المباشر (إسرائيل) وحلفائها الأمريكيين والأوربيين، وحيث تركت هذه النظم خياريها مطروحين على الجبهة الدبلوماسية، وبالتحديد إمكانية تخفيف التحالف مع السوفييت (بل وحتى نقضه تماماً) إذا اتخذ الغرب خطوات جادة نحو الاعتراف بالحقوق العربية. ونحن نعرف جيداً كيف سقطت النظم الراديكالية فى هذه المصيدة، حتى قبل اختفاء الاتحاد السوفيتى، وحيث بادرت هى نفسها بالتقرب إلى الولايات المتحدة وأوربا دون أن تحصل على الثمن فى المقابل. بل على العكس تماماً، فإن العدو هو الذى انتهز الفرصة للإطاحة بالنظم الوطنية، أو إنهاء اتجاهاتها الراديكالية، ومن ثم خضوع هذه البلدان لمخاطر فرض الصبغة الكمبرادورية. واليوم، فى إطار المشروع الأمريكى والإمبريالية الجماعية، وضعت قوات الانتشار السريع لحماية المعتدين من التورط فى حروب بلا نهاية. وهو التطور الذى جاء نتيجة حتمية لمنطق الحرب الاستباقية التى تشن "قبل أن يصبح الوقت متأخراً جداً"، أى قبل أن تتمكن القوى السياسية والاجتماعية الوطنية والشعبية من الإمساك بالسلطة. ومن ثم فإن أهداف الانتشار السريع هى الإطاحة بحكومة محكوم عليها بعدم القدرة على صد حركة شعبية راديكالية، أو بحكومة تتشكك – بسبب من ضعفها أو ديماجوجيتها- فى الوضع القائم الإمبريالى. ومعنى هذه الاستراتيجية ضرورة التحكم التام فى تغيير السلطة، وينبغى أن تكون الوسائل العسكرية قادرة على توجيه ضربة قاصمة فى وقت قصير لتدمير القدرة على تنظيم المقاومة. ولكنها يجب أن تكون أيضاً عملية "منخفضة التكاليف" بالنسبة للمعتدين، فلا يسقط فيها سوى نفر قليل جداً من جنودهم. ومن ثم فإن بناء قوة ردع فى خدمة شعوب العالم الثالث ليست مسألة مرتبطة بالتكنيك والتسليح العسكريين فقط، وإنما هى عملية سياسية بالدرجة الأولى. وبالتالى فإن بناء هذه القوة يجب أن يؤسس على دعامتين اثنتين: جيش شعبى (مثال "الشعب المسلح")، ووسائل عسكرية فعالة. ولما كان الهدف السياسى لقوة الانتشار السريع هو الإطاحة بنظام ما، يصبح من الحيوى جعل هذا الهدف مستحيل التحقيق (أو بالغ الصعوبة على أقل تقدير). وستظل السلطة المحلية الدكتاتورية محل انكشاف دائم أمام التهديدات إذا أصبحت هدفاً للغرب لسبب أو آخر. أما وجود حكومة وطنية شعبية حقاً – مدعومة بجيش شعبى على صورتها- فإنه يقلص إلى حد كبير من الانكشاف أو جوانب الضعف الكائنة فى بلد "متخلف". وهكذا يصبح الانتشار السريع غير فعال بمعنى عدم القدرة على استعادة النظام الإمبريالى إلا بالاحتلال العسكرى المباشر للبلد. وقد يكون أمام الإمبريالية خيار آخر غير هذا، هو الإبادة الجماعية عن طريق القصف الجوى الشامل (وربما الذرى) والذى يتطلب إضفاء طابع فاشى حقيقى على المجتمعات الغربية. وتعد التطورات الأخيرة فى الشرق الأوسط، وبخاصة غزو جيوش الولايات المتحدة وحلفائها الوثيقين (إسرائيل أساسًا، وبعض البلدان الأوربية) أوضح مثال على ما نتحدث عنه هنا: الانتصار الأولى "السهل" فى غزو العراق، ثم الفشل السياسى لمشروع واشنطن وتصاعد المقاومة فى هذا البلد (على الرغم من جوانب القصور التى تكتنفها)، وفشل الجيش الإسرائيلي فى مواجهة المقاومة الشعبية فى جنوب لبنان. وأرجع القارىء هنا إلى مناقشتى لهذه المسائل فى أماكن أخرى (أنظر: Derailing the USA, Israel, and their Allied Countries). لكننا لا يمكننا أن نكتفى بالمقاومة الشعبية المسلحة كرد وحيد ممكن على العدوان. فمن الضرورى إثراء هذا بقوة ردع فعالة مزودة بمعدات "لمواجهة قوة الانتشار السريع". ويتطلب هذا النوع من الردع أن تملك بلدان العالم الثالث – وعلى الرغم من التدمير الشامل الذى يلحق بها بعد الضربة الأولى – قدرة كبيرة على توجيه الضربة الثانية، وإلحاق خسائر كبيرة بقوات الانتشار السريع، أو بأهداف كائنة فى المعسكر المعادى. ونتيجة لهذا سيصبح هذا التدخل السريع مغامرة غير مأمونة النتائج. وتعتبر منصات الصواريخ المتحركة الحل للتزود بوسائل الردع المطلوبة، إذا كان احتمال النجاة من دمار الضربة الأولى كبيراً، وبالمثل القدرة على الوصول إلى الأهداف المعادية كرد على تلك الضربة. وإن مسألة "انتشار الأسلحة النووية"، وبالتحديد تهديد الإمبرياليين لإيران بدعوى تطويرها لقدرة نووية "خطرة" لتندرج أيضاً فى هذا النقاش. ولا نهدف هنا إلى تحليل ما تسمى "الثورة الإسلامية، وإنما نهتم أساساً بملاحظتين اثنتين. أولهما أن نظام الإسلام السياسى فى إيران ليس بطبيعته مناهضاً لإدماج هذا البلد فى المنظومة الرأسمالية المعولمة القائمة الآن. والملاحظة الثانية أن الأمة الإيرانية "أمة قوية" ومن بين مكوناتها الرئيسية –وليس كلها- الطبقات العاملة والطبقات الحاكمة التي لا تقبل إدماج بلدها فى المنظومة المعولمة من موقع الضعف. وهناك بالطبع تناقض بين هذين البعدين فى الواقع الإيرانى، ولكن البعد الثانى هو الذى يفسر أكثر توجهات السياسة الخارجية الإيرانية والتى تشى بتوفر الإرادة فى مقاومة الإملاءات الأجنبية. وتظل حقيقة أن القومية الإيرانية (وهى فى رأيى قوية وإيجابية تماماً من الناحية التاريخية) هى التى يمكن أن تفسر النجاح فى "تحديث" القدرات العلمية والصناعية والتكنولوجية والعسكرية، وهو العمل الذى اضطلعت به النظم المتعاقبة من حكم الشاه والخمينية. وتعتبر إيران من الدول النادرة فى الجنوب (مع الصين والهند وكوريا والبرازيل وربما أيضاً دول قليلة أخرى) التى تملك مشروعاً "للطبقة الوسطى القومية". وبغض النظر عن تحقق هذا المشروع من عدمه (وفى اعتقادى أنه سيكون الاحتمال الأخير) على المدى الطويل، فإن هذا لا يدخل فى صلب حديثنا هنا. ولكن هذا المشروع موجود ومحدد بالفعل اليوم. ونظراً لأن إيران تشكل قوة كبيرة قادرة على فرض نفسها كشريك محترم للولايات المتحدة، قررت الولايات المتحدة الأمريكية تدمير هذا البلد عن طريق حرب "وقائية" جديدة. وكما هو معروف جيداً فإن "الصراع" يدور حول القدرات النووية التى تقوم إيران بتطويرها. فلماذا لا يملك هذا البلد الحق – مثل جميع الآخرين- فى امتلاك هذه القدرات، بما فى هذا أن تصبح قوة عسكرية نووية ؟ وبأى حق يتسنى للقوى الإمبريالية، وصنيعتها إسرائيل، أن تحتكر لنفسها حيازة أسلحة التدمير الشامل؟ وهل يمكن للمرء أن يعير مصداقية للخطاب القائل بأن البلدان "الديمقراطية" لا يمكن أن تستخدم هذه الأسلحة، بينما "الدول المارقة" هى التى يمكن أن تقدم عليه ؟ مع أن ذات البلدان "الديمقراطية" التى يجرى الحديث عنها هى التى ارتكبت أكبر مذابح الإبادة الجماعية فى العصور الحديثة، بما فى هذا ما وقع لليهود، كما أقدمت الولايات المتحدة فعلياً على استخدام السلاح الذرى، وترفض حتى اليوم وضع حظر مطلق وشامل على استخدامه. ومما يؤسف له أن يصطف الأوربيون إلى جانب مشروع واشنطن للعدوان على إيران. بل إن معاهدة "حظر انتشار السلاح النووى" ذاتها غير مقبولة، حتى وإن كان الكثير من دول الجنوب قد وقع عليها بالفعل تحت الضغوط. فنزع السلاح النووى أمر مرغوب فيه تماماً، ولكن هذا يجب أن يسرى على الجميع، وأن يبدأ بالبلدان التى تملك منه مخزوناً كبيراً جداً – أى الولايات المتحدة أولاً- كما يجب أن يسرى على إسرائيل (التى لم توقع أصلاً على المعاهدة). وما لم يتم هذا وذاك فإن الانتشار النووي نفسه هو الذى يمكن أن يؤدى فى النهاية إلى تقليص التسلح النووى، كما قال خبراء فرنسيون صراحة، وليس إلى زيادة المخاطر. إن دول وشعوب القارات الثلاث (أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية) لا تزال مواجهة بذات التحدى الذى فرضته عليها الرأسمالية الإمبريالية دائماً. ولكن الوضع الاقتصادى السائد فى الحقبة الحالية غير مواتٍ على الإطلاق لتحقيق تطوير سريع لقدراتها على مواجهة العدوان، كما أصبحت البرجوازيات الكمبرادورية هى المحتكرة بشكل عام للسلطة فى تلك البلدان. وفى ظل هذه الشروط، ينبغى إعطاء الأولوية لتنظيم الدفاع الشعبى المسلح الذى ثبتت فعاليته فى جنوب لبنان. وبحيث يصبح الدفاع عن حق التنظيمات الشعبية مسئولية رئيسية للجميع. وفى الواقع أن فكرة "نزع سلاح حزب الله" غير مقبولة. وبلا شك – فى الوقت نفسه- أن تطوير النضالات الشعبية يجب أن يستهدف إزاحة الطبقات المحلية الكومبرادورية من السلطة، أو على الأقل إجبارها على التعايش مع واقع تنظيم القوات الشعبية. إن التطورات الأخيرة تشهد بشكل عام على أن الظروف ناضجة لموجة تحرير جديدة. وتمثل "الثورة البوليفارية" المتقدمة بزعامة "أوجو شافيز" فى فنزويلا، إحدى القوى الرائدة المحتملة لهذه الموجة. ومع الانتصارات الأخرى المهمة التى حققتها شعوب أمريكا اللاتينية، لم تعد كوبا هى المعزولة فى القارة، وإنما واشنطن نفسها. وفى آسيا وأفريقيا هناك رأى عام يقارب الإجماع ضد الولايات المتحدة وحلفائها فى "الثالوث". كما نلاحظ إشارات واعدة على إعادة بناء جبهة الجنوب داخل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية. ولا مناص أيضا من استكمال الشروط اللازمة لتحقيق التطوير الضرورى – ضمن أشياء أخرى- لقدرات الردع العسكرى. علما بأن واقع العلاقات بين الحكومات التى ستحل محل النظم القائمة وشعوبها سيظل مجوما بالطبع بالتناقضات بين ما يسمى المصالح الوطنية ومصالح الطبقات الشعبية. وهنا أيضاً تصبح راديكالية النضالات هى الوسيلة الوحيدة لزيادة فرص التقدم نحو بناء سلطات وطنية شعبية وديمقراطية. إن الأهمية التى أوليتها للبعد العسكرى في لتحدى تعتبر جوهرية لنقاشنا هنا. ذلك لأن منطقة "الشرق الأوسط الكبير" أصبحت اليوم مركز الصراع لشعوب مجمل العالم ضد القيادة الإمبريالية. ويعد تعطيل مشروع المؤسسة الحاكمة فى واشنطن للمنطقة شرطاً ضرورياً لكى تحصل أى منطقة أخرى فى العالم على فرصة تأكيد نفسها. أما إذا فشلنا فى الشرق الأوسط فإن كل تقدم يتحقق فى أى مكان آخر سيظل عرضة لتهديد شديد. وليس معنى هذا على الإطلاق التقليل من شأن النضالات فى مناطق العالم الأخرى، مثل أوربا أو أمريكا اللاتينية أو أى مكان آخر. وإنما يعنى فحسب أن عليهم تفهم المنظور العالمى وبالشكل الذى يسهم فى هزيمة واشنطن فى المنطقة التى اختارتها لتوجيه ضربتها الإجرامية الأولى.

4- مزاعم وحدود الخيارات المعتدلة

إن إضفاء الطابع الرايكالى على النضالات لا يمثل فى الحقيقة خيار الكثير من الحركات الاجتماعية فى عالمنا. حيث تقدم المزاعم الكثيرة لتبرير اتخاذ مواقف معتدلة. ومن واجب المرء بوجه عام أن يتحلى بالواقعية الضرورية، وأن يتحاشى عزل نفسه فى ركن يسارى قصىّ. وهو ذات الركن التى تقبع فيه أقليات راديكالية صغيرة تخضع لإغراء قوى بالاكتفاء بإعلان نفسها "طليعة"، وترفض انتقادات الآخرين على طول الخط، وتغمض عينيها عن التحولات السريعة التى تعصف بالمجتمعات المعاصرة. وهى مزاعم خطيرة، ويجب أن تعامل بكل جدية. فإلى جانب الأسئلة المهمة التى تثيرها وتستحق البحث عن إجابة لها، هناك أيضاً تحليل ضبابى للأوضاع والمواقف والخيارات الاستراتيجية، ويجب إخضاعه لنقد معمق. فلقد طويت صفحة الموجة التاريخية الأولى للتجارب التى تمت باسم الاشتراكية، ويبدو لدى الكثيرين أن الرأسمالية تمثل الحد النهائى لزمننا، كما أن وصفنا لها "بالخرف" أو "الشيخوخة" يمكن أن يثير حتى الابتسام لدى البعض بينما كل المؤشرات على نجاحها ("نهاية التاريخ") تسيطر على الأنباء. وفى ظل هذه الظروف يراد للحركات الشعبية أن تناصر المنطق الرأسمالى، وتصوغ أهدافاً متواضعة لنضالاتها لدفع "النيوليبرالية" إلى التراجع، وبحيث يصبح البديل الوحيد بالطبع هو إدارة "رأسمالية ذات وجه إنسانى". أما التحليل الذى أقدمه فيتنافى تماماً مع استنتاجات كهذه. ذلك لأن العنف المتصاعد فى سيطرة رأس المال، والذى أصبح يسم عصرنا، لم يأت نتاج تغول الليبرالية المتطرفة بقدر ما هو متطلب ضرورى لإعادة إنتاج رأس المال فى ظل الشروط المعاصرة. وقد استخلصت من هذا أن الرأسمالية منظومة بالية، ليس بمعنى أنها على درب الاختفاء من تلقاء نفسها، أو أو أنها ستموت بسلام لأسباب "طبيعية" (كما يود "نيجرى" Negri أن نفكر)، وإنما بمعنى أن إعادة إنتاجها لنفسها أصبح يتطلب منها من الآن فصاعداً ممارسة العنف المتزايد. ولقد وصلنا بالفعل إلى المرحلة التى يجب فيها على الشعوب أن تتقدم للتخلص من الرأسمالية التى تهدد مصير البشرية بالوقوع فى البربرية. ولا يستبعد هذا التحليل إمكانية أن تصوغ الطبقات الشعبية أهدافاً قريبة لنضالاتها – تكون متواضعة بالتأكيد- ولكن من الضرورى أيضاً أن تستعيد هذه الطبقات الثقة فى قوتها. وما ينبغى التشديد عليه – فى رأيى- هو أن تلك الأهداف القريبة لو أنجزت ستظل منكشفة وهشة ما لم يتم إدراجها فى إطار حركة تضع لنفسها هدف مغادرة الرأسمالية، فى ذات الوقت الذى تستجمع هذه الحركة الشعبية قوتها تدريجياً. إن كثيراً من المناضلين المعاصرين – وبخاصة فى مراكز المنظومة الإمبريالية العالمية- لم يعودوا يؤمنون بأن النضالات يمكن أن تتسق مع منظومة الأمم والتى يعتقدون أنها تفقد ملاءمتها بفعل تعمق العولمة. ولما كان من المتعذر إلى حد بعيد الفصل بين الأمة والدولة، فإنهم يطورون استراتيجيات تتجاهل عن عمد مسألة سلطة الدولة، وتضع محلها النضال فى "المجتمع المدنى". والأولوية المطلقة عند الأوربيين الآن هى فى الغالب لهدف "إنقاذ أوربا"، كما لو كانت "أوربا" التى يتحدثون عنها يمكن أن تكون شيئاً آخر غير ما هى عليه (والذى لا يرجح أن يتحقق فى المستقبل المنظور)، وحيث تجد قاعدتها فى رفض الأهمية الواضحة التى يجب أن تعطى لتنوع الحقائق القومية. وفى إطار الحديث نفسه يتشككون في ملاءمة "السياسة الحزبية". وفى رأيى أن هذه الأحكام بادية التأسيس وبشكل متعجل على الخلط بين الصواب والخطأ. فالعولمة ليست مجرد بيانات "موضوعية" وخام لا يملك المرء إلا أن يصبح جزءًا منها. وإنما العولمة الموجودة بالفعل هى استراتيجية، تلقى الدعم والتشجيع من سلطات البلوتوقراطيات المسيطرة. وليس بإمكاننا أن نضع محلها "عولمة أخرى" دون أن نحطمها هى أولاً، ومن ثم نحتاج إلى استعادة كرامة الأمم وسيادة الشعوب والدول. أما الفرد والمجتمع المدنى فلم يصبحا بعد صانعى التاريخ، وإنما هما لا يزالان مشروطين بالعلاقات الاجتماعية الملازمة للرأسمالية. أما الأحزاب السياسية فهى – كقاعدة عامة- تضطلع بنشاطها داخل الإطار الصارم لإعادة إنتاج الرأسمالية، حتى وإن كانت مقتنعة بتقادم هذا الإطار. ومن هنا تأتى الانتقادات الموجهة إليها. ولكن ليس بإمكاننا تقليص نطاق ممارستها غير المشجعة بأن نتجاهلها فحسب، وإنما عن طريق ابتكار أشكال جديدة من التنظيم السياسى للطبقات العاملة. ومن المعترف به أن الأحزاب الملتزمة بهذا الإطار محكوم عليها بـ "منطق التنظيم"، بينما الراديكالية هى التى تفرض "منطق النضال". أما منطق التنظيم فهو المسيطر فى أغلب "حركات المجتمع المدنى" وكذلك فى "الأحزاب الكبيرة". ولن يتسنى لمنطق النضال أن يفرض نفسه – تدريجياً- إلا عندما تصبح النضالات نفسها راديكالية. إن القيام بالنقد الضرورى لماضينا (أى التجارب التاريخية لليسار والاشتراكية فى القرن العشرين) يمكن أن يقود إلى قراءات شديدة التنوع، ولكن المهم أن يتركز صلب الجدل على كيفية إعادة بناء القوى المنوط بها تحقيق مستقبل أفضل. وهناك بالتأكيد من يشعرون بالحنين إلى الماضى، والذين يرفضون الإقرار بهزيمتهم أو فهم الأسباب الحقيقية وراءها. ولكنه موقف لا يتوقع له الاستمرار ومرشح للانزواء. وهناك أيضاً الذين يدينون هذا الماضى ولكن منظور لا تاريخى تماماً، ولا يحاولون فهم لماذا حدث ما حدث، ويحصرون أنفسهم فى رؤية أحادية وإقصائية لهذا الماضى، حيث لا يرون فيه سوى عمليات غير ديموقراطية بالمرة، أو على الأقل التركيز على مثالب الماضى – بما فيها تلك الشخصيات الفظة أو حتى المجرمة - ومن ثم يقدمون لنا قراءة "لإمبراطورية الشر" فيما يكاد أن يكون صورة مماثلة لما يقدمه المحافظون الجدد فى الولايات المتحدة والإعلام السائد. ولا شك أن أصحاب هذه الرؤية لا يشاركون أولئك الأخيرين فى استنتاجهم القائل بأن الرأسمالية قد أعادت مؤخراً عهد "إمبراطورية الخير"، إذ إن أولئك المناضلين (وتعد حركة "أوتومينا" الإيطالية المثال الأكثر تطرفاً لهم") لا يزالون يقفون – من حيث المبدأ- فى المعسكر المناهض للإمبريالية. يبقى القول إن القراءات اللاتاريخية تنتهى بالضرورة إلى مواقف غامضة إزاء التحدى الحقيقى الذى تمثله الرأسمالية المعاصرة. ونظراً لأننا سنجابه فى المستقبل قطعاً بطيف من الآراء المتراوحة بين اليمين واليسار، فإن هذا سيتحدد حسب منطلق القراءة النقدية لكل منها للماضى. وإذا استخدمنا المصطلح العام جدًا "للعولمة البديلة" لوصف الآراء والمقترحات التى يمكن استخلاصها من القراءة النقدية للماضى، سنجد أن هناك نسختين منها، إحداهما على اليمين والأخرى على اليسار. فتشي الأولى بالمواقف المتخلفة التى يمكن أن نجدها فى المجتمعات الغنية (يشهد على هذا ذلك النوع من "النزعة البيئية الراديكالية" التى أوضحها على نحو قوى كتاب "جان جاكوب": "العالمية الأخرى، أوجه مجهولة للسديم" Jean Jacob. L ` Altermondialisme, aspects meconnus d`une nebuleuse, Berg. Int. ed 2006. وكذلك الكثير ممن قدموا نقداً لأحداث 1968 وما بعدها) وأيضا فى الأطراف المتعرضة لضغوط قاسية (مثل الأصوليات الدينية والعرقية). ولكن العالمية البديلة التى يقدمها اليسار لا يمكن أن تنهل من مثل تلك الأوهام، وإنما يمكن أن تتقدم فقط عن طريق الانطلاق من الماضى إلى نقد تاريخى لحدود وجوانب قصور تجارب اليسار المعاصر. وبين اليمين واليسار هناك دائماً وسط يجمع العناصر التحليلية والمقترحات المتناقصة. ومن ثم نجد "عالمية البوبوس Bobos البديلة". وأنا استخدم هنا ذلك التعبير الباريسى لأنه الأدق فيما نرمى إليه (وهو يعنى: "البرجوازى البوهيمى")، و"البوبوس" يتكونون فى الطبقة الوسطى بالمراكز الرأسمالية الغنية، ويتصفون بنقدهم لنمط الوجود التى تفرزه الرأسمالية، مع قليل من الحنين المرضى إلى الماضى البعيد، ولكنهم لا يكترثون كثيراً بالهموم الواقعية للطبقات العاملة، وبخاصة فى جنوب العالم. إن المزاعم والتحليلات التى أتعرض لها بالنقد هنا تتمتع بشعبية وتدعو إلى مواقف أسميها "معتدلة"، وهم يضفون مشروعية لا نقدية على الحملات "الإنسانية"، ويمضون فى أغلب الأحوال إلى حد إعلان "حق – وحتى واجب- التدخل"، غير واعين لأهداف الإمبريالية وراء ذلك التدخل (فيقللوا من شأن هذه الأهداف أو قد لا يعترفون بها). ترى هل يمكن للمرء ألا يكون واعياً بحقيقة أنه باسم "الحق فى التدخل" هذا قام حلف الناتو (أى الولايات المتحدة وحلفاؤها الخاضعون لها) بالانخراط القوى فى عملية تدمير يوغوسلافيا، وكذلك إضفاء المشروعية على احتلال أفغانستان والعراق؟ إن الخطاب المناهض للعسكرة ينطوى بلا ريب على نوايا جديرة بالثناء والاحترام. ولكنه يصبح رجعياً حينما يتم باسمه إنكار حق شعب معرض للتهديدات فى أن يسلح نفسه لمقاومة المعتدين (الحقيقيين) ممثلين فى الإمبريالية المعاصرة. وفى الوقت نفسه لا يسعنا إنكار وجود أعمال ذات طبيعة "إرهابية". ولكن ممارسة المقاومة لا يجوز أن تحصر فى أعمال جماعات معينة (مثل تنظيم القاعدة الذى يعد نموذجاً بامتياز لها) تستخدم لإضفاء الشرعية على خطاب المحافظين الجدد ومن يسايرونهم فيما تسمى "الحرب على الإرهاب"، والتى تمتد أيضًا إلى حركات المقاومة والتحرير. ومن الواجب علينا التخلص من الخلط والتشوش السائدين فى هذا الميدان. فالإرهاب لم يكن البداية والسبب، وإنما المحصلة لعدم القدرة على تقديم الإجابات السليمة على التحديات الواقعية التى تواجه الشعوب. فخطاب "محاربة الإرهاب" قد أعد منذ ثلاثين عاماً تقريباً فى مراكز البحوث الأمريكية التى نظرت إليه كسلاح سياسى فى أيدى الإمبريالية الأمريكية. واليوم نجد قسماً كبيراً للأسف من اليسار فى البلدان الغنية يلتقط هذا الخطاب نفسه دون التمعن فى أصوله أو التعامل النقدى معه. ويستخدم مصطلح "الإرهاب" – الغامض فى تعريفه- ليهيمن على كل الجدل السياسى الدائر بشأن العنف بكل أشكاله، بما فى ذلك الاعتداءات العسكرية، وتدمير المدن والقرى بحملات القصف الجوى المحصنة ضد أى محاسبة، ومن ثم إرهاب (وهو التعبير المناسب تماماً) جميع السكان. إن المناقشة الضرورية من جانب اليسار لمعرفة كيف يمكن الرد على هذا الإرهاب، وتحديد الوسائل السياسية والعسكرية الفعالة فى مواجهته وتمييزها عن غيرها من الوسائل، هذه المناقشة لا يجوز أن تتعرض للتشوش من جانب الرؤية السائدة إعلامياً "فى مكافحة الإرهاب". وأخيراً فإن المزاعم المعتدلة تؤيد انزلاقا خطراً نحو الأعمال "الخيرية" التى لا يمكن أن تسهم فى الدعوة إلى مساءلة المنطق الرأسمالى باعتباره أصل الكوارث الاجتماعية. إن العولمة البديلة المعتدلة (أى عالمية "البوبوس") غير مفهومة بالطبع من زاوية بلدان الجنوب، لأنها لا تخاطب هموم طبقاتها الشعبية (والتى تمثل الأغلبية الكاسحة من البشرية). ومن الأمثلة الطريفة على هذه القطيعة أنه مع تصاعد شعبية الماوية فى الصين، نجد فى أوربا والولايات المتحدة خطاباً متطرفاً وزائفاً ولا تاريخى يركز على إدانة ماوتسى تونج ذلك "الطاغية الكريه". وبإمكان المرء أن يسرد العديد من الأمثلة فى هذا الشأن. ولكن الحضور الزائد للتيارات المعتدلة داخل الكثير من المنتديات الاجتماعية، والذى يمكن أن يعزى بسهولة إلى وفرة الإمكانيات (ومن بينها المالية)، يشكل من ثم تهديداً جدياً لمستقبل النضالات الشعبية، وعائقاًَ أمام عملية إضفاء الطابع الراديكالى المطلوبة بشدة. إن الانتقاد الذى قدمته هنا للخيارات المعتدلة لا يجوز قراءته على أنه نقد "حلقى"/ "طائفى". كما يجب ألا يمثل عقبة أمام التعبئة الموحدة ضد الخطر الأكبر فى اللحظة الراهنة، ألا وهو تمدد مشروع الطبقات الحاكمة للإمبريالية الجماعية، وبالتحديد قيادة الولايات المتحدة الأمريكية التى تتمحور استراتيجيتها حول السيطرة العسكرية على الكوكب باستخدام الجيوش المتاحة تحت إمرة واشنطن، والتوجه نحو تحقيق هذه الغاية عن طريق شن الحروب الاستباقية، والتى كانت بدايتها (ولن تكون آخرها) تلك التى تضرب أهدافا فى الشرق الأوسط. ونتيجة لهذا أصبح معيار التقسيم بين اليسار واليمين مرادفاً لمعيار من مع ومن ضد التدخلات الإمبريالية. وفى هذا الإطار فإن جميع من يعارض "الحروب الأمريكية" – سواء أكانوا راديكاليين أم معتدلين، ومهما كانت أطروحاتهم- عليهم واجب توحيد جهودهم فى إطار العمل المشترك. وسيظل المرء محتفظاً بثقته فى المستقبل إذا تطورت النضالات لتنتج راديكاليتها، ومن خلال مقتضيات منطقها الداخلى. ولا شك أن غلبة منطق التنظيم فى الوقت الحالى يمثل عقبة رئيسية أمام العملية الراديكالية المذكورة. فنظم الانتخاب فى الديمقراطيات الغربية تعطى أفضلية لتغليب ذلك المنطق، وحيث أصبح الشاغل الرئيسى للأحزاب هو المحافظة على مواقعها فى أنساق السلطة، إلى حد أصبحت معه كأحزاب "للمنتخبين" وليس "للمناضلين". ولكن منطق التنظيم لا يسود "الأحزاب الكبيرة" وحدها، ولا حتى "الحركات المنظمة الكبيرة وحدها، مثل النقابات، وإنما أصبح أيضاً يؤثر فى خيارات الجماعات الصغيرة والمنظمات غير الحكومية.. الخ، حيث أصبح الإمساك بمقاليد السلطة داخل المنظمة هدفاً مهماً فى مسار النضال. ولكن من خلال تعميم وراديكالية النضالات، يمكن للمنطق النضالى (غير المعنى بالدرجة الأولى بتعزيز حضور هذه الحركات فى أنساق السلطة المستقرة) أن ينتصر بالتدريج ويظل من الضرورى لاتجاهات الحركات التى نتحدث عنها أن تعرف كيف تتخلى عن مغريات إعلان نفسها "كطليعة"، بغض النظر عما إذا كانت تنتمى لورثة الدولية الثالثة أو الرابعة أو الفوضويين أو غيرهم. ولهذا فإننى أؤيد بناء دولية خامسة تستلهم الدولية الأولى (التى اعترفت بتعددية المنظمات والأيديولوجيات ورؤى المستقبل) وليس أياً من الدوليات الثانية والثالثة والرابعة. (راجع سمير أمين "نحو الدولية الخامسة" Samir Amin, Pour La Ve Internationale, Le Temps des Cerises, Paris 2006).


ترجمة: مصطفى مجدي الجمال


(3) عن العولمة وأوربا والعرب.. اليوم

د. ماهر الشريف

يتميز عالم اليوم، كما أرى، بملامح رئيسية أربعة هى: أولا ً: ظاهرة العولمة، وهى ظاهرة موضوعية، لا راد لها، تنطوى على وعود بقدر ما تنطوى على أخطار. فالوعود يحملها التقدم العلمى والتقنى الذى حققه الإنسان فى العقود الأخيرة، والذى لم يعد هناك حدود لتطوره. ويمكن لهذا التقدم العلمى والتقنى، فيها لو تم توجيهه الوجهة الصحيحة التى تضمن استفادة جميع الأمم والشعوب منه، أن يساعد على حل كل المشكلات الخطيرة التى يواجهها النوع الإنسانى.غير أن ظاهرة العولمة، وبخاصة بعد أن اتخذت شكل "استعمار السوق" وتلبست لبوس النيو- ليبرالية منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين، قد أدت إلى تعميق الفجوة، ومن بينها الرقمية، فى مستوى تطور بلدان الشمال من جهة، وبلدان الجنوب، من جهة ثانية، وإلى زيادة مساحات الفقر فى العالم، وإلى تفاقم مشكلة تأمين الموارد المائية والغذائية، ومشكلة المديونية الخارجية التى يعانى منها ما يقرب من 80 بلداً، وذلك كله فى وضع تصاعدت فيه إلى حد كبير الأخطار التى تحيق بالبيئة. ثانياً : لقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تفوقها فى مجالات الأمن العسكرى، والمال، والإنتاج والمعلومات، فى أن تلعب الدور الرئيسى فى إطار ظاهرة العولمة. كما نجحت، منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، فى أن تفرض هيمنتها الأحادية على العالم. وبعد أحداث 11 ايلول 2001 حصل تطور على الاستراتيجية الأمريكية، الرامية إلى الحؤول دون بروز منافسين عالميين لها، بحيث باتت هذه الاستراتيجية تطمح إلى إعادة هيكلة العالم وليس الاكتفاء بضمان الهيمنة الأمريكية عليه، وذلك من خلال إعلان الحرب الشاملة على "الإرهاب" واللجوء إلى "الحروب "الاستباقية" أو "الوقائية". ثالثاً : غير أن السنوات الثلاث الأخيرة قد بينت حدود اللجوء الأمريكى إلى القوة العسكرية، الأمر الذى قد يدفع الإدارة الأمريكية، فى المستقبل، إلى التخلى عن الطموح إلى إعادة هيكلة العالم والاكتفاء بدور القوة الوحيدة المهيمنة عليه. دون أن يعنى ذلك بالطبع عدم لجوء هذه الإدارة إلى مغامرات عسكرية جديدة، وبخاصة فى ظل استمرار نفوذ "المحافظين الجدد" فى دوائر السياسة والإعلام والبحث الأمريكية، وفى ظل المناخات التى توحى بتحول "صدام الحضارات" من أطروحة نظرية إلى حقيقة واقعية. ومهما يكن لا يبدو أن عالم اليوم سيبقى محكوماً، لفترة قادمة من الزمن قد يصعب تحديدها، بالهيمنة الأمريكية الأحادية عليه، وذلك على الرغم من المساعى والجهود التى تبذلها قوى مثل الصين أو روسيا، لوضع حد لهذه الهيمنة والتحول نحو نظام متعدد الأقطاب. رابعاً : إن ظاهرة العولمة، التى تلبست لبوس النيو- ليبرالية، قد تسببت فى انطلاق حركة اجتماعية عالمية طرحت على نفسها هدف أنسنة هذه الظاهرة، إلا أن حركة "العولمة البديلة" هذه لم تفلح إلى الآن فى التحول إلى حركة مؤثرة، ولا يزال طابعها الرمزى يتغلب على طابعها الواقعى، بسبب جملة من الأسباب، من أهمها: العجز عن بلورة بديل واقعى للنظام الرأسمالى النيو- ليبرالى، حيث نجحت هذه الحركة فى النقد لكنها عجزت، فى اعتقادى، عن البناء. من ناحية أخرى، لا يزال الثقل الرئيسى لهذه الحركة متركزاً فى بلدان الشمال. ومن ناحية ثالثة، برز تباين كبير بين مكوناتها الرئيسية حول الموقف من السياسة ومن العمل السياسى، حيث رأت بعض القوى المشاركة فيها أن على هذه الحركة الانفتاح على السياسة وعلى القوى السياسية، بينما عارضت ذلك قوى أخرى. أما الاتحاد الأوروبى، فهو يتميز بالملامح الرئيسية التالية: أولا ً: هو أكبر تكتل إقليمى فى العالم، وبخاصة بعد انضمام معظم دول أوروبا الشرقية والوسطى إلى عضويته. وهو تكتل قام على أساس الاقتصاد، ويمتلك طاقات اقتصادية كبيرة، بحيث بات يدر ربع ثروات العالم، ويسهم بنسبة 20 فى المئة من حجم الاستيراد والتصدير فى العالم، ويمثل الممول الأول لمشاريع "التنمية" فى العالم. ثانياً: لا تزال هناك هوة بين طاقاته الاقتصادية الكبيرة وبين تأثيره فى السياسات الدولية. فعلى الرغم من بعض الخطوات التى خطاها، منذ تسعينيات القرن العشرين، على طريق توحيد سياساته الخارجية والأمنية، ومن الدور الأمنى الذى لعبه وما زال يلعبه فى بعض المناطق، إلا أنه لا يزال بعيداً عن التحول إلى كتلة سياسية وأمنية موحدة. ثالثاً: يواجه الاتحاد الأوروبى عدداً من المشكلات الاجتماعية، من أهمها مشكلة البطالة التى تطاول بحسب بعض التقديرات عشرين مليوناً، كما يواجه مشكلة الواقع السكانى، فى ظل تدنى معدلات الخصوبة وارتفاع متوسط الحياة، بحيث لن يكون أمام دوله سوى خيار فتح أبواب الهجرة، مع ما يعينه ذلك من تغيرات ثقافية، أو البقاء كقلعة لمجتمع من المتقاعدين. وفى السنوات الأخيرة، صار الاتحاد يواجه مشكلة الخوف من فقدان هويته التاريخية، نتيجة موجات الهجرة الشرعية وغير الشرعية وانتشار الخوف المتعاظم من "التهديد الإسلامى"، الأمر الذى ساعد على تنامى النزعات اليمينية والعنصرية داخل مجتمعاته. رابعا : والأهم من ذلك كله أن الخلافات التى نشأت حول ميزانية الاتحاد للأعوام 2007-2013، وتعطل إقرار الدستور الأوروبى، قد طرحا سؤالاً حول مستقبل الاتحاد. ويعود الغموض الذى يكتنف هذا المستقبل إلى تباين الرؤى بين قواه الرئيسية: فإلى جانب رؤية الأعضاء الجدد فى أوروبا الشرقية والوسطى الذين يتطلعون إلى الاتحاد اقتصادياً وإلى ما وراء الأطلسى سياسياً، يبرز تباين بين رؤية بريطانية تركز على بقاء الاتحاد فضاءً اقتصادياً موحداً فى امتداد أوسع عبر الأطلسى، وبين رؤية فرنسية تطمح إلى أوروبا سياسية ودفاعية، ومتضامنة إلى حد ما اجتماعياً، وبين رؤية ألمانية تهدف إلى تحويل الاتحاد إلى فيدرالية دول قائمة على دستور واحد. ومهما يكن لا يبدو أن الاتحاد الأوروبى سيشكل، فى مستقبل منظور، قطباً مناوئاً أو منافساً للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بالرغم من بعض النزاعات التجارية أو المناوشات السياسية التى تبرز بين الطرفين. ويعود ذلك إلى تأثير عاملين رئيسيين: الأول هو الانحياز البريطانى الثابت للمواقف والسياسات الأمريكية، والثانى هو الاندماج المتعمق بين اقتصادات أوروبا، من جانب، والاقتصاد الأمريكى، من جانب آخر. فاستثمارات الشركات الأمريكية فى أوروبا، أو استثمارات الشركات الأوروبية فى الولايات المتحدة، باتت أكبر، كما تدل بعض الإحصاءات، من حجم الصادرات الأمريكية إلى أوروبا أو حجم الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالعالم العربى، يمكننى أن أحدد الملامح الرئيسية التالية التى تيمز أوضاعه اليوم: أولاً : على الرغم من تجانس مكوناته على المستويين الثقافى- الحضارى والتاريخى، إلا أنه يواجه، أكثر فأكثر، خطر تفككه وسلب إرادته المستقلة بفعل تزايد التدخل الخارجى فى شؤونه الداخلية. وبعد أن كنا قد سمعنا فى نهاية القرن العشرين من يبشر بموته ككيان سياسى، أو من ينظر إليه بوصفه تجمعاً لأقليات دينية وإثنية عاجزة عن العيش المشترك، صرنا نسمع اليوم من يصفه بأنه "رجل القرن الحادى والعشرين المريض"، كما كانت الإمبراطورية العثمانية فى نهاية عهدها. ثانيًا : إن ضعف العالم العربى وانقسامه يعود إلى أزمة عامة يواجهها على مستوى أنظمته ومجتمعاته على السواء. وتتجلى هذه الأزمة بمظاهر عديدة من أهمها: أ- الفراغ الأمنى نتيجة العجز عن الحفاظ على الأمن القومى العربى، الذى لم يعد يقتصر على الجانب العسكرى وحده. ب- العجز عن بناء دول حديثة، وذلك فى ظل غلبة الولاءات الجزئية، الدينية والطائفية والمناطقية، على الولاء الوطنى، وتزايد مخاطر تفكك النسيج الاجتماعى واللحمة الوطنية. ج- تعثر مشاريع التنمية فى ظل معدل نمو سكانى مرتفع، وتوسع مساحات الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، ووجود ما يتراوح ما بين 13 إلى 56% من الأميين، واحتلال موقع هامشى فى صناعة المعلومات. د- أزمة هوية على الصعيد الثقافى بين اتجاه يريد أن يجر المجتمعات العربية إلى الماضى بحجة حماية "الهوية" والتمسك بالأصالة، واتجاه يسعى كى تتحلل هذه المجتمعات من كل انتماء وطنى؛ وهما اتجاهان يغذيان الواحد منهما الآخر، وسيحولان دون نجاح العرب فى تملك أسس الحداثة المجتمعية ومواكبة العصر. هـ- العجز عن حل الصراع العربى- الإسرائيلى على أسس عادلة، نتيجة تواصل السياسات الاحتلالية والتوسعية لحكام إسرائيل والانحياز الأمريكى لهذه السياسات، وهو صراع قد استنفد وما زال يستنفد الكثير من الطاقات العربية، وترك انعكاسات سلبية على النضال من أجل الديمقراطية والتنمية. والمفارقة تكمن فى أن العالم العربى قادر، بما يمتلكه من إمكانات مادية وبشرية، على تجاوز هذه الأزمة العامة، فيما لو توافرت لدى مكوناته الإرادة السياسية للتوافق على سياسات مشتركة.



























(4)

المنطقة العربية تتعولَم أم تُعولَم أم تُهمَش ؟

 د. إنجريد المصري

يتسم عنوان هذه الورقة بالتداخل. فهل تفهم الصفتان "متعولِمة" و"معولَمة" حسب أحدث ما توصلت إليه الأدبيات من أن دول ومجتمعات المنطقة معولمة فعلا أم أنها فقط في بداية الطريق لعمليات من هذا النوع؟ أم ترى أن لا علاقة لها بعملية العولمة قدر ما تتعلق بالتهميش؟ ومن منظور آخر هل تفهم تلك الصفتان من حيث العمليات الإيجابية أم السلبية: أي هل تعتبر دول ومجتمعات المنطقة فاعلين نشطاء لتعولمها أم تتم عولمتها دون دور مستقل لمصالحها وقدراتها، وإذا كانت تُعولَم فبواسطة أية قوى ومن أجل أي أغراض وبأية طريقة؟ وهل يعد سيناريو التهميش خارجا عن السياق بسبب وفرة الموارد الاستراتيجية والثروة الرأسمالية والأسواق ذات إمكانات التوسع الكبيرة؟ إن هذا النوع من الأسئلة لم يعد أكاديميا بحتا. والفرضية الأساسية في هذه الورقة هي أن لسيناريوهات العولمة المختلفة عواقب اجتماعية وتنموية مختلفة على المنطقة. فأولا نفترض أن مستقبل المنطقة العربية سيتوقف على ما إذا كان سيصبح فاعلا إيجابيا أم مفعولا به سلبيا، إذ من الواضح أن هذا يخلق اختلافات مهمة في تصميم تلك العمليات. كما سيتوقف المستقبل على ما إذا كانت المنطقة تنشط في تلك العمليات مقتفية مصالحها الخاصة في إطار مشروعاتها التنموية الخاصة، أم أن إدماجها يتم في سياق إخضاعها للمصالح الأجنبية. ثانيا، وفي مقاربة أكثر تمييزا، نفترض أن التصورات والمصالح والمقدمات نحو العولمة في المنطقة، وحتى داخل كل بلد واحد, لا يمكن اعتبارها متماثلة. وتزداد الأسئلة تعقيدا جراء أن مصطلح العولمة ذاته لا يزال مختلفا عليه، حتى أنه يمكن النظر إليه كمظلة إجرائية ينضوي تحتها الكثير من الأفكار والعمليات المتناقضة (WCSDG 2004: Part II; UNDESA 2001: Ch. 1; World Bank 2002: Ch.1 ) . وبدون الدخول في الجدل المحتدم حول كيفية تعريف العولمة نقوم بالتكييف الإجرائي للمسألة خدمة لأهداف الدراسة كالتالي: أولا، يمكن فهم العولمة على أنها عملية متعددة الأبعاد تجري في المجالات المختلفة في ذات الوقت، وخاصة المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية، حاملة إمكانيات العمل في اتجاه زيادة التواصل الإنساني، سواء من حيث الأسباب أو النتائج. ومن ثم فهي تشكل مجموعة من العمليات المختلفة التي تبدو كافية لتبرير الحديث عن عولمات متعددة وليس عولمة واحدة. ثانيا، إن محاولة قياس العولمات لا تستدعي فحسب استحضار وفرة من البيانات، وإنما تتطلب أيضا أن نتوصل نظريا إلى العناصر الممثلة للعولمات المختلفة. ولما كانت العولمة تمثل عملية متعددة الأبعاد فإن هذا يجب أن ينعكس في قياسها. ولكن مؤشرات وأساليب قياس العولمة ما زالت حتى الآن غير محددة جيدا ولم تتطور بما فيه الكفاية، وحيث تركز بالدرجة الأولى على المسائل الاقتصادية. ثالثا، إن أحدث موجة من العولمات منذ التسعينيات(1) لا تمثل شيئا جديدا ومختلفا نوعيا، بقدر ما يشار إليها كعمليات لزيادة التواصل الاقتصادي الدولي(2). رابعا، إن فكرة التواصل الإنساني كما هي مطروحة لا تقرر أي شئ فيما يتعلق بالأشكال الاجتماعية المحتملة لتلك العمليات، ولا حتى بالنسبة للأشكال المتحققة واقعيا. خامسا، بينما ساعدت الابتكارات التكنولوجية واختزال تكاليف الاتصال والمواصلات في تفعيل موجة العولمات الأحدث، فإنه من الواجب في الوقت نفسه البحث عن قواها القائدة في القرارات السياسية بلبرلة التجارة الدولية والتدفقات المالية، وفي تسارع مصالح الأعمال والشبكات المدنية الدولية. وحينما تجتمع معا آثار تلك العناصر، أو ما نسميه العولمة حاليا، ينبغي التساؤل عما إذا كانت سياسات اللبرلة تقود فعليا إلى العولمة أم إلى زيادة التفكيك وربما التهميش لأقاليم عالمية أو مجموعات اجتماعية معينة. ووفقا لهذا المنظور فإن تفكيك مصطلح العولمة باعتباره- أولا وأخيرا- حزمة أيديولوجية لعمليات تستهدف اللبرلة الاقتصادية، يتطلب قبل كل شئ تحليل آثارها على الاندماج الدولي والاجتماعي والمساواة والديمقراطية. تناقش الورقة الحالية هذه القضايا مطبقة على المنطقة العربية، ومن حيث الخبرات المختلفة للعولمات فيها، متضمنة أولا: دروس وخبرات الماضي، ثانيا: العولمات والأسلمات المعاصرة، ثالثا: استخلاصات.

1.الخبرات العربية في العولمات: دروس وخبرات الماضي إذا كانت الموجة الحالية من العولمات- حسبما يفترض- لا تمثل حتى الآن شيئا جديدا من الناحية الكيفية، يتوجب علينا البحث في خبرات المنطقة العربية إبان الموجات الأسبق من العولمات، وأن نتساءل عن وضع هذه الخبرات كجزء من الوضع الحالي في التعامل مع عمليات العولمة الحالية. ويقدم لنا تقرير البنك الدولي تحت عنوان "العولمة، النمو والفقر" نظرة عامة على الموجات الحديثة للعولمة ونتائجها النوعية (3). فيتم التمييز بين ثلاث موجات للعولمة: 1870- 1914، 1950- 1980، و1980- حتى الآن. وكان من الطبيعي اختلاف دور البلدان النامية في تلك الموجات الثلاث، وكذلك فيما يتعلق بآثارها على المساوة داخ هذه البلدان. فبينما اقتصرت مشاركة البلدان النامية في الموجة الأولى على تصدير السلع الأولية، ومن ثم توقفت أثارها بالنسبة لعدم المساواة على بنية ملكية الأرض، فقد جرت الموجة الثانية دون مشاركة البلدان النامية بسبب "استمرار الحواجز التجارية في تلك البلدان" و"ضعف مناخ الاستثمار، والسياسات المعادية للتجارة الحرة في البلدان النامية"(World Bank 2002: 29) وهو ما ترك تلك البلدان في الخلف تحاول تطبيق سياسة إحلال الواردات، مع تحقق القليل جدا فيما يتعلق بالتكافؤ بين البلدان المتقدمة صناعيا والبلدان النامية. أما الموجة الحالية من العولمة فتتسم بملامح مميزة، منها: أولا أن "مجموعة كبيرة من البلدان النامية تدخل إلى الأسواق العالمية"، ثانيا أن "البلدان النامية الأخرى قد أخذت تُهمش بشكل متزايد في الاقتصاد العالمي، وتعانى من تناقص الدخل واتساع الفقر"، ثالثا أن "الهجرة الدولية وتحركات رأس المال اللتين كانتا ضعيفتين في الموجة الثانية من العولمة قد أصبحتا كبيرتي الحجم" (World Bank 2002: 31). وفي سياق هذا الإطار العام يجب أن يكون تقييمنا للخبرات الخاصة بالبلدان العربية. فكما نعرف جميعا كانت الموجة الأولى للعولمة مضمنة بالتوسع الاستعماري الأوربي في البلدان العربية والتى كانت بشكل عام جزءا من الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت. وقد انتهت الحرب العالمية الأولى بانهيار الإمبراطورية العثمانية، وسقوط المنطقة العربية تحت الحكم الاستعماري المباشر أو صور مختلفة من الحكم غير المباشر (الانتداب، الحماية، وأحيانا المعاهدة أو الحكم الثنائي)، ومن ثم اكتمل مؤقتا إدماج المنطقة في المنظومة الرأسمالية العالمية. ونجحت الدول الأوربية إبان النصف الأول من القرن العشرين في تحويل الاقتصادات العربية إلى أنماط من التبعية للرأسمالية العالمية، مطوعة إياها لتحقيق المصالح الاقتصادية للمراكز الاستعمارية مع تهميش المصالح الاجتماعية والاقتصادية والتنموية للطبقات والقوى المحلية. ومن المعروف أن الدول الأوربية قد استخدمت آليات مختلفة في القيام بهذه المهمة، فركز بعضها أكثر على الاقتصاد مثل إنشاء مناطق خاصة لعملاتها (منطقة الإسترليني، منطقة الفرنك)، وربط تجارة الأقاليم التابعة بتجارة البلد المستعمِر والحد من التعريفات الجمركية والضرائب التي يمكن أن تفرضها البلدان المستقلة شكليا مثل مصر (Wilson 2002: 192f) ، وإخضاع أنماط الإنتاج التابعة للاحتياجات المتغيرة لعمليات التراكم الرأسمالي في البلدان الاستعمارية (Ayubi 2006: Ch.3; Amin 1978 and 1982). بينما كان الطابع السياسي- العسكري أكثر وضوحا في آليات أخرى، ويمكن القول إنه بدون الفوارق القائمة في القوة من ناحية، والأدوات المتنوعة للقسر الاقتصادي والسيطرة السياسية والتحالف مع قوى محلية من ناحية أخرى، ما كان من الممكن تحقيق السيطرة الاقتصادية، سواء اتخذت شكل القوة العسكرية الاستعمارية الفظة كما حدث في الجزائر، أم اتخذت شكل بناء توازنات في القوة ("فرق تسد") بين وداخل الكيانات والنظم السياسية (مثلما في العراق وفلسطين) أو في صورة التحالف مع الطبقات المحلية الحاكمة (مصر والأردن). ويبقى التساؤل عن كنه الدور المتعاون الذي لعبته النخب السياسية في المنطقة العربية في هذه الألعاب القديمة والخطيرة، وهو ما لن يمكن الإجابة عنه بغير دراسات الحالة المفصلة، وهو ما لا يسمح به الحيز الخاص بالدراسة الحالية. غير أن ما نستطيع استنتاجه هنا هو أن هذا العامل يمثل قضية تاريخية مهمة للبحث التاريخي الإقليمي المقارن (انظر: Schölch 1981 and 1982)، بل وأيضا للمقارنات التاريخية بين التحديات المعاصرة وتحديات الموجة الأولى من عمليات العولمة (انظر: Schölch 1981 and 1982). بيد أن بإمكاننا استنتاج أن الموجة الأولى من العولمة لم تنتج فحسب اندماجا تابعا للمنطقة العربية في الاقتصاد العالمي، وإنما تركت وراءها أيضا دولا بيروقراطية- معسكرة "متضخمة"، فضلا عن بنى اقتصادية غير متجانسة وفجوات اجتماعية- ثقافية عميقة بين السكان، مثلما بين الجماعات الحديثة- العلمانية في مواجهة الجماعات الدينية- التقليدية(Ayubi 2006: 97f.)، وحدود سياسية ونظم حكم تأسست بواسطة القوى الاستعمارية وضد التقاليد الاجتماعية والدينية والعرقية التي تشكلت تاريخيا، ومن ثم خلقت إمكانية لاستدامة الصراع، خاصة فيما يتصل بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، إلى جانب جعل المنطقة عرضة للرؤى التاريخية المتصارعة للوحدة الإقليمية. "ولقد ظل الشرق الأوسط خلال القرنين الماضيين وبشكل متواصل مغروسا في سياسة القوى العظمى أكثر من أي جزء آخر في العالم غير الغربي. وقد كان لهذه الخبرة التاريخية المستمرة من جيل إلى جيل بصمتها على المواقف والتصرفات السياسية الشرق أوسطية. وإذا كانت أقاليم العالم الأخرى قد تعرضت للضربات من جانب إحدى القوى الإمبريالية من وقت لآخر، فإنه لا توجد منطقة في العالم مثل الشرق الأوسط ظلت واقعة في شراك سياسة القوى العظمى المتعددة" .(Brown 1984: 3) وهناك اتفاق واسع على أن هذه المنطقة تعد "مصدر الطاقة والمقدرات الجيوستراتيجية في العالم" (Henry 2005: 110) وهو ما يمكن قراءته بوضوح في كل مذاهب السياسة الخارجية الأمريكية بدءا من ترومان، ومرورا بأيزنهاور ونيكسون وكارتر وريجان، وانتهاء ببوش الأصغر. غير أننا سنركز هنا على نماذج التنمية والتراكم بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية، وخاصة فيما يتعلق بسؤال ما إذا كانت الدول العربية قد نجحت في التخلص من الموروث الاستعماري، أم أنها ظلت على نفس المنوال خلال المرحلة الثانية للعولمة من خمسينيات إلى ثمانينيات القرن العشرين. فيما يتعلق بالإطار السياسي العام، قد نستنتج من ناحية أن الخمسينيات والستينيات شهدت صعودا ناجحا للحركات الوطنية والنظم العسكرية في كثير من بلدان المنطقة (مصر 1952، العراق 1958، سوريا 1963، الجزائر 1962/1965، ليبيا 1969) لتحل محل الطبقات الحاكمة القديمة التى تواطأت مع الإمبريالية، ولكن هذا جاء أيضا نتيجة للحرب الأولى في فلسطين عام 1948 .(Kazziha 1988) ومن ناحية أخرى رسخت الملكيات المحافظة- التقليدية نفسها على أساس التصاعد الذي شهدته الإيرادات النفطية أو التواجد العسكري الغربي أو كليهما. وانغمست المنطقة في صراعات الحرب العالمية الباردة، ولتتصارع أيضا فيما بينها فيما أطلق عليه "الحرب الباردة العربية" (Kerr 1971) وليقوم العديد من مشروعات الوحدة العربية بين بعض دولها، والتي لم تعرف البقاء سوى لفترات قليلة Hudson 1999: ch. 2))، وفي النهاية انقضاء الرؤية الاستراتيجية لتكامل الثروة النفطية ووفرة الأيدي العاملة والخبرات الاقتصادية والمعرفة التقنية العربية في مشروع للوحدة العربية المعتمدة على الذات، وهو الحلم الذي اعتنقه الرئيس المصري جمال عبد الناصر(Allemann 1958). ومن ناحية البيئة الاقتصادية العالمية، فقد ظلت الدول العربية- مثل غيرها من البلدان النامية- خارج الاقتصاد العالمي بدرجة أو أخرى، نتيجة لسياسة الانغلاق، أي استمرار الحواجز التجارية أمام السلع الصناعية والمواد الأولية والخدمات المنافسة للزاعة والصناعة في البلدان المصنعة، بل وحتى الحواجز التجارية بين البلدان النامية نفسها (World Bank 2002: 28ff). وبدلا من هذا بدأت بلدان أمريكا اللاتينية أولا في اتباع استرتيجيات التصنيع بهدف إحلال الواردات، وخاصة في صورة نماذج التراكم للدولة المركزية. ولكن معدلات النمو المرحلية العالية وبعض النجاحات المثيرة في مجال التصنيع والرفاه الاجتماعي والتعليم فإن هذا لم يمنع البلدان النامية، وبالطبع البلدان العربية بما فيها المصدرة للنفط، من الوقوع في مصيدة المديونية والأزمة العامة لنماذج التراكم الرأسمالي في عقد الثمانينيات Third World Forum 1995)). فحتى قبل اختراع برامج التكيف الهيكلي أجبرت مصر، الدولة العربية القائدة اقتصاديا وسياسيا، على اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي نتيجة للمديونية الخارجية في وقت احتدمت الأزمة السياسية العالمية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. ومع هذا فإن أوائل السبعينيات شهدت- من المنظور العربي- نجاحا اقتصاديا وسياسيا كبيرا تمثل في العمل الجماعي للبدان النفطية العربية عبر استخدام "سلاح النفط" ضد مؤيدي إسرائيل في حرب أكتوبر 1973. ونتيجة لهذا ارتفعت عائدات النفط إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي أدى إلى تغيير علاقات القوى في الإقليم لصالح الدول النفطية، وخاصة في الخليج العربي(Kerr/Yassin: 1982). ومن ثم بدأت حركة كبيرة لهجرة العمل، كما أن نموذج الدولة المركزية للتراكم ونشر الرفاه الاجتماعي الذي استمر بدرجة أكبر أو أقل في السبعينيات لم يستطع الصمود عند بلوغ العقد نهايته. فالدول العربية الآن أصبحت دولا ريعية بمستويات أعلى من الخمسينيات (Luciani 1987) وقد مكنتها الريوع الخارجية من أن تصبح مستقلة بهذه الدرجة أو تلك عن القدرة الإنتاجية لاقتصاداتها، كما سمحت لها في الوقت نفسه بتلبية بعض الرغبات الاجتماعية لسكانها فيما يتعلق أساسا بالخدمات الصحية والتعليمة والاجتماعية. وعمل الحكم الاجتماعي والسياسي وفق نوع من "ديمقراطية الخبز" (Sadiki 1997). والمشكلة السياسية هنا أنه في ظل هذه السيناريوهات التنموية تم تدمير المساواة السياسية كعنصر أصيل في الثقافات الديمقراطية أو على الأقل لم يأخذ فرصته في التطور (Sharabi 1988). وأخيرا وليس آخرا فإن النمط الريعي في التراكم والإنفاق الذي ساد منذ السبعينيات قد أنتج في الغالب نزعة استهلاكية كارثية فتحت الأبواب على مصراعيها أمام المنتجات الاستهلاكية الغربية. وفي الوقت نفسه تم التحول عن سياسات التصنيع والتنويع وإحلال الواردات وتشجيع الصادرات وسيطرة الدولة على رأس المال الخاص.. إلى سياسات ليبرالية جديرة بأي اقتصاد رأسمالي متطور، مثلما حدث في مصر (Ajami 1981; Ayubi 1982; Abdel-Khalek 1982) . ولم يمر وقت طويل حتى أفصحت هذه السياسات عن عواقبها، فزادت مديونية مصر الخارجية بمعدل سنوي متوسط 28% منذ العام 1971، حتى أن معدل خدمة الدين الأجنبي عام 1975 بلغ 90% من قيمة صادراتها التجارية، وفي عام 1976 أصبحت عاجزة عن الدفع وتوجب عليها أن تلجأ إلى المجموعة الاستشارية (El Masry 1987: 179). كما ظهرت نتائج أخرى لبرامج التكيف الهيكلي. "فخلال الفترة من 1980 إلى 1991 عقدت سبعة بلدان عربية 26 اتفاقية مع البنك الدولي و30 اتفاقية مع صندوق النقد الدولي. منها 16 اتفاقية عقدتها المغرب، وموريتانيا 11، وكل من الصومال وتونس 8، والسودان والجزائر 4، ومصر 3، والأردن اتفاقيتان" (Jiyad 1995: 9). وجاءت المحصلة النهائية لسياسة التكيف الهيكلي كارثية في الثمانينيات التي يمكن تسميتها "العقد الضائع"، فلم يحدث توازن في حساب المدفوعات ولا تحققت التنمية المستدامة. إذ تضاعفت المديونية العربية (باستثناء العراق) أكثر من مرة، حيث كانت 61 مليار دولار عام 1981 لتبلغ 134 مليار دولار عام 1989. وفي ظل الارتفاع الكبير في معدلات خدمة الدين الخارجي (تراوحت متوسطاتها بين %21 و36%) لم يعد الميزان الاقتصادي يحقق نتائج أفضل. فبعد معدلات النمو المرتفعة خلال النصف الثاني من السبعينيات (بمتوسط سنوي 8.6%) عانت المنطقة من انخفاض معدل النمو إلى 0.7% في الثمانينيات، ولم تعد إلى النمو المعتدل سوى في التسعينيات بمعدل متوسط 3.3%. وفي الوقت نفسه فقد ارتبط الانخفاض طويل الأجل في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالانخفاض المماثل في أسعار النفط الخام ، كما ارتبط بالانخفاض في إجمالي الاستثمارات وبحصة لا تتجاوز 1% من التدفقات الاستثمارية العالمية المباشرة خلال الفترة 1975- 1998. وتبين الاتجاهات طويلة الأجل وجود اتجاه ملموس في الأقاليم العربية نحو عدم الاندماج في الاقتصاد العالمي خلال العقدين الماضيين. ولا ينطبق هذا فقط على انخفاض حصة الأقاليم العربية من التدفقات العالمية الاستثمارية المباشرة من 1.9% عام 1981 إلى 0.3% عام 2000، وإنما يصدق أيضا على حصتها من التجارة العالمية التي انخفضت من 7.6% إلى 2.2% خلال الفترة نفسها (Safadi 2006: Table 1 and 2). وكما يتبين من إلقاء نظرة مدققة على اتجاهات تطور التجارة الدولية، فإن عمليات عدم الاندماج في الاقتصاد العالمي لم تتم لمصلحة التجارة البينية والتي تجمدت منذ الخمسينيات عند مستوى يتراوح بين7-10% (UNDP-RBAS/AFESD 2002: 126) وإن تراوحت بين 11- 14% إذا استبعدنا النفط. والآن كيف تبدو المحصلة الاجتماعية لبرامج التكيف الهيكلي؟ يبلغ متوسط معدل النمو السنوي للسكان 2.8% بينما متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.3%، وهو الوضع الذي لم يسمح لمعدل نمو حصة الفرد من الناتج المحلي بأكثر من 0.5% سنويا. الأمر الذي أنتج حالة أقرب إلى الجمود من ناحية، ووسع الفجوة مع التنمية العالمية الكلية من ناحية أخرى. وفي الوقت نفسه أدى الناتج الزراعي المنخفض وغير المستقر إلى زيادة الاعتماد على الواردت الغذائية من 21.7% أعوام 1969- 1971 إلى 38.1% عام 1986 (Jiyad 1995: 15) . في ظل هذه الظروف كان لا بد أن تفشل سياسات التقشف التي اتبعتها بعض البلدان العربية في الثمانينيات في إطار برامج التكيف الهيكلي. إذ إن التخفيضات المفاجئة والحادة في الإنفاق الحكومي على دعم السلع الغذائية والاستهلاكية، إلى جانب الزيادات في الأسعار، قد تسببت في اندلاع أعمال شغب عنيفة في مصر 1977 و1984 و1986، وفي المغرب 1978 و1981، وفي تونس 1984، وأخيرا وليس آخرا في الجزائر 1988. وهي الأحداث التي قتل فيها المئات من المراهقين. وبينما تمكنت المقاومة الشعبية في أغلب الأحوال من إجبار الحكومات العربية على التراجع عن الأسلوب الحاد في فرض سياسات التقشف بهدف الحفاظ على الاستقرار السياسي، فإن تطور اللامساواة الاجتماعية والفقر المجتمعي قد أفضى إلى نتائج مختلطة. ونظرا للمشكلات المعقدة المرتبطة بقياس الفقر وانعدام المساواة بشكل عام بسبب شح البيانات واختلاف أساليب القياس، فإن مقارنة المعلومات المتاحة عن المنطقة العربية مع المعايير العالمية تشير من ناحية إلى مستويات منخفضة نسبيا للفقر المطلق (نسبة من يعيشون بأقل من دولار أو دولارين في اليوم) وأيضـــا إلى مستويات منخفضة نسبيا بالنسبة لمعامل جيني (.(Adams.Jr./ Page 2001:Table 2 غير أن هناك مؤشرات قوية على أن فجوة الدخول آخذة في الاتساع منذ الثمانينيات، على الأقل في مصر والأردن. وكما يقول تقرير التنمية الإنسانية العربية (ADHR 2002) فإن هناك عاملين على الأقل لا يمكن الحصول عليهما من الإحصاءات العربية الرسمية عن الفقر، رغم أن لهما نتائج سياسية حادة. الأول أن البلدان العربية تتصف بمنظومة قوية ومتماسكة على نحو غير عادي للتضامن الاجتماعي، بمقتضاها توفر الأسر المساعدة المتبادلة في الأوقات الصعبة، ويعاد توزيع الدخل في إطار ترتيبات دينية وخيرية. فالممارسات الإسلامية مثل الزكاة والصدقة تشجع المتيسرين على منح نسبة من ثروتهم للفقراء.. ولقد انتشرت المنظمات الخيرية في كل البلدان العربية للبحث عن الفقراء وتلقى الأموال وتوزيعها. وليس بحوزتنا أرقام محددة عن حجم هذه الأموال، ولكن يمكن افتراض أنها ضخمة، وربما تساعد قطاعات كبيرة من السكان على التحرر من الفقر والعوز البينين. أما العامل الثاني فيتمثل في أن العديد من البلدان العربية يقدم الدعم- أساسا إلى أفراد المؤسسات الأمنية والموظفين- الذي يسمح لهم بالحصول على السلع الاستهلاكية الضرورية بأقل من أسعار السوق. إلا أن الدعم الحكومي لا يمثل الكثير بالنسبة لقوة العمل في القطاع الخاص أو من يعملون لحساب أنفسهم في القطاع المنظم أو غير المنظم. وفي الواقع فإن نظم الدعم تلك تؤدي عمليا إلى طمس الحاجة إلى سياسة للتوزيع العادل للدخول وتأخذ مصالح العاملين في الاعتبار (UNDP-RBAS/AFESD 2002: 91) إن هذه الحقيقة تتحدث عن نفسها، حيث تتيح قيام علاقة مباشرة بين وظيفية سياسة الرفاه العام للدولة في البلدان العربية وبين احتمالات اضطلاع الحركات والمنظمات الإسلامية بسد الثغرات الناجمة عن فشل الدولة أو انسحابها، مما يفتح الباب أمام لعبة سياسية محددة. فمن خلال اضطلاع الحركات والمنظمات الإسلامية بالمسئوليات التي تخلت عنها الدولة، فإنها لا تكون بهذا موفية فحسب بالمهام المطلوبة اجتماعيا، وإنما يساعدها هذا بالطبع أيضا في تقوية نفسها واستخدام قوتها هذه لتحقيق أغراض سياسية إلى جانب المهام الاجتماعية، آخذين بالاعتبار مشكلات التنظيم الاجتماعي والقضاء والعلاقات الدولية..الخ. فلم إذن لا يكون "الإسلام هو الحل!". وهي النتيجة التي تقود التحليل إلى المظاهر المعقدة للعولمات المعاصرة بقواها القائدة والمضادة.

2. عولمات وأسلمات معاصرة الحديث عن "الأسلمات" يعني الحديث عن التعبيرات السياسية المنتسبة للدين الإسلامي بكل أخلاطها. ذلك أن "الإسلام يعني أشياء مختلفة للناس المختلفين، فهو يُفهم ويستخدم بشكل مختلف.. وينطبق هذا على كافة مجالات الحياة، أما في السياسة فإن الأدوار المنسوبة له تتراوح بين أن تكون أداة للمشروعية والحفاظ على النظام القائم، وأن تكون وسيلة للاحتجاج ورأس حربة للثورة" . (Ayubi 1991: 60f) ومن هذه الناحية فإن الأسلمات المعاصرة لا تعد بمثابة مظاهر جديدة للموجة الثالثة من العولمات، وإذا كان الجهاديون الاستشهاديون يمثلون صورة جديدة لهذا في التاريخ القريب، فإن ذلك يعتبر من ردود الفعل إزاء الأزمة التنموية العميقة التي عاشتها المنطقة العربية خلال القرن العشرين. وتعود جذورها الثقافية والاجتماعية- الاقتصادية إلى فترة ما بين الحربين العالميتين، حينما بات واضحا فشل الوطنية العلمانية ليس فقط في تحقيق الوحدة العربية، وإنما أيضا في تحقيق الاستقلال، والذي تمثل بشكل رمزي صارخ في استمرار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وهو ما بُعث مرة أخرى في أواخر الستينيات، خاصة بعد الخسارة في حرب 1967، حيث تبدى فشل الوطنية والقومية العلمانية للمرة الثانية في تعبئة الطاقات وتحقيق الأهداف. ولكن الخسارة هذه المرة كانت أيضا لمشروع اجتماعي ذي جذور وطنية، ألا وهو مشروع الاشتراكية العربية. ومن المهم التأكيد هنا على أن الإسلام السياسي ما كان لينمو بقوة في بعض البلدان خلال سنوات الأزمة بدون الدعم القوي- بما فيه المالي- الذي حصل عليه من قوى خارجية (مثل السعودية والولايات المتحدة) لكي يمثل القوة المضادة لليسار. ومن أهم الأمثلة الدالة على هذا صراعات السلطة التي وقعت بعد وفاة جمال عبد الناصر (El Masry 1987: 44). ومن المؤكد أن المنطقة العربية قد خبرت العلمانية في فترات تاريخية اتسمت بالتأزم والفشل، سواء أكان هذا تحت الاستعمار الغربي أو باعتماد مفاهيم غربية للتنمية مثل الاشتراكية أو الرأسمالية. وهو ما قرن العلمانية عادة بالإخفاق. وبينما تتحدى كل من الحركات العلمانية والإسلامية سلطة الدولة المعاصرة في المنطقة، فإن هذا يقدم تفسيرات مختلفة للأزمات العربية التاريخية. وقد لا يكون على الحركات الإسلامية وحدها البحث عن مشروعات اجتماعية جديدة مقنعة تمثل بدائل للمشروعين الاشتراكي والنيوليبرالي الفاشلين، فالأمر نفسه منوط بالحركات العلمانية. ولكن هذه ليست مشكلة خاصة بالمنطقة العربية وحدها، فهي مطروحة بقوة أيضا في العالم أجمع، وتتلخص في التساؤل: "هل نريد لعالمنا أن يتحكم في السوق أم للسوق أن تتحكم في عالمنا؟" (Heikal 2003:20) إن هذا الاختزال المبسط للوقائع المعقدة قد يفيد كبداية لبناء تحالفات سياسية بديلة تتجاوز الأيديولوجيات. وكما أوضح "الأيوبي" فإن الحركات الإسلامية تتكون من طائفة واسعة من هذه التحالفات، التي تتراوح بين تبرير الوضع القائم للامساواة على أسس دينية، وانتهاء بتلك التي تنادي بإسلام ثوري يناضل لانتزاع حقوق الفقراء من أيدي الأغنياء (Ayubi 1995: 64f). ونظرا لأن الحركات الإسلامية لا تحدد نفسه بشكل ملموس من الناحية الاجتماعية- الاقتصادية فإن هذا يجعلها قادرة على الاصطفاف مع "توافق واشنطن" ذي التوجه النيوليبرالي كما هو واضح من تجربة جبهة الإنقاذ في الجزائر (Henry/ Springborg 2002: 121) كما يمكنها في الوقت نفسه من لعب دور المناوئ للغرب. وانطلاقا من هذه التقاطعات السياسية المعقدة يتطلب الأمر تقييم كل حركة إسلامية على حدة قبل البحث في إمكانية أن تكون شريكة في عملية إصلاح قابل للاستدامة. إن المنطقة العربية قد تكون أكثر احتياجا من أي مكان آخر في العالم إلى بناء تحالفات من أجل تغييرات على طريق التنمية الإنسانية المستدامة. وهي المشكلة ذات الجذور التاريخية في المنطقة العربية التي تواجه الموجة الثالثة من العولمة وهي تمر بأوضاع اجتماعية- اقتصادية صعبة، فضلا عن الضعف السياسي. ولا يجوز للاتجاهات الإيجابية في التطور الكلي أن تغطي على المشكلات التنموية الكبرى والتي ينبغي على بلدان المنطقة أن تتعامل معها بتنويع اقتصاداتها، ورفع إنتاجية العمل، وخلق الوظائف للملايين من شباب العاطلين، والتغلب على البنى والذهنيات الريعية والنزعات الأبوية والتسلطية، وأخيرا وليس آخرا بناء الأجيال الجديدة بطرق جديدة. وحيث يظل السؤال الرئيسي عما إذا كان الإقليم سيطور نوعيات جديدة من التنمية أم سيستمر على ما هو عليه بسبب تسارع نمو الإيرادات النفطية(World Bank 2007: ch.1). و يبدو أن هناك نوعا من المفارقة التاريخية- ولكنها قابلة للتفسير- في أن المنطقة العربية التي تملك أكبر احتياطيات العالم من مصادر الطاقة والتي مكنت هذا العالم من استمرار النمو حتى اليوم، هي نفسها المنطقة الممزقة بين الخوف من أن تترك وحدها في الخلف وبين أن تتم عولمتها من الخارج. وعلى أية حال فإن السيناريوهات المستقبلية توجد في أيديها نفسها. وفي الوقت الذي يبدو سيناريو التهميش مستبعدا طالما ظلت المنطقة غنية بالموارد النفطية والأسواق الواسعة للسلع الصناعية والاستهلاكية، فإن السيناريو التؤءم له بالتخلف عن مسيرة التنمية العالمية يظل باقيا في السباق. وقد عرض تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 لثلاثة سيناريوهات واقعية لمستقبل الديمقراطية والتنمية في المنطقة: (1) سيناريو الحفاظ على الوضع القائم، (2) سيناريو الازدهار البديل، (3) سيناريو الإصلاح من الخارج. ويتحدث البديلان الأول والثالث عن نفسيهما؛ حيث سيقودان إلى مواقف تنطوي على احتمالات كبيرة للصراع المجتمعي المحتدم والعنيف. فالحفاظ على الوضع القائم، المتمثل في الحكم السياسي الأوتوقراطي والجمود الاجتماعي- الاقتصادي النسبي، سوف يقوي المعارضة الاجتماعية والسياسية، ولكن مع افتقاد الفرص المدنية للمقاومة فإنه قد يقوي الجماعات الراديكالية الإسلامية بشكل خاص. الأمر الذي سيؤدي إلى مستويات جديدة من القمع والحكم الأوتوقراطي، وربما يؤدي إلى نوع ما من الحكم المدني- العسكري في إطار حكومات طوارئ. وقد نتج عن التحالف الفعلي للحكومات العربية مع "الحرب على الإرهاب" إعلان الميثاق العربي ضد الإرهاب عام 2002 والذي تعرض لانتقادات واسعة من دوائر حقوق الإنسان العربية والدولية، نظرا لأن التوسع في تعريف الإرهاب يفتح الباب أمام انتهاكات مثل الرقابة وتقييد الوصول إلى شبكة المعلومات الدولية والتسلط على الطباعة والنشر لأي مواد يمكن اعتبارها "مشجعة على الإرهاب". وفوق هذا لم يتضمن الميثاق حظرا على الاعتقالات والتعذيب، ولم يضمن الحق في المساءلة بشأن قانونية الاعتقالات، فضلا عن كونه لا يحمي الحرية الشخصية لأنه لم يتطلب الحصول على إذن قضائي مسبق للتنصت على الأفراد أو الجماعات. هذا هو بالضبط الوضع الذي يمهد الأرضية للسيتاريو الثالث، سيناريو الإصلاح من الخارج. فبعد عقود من "السياسات الحكومية الغربية الفاشلة في الشرق الأوسط" (4) أدركت هذه الحكومات أن الديمقراطية ينبغي أن تصبح الوسيلة المفضلة لتحقيق الاستقرار بدلا من التعاون مع الحكومات التسلطية. كما أن هذا يتلاءم مع الأيديولوجية العامة للموجة الثالثة للعولمة التي تقدم نفسها كحركة من أجل "اللبرلة الاقتصادية" و"الدمقرطة السياسية". وكما نعرف فإن هناك مشروعين رئيسيين يقدمان نفسيهما في هذا الاتجاه، مشروع الاتحاد الأوربي للشراكة الأورومتوسطية الذي أعلن عام 1995، والمشروع الأمريكي المسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير عام 2003 والذي تحول فيما بعد عام 2004 على يد مجموعة الثمانية إلى مبادرة "الشراكة من أجل التقدم والمستقبل المشترك مع الشرق الأوسط الموسع وشمال أفريقيا. ويحدثنا "أزموس" و"بولاك" المستشاران الأمنيان للرئيس الأمريكي السابق كلينتون، عن الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المفاهيم في السياق الاستراتيجي الأعم "لمشروع جديد عابر للأطلنطي" لإصلاح الشرق الأوسط من الخارج طبقا للنموذج الأولي لاستراتيجية الغرب في الحرب الباردة، فيقولان: "إن قيام أمريكا وأوربا باستخدام الضربات التدريجية للقوة الناعمة والصلبة هو الذي ساعد نهاية الأمر في تقويض والإطاحة بالشيوعية" (Asmus/ Pollack 2002). كما يقترحان أيضا خمسة عناصر رئيسية لتحقيق هذه الاستراتيجية المتكاملة مع الأساليب الحربية: "إن المكان الأول الذي ينبغي البدء بتطبيق هذه السياسة فيه هو أفغانستان. يجب أن نلتزم بتعهداتنا بمساعدة الحكومة الجديدة هناك على النجاح، مثلما نجحنا في إلحاق الهزيمة العسكرية بطالبان (...) وتمثل أفغانستان أيضا فرصة لتسجيل سابقة للتغيير والتحول الإيجابيين، حيث تبين لبقية الإقليم ماذا يمكن أن يقوم به الغرب (...) أما المنطقة الثانية التي ينبغي على الولايات المتحدة وأوربا العمل معا فيها من أجل تحديث المنطقة فتتمثل في الصراع العربي- الإسرائيلي (...) فليس بوسعنا انتظار أن ينشأ مجتمع فلسطيني جديد قبل استئناف المفاوضات، لأننا لا نستطيع السماح للجرح العربي- الإسرائيلي المفتوح أن يحول دون المضي في تنفيذ أجندتنا الأوسع بالإقليم (...) ثالثا يجب الإطاحة بصدام حسين ونظامه لأن سعيه لامتلاك الأسلحة النووية يعرض للخطر منطقة الخليج الفارسي ذات الأهمية الحيوية، فضلا عن استحالة المضي في الاستراتيجية طويلة الأجل لتشجيع التغيير الديمقراطي طالما ظل ستالين العصر هذا محتفظا بدولته الوحشية الشمولية. وهو ما يتطلب القيام بغزو كامل الأركان للعراق (...) رابعا تمثل إيران هي الأخرى بلدا ينبغي على الولايات المتحدة وأوربا العمل معا من أجل تغيير النظام فيه، وإن كان بطرق مختلفة تماما عن تلك المناسبة للاستخدام في حالة العراق (...) وأخيرا ينبغي على الولايات المتحدة وأوربا عدم قصر تشجيع التغييرات على النظم المعادية، وإنما يجب أن يمتد هذا أيضا إلى أصدقائنا وحلفائنا في المنطقة. فلا يمكننا الاحتفاظ بمصداقيتنا في الإصرار على تغيير النظام في بلد مثل العراق بينما نتغاضى تماما عن الحديث عن السعودية ومصر" (Asmus/ Pollack 2002). وأخير وليس آخرا ينصح الخبيران الرئيس الأمريكي جورج بوش بأن يضفي المشروعية على حرب العراق عن طريق الإشارة إلى تقارير التنمية الإنسانية العربية، وهي الاستراتيجية التي رفضها بشدة الدكتور نادر فرجاني الكاتب الرئيسي للتقارير(Al Hayat: 19.02.2004). وفي الحقيقة أن "برنامج القرن الأمريكي الجديد" (PNAC 2000) يقدم تفسيرا مختلفا لما يمكن أن يعنيه تكامل الرؤية الاستراتيجية "للبرلة الاقتصادية" و"الدمقرطة السياسية" مع الوسائل العسكرية، ألا وهو تشكيل "قرن جديد يعمل لفائدة المبادئ والمصالح الأمريكية"، وضمان القيادة العالمية لأمريكا عن طريق تأمين "الحفاظ على ميزان القوى المواتي لها في أوربا والشرق الأوسط والأقليم المحيطة بمناطق إنتاج النفط" وذلك من أجل "الحيلولة دون صعود قوة عظمى منافسة جديدة، والدفاع عن المناطق الرئيسية في أوربا وشرق آسيا والشرق الأوسط، والحفاظ على التفوق الأمريكي من خلال التحول المقبل في الحرب والذي تساعد التقنيات الحديثة على تحقيقه" (...) و"المهام المرتبطة بالدفاع عن المصالح الأمريكية في الخليج الفارسي والشرق الأوسط"، وهو ما يتطلب أخيرا وليس آخرا "تواصل تمركز وحدات الجيش الأمريكي في الخارج (PNAC 2000) . وبينما تمثل الوسائل الحربية للسيطرة على المناطق المنتجة للطاقة في الشرق الأوسط والعالم، إحدى الاستراتيجيات الأساسية لضمان الهيمنة الأمريكية على العالم اقتصاديا وسياسيا (Ruf 2007) كما أثبتت نجاعتها منذ الحرب العالمية الثانية لتحقيق هيمنة الثالوث الرأسمالي العالمي (Amin 2004) فإن السيطرة على الأسواق تمثل استراتيجية مكملة. وفي هذا السياق يمكن النظر إلى الحرب في العراق باعتبارها نقطة البدء في عملية للعولمة الاقتصادية في الشرق الأوسط تستخدم أساليب الحرب والضغوط، فالعراق "بالنسبة لكثير من المحافظين يمثل اختبارا لما إذا كان باستطاعة الولايات المتحدة أن ترسي في العالم العربي رأسمالية السوق الحرة على النمط الأمريكي" (King Jr. 2003). وفي الحقيقة أن الرئيس الأمريكي جورج بوش قد شرح ما يعنيه بإحضار الديمقراطية والحرية إلى الشرق الأوسط حينما أعلن في غمار حرب الخليج الثالثة إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط في مايو 2003. قال بوش: "إن الأسواق والتجارة الحرة عبر العالم قد ساعدت في هزيمة الفقر، وتعليم الرجال والنساء عادات الحرية. ولذا فإنني أقترح إنشاء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط خلال عشرة أعوام، لمنح الشرق الأوسط فرصا واسعة ومنح الأمل لشعوبه (Bush 2003 as cited in Juhasz 2007: 262) . ففي اعتقاده أن رأسمالية السوق الحرة يمكن أن توفر إدخال الحرية والديمقراطية إلى المنطقة، وهو لا يكرر هنا فحسب أسوأ الأخطاء التي تحدث عنها كارل ماركس في مقالته عن "السيطرة البريطانية على الهند" متناولا احتمال أن يحضر الاستعمار البريطاني الحرية والتطور إلى الهند. ولكن ما كشفت عنه الممارسة الأولى في العراق أنه بدلا من أن يرى العراقيون ازدهار الحرية والديمقراطية والرفاهية، رأوا تدمير معالم ثقافتهم التاريخية، وتحطيم مؤسساتهم الاقتصادية والسياسية وحتى نظامهم العام، والانزلاق إلى الحرب الأهلية، ومعاينة الغزو الاقتصادي الأمريكي، والانتهاء إلى وضع اجتماعي واقتصادي يشبه أوضاع البلدان الأقل نموا (El Masry 2007). وعلى الرغم من الحالة السلبية في العراق يتقدم مشروع التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط على أمل إدماج منطقة الشرق الأوسط في هذا المشروع قبل العام 2013. ولما كان على أجندة هذا المشروع برنامج جذري لخصخصة المشروعات المملوكة للدولة- خاصة في قطاع الطاقة- وكذلك فتح الأسواق العربية أمام المنتجات الاستهلاكية الأمريكية، فإن معنى هذا سيكون النهاية فيما يبدو ليس فقط لواحد من أنجح كارتلات المنتجين التي عرفها العالم النامي (أي منظمة أوبك) وإنما قد يعني أيضا النهاية لفكرة بناء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ذلك المشروع الذي يعد أساسا لدفع الوحدة العربية قدما وبناء مشروع اجتماعي- اقتصادي وسياسي عربي من نوع جديد. ومنذ الإعلان عن مشروع التجارة الحرة بين الشرق الأوسط والولايات المتحدة عام 2003 زادت الواردات التجارية العربية من الولايات المتحدة من 17 مليار دولار إلى 37 مليار دولار في العام 2006(US-Arab Chamber of Commerce 2005). وبينما تبدو هذه التطورات مرتبطة أكثر بدول الخليج العربي، نجد الدول العربية في شمال أفريقيا مهتمة أكثر بتمتين علاقاتها مع الاتحاد الأوربي والتطلع إلى إقامة منطقة التجارة الحرة الأورومتوسطية. وهكذا فإن المشروع الغربي العام لدمقرطة ولبرلة المنطقة العربية عن طريق فصل البلدان العربية المطلة على البحر المتوسط عن منطقة الخليج (وهو الهدف المضمن منذ البداية في المشروع الأورومتوسطي بغض النظر عن المقاربة المعلنة) يكاد يحقق ما بدأه الاستعمار التاريخي، أي شق الوحدة العربية. ومرة أخرى يتبقى التساؤل عن مساهمة النخب العربية في تحقيق تلك النتائج، وعن مستقبلها الاجتماعي- الاقتصادي والسياسي؟


3. استخلاصات سعي التحليل السابق إلى المقارنة بين التجارب العربية أثناء موجتي العولمة الأولى والثانية، من أجل فهم أفضل للشروط السائدة في الإقليم في مواجهة الموجة الثالثة للعولمة، ولآثارها المحتملة على مشكلات التنمية والدمقرطة في الإقليم. ويمكن إيجاز الاستخلاصات فيما يلي: أولا. إن المنطقة العربية قد عُولِمت ولم تُعولِم هي نفسها خلال الموجتين الأولى والثانية، وهي الآن في منتصف الطريق لنفس العملية خلال الموجة الثالثة للعولمة. ويبدو أن لهذه النتيجة جذورها التاريخية في الموجة الأولى من العولمة، أي الاستعمار. ثانيا. بينما أدى الاندماج التابع للبلدان العربية في الاقتصاد والسياسة العالميين إلى تمهيد الأرضية لاستمرار بنية التنميات السيئة ليس فقط داخل وبين البلدان، وإنما أيضا فيما يتصل بالعلاقات الدولية للمنطقة، فالمقارنات تشير إلى أن قدرة المجتمعات أو الحكومات على التكيف البناء مع الموروثات الاستعمارية تلعب دورا مهما في التغلب عليها (قارن على سبيل المثال مصر- اليابان). ثالثا. إن الدول العربية مثل كثير من الدول النامية لم تنجح في بناء نماذج مستقرة ومتماسكة للتراكم وتنويع الاقتصاد، وإعداد مجتمعاتها لمستويات جديدة نوعيا من الحداثة الاقتصادية والاجتماعية. وينجم هذا- في جوانب كثيرة- عن الموروث التاريخي فضلا عن البيئة الاقتصادية والسياسية الدولية التي سادت منذ الخمسينيات إلى الثمانينيات. وبينما يمثل العالم العربي حالة خاصة- دون شك- في نظرية التنمية بسبب دوره الاستثنائي المبني على أهميته الجيوستراتيجية والنفطية، وانخراطه المتواصل- بفعل القوى الخارجية- في الصراعات المسلحة، يظل التساؤل قائما عن الكيفية التي استخدمت بها النخب العربية هذه العوامل من أجل الحفاظ على مصالحها في السلطة، وإلى أي مدى كان من الممكن تحقيق عمليات للتنمية البديلة لو وضعت التنمية المستدامة- الوطنية أو العربية الجماعية- على قمة الأجندة، بدلا من نماذج التنمية الأبوية أو الريعية التي خدمت بالدرجة الأولى مصالح النخب الحاكمة. إن الثروة النفطية التي تحققت في السبعينيات كان من الممكن أن تدفع المنطقة العربية لأن تصبح إقليما قويا من الناحيتين الاقتصادية والسياسة لو أنها استثمرت بشكل منتج. رابعا. أدى فشل سياسات التكيف الهيكلي في البلدان العربية إلى تعميق الأزمات التنموية فيما شكل عقدا ضائعا من حيث جميع المؤشرات الرئيسية للتنمية، كما لم تنجح في الوقت نفسه في إصلاح الاقتصادات العربية بنيويا من أجل تحقيق التنمية المستدامة. كذلك لم تؤد هذه السياسات إلى إضعاف الحكومات التسلطية، بل قوتها، نتيجة لما نالته من دعم دولي للحفاظ على الاستقرار (مثل أزمة المديونية الجزائرية). خامسا. تظهر أزمة التنمية في المنطقة العربية كأزمة للعلمانية منذ السبعينيات. وبينما تعد هذه الظاهرة عالمية بدرجة ما، خاصة مع النفوذ المتزايد للمحافظين الجدد في العديد من البلدان منذ أوائل الثمانينيات (مثل الولايات المتحدة، إسرائيل، بريطانيا، ألمانيا)، إلا أن هذه الظاهرة تعد أكبر بكثير في البلدان العربية نتيجة فشل التنمية، وأزماتها الاجتماعية- الاقتصادية الحادة، وضعف الحركات والأحزاب السياسية العلمانية المستقلة لعقود طويلة من السنين. وفي هذا السياق تشكل القوة المتنامية للإسلام السياسي أجندة صعبة تماما لأسباب كثيرة. فمن ناحية هو يقدم نفسه غالبا كقوة مناهضة للغرب والإمبريالية، ومن ثم يقوي النظم الأوتوقراطية التي تجد مصالحها السلطوية في عدم الاستسلام لمقاربات الإصلاح الغربية. ومن ناحية أخرى يشكل الإسلام السياسي تحديا لتلك النظم فيما يتعلق بسياساتها الأخلاقية أكثر من تحدي سياساتها الاجتماعية- الاقتصادية، وذلك دون أن يملك أي فرصة لانتزاع السلطة بسبب ما يتعرض له من قمع رسمي، وإن كان يجد التسامح وربما الدعم بشكل غير رسمي. ومن ثم فإنه يجد مساحة للنشاط أكبر بكثير من الأحزاب والحركات العلمانية. وهو ما يمثل الأساس للتراجع التدريجي للثقافة السياسية العلمانية. ولما كان الإسلام السياسي لا يقدم أكثر من رؤى شعبوية فضفاضة، يمكن النظر إليه كعامل يشد إلى الوراء فيما يتعلق بإدراك كنه العقبات الاجتماعية- الاقتصادية والسياسية أمام التنمية، ومن ثم يشكل قوة غير إيجابية للتنمية. وعلى الرغم من استيعاب الإسلام السياسي للمعارضة الشعبية بشكل متزايد، فإنه قد يكون مفيدا لبقاء النظم الأوتوقراطية في السلطة طالما أنه لم يصبح قويا بعد بما يكفي لانتزاعها. ومن ناحية أخرى لا يجب النظر بشكل مطلق إلى حركات الإسلام السياسي كشريك مستحيل في ائتلاف مع حركات المعارضة العلمانية، فهي تستفيد من إخفاقات النخب المحلية والدولية لزيادة شعبيتها، كما تتزايد قدراتها على الاتصال الفعال مع السكان. وينبغي تقييم تيارات الإسلام السياسي حسب مضامين وعقلانية وفعالية برامجها السياسية. وربما كانت هذه هي الإمكانية الوحيدة لتحقيق السيناريو المتبقي لتنمية وطنية، أي سيناريو الازدهار الذي اعتبره تقرير التنمية الإنسانية المنظور المستدام الوحيد للتنمية العربية. سادسا. إن سياسات العولمة الغربية حيال العالم العربي تبدو مناقضة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في المنطقة العربية، وخاصة فيما يتعلق بالرؤية الأمريكية الملونة للتغيير العلوي والإجباري، والتي ترمي بشكل واضح إلى خدمة واستقرار الهيمنة الأمريكية على المنطقة. فالإدماج السريع في نظم التجارة الحرة لاقتصادات غير متنوعة بنيويا وغير قادرة على المنافسة دوليا يعني تحويلها إلى أسواق مستوردة للمشروعات الأجنبية، وتدمير ما قد يوجد من صناعات وطنية ناشئة (مثل حالة مصر في السبعينيات) وبيع ما تملكه من ثروة وطنية (مثل خصخصة وتدويل مشروعات الطاقة المملوكة للدول العربية). ويفضي كل هذا إلى استعمارها تحت شعاري اللبرلة والدمقرطة. أما سياسات التجارة الحرة والعولمة التي تنتهجها الشراكة الأورومتوسطية تجاه البلدان العربية فهي تختلف عما سبق من زاوية أنها تعتمد مقاربة أبطأ للإدماج، وتقدم مساعدات تنموية لسياسات التنويع الاقتصادي كما تفتح الأسواق أمام المنتجات العربية، وإن كانت تتجاهل الجانب الخاص بالهجرة في سياق العولمة. ومع ذلك يبدو أن سياسات الاتحاد الأوربي تمر بمفترق طرق، فهو ممزق بين التكيف مع الليبرالية العدوانية الأمريكية من أجل بناء نفسه كقوة مهيمنة، وبين الاحتفاظ بآخر العناصر في مشروعه التاريخي الخاص كقوة سلام. وفي هذا الظرف التاريخي المحدد ينبغي على قوى التعاون العربي- الأوربي أن تعطي اهتماما أكبر لسياسات الجوار الأوربية( Amin 2004). مـلاحظـات

1. لم يشع مصطلح العولمة إلا في النصف الثاني من التسعينياتن كما يمكن أن يستخلص من عدد مرات تكرار ذكر الكلمة في صحيفة ألمانية كبيرة هي Frankfurter Allgemeine Zeitung حيث وردت 34 مرة عام 1993 و1136 مرة عام 2001. انظر: Deutscher Bundestag (ed) 2002: 49. 2. إن نوعية جديدة من التواصل الدولي تقتضي حالة من العالمية التي تعني وجود شبكات عالمية فقدت شخصياتها الوطنية. 3. انظر: World Bank (2002): pp. 23-51. ويتضمن مؤشرات لموجات العولمة هذه من زاوية ثلاثة عناصر: التجارة الدولية مقيسة بالنسبة إلى الدخل العالمي، التدفقات الرأسمالية مقيسة بنسبة رأس المال الأجنبي في البلدان النامية إلة ناتجها المحلي الإجمالي، الهجرة مقيسة بععد المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من التشكك في جدارة هذه المؤشرات فإنها تلقى قبولا واسعا، وخاصة المؤشران الأول والثاني. ومن المعروف أنه لايوجد حتى الآن أي منظومة مقنعة لقياس العولمة. 4. "يجب أن نتجاوز عقودا من السياسات الفاشلة في الشرق الأوسط. لقد رغبت أمتكم وأمتنا في الماضي في المساومة والتسامح مع القمع من أجل ضمان الاستقرار. ولقد قادتنا الروابط القوية إلى التغاضي عن أخطاء النخب المحلية. غير أن هذه المساومة لم تجلب الاستقرار، ولم تجعلنا آمنين. فقد كانت مجرد شراء للوقت بينما كانت المشكلات تتفاقم وأيديولوجيات العنف تثبت أقدامها" (خطاب جورج دبليو بوش بلندن في 19 سبتمبر 2003).

ترجمة: مصطفى مجدي الجمال


Bibliography

Abdel Khalek, Gouda / Tignor, Robert (eds) (1982): The Political Economy of Income Distribution in Egypt. New York-London: Holmes & Meier

Abdel-Khalek, Gouda (1982): The Open Door Economic Policy in Egypt: Its contribution to Investment and Its Equity Implications. In: Kerr, Malcolm/Yassin, El Sayed (eds): Rich and Poor States in the Middle East. Egypt and the New Arab Order, Boulder-Cairo: AUC, pp 259-283

Adams, Jr., Richard/ Page, John (2001): Holding the Line: Poverty Reduction in the Middle East and North Africa, 1970-2000,

Allemann, Fritz René (1958): Die arabische Revolution. Nasser über seine Politik. Frankfurt am Main: Ullstein.

Ajami, Fouad (1981): Retreat from Economic Nationalism: The political Economy of Sadats Egypt. In: Journal of Arab Affairs, 1(1981) pp 27-51

Amin, Samir (1978): The Arab Nation. London: ZED

Amin, Samir (1982): The Arab Economy Today. London: ZED

Amin (2004): U. S. Imperialism, Europe and the Middle East. In: Monthly Review, November; under: www.monthlyreview.org/1104amin.htm

Asmus, Ronald D. / Pollack, Kenneth M. (2002): The New Transatlantic Project, In: Policy Review, October/ November, under: http://www.hoover.org/publications/policyreview/3459216.html

Ayubi, Nazih N. (1982): Implementation Capability and political Feasibility of the Open Door Policy in Egypt. In: Kerr, Malcolm/Yassin, El Sayed (eds): Rich and Poor States in the Middle East. Egypt and the New Arab Order, Cairo: AUC, pp 349-414

Ayubi, Nazih N. (1991): Political Islam. Religions and Politics in the Arab World. London-New York: Routledge

Ayubi, Nazih N. (2006): Overstating the Arab State. Politics and Society in the Middle East. London-New York: I.B. Tauris

Brown, L.C. (1984): International Politics and the Middle East: Old Rules, Dangerous Games. New York: Princeton

Bush (2003): President George W. Bush, Speech at the University of South Carolina on May 9, 2003, cited in: Juhasz, Antonia (2007): The Bush-Agenda. Invading the World, One Economy at a time, New York: Harper Collins

Deutscher Bundestag (ed) 2002: Globalisierung der Weltwirtschaft. Schlussbericht der Enquete-Kommission, Opladen: Leske and Budrich

El Masry, Ingrid (1987): Ursachen und Folgen der politischen und ökonomischen Neuorientierung Ägyptens seit Beginn der siebziger Jahre, Diplomarbeit, Marburg: Philipps-Universität

El Masry, Ingrid (2007): Globalisierung mit Waffengewalt. Zur politischen Ökonomie des Dritten Golfkrieges, in: Österreichisches Studienzentrum für Frieden und Konfliktlösung (Hg): Krisenherd Naher und Mittlere Osten. Friedensbericht 2007, Wien-Berlin: Lit-Verlag, 105-122

Heikal, Mohammad H. (2003): The First Arab Human Development Report: For Whom did the Bell Toll? In: UNDP-RBAS/ AFESD (2003): 20

Henry, Clement M. / Springborg, Robert (2001): Globalization and the Politics of Development in the Middle East. Cambridge: Cambridge U. P.

Henry, Clement M. (2005): The clash of globalizations in the Middle East. In: Fawcett, Louise (ed) (2005): International relations of the Middle East. Oxford: Oxford U. P., 105-129

Hudson, Michael C. (ed) (1999): The Middle East Dilemma: The Politics and Economics of Arab Integration. New York: Columbia U. P.

Jiyad, Ahmed M. (1995): The Social Balance Sheet of Privatisation in the Arab Countries. Paper Presented before 3. Nordic Middle East conference on Ethnic Encounter and Cultural Change, Joensuu, Finnland, 19-22 June

Kazziha, Walid (1988): The Impact of Palestine on Arab Politics. In: Luciani, Giacomo/ Salamé, Ghassan (ed): The politics of Arab integration. London [u.a.] : Croom Helm, 213-231

Kerr, Malcolm (1971): The Arab Cold War, 1958-1970. London: Oxford University Press

King Jr, Neil: Bush Officials Draft Broad Plan For Free-Market Economy in Iraq, in: The Wall Street Journal, 1.5.2003

Luciani, Giacomo (1987): Allocation versus Production States: A theoretical Framework, in: Beblawi, Hazem/ Luciani, Giacomo: The Rentier State, London/ New York/ Sydney; 63-82.

Owen, Roger (2001): The Eastern Mediterranean during the First Wave of Globalization, 1870-1914. Fiesole: European University Institute

Page, John/ van Gelder, Linda (2002): Globalization Growth and Poverty Reduction in the Arab World and North Africa, 1970-1999, Paper Presented at the Fourth Mediterranean Development Forum, Amman, Jordan, April 7 to April 10

PNAC (2000): Project for a New American Century: Rebuilding America’s Defenses. Strategy, Forces and Resources for a New Century. Report under: http://www.newamericancentury.org/RebuildingAmericasDefenses.pdf

Ruf, Werner (2007): Ein neuer Ost-West-Konflikt: Irak und die Folgen, in: Österreichisches Studienzentrum für Frieden und Konfliktlösung (Hg): Krisenherd Naher und Mittlere Osten. Friedensbericht 2007, Wien-Berlin: Lit-Verlag, 91-104

Schölch, Alexander: Die europäische Expansion und die Transformation Ägyptens 1760-1922, in: Grevemeyer, J.-H.: Traditionelle Gesellschaften und europäischer Kolonialismus, Frankfurt/ Main 1981, pp. 137-157

Schölch, Alexander: Ägypten in der ersten und Japan in der zweiten Hälfte des 19. Jahrhunderts: ein entwicklungsgeschichtlicher Vergleich, in: Geschichte in Wissenschaft und Unterricht (1982) 6, 333-346

Sharabi, Hisham (1988): Neopatriarchy. The Distorted Change in Arab Society, Oxford

Sadiki, Larbi (1997): Towards Arab liberal governance: from the democracy of bread to the democracy of the vote, in: Third World Quarterly 1(18); 127-148

Safadi, Raed (2006): The Legacy of trade reforms in the Arab Countries, Vienna: OFID Pamphlet Series

Third World Forum (1995): The Arab System in Crisis, Montreal: CEAD

UNDP-RBAS/AFESD (2002): United Na¬tions Development Programme/ Regional Bureau for Arab States/ Arab Fund for Economic and social Development: The Arab Human Development Report 2002. Creating Opportunities for Future generations; New York: United Nations (www.undp.org/rbas).

UNDP-RBAS/AFESD (2003): United Nations Development Programme / Regional Bureau for Arab States/ Arab Fund for Social and Economic Development: The Arab Human Development Report 2003. Building a Knowledge Society, New York: United Nations (www.undp.org/rbas)

UNDP-RBAS/AFESD (2004): United Nations Development Programme / Regional Bureau for Arab States/ Arab Fund for Social and Economic Development: The Arab Human Development Report 2004. Towards Freedom in the Arab World, New York: United Nations (www.undp.org/rbas)

UNDESA (2001): United Nations Department of Economic and Social Affairs: World Public Sector Report. Globalization and the State, New York: United Nations

UNESCWA (2005): United Nations Economic and Social Commission for Western Asia: Annual Review of Developments in Globalization and Regional Integration in the Countries of the ESCWA Region, New York: United Nations

US-Arab Chamber of Commerce (2005): US-Arab Tradeline, Vol. XIII, No.5, Special Report, September/October

WCSDG (2004): World Commission on the Social Dimension on Globalization: A Fair Globalization: Creating Opportunities for all, Geneva: ILO

World Bank (2002): Globalization, Growth and Poverty. Building an Inclusive World Economy, Oxford: Oxford University Press

World Bank (2007): Middle East and North Africa Region. Economic Developments and Prospects. Job Creation in an Era of High Growth, Advance Copy: www.worldbank.org

Wilson, Rodney (2002): The Challenges of the global economy for Middle Eastern governments, in: Dodge, Toby/ Higott, Richard (eds): Globalization and the Middle East. Islam, Economy, Society and Politics. London, 188-208







(5) الاستقرار المشترك بناء علاقة جديدة بين أوربا وجيرانها فى شمال أفريقيا والشرقين الأدنى والأوسط

                                                                             دكتور أرنى سى سيفريت

ارتبطت أوربا لقرون عديدة ارتباطاً لا ينفصم بشمال أفريقيا والشرقين الأدنى والأوسط، ومهما اختلفت الحضارات والأديان والثقافات. وتختلف علاقات أوربا مع هذه البلدان اختلافاً بيناً عن علاقات تلك البلدان مع الدول الأخرى فى الغرب. ولقد عرفت هذه العلاقات فترات تاريخية صعبة مثل السيطرة الاستعمارية الأوربية التى انتهت منذ أقل من نصف قرن مضى(1) ولا تزال حية فى ذاكرة شعوب المنطقة. إن جعل أوربا تتمتع بالاستقرار هو من المصالح الرئيسية للدول الأعضاء فى الاتحاد الأوربى. ولكن الاندماج وزيادة الاعتماد المتبادل يجعل المنطقتين غير مستقرتين إذا أدى الانقسام حول قضايا الاستقرار والأمن إلى تقويض علاقات الاعتماد المتبادل بين الجانبين. ومن ثم لا يمكن بناء أوربا كمنطقة استقرار بدون التعاون بين دول الاتحاد الأوربى والأقاليم المجاورة فى شمال أفريقيا والشرقين الأدنى والأوسط، من أجل بناء استقرار قائم على المساواة. ولا شك أن هذا يصب أيضاً فى مصلحة جيراننا فى الجنوب. وفى الوقت نفسه لا يجوز أن نتغاضى عن حقيقة أن هذا الاعتماد المتبادل مهدد بالاختفاء. الاستقرار المهدد منذ غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة أصبح عدم الثقة هو الطابع السائد لعلاقات الإقليم مع أوربا، حيث إنه آثار المخاوف من أن يكون الغرب وحلف شمال الأطلنطى قد عاد إلى سياسة الهيمنة "القديمة" التى يحدوها الطلب على الطاقة والمصالح الاقتصادية. وقد أدى الغضب من نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد إلى خروج تظاهرات احتجاجية حاشدة فى شوارع كل العالم الإسلامى. واتخذت المشاعر المعادية للغرب نغمة جديدة لم نشهدها منذ عهد النضال التحررى ضد الاستعمار، مثلما حدث إبان غزو السويس عام 1956 بواسطة بريطانيا العظمى وفرنسا. ولكن العلاقات مع عدد من حكومات الإقليم لا يبدو من الوهلة الأولى أنها تؤكد تلك المشاعر بيد أن هشاشة العلاقات تصبح واضحة حينما تقوم بتقييم موضوعى لضعف الأنظمة وعلاقتها المتوترة مع منظمات المجتمع المدنى، وخاصة مع المعارضة الاجتماعية الإسلامية. ومن المؤكد أن قطاعاً من المجتمع يتبنى موقفاً شديد السلبية والتشكك إزاء السياسات الغربية. بل والأكثر أهمية ذلك الإجماع الذى تتشارك فيه الحكومات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى –من مختلف الاتجاهات السياسية وباستثناءات قليلة- والذى يرفض التهديدات الغربية بفرض التغيير السياسى (2). وينطبق الشىء نفسه على التواجد العسكرى الغربى الدائم فى الإقليم، وحيث يتم النظر إلى المبادرات الأمريكية لتشجيع الديموقراطية على أنها تمثل تدخلاً فى الشئون الداخلية. ومما يزيد أزمة الثقة اشتعالاً الاستراتيجية المتبعة حالياً لمحاربة الإرهاب، وما تنطوى عليه من عواقب بالنسبة لشعوب الإقليم. ولقد ثبت عدم قدرة هذه الاستراتيجية على اجتثاث أسباب الإرهاب، بل إن نتائجها جاءت فى الحقيقة لتصب فى مصلحة الجماعات الإسلامية الأكثر تطرفاً، وجعلتها مقبولة أكثر فى المجتمع، كما أثارت الانقسام داخل الجاليات الإسلامية فى أوربا مما ساعد فى إعاقة اندماجها فى المجتمع الأوربى. ولقد تقوض الاستقرار على المدى الطويل فى العراق وأفغانستان، وكذا فى المناطق الفلسطينية المحتلة. وإذا تحدثنا عن العراق وأفغانستان فهناك اتجاه واضح نحو التفكك (3). ويبدو أن حل الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى أصبح مجمداً. أما تأزم العلاقات مع سوريا وإيران فيجلب معه المزيد من المخاطر على الاستقرار الإقليمى. وعلى وجه الإجمال فإن علاقات الغرب مع لاشرقين الأدنى والأوسط تمر الآن بأوقات شديدة الحرج. وهو ما يتصادم مع حاجة أوربا إلى تعزيز التجارة الخارجية ومواجهة التحديات الاجتماعية- السياسية فى الإقليم. ومن ثم تزداد الحاجة إلى علاقات مستقرة يمكن الاعتماد عليها ومبنية على منظور مشترك وواضح.

تحديات جديدة يحتاج نجاح علاقات أوربا مع جيرانها الجنوبيين لأن تأخذ فى الاعتبار التغيرات الاجتماعية- السياسية الجارية..، ومن أهمها:- 1- نوعية جديدة من التكامل بين أوربا وجيرانها المسلمين: فلم تعد الأقاليم الإسلامية المجاورة مجرد أطراف خارجية بالنسبة لأوربا، وذلك نظراً لتبلور جاليات إسلامية قوية فى أوربا وزيادة ضغوط حركة الهجرة إلى أوربا. وهو ما يجعل من الضرورى العمل من أجل خلق بيئة تعاونية تشجع الاندماج داخلياً وخارجياً. ولا يمكن إنجاز هذا فى المستقبل بدون علاقات مستقرة تسمو فوق الاختلافات الإقليمية والثقافية. 2- المنافسة الدولية المتزايدة على مصادر الطاقة فى شمال أفريقيا والشرقين الأدنى والأوسط، وما يرتبط بهذا من اضطرابات مالية دولية: فخلال السنوات الخمس المقبلة سيؤدى الاستهلاك المتزايد بسرعة صاروخية للنفط من جانب بلدان مثل الصين والهند فضلاً عن تزايد الطلب عليه فى البلدان الصناعية التقليدية، وكذلك انكماش الاحتياطيات النفطية بالمقابل، سيؤديان إلى احتدام المنافسة على الموارد الخام للطاقة. وسيصبح الشرق الأوسط الأكبر أكثر أهمية باعتباره الجسر بين أوربا وكل من آسيا وأفريقيا، ومن ثم زيادة مجال النفوذ بالنسبة للبلدان فى الإقليم. إن الطريقة التى ستتعامل بها أوربا مع المنافسة الجديدة فى قطاع الطاقة –بالتدخل أم بالتوافق لمصلحة الجانبين- سوف تؤثر بشكل حاسم على علاقات أوربا بالبلدان الإسلامية المجاورة. ولا يمكن استبعاد استخدام "النفط كسلاح" إذا تحولت موازين القوة لمصلحة الإسلاميين الراديكاليين. وهو ما تحقق بالفعل فى إيران. 3- مشهد غير مستقر للتطور الاجتماعى-السياسى. بيد أن التحليلات الخاصة لاتجاهات التطور فى الإقليم حتى العام 2010 (مثل تلك التى قام بها المعهد الألمانى لدراسات الشرق الأوسط) تبين أن الاستقرار السياسى المحلى لن يتعرض لأخطار كبيرة قبل العام 2010 بسبب القدرة العالية على التكيف عند النظم التسلطية فى الإقليم. غير أن هناك أيضًا تنبؤات بزيادة نفوذ الحركات الإسلامية، وبأن خطر "الاختلافات السياسية- الأيديولوجية والثقافية- الدينية (مع أوربا) سوف يتطور إلى خط للتقسيم والانعزال عن الغرب" (أو المعايير الغربية). وفى البلدان التى توجد بها حركات إسلامية قوية يتوقع حدوث تقلبات فى العلاقة مع أوربا، وأن التعاون سيصبح أكثر تعقيداً" (4).

خطوط عريضة لقيام علاقة جديدة إن كل معايير اتخاذ القرار تدفع أوربا نحو السعى الجاد من أجل بناء علاقة جديدة مع جيرانها الملسمين، وتتعلق هذه المعايير بالاستقرار الجيو-ستراتيجى لأوربها وجيرانها، أمن الطاقة، الاستقرار الداخلى فى البلدان الأوربية، تصورات الأمن فى دول الجوار جنوب أوربا، إدانة الأسلحة النووية، السياسات الأوربية تجاه الجيران جنوب البحر المتوسط، والبيئة الاجتماعية- السياسية الصعبة فى الإقليم. فعلام يمكن أن تقوم هذه العلاقة "الجديدة"؟ 1- يجب على أوربا اختيار طريق يؤدى إلى بناء منظور للتعايش السلمى طويل الأمد مع الدول الإسلامية المجاورة. وفى الوقت نفسه يجب الجمع بين الأهداف طويلة وقصيرة الأجل. ولابد أن يعتبر من الأهداف المباشرة العمل من أجل إنهاء الحروب (فى العراق وأفغانستان) والتحول العاجل نحو إجراءات لبناء الثقة. كما أن هناك حاجة لإدراج الحركات الإسلامية الراديكالية فى هذه العملية. وينبغى أن يكون من الأهداف طويلة الأمد ضمان تبلور منظور للتعايش بين الحضارات، مبنى على الحقوق المتساوية داخل وخارج الحدود. 2- إن التخطيط لبلورة هذا المنظور التعايشى القائم على المساواة يستحق منا عناية خاصة. وعندئذ فقط سيمكننا التغلب على التصورات السلبية للعلاقة بين "الفاعل والمفعول به" واسعة الانتشار فى الجانب العربى والإسلامى، وبمقتضاها ينظر إلى أوربا باعتبارها "الفاعل" لسياسة مبنية على مصالحها الذاتية، بينما يعتبر الشرقان الأدنى والأوسط (الإسلاميان) هما "المفعول به" لهذه السياسة. إن هذا الشعور يمثل عقبة كأداء فى طريق العلاقات مع أوربا. ونظراً لأن الأزمة فى العلاقات مع الأقاليم الإسلامية المجاورة هى محصلة لتطور تاريخى، فمن الواضح أن حلها سيتطلب بدوره المرور بعملية طويلة الأمد. بيد أن هذه العملية لن يكون لها مغزى إلا إذا تبنت منظوراً مشتركاً. وإلا فإنها قد تتعرض للخطر جراء تفسيرها على أنها مناورة تكتيكية، ومن ثم لن تنجح فى التغلب التدريجى على الأثقال التاريخية. 3- إن الوضع الذى نريد الوصول إليه يتكون من العناصر الآتية: احترام كل جانب لحضارة الآخر، القبول بواقع وجود اختلافات اجتماعية وسياسية، الحق فى اختيار نوع التنمية بما فيها تلك ذات التوجه الإسلامى، بناء الأمن على أساس من الحقوق المتساوية فى الاستقرار المشترك. ولا تعنى تلك العناصر أى تخل عن القين والمبادىء من جانب أى طرف، وإنما التركيز على بناء علاقات مبنية على التعاون والتعايش. كما أن هذا لا يعنى مساس بالأمن والاستقرار الأوربى، لأن هذا لن يكون قابلاً للتحقيق بدون الاستقرار فى شمال أفريقيا والشرق الأدنى والأوسط، وبناء علاقات سليمة مع بلدان الجوار فيها. 4- تحديد معالم جديدة لسياسة أوربية مستقبلية تجاه الإقليم الإسلامى وكذا تجاه العمليات الاجتماعية- السياسية الجارية فيه. ويجب أخذ الحقائق القائمة فى الاعتبار. فمن ناحية لا يمكن نقل النموذج الغربى للديمقراطية إلى المجتمعات الإسلامية "من أعلى" أو "من الخارج". ومن ناحية ثانية ينبغى على أوربا أن تدرك أن الحركات السياسية فى البلدان الإسلامية ستظل تعبر عن مطالبها –ولفترة طويلة- ليس بطريقة علمانية وإنما بطريقة إسلامية. ولن ينجح الإصلاح أو التحديث بدون –أو بالرغم من- الحركات والأحزاب الإسلامية. وهكذا فمن الواضح أن حركات المعارضة الاجتماعية الإسلامية- حتى الراديكالية منها- يجب تضمينها فى إجراءات بناء الثقة.

الآليات والخطوات المبدئية تنطلق رؤيتنا من فرضية أن أوربا مؤهلة لتقديم تنازلات مسبقة من أجل بناء الثقة وتخفيف التوتر فى العلاقات مع العالم الإسلامى. وهو ما يتطلب تصورًا أوليًا لإعادة تشكيل العلاقات، ورغبة فى الدخول فى المفاوضة دون شروط مسبقة. ويتطلب هذا التصور الأولى تغطية ثلاثة مجالات من النشاط:-

  • إنهاء الصراع الإرهابى.
  • إعادة تعريف العلاقات مع البلدان الإسلامية المجاورة.
  • بناء منظومة أو نظم إقليمية فرعية للأمن الجماعى فى الشرق الأدنى والأوسط، تكون سياستها الأمنية وثيقة الارتباط بالاستقرار فى أوربا.

ومن الواضح أن هذه المجالات الثلاثة متداخلة، وأن التعامل معها يتطلب إجراءات محددة بدقة. بيد أنه يظل من الواجب التفكير فيها والتعامل معها كحزمة واحدة.

إنهاء الصراع الإرهابى إن إيجاد طريقة للخروج من الصراع المحيط بالإرهاب هو أمر ينطوى على أهمية قصوى لأن كسر الدائرة الجهنمية للعنف والردع، وللتشدد المعادى للغرب، وكذا تصديره إلى الجاليات المسلمة فى أوربا، مهم جداً بالنسبة لأوربا. وقبل كل شىء يجب إيجاد نهاية سريعة للاستراتيجية العرجاء الحالية فى مكافحة الإرهاب، والانتقال إلى استراتيجيات لتسوية غير عسكرية تجمع بشكل متوازن بين الدبلوماسية والسياسة الأمنية والسياسات التنموية. وتعتبر مهمة الدبلوماسية استيضاح أى القضايا الملموسة المتنازع عليها التى يجب الشروع فى حلها، وما إذا كان من الممكن حلها بالطرق السلمية، وما هى الأفكار المطلوب تطويرها لتحقيق تسوية دبلوماسية سياسية، وإلى أى حد يمكن وضع خط فاصل بين الإسلاميين المتطرفين والمعتدلين، وما إذا كانت المحادثات وإجراءات بناء الثقة ممكنة، ومع من وبأية طريقة؟

إعادة تعريف العلاقات مع البلدان الإسلامية المجاورة ينبغى على الاتحاد الأوربى والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى بلورة إطار لتحديد مبادىء وأسس العلاقات بينها فيما يتعلق بالاستقرار الجماعى. ويجب أن يركز هذا الحوار على إرساء المقدمات الضرورية للتعاون على أرضية مشتركة، وكذلك التعايش السلمى كمبدأ إزاء التعامل مع القضايا المثيرة للشقاق. ويجب إيلاء الاهتمام للأولويات التالية:-

  • تحديد الأرضية المشتركة التى يمكن للأطراف المختلفة الموافقة عليها، وكذا تحديد العوامل المسببة للانقسام والمنازعات فيما بينها.
  • الاتفاق على المبادىء والأصول السياسية للعلاقات بين الأطراف.
  • الاتفاق على "مدونة السلوك" الضرورية لحل المنازعات والمواقف الصراعية.

ومن الممكن استخدام البنية الاستشارية التالية:- 1-تحديد الأرضية التوحيدية المشتركة وصياغة الخطوط السياسية العريضة للعمل معاً من أجل إنجاز الأهداف المشتركة. 2- تطوير مجموعة من القواعد التى يجب أن تحكم سلوك البلدان المختلفة فى أوربا وشمال أفريقيا والشرق الأدنى والأوسط (أى مدونة سلوك للدول). ويمكن لهذه القواعد أن تمثل نسخة مجددة من "المبادىء التى تحكم العلاقات بين الدول الأعضاء فى اتفاق هلسنكى (5). وفى الوقت نفسه يجب أن تحدد مجموعة القواعد هذه معايير السلوك والتعايش السلمى فى المنازعات الصعبة وغير الممولة. 3- صياغة مدونة سلوك تتعلق بالجوانب السياسية –العسكرية للأمن وبناء الثقة. وينبغى أن يكون المبدأ الرئيسى فيها أن الأمن مطلب غير متنازع عليه، وأن أمن كل دولة مرتبط ارتباطاً عضوياً بأمن الجميع، وأن أمن دولة ما لا يمكن تعزيزه على حساب أمن الدول الأخرى (6). 4- إنشاء منتدى للحوار بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمواطنين. وفى مرحلة ثانية، يمكن أن يضاف إلى القائمة مجالات خاصة أخرى للتفاوض والاتفاق بشأنها مثل: العلاقات التجارية، الأمن المتصل بالطاقة، الأمن، التعايش بين الحضارات. ويجب أن تخضع الأولوية للاتفاق بين الأطراف. وكخطوة أولى لتشجيع بناء الثقة ينبغى على جمهورية ألمانيا الاتحادية أن تقف فى صف العمل المباشر من أجل تخفيف التوترات مع البلدان العربية وفى غرب وجنوب غربى آسيا. ويجب أن تكون الأولوية: الحل العاجل للصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، إعلان نوايا من جانب الولايات المتحدة وحلفائها بالعزم على إنهاء احتلال العراق وخلق الشروط الضرورية للانسحاب بأسرع شكل ممكن، بلورة استراتيجية خروج تضمن إنهاء حالة الحرب والوجود العسكرى فى أفغانستان. ويعتبر الاحتلال الإسرائيلى المستمر للأراضى الفلسطينية منذ حرب 1967 واحداً من أسباب التصاعد المتواصل للرأى العام المعادى للغرب فى العالم الإسلامى. ولن تكون ما تسمى "خارطة الطريق" خلاً مناسباً للمسألة الفلسطينية- أى يكون مقبولاً فى مجمله من الشعب الفلسطينى والشعوب العربية والإسلامية وملبياً لأمن إسرائيل- ما لم تؤد إلى خلق دولة فلسطينية قابلة للحياة. أما سياسة "الأمر الواقع" الإسرائيلية التى تمزق وتستولى بشكل متسارع على أراضى الدولة الفلسطينية المنتظرة من خلال إقامة المستوطنات والطرق الاستراتيجية والسور الأمنى، فتقف فى طريق كل ما سبق. ونظراً للنفوذ غير المنكور للنشطاء الإسلاميين فى المجتمع الفلسطينى، ينبغى زيادة الجهود المبذولة لإشراكهم فى المفاوضات السلمية. وينبغى أن تقام العلاقات مع حماس –الفائزة فى انتخابات ديمقراطية- على أسس متساوية وديمقراطية. وفيما يتعلق بحل مشكلات العراق فإن المقترحات الصادرة من البلدان العربية يجب أن تلقى الدعم الأوربى. ولقد وضع عمر موسى-الأمين العام لجامعة الدول العربية- المقترحات التالية على المحك: إنهاء الاحتلال، جدول زمنى لانسحاب القوات، إعادة بناء العراق (حسبما يحدد العراقيون أنفسهم)، الحق الكامل للعراقيين فى تقرير مستقبلهم دون تدخل القوى الأجنبية.

بناء منظومة أو نظم إقليمية فرعية للأمن الجماعى فى الشرق الأدنى والأوسط ينبغى على جمهورية ألمانيا الاتحادية –من خلال الأمين العام للأمم المتحدة –تأييد إنشاء منظومة للأمن والتعاون فى الشرق الأوسط والأدنى وأقاليمه الفرعية. ويمكن أن تبنى هذه المنظومة –على سبيل المثال- من خلال اتفاقيات إقليمية فى الخليج العربى، وبين البلدان المطلة على جنوب البحر المتوسط. ويبدو من الملح بشكل خاص العمل من أجل "نظام للتعايش السلمى فى الإقليم، يأخذ فى اعتباره: التوتر بين مختلف دول الإقليم، جوانب القصور الأمنى المتصورة والفعلية المنبثقة من تجارب الحروب الماضية، وجود الأسلحة النووية، اختلال التوازن العسكرى، والحضور العسكرى الأجنبى المتواصل عملياً. ومن الضرورى بذل الجهود للحيلولة دون اتخاذ النزاعات والصراعات بعداً عسكرياً. وهناك نقطة أخرى مهمة لهذه المقاربة بالإضافة إلى المساعدة الغربية لإسرائيل، فحواها أنه لا يمكن ضمان أمن إسرائيل على المدى الطويل إلا من خلال تكيفها مع الإقليم والإدراج فى نظام إقليمى أوسع قائم على التعايش السلمى. وبعد كل شىء، فإن قيام نظام كهذا هو من صميم مصلحة أوربا فى وجه المنافسة الآخذة فى الاحتداد على إمدادات الطاقة. إن المقومات الجوهرية لمثل هذا النظام يجب أن تتمثل فيما يلى: شجب العنف، معاهدة عدم اعتداء، إجراءات عسكرية لبناء الثقة وتحسين الأمن، الحد من التسلح ونزع السلاح، حظر أسلحة التدمير الشامل، منطقة خالية من الأسلحة النووية. ويمكن أن تكون نقطة البدء هى المبادىء التى تقوم عليها مدونة سلوك الدول فى أوربا والشرق الأدنى والأوسط. إن العائق الخطير أمام العلاقات بين "العالم" المتمثلة فى الإرهاب- هو نتاج لعملية تاريخية طويلة ترجع إلى فترة الاستعمار الأوربى. ويتطلب الأمر عملية طويلة أخرى للتغلب على تلك العوائق. وهى العملية التى يجب البدء فيها من الآن، حيث توجد فرص عملية للبدء.













الهوامش

1-لم تنل البحرين وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة استقلالها عن بريطانيا سوى فى عام 1971. 2- قارن: Faath, Sigrid: Politik und Gesellschaft in Nordafrika, Nah- und Mittelost zwischen Reform und Konflikt, Entwicklungstendenzen bis 2010, Deutsches Orient-Institut, Hamburg, Mitteilungen, Vol. 74/2006, pp. 40, 44. 3-المصدر السابق، ص 56. 4-المصدر السابق، ص 103. 5-يقصد بها: (1) المساواة فى السيادة واحترام الحقوق المتضمنة فى السيادة، (2) الامتناع عن التهديد باستخدام القوة، (3) عدم انتهاك الحدود، (4) التكامل الإقليمى لكل دولة، (5) التسوية السلمية للمنازعات، (6) عدم التدخل فى الشئون الداخلية، (7) احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بما فيها حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد، (8) الحقوق المتساوية للشعوب وحق تقرير المصير، (9) التعايش السلمى بين الدول، (10) الوفاء بالتزامات القانون الدولى. 6. Code of Conduct on Politico-Military Aspects of Security, 91st Plenary Meeting of the Special Committee of the CSCE Forum for Security Co-operation in Budapest on 3 December 1994, Federal Foreign Office, Programme for Immediate Action Series, No. 7, p. 1.

ترجمة : مصطفى مجدي الجمال
























(6) أوروبا والمتوسط مشكلة اليسار الأوروبي

دومنيكو ريزوتي

على السياسة المتوسطية للاتحاد الأوروبي أن تعطي اهتماماً لأوضاع بلدان المتوسط، إلى جانب عملية بناء الاتحاد الأوروبي ذاته. وتؤكد المشاكل الكبيرة التي ترتبط حالياً بهذين الجانبين للمشكلة المخاوف التي عبر عنها الكثيرون منذ زمن طويل، فالمنطقتان مترابطتان بشكل كبير، وأي منهما لا تستطيع التصرف بشكل كامل الاستقلال عن الأخرى، كما لا تستطيع إحداهما الادعاء بأولويتها على الأخرى. وقد أكد تقرير المجلس الوطني للاقتصاد والعمل (وهو هيئة استشارية مكونة طبقاً لدستور الاتحاد) الصادر في 1995 (وهي السنة التي عقد فيها مؤتمر الشراكة الأول في برشلونة) هذه الحقيقة وشرحها. وتلا عنوان التقرير ذي المغزى الواضح: "إعادة النظر في أوروبا كمدخل لإعادة النظر في المتوسط"، تحليل يحدد القضايا المركزية للمشكلة، وهي: - الحاجة لبناء أوروبي متعدد المراكز؛ - مشاكل أنظمة الإنتاج الصناعي والزراعي المتوسطية؛ - مشكلة العمالة؛ - اعتبار حل المشكلة الفلسطينية شرط جوهري لحل الصراعات في المنطقة بأكملها. أسس البناء الأوروبي عند تناولنا لهذا الموضوع، سنكتفي بالتذكير بمبدأين يتعلقان بأوروبا، ثم نتناول بالتفصيل السياسات الأورومتوسطية، والتطورات الحديثة في بلدان المتوسط. ويمكن دراسة المشاكل المركزية للسياسات الأوروبية من زاويتين، إما من وجهة نظر الأهداف الداخلية للتماسك الاجتماعي داخل الاتحاد الأوروبي، أو وجهة نظر التعاون مع المناطق الخارجة عنه. وتكمن المشكلة الأولى في الفشل الدائم للاتحاد والدول الأعضاء في أن تأخذ في الاعتبار قضية تنوع المجتمعات الأوروبية والمتوسطية، كنتيجة لتعقدها، واعتبار هذا التنوع قيمة إيجابية وليس عقبة. وينطبق هذا التنوع على الاقتصاد كذلك بالاعتراف بالعلاقات بين الثقافة والزراعة، أي بالاعتراف بالروابط بين الثقافة ونظم الإنتاج، وهكذا يوضع الأساس لخطاب حقيقي بشأن التنمية المستدامة وليس مجرد حديث رنان أجوف. وبالتالي، يجب أن يكون التحديث، وتنمية الأقاليم والجماعات المحلية، والقدرة على التكامل بين العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، في صلب أية استراتيجية اقتصادية. وبالمثل، يجب أن يكون التنوع سمة القيم المشتركة – كاحترام الحياة، والحياة المشتركة – طبقاً لمعايير مؤسسية اقتصادية واجتماعية وسياسية. وأخذ التعقيد والتنوع في الاعتبار بوصفهما قيمتين لهما احترامهما، بما ييسر الفهم المتبادل، وحل المشاكل التي تقسم اليوم الدول الأعضاء (في داخل كل منها، وفيما بينها، سواء كانت من الأعضاء القدامى أو الجدد)، وتبعاً لذلك، التي تهدد بناء الاتحاد الأوروبي. وهذا سيمكن بصفة خاصة، من تحويل "صراع الحضارات" القائم اليوم بين الغرب وبقية العالم، إلى حوار بين الثقافات المختلفة، ومشاريع الحداثة المختلفة. وتتعلق المشكلة الثانية بالقيود الصارمة (الضمنية ولكنها حقيقية) التي تفرضها المفوضية الأوروبية، وحكومات الدول الأعضاء، التي تتخذ من عملية التكامل الأوروبي قميصاً للأكتاف تقيد به الشعوب وتقاليدها، بدلاً من اتخاذها غطاءً يحمي الخصوصية القومية والطائفية لكل منطقة، بما يسمح بالمبادرات والتحركات المستقلة. والتخلي عن هذه القيود يقتضي إعادة النظر في معاهدتي ماستريخت ولشبونة، المبنيتين على مفهوم "الارتباط" وليس "الإمكانات"، وهما العقبة الكأداء أمام وضع الدستور الأوروبي، وأمام "تعميق" التعاون الاجتماعي والسياسي في أوروبا.

السياسة الأوروبية: كشف الحساب وتعطي سياسة الاتحاد الأوروبي المتوسطية المثال المعياري لما سبق قوله. وبالطبع، فاتفاقات برشلونة في عام 1995، تمثل اللحظة الحاسمة لارتباط المشاركة مع بلدان جنوب المتوسط. وهو ارتباط ضَخم بشكل خطابي رنان– بشكل يتماشى مع التقاليد السياسية للدول أعضاء الاتحاد الأوروبي– الإمكانيات القائمة، بالإعلان عن مشروع "الرفاهية المشتركة بين شمال وجنوب المتوسط"، وفي الوقت ذاته، سحبت فرص تحقيق ذلك بقصر المشاركة على البلدان "الشاطئية" للساحل الجنوبي، مع الاستبعاد التعسفي لبعض البلدان العربية وبلدان البلقان. وهكذا تحول المشروع الموجه للقاء بين الثقافة العربية والأوروبية من أجل حوار بين الثقافات والسياسات إلى نظام لتركيز العلاقة بين أوروبا بكاملها (من فنلندا إلى البرتغال) وبلدان جنوب المتوسط المعروفة بإخلاصها لأوروبا، مع إشراف بعض الدول الحارسة التي تمثل امتداداً أوروبياً في هذه المنطقة (وهي إسرائيل، ومالطا، وقبرص). ومع ذلك فقد حظيت عملية برشلونة بالتأييد المخلص من جانب حكومات هذه البلدان، والحركات الاجتماعية والسياسية فيها. فما هو كشف الحساب الذي يمكن تقديمه بعد عقد من الزمان؟ لم يتحقق التحديث الاقتصادي للشاطئين الشمالي والجنوبي للمتوسط، بل بالعكس، نلاحظ تزايد اللامساواة الاجتماعية والسياسية بين الشاطئين. والانفجار الملحوظ في حركات الهجرة يمثل الدليل الأكيد على هذا التباين، وكذلك على فشل كل السياسات المنسقة بين الطرفين لوضع حد لهذه الظاهرة. ولم يؤدِ هدف الرفاهية المشتركة إلا إلى إبراز طبيعته الفعلية حيث تزداد الفروق بين معدلات النمو بين الشمال والجنوب، بل بين الشرق والجنوب كذلك. لا يمكن قياس تحسن العلاقات العامة، وبالتالي الأمن، في داخل البلدان وفيما بينها، إلا بمراجعة الشواهد على تعثرها، الأمر الذي تبين في مؤتمر لشبونة الثاني في عام 2006، حيث وجدت الدول الأوروبية نفسها تتحاور مع نفسها حول "أمنها الخاص" والإرهاب "الذي يهددها" دون مشاركة زملائها من بلدان الجنوب في الحوار بشكل لافت للنظر. وقد انقلب هدف إنشاء منطقة سلام إلى عكسه بالتدخل القسري للولايات المتحدة اقتصادياً وعسكرياً، مع اشتراك البلدان الأوروبية الإيجابي أو السلبي. لقد بلغ الاختلاف الثقافي بين الشمال والجنوب حداً لم يعد فيه الحديث عن "خطر قيام الصراع بين الحضارات"، وإنما عن صراع قائمٌ فعلاً وبأكثر الأشكال عنفاً. والانفصال بين الحكومات والمجتمع المدني في البلدان الأوروبية،وكذلك في بلدان جنوب المتوسط وصل إلى مستويات لم تُعرف من قبل. وفي البلدان الأوروبية توجه حركات المجتمع المدني اليوم أشد أشكال الانتقاد لعملية العولمة الرأسمالية، وللفكر النيولبرالي السائد، وتقترح البدائل لها. وفي بلدان الجنوب، تحرز هذه الحركات في كل مكان، القدرة على الاتفاق على ضرورة استبعاد سيطرة القوى السياسية التقليدية، ويظهر هذا في فلسطين جلياً بنجاح حماس (يناير 2006)، وفي لبنان مع صعود حزب الله. ويبدو من المفارقات أن تقوية المجتمع المدني في البلدان العربية، كما بظهر في تزايد نفوذ الإخوان المسلمين في مصر، وغيرها من الحركات المماثلة في البلدان الأخرى، يقابل بنظرة سلبية من الاتحاد الأوروبي رغم تشجيعه "للمقرطة"، مع الاستمرار في تأييد النظم السلطوية في الجنوب، وأخرى عاجزة عن تحقيق الاتفاق في الشمال. والموقف الذي يحبذ دور المجتمع المدني ثم لا يعترف به عندما يظهر تأثيره، مريب بالتأكيد. وبالنسبة لسياسته المتوسطية، يتمنى الاتحاد الأوروبي تقوية المجتمع المدني في بلدان الجنوب، ولكنه لا يتعامل إلا مع المنظمات التي تعترف بها الحكومات القومية. ونجد نفس هذا التحيز من جانب أوروبا لدى حركات المجتمع المدني في الشمال، التي تستمر في تفضيل العلاقات مع حركات المعارضة في الجنوب المتبقية من حقب تاريخية انتهت (مثل الحركات القومية أو الاشتراكية أو الشيوعية)، أو المعبرة عن العِلمانية العربية المنقولة حرفياً، أو مخففة، عن عِلمانية عصر التنوير المفلسة، والمحبِطة المأخوذة عن البلدان الأوروبية.

سياسة الجوار ودور اليسار الأوروبي لم يعترف الاتحاد الأوروبي أبداً بإفلاس سياسته، وفشل عملية برشلونة، ولكنه تجاوزها عملياً عندما أعلن من جانب واحد، عن سياسة الجوار في عام 2003. والأمر يتعلق بإطار جديد للسياسة الخارجية الأوروبية يتجاوز التوجه الاستراتيجي السابق الذي يؤيد إقامة مناطق متكاملة حول الاتحاد الأوروبي، قائمة على اتفاقيات متعددة الأطراف، والعودة إلى سياسة الاتفاقات الثنائية القائمة على اختيار الجانب الأوروبي ذاته. لقد تخلى الاتحاد الأوروبي عن البعد الاستراتيجي للعلاقات الأورومتوسطية، ففي هذا المجال تتقرر العلاقات على أساس المواءمة الاستراتيجية لكل حالة على حدة من البلدان المختلفة. فإذا سلمنا بهذا التغيير كنقطة بداية، كان علينا كيسار أورومتوسطي أن نقيم تأثيره على سياسات الدولة، وكذلك حدوده، والآفاق التي يتيحها لتحليلاتنا وتحركنا. إن سياسة الجوار تفتح من جديد الباب أمام البعد الثنائي، وعلينا أن ننتهز الفرصة لتوسيع المجال أمام جميع المبادرات التي تدعم: - العلاقات الثنائية بين منظمات وحركات المجتمع المدني، وجميع الهياكل الاقتصادية المحلية والإقليمية (الشركات، والتعاونيات، والمؤسسات الاجتماعية، وقطاعات الخدمات)؛ - المؤسسات (المدارس، والجامعات، والجمعيات الثقافية، الخ.) ويجب أن تقوم دفعة قوية لتجديد جميع الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، الناشئة على الصعيد الأوروبي للاقتصاد البديل (مثل التجارة المتكافئة، والمالية الأخلاقية، والتعاون الدولي) لتكون جزءً من هذه العملية، وبذلك تجد هذه الهياكل الجديدة مكانها في مجال المتوسط، وترتبط بالحقائق الإنتاجية الجديدة. ولكن هدف اليسار الأورومتوسطي يجب أن يجري التعبير عنه في إطار رؤية جيو سياسية تدفع أوروبا لتصير قطباً في بناء ثلاثية جديدة، تعارض الثالوث المسيطر، تربط بين أوروبا، وبلدان المتوسط، وبلدان الصحوة الجديدة في آسيا (الصين، وجنوب شرق آسيا، والهند)، وبذلك تدفع أوروبا ذاتها لإعادة تنظيم اقتصادها في إطار التعاون مع قارة آسيا التي لا تأخذ أوروبا سوى حيز صغير من مجالها الواسع، في مقابل منطقها للاستقلال الأطلنطي. وفي ظل هذا الإطار الدولي الجديد، يستطيع اليسار الأورومتوسطي أن يلعب دوراً دولياً حقيقياً، وأن يشارك في عملية التحرير الجارية في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا، وآسيا. وختاماً أجد من الضروري تكوين فريق عمل لليسار الأوروبي بشأن القضايا الواردة بالتقرير الخاص بالاتحاد الأوروبي/بلدان المتوسط، وعقد ندوة بأقرب فرصة لتعميق المواقف. وفي إيطاليا، نعمل من خلال جامعة المصلحة العامة في هذا الاتجاه.

المقترحات - تكوين فريق عمل دائم لليسار الأوروبي، والأحزاب والجمعيات القريبة على الشاطئ الجنوبي، بشأن "قضية المتوسط"، وإنشاء تحالف لليسار المتوسطي؛ - تنظيم حلقة دراسية تُعقد في مايو القادم (17-20 مايو في مازارا ديل فالو قرب باليرمو)؛ - تقديم مبادرة لتجاوز سياسات ماستريخت؛ - إقامة مرصد لمتابعة سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه المتوسط، يقدم تقريراً سنوياً بهذا الشأن؛ - ترتيب عقد عدد من الحلقات الدراسية بالتعاون مع جامعة المصلحة العامة؛ - إنشاء عدد من مشروعات التعاون في إطار اقتصاد بديل.

ترجمة: سعد الطويل (7) دبلوماسيون من أجل السلام مع العالم الإسلامى


السفير المتقاعد د.آرنى سى سيفرت

لا شك أن المقاربة الأحادية التى تتبعها الدول الغربية تجاه الشرق الأدنى والأوسط، والتى يطغى عليها التدخل السياسى والعسكرى، ونزعات الهيمنة، توشك أن تودى باستقرار الإقليم على نحو غير مسبوق، حتى لو قورنت بالصراعات المسلحة السابقة. ولقد تسببت من الناحية العملية فى خلق موقف يمكن أن نطلق عليه "صراع الشرق الأوسط+"، فبالإضافة إلى الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى هناك:-

  • حربان جديدتان فى العراق وأفغانستان.
  • وهناك صراع خطير مع إيران.
  • وتتعرض لبنان وسوريا لضغط قوى يجعلها أقرب إلى الدخول فى حالة من عدم الاستقرار.
  • والعراق الذى كان ركناً تقليدياً فى الاستقرار الإقليمى أصبح قريباً من التفكك.
  • وهناك توتر آخذ فى الانفجار بين السنة والشيعة.

ولكن هذا ليس كل شىء أيها الزملاء الأعزاء! فلقد تسببت السياسة المذكورة فى حدوث أزمة خطيرة –إن لم يكن صراعاً- فى العلاقات بين الغرب والشرق الأوسط. إذ إن المشاعر المعادية للغرب تسيطر على الشارع والعقول فى العالم الإسلامى. وقد ترجم هذا الصراع "الجديد" أيضاً إلى وقائع فى شوارع أوربا. الزملاء الأعزاء.. لقد أصبح جلياً بعد ست سنوات من تطبيق ما تسمى "استراتيجية مكافحة الإرهاب" أن هذه الاستراتيجية ذات النزعة التدخلية عسكرياً واقتصادياً محكوم عليها بالفشل منذ البداية. ولكن على الرغم من هذا فإن التيار السياسى الرئيسى فى الولايات المتحدة الاتحاد الأوربى قد نجح فى التذرع بـ "التهديدات الجديدة"، مثل التطرف الإسلامى والدول الفاشلة والصراعات العرقية والدينية.. الخ. وهكذا فإن أقاليم الشرق الأدنى والأوسط، ومنطقة البحر المتوسط، والقفقاس، وآسيا الوسطى، وأفريقيا جنوب الصحراء... قد أعلنت بمثابة أهداف خارج منطقة العمليات (حسب تعريف الناتو). وبعبارة أخرى فإن ما تسمى استراتيجية مكافحة الإرهاب، قد استخدمت –ولا تزال تستخدم- كأداة لخداع الرأى العام وإقناعه بأن التحول 180 درجة نحو تحالفات غربية تسعى للتدخل السياسى والعسكرى، هو خيار لا يمكن تحاشيه، وأنه يتوافق تماماً مع المصالح الأمنية الأوربية. ومن ثم فإننا مواجهون بتحدٍ طويل الأمد، ويتحتم علينا مواجهته. وإن لم نقم بواجبنا، فإن هذه الاستراتيجية والصراع الجديد فى العلاقات بين الغرب والشرق الأوسط يمكن أن يؤديا إلى خلق موقف يتسم بالتوتر والأزمات والصراعات المستمرة بين أوربا وجيرانها فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ويمكن لهذه المواقف أن تفضى عملياً إلى نشوب عداءيات جديدة و"صدام حضارات"، وهو ما يجب علينا تجنبه تحت كل الظروف. الزملاء الأعزاء، أقترح على مؤتمرنا أن يركز على مناقشة هذا التحدى. ينبغى أن نضطلع بالمبادرة من أجل الشروع فى عملية ترمى إلى إحداث تغيير جوهرى فى العلاقات بين أوربا وجيرانها فى الشمال الأفريقى والشرق الأدنى والأوسط. وينبغى لهذا التغيير أن ينبنى على صياغة "منظور" جديد لعلاقاتنا. منظور يقوم على ركائز التعاون والتعايش على أساس من الحقوق المتساوية. منظور يقوم على إدراك أن استقرار العلاقات بين الأقاليم الإسلامية المجاورة وأوربا لن يتحقق فى المستقبل بدون احترام كل منهما لحضارة الآخر وللطبيعة المختلفة لمجتمعاته ونظمه السياسية. منظور مبنى على مبدأ أن الأمن غير قابل للتجزئة، وأن أمن كل دولة مرتبط بشكل لا ينفصم بأمن الجميع، وأن أمن دولة ما لا يمكن تدعيمه على حساب أمن الدول الأخرى (1). منظور مبنى على استراتيجية مشتركة تتعامل مع العولمة وازدياد الاعتماد المتبادل والآثار الناجمة عن كليهما. و بالإضافة إلى الموقف الصراعى الذى تطرقنا إليه، ما هى البواعث الداعية لنشوء تلك المبادرة؟ أولاً: هناك مجموعة التحديات "الحديثة" و"القادمة" التى ستحتم على أوربا وجيرانها فى الجنوب مواجهتها: - تحقيق الاستقرار الجيو-ستراتيجى لأوربا وجيرانها الجنوبيين. ومن غير الممكن فهم إقامة الاستقرار فى أوربا إلا باعتباره ترجمة للاستقرار المشترك الذى لا يفصل بين الشمال والجنوب. - أمن الطاقة. - الاستقرار الداخلى فى أوربا وإدماج السكان المسلمين. - تصورات القصور الأمنى لدى الدول الجنوبية المجاورة. - منع انتشار الأسلحة النووية. - سياسات الجوار الأوربية فى البحر المتوسط. - وأخيراً البيئة الاجتماعية- السياسية الصعبة فى الإقليم. إن كل تلك العوامل تدعونا إلى ضرورة بناء علاقات جديدة. ثانياً: إن استراتيجية مكافحة الإرهاب والتدخلات التى تقوم بها الولايات المتحدة ودول حلف الناتو –بما فيها بلدى- محكوم عليها بالفشل العسكرى أيضاً. إن أملهم يفشل فى تحقيق الأغراض السياسية باستخدام الحرب عالية التقنية، "للقصف عن بعد" و"أسر" القيادات المعادية. فعدد جثامين الأبناء العائدة للوطن آخذ فى التزايد، ومن ثم يتزايد السخط وسط الشعب. ثالثاً: وفى هذا السياق هناك دوائر سياسية فى أوربا والولايات المتحدة تتسم بما يكفى من الواقعية كى ترى وتفهم خطورة هذه الاستراتيجية. ومن ثم فمن واجبنا تزويد الرأى العام الأوربى بتحليل دقيق وعميق للجوهر السياسى للصراع المحيق بالعلاقات الأوربية- الشرق أوسطية. يجب أن نمكن الرأى العام من التقييم السليم لاستراتيجية مكافحة الإرهاب التى يقدمها صناع السياسة لهم باعتبارها الخيار الوحيد. علينا أن نوضح لهم– بطريقة ذكية وملموسة- الجوانب الملموسة للنزاع والتى يجب تصفيتها، وما إذا كان من الممكن تسويتها سلمياً، وما هى المفاهيم السياسية- الدبلوماسية التى يجب تطويرها من أجل تحقيق هذا الهدف، وما إذا كانت عملية بناء الثقة ممكنة، ومع من، وبأى شكل، ووفق أية مبادىء؟ ولا شك أن هناك "جدوى" كبيرة لاستيضاح كل هذه المسائل ذات الأهمية القصوى. ولماذا الأهمية؟ لأنه طالما لم نقم بنزع الغموض والطابع الأيديولوجى عن الجدل العام حول الطبيعة الحقيقية لما تسمى الحرب على الإرهاب، لن يتسنى لنا تخليص البعد السياسى للصراع عن بعده العسكرى. ففى الوقت الحاضر نلاحظ هيمنة البعد العسكرى على السياسى، ومن نتائج هذا بالطبع أن يبقى الصراع عصياً على الحل. أود هنا إعادة التأكيد على أن ما نتطلبه هو تطوير علاقات مبنية على التعاون والتعايش السلمى. وتملك أوربا فى كليهما (أى التعاون والتعايش السلمى) تقاليد وخبرات تاريخية مختلفة وكثيرة، وساء من المحافظة على الصراع العدائى بين الشرق والغرب إبان الغرب فى وضع تحت السيطرة، أم عملية التوحيد الأوربية. إن عملية الانفراج التى جرت لأكثر من عشرين عاماً فى إكار "مؤتمر الأمن والتعاون فى أوربا" CSCE، ما كان له أن ينجح بدون اعتبار تفادى المواجهة المسلحة هدفاً استراتيجياً وليس تكتيكياً. ومن ثم فقد كان لعملية الإنفراج هدفان: الصياغة المشتركة لنظام السلم المتبادل، والاتفاق على الآليات والأدوات الضرورية للحفاظ على استقراره. ومن ثم فإننى أدعو إلى تشكيل عمل متعددة الأطراف تضطلع بمهمة المتابعة. وعلى هذه المجموعة أن تقوم بما نفتقر إليه بشدة، وهو صياغة استراتيجية "عربية أوربية" مضادة، ملموسة ودقيقة، من أجل بناء علاقات جديدة بين أوربا وجيرانها فى شمال أفريقيا والشرق الأدنى والأوسط. عن جماعة "دبلوماسيون من أجل السلام مع العالم الإسلامى" فهي تتشكل من دبلوماسيين ألمان متقاعدين عملوا لجمهورية ألمانيا الديمقراطية (سابقاً) وجمهورية ألمانيا الاتحادية. وقد صاغت الجماعة رؤيتها الخاصة فى هذا الصدد، وهى تتوقع من الجماعة المقترحة أن تستفيد بها لدى بداية عملها.











الهوامش

(1) مبادىء هلسنكى: 1- المساواة فى السيادة، واحترام الحقوق المرتبطة بها. 2- الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها. 3- عدم انتهاك الحدود. 4- السلامة الإقليمية لكل الدول. 5- التسوية السلمية للنزاعات. 6- عدم التدخل فى الشئون الداخلية. 7- احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما فيها حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد. 8- الحقوق المتساوية وحق الشعوب فى تقرير المصير. 9- التعاون بين الدول. 10- الوفاء بالالتزامات المضمنة فى القانون الدولى.

ترجمة : مصطفى مجدي الجمال









(8) الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى الفرص والتحديات أمام مؤتمر سلام الشرق الأوسط ودور القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة

نورمان بيتش

ظلت المسألة الفلسطينية بدون حل لقرابة أربعين عاماً. فالعدوان المتواصل من جانب نظام الاحتلال– باستخدام الإرهاب العسكرى وتقييد حرية تنقل الفلسطينيين وزيادة ظروف معيشتهم سوءًا- قد أنتج بشكل متكرر عنفاً وإرهاباً مضاداً ضد المدنيين الإسرائيليين. وعلى الرغم من الآمال العريضة التى ارتبطت بالانسحاب الإسرائيلى من غزة فإنه لم يؤد إلى إنهاء دائرة العنف والعنف المضاد. وقد كان من الممكن لهذا الانسحاب أن يصبح إيذاناًَ بتخفيف التوتر وبداية عملية عملية السلام. بيد أنه قد صوحب بالمزيد من التوسع فى إقامة المستوطنات بالضفة الغربية، وإعلان إيريل شارون عن نواياه بضم جزء كبير من الضفة الغربية لإسرائيل. وحاول خلفه- إيهود أولمرت- تنفيذ هذه السياسة بأن أعلن صراحة ضم أراض مقتطعة من المناطق الفلسطينية كجزء من "خطة اتصال الأراضى". ولم تؤد هذه الخطة إلى تجميد آفاق عملية السلام فحسب، وإنما أدت أيضاً إلى تعميق الخلافات حول حل الدولتين المروج له. واتخذت هذه الخلافات شكل الحرب الأهلية فى غزة حينما رفضت إسرائيل والولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوربى القبول بنتائج انتخابات ديمقراطية فلسطينية، وهو ما أذكى الصراع الفلسطينى الداخلى اشتعالاً مصحوباً بمقاطعة وحصار حكومة حماس. وليس بإمكان هذه البلدان تجنب النقد الموجه إليها بالعمل على تصاعد العنف فى غزة عن طريق تقديم الدعم العسكرى المغرض لقوات حركة فتح برئاسة محمود عباس. وفى ظل هذا الوضع الحرج دعونا نبحث أولاً إمكانيات الحل السياسى السلمى وفق مبادىء القانون الدولى المعترف بها. إن هناك أربعة شروط يجب الوفاء بها حتى نتمكن من إنهاء حالة الحرب المستمرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن ثم الانتقال باتجاه السلام الدائم. - على إسرائيل التخلى عن جميع مستوطناتها فى الضفة الغربية، وسحب وجودها العسكرى والمدنى من الأراضى الفلسطينية. - على إسرائيل التراجع عن ضم القدس الشرقية من أجل خلق وضع طبيعى بمقتضاه تصبح كل الجماعات العرقية والدينية قادرة على التعايش معاً فى المدينة. - التوصل إلى اتفاق بشأن عودة اللاجئين والمطرودين، يتضمن الاتفاق على عدد العائدين أو تعويضهم أو توفير بدائل لهم. - تكوين دولة فلسطينية ذات سيادة. تتمشى تلك الشروط مع القواعد المعترف بها فى القانون الدولى، والمطبقة فى قرارات الأمم المتحدة على مدى عشرات السنين، وكما أوجزتها محكمة العدل الدولية بلاهاى فى حكمها الأخير. وسأحاول هنا تطبيق هذه القواعد على واقعتين رئيسيتين فى تاريخ الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى: ضم القدس الشرقية، وبناء الحائط والسور الفاصل على طول خط وقف إطلاق النار. إن ملابسات ونتائج هذين الإجراءين تبينان الصعوبات والعوائق الاستثنائية التى تعترض طريق استعادة الوضع الأصلى، أو التوصل إلى اتفاق يعطى اعتباراً متساوياً ومتوازناً للمصالح الحيوية لكلا الجانبين.

ضم القدس الشرقية أصدر الكنيست الإسرائيلى فى 30 يوليو 1980 "قانوناً أساسياً" بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما يعنى إلحاق الأمر الواقع للقدس الشرقية التى احتلتها القوات الإسرائيلية عام 1967. ولا ترتب الواقعة التاريخية لهذا القانون أى تغيير جوهرى فى الظروف الكائنة داخل القدس وحولها، ولكنها حققت هدفاً ظلت الحكومة الإسرائيلية تسعى من أجله بدأب منذ تأسيس الدولة عام 1948، وهو ما يعنى الشروع فى عملية ضم مبنية على ممتلكات الفلسطينيين وطردهم وتدمير الحياة الفلسطينية. أما روح اتفاقات كامب ديفيد الموقعة عام 1978– والتى نال عنها مناحيم بيجن جائزة نوبل للسلام- فقد تحولت إلى الروح التى حملها دائماً فى نفسه، أى التحرك قدماً نحو تدمير الهوية الفلسطينية. وعلى الفور رفضت الأمم المتحدة اتفاقات كامب ديفيد باعتبارها مناقضة للقانون الدولى لأن الفلسطينيين لم يشتركوا فيها. وفى يونيو 1980 حذر مجلس الأمن الدولى الحكومة الإسرائيلية من "أن جميع التدابير والأعمال التشريعية والإدارية التى تتخذها كسلطة محتلة وترمى إلى تغيير طابع ووضع المدينة المقدسة ليس له أى شرعية قانونية، ويشكل انتهاكاً واضحاً لاتفاقية جينف الخاصة بحماية المدنيين فى زمن الحرب، وكذلك يمثل حاجزاً خطيراً أمام إنجاز سلام شامل وعادل ومستقر فى الشرق الأوسط"، وأضاف مجلس الأمن "أن كل تلك الإجراءات التى غيرت الطابع والأوضاع الجغرافية والسكانية والتاريخية لمدينة القدس تعتبر منعدمة ويجب التراجع عنها انصياعاً للقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن" (القرار 476 لمجلس الأمن الدولى). وبعد ثلاثة أسابيع من إصدار إسرائيل "القانون الأساسى" الخاص بالقدس، أعلن مجلس الأمن بطلانه وعدم شرعيته، ووبخ الحكومة الإسرائيلية بأشد العبارات، مؤكداً أن هذا التصرف يمثل انتهاكاً للقانون الدولى (القرار 478). وقد حظى كلا القرارين بموافقة 14 عضواً من أعضاء مجلس الأمن، ولكن امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن تأييدهما لم يساعد فى ضمان الانصياع الكامل لهما. بعد هذا تمت مصادرة 43.5% من الأراضى الفلسطينية فى القدس الشرقية، ومنع الفلسطينيون من البناء فى 43% أخرى من الأراضى. والآن يعيش أكثر من مائتى ألف مستوطن يهودى وسط عدد من السكان العرب يقل قليلاً عن المائتى ألف، والذين تستمر أعدادهم فى التناقض جراء الطرد والترحيل والإبعاد. فى عام 1972 كان العرب يمثلون 98% من سكان القدس الشرقية، ولكن بعد إتمام بناء المربع اليهودى عام 1983 أصبح العرب يمثلون 84% من السكان (1). وبعد هذا بعشر سنوات قدر أن العرب يشكلون ما بين 70-75% من سكان القدس الشرقية. وفى 10 يوليو 2005 أصدرت الحكومة الإسرائيلية قراراً يسمح للجدار الفاصل المار بالقدس الشرقية بأن يعزل 55 ألفاً آخرين من السكان العرب عن بقية المدينة. ولا شك أن زيادة أعداد اليهود فى القسم العربى من القدس يضمن تحقيق أهداف الخطة التى اتبعها أريل شارون كوزير للإسكان ثم للبنية التحتية فى حكومة الليكود، أى خطة تهويد القدس. وفى صيف 2004 اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً يسمح بالاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين الذين لا يعيشون بالقدس الشرقية دونما تعويض (2). واستند هذا القرار إلى قانون الملكية الغائبة لعام 1950 والذى تم بمقتضاه الاستيلاء على آلاف المنازل قطع والأراضى المملوكة للفلسطينيين الذين فروا أو طردوا خلال حرب 1948. بيد أن هذا القرار الجديد– والسرى- يجب أن ينظر إليه فى صلته بالجدار، الذى يفصل أعداداً كبيراً من الفلسطينيين عن حقولهم وأشجار زيتونهم. فلم يكن هذا الوضع الخاص فى القدس الشرقية نتيجة لقرار الضم عام 1980 وحده. ففى عام 1967 قامت الحكومة الإسرائيلية بزيادة مساحة المنطقة البلدية للقدس الشرقية ثلاثة أضعاف راسمة خطوط الحدود عبر البساتين والبيوت دون أى اعتبار للملاك الفلسطينيين. والآن أصبح من الممكن سلب أراضى الفلسطينيين الذين يعيشون فى مناطق أخر مثل بيت لحم. وفى نوفمبر 2004 أرسل الجيش الإسرائيلى خطاباً لعدد من الملاك يخبرهم فيه أن مزارعهم وحدائق زيتونهم قد وضعت تحت سلطة الحارس على ممتلكات الغائبين، أى السلطة الإسرائيلية. وتتضمن هذه المنطقة الملحقة قرية سلوان التى تمتد من السور الجنوبى للحديثة القديمة إلى وادى كيدرون. وهو مكان مهم لكل من التقاليد اليهودية والإسلامية، حيث كان موطن الملك داود، والمكان الذى زاره النبى محمد. ومنذ أكثر من عشر سنوات هناك معركة محتدمة بين إدارة مدينة القدس والسكان العرب الذين صدرت أو جرفت بيوتهم وبساتين أو سلمت للمستوطنين اليهود(3). ويعيش الآن أكثر من مائتى مستوطن يهودى فى سلوان متمتعين بالدعم الحكومى وبحماية الجيش الإسرائيلى. ومنذ وقت غير بعيد أعلن عمدة القدس عن خطة لإزالة حى البستان المكون من 88 منزلاً، وتحويله إلى حديقة أثرية. ومعنى هذا تدمير منازل يعيش بها أكثر من ألف فلسطينى. ويتشكك الكثيرون فى جدية فكرة الحديقة الأثرية تلك، ويشعرون أن الهدف الحقيقى هو تشجيع الاستيطان اليهودى فى الأرض العربية بالمنطقة، ومن ثم يمكن فى الأمد المتوسط ربط بيوت المستوطنين فى سلوان ببعضها لتشكل خطاً صلباً "مرتبطاً بالمستوطنات فى جبل الزيتون وشرقه، ومن ثم كممر يهودى من المدينة القديمة إلى معاليه أدوميم... والهدف أيضاً هو إحاطة المدينة القديمة بالسكان اليهود للحيلولة دون أن تصبح جزءًا من عاصمة الدولة الفلسطينية التى ستقام فى وقت ما بالمستقبل" (4). ومن خلال التمعن فى الخريطة يتبين أن سلوان قد عزلت بالفعل عن جوارها الفلسطينى بواسطة الجدار المخطط له أن يمتد إلى معاليه أدوميم. وستكتمل الرابطة ببناء 3500 وحدة سكنية، بالإضافة إلى بناء مستوطنتين جديدتين خطط لهما أن يكونا بين الخط الأخضر والجدار هما "جيفعون" فى إتسيون و"زوفيم الشمالية" بالقرب من قلقيلية (6). وسيمر الجدار الفاصل بالمناطق المجاورة للقدس ويعزل المناطق التى يقيم بها الفلسطينيون عن بعضها البعض بشكل تعسفى. ويتبع الجدار الحدود الشرقية للمدينة حسب التحديد الإسرائيلى. ونتيجة لكل هذه الأساليب فإن القدس الشرقية تكون قد بترت- بالمعنى الحرفى للكلمة- من المناطق الفلسطينية والخلاصة المحيطة التى يستنتجها الفلسطينيون من هذا كله هى أن الغرض الأساسى من الجدار الفاصل هو حماية المستوطنين، وأن المستوطنات هى التى تحدد مسار الجدار، على طريق تحقيق هدف منع قيام دولة فلسطينية مستقلة. بناء الجدار يقال إن الحكومة الإسرائيلية بدأت منذ عام 1996 تنظر فى خطط خاصة بتسوير الحدود بهدف إيقاف عمليات التسلل من الأجزاء الشمالية والوسطى بالضفة الغربية. وفى عام 2001 وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة أولية ببناء ما اسمى "السور الأمنى" على مسافة 80 كيلو متراً. وفى عام 2003 تطورت الخطة الأولية إلى خطة من ثلاث مراحل لبناء حاجز بطول 720 كيلو متراً عبر الضفة الغربية كلها. ويتشكل هذا الحاجز من:- أ- سور أو حائط خرسانى بارتفاع ثمانية أمتار مزود بأجهزة مراقبة الكترونية. ب- عمق 4 أمتار. ج- طريقين أسفلتى للدوريات. د- شريط من الرمل الناعم لاقتفاء آثار الأقدام. هـ- لفافات من الأسلاك الشائكة السداسية على طول الجانب الشرقى من السور. وبوجه عام يتراوح عرض هذا البناء بين 50 و 70 متراً ويمكن أن يصل إلى مائة متر فى بعض الأماكن. ويجرى البناء شرق الأراضى الإسرائيلية وفوق الأراضى الفلسطينية حصريًا تقريبًا. وقد بدأ البناء من الشمال وبدأ فى الوصول جنوباً مقترباً من القدس. وهو يبعد 7.5 كيلو متر فى المتوسط عن الخط الأخضر، مقتطعاً بهذا مساحات كبيرة من الأراضى الفلسطينية. وتقع المستوطنات الإسرائيلية غرب الجدار الذى يخترق ويقسم القرى الفلسطينية، وفى بعض الأحيان يعزل البلدان الكبيرة عن جوارها. ولا يكاد الجدار يلتزم الحدود الإسرائيلية تقريباً سوى فى منطقة طولكرم حيث يبعد عن الخط الأخضر بمسافة كيلو أو كيلو مترين. وإذا اكتمل بناء الجدار حسب الخطط الحالية، ونظراً لأن أياً من شارون أو أولمرت لم يقل أى شىء عن إيقاف العمل به أو وقف توسع المستوطنات، فإنه سيضم إلى إسرائيل عملياً 16.6% من مساحة الضفة الغربية. والمساحة التى نتحدث عنها تضم 237 ألف فلسطينى و320 ألف مستوطن إسرائيلى، ويشكل الأخيرون حوالى 80% من إجمالى عدد المستوطنين اليهود فى الضفة الغربية. ونتيجة لهذا سيضطر 160 ألف فلسطينى إلى العيش فى مجتمعات يكاد يحاصرها الجدار تماماً. وهذا هو حال قلقيلية بالفعل والتى يبلغ تعدادها 40 ألف نسمة تقريباً. وقد أغلق حوالى 600 منشأة أعمال فى هذه البلدة، واضطر ثمانية آلاف منهم لمغادرتها. وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية قد أصدرت قراراً فى أكتوبر 2003 باعتبار أراضى الضفة الغربية الواقعة بين الخط الأخضر والجدار مناطق مغلقة، أى عدم السماح للفلسطينيين بالبقاء فى منازلهم، أما غير المقيمين (وبعضهم يملك بساتين وحقولا فيها) لن يسمح لهم بالدخول إليها دون ترخيص من السلطات الإسرائيلية يصدر لمدة محدودة. وفى المقابل فإن المواطنين الإسرائيليين عامة، والمقيمين منهم بشكل دائم بالمدينة، والمهاجرين إلى إسرائيل وفق قانون العودة، هؤلاء جميعاً يمكنهم البقاء فى المناطق المغلقة والدخول إلهيا والخروج منها بحرية. وكما قالت صحيفة "هآرتس" مؤخراً فإن بإمكانهم شراء أشجار الزيتون فى السوق المفتوحة، والتى فصلها الجدار عن ملاكها. أما الفلسطينيون فهم مجبرون على استخدام بوابات المرور التى تفتح لفترات وجيزة، وذلك أثناء غدوهم ورواحهم بين بيوتهم وأعمالهم. وقد أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن البلدوزرات الإسرائيلية قد بدأت العمل ثانية فى واحد من أكثر مواقع الجدار حساسية، ألا وهو الجزء المحيط بمستوطنة "آريل" التى تعتبر من أكبر المستوطنات حيث يبلغ تعداد سكانها 20 ألفاً وتمتد فى عمق الضفة الغربية. وكان العمل فى هذا الجزء قد أوقف نتيجة لشكاوى فلسطينية أمام المحاكم الإسرائيلية. وقد كان واضحاً للمراقبين الدوليين منذ البداية أن مشروع الجدار لم ينفذ فحسب لتوفير الأمن ضد تسلل المفجرين الانتحاريين. فالهدف الإضافى هو مواصلة مصادرة وتقسيم الأرض الفلسطينية بهدف تقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة. وهو ما دعا الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اتخاذ قرار فى 3 ديسمبر 2003 بطلب الرأى الاستشارى من محكمة العدل الدولية بلاهاى حول السؤال التالى: "ما هى الآثار القانونية المترتبة على بناء الحائط الذى تنشئه إسرائيل– كسلطة احتلال- فى المناطق الفلسطينية المحتلة، بما فيه الجزء الذى يمر داخل وحول القدس الشرقية، أخذاً فى الاعتبار قواعد ومبادىء القانون الدولى، بما فيها اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة عام 1949، والقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة؟" (قرار الجمعية العامة ES 10/14).

الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية فى 9 يوليو 2004 نشرت محكمة العدل الدولية رأياً مطولاً، ناقشت فيه بشكل مفصل المسائل القانونية المرتبطة بالموضوع. وقد صدر القرار بالإجماع تقريباً من الهيئة المكونة من 15 قاضياً، حيث لم يرفضه إلا القاضى الأمريكى "برجنتال". وقد أجمع القضاة الآخرون على أن إقامة الجدار والنظم المرتبطة به يمثل انتهاكاً للقانون الدولى. رأت محكمة العدل الدولية أن بناء الجدار يمثل انتهاكاً خطيراً للعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولاتفاقية الأمم المتحدة حول حقوق الطفل (7). ولاحظت المحكمة أن عشرة آلاف هكتار من أفضل الأراضى الزراعية ومزارع الزيتون والصوبات والآبار قد تم تدميرها خلال المرحلة الأولى من إقامة الجدار. ولم تقبل المحكمة بادعاء إسرائيل أن "السور الأمنى" قد شيد فى مواقعه الحالية لأسباب أمنية، قائلة إنه من السهل إقامته على الأراضى الإسرائيلية دون انتهاك لحقوق الفلسطينيين (8). ولم يكن بوسع المحكمة عدم التعرض لمسألة تعتبر من بين أصعب المسائل المطروحة على المفاوضات المقبلة، ألا وهى مسألة المستوطنات. ومن الجدير بالذكر أنه بعد قبول منظمة التحرير الفلسطينية لفكرة الفصل بين اليهود والعرب، وحل الدولتين، سمحت المنظمة للمستوطنين اليهود بالبقاء حيث هم إذا وافقوا على القبول بالسيادة الفلسطينية، على نفس نمط قبول الفلسطينيين الذين يعيشون فى إسرائيل بسيادة الدولة الإسرائيلية. ولكن المستوطنين رفضوا العرض قطعياً، ومن ثم أصبح من شأن المفاوضات المستقبلية حل مسألة الاستيطان فى الضفة الغربية والجولان. أوضحت محكمة العدل الدولية أن الجدار الفاصل والنظم المرتبطة به ينطوى على خطر تبديل التركيبة السكانية للأراضى الفلسطينية المحتلة، وذلك انتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة الموقعة عام 1949، ولعدد من قرارات مجلس الأمن الدولى. فالمادة 49/ فقرة 6 من اتفاقية جنيف المذكورة تنص على: "تلتزم السلطة المحتلة بعدم ترحيل أو نقل أقسام من سكانها المدنيين إلى المنطقة التى تحتلها". وقد أكد مجلس الأمن الدولى على هذا الموقف عدة مرات، حينما أدان سياسة الاستيطان الإسرائيلية باعتبارها انتهاكاً واضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة (9) وهى الرؤية ذاتها التى أكدتها محكمة العدل الدولية حينما أوضحت أن قرار مجلس الأمن رقم 242 بتاريخ 22 نوفمبر 1976 يدعو إلى انسحاب قوة الاحتلال من جميع الأراضى المحتلة وليس أجزاء منها فقط (10). وهو ما أكده مجلس الأمن بأوضح طريقة ممكنة أكثر من مرة، فمثلاً ينص القرار رقم 298 الصادر فى 25 سبتمبر 1971 على أن "جميع الأعمال التشريعية والإدارية التى اتخذتها إسرائيل لتغيير واقع مدينة القدس- بما فيها مصادرة الأرض والممتلكات ونقل السكان وإصدار التشريعات الرامية إلى ضم أراض محتلة- غير قانونية بالمرة ولا يمكن أن تغير من طبيعة الوضع" (11). وهكذا فإنه من الواضح تماماً أن جميع التدابير التى اتخذتها إسرائيل من جانب واحد (سواء إقامة المستوطنات والجدار العازل على الأراضى الفلسطينية أم ضم القدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية) تعتبر خرقاً للقانون الدولى ويجب العودة عنها. كما أن اعتراف دول أخرى بهذه التدابير يشكل هو نفسه انتهاكاً للقانون الدولى. ولكن ليس معنى هذا أن الأطراف المعنية لا تستطيع التوصل إلى اتفاقات فيما بينها تختلف عن أحكام القانون الدولى. ولم تتوقف محكمة العدل الدولية عند الجزم بانتهاك إسرائيل للقانون الدولى، فقد طالبتها بالتراجع عن إقامة الجدار فوق الأراضى الفلسطينية المحتلة، وعن جميع التدابير التشريعية والإدارية ذات الصلة. كما قضت المحكمة فى رأيها الاستشارى بأن إسرائيل ملزمة قانوناً بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن سلوكها غير القانونى. ويشمل التعويض استعادة الأراضى المصادرة –إن أمكن- وتقديم التعويض المناسب للأفراد الذين تعرضت بيوتهم وزراعاتهم للتدمير. كما أن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالأوضاع غير القانونية المترتبة على بناء الجدار، وبعدم تقديم العون أو المساعدة لإسرائيل فى الإبقاء على هذا الوضع، وبإبداء التعاون مع الرؤية الهادفة لوضع حد لهذه الانتهاكات وضمان تقديم التعويض عنها. ورغم أن رأى محكمة العدل الدولية استشارى وغير ملزم، فإن إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على هذا كمبرر. ذلك أن محكمة العدل الدولية استندت وطبقت فى حكمها جميع قواعد القانون الدولى، سواء كانت فى صورة مقررات للأمم المتحدة أم قواعد معترفاً بها كقانون عرفى، والتى تلزم جميع الدول دونما استثناء، بما فيها إسرائيل. إن رفض الحكومة الإسرائيلية الالتزام برأى محكمة العدل الدولية، واستمرارها فى بناء الجدار، وتساهل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربى مع هذه التصرفات غير القانونية يمثل انتقاصاً خطيراً لهيبة واحترام القانون الدولى. ومما يؤسف له أن هذه الدول قد دأبت فى السنوات الأخيرة على التعاطى مع القانون الدولى بنوع من الاستهانة. كما أثبت النظام القضائى الإسرائيلى عدم احترامه للقانون الدولى، بالضبط مثلما تفعل الحكومة الإسرائيلية. فبعد ثلاثة أسابيع من نشر الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية ألغت المحكمة العليا فى إسرائيل تجميد العمل فى الجدار الخرسانى بارتفاع ثمانية أمتار والذى يشق بلدة العرام على الطريق بين القدس ورام الله. فالجدار يفصل معظم السكان هناك عن أعمالهم ومدارسهم ويحرمهم من الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية وحتى من زيارة المقابر. وهناك تخطيط بإنشاء عدد من المشروعات السكنية الكبيرة شرق البلدة. وكانت المحكمة العليا قد سلمت بضرورة حماية الفلسطينيين من أى مشاق غير مستحقة (12)، ولكنها فى هذه الحالة رأت أن الأهمية الأكبر يجب أن تعطى لحماية المصالح الأمنية الإسرائيلية، أى المستوطنات. وقد بد جلياً أن المحكمة العليا قد تبنت وجهة النظر المناقضة للقانون الدولى، والتى ترى أن المستوطنات شرعية. كما بينت بشكل واضح رفضها الكامل للرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية، ولمبادىء القانون الدولى.

مؤتمر سلام الشرق الأوسط لقد تغير العالم تغيراً درامياً خلال العقود القليلة الماضية. ويختلف الموقف كثيراً من مكان لآخر. ولكن هناك أقاليم العسكرية. وحققت البلدان الآسيوية نجاحاً كبيراً فى انتهاج طريق مستقلة للخروج من التخلف والتبعية. ولكن إسرائيل وفلسطين لم تكونا للأسف من بين تلك المواقع التى تحقق فيها تقدم. ويجب أن نسلم بأنه ربما لا يوجد إقليم فى عالمنا المعاصر يعانى من الافتقار إلى إعمال مثل القانون الدولى والحضارة الإنسانية، مثلما تعانى القضية الفلسطينية. إن الحلقة المفرغة من العنف والعنف المضاد قد قوضت القواعد الحضارية للقانون الدولى. ويكمن السبب الأكبر فى احتلال فلسطين. وفى الحقيقة أن انسحاب المستوطنين اليهود من غزة لم يؤد إلى خطوة أولية للابتعاد عن العنف المتبادل، وهو الأم رالذى سبق وأن توقعه الكثير من المراقبين المتخصصين سواء داخل أم خارج إسرائيل. ولا يوجد مكان مثل الشرق الأوسط بدا فيه ضعف الأمم المتحدة، بل وحتى رفض القبول بعروضها للقيام بالوساطة. فباستثناء الفترة التى تأسست فيها دولة إسرائيل، اختزل دور الأمم المتحدة فى المراقب والمعقب على الصراعات التى تنخرط إسرائيل فيها. وقد نجحت إسرائيل فى صد كل محاولات الأمم المتحدة للقيام بمهام الأصيلة فى حفظ السلام وإنفاذ القانون الدولى. وهو الموقف الذى يطرأ عليه أى تغير ملحوظ. ذلك رغم أن المسألة هنا لا تمس دولة واحدة هى إسرائيل، وإنما تتعلق بوجود شعبين وبالتعايش السلمى بينهما فى دولتين مستقلتين وذاتى سيادة، بفرض أنه لا يوجد أفق لعيشهما معاً بسلام فى دولة واحدة. إن القانون الدولى هو الذى يحدد القواعد الأساسية للعلاقات بين الدول والشعوب، وذلك حسبما هو واضح فى الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية. وهى قواعد لا يمكن تعليقها من جانب واحد، فالسلام لا يمكن أن يتحقق بهذه الطريقة. وستظل هذه القواعد بمثابة المرجع الذى ستجرى فى إطاره مفاوضات التسوية المستقبلية. فقواعد القانون الدولى تضع الحدود والمعالم الرئيسية لأى حلول عادلة ومقبولة، سواء تعلقت بالحدود السياسية أم حقوق المياه أم عودة اللاجئين. إن هذه القواعد تتضمن الكثير الذى يمكن الاستفادة منه للوصول إلى حلول وبدائل عديدة يمكن إخضاعها للتفاوض حول التسوية. ولكن مع عدم الاعتداد بالمعايير الخاصة بحق تقرير المصير والسيادة وحقوق الإنسان، سيكون الفشل هو الأرجح لأى نتائج تفاوضية. وهو الأمر الذى خبرناه جيداً مع مفاوضات كامب ديفيد واتفاقات أوسلو. وفى الحقيقة أنه فيما عدا بعض المبادىء القليلة فى القانون الدولى والتى تتطلب الاحترام المطلق (مثل حظر استخدام القوة والتعذيب)، فإن بعض تلك القواعد تخضع لاتفاقات يتم التوصل إليها عبر التفاوض الحر. فحتى الحظر الصارم لضم الأراضى لا يقف عقبة فى طريق الاتفاق بين الأطراف المتفاوضة على التنازل عن أرض محتلة إذا أرتضى الجانبان الشروط المرتبطة باتفاق كهذا. إن الخيار الآن هو بين العنف وحكم القانون. وهذا باختصار هو الدرس الذى تعلمناه على مدى ستين عاماً من العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وينبغى أن يكون واضحاً للجميع أن البديل المقبول الوحيد هو احترام حكم القانون. بيد أن إنجاز هذا الهدف سيتطلب أكثر من الأمل فى أن تتحقق الأشياء من تلقاء نفسها. فيجب أن نستجمع قوانا لإحداث تغيير جذرى فى السياسات، ولكى نصل إلى تفاهم بشأن ضرورة قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، بدون مستوطنين يهود، فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. ولن يتمكن الفلسطينيون والإسرائيليون وحدهم من القيام بهذا، إذ إن الأمر يتطلب تفعيل دور الدول الأعضاء فى "الرباعية" الدولية. فعليهم تقع مسئولية إنهاء المواجهة والسياسات التدميرية التى استمرت لعقود، والشروع فى عملية لبناء الثقة وحفظ السلام. كما سيتطلب الأمر من "الرباعية" إشراك البلدان المجاورة بالإقليم فى هذه العملية، نظراً للتهديد الذى يتعرض له أمنها واستقرارها وتنميتها جراء استمرار حالة الحرب فى فلسطين. إن كل شىء يشير إلى ضرورة عقد مؤتمر شامل لسلام الشرق الأوسط، على نمط مؤتمر الأمن والتعاون الأوربى. ومن الواجب نبذ كل المواقف القديمة المعتمدة على سياسات القوة. ولسوف نعمل بكل دأب وصبر من أجل تحويل هذا الإقليم المتصف بعدم الاستقرار وبالحرب إلى إقليم للسلام.

   ترجمة: مصطفى مجدي الجمال





























(9) حول الموقف من الإسلام السياسى

ممدوح حبشى

تنقسم نظرة اليسار فى البلاد العربية تجاه قضية العلمنة والتنوير إلى ثلاثة مجموعات رئيسية: 1- من يعتبرون أن التنوير كان إنجازا للبرجوازية الأوربية وهو بذلك قضية البرجوازية فى الأساس وحيث أننا ضد البرجوازية أو على الأقل لسنا برجوازيين فهى بالتالى ليست قضيتنا. 2- من يقفون ضد ما يسمونه حرق المراحل، أى أن علينا اليوم كيساريين دعم البرجوازيات فى بلادنا العربية المتخلفة لنعينها على القيام بمهمتها التاريخية فى التنوير وبالتالى العلمنة. 3- من يربأون بأنفسهم خوفا من دخول هذه المعركة العظيمة التى لا قبل لهم بها بعد أن أصبح المجتمع فى البلاد العربية شديد الكأبة والظلامية إذا نظرنا إلى المسافة التى تفصل مجتمعاتنا اليوم عن التنوير والحداثة والعلمنة. تمثل هذه المواقف الثلاثة الغالبية العظمى من اليسار فى البلاد العربية بشكل عام وفى مصر بشكل خاص، الأمر الذى يوضح لنا على الأقل أحد أسباب تعثر هذا اليسار اليوم. إننى ازعم أن مهام التنوير والعلمنة والتى لم تنجز بعد نتيجة هزائم كل مشروعات البرجوازيات العربية منذ محمد على قد آلت بالضرورة إلى مشروع اليسار وعلى مثقفيه أن يرفعوا أولويتها على جدول أعمالهم. فما استفحال خطر الإسلام السياسى اليوم إلا نتيجة طبيعية لهزيمة مشروع التنوير البرجوازى وتخلفنا فى مسيرة الحداثة والعلمنة. الإسلام السياسى قضية على درجة عالية من التعقيد والالتباس وأحد الأسباب الرئيسية فى إثارة الخلافات بين قوى اليسار داخل المجتمع الواحد ومن باب أولى بين المجتمعات المختلفة. من هنا رأيت أهيمة إفساح جزء من الوقت للمناقشة بهدف تقريب بعض الرؤى المتباينة. فى هذا سوف أنطلق من وجهة نظرى، والتى تعتبر أيضا وجهة نظر بعض التيارات الماركسية فى مصر لتطرح للحوار. أولا: تعتبر جماعات الإسلام السياسى بمختلف أنواعها مجرد تنظيمات سياسية تستهدف الوصول إلى السلطة وتستخدم الدين بشكل إنتهازى لتحقيق أغراضها. ثانيا: أن الإسلام السياسى هو مجرد أداة من أدوات الطبقة الرأسمالية التابعة ومن هنا فهو لا يخدم سوى مصالح هذه الطبقة. ثالثا: إن التباين فى الأداء بين الجماعات الإصلاحية مثل الأخوان المسلمين (التنظيم الأم) والجماعات المسلحة مثل الجماعة الإسلامية والجهاد والتكفير والهجرة وغيرها ما هو إلا تقسيم أدوار بين عناصر الفريق الواحد حتى لو لم يعلم كل أعضاء الفريق بذلك. رابعا:أن المواجهة بين جماعات الإسلام السياسى والسلطة ليست إلا تنافسا بين قطاعات مختلفة من الطبقة الحاكمة وهو تنافس وصراع حول السلطة سواء حدث ذلك بشكل مسلح كما فى الجزائر أو بشكل سياسى كما فى حال الأخوان المسلمين فى مصر. خامساً: لا يوجد أى تناقض بين الإسلام السياسى والعولمة الرأسمالية وأجندتها النيوليبرالية بل أن هناك تكاملا بينهما. سادساً: مما تقدم يتضح أن الإسلام السياسى ليس معاديا للإمبريالية بل هو يخدم مصالحها لكن هناك استثناءات: الاستثناء هنـا مرتبط أساسا بالعلاقة الكيفية بالصراع ضد الإمبريالية والمقصود هنا بـ "العلاقة الكيفية" هو السؤال، هل تقود هذه القوة الإسلامية صراعا ضد الإمبريالية أصلا؟ فهناك عدة اشكال متباينة من الإسلام السياسى اليوم بغض النظر عن درجة إقترابها من السلطة السياسية، إذ أننى أتناول هنا الإسلام السياسى كقوى معارضة فالأخوان المسلمين فى مصر ليسو كأقرانهم فى السودان أوالجزائر أولبنان ناهيك عن باكستان اوأندونسيا. فالمطلوب إذن فى التحليل السياسى: 1- التعامل مع كل حالة إسلام سياسى على حدة. 2- جعل المعيار الأساسى لهذا التحليل العلاقة بالإمبريالية ومواجهة مخططاتها فى المنطقة. 3- التأكيد على والاستفادة من عدم تجانس هذه القوى. فإذا تناولنا مثلا تنظيم الأخوان المسلمين فى مصر- وهو الأكبر والأكثر تنظيما بعد السلطة السياسية على مستوى القطر- سنجد: 1- خطابا معلنا مبهما متناقضا فى أغلب القضايا الداخلية والخارجية يدغدغ أحلام كافة قوى المجتمع التواقة إلى التخلص من النظام القائم أو من القهر والاستلاب بوجه عام ... يخاطب كل قوة بما تهوى أن تسمعه- حتى السلطة بل وفى المقدمة من كل القوى تكون السلطة- خطابا يتراوح بين يمين القرون الوسطى وأقصى اليسار. 2- ممارسة عملية تصب فى النهاية دائما فى صف القوى والطبقات ذات المصلحة المباشرة من الأجندة النييوبرالية، وهناك العديد من الأمثلة فى السنوات الأخيرة لإضرابات عمالية وهبات فلاحية كان موقف الإخوان فيها دائما مع السلطة وليس ضدها كما يتصور البعض، ناهيك عن مواقف نوابهم فى مجلس الشعب. 3- تنظيم قائم على الطاعة نجح فى جذب قطاعات عريضة من الطبقات الشعبية- فى الأغلب من المهمشين- غيبها عن المعارك ضد عدوها الحقيقى. أما تنظيمات الإسلام السياسى التى دخلت فى صراع مباشر مع الإمبريالية مثل حماس فى فلسطين أوحزب الله فى لبنان فقد أدى بها صراع البقاء هذا إلى الابتعاد شيئا فشيئا عن منطلقاتها الطائفية واليمينية التى بدأت بها وإلى تبنى مواقف أكثر جذرية ضد الإمبريالية لكنها لم تصل إلى ربط معاداتها للإمبريالية بالعداء للرأسمالية، لأن عملية التطور فى مواقفها وخطابها بدأت وما زالت فى خضم صراعات تحرر وطنى وقومى بالأساس أى ليست طبقية. لماذا نفتح النقاش حول هذا الموضوع الآن؟ تكمن أهمية توحيد أو تقريب النظرة إلى الإسلام السياسى اليوم فى رسم سياسة التحالفات فى المجتمع تجاهها ... الأمر الذى أدى فى بلد كمصر إلى تباين غير صحى فى مواقف التنظيمات الماركسية وصل بها إلى عدم القدرة على العمل المشترك أو حتى تقريب وجهات نظرها... وبالتالى إلى إضعاف ما هو ضعيف أصلا من تأثير اليسار بالمعنى العام على الحياة السياسية فى المجتمع ككل. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أدى هذا التباين فى تقييم الإسلام السياسى فى فلسطين ولبنان إلى تبرير المواقف الانتهازية لسياسات الغرب تجاه الشرق الأوسط. فالإمبريالية العالمية ممثلة فى سياسات الغرب تجاه البلاد العربية عموما لا تجد غضاضة فى التعامل مع الأخوان المسلمين فى مصر لأنهم نيوليبراليين أصليين بالرغم من خطابهم الشعبوى الثقافوى الفاقع ضد الغرب... بينما تضع نفس هذه السياسات حزب الله وحماس فى خانة الإرهاب رغم أنها تمثل- وبشكل ديمقراطى على النمط الغربى- قطاعات واسعة فى مجتمعاتها. إننا اليوم مطالبون بالإتفاق على المبادىء الأساسية التى نبنى عليها سياساتنا تجاه الإسلام السياسى فى البلاد العربية، لأن اتفاقنا أو اختلافنا يترتب عليه آثار بعيدة المدى. علينا فضح الإسلام السياسى النيوليبرالى على كافة الأصعدة أى مواجهته وبيان زيف وانتهازية خطابه ضد الغرب، بينما مؤازرة الإسلام السياسى ذى المشروع المقاوم للإمبريالية ليطور من مواقفه أكثر فأكثر ويبتعد عن الطائفية وليتجذر خطابه السياسى.




(10)

دور ومسئولية اليسار فى أوروبا والبلدان العربية

فولفجانج جيركه

إن سياسة الهيمنة على العالم التى تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس بوش الآن تمر بأزمة على ما يبدو. فهناك الكثير من الشواهد على ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه هى الحال فعلاً. فإذا كانت الولايات المتحدة لا تزال قادرة على شن الحروب على العالم، بل وأن تنتصر فى هذه الحروب ظاهريًا من الناحية العسكرية، فإنها لم تعد قادرة على التعامل على نحو أحادى مع نتائج تلك الحروب. وتعتبر أفغانستان والعراق خير دليل على ما نقول. وقد أخذت فى الازدياد عزلة الولايات المتحدة داخل هيئة الأمم المتحدة. وهناك قوى جديدة آخذة فى البروز مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل ودول أخرى. كما تتنامى المقاومة المحلية داخل الولايات المتحدة ضد سياسة الحرب التى تنتهجها إدارة بوش. أما فى أمريكا اللاتينية- التى تعتبرها الولايات المتحدة بمثابة حديقتها الخلفية- فهناك تحول واضح نحو اليسار. إن سياسات وطموحات التسلط الأمريكية تلقى استنكار ومقاومة الشعوب والحركات الاجتماعية والسلامية والمناهضة للعولمة فى أجزاء كثيرة من العالم، وبخاصة فى العالم العربى. إننا قد نكون عند تقاطع طرق فى حلبة السياسة العالمية. فالقوة العظمى المتبقية الوحيدة آخذة فى فقدان موقعها الفريد. ولكن يبقى أن نرى كيف ستتعامل إدارة بوش مع هذا الواقع الجديد. من المحتمل أن تكون تلك الإدارة تبحث عن الخلاص فى صورة استراتيجية عدوانية، وأن تستمر فى ترجمة إيمانها بالعمل العسكرى إلى عمل ضد إيران، وهو خطر واقعى جداً حتى اللحظة. ومن الممكن أيضاً أن يحدث تحول داخل الولايات المتحدة نحو التوازن والتعددية. أيضاً من الممكن، ومن الأرجح، أن نرى مزجاً بين هاتين الاستراتيجيتين. وفى اعتقادى أنه من الحتمى أن يتزايد خطر انتشار أسلحة التدمير الشامل فى ظل استمرار الشروط الحالية، كما أن خطر استخدام القنبلة الذرية أصبح مرجحاً أكثر. إن اليسار الأوربى يفتقر إلى مفهوم مشترك للبديل السياسى والاجتماعى، بديل لتوازن القوى الراهن. واليسار منقسم سياسياً وأيديولوجياً. بينما أضحت التناقضات أكثر درامية مما سبق إذا نظر المرء إلى أوربا ككل وليس فقط الاتحاد الأوربى. ففى شرق ووسط أوربا لا تزال سياسات بوش تلقى تأييداً واضحاً، بينما أوربا الغربية والبلدان الاسكندنافية تنأى بنفسها عن تلك السياسات. وبينما لم يعد صناع القرار فى ألمانيا يتبعون الولايات المتحدة كلية ودون تحفظ– مثل بريطانيا- فإنهم يصطفون آخر الأمر فى الجانب الأمريكى إذا وضعت الأمور على المحك. وتتمتع الإمكانيات العسكرية والمدنية للاتحاد الأوربى بأهمية كبيرة على المسرح السياسى العالمى، وكذلك حلف الناتو. وفيما يبدو أنه قد تم بشكل غير ملحوظ تقريباً، تحول الاتحاد الأوربى إلى واحد من أقوى التحالفات العسكرية فى العالم. ولقد قام الاتحاد الأوربى بهذه الخطوة دون أن تلحظ شعوبه ذلك، بالاتفاق مع الولايات المتحدة، ولكن ليس بدون بعض المعارضة لها. بيد أنه عند نهاية المطاف تملك الولايات المتحدة وحدها القدرة العسكرية والاقتصادية على شن الحروب على صعيد عالمى. غير أن كثيراً من الدول الأخرى قوية بما يكفى لإثارة أو تصعيد الصراعات أو التوترات الإقليمية. ومن واجب اليسار هنا ألا يتغاضى عن الاختلاف من حيث الكم والكيف مع القدرة الأمريكية. أود أن أعترف أولاً بأن اللوحة التى رسمتها تبسيطية جداً. فالموقف فى الحياة الواقعية أكثر تعقيداً من هذا بالطبع. ولكنى أظن أن بإمكانى استخلاص ثلاثة ركائز استراتيجية فى هذا الشأن. أولاً: يجب على اليسار الأوربى أن يركز قواه على ضمان تحرر أوربا من السياسة الأمريكية للسيطرة على العالم، والشروع فى ولوج طريق مختلف. وهو الطريق الذى قد يقود إلى اتهام اليسار بالعداء لأمريكا، وهو ليس كذلك بطبيعة الحال. إن هناك قدراً كبيراً من التأييد وسط الأوربيين لانتهاج مسار أوربى خاص. وبدون التمتع بتضامن أوربا ستضطر الولايات المتحدة إلى تعديل مسارها آخر الأمر. وهو أمر شديد الأهمية بالنسبة لسياسة السلام فى الشرق الأوسط. ثانياً: سيصبح هناك معنى للقول بأوربا من نوع مختلف، إذا ترافق هذا مع اتباع سياسة من نوع مختلف. وليس البديل المطروح للعالم أحادى القطبية هو تدشين عالم ثنائى القطبية، وإنما عالم يشمل طائفة واسعة من الفاعلين والدول والشعوب والحركات ذات الحقوق المتساوية. أما إذا تطور الاتحاد الأوربى ليصبح نسخة مصغرة من الولايات المتحدة، فلن نربح شيئاً عندئذ، ذلك لأن وضع الطموحات الإمبريالية الأوربية فى مواجهة الطموحات الأمريكية ليس هو الميدان الذى ينبغى علينا أن ننشط فيه. ومن ثم فإن تصورنا لأوربا المستقبل يجب أن يتضمن بناء أوربا أكثر اجتماعية وديمقراطية وتسامحًا، وأقل عسكرية. معنى هذا أن ليس لدى اليسار خيار سوى أن يبتعد بشكل واضح عن صناع السياسات النيوليبرالية. وإن العداء للسياسات النيوليبرالية يجب أن يصبح عالمياً، ولا يتوقف عند مستوى الدولة الواحدة. ثالثاً: ليس لدى اليسار خيار سوى الشروع فى مناقشة القيم على هذا الأساسى ولا يجوز لليسار أن يكتفى بالادعاء بأن قيم الإنسانية والتنوير هى من صميم قيمه، وإنما يتوجب عليه أيضاً أن يدافع عن هذه القيم ضد الشطط الأصولي. وإذا نجح اليسار فى هذا فإنه سيجد شركاء كثيرين فى العالم العربى وفى حركات باتساع العالم. بيد أنه سيترتب علينا أن نتغلب على المعتقد السياسى القائل بأن عدو عدوى هو صديقى أو حليفى. فالعكس هو الصحيح، أى أن أطراف الصراع فى حروب اليوم لا يمكن تقسيمهم ببساطة إلى جانبين يجسد أحدهما الخير والآخر الشر. وعلى اليسار أن ينأى بنفسه عن استخدام القوة، وبشكل أكثر اتساقًا مما كان عليه الحال فى السابق. فالتقدم الاجتماعى يستطيع النمو بشكل أفضل فى مناخ الاستقرار، منه فى ظروف عدم الاستقرار فى المجتمعات التى ضربتها النيوليبرالية. وفى اعتقادى أن بإمكاننا العثور على الشركاء المطلوبين من أجل تحقيق سياسية من هذا النوع فى المجالين البرلمانى وغير البرلمانى، وبعيداً عن الأوساط الكلاسيكية، وعن الحدود القائمة. وإن أى تغير فى الاصطفاف السياسى يجب أن يسبقه تغيرات فى الثقافة اليومية للشعوب، وفى طرق تفكيرها وعملها. إننا لسنا إزاء صدام حضارات، وإنما إزاء ثقافة يسارية جديدة تجعل من الممكن قيام أوربا أخرى وعالم آخر.

ترجمة: مصطفى مجدي الجمال











(11) دور اليـــــسار سلامة كيلة

تراجع دور اليسار خلال العقد الأخير فى القرن العشرين وكان أثر انهيار المنظومة الاشتراكية كبيراً حتى على القوى المعارضة لها، والناقد لاشتراكيتها. حيث أدى انهيارها، وبالتالى فقدان الثقة بـ "الماركسية" التى تطرحها، إلى إشكاليتين، الأولى هى الاندفاع نحو قبول الليبرالية فى تشكلها الجديد، أى الليبرالية المتوحشة، وانتشار القناعة بأن زمن الاشتراكية لا زال بعيداً، حيث لا زالت الرأسمالية قادرة على تجديد ذاتها، ولقد انتصرت فى الحرب الباردة نتيجة قوة اقتصادها، وديموقراطيتها، والتطور المذهل فى مجال التكنولوجيا، لهذا جرى تبنى أكثر أشكال الليبرالية رثاثة ووحشية، كونها هى صيغة الرأسمالية المنتصرة، كما جرى قبول العولمة التى تفرضها كونها المحفز لتطور الشعوب وكون الرأسمالية قد أصبحت معنية بتصنيع المجتمعات المخلفة، وبدمقرطتها. وهنا التحق هذا اليسار بأسوأ الرأسماليات، ودافع عن "قيم الحداثة" الرأسمالية التى تعممها العولمة الراهنة. والإشكالية الأخرى هى تشوش، وضياع بوصلة اليسار الذى لم ينخرط فى العولمة ولم يدافع عن الليبرالية المتوحشة. حيث بدا أن الماركسية التى كان يمتلكها لا تساعده على وعى الواقع الراهن، وتحديد الرؤى الكفيلة بتوضيح فعل الصراع الطبقى. ولقد حارت، هل تطرح الاشتراكية بعد تجربة "فاشلة"، أم تطرح النضال فى داخل النمط لتحقيق تحسينات فى المطالب الاجتماعية، وأنسنة العلاقات الدولية، وحقوق الشعوب والإنسان؟ وحتى طرح موضوع تجاوز الرأسمالية بدا أنه منهم، فماذا يعني تجاوز الرأسمالية؟ وكيف يتحقق السلام والأمن؟ وكيف يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً فى مصلحة الشعوب؟ وهل نواجه العولمة الإمبريالية، وحروبها أم نقدم كذلك بديلاً عنها؟ وما هو الدور الذى نلعبه فى العالم، وفى كل منطقة منه؟ هذا الارتباك واضح لدى اليسار الأوروبى، وفاضح لدى اليسار العربى. فكيف يواجه اليسار الأوروبى الليبرالية، وما هو بديله وما هو موقفه من وضع الشعوب المخلفة؟ أظن أننى لم ألمس بديلاً، ورغم أن شعار الاشتراكية لا زال يتردد، لكن كيف يمكن أن تتحقق الاشتراكية فى وضع أوروبا الراهن حيث التكوين الطبقى لا يشير إلى إمكانية فى هذا المجال؟ واليسار العربى مربك كذلك، حيث تفككت مشاريعه القديمة، وباتت محل نقد، لكنه حائر بين مواجهة المشروع الإمبريالى، والدولة الصهيونية، وبين تحقيق الديموقراطية ومتجاهل لوضع الطبقات التى يقول إنه يتمثلها، العمال والفلاحون خصوصاً، بمعنى أنه لم يعد يمتلك مشروعاً مجتمعياً، لهذا سنجد أنه مشتت ومفتت ومتناحر. نعم يجب تجاوز الرأسمالية، لكن كيف؟ وما هو المشروع البديل؟ هذه هى المسألة التى يجب أن تُطرح للبحث، وأن يجرى التوصل إلى إجابات حولها. وإذا كانت الظروف مختلفة بين الواقعين العربى والأوروبى، رغم الطابع العالمى للنمط الرأسمالى، وبفعله، حيث أوجد الاستقطاب وأسس لوضعين مختلفين: وضع لا زال لم ينتقل إلى "العصر الحديث" رغم "الحداثة" الشكلية التى تخترقه، ولا زال لم يمتلك مصيره، ويحتاج إلى أن يتجاوز تخلفه، وآخر دخل الرأسمالية، وحقق الحداثة، واتجه نحو "ما بعد الحداثة"، وبالتالى فرغم أن مواجهة الرأسمالية- وبالتالى عولمتها وحروبها- تجمع اليسارين العربى والأوروبى، فإن لكل مهماته المحددة. وهنا ليس فى وسعى سوى الإشارة إلى اليسار العربى، وربما كذلك إلى ما أعتقد بأنه ضرورى فى اليسار الأوروبى. فأولاً، قلت إنه يجب تجاوز الرأسمالية، حيث ليس من الممكن تحقيق التطور والحداثة والمساواة فى الوطن العربى إلا عبر تجاوز الرأسمالية لأن رأسماليتنا لم تكن تمتلك ولا هى الآن تمتلك مشروع استقلال وتطور وحداثة، بل كانت ولا زالت تمتلك مشروع تكيف وتبعيته، وبالتالى تزاوج مع البنى التقليدية (الإقطاع سابقاً) فى جهة، ومع متطلبات الرأسمال الإمبريالى من جهة أخرى. وهذا يعنى أن يقوم اليسار الماركسى فى المستوى السياسى، والطبقة العاملة والفلاحون الفقراء المتوحدون فى قوة اجتماعية فاعلة، بتحقيق هذه المهمات، وهنا ينطرح مشروع بديل برؤى طبقية مختلفة، يقطع مع النمط الرأسمالى، لكن ليس من أجل تحقيق الاشتراكية، بل من أجل تحقيق مهمات التطور الاقتصادى والاجتماعى والحداثة والديمقراطية، وأيضاً الاستقلال (فلسطين والعراق)، والتوحيد العربى بتشكيل الدولة /الأمة ولتأسيس عالم بديل يقوم على الاحترام المتبادل والمساواة والتكافؤ. إن تطورنا يصطدم بطبيعة العلاقات التى يؤسسها النمط الرأسمالى، وتسعى الدول الإمبريالية إلى الاحتلال والسيطرة، ومنع تطورنا، ولهذا فنحن معنيون بتطوير الصراع ضد الرأسمالية، لأننا نهدف تحقيق التطور وتأسيس عالم بديل. وبهذا فنحن نواجه الاحتلال الصهيونى فى فلسطين، والأمريكى فى العراق، ونرى أن الدولة الصهيونية هى جزء عضوى فى المشروع الإمبريالى. وإذا كنا نتوافق مع اليسار الأوروبى فى مواجهة الرأسمالية، والتصدى لحروبها الوحشية، وكذلك نتواقف على السعى لتأسيس عالم بديل، تحررى إنسانى ويقوم على المساواة والتكافؤ وبالتالى ندعم كل ميل لليسار لتجاوز المشروع الإمبريالى، والعقلية الإمبريالية، وتحقيق تجاوز الرأسمالية. إلا أننا ندعو إلى أن يفكر اليسار الأوروبى برؤية وعمق، فى عدد من القضايا التى نرى أنها تشكل أساس تصوراته: أولها: تجاوز المشروع الإمبريالى الذى فرضته الرأسمالية الأوروبية متحالفة على الوطن العربى، والذى تمثل فى أربع مسائل هى: فرض تجزئة الوطن العربى ودعم استمرارها ومحاربة كل القوى التى سعت لتحقيقها، وفرض الدولة الصهيونية كقوة تلعب دوراً إمبريالياً ضد طموح التطور والاستقلال والوحدة، ومنع نشوء الصناعة وتدمير كل المحاولات التى قامت فى هذا المجال، منذ تجربة محمد على باشا، حيث تضمن صك استسلامه بنداً يتعلق بذلك، وأخيراً دعم كل القوى التقليدية والأصولية ضد حركة التقدم. وبالتالى ثانياً: أن يعى أن إمكانيات انتقال أوروبا إلى الاشتراكية مرتبطة بدعم مطامح العمال والفلاحين الفقراء فى الأمم المختلفة، لتحقيق التطور والاستقلال، ومن ثم أن يدرج فى برنامجه مسائل إلغاء الديون ونقل التكنولوجيا والاستثمار فى الزراعة والصناعة فى الأمم المختلفة، وإنهاء كل أشكال الوجود الإمبريالى، العسكرى والاقتصادى وأن تحل كل المشكلات لمصلحة الشعوب.














(12) اليسار العربي واليسار الأوروبي إشكالات ومآزق

د. كمال عبد اللطيف أريد في البداية أن أنوه بمبادرة مركز البحوث العربية والإفريقية المتمثلة في ورشة العمل التي ينظمها في موضوع اليسار والعلاقات العربية الأوروبية، دون نسيان التنصيص على المنظور النقدي في العنوان الفرعي والتكميلي لموضوع هذا اللقاء، وذلك لإيمان الجهة المنظمة بأهمية النقد في المشروع الفكري الذي يؤطر آفاق اليسار في العمل وفي النظر، وخاصة في المرحلة الراهنة من صيرورة التجربة والفكر اليساريين عربياً وعالمياً، حيث ترتفع درجات الصراع وتعرف غلياناً غير مسبوق، وهو الأمر الذي يطرح على اليساريين في كل مكان، مهام مستعجلة وأخرى مرتبطة بالمدى الزمني المتوسط، للتمكن من ابتكار الطرق الأكثر نجاعة في مجالات المواجهة والصراع المتزايدين في العالم هنا وهناك.، ثم في مجال إيجاد المخارج الممكنة لتجاوز المأزق الراهن.. وعندما توصلت بمقترح الرفيق حلمي شعراوي الذي يدعوني للمبادرة بالحديث في محور العامل العسكري ومثلث الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي، أحطته علما بصعوبة المحور وعدم ارتباطه باهتماماتي النظرية المباشرة، وذلك رغم عنايتي بالنتائج والآثار الفعلية المترتبة عن استخدام العامل العسكري في بؤر الصراع الدائرة في العالم، وخاصة في المواقف الهجومية والعدوانية التي تمارس اليوم في المشرق العربي، في كل من فلسطين والعراق، من طرف حماة المشروع الصهيوني ومن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين. ولأنني أقدر كثيرا جهود الذين يجمعون في علمهم بين الجوانب البحثية والتدبير الموصول بالتنظيم والعمل، فقد عزمت على المبادرة بطرح بعض المقدمات في الحوار منطلقا من مبدأ يسلم بتكامل جهود المشاركين في هذا اللقاء، الأمر الذي يتيح إمكانية تركيب ما يقدم البحث في هذا المحور وفي أعمال ورشتنا بصورة عامة. وقبل أن أقدم بعض التصورات والأسئلة العامة في هذا الباب، اتجه في البداية إلى الإلحاح على أهمية تغليب المنظور النقدي في المقاربات، إنني أنطلق هنا من زاوية محددة أُقِرُّ فيها بأن المشروع الفكري لليسار مشروع في النقد أساسا، النقد الفلسفي والنقد السياسي والنقد التاريخي، ووفاء لروح النقد اعتبر أن المهام المطروحة اليوم على اليساريين سواء في أوروبا أو في العالم العربي تتمثل في العمل على جبهتين أساسيتين، جبهة المسألة النظرية، وجبهة المسألة السياسية، في الأولى أستطيع الحديث دون مجازفة عن افتقار اليسار اليوم لمشروع مطابق لأسئلة المتغيرات الجارية في العالم، أما في الجبهة الثانية فإني ألاحظ أن اليسار قد اكتفى في العقود الأخيرة من القرن الماضي وفي مطلع هذا القرن بجملة من ردود، الفعل لمواجهة الأحداث الجارية، إنه لم يعد مالكا للمبادرة، إضافة إلى اختلاط لغاته وتناقض أهدافه. وقبل توضيح تصوري العام للمشروع الاشتراكي وبصورة مختزلة، أشير إلى أن اليسار لم يمارس بعد النقد الكافي للانهيارات السياسية التي حصلت في العالم في نهاية القرن العشرين، وستظل هذه المهمة مطروحة بحكم أنها تشكل واحداً من المداخل المساعدة على تدارك الوضع المرتبك والوضع المتراجع، الذي تعرفه تجارب اليسار العربية والعالمية، سواء في مستوى الفعل والممارسة أو في مستوى البناء النظري والمعرفة التاريخية والسياسية. أريد أن أشير كذلك في موضوع إعادة بناء المشروع الاشتراكي، إلى أن مرجعية التفكير في الاشتراكية اليوم مفتوحة على آليات في المعرفة ووقائع في التاريخ جديدة تماما، آليات نظرية ووقائع تاريخية قد تشبه في بعض أوجهها وبعض مفاهيمها أسئلة ومعطيات نظرية وواقعية نشأت وتشكلت قبل قرن من الزمان، لكنها في العمق لا تشبهها إلا في أذهاننا، التي ما تزال سجينة دوغما معينة، وتصورٍ مغلقٍ للتاريخ والمجتمع..وهنا نحن نفترض أن أنجع السبل للتفكير بواقعية وتاريخية أكبر في المشروع الاشتراكي تحصل بالاستناد إلى مرجعية منفتحة على معارف العصر وثرواته العلمية والتكنولوجية الجديدة، ومنفتحة في الآن نفسه على القيم الأخلاقية الجديدة المواكبة للثورات العلمية، التي فتحت المصير الإنساني على عوالم أرحب، وفضاءات تحتاج إلى الاستيعاب اليقظ لمعطيات العصر ومكاسبه، لنتمكن من الانتساب فعلا إلى الأزمنة المعاصرة. وفي هذا السياق، وانطلاقا من واقع الحال في الوطن العربي، ونوعية فصائل اليسار العربي، نحن نتصور أن دعم مشروع الحداثة السياسية والتحديث الاقتصادي والاجتماعي والمؤسسي، والعمل على مزيد من تحديث الذهنيات بكسر الدوغمائيات المتخيلة والواقعية، وتوسيع دائرة التعليم والثقافة، تعد مقدمات إسناد ضرورية مساعدة على مواصلة التفكير في الأفق الاشتراكي، فبدون ترسيخ القيم المذكورة تتضخم الأحلام، دون أن تجد لها منافذ فعلية للتصريف التاريخي والتدبير العقلاني. إن استيعاب مشروع الحداثة والتحديث السياسي لا يلغي المشروع الاشتراكي ولايتجاوزه، ولعله في ظروفنا المعاصرة ينضج المعطيات التاريخية، للتمكن من إعادة التفكير فيه بطرق وأساليب أخرى مطابقة لأوضاعنا الجديدة، ومطابقة في الآن نفسه لمكاسب الفكر والتاريخ المعاصرين. أريد كذلك في هذه المداخلة تقديم تعليق على طبيعة الحوار الذي جرى بيننا في الجلسة الأولى والثانية، وقد تناولا بالبحث محورين هامين من محاور ورشتنا، فقد بدا لي أن إيقاع الحوار غير متكافئ نظريا. لقد استمعت بعناية كبيرة لكل المداخلات والمناقشات، وتابعت صيغ الخطابات المستخدمة في التحليل والتقرير، فتبينت أننا لا نعتني كثيراً بفحص ومراجعة المفاهيم والقضايا التي نستعمل، بل أن كثيرا من المواقف التي استمعنا إليها مارست وتمارس عمليات قفز على كثير من الحدود. أعتقد أن موضوعة اليسار اليوم في أوروبا وفي العالم العربي تثير وحدها إشكالات عديدة، لهذا يستنجد كثير من المتحدثين بآليات التعميم ونمط الحديث البياني، صحيح أن التعميم في الحوارات المداخل والمقدمات يكون في بعض أوجهه مفيداً، ولكن اجتماعنا هذا كما عرفت من الوثائق الموزعة علينا، ومن كلمة الأخ حلمي شعراوي الافتتاحية يشكل حلقة ثالثة ضمن سلسلة متواصلة. وفي موضوع أوروبا وهي تشير في لقائنا إلى الاتحاد الأوروبي، فإنني أتصور أننا لا نستطيع الحديث إلى حدود هذه اللحظة عن سياسة خارجية موحدة في كثير من القضايا الكبرى والمسائل الأساسية في الحاضر الأوروبي، وفي علاقات الاتحاد بالعالم العربي. أما في موضوع العرب واليسار، فإننا نواجه مفارقات وتنويعات لا تسمح بالتعميم، وتداعيات ما يجري في العراق وفي المشرق العربي على سبيل المثال تكشف الصورة البئيسة لا سم جمع لا يحيل إلى رؤية واحدة، ولا إلى رؤية متماسكة ومتقاربة. قلت إن إيقاع الحوار غير متكافئ لأنه يستعمل لغات عديدة، ولا أقصد هنا لغات التداول الجارية بيننا الآن، العربية والفرنسية والإنجليزية، بل أقصد لغة البيانات السياسية، ولغة المعرفة الاقتصادية والعسكرية، ثم لغة التفكير بمنطق صراع وتوازن المصالح. ويبدو لي ونحن في الجلسة الثالثة، أن استمرار مناقشتنا بالوتيرة نفسها سيقلص من مردودية اللقاء، لهذا اتوجه للجميع داعياً إلى تجنب اللغة السهلة مع التسلح بالمقاربة النقدية، القادرة على إنجاز التشخيصات والتصورات والمفاهيم الأكثر مطابقة للأسئلة والمحاور التي نحن بصددها. إن واقع اليسار الأوروبي اليوم بفصائله العديدة، وأسئلته الجديدة يطرح إشكالات عديدة، إن خطابه مثلا ما يزال مشدوداً إلى جملة من المفاهيم المناقضة لمحتوى التحولات الجارية في الواقع، لقد تخلينا في أغلب مواقفنا وتصوراتنا عن منطق النسبية ومقدمات الفكر التاريخي، وحصل في أذهاننا نوع من الركون إلى مفاهيم لم تعد فعلا تعبر عن التناقضات الجارية في المجتمع وفي التاريخ المعاصر. انتقل بعد هذه التوضيحات إلى موضوع محورنا محور أمريكا وأوروبا والحرب على العراق، وذلك لأرتب بعض الملاحظات انطلاقاً من لحظة معينة من لحظات تطور الصراع على العراق والمشرق العربي، وأريد أن أفكر بالذات فيما حصل في موضوع هذا الصراع بعد الولاية الثانية لجورج بوش، وذلك بحكم أن هذه اللحظة تمهد لمواقف جديدة في نمط الصراع والحرب وآفاقهما. فبعد بداية الولاية الثانية لبوش بدأت ملامح نوع من التراجع الذي فرضته تداعيات الحرب، حيث أصبحنا نواجه مواقف مختلفة تماما عن شعارات تحويل العراق إلى واحة للحرية، وقاطرة لدمقرطة دول المنطقة، وهي الشعارات التي ظلت الولايات المتحدة وبريطانيا تكررانها طيلة الأعداد للحرب وفي بداياتها. تتخذ هذه اللحظة أبعاداً جديدة مع صعود الديمقراطيين إلى مجلسي النواب والشيوخ، وقد ترتب عن ذلك إعلان توني بلير يوم 21/2 عزم بريطانيا عن بداية سحب قواتها من العراق، وهذا الأمر شجع الدنمارك على اتخاذ قرار في الاتجاه نفسه وفي اليوم نفسه. وبعد صدور تقرير بيكرها ملتون الذي يوصي الإدارة الأمريكية بفتح حوار مع سوريا وإيران، ووضع خطة لسحب قواتها من العراق، أصبحنا أمام تحولات جديدة سواء وسط النخب السياسية الأمريكية أو وسط حلفاء أمريكا من الأوروبيين، حيث حصل إدراك متأخر للمصالح الأوروبية في العالم العربي ثم تصاعد عمليات المقاومة الوطنية، وهو الأمر الذي ترتب عنه كما تعرفون إرهاق مضاعف لأمريكا داخل العراق وخارجه. وإذا ما اتجهنا لتجاوز السرد الحدثي الذي كنا بصدده ونحن نمارس تقديم لحظة الصراع الراهنة على العراق، أقول إن الموضوع النظري والتاريخي الجدير بالمناقشة في هذا المحور، يتمثل في موضوعة الحرب، وسأكتفي بطرح هذا الموضوع في صيغة سؤال : هل يمكن أن نتفق على أن حرب أمريكا على العراق أظهرت حدود المعالجة العسكرية في مواجهة إشكالات السياسة والتاريخ؟ ذلك أن أمريكا كما أفترض لم تربح الحرب، رغم أنها خربت بغداد والبصرة ومناطق عديدة في العراق، وأشعلت حرباً أهلية لايمكن التنبؤ بنهايتها.. يطرح هذا السؤال في تصوري قضايا سياسية وأخلاقية تدعونا إلى تعميق التفكير في الأبعاد المتوحشة للحرب في عالم عاش حروبا عديدة، وعانى ومازال يعاني من أهوالها وخرابها. ويحتل موضوع الحرب ومفهوم الحرب العادلة الذي عاد للتداول بصورة مكثفة وخاصة من طرف المنظرين الداعمين لمشروع الهيمنة الأمريكية على العالم، يعود إلى التداول بالصورة التي تستدعي في نظرنا فحصاً نقدياً جديداً للمفهوم المركب حرب عادلة ومرادفاتها من قبيل الحرب الوقائية والحرب الاستباقية،. فكيف تكون الحرب وتكون حرباً عادلة؟ طرحت هذا السؤال لنفكر فيه جميعا، فعندما نتابع محطات الاستعمار الأمريكي للعراق، ونعاين كيفيات استيلاء الولايات المتحدة الأمريكية على موارده النفطية ورمزيته التاريخية في الذاكرة العربية الإسلامية، ندرك عمق الخراب الحاصل، وندرك في الآن نفسه دورنا في حصول ما حصل، ذلك أنني أومن بأن كثيراً من إشكالاتنا في علاقتنا بالآخرين تنتفي منها مواصفات التواصل، القادر على معرفة ذواتنا ومعرفة ما يلزمنا من أجل تجاوز ارتباكنا السياسي وارتباكنا التاريخي في العالم. ولا أريد أن يفوتنا هنا في نهاية هذا المدخل، الإشارة إلى تناقضات الموقف الأوروبي في موضوع الصراع على العراق، ذلك أنني أقرب إلى الاعتقاد بأن الموقف الأوروبي الأمريكي متقارب رغم تنويعاته، وفي هذا السياق، لا أعطى أهمية كبرى لسحب كل من إسبانيا وإيطاليا لجيوشهما من العراق بعد وصول الاشتراكيين إلى حكومتيهما، فنحن نعرف في موضوع القضية الفلسطينية أن فرنسا ميتران كانت في كثير من مواقفها السياسية أقرب إلى إسرائيل من مواقف بعض الديغوليين، إن المسألة هنا ليست مسألة يسار يمين رغم الأهمية التي تكتسيها لحظات التموقع السياسي في قلب عمليات الصراع، إن المركزي في المواقف يستند إلى أبعاد مصلحية قائمة، وهذا هو سر التقارب في الموقف الأوروبي الأمريكي على وجه العموم، وهو يكشف أيضا عن تقصيرنا في بناء علاقات أوروبية عربية صانعة لتحالفات يكون بإمكانها الحد من الغطرسة الأمريكية.

(13) الأطلنطية الجزائر في مواجهة الفخ


صادق هجرس

هل ستنجو الجزائر من مضايقات الدوائر الداعية للحرب في الولايات المتحدة؟ توحي تصريحات وزير الخارجية بذلك، فقد نفى وجود قواعد عسكرية أمريكية بالبلاد، مؤكداً أن هذه الفرضية لا تتمشى مع مصالح الجزائر، وتتنافى مع سيادة البلاد. ويحتاج الأمر إلى كثير من التوضيح، فهذا وجه واحد من قضية أكبر بكثير. فقضية القواعد العسكرية، في جميع أنحاء العالم، ليست سوى الشكل الأكثر بروزاً لحالات التبعية، والأكثر رفضاً من جانب الرأي العام. وبصراحة، لا يوجد جزائري يقبل أن تتحول بلاده، بسبب وجود القواعد على أرضها، إلى موقع متقدم في ساحات الصراع العالمي، ولا أن تتحول إلى عراق آخر في أفريقيا. ولكن هذه القضية لا يمكن أن تطمس أشكالاً أخرى من التعاون والتبعية، مفروضة أو مقبولة بدرجة أو أخرى. وهناك نوع من الإصرار على أن تتولى الجزائر بشكل مباشر أو غير مباشر، بعض الأنشطة المرتبطة بقيام قيادة عسكرية أمريكية خاصة بأفريقيا، أو بغيرها من التركيبات الاقتصادية، أو السياسية/العسكرية، أو الثقافية. وجميع هذه المحاولات تهدف إلى جر سلطات بلادنا، وشعبنا، إلى مشروعات لا سيطرة لنا على أهدافها أو وسائلها. وخاصة، أن الكل يعرف أن قيادة الإمبريالية الأمريكية أبعد ما تكون عن اعتبار العالم العربي أو الأفريقي شخصية لها احترامها، بل هي تعتبرهما هدفاً لاستراتيجيتها العالمية سواء رضيا عن ذلك أو رفضاه. حان الوقت وهكذا فالمصلحة الوطنية، والرأي السديد يقضيان بمد مواقف وزارة الخارجية إلى أكثر من مجرد قضية القواعد العسكرية، بل يجب أن تتجاوزها إلى طموحات السلام والأمن لشعب عانى كثيراً من تجربة الاستعمار، وما بعد الاستعمار. وبعيداً عن الاختيارات السياسية والأيديولوجية المشروعة للكثيرين، فإن رفض خطط حلف شمال الأطلنطي، والأهداف الهيمنية للولايات المتحدة هو ضرورة حتمية يتفق عليها الجميع. فالجميع لا يريدون المزيد من الحروب والمعاناة، مع توافر البدائل الأخرى! وحان الوقت لصرخة أكثر فاعلية من صرخة شعب الجزائر في عام 1962: "قرن وسبعين سنة، بركات!" (أي يكفي ما عانيناه من حروب وصراعات سياسية وأخلاقية وثقافية في خلال المائة والسبعين عاماً). ويجب أن نضيف لمقولة بومدين: "المسلمون لا يودون الذهاب إلى الجنة خاليي البطون"، القول إنهم يرفضون جحيم حروب الهجرة على الأرض. وإذا أصر دعاة الحروب الأمريكيون على الاستمرار في حروبهم العدوانية، فليخوضوها وحدهم، ولا ينتظروا منا أن نتخلى راضين عن سيادتنا الوطنية، ولا أن نمتنع عن التضامن مع الشعوب الشقيقة أو البعيدة التي يعتدون عليها بضراوة. وفي ظل الظروف الدولية الحرجة الحالية، لا يستطيع وزير خارجيتنا أن يتوارى في الوقت الذي تتوالى الأعمال الوحشية، والفضائح للمعتدين الذين يفقدون بدرجة متزايدة تأييد مواطنيهم في الولايات المتحدة، وخاصة في مواجهة التهديدات المتلاحقة ضد إيران. ونتفهم الصدى العالمي لتحذير فلاديمير بوتين بأن الأمور قد تجاوزت الحدود، الأمر الذي يؤكد أن العالم قد تغير منذ مظاهر خضوع يلتسين، والنهب الذي تعرض له ذلك الشعب العظيم على يد ألعوبة الإمبريالية والمافيا التابعة له. في مواجهة ذات الآليات لقد حان الوقت بالفعل لتحذير صقور الولايات المتحدة الذين يريدون جرنا للكارثة، أن الكلمة الأخيرة ستبقى دائماً في يد الدولة والشعب المعني، خاصة ما إذا كانت طبيعة المغامرة المقصودة مكشوفة مقدماً. لقد تبين بوضوح أن الهدف الرئيسي للسياسة الأطلنطية ليس وضع حد لظاهرة الإرهاب العالمية، فكثيراً ما كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية هي التي تحرك هذه الظاهرة وتتلاعب بها. وهي تصف بالإرهاب كل مقاومة شرعية للاحتلال والطغيان، وتبرر بذلك الخلط عدوانها. وفضلاً عن ذلك، فالوقائع تكذب ادعاءاتها بالكفاءة والفاعلية، وأسلوب مكافحة الولايات المتحدة لمكافحة أبشع أشكال الإرهاب ليست مما يُحتذى. فحروب حلف شمال الأطلنطي الصليبية المتسمة بالتفكك والعدوانية، نشرت الأعمال الإرهابية حول العالم بدلاً من حصرها في مواطنها حيث يمكن مواجهتها بالحلول السياسية الناجعة. والأفعال تتناقض تماماً مع الأقوال، فمن ناحية نسمع الخطب الحماسية بشأن "القيم" الأطلنطية التي تتجاهل القضايا الحقيقية المثيرة للغضب، ومن الناحية الأخرى، نرى القتلى بالمئات يومياً، والتخريب المنظم للمساكن والثروات، والعدوان على حقوق الإنسان. والهدف الحقيقي لصقور الأطلنطي، كما يتضح لأقل الناس فهماً، هو منع تطلعات الشعوب للحرية والاستقلال، هو تحطيم حركات التحرر والعدالة الاجتماعية، واستمرار أوضاع السيطرة والاستغلال. وتعرف شعوب أفريقيا والعالم العربي، بل حتى بعض حكوماتها، المصير البائس الذي لقيته، أو مهددة به، شعوب يوغسلافيا، وفلسطين، والعراق، ولبنان، وإيران، وهي لا تقبل أن تصير الضحية التالية لمبدأ حلف الأطلنطي المعلن في أواسط التسعينيات والذي طُبق على الفور بالتنسيق بين القوات الأمريكية والأوروبية. وفي أي مكان تقام فيه آليات لها أية علاقة بالمشروع الأطلنطي، فسرعان ما تتوالى الكوارث، ومظاهر التبعية، ويسود الصراع والدمار، ويبدأ التفكيك المنظم للدول الوطنية، وتحويلها لجماعات عرقية، أو لغوية، أو دينية، أو ثقافية، بهدف تدمير كل من يريد العيش في سلام أو حرية، أو يتمتع بالرفاهية أو الوفاق بين مختلف الأعراق والأديان.

الدوافع الوطنية والدولية للوحدة واليقظة ما الذي يعطي التصريح الأخير لوزير الخارجية أهميته الآنية؟ السبب هو أنه حتى اليوم، لم تلقَ المحاولات الدبلوماسية والإعلامية للولايات المتحدة، صداً صريحاً لا من الدوائر الرسمية، ولا من بعض الصحف، رغم ما للموضوع من الحساسية. منذ بعض الوقت كانت الكرامة الوطنية لا تسمح بمرور التلميحات أو الدعوات من بعض المسئولين الأمريكيين، أو الإشاعات المريبة، دون عاصفة من الردود الغاضبة، والتوضيحات القاطعة. فهل ستؤكد الأيام القادمة صرامة هذا النفي الذي رحبنا به؟ نأمل ذلك، فالقدرة على المقاومة، رغم قوتها الكامنة، ما تزال هشة، وقد رأينا مثالاً عل ذلك منذ عام، عندما جرى التنازل عن السيادة الجزائرية في موضوع النفط الجزائري. وهو قرار معادٍ للمصالح الوطنية لا يمكن تفسيره بالمرة من وجهة النظر الاقتصادية، حتى في نظر البلدان العربية المرتبطة بالإمبريالية كما وردت الأنباء. وتم هذا مع تجاهل رأي الشعب، والنقابات، والدوائر السياسية، بل والدوائر الحكومية الواجب إعلامها والاستماع لرأيها. والواقع أن تصرفات الاحتكارات البترولية مرتبطة بلا تحفظ مع المركب الصناعي/ العسكري للولايات المتحدة، ومن المستحيل الفصل بين قضايا الأمن والسلام وبين السيادة الوطنية على موارد الطاقة. ولن نذهب بعيداً للبحث عن الرابط بين صراع الحضارات وبين إشعال بؤر جديدة للحروب، بل علينا أن نسأل صمويل هنتنجتون ليدلنا على الشعوب والحكومات التي يصفها الإمبرياليون وعملاؤهم بالشيطانية، وبأن بلادهم هي ملاذ "الإرهاب". فهو يكشف لنا في كتابه (ص 346) الإله الحقيقي الذي يعبده: فمن وراء الهراء الكثير عن القيم اليهودية /المسيحية، يظهر أن الهدف الأسمى هو "مصالح الولايات المتحدة كما حددها التاريخ". أما أداة هذا الهدف دون أدنى شك، فهو منظمة حلف شمال الأطلنطي، التي ينبغي وضعها دون تأخير على أهبة الاستعداد لأداء دورها (ص 346 وما بعدها). وهي رسالة استقبلتها دوائر المال المعولمة، والبنتاجون بالترحاب، إن لم تكن هي التي أوحت بها. وفي قوس الأزمات العالمي الذي ترسمه إدارة الولايات المتحدة، نرى ثلاث خرائط تنطبق الواحدة على الأخرى بدقة، الأولى منها تبين مكامن النفط المؤكدة أو المحتملة (وطرق نقلها)؛ والثانية هي مواقع التواجد العسكري القائم (أو المخطط) الأوروبي والأمريكي المرتبط بالحلف مباشرة أو غير مباشرة؛ والثالثة هي خريطة الشعوب التي عينتها نظرية صراع الحضارات المقيتة بوصفها الأعداء الحاليين أو المحتملين للحضارة التي تدعي أنها الوحيدة الجديرة بالاحترام. والشعوب المثيرة للمشاكل لأنها تستخدم حقها المشروع في المقاومة الحالية أو المحتملة، هي الشعوب الإسلامية التي وضعتها الطبيعة فوق حقول شاسعة للنفط والغاز. وينضم لهؤلاء، آخرون يرى "خبراء" الحضارة أنهم ملوثون ومستبعدون من الحضارة، وهم من المسيحيين الأرثوذكس وبعض الآسيويين. ولهذا السبب، يحاولون بث الخوف والريبة من الروس والصينيين وغيرهم من الشعوب المنتظر أن تقاوم الهيمنة الأطلنطية، وذلك إلى جانب الإسلاموفوبيا الدائمة.

أسس المقاومة وإمكانياتها والواقع، أن موقف أغلب الحكومات والسياسيين العرب المحافظين الحاليين ليس سهلاً في مواجهة الابتزاز، والتهديدات الشديدة التي يتعرضون لها. فالقوة العظمى عبر الأطلنطي لديها حساسية مفرطة ضد أي مظهر من مظاهر الاستقلالية، وهي مصممة على تدمير أية عقبات في طريق حصولها على السيادة الكاملة على جميع الشعوب والموارد بالقوة، أو استبعادها بوسائل الفساد. وتتعلق بعض الحكومات والسياسيين في بلداننا، الذين يحتفظون ببعض المشاعر الإنسانية أو الوطنية، بالأمل الضئيل بأنهم إذا ما "قبلوا اليد التي لا يستطيعون عضها"، يمكنهم الاحتفاظ بالسلطة أو الوصول إليها. وهم ينسون بعض الحقائق التي لو تذكروها لكانت فيها مصلحة بلدانهم، ومصلحتهم الخاصة. وقد تأكدت هذه الحقائق من خبرة مقاومة شعوب بلدان الشرقين الأدنى والأوسط للعدوان، وكذا بتحفز شعوب أمريكا اللاتينية الذين بدأوا يفرضون تطلعاتهم بالطرق السلمية. والدرس المستفاد من هذه الخبرات هو أن المقاومة الناجحة هي تلك المستندة إلى التعبئة النشيطة الواعية لأغلبية المواطنين. ولا يتعلق الأمر بحجم البلاد في مواجهة عملاق، كما يتخيل خطأً أولئك الذين يبررون سلبيتهم بحجم بلادهم الصغير أو ضعفها، وإلا فكيف صمدت كوبا الصغيرة في وجه جارتها المباشرة الولايات المتحدة التي تحلم دائماً بابتلاعها، رغم حرمانها منذ خمسة عشر عاماً من التأييد القوي للنظام الاشتراكي، بل توفر المدرسين والأطباء الأكفاء للدول الأخرى؟ أو كيف نفسر صمود الشعب الفلسطيني، وتمسكه بمطالبه الوطنية والشعبية التي بقيت حية في ضمائر أجياله الشابة بعد ستين عاماً من المواجهة الضارية ضد التحالف "الذي لا يُقهر" للإمبريالية العالمية والصهيونية؟ وكيف أمكن للشعب اللبناني الصغير أن يوقف عدوان واحد من أقوى الجيوش في العالم في الصيف الماضي؟ هناك تفسير لكل ذلك حتى لو بدا كأنه مفارقة المفارقات للكثير من حكام البلدان العربية، الذين يعتقدون أنه للحفاظ على دولة قوية، لا مناص من الحل الضروري، وهو المحافظة على حالة "الطوارئ للأبد، والتلاعب بالانتخابات، والأحزاب السياسية الهزلية. وكيف نفسر أن النجاحات الأكبر في مواجهة المعتدين والمحتلين، حدثت بالدقة في تلك البلدان التي حدثت فيها انتخابات حرة ديمقراطية غير مطعون فيها، أو حيث تحققت الوعود بالعدالة الاجتماعية للعاملين والفقراء، رغم شدة الحصار الاقتصادي؟ وكيف نفسر أن الولايات المتحدة فقدت القدرة على التدخل العسكري والمباشر ضد بلدان أمريكا اللاتينية التي نجحت في تحقيق انتخابات ديمقراطية غير مطعون فيها، في حين أنها كانت قبل بضع سنوات، الضحية الدائمة للعم سام، والدكتاتوريات العسكرية التابعة له؟

هل يمكن قيام مشروع إنقاذ؟ الحل الأمثل هو توصل حكام البلاد الساعية للاستقلال والتنمية، وقواعدها الاجتماعية، للتوافق على توجهات ملموسة ديمقراطية بالفعل. هو أن الحكام الذين يريدون "الاستمرار" مع القيام بعمل طيب، يتفهمون بعض الحقائق المفيدة لأمتهم ولذواتهم. وإحدى هذه الحقائق هي أنهم قد ساهموا في خلق الأوضاع الهشة التي يشكون منها؛ وأن هذه الأوضاع السيئة لا تصلح مبرراً للانزلاق أكثر وأكثر في التبعية التي تنتج المزيد من الفوضى؛ وأن طريق الخلاص لا يكمن في التعددية الشكلية، ولا في نظم الانتخابات "المدعومة" بنظام الحصص والتدليس، وإنما في التوجهات والممارسات الديمقراطية الحقيقية، التي تعطي الجماهير الإحساس بالأقوال والأفعال المسئولة. أما بالنسبة لأولئك الذين يمثلون القاعدة التي يعود لها في النهاية النجاح أو الفشل، فإن المستقبل الذي يتمنونه يتوقف عليهم هم أنفسهم، فهم الفاعلون الاجتماعيون والسياسيون أينما كانوا، سواء في الجمعيات، أو النقابات، أو الأحزاب، أو أفراداً غير منظمين. وعليهم ألا ينتظروا أن تنفتح لهم من السماء، أو من رؤسائهم، سبل النضال، أو المبادرات، أو التحرك الاجتماعي، أو التغييرات النافعة. عليهم ألا يخلطوا بين المشروعات السياسية الحقيقية ذات المرامي البعيدة، وبين الأهداف القريبة السهلة، والمنافسات الجدباء من أجل السلطة، أو توابعها. عليهم أن يقدروا قيمة العمل الدءوب الذي يستطيع أن ينمي في المجتمع الإرادة السياسية البناءة للاتحاد والسلم، كما كان الحال عند التحول الحاسم في مجرى حرب التحرير في ديسمبر 1960، عندما بدا للبعض من الزعماء أن الأمور تسير نحو المأزق. إن الدافع المتعدد الأشكال من جانب القاعدة، هو وحده القادر على عزل أولئك الذين يريدون ربط بلادنا بعجلة الحروب الأطلنطية ضد الشعوب. ويحسن بنا أن نتعلم من الخبرات الكثيرة البائسة أن قوة المستبدين لا تكمن في قدراتهم الخاصة العسكرية أوغير ذلك، وإنما في تفرق المضطهَدين والمستغَلين. وقدرة هؤلاء المضطهدين الرئيسية تكمن في وحدة تحركهم عبر التنوع والاختلاف. والجزائر لا تنقصها القدرات البشرية والمادية. وهي تستطيع، بفضل ما لها من وزن تاريخي إلى جانب قدراتها الاستراتيجية، أن تساهم في التقريب بين التيارات الإقليمية والعالمية الراغبة في السلام، والتنمية، والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مع المحافظة على مصالحها. وهي بذلك تحمي نفسها من المخاطر الداخلية والخارجية، وتتمكن من مواجهة المخاطر المتزايدة للفرقة والفوضى، والتحيزات القومية أو الدينية، وجميع أشكال الكراهية بين الشعوب، والتي تستخدم كأدوات لفرض الهيمنة. والجزائر تمتلك قدرات كبيرة بشرط أن تصحح من نواقص الديمقراطية لديها، وهي نقطة الضعف التي ما فتئت تخرب الأوضاع فيها. وهي التي تمنعها من التقدم في جميع المجالات دون استثناء، فيما عدا الاستمرار في ضخ البترول والغاز، وفي التوسع غير المحدود في الاستيراد، وتضخم المشروعات والتصريحات التي سرعان ما تكذبها الحقائق.




الباب الثالث

مناقشات

  • * * * *


                                       تحرير: إلهـــامي الميرغني
                   تدوين المناقشات: فاطمة رمضان























الأستاذ حلمي شعراوى: تعتبر هذه الندوة متميزة علي المستوي الثقافي والفكري وأنشطة المنظمات الأهلية والمدنية والمنظمات السياسية لأننا استطعنا بالفعل أن نجمع عناصر وشخصيات مسئولة من أنحاء أوروبا، مجموعة من الأصدقاء تتوفر فيهم الكفاءة والمسئولية والمعرفة بالموضوع الذي سيناقشونه، والحماس له، وبجوانبه الإيجابية والسلبية علي الدوام. وعلي الجانب العربي أيضا تكاد تكون هذه من المرات القليلة التي نستطيع فيها جمع الأصدقاء من أقصي المغرب لأقصي المشرق بهذا القدر، ونأمل أن يكون النقاش مثمرا بهذا الحد من أقصي المشرق العربي إلي مغربه. وأنا أقول المشرق العربي ومغربه لأني أري في بعض التعبيرات والأوراق مشاكل مثل "الشمال الأفريقي أو المغرب والشرق الأوسط"، سيكون هذا موضع نقاش علي أي حال ونحن نقول الوطن العربي. إننا نريده نقاشا مفتوحا من كل الأصدقاء. سأنقل الحديث لميشائيل من مؤسسة "روزا لوكسمبورج" وبعدها يتكلم الدكتور سمير أمين ليطرح موضوعات الندوة ثم نواصل الجلسات.

السيد ميشائيل بري: منذ بداية القرن العشرين دائما نواجه حروبا ونعرف أن نهاية الحرب الباردة بدأت بحرب جديدة ضد العراق ولذلك فإننا نواجه حروبا وحروبا في أنحاء مختلفة من بلادنا. وهذه الحروب خلقت مزيدا من المشاكل ويجب أن ندرك أوجه التشابه. وهو ما يلفت نظرنا للمخاطر التي سوف نواجهها في المستقبل. للأسف أنه لا يوجد معنا أي شخص من العراق فيوجد 650 ألف عراقي قتلوا في الحرب, و طرد مليونا عراقي من بلادهم، وهناك 4 ملايين عراقي فقدوا بيوتهم وهذه من أكبر المآسي التي أثرت على الشعب العراقي . وإذا كنا ننظر إلي عملية برشلونة التي بدأت في عام 1995 لتعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والعالم العربي فعلينا أن ندرك أن هذه العملية قد فشلت تقريبا بسبب عدم استطاعة الشعوب أن تحل أهم المشاكل، مثل مشكلة فلسطين، لبنان والعراق. نحن لم نتمكن من حل هذه المشاكل وسأتحدث في إيجاز عن أربع نقاط قد تكون مهمة في هذه المناقشات. اليسار الأوروبي يواجه مشاكل في أربعة محاور: المحور الأول: مشكلة التنمية داخل الاتحاد الأوروبي وانهيار نظام التأمين الاجتماعي وتآكل الديموقراطية الداخلية لأوروبا وعسكرة أوروبا. المحور الثاني : الأزمة السياسية في إيطاليا وهي أساساً مبنية علي وجود قاعدة أمريكية في إيطاليا وأن هذه القواعد الأمريكية قد تزايدت، وهناك أيضا مشكلة حرب أفغانستان وهي مشكلة أساسية. المحور الثالث : المشاكل الناتجة من وسط آسيا والقوقاز وهذا يرتبط بمصالح العالم العربي وأوروبا كي تكون هناك منطقة تنمية وسلام. المحور الأخير : هي التوجه إلي الجنوب في الاتحاد الأوروبي . أعتقد أن ما ينقص العلاقة بين العرب وأوروبا هو الأمل. وأعتقد أن اليسار الأوروبي يجب أن يعمل كي تكون هناك رؤية جديدة لتطوير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والعربي. إننا يجب أن نضع بعض المحددات في جدول أعمال اليسار الأوروبي وأود أن أشير إلي بعضها. أولها: يجب أن نتمتع بالسيادة وأن نبدأ في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي وأن نصبح قادرين علي حل الصراع بين إسرائيل وجيرانها ولاسيما بالمساهمة في عمليات الاستقلال ووجود دولة فلسطينية مستقلة. فلا يمكن أن نعتمد أكثر من هذا على الولايات المتحدة الأمريكية لأن السلام أصبح مبدأ مهما وأساسيا لهذا الاستقلال. وإذا كنا نتحدث عن الديمقراطية اليوم فلا يمكن أن نرفض الممثلين الشرعيين لحكومة منتخبة بطريقة قانونية مثل حماس. الطلب الثاني لليسار الأوروبي هو إنهاء هذه السياسة التي تفرق بين الدول العربية بعضها البعض. المشكلة الثالثة: يجب أن نركز بصورة أساسية علي المنتديات المباشرة لتبادل العلاقات بين الدول العربية وأوروبا وذلك حتى يمكننا أن نرسي قاعدة مشتركة وأشكالا من التعاون بين المجتمعات المدنية في نهاية الأمر.. إذا كنا ننظر إلي مستقبل العالم فهو منطقة واحدة يجب أن يكون لها مستقبل واحد ويجب أن نخطو خطوة خطوة لتحقيق هذا الشكل من الوحدة بين العرب وأوروبا.

د. سمير أمين: أود أن أرحب بالجميع وأتمنى لهم إقامة طيبة في القاهرة وفي مركز البحوث العربية والأفريقية وأود أن أشكر مؤسسة "روزا لوكسمبورج" ليس فقط لأنها ساعدت في انعقاد هذه الندوة ولكنها شاركت معنا فكريا في التخطيط. لا أريد أن أنتهز فرصة الافتتاح للتطويل ولكن أعتقد أنه من المفيد أن يقدم أحدهم بعض الأفكار حول الإطار الذي ستتم فيه مناقشات هذه الندوة، وألخص هذه النقاط في الآتي.

أولا: شعوب العالم تواجه حاليا منذ 20 أو 30 سنة هجوما عاما للرأسمالية والاستعمار معا، وأنا أقول أن مقولة الرأسمالية بأشكالها المختلفة ومقولة الاستعمار من الجانب الآخر تكونان مقولتين لا يمكن الفصل بينهما، بمعني أن القول برأسمالية غير استعمارية هو حديث عن رأسمالية خيالية لم يكن لها وجود إطلاقا خلال الخمسة قرون الأخيرة من تاريخ الإنسانية.
ثانيا: في المجال الاقتصادي هو هجوم يتخذ شكل "حرية الأسواق" بمعني إلغاء ضبط الأسواق وإطلاق مطلق الحرية لرأس المال.

ثالثا: في المجال الاجتماعي يتحقق بالفعل تفكيك الخدمات العامة- والصحة بشكل خاص- والضمانات الاجتماعية بأشكالها المختلفة وقوانين العمل بشكل عام. رابعا: في المجال السياسي تسعي إلي إفراغ الديمقراطية من أي مضمون يؤدي إلي تغييرات اجتماعية ذات معني بالنسبة للجماهير الشعبية وبالتالي تكرس نظم القمع بشكل أو بآخر خاصة في منطقتنا العربية. خامسا: في المجال العسكري يسعى هذا النظام لفرض نوع من الهيمنة العسكرية علي صعيد الكوكب وقد شنت حروب وقائية ضد الدول التي يراها النظام الاستعماري خطرا عليه بشكل أو بآخر. النقطة الثانية: في مواجهة هذا الهجوم، قامت حركات شعبية لمقاومته بشكل أو بآخر، وهذه الحركات المقاومة ظهرت منذ 30 سنة وهي في تصاعد مستمر لدرجة أنها أفشلت جزئيا علي الأقل خطة الاستعمار والرأسمالية. التحدي بالنسبة للشعوب هو كيف تنجز النقلة الكيفية من حركات مقاومة إلي حركات قادرة علي أن تطرح البديل الإيجابي فتتحول من حركات مقاومة إلي حركات هجوم بمشروع بديل. هذه النقلة بدأت تحدث في أمريكا اللاتينية لأسباب لا أريد الخوض فيها الآن، حيث نشأ تجاوز للمواقف الدفاعية والانتقال إلي مواقف هجومية، حتى أنها أدت لتغييرات في نظم الحكم، وهو ما لم يحدث في المناطق الأخرى من الكوكب، وبالتالي فقد فتحت سبيلا لظهور بديل إيجابي للرأسمالية. وهنا نستطيع أن نتحدث عن موجة تالية من الاشتراكية ستغطي قرنا وأكثر ربما، لكن اشتراكية القرن الواحد والعشرين هي الموجة الثانية من الاشتراكية، غير أن هذه البداية في النقلة الكيفية التي حدثت في أمريكا اللاتينية للأسف الشديد لم تحدث حتى الآن لا في أوروبا ولا في الوطن العربي. التساؤل الأساسي بالنسبة لهذه الندوة هو: ما هي الأسباب التي أدت إلي نوع من تجميد الوضع سواء كان في المنطقة الأوروبية أو العربية؟ نحن ناقدون للمشروع الأوروبي كما هو، والمشروع الأوروبي كما هو إلي الآن أغرق الشعوب الأوروبية في الاستسلام للرأسمالية من جانب وللأطلنطية من الجانب الآخر، أي إضفاء أولوية أولي للتحالف للأطراف الثلاثة للاستعمار المشترك وهي الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. بالنسبة للوطن العربي فأنا أطرح نقدا لا يقل قسوة عن نقد أوروبا، فالشعوب العربية دخلت في مأزق الآن، بعد موجة التحرر الوطني وما أسميه النظم الوطنية الشعبية في مختلف البلاد العربية، فهذه النظم قد وصلت في نهاية الأمر إلي الانهيار، والبديل المطروح الذي يحتل مقدم المسرح علي الأقل هو الخيار بين مساندة هذه النظم أو الأمل في أن تستمر كما هي بكل العيوب التي نعرفها عنها أو مساندة أو قبول الحل الآخر وهو الإسلام السياسي علما بأنه- في رأيي- كلا الاحتمالين وجهان لنفس العملة. ما هي الأسباب التي أدت إلي وضع الشعوب العربية في هذا المأزق؟ لقد تحول اليسار العربي لذيل لهذه النظم الوطنية الشعبية بدون أن يكون له مشروع مستقل عن المشروع الوطني الشعبي، وبالتالي عندما انهارت هذه النظم وفقدت مصداقيتها وشرعيتها عاني اليسار العربي من هذا الانهيار فحدث فراغ في المجال السياسي. والإسلام السياسي يسعى لملء الفراغ بمساندة الاستعمار وخاصة الاستعمار الأمريكي. لقد نظرنا في الأوجه المختلفة للعلاقات الأوروبية العربية في المجال السياسي مثل حوار برشلونة وحوار الحضارات، وكنا ناقدين تماما لهذا المشروع ونظرنا أيضا للمشروعات المختلفة في المجال الاقتصادي ومشروعات المشاركة بين الاتحاد الأوروبي من جانب وكل دولة عربية علي حدة من الجانب الآخر، وقلنا إنها علاقات لا تخرج علي الإطلاق عن منطق التوسع الاستعماري التقليدي الرأسمالي علي صعيد عالمي ولو بأشكال مختلفة وبطرق مختلفة....الخ. لا يمكن تجاوز حدود الممارسات الاستعمارية دون تجاوز منطق التراكم الرأسمالي في حد ذاته سواء كان بشكل ليبرالي أو بأشكال أخري، وبالتالي أظن أن النقاش ينبغي أن ينخرط في تطلع ينظر إلي الأبعد وإلي ما يسميه بعضنا اشتراكية القرن الواحد والعشرين.



























(1) أوربا والبلدان العربية في عالم اليوم


د. حسام عيسي: هناك وهم كبير عاشت فيه كل مدارس الفكر السياسي في مصر بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، أن أوروبا يمكن أن تلعب في حدود معينة في المنطقة الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفيتي مع فارق كبير، وأقصد إحداث نوع من التوازن مع الولايات المتحدة، وهو توازن يتيح لدول المنطقة مساحة للتحرك المستقل في مواجهة الهيمنة الأمريكية، وجاءت مشروعات الشراكة الأوروبية كما تحددت معالمها الإيديولوجية في مؤتمر برشلونة لتعطي دفعة لهذه الأسطورة. برشلونة مثل الشرق أوسطية تنفي تماما تراث حركة التحرر الوطني علي كافة الأصعدة، بل ترفض العروبة أصلا ولا تنظر إلي هذه المنطقة علي أنها ذات طبيعة خاصة يجمعها تاريخ وثقافة وحضارة مشتركة، بل هي جزء من مجموع يدخل فيه بالضرورة مشروع الدولة الصهيونية. المشروع القائم هو مشروع تفكيك وليس مشروع إعادة بناء، التفكيك علي يد الولايات المتحدة بقوة السلاح وادعاء أن الولايات المتحدة تفعل ذلك بموافقة أوروبية، ويبدو للبعض أن الأمر كما لو كان توزيع للأدوار كما يسميه سمير أمين "عسكرة العولمة" علي يد الولايات المتحدة، فأعتقد أن أوروبا طرف فيه تماما بالتأييد علي الأقل. لننظر إلي ما حدث في العراق فبدت أوروبا كما لو أنها تقف في مواجهة الحل العسكري الأمريكي ولكنها سرعان ما انطوت تحت لواء الاستراتيجية العسكرية وأعطت الشرعية بأثر رجعي للتدخل الأمريكي. وكذلك فيما يتعلق بفلسطين في العام الماضي فالحرب الأخيرة قامت بموافقة من أوروبا في مؤتمر دول الثمانية الذي أعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لضرب لبنان بادعاء مقاومة حزب الله، أي مقاومة الاتجاه الإسلامي، أي بالضرورة مقاومة الإرهاب. ها هي أوروبا تحاصر حماس القادمة بانتخابات شهد الجميع بنزاهتها، كما تدعم مصر ودول الخليج باعتبارها دول معتدلة، وهكذا حل الاعتدال في مواجهة إسرائيل محل الدعوة إلي الديموقراطية، وكشف عن حقيقة الشراكة الأوروبية المتوسطية بمعني أنها أداة أخري لإدماج إسرائيل في المحيط العربي في إطار الحرب الدائمة ضد العروبة ومشاريع الاستقلال الوطني. فالقضية ليست بناء هذه المنطقة ولا منحها القدرة علي الخروج من الحالة الراهنة وإنما القضية هي الهدوء ومنع الهجرة بقدر الإمكان التي تهدد المحيط الأوروبي. قضية أخري بالغة الأهمية هنا وهي القضية التي تطرح مع الأوروبيين وبالذات مع اليسار الأوروبي ومن حسن الحظ أن الأستاذ سمير طرحها بوضوح وبشكل جيد ولكنها غير موجودة في جدول الأعمال، وهي قضية الإسلام السياسي. فظاهرة الإسلام السياسي صادفت نوعا من عدم المبالاة أو الاحتقار من جانب قوي اليسار، فكان يتم النظر إليها علي أنها نتاج للأزمة وليس حلاً لها، وبالتالي كان التعامل معها بقدر من عدم الاحترام. وبرأيي أن هذا الموقف لابد أن يتغير فالإسلام السياسي ليس نتاجا لأزمة عارضة وإنما هو في رأيي اتجاه أصيل في حياة العربي، فهو مدرسة أيديولوجية وسياسية أصيلة وموجودة. لا يمكن لليسار أن يجعل الإسلام السياسي هو العدو الأول لأن العدو الأول في وجهة نظري هي إسرائيل، والذي يقف في الخندق ضد إسرائيل اليوم يلعب دوراً هاماً ينبغي التعامل معه فيه دون أن يعني ذلك بالضرورة أننا نقبل مشروع الإسلام السياسي، فمشروعهم بالتأكيد لا يخرجنا من الأزمة.

السيد إريك رولو: إن تأثير أوروبا والعالم العربي علي الساحة الدولية بسيط للغاية وقد ينعدم هذا التأثير لأن هاتين الكتلتين إنما تواجهان الولايات المتحدة الأمريكية والتي تحاول بسط سيطرتها علي مناطق العالم وتحاول أن تجمد السلوك المهيمن لهاتين الكتلتين، والولايات المتحدة تمتلك نفوذا عسكريا قويا يمثل سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية والنفوذ المتعدد لها. إن الولايات المتحدة تستطيع أن تستند إلي الكثير من الدول بداخل الاتحاد الأوروبي، وهناك الأقلية ومن بينها فرنسا التي تحاول أن تعدل السلوك أو الموقف الأوروبي في بعض الأحيان ولكنها لا تستطيع في كل الأحيان أن تصل إلي غايتها، وعندما أتحدث عن الاتحاد الأوروبي فأنا أتحدث عن شئ واسع للغاية لأن هناك مواقف واختلافات بين بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة مثل مسألة فلسطين، ولكنها لا تترجم إلي فعل، وهذا ما أطلق عليه الهيمنة الأمريكية علي الاتحاد الأوروبي. توجد مفارقة أخرى وهي أن الرأي العام الأوروبي نشط للغاية، فقد اندلعت مظاهرات في أوروبا في مواجهة حرب العراق وكان يشارك فيها كل الفئات وكانت تتم علي نطاق أوسع، فردود الفعل الأوروبية كانت أقوي من ردود الفعل العربية، وهناك أسباب لذلك وهي الحرية التي تشهدها المجتمعات الأوروبية عن المجتمعات العربية. الرأي العام العربي مصاب بالشلل بسبب بعض الاضطرابات الكبرى، ولن أخوض في تفاصيل ولكن هناك نوعين من الاضطرابات. 1967هزيمة هي المشكلة الأولي، كما أن انهيار الاتحاد السوفيتي قد أثر بالسلب علي العالم العربي. وهناك بعض المواجهات التي تحدث بين السنة والشيعة وبين المسلمين والمسيحيين، وهناك أيضا توسع في الحركات المتطرفة وسوف يكون لذلك إذن عواقب وخيمة علي المستوي السياسي، وذلك لأن الإرهاب يحاول أن يستشري في العالم العربي علي حساب القوي السياسية وهذا خطر. وهنالك أيضا شئ آخر أخشاه وهو قصف إيران ، فالولايات المتحدة الأمريكية سوف تستطيع أن تدمر إيران، فهي تحاول أن تستند إلي الملف النووي لكي يكون لها ذريعة لقصف وإضعاف إيران وسوريا وحزب الله وإضعاف كل من يعادي إسرائيل في المنطقة. وأخيرا وليس آخرا، فالقضية الفلسطينية تزداد سوءا وذلك لأن الأمريكيين والإسرائيليين يحتقرون الفلسطينيين، فالفلسطينيون قد أصابهم الوهن والضعف فهم لا يحظون بدعم العرب ولا الاتحاد الأوروبي مما يؤدي إلي ضعفهم. إذن كل هذه الظواهر تدعوني إلي أن أقول إن الموقف خطر ومثير للقلق. متحدثة: أعتقد أنه من المهم أن نتفهم بشكل أكبر وضع أوروبا من جانب وكذلك وضع الاتحاد الأوروبي، وهناك سياسات في الاتحاد الأوروبي تختلف عن السياسات في الولايات المتحدة، وهناك نوع من الاتحاد بين أوروبا والولايات المتحدة في حلف شمال الأطلنطي. كما أن أوروبا تواجه مشاكل فيما يتعلق بإمكانية ظهور يسار جديد، فمثلا إذا تحدثنا عن مخاطر الحرب المحتملة ضد إيران فإن الوضع قد تغير وخاصة في ألمانيا إلي حد ما أثناء حكومة "شرويدر". علي المستوي الرسمي اتفقت ألمانيا وفرنسا على عدم المشاركة في الحرب علي العراق، وألمانيا وفرنسا وإنجلتراتاتفقا علي عدم تأييد السياسة الأمريكية في حشد الحرب ضد إيران، هذا كان الوضع علي المستوي الدبلوماسي والسياسي، ولكن الوضع الآن مختلف عما كان منذ أربع سنوات. يجب أن نتذكر نقطة أخري وهي أن هناك علاقة خاصة حتى علي المستوي الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا وبين ألمانيا وأمريكا. مثلا حوالي 3250 شركة ومؤسسة ألمانية لها أفرع في أمريكا وتبلغ قيمة إنتاجها أكثر من أربعين بليون دولار، وهناك 1250 مؤسسة أمريكية لها أفرع في ألمانيا ويبلغ دخلها حوالي 2 بليون دولار في الشهر، وهذا يعني أن الشركات الألمانية تهتم بالتعامل مع الولايات المتحدة وأن هذا الاهتمام كبير جدا، وإذا ما نظرنا في مجال الصادرات والواردات فإننا سنجد أن ثلث التجارة العالمية تتم بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهذا يعني أن هناك علاقات اقتصادية كبيرة في إطار حلف شمال الأطلنطي وأن رئيسة الوزراء في ألمانيا تؤكد علي أهمية إنشاء حلف جديد أو منطقة تجارة حرة في شمال الأطلنطي. السيد رولو تحدث عن نهاية الحرب الباردة، فأثناء الحرب الباردة كانت البلدان العربية لديها إمكانية التواصل مع الاتحاد السوفيتي، والآن نتساءل ما هو مستقبل المنطقة العربية، وهل من الممكن أن تكون منطقة سلام واستقرار وأن تلتفت إلي تنميتها؟ هل ستلعب المنطقة العربية دورا فيما نسميه بالنظام العالمي الجديد؟ من وجهة نظر اليسار علينا أن نفكر في أن أوروبا يجب أن تكون مستقلة وأن تكون مجالا وسلطة وقوة لدعم السلام.

د. ماهر الشريف: أبدأ بأربع ملاحظات فيما يتعلق بعالم اليوم: الملاحظة الأولي: اليوم في ظل العولمة أصبح من الممكن الحلم بعالم مختلف تحل فيها كل المشكلات الإنسانية نتيجة التطور العلمي والحضاري الذي حققه الإنسان في العقود الأخيرة، لكنها تلبست لبوس النيوليبرالية بما عمق الهوة بين الجنوب والشمال في مستوي التطور وانتشار مساحات الفقر والكارثة البيئية المحيطة..إلخ. الملاحظة الثانية عالم اليوم هو عالم الهيمنة الأحادية الأمريكية التي انطلقت في بداية التسعينيات والتي اتخذت بعد 11 أيلول مظهرا جديدا بحيث لم تعد الإدارة الأمريكية تسعي إلي فرض سياسات ردود الأفعال علي القوي الأخرى وإنما طرحت مفهوم إعادة هيكلة العالم بدءا من إعادة هيكلة الشرق الأوسط. الملاحظة الثالثة تصاعد قوي جديدة تحاول وضع حد لهذه الهيمنة ولكن لا يبدو أن هذه الإمكانية يمكن أن تكون واقعية في المستقبل القريب ولكن دون أن يشكل تهديدا لاستمرار الهيمنة الأحادية علي العالم لأن القوي الصاعدة اليوم كالصين الشعبية ليس لديها مشروع عالمي في المستقبل القريب، أو أنها تريد أو تسعي لاستعادة مناطق نفوذها في المنطقة الجيوستراتيجية التقليدية لها مثل روسيا. الملاحظة الرابعة، أتحدث عن حركة مناهضة العولمة أو العولمة البديلة وأعتقد أن هذه الحركة فد فقدت زخمها لسبب بسيط وهو أنها عجزت عن أن تطرح برنامجا بديلا للنيوليبرالية السائدة أو أن تطرح برنامجا بديلا للرأسمالية، وثقلها الاجتماعي لا يزال يتركز في بلدان الشمال وهناك قارات بكاملها معزولة عنها. هذه باختصار أربعة ملاحظات يمكن أن نلمسها فيما يتعلق بعالم اليوم. من الواضح أن الاتحاد الأوروبي علي الرغم من إمكانياته الكبيرة إلا أنه يعاني اليوم من مشكلات عديدة، وربما أولها مشكلة الواقع السكاني، في إطار تدني معدلات الخصوبة وارتفاع مستوي الحياة، فأمام الاتحاد الأوروبي اليوم خياران، إما فتح باب الهجرة وهذه قضية تطرح تحديات كبيرة علي المستوي الديموغرافي والثقافي، وإما التحول إلي مجتمعات من الطاعنين في السن خلال العقود القادمة وهذه قضية كبيرة. قضية أخري وهي كيف يمكن لهذا الاتحاد الحفاظ علي هويته التاريخية أو علي ما يسميه البعض بتراثه المسيحي اليهودي، وهنا أيضا قضية ترتبط بمسألة الهجرة وتدفع إلي تنامي النزعات اليمينية والفاشية والانغلاقية داخل المجتمعات الأوروبية ، وهناك قضية عمق العلاقات بين ضفتي الأطلسي، لا يجب أن نتوهم أبدا أن أوروبا يمكن في مستقبل منظور أن تلعب دورا مستقلا عن الولايات المتحدة. إن هناك أزمة عامة يواجهها العالم العربي وألخصها بالظواهر التالية: أولا الفراغ الأمني والعجز عن الحفاظ علي الأمن القومي العربي والذي لم يعد يقتصر علي المفهوم العسكري. ثانيا، العجز عن بناء دول حديثة وتزايد مخاطر تفكك النسيج الاجتماعي وتفكك اللحمة الوطنية في ظل تعاظم الولاءات الجزئية علي حساب الولاء الوطني. ثالثا، تعسر مشاريع التنمية في ظل معدل نمو سكاني كبير ونسبة أمية تتراوح ما بين 16% إلي 56% ومعدل بطالة يصل لحوالي 15 مليون عاطل عن العمل وفجوة رقمية وموقع هامشي تماما في صناعة المعلومات، أيضا أزمة هوية علي المستوي الثقافي بين من يريد أن يشد هذا العالم للماضي بدعوة الحفاظ علي الأصالة ومن يريد أن يذهب به بعيدا ليتخلى عن كل انتماء وطني أو قومي. كل هذا في ظل استمرار تأثير الصراع العربي الإسرائيلي الذي ما زال يعطي المجال لاستنفاد طاقات هذا العالم العربي وإعطاء المبررات للأنظمة الاستبدادية كي تستمر في رفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

د. فوزي منصور: إن المناقشة يمكن أن تغتني بعض الشيء إذا خرجنا عن إطار العلاقات العربية الأوروبية إلي الإطار العام المتصل بالنظام العالمي المعاصر بحيث تشمل كل العالم. بالنسبة للمنطقة العربية هناك وضع جديد يتخلق الآن، وكلنا نعرف كلمة الضربات الاستباقية، استباقية في مواجهة ماذا؟ في مواجهة القوي البازغة، الشرق الأقصى الذي يتمثل في الصين بصرف النظر عن طبيعة النظام الاجتماعي السائد فيها، والهند ومن الممكن أيضا أن يضاف إلي ذلك روسيا، وهؤلاء سيكونون قوى تواجه قوي الإمبريالية الغربية والتي تقودها أمريكا وهي أقوي قوة اقتصادية وعسكرية في العالم. وبالتحالف مع أوروبا تواجهان هذا الخطر الجسيم، وتواجهانه من الآن. إن حرب العراق ليست بعيدة عن هذه النظرة الممتدة إلي خمسين عاما، فهي مقصودة بسبب البترول ولضمان استمرار التحالف أو سيطرة أمريكا علي السياسة الأوروبية وفي ظني أن اليسار الأوروبي لابد أن يكون منتبها لهذه الاحتمالات، ولكن المستهدف في الأساس هو مواجهة الصين والهند وأسيا وأتصور أن هذا الإطار يجب أن نتكلم فيه في مناقشتنا لطبيعة العلاقات العربية .

السيد إرهار كرومه: أود أن أقدم لكم بعض الملاحظات حول دور الاتحاد الأوروبي لاسيما فيما يتعلق بالعلاقات مع العالم العربي. ولابد أن ندرك أن الاتحاد الأوروبي في طريقه لكي يصبح قوة استعمارية أخري، هناك سؤال يثار وهو أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يلعب دورا مختلفا لاسيما في الصراعات مثل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، كانت هناك احتمالات كثيرة بتدخل الاتحاد الأوروبي ليلعب دورا مختلفا ولكنه لم يقم بذلك. يجب أن نتخيل أن الاتحاد الأوروبي يلعب دورا إمبرياليا أكثر ضد العالم العربي وأنه لا يوجد احتمال أن يقوم الاتحاد الأوروبي باتخاذ موقف مخالف لما تتخذه الولايات المتحدة.

ممدوح حبشي: أنا أعتبر أن حركة مناهضة العولمة بدأت تخسر من زخمها ، ولكن السبب ليس أنها لم تستطع تقديم البديل، السبب هو أن درجة تنظيمها أقل من درجة تنظيم أعدائها وأنها لم ترتبط بالتنظيمات السياسية التي لديها القدرة على تحويل مطالبها إلي سياسات في المجتمع، فاستمرت كحركة مقاومة ولم تستطع أن تنتقل لمرحلة الهجوم، هذا فيما يخص حركة العولمة. النقطة الثانية خاصة بموضوع الهيمنة الأمريكية ، وقد شعرت من كلام "إرهار كرومه" أن هناك تداخل قوي بين الاقتصاد الأوروبي والأمريكي وأن تصور وجود سياسة أوروبية مستقله تجاه أمريكا مسألة صعبة التصور وهذا نتيجة التداخل الاقتصادي، وهذا مدخل غير سليم لأن العرض بهذه الطريقة يعني أننا لابد أن ننتظر حتى تكون أوروبا اشتراكية حتى تكون هناك سياسة مستقلة، وهذا مستحيل بالطبع. الهيمنة الأمريكية ليست في مصلحة الاقتصاد الأوروبي الرأسمالي.

د. عبد الخالق عبد الله: أتمني من الزملاء الأوروبيين أن يعينونا نحن في الوطن العربي أن نفهم أوروبا أكثر، هل نتعامل مع مشروع بديل لأمريكا أم مشروع مكمل لأمريكا؟ وعندما نتحدث مع أوروبا فهل نتحدث مع أصدقاء استراتيجيين أم مع أعداء استراتيجيين؟ هل ما تريده أوروبا هو نفسه ما تريده أمريكا من العرب؟ وإلي أي درجة يكون القرار الأوروبي السياسي قرارا مستقلا؟ ونحن في حيرة من هذا الأمر. عندما نثير قضية مثل غزو العراق كان في أوروبا بعض المواقف، لكن الآن في سياق التصدي للمشروع الإيراني في الشرق الأوسط فهناك موقف غربي أوروبي موحد، فالمشروع الإيراني يطرح نفسه كبديل للمشروع الغربي والمشروع الأمريكين ويبدو الآن أن الغرب موحد بقرار من الولايات المتحدة ضد المشروع الإيراني، والموقف الأوروبي قد حيرنا كثيرا وأعتقد أن هذه فرصة كي نتعرف بعمق علي هذا المشروع. النقطة الثانية هي شكل العالم القادم خلال القرن الواحد والعشرين، لو افترضنا أن أوروبا وأمريكا سيشكلان منطقة التجارة الحرة الواحدة، وهو ربما المشروع الأطلسي، فإن أمريكا في نفس الوقت وكمشروع مستقبلي تتحدث عن المشروع الهادي وتضع استثمارات ضخمة فيه. الصين وآسيا وكأنما تعملان علي مشروع محيط هادي منافس لمشروع المحيط الأطلسي اقتصاديا واستراتيجيا للقرن الواحد والعشرين. والمفقود من هذا كله هو وسط العالم، فبينما أمريكا في قلب المشروعين، فإن وسط العالم الذي يتشكل من جزء كبير من آسيا وغرب آسيا وأفريقيا والوطن العربي أين هو في هذا المشروع، أين أمريكا وأين أوروبا؟ وأيضا لدينا تساؤلات حول هذا المسار المستقبلي القادم، وأعتقد أن هذه فرصة لنقاش هذه الموضوعات.

الأستاذ مصطفي مجدي الجمال: نحن لا نتحدث هنا عن العلاقات العربية الأوروبية بشكل مطلق، ولكننا نتحدث أصلا عن علاقات اليسار العربي والأوروبي من زاوية رؤيتهما للعلاقات الرسمية العربية الأوروبية، كما نتحدث عن علاقاتنا كيساريين لنا مفاهيمنا الخاصة. النقطة الأولي هنا أنه لا يمكن التحدث عن العلاقات العربية الأوروبية بدون أن نناقش بعض القضايا التاريخية، فلا يمكن أن نتناسى أنه كان هناك استعمار أوروبي في الأراضي العربية فهذه حقيقة ما زالت تلقي بثقلها في الوعي العربي بما فيه الوعي اليساري، النقطةالثانية أن أوروبا قد وقفت تاريخيا ضد مشروعات التحديث في الوطن العربي، وقفت ضد محمد علي وجمال عبد الناصر وضد مشروعات التحديث المتعددة من زاوية أنها تشكل خطرا علي المصالح الإمبريالية الأوروبية. النقطة الثالثة هي النقطة الخاصة بإسرائيل فالكثير من الأوروبيين وفي اليسار الأوروبي أيضا لا ينظرون إلي قضية إسرائيل إلا من زاوية أنها صراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الموضوع أكبر من ذلك لأن إسرائيل مشروع استعماري في هذه المنطقة. إن اليسار الأوروبي مطالَب بأن يحدد موقفا من هذه القضايا التاريخية لأنها تؤثر في وعينا تجاه هذه العلاقات، بمعنى أني لا أفهم لماذا لم يقدم اليسار الأوروبي حتى الآن اعتذارا تاريخيا عن ممارسات الاستعمار الأوروبي في الوطن العربي، أو أن يدعو إلى تقديم مثل هذا الاعتذار. النقطة الأخرى التي أريد أن أذكرها أن العولمة اليوم في جانب منها هي عولمة ثقافية، ولأن هذه العولمة الثقافية تحاول تنميط الثقافة الأنجلو- سكسونية علي العالم ككل فإنها تثير المقاومات الثقافية أيضا لها، بمعني أنه لا يجوز فهم حركات الإسلام السياسي علي أنها مجرد حركات تحاول الارتداد للخلف وإنما هي تعبير- قد يكون مشوها- عما يمكن تسميته بالوطنية الثقافية نتيجة لفشل المشاريع اليسارية والمشاريع القومية، فالجماهير لم تجد تعبيرا عن رغباتها المكبوتة في مقاومة الاستعمار والإمبريالية والعولمة إلا من خلال هذه القنوات. وهذا ليس معناه أننا نبارك مشروع الإسلام السياسي ولكن معناه أننا يجب أن نتناول هذه الظاهرة من زاوية مقاومة الاستعمار أيضا.

سلامة كيلة: إن مسألة العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا تحظى بقدر من الاهتمام في النقاش الآن، السيد كرومه تحدث عن تشابك الرأسمال وانطلاقا من ذلك اعتبر أن الولايات المتحدة وأوروبا واليابان تتحكم في العالم كما أن الحروب الأمريكية الاستباقية هي شكل من أشكال استباق نهوض دول مثل الصين والهند. أعتقد أن هناك قدرا من التنافس في إطار هذا النمط نفسه. وبالتالي كانت سياسة أمريكا بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والقائمة علي الاحتلال والسيطرة والحسم هي شكل من أشكال التنافس مع الرأسماليات الأخرى، وبالتالي إعادة ترتيب العلاقة فيما بينها لإبقاء الرأسمال الأمريكي هو الرأسمال المهيمن، والاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد المهيمن لعقود طويلة قادمة. أعتقد أن استباق الصراع الذي يمكن أن يحدث في العقود القادمة مع محور جديد تمثله الصين والهند وروسيا وربما بعض دول أمريكا اللاتينية يفرض علي الولايات المتحدة أن تسعي لتحقيق النمط الرأسمالي في إطار سيطرتها وهيمنتها. هناك موقف من الإسلام السياسي كمشروع سياسي اقتصادي اجتماعي، واليسار لن يأخذ موقفا معاديا للمشاعر الدينية. الإسلام السياسي يمكن أن ينقسم إلي قسمين، الأول هو الحركة الأصولية التقليدية وهم الإخوان المسلمين التي كانت تتوافق مع المشروع الرأسمالي منذ نشأ والتي لعبت دورا معاديا لكل محاولات التقدم العربي وهي الجماعة التي تحاول الآن أن تبرز وكأنها مناهضة للمشروع الأمريكي. القسم الثاني هو ما سمي بالجهاديين والذين يعبر عنهم في تنظيم القاعدة ويلعبون دورا تخريبيا الآن لأنهم يؤججون الصراع الطائفي ويفتحون آفاق صراع محلي عميق ولا يقاتلون الولايات المتحدة كما يحدث في العراق، يجب أن نري ما هو الدور الواقعي لهذه القوة. حتى حماس التي لعبت دورا مقاوما في مرحلة فقبل ذلك كانت تتوافق مع إسرائيل في مواجهة اليسار، ولكن الآن تقوم بالتكييف مع الوضع القائم، ستصل في لحظة ما للتفاهم مع إسرائيل لأن مشروعها الأول هو مشروع الأسلمة وليس مشروع تحرير الوطن، علينا أن ننظر بدقة لهذه القوي فمن الممكن أن نتوافق معها في بعض الزوايا ولكن يجب أن نري كلية الصورة من أجل أن نحدد موقفا واضحا ودقيقا.

د. سميرأمين: فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية للجزء المسيطر من رأس المال الكبير المعولم والشركات متعددة الجنسيات، هناك تداخل بالفعل بين رؤوس الأموال الأوروبية ورؤوس الأموال من شمال أمريكا، هناك أيضا كما هو الحال في الرأسمالية صراع مصالح، أحيانا تكون صراعات ضعيفة وضئيلة وفي أحيان أخرى تكون أقوى. وانطلاقا من هذا فإن وعيهم بضرورة قيام تضامن من أجل إدارة عامة للكرة الأرضية هو أمر أهم من المصالح علي المستوي الاقتصادي. هذا لا يعني أن هناك تعارضا ولكنني سأذكر هذا في مجال آخر، في المجال الذي أقول عنه الثقافة السياسية، فالثقافة السياسية في جزء كبير من أوروبا قد تبلورت خلال نصف قرن أو قرن من التاريخ وقد أدت إلي فجوة تتجدد بين اليمين واليسار. إن تاريخ أوروبا وعصر التنوير والثورة الفرنسية ونشأة الحركة العمالية الاشتراكية والثورة الروسية، وكان هناك اليمين واليسار، وأي من هذه الأحداث لم تترك أثرا قويا علي الولايات المتحدة، وهناك تعارض لابد أن نقوم بدراسته بعمق.

الأستاذ سعد الله مزرعاني: إن العلاقات العربية الأوروبية أو العربية الأمريكية أو العربية مع أي جهة أخري لا تستقيم ما لم تستقم العلاقات العربية- العربية. ولاحظت أن هنالك نوعا من النقص، فنحن بحاجة إلي بذل جهد رغم المحاولات الجادة في سبيل أن نقدم تصورا ما حول ما هو الإطار العربي الفاعل والفعال في سبيل إقامة أو تأمين نصيبنا من شروط التكافؤ. هذا إذن مقترح إذا سمحتم بأن ينعقد جهد أو محاولة في سبيل تلمس موقف لليسار العربي في مسألة تحديد واجباتنا فيما يتعلق بتأهيل أنفسنا لنكون شركاء فاعلين في أي علاقة. لا نستطيع أن نكتفي بالقول بأن صيغتنا ممتازة بوصفها يسارية، فهناك يساريون التحقوا من هذا الموقع المزعوم بالخطة الأمريكية وفي أبشع مظاهر تجليها، ولكن أنهي بتجديد اقتراحي في نقاش وحوار حول المتطلبات والواجبات المطروحة أمام اليسار العربي في هذه المرحلة لكي نقدم صيغة نعمل بها معا لمواجهة ما هو قائم من أوضاع.

الأستاذ عبد القادر ياسين: إن الإسلام السياسي ليس واحدا. وهذا صحيح فلا يجب أن نضع كل فرق الإسلام السياسي في سلة واحدة فالقاعدة ليست حماس، وحماس ليست حزب الله. ثانيا، عندما نتخذ موقفا سياسيا يجب أن ننسلخ عن موقفنا الأيديولوجي وألا نضعهم كلهم في سلة واحدة وندير ظهرنا لهم أونمتدح في القاعدة. نحن نرفض ونكشف أساليبها أولا بأول، في حماس ننسق معها علي نقاط التقاطعن وهذا يؤجل تكيفها السلبي مع الوضع العربي المتردي، مع حزب الله أعتقد أننا حيال حالة تستوجب النظر في التحالف فيما هو سياسي والصراع علي ما هو اقتصادي واجتماعي. فيما يخص الموقف الأوروبي فقد لاحظت أن أخي ممدوح قال إن من مصلحة الرأسماليات الأوروبية الغربية أن تنسلخ عن الرأسمالية أمريكية ولكن هذا لم يحدث، كما أننا لم نقف مع مصالحنا، أنا اعتقد أن هناك حركات شعبية تمكنت من أن تدفع النظام في إيطاليا وأسبانيا وبريطانيا وأمريكا ثمن موقفها من غزو العراقن وقد شاهدنا كل رؤوس المحافظين الجدد تطايرت، وفي إيطاليا تم الإطاحة بالحكومة وأتوا بحكومة يسارية، وفي أسبانيا أيضا أطاحوا بالحكومة، فالموقف العربي هو الموقف الغائب. فأنت كعربي مجرد متلقٍ وللأسف فإإن أنظمتنا تمشي تحت الراية الأمريكية مما يضعف أسباب المقاومة أو أسباب المعارضة لمواقف الحكومات الغربية، فلو أن أنظمتنا العربية عززت مواقف هذه المعارضات بالمساومة علي المصالح الغربية في بلادنا طالما هي عاجزة عن منع الغرب من عدوانه لعززنا مواقف المعارضة الأوروبية، أما أن نوالي أمريكا وننصرها علي أوروبا ثم نطالب أوروبا باتخاذ مواقف مستقلة فهذا فيه ظلم وتبرئة للذات.

د. بيتر جوان: أود أن أقدم بعض النقاط البسيطة. أولا أعتقد أن الخداع في السياسة العالمية قد بدأ في عام 1991 بتوسيع لحلف شمال الأطلنطي بشكل كبير. إن الولايات المتحدة في أزمة استراتيجية عميقة في العراق وعلينا أن نتفهم هذه الأزمة، وأعتقد أن بريطانيا لن تشارك علي مدي عشرين عام مقبلة في مثل هذه التصرفات الأمريكية، إن الوضع في بريطانيا متأزم للغاية . إن البلاد العربية الآن قد هربت من التحول الدولي في اقتصادها وذلك لصالح الإمبريالية في الثمانينات والتسعينات، وهذا البرنامج لإعادة هيكلة الاقتصاد العربي لازال أمامه الكثير والكثير ويجب أن يبدأ بشكل فعال. إن الاتحاد الأوروبي يلعب دورا أساسيا في هذا المجال وإن الدفعة الأساسية هي اتفاقيات الشراكة مع العالم العربي، ولكن لدينا خبرة لمدة عشرين عاما نتيجة لهذه التغييرات في أجزاء أخري من العالم ويمكن أن نبين بشكل أساسي أن النتائج جاءت ضد التنمية وأن البلاد متوسطة الدخل تحتاج إلي مزيد من التصنيع. إننني أري أن الاتحاد الأوروبي سيصبح في المستقبل القريب أكثر تماسكا وليس في المجال الاستراتيجي ولكن في المجال الاقتصادي وأن الانقسامات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي ستستمر، ولو وجدت هناك قيادة ألمانية فرنسية للبلاد الأوروبية فإن ذلك يمكن أن يكون أمرا مثيرا للاهتمام. فالأوروبيون يريدون أن يتخلصوا من سيطرة الولايات المتحدة، ولكن أمريكا بقدر الإمكان تحاول أن تمنع الاتحاد الأوروبي من أن يتحد ككتلة وهذا ما تم في البلقان.

الأستاذ نبيل مرزوق: المشكلة ليست صراعات ضمن الرأسمالية وإنما هناك تنازع ومنافسة وصراع داخلي ضمن النموذج نفسه الذي يقوده قائد واحد ومحدد، وعلي هذا الأساس يمكن النظر إلي العلاقة مع الصين ومع الهند بمحاولة استيعاب الهند وإدماج الصين في العملية الجارية وهي عملية العولمة الحالية. إذن تسير أوروبا باتجاه الاندماج مع الولايات المتحدة عبر الأطلسي وعبر الموقف الثقافي والفكري وإعادة النزعة المركزية والفكرية من خلال أن أوروبا حسب سياسة الجوار هي التي تحمل تلك القيم الثقافية والديموقراطية وغيرها وتنفي هذه الصفة عن دول الجوار. أما بالنسبة لمسألة اليسار العربي والعالمي فهناك انحسار فعلا ولم تشكل مناهضة العولمة قوي صاعدة رغم الزخم الكبير الذي بدأت به والسبب في ذلك بأن الحركة الاشتراكية في السابق والحركة الشيوعية تحديدا كان لها مركز وكان لها استراتيجية واضحة موحدة. وكان هناك إجماع وموقف محدد ولكن الآن لا يوجد وضوح لدي اليسار حول المستقبل والمشكلة في عدم وجود جهة قائدة وعدم وجود مركز وعدم وجود وضوح رؤية، وأتفق مع الرفيق مزرعاني أن إعادة تأهيل اليسار العربي هي ضرورة ملحة وضرورة أساسية وخاصة في المرحلة الحالية.

السيد توبياس فلوجر أنا متفق مع السيد سمير أمين بطريقة عامة ولكن هناك بعض النقاط التي أختلف بشأنها، فهنالك من قال إن أمريكا هي أوروبا وأوروبا هي أمريكا، وأنا أرفض تماما هذه الأطروحة ولكن ما أثار دهشتي اليوم أننا تحدثنا كثيرا عن أوروبا ولم نتحدث بنفس القدر عن العالم العربي في حين إذا كانت أوروبا تتعرض لبعض الأشياء فالعالم العربي خاضع بطريقة كاملة. فهنالك بداخل أوروبا انشقاقات ووجهات نظر مختلفة ولكن الأمر الذي يتعلق بالعالم العربي هو الخضوع وذلك الخضوع له العديد من الآثار علي أوروبا، ، إذن كيف يمكننا أن نقاتل من أجل العرب والفلسطينيين إذا كان العرب لا يقومون بذلك، فالعالم العربي لديه تأثير كبير علي السياسة الأوروبية وكان بإمكاننا أن يكون لنا سياسة أخري إذا كان العالم العربي له موقف أكثر صلابة. أتفق معك تماما سيد سمير في حديثك عن رأس المال والشركات المتعددة الجنسيات حيث هناك تداخل بين رؤوس الأموال الأوروبية والأمريكية. ولكن لا يمكن نغفل أن البرجوازية القومية موجودة فكل الأحزاب الفرنسية كانت ضد غزو العراق باستثناء بعض الأحزاب القليلة. إذن هناك بعض التناقضات بين البرجوازية الوطنية والبرجوازية الأمريكية وأنتم محقون إذ أننا لا يمكن أن نساوي بين فرنسا وبلغاريا وبين بولندا وبعض الدول الأخرى، ولكن يمكنني أن أقول شيئا وهو أن رأس المال الفرنسي يختلف عن رأس المال الألماني علي سبيل المثال، وهو يتعارض مع المصالح الأمريكية علي المستوي الاقتصادي. إنهم يريدون طردنا من إيران ويجب ألا نغفل هذا الأمر. الصراع المستمر بين العرب وإسرائيل منذ ثلاثين عاما يجب أن يتوقف، وأنتم تتذكرون أنه كان هنالك العديد من الآراء التي كانت مواتية لقيام دولة فلسطينية ولكن حتى اليوم الوضع مستمر ولم يتغير وأنتم هنا ترددون أن المصالح الأمريكية متوافقة مع المصالح الأوروبية، لا هنالك تعارض فيما بيننا علي جميع المستويات وعلي مستوي الأيديولوجية المتمثلة في الغزو وهي أيديولوجية ليست للحماية، إذا علينا ألا نغفل التناقضات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الموجودة بين أوروبا وأمريكا. هناك عاملان من شأنهما أن يغيرا الوضع، أولا انهيار الإمبراطورية الأمريكية وقلتم إن هذا سوف يمثل هزيمة أكبر من هزيمة فيتنام ويمكن أن نأمل أن الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط سوف تنهار وعلي المستوي الاقتصادي فإن الدولار يستمر في الانهيار، وإن الدولار واليورو هما في تنافس وعلينا إذا ألا نغفل هذا التنافس بين اليورو والدولار. وعلي المستوي الاقتصادي فأعتقد أن ما يحدث بداخل أمريكا خطير، فإذا تغير الوضع بداخل أمريكا وإذا تغير الوضع بشكل عام في العالم العربي يمكننا إذن أن نأمل أن تكون هناك سياسة أوروبية مختلفة.

















(2) "العالم العربي والعولمة"


د. إنجريد المصري: إن موضوع العالم العربي والعولمة معقد، بداية دعوني أقول بعض النقاط عن الاستقلالية والحكم الذاتي، فمن وجهة نظري لو كانت هناك بعض العوامل الاقتصادية والثقافية والجيو- استراتيجية وغيرها من العوامل التي أدت إلي الاستقلال في الوطن العربي ولم يتطور الأمر إلا من خلال عدة عوامل مجتمعة، فقد كان هناك الاستعمار، وأخيرا وليس آخر فقد كانت هناك بعض القوي الجديدة في السوق والقوي الاستعمارية لا سيما بريطانيا وفرنسا قد وضعت هذه القواعد الخاصة بالاستعمار وقد كان هذا لخدمة مصالح الغرب، وأدي هذا إلي احتلال بعض المناطق في هذه المنطقة لاتصالها بتحقيق هذه المصالح. تاريخيا فقد نجح العالم العربي في العمل علي تحرير نفسه، ونحن نتذكر أثناء عملية التحرير كانت هناك حركات قومية مثل التي قادها جمال عبد الناصر وأزمة السويس وأيضا منظمة الدول المصدرة للبترول ولاسيما أنها لعبت دورا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفي النهاية فإن الدول العربية استطاعت استرداد سيطرتها علي مواردها الطبيعية وفي استرداد حريتها ولكنها لم تنجح في بناء اقتصاديات قوية ومتنوعة تستطيع المنافسة في أسواق العالم، وبدلا من أن تري نفسها في صورة دول قوية كان كل همها أن تكون مستقلة وفي الوقت نفسه فقد استطاعت القيادات أن تحقق أحلام السكان في وجود خدمة اجتماعية وصحية وما إلي ذلك، وذلك بدون مشاركة السكان في الحكم السياسي وهذا شئ مهم من وجهة نظري، الحكم السياسي والاجتماعي أيضا كما نقول باللغة الإنجليزية هذا هو ما يؤدي بنا إلي ديمقراطية الخبز، وهناك تعبيرات مشابهة في العديد من اللغات وهذا يعني أن الشعب يكون جزءا من هذا النظام المعقد. مسألة التحول إلي الديموقراطية في المنطقة، برامج الهيكلة وإعادة الهيكلة كانت تحاول أن توجد دورا اقتصاديا للدولة، ولا سيما فيما يتعلق بتقديم الخدمات الاجتماعية ووجود بعض الجهات التي تقدمها. وأخيرا وليس آخرا عن طريق خصخصة الشركة التي كانت تملكها الدولة تم فتح الباب أمام قوي السوق لكي تقدم بعض الخدمات الاجتماعية وقد أدى هذا إلي النمو البطئ وقلة فرص التصدير أمام العالم العربي. ومن وجهة نظري ربما يوجد عدد قليل ممن يستطيعو الاستفادة من هذا التقدم الذي يحدث ولكن معظم الناس يتم تهميشهم في هذه الحالة، وهناك من يحاربون كل يوم حتى يستطيعوا أن يعيشوا ويستمروا ولكن عددا قليلا منهم يحاول الحصول علي حريته السياسية. من وجهة نظري هذا لا يعطينا الكثير من الأمل فيما يتعلق بتحقيق الرخاء في العالم العربي إذا ما نظرنا إلي هذه النظم الموجودة وأيضا ارتفاع هذا المد للتيار الإسلامي. إذا كنا نتحدث عن الحريات فقد تم تقييدها وكانت هناك عدة سيناريوهات مطروحة للوضع في العالم العربي وأعتقد أن هذه السيناريوهات الثلاثة تحاول الإبقاء علي الوضع كما هو عليه وتحاول أيضا أن توجد نوعا من الإصلاح الخارجي. الإبقاء علي الوضع كما هو وهذا الحكم الأوتوقراطي يزيد من حالات غياب العدالة الاجتماعية مما يترتب عليه وجود معارضة ومقاومة ويضيع العديد من الفرص المدنية لمقاومة الوضع و يقوي من الراديكالية الإسلامية. يعد المسرح للسيناريو الثاني في الشرق الأوسط وكما فعل بوش نفسه، فقد وجد أنه قد يكون هناك أفضل من القمع عندما تفرض بعض السياسات لاسيما السيطرة علي البترول وموارده، ولا تعنيها الديموقراطية أو الحريات في شئ ولكن إعادة تشكيل هذه المجتمعات العربية من قبل الحكومات الغربية يجعل الأمر كأنه تصدير للديموقرطية. ماذا يفعل اليسار لمقاومة هذا الوضع فيما يتعلق بفرض الغرب لنظرية الديموقراطية في العالم العربي؟ أو ما الذي نريد من اليسار أن يقوم به؟ إن اليسار- وسوف أتحدث عن اليسار الألماني- كان له موقف نقدي من الحرب في العراق وهو يتحدث عن حقوق الإنسان، وكان هناك موقف أيضا ضد تهميش دور حماس، ما الذي يمكن أن نقوم به ، يجب أن تكون هناك مناقشة مع الاسلاميين وأن نستمع إليهم كشركاء، وهل اليسار يقوم بهذا بالفعل ، وما الذي سوف يحدث للديمقراطية إذا ما صعد التيار الاسلامي إلي الحكم وكيف يمكن لليسار أن يعمل في ظل هذه المعايير المزدوجة.

د. محمود عبد الفضيل :

سأركز حول بعض خصائص مسيرة العولمة وعلاقتها بالمنطقة العربية. أولا المنطقة العربية تعتبر وفريسة سهلة للعولمة لأنها بكل المعايير والمؤشرات الاقتصادية الجادة منطقة رخوة اقتصاديا مقارنة بآسيا وأمريكا اللاتينية، وذلك لأسباب عديدة، منها ضعف الرأسمالية المحلية، والطبيعة الريعية للنشاط الاقتصادي في المنطقة العربية نتيجة وجود النفط حيث أن النشاط فيها معظمه مضاربات ولا يوجد أي جهد للتراكم الإنتاجي، وأي رصد حقيقي يؤكد هذا، وأهم آلية هي العولمة المالية، فالمنطقة العربية تشهد عولمة مالية ليس لها مثيل خلال العشر سنوات الأخيرة لأن هناك سيطرة تدريجية علي القطاع المصرفي وقطاع الخدمات المالية  وعلي القطاع الإنتاجي ونمط التراكم وتوجهاته وإلحاقه بمسيرة العولمة وهذا هو أخطر ما يواجه هذه المنطقة.

في أوائل التسعينات خضع معظم البلدان العربية لبرامج ما يسمي التكيف الهيكلي والتي صممها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهي ترتكز علي توافق واشنطن المعروف وهو يعني في الأساس تحرير الأسواق وهذا هو الركن الأول، الركن الثاني الخصخصة بلا حدود وبلا ضوابط والاندماج في السوق العالمية أو في آليات العولمة وهذا يوفر البنية التحتية لسيطرة آليات العولمة في المنطقة. من ناحية أخري هناك هجوم كبير للشركات متعددة الجنسيات ورأس المال الاحتكاري العالمي من خلال عمليات الخصخصة أو الاستحواذ المباشر علي قطاعات هامة في الاقتصاد العربي وأخص بالذكر قطاع الأسمنت وقطاع الأدوية. وتوجد عمليات فك التصنيع، بإختصار هناك غزوة عنيفة لآليات العولمة للسيطرة علي المنطقة بحكم وجود النفط بها وغيره، فسيطرة الولايات المتحدة علي المنطقة ضرورة لمواجهة التحدي القادم من آسيا والتحدي المحتمل القادم من أوروبا. في ظل هذه الأوضاع هل توجد هناك تناقضات؟ يوجد تراجع لدور الدولة الوطنية ، وانهيار الأسواق المالية الموجودة في الخليج دليل علي ذلك حيث فقدت الأسواق نصف قيمتها السوقية في أيام، القضية هي أن القوة البديلة أيضا في حالة أزمة تشكل وتشكل مشوه نتيجة خمسة وعشرين عاما من الموت الاقتصادي.

د. بيتر جوان: السيد جلبرت الاقتصادي الأمريكي المعروف في حوار أجريته معه قال لي إن العولمة هي الأساس الأيديولوجي للاستراتيجية الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة. سوف أقول ثلاث نقاط أساسية في هذا المجال. أولا نحتاج إلي أن تكون لدينا الحقائق والمعلومات داخل ما يتم الآن في الشركات المتعددة الجنسيات. ما أود أن أتحدث فيه هو عملية تنفيذ العولمة بين القمم الثلاث وبين ما نسميه الآن الأسواق الناشئة، المشروع يتضمن أولا فتح هذه الأسواق الناشئة باعتبارها أسواقا تستقبل منتجاتنا ويجب أن تكون مفتوحة لمنتجاتنا، ثانيا يجب أن تكون هذه البلدان مفتوحة لشركاتنا حتي تستطيع هذه الشركات أن تدخل إلي هذه البلاد. إن الحكومات تقوم بخصخصة الشركات لكي تستطيع الشركات متعددة الجنسيات أن تقوم بشراء هذه الشركات. ثالثا، نريد عمالة رخيصة حتى نستطيع أن نربط هذه العمالة الرخيصة بمصالحنا في الشمال، وأخيراً فإننا نريد أن نسيطر علي الجهاز العصبي لهذه البلدان الناشئة والذي هو النظام المصرفي. إننا نعرف أن كل البلدان المتقدمة قد تقدمت لأنها تقوم بحماية منتجاتها المحلية وتشجع التصدير، ثانيا إنهم يقولون لنا إننا سوف نتطور ونتقدم عن طريق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولكن معني هذه الاستثمارات مختلف وهذا معناه أننا نأتي إلي بلادكم وشراء شركاتكم. لدينا خبرة عشرين عاما في هذا المجال ولدينا دراسات هامة طبقها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة، فمثلا بلد مثل تشيلي كان لديها أزمة عنيفة فيما يتعلق بالتصنيع وهذا وارد في إحصائياتها، وغانا التي حطمت فيها عملية التصنيع بشكل مأساوي، أما البرازيل فمختلفة لأن بعض صناعاتها قد وصلت إلي مرحلة من النضج بحيث تتحمل تحريرها ولكن بشكل عام فإن البرازيل قد عانت أيضا في عملية التصنيع بسبب عملية القيمة المضافة للمنتجات، ولب الموضوع هو أنه لا يوجد بلد يمكن أن نقول إن هذا النموذج الذي فرضته الولايات المتحدة والبنك الدولي، اليسار يستطيع أن يقوم بضغوط ضد هذه المشروعات والعمليات ويبين أن هذه العمليات ليست عمليات تسعي لتحديث البلاد ولا تأمل في تحقيق نجاح إقتصادي، ولكنها تسعي لتقليل الصادرات وستكون لصالح البلاد المتقدمة.

د. عبد الخالق عبد الله:

من المهم أن نعرف أن الدول العربية كلها تعاني من ثلاثة إخفاقات كبري خلال الخمسين سنة الماضية. الإخفاق الأول هو الإخفاق التنموي فهي منطقة محبطة تنمويا. ثانيا المنطقة العربية أيضا تعاني من إحباط في عدم تحقق مشروعها الوحدوي فالوحدة العربية لم تتحقق خلال الخمسين سنة الماضية خلافا لأوروبا. ثالثا هذه المنطقة التي تبدأ الآن علاقتها مع العولمة تعاني من إخفاق شديد في تحرير فلسطين، مشروعها التحرري الأساسي الذي لم يتحقق خلال الخمسين سنة الماضية، لا الثورة العربية ولا الثروة العربية تمكنت خلال الخمسين سنة من تحقيق مشروعنا الوحدوي والتنموي والتحرري والنتيجة أننا أمام منطقة عنيفة ومحبطة ومتوترة كل التوتر. 

النقطة الثانية هي العلاقة بالاقتحام العربي الأمريكي الأوروبي منذ عشرين سنة خاصة بعد 2001، الاقتحام الأمريكي الأوروبي الغربي للمنطقة العربية الراهن، وهو اقتحام شرس ومباشر ويرغب في تفكيك المنطقة سياسيا وعقائديا وإعادة تشكيلها، والنتيجة المزيد من الإحباط العربي والمزيد من التعثر في المشروع التنموي العربي والمزيد من التجزئة والمزيد من الاستسلام للخارج. النقطة الثالثة أنه في العلاقة مع العولمة تحديدا ومع أمريكا وأوروبا ومع المراكز أخذت العلاقة العربية مع العولمة ثنائيتين. في العلاقة مع أمريكا وأوروبا: الانفتاح الاقتصادي والتداخل التجاري الاستثماري في أعلي مستوياته وغير مسبوق بين العرب وبين أوروبا، لكن في المقابل حجم كبير من سوء الفهم والتشنج العقائدي والتوتر الثقافي والتخندق الحضاري الغير مسبوق وكأن الأجندة الثقافية العالمية أو الأجندة السياسية للعولمة ليست موحدة كما هي الأجندة الاقتصادية. نقترب في الوطن العربي من الغرب اقتصاديا وماليا وتجاريا، ونتواصل ونتعامل معه ونحن في أفضل أحوالنا ولكننا في نفس الوقت ثقافيا وحضاريا نبتعد ونتخندق، والاستثمار الثقافي الحضاري الانساني ليس بنفس الضخامة، فالعلاقات الحضارية ضعيفة جدا في مقابل العلاقت التجارية الاقتصادية.

الأستاذ أحمد المزوغي: هناك نقطتان لم يتم التطرق لهما في مسألة العولمة أولهما الآثار المدمرة علي المستوي الاجتماعي. بداية نلاحظ أن تقلص الدور الوطني للدولة من ناحية وتفكك علاقات إيجايبة أو تقليدية قد أدي إلي نوع من تقلص الوطنية خصوصا لدي الشباب- وهذه ظاهرة موجودة- وتفكك الكثير من القيم الاجتماعية، فأصبحنا نعيش نوعا من التقلص للحس الوطني، إضافة إلي الكثير من البعد الثقافي والذي كان متمركزا في تقليدنا وفي إرثنا وثقافتنا. وربما أن العولمة سواء كانت بالعسكرة مثل العراق أو بالخضوع لصندوق النقد الدولي...إلخ تصبح الانتماءات غير وطنية وإنما تصبح إلي ما تحت الوطنية وتصبح إنتماءات طائفية.

د. شريف حتاتة: الفكرة الأساسية للحركة المناهضة للعولمة جائت من شيئين ، من الإحساس بأن الأحزاب التقليدية سواء الوسط أو اليسار او اليمين فشلت في ان تقدم حلولا حقيقة لمشاكل الجماهير في البلاد المختلفة. ثانيا هناك إهمال لقطاع مهم من الناس الذين لا ينظمون في الأحزاب السياسية ولكن ينظمون في أشكال مختلفة من التنظيمات والتي نسميها القطاع المدني، لأننا عندما نواجه قوي دولية اقتصادية وعسكرية تقودها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي أصبحت منتشرة ومسيطرة في جميع أنحاء العالم، لا نستطيع مواجهتها إلا بحركة شعبية ديموقراطية واسعة جدا في جميع أنحاء العالم. وبالتالي أصبح موضوع الحركة المناهضة للعولمة مسألة أساسية. هل هناك وسيلة لتشكيل اشكال من النشاط الإعلامي مثل الإعلام البديل أو مثل الصحف المشتركة بين الأوروبيين والعرب.

د ماهر الشريف:

فيما يتعلق بالمسألة الثقافية وأهميتها بالنسبة لمستقبل العلاقات العربية الأوروبية ربما كانت هذه المسألة تستحق محورا خاص في أعمال الندوة لأن مستقبل العلاقات العربية الأوروبية سيتوقف في رأيي علي ما أسماه الدكتور عبد الخالق بالشكل المتبادل اليوم بين ضفتي المتوسط، وهنا أعتقد أن لليسار علي ضفتي المتوسط دورا كبيرا يمكن أن يلعبه في إزالة هذا الشك المتبادل أو علي الأقل في الحد من انعكاساته السلبية. القضية اليوم لم تعد قضية مجابهة بين جبهتين، الغرب والإسلام، اليوم الإسلام أصبح مكونا رئيسيا من مكونات أوروبا، وكما قال أحد  الدبلوماسيين السويديين في رده علي أطروحة صدام الحضارت عام 1994، قال إن السعي من أجل إدماج المهاجرين المسلمين في أوروبا قد يكون أهم من البحث عن العملة النقدية الأوروبية الموحدة. في أوروبا اليوم أكثر من عشرة ملايين مسلم ربما في المستقبل سيصل عددهم إلي خمسة عشر أو عشرين مليونا وباتوا يشكلون جزءا من النسيج الاجتماعي لأوروبا دون أن يتمكنوا من الاندماج الثقافي، وهنا برأيي تكون المسئولية الكبري لليسار الأوروبي. وفي هذا السياق تأتي مسألة انضمام تركيا إلي الاتحاد الأوروبي، وفي تقديري اليوم أنه يجب أن تكون إحدي مهمات اليسار في أوروبا هي السعي من أجل ضم تركيا لعضوية الاتحاد لأنه هذا سيحد من هذه المواجهة التي يسعي إليها أنصار التطرف في الجانبين ليجعلوا المسألة كأنها صراع بين جبهة الغرب من جهة والإسلام من جهة، مسئوليتنا تتلخص في السعي لإقناع شعوبنا أن الحداثة المجتمعية لا تعني التغريب وأنها مكتسب إنساني .

الأستاذ إلهامي الميرغني: العالم العربي بدأ المعاناة من آثار إعادة الهيكلة، فكل الدول العربية تعاني من استنزاف الثروات الطبيعية خاصة النفط والمعادن بالإضافة إلي تفكيك هياكل الإنتاج الزراعي والصناعي لمصالح سياسات الإلحاق بمصالح الشركات المتعدية الجنسية، كل هذه السياسات أدت إلي آثار اجتماعية واقتصادية، منها حدة الفقر والبطالة بشكل مطلق وعلي سبيل المثال تحضرني بعض الأرقام بالنسبة لمصر، فهناك في مصر 450 ألف عامل خرجوا من القطاع العام وفق برامج التقاعد المبكر خلال السنوات الماضية، وهناك 17 مليون مواطن مصري يعيشون في مناطق عشوائية، أما حجم مشكلة البطالة فتتراوح بين 10 و 20% في تقديرات مختلفة، وبالتالي فهناك حركة بيع الشركات. بالإضافة إلي صدور تشريعات تؤدي إلي تكثيف الاستغلال الرأسمالي مثل قوانين إيجارات المساكن الجديدة وقوانين الأراضي الزراعية ورد أراضٍ كان قد تم تمليكها للفلاحين وغيرها من صور الهجوم الشرس علي مكتسبات الطبقة العاملة والفلاحين والطبقات الشعبية، يتبع هذا الدخول في خصخصة المرافق والخدمات بالإضافة إلي تدمير نظام الضمان الاجتماعي في مصر بعد استيلاء الدولة علي رصيد مدخرات التأمين الاجتماعي. يتم كل هذا في ظل غياب الحركة النقابية العمالية، أما النقابات المهنية فهي مصادرة بالكامل منذ سنوات ولا توجد انتخابات منذ أكثر من عقدين من الزمان، في نفس الوقت اليسار كتنظيمات وقوي عاجز عن اللحاق بحركة المقاومة الاجتماعية لسياسات العولمة، وهذا نراه في حركات الفلاحين في مواجهة قوانين رد الأراضي لكبار الملاك مرة أخري، ونري حركات واحتجاجات عمالية تشمل شركات الأسمنت التي بيعت لمستثمرين أجانب وشركات الغزل والنسيج في المنصورة وفي شبين الكوم وغيرها، كل هذا في ظل غياب الحركة اليسارية عن الالتقاء بحركة الاحتجاجات العمالية. في نفس الوقت بدأت فئات جديدة تنضم إلي الاحتجاجات العمالية والتي كانت مستبعدة في الماضي من المشاركة الايجابية مثل إضرابات المراقبين الجويين في المطارات المصرية، وإضرابات الأطباء والمعلمين. كل هذا يضع أعباء كثيرة علي عاتق اليسار الذي مازال يعاني من أزمة العلاقة مع حركة الاحتجاجات الاجتماعية، وبالتالي عندما نري التواصل بين اليسار العربي والأوروبي فإننا نري نقل الخبرات في مواجهة سياسات العولمة لأن اليسار لم يطرح برنامجا متبلورا حتي الآن لمواجهة سياسات العولمة ومازالت الحركات الاحتجاجية تتم بعيدا عن اليسار، فكيف يمكن نقل نوع من الخبرة التي يمكن أن تنقل الحركة الاجتماعية لمرحلة أعلي من المواجهة.

الأستاذة ليلي غانم: الحقيقة أنا أثير ثلاث نقاط متعلقة بالدور الأوروبي في مسار العولمة. النقطة الأولي تتعلق بالملف الزراعي وتحديداً في اتفاقيات الشراكة العربية الأوروبية، مما يعني إرغام الدول العربية علي فتح أسواقها أمام البضائع الأوروبية. أعتقد أن هذا موضوع شديد الخطورة بالنسبة للبلدان العربية فالزراعة تقدم 40% من النشاط للبشر ناهيك عن النشاطات الملحقة بالزراعة في بعض البلدان. النقطة الثانية تتعلق بالضغط الأوروبي الشديد لخصخصة الخدمات في الوطن العربي وتحديدا المياه والكهرباء. وهناك اقتسام للأدوار بين أوروبا والولايات المتحدة فبينما الولايات المتحدة تهتم بخصخصة النفط بالوقت الحاضر وباتفاقيات مع العربية السعودية، نلاحظ أن هناك لجنة أوروبية لخصخصة الخدمات من قبل شركات أوروبية. النقطة الأخيرة وهي تتعلق بالعولمة والعسكرة في نفس الوقت الذي تتعرض له الدول العربية، ونموذج ذلك ما حدث بالعراق ففي نفس الوقت الذي دخلت فيه الولايات المتحدة العراق أدخلت معها "مونسانتو" لتتولي شئون الزراعة و"بكتيل" التي طردت من أمريكا اللاتينية لأنها باعت للناس مياها فاسدة، وحاليا هي التي تتولي خصخصة المياه في العراق.

الأستاذ مصطفي مجدي الجمال: أريد أن أقول إننا كما نقاوم العولمة نقاوم الأقلمة أيضا، لأن العولمة في منطقتنا تترجم في صور مشاريع إقليمية قائمة علي الجغرافيا الاقتصادية وليست قائمة علي حقائق الجغرافيا السياسية ، حيث تحاول قوي العولمة فرض مشروعين علي المنطقة العربية وهما المشروع الأورومتوسطي والمشروع الشرق أوسطي، وكل مشروع وراؤه جهات مروجة له ولكن خلاصتهما القضاء علي إمكانية أن يكون هناك نظام إقليمي عربي. ونحن نعترف أن النظام الرسمي العربي ممثلا في الجامعة العربية قد فشل في مواجهة العولمة والامبريالية وفي مواجهة أي شئ آخر ولكن ليس معني ذلك سقوط هذا الخيار الإقليمي كخيار استراتيجي، وأنا أحاول هنا أن أفكر مع الرفاق الأوروبيين فأقول إنه إذا كان من حق الشعوب الأوروبية مختلفة اللغات والثقافات أن تتوحد في اتحاد واحد، فلماذا هذا الحساسية إزاء توحد شعوب لها لغة واحدة وثقافة واحدة واقتصاد مترابط وتاريخ واحد. اسمحوا لي هنا أن استخدم تعبير "اختراق"، لأن هناك اختراقا لحركات مقاومة العولمة من خلال منظمات غير حكومية تحاول أن تفرض تجزئة قضايا النضال وتحاول أن تروج لمفهوم معين للمجتمع المدني هو المفهوم الخاص بالبنك الدولي الذي يتصور أن المجتمع المدني يجب ألا يكون مسيسا، وعمليا سوف يدخل في الأجندة الغربية المطروحة في كل مرحلة، فهذا وجه من وجوه اختراق حركة مقاومة العولمة الذي يجب أن نحترس منه.

الأستاذ صلاح عدلي: أريد أن أؤكد علي عدد من النقاط بشكل سريع. مشروع الشرق الأوسط الكبير أو حتي اتفاقية برشلونة، يوجد تأكيد كبير علي أفكار الاندماج مع العولمة الرأسمالية وقبول النمط الثقافي العولمي، وهناك أيضا مبالغ كبيرة تنفق علي منظمات المجتمع المدني ويعمل في هذه المنظمات عدد من اليساريين، وتم وضع المسألة كما لو أنه يوجد تعارض بين منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وهذا خطر كبير، والأحزاب السياسية والأحزاب الشيوعية كانت لديها حساسية كبيرة في التعامل مع منظمات المجتمع المدني التي ترى أن الأحزاب قد انتهي دورها، وبالتالي أصبحت هناك فجوة، ، كيف يقوم تعاون بين منظمات المجتمع المدني والمنظمات السياسية حتى لا يؤدي هذا إلي إضعاف الحركة بشكل عام. النقطة الثانية أننا نتوقع في الفترة القادمة آثارا شديدة علي الكادحين والطبقة العاملة وفقراء ومعدمي الفلاحين، وهذا التصاعد مرشح للتطور وأري أنه توجد أهمية كبيرة لتضامن اليسار والنقابات في أوروبا مع اليسار والحركة العمالية الناهضة ويجب أن ينعكس هذا بشكل مؤثر. النقطة الثالثة هي الجانب الثقافي، فالنسق القيمي في مصر تغير تماما خلال الثلاثين سنة الماضية، وهذا التغير خطير جدا لأنه أدي إلي نوع من أسلمة الصراع في القضايا الوطنية وفي قضايا مواجهة العولمة الرأسمالية، فأصبحت المواجهة مع قيم الغربي والغرب المسيحي، وهذه المسألة دخلت في صميم وجدان الناس نتيجة دور السعودية ورؤوس الأموال الجبارة التي تم دسها فيه بما أدي إلي أن تفكير الناس وطرق تعاملهم مع قضاياهم اليومية أصبح يتخذ المظهر الإسلامي، أصبحت توجد ضرورة لمواجهة هذه المسائل وفهم حساسيتها والتعامل معها بشكل صحيح والتعاون المشترك في إعلاء قيم الثقافة والتنوير والعلمانية.

متحدث أوربي: أود أن أعرف هل هناك إمكانيات قوية فعلا علي مدي العقدين التاليين لكي تتمكن البلدان العربية من أن تتكامل مع بعضها البعض. كما أسأل ما الذي يستطيع اليسار الأوروبي أن يساعد به العالم العربي وما هي الخطوات التالية التي يجب أن تتخذ علي مدي السنوات القادمة. السؤال المطروح، ما هو المستقبل الحقيقي للبلدان العربية؟ ما هو البلد العربي الذي يستطيع أن يتفاعل مع الاتحاد الأوروبي؟ يجب أن نعرف كيف نستجيب لطلب أن يكون هناك المزيد من التعاون بين الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية في الجنوب.

الأستاذ حلمي شعراوي: أجيب فقط علي السؤال الأخير، وهو هل عند العرب مشروع تكامل كي نتحاور به؟ من خبرتي بالتعاون العربي الأفريقي وقد تابعت بقدر ما التعاون العربي الأوروبي، أن الاتحاد الأوروبي يصمم دائما علي التحاور كأوروربا ولا يقبل التحاور مع العرب ككتلة بل يريد في كل الاتفاقات التعامل فرديا مع الدول العربية، وطبعا توجد مسئولية كبيرة علي النظم العربية والتي لا تملك مشروعا ولابد أن أعترف بذلك.

السيد وولفجانج جيركه: إننا نتحدث عن ضرورة مشاركة الأوروبيين في هذه الحوارات وأعتقد أننا يجب أن نفكر في الأسئلة والأجوبة التي أثيرت، إنني أود أن أعلق فقط علي ثلاث نقاط أساسية:

النقطة الأولي إنني علي يقين أنه من المستحيل أن نتحدث عن اليسار الأوروبي كشئ واحد لأن اليسار الأوروبي مختلف ويضم اتجاهات مختلفة وهناك أحزاب يسارية مختلفة وأحيانا ترتبط هذه الاتجاهات اليسارية سويا وأحيانا تختلف بين بعضها البعض، وهناك أيضا العديد من الأحزاب اليسارية التي تتخذ موقف المعارضة وليس لها ممثلون في البرلمان وهذا واضح في إيطاليا، إذا هناك اختلافات بين الاتجاهات اليسارية المختلفة وأن السياسات التي يطبقها اليسار تجاه فلسطين واسرئيل تختلف من حزب يساري لحزب آخر.

ثانيا عندما نتحدث عن أوروبا فإننا نتحدث عن الاتحاد الأوروبي ولكن أوروبا ليست الاتحاد الاوروبي. إن أوروبا مختلفة عن الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأوروبي يناقش عملية الحركات السياسية والاتجاه اليساري المختلف في بلدان أوروبية. هناك الرباعية، فقد عقدت اجتماعا وناقشت عدة مشاكل تتعلق بأن حكومة أبو مازن وحماس يجب أن تقدما بعض التنازلات قبل البدء في العمل، هذه الأمور قد لا تكون مقبولة وأنا لست علي يقين أن مثل هذا الاجتماع الرباعي له أهمية، قد لا يكون لهذه الرباعية أي سلطة وقد لا تستطيع أن تحقق عملية السلام.

د. فوزي منصور: الموضوع هو وقع العولمة علي العالم العربي، العولمة أكاد أقول إنها ظاهرة طبيعية وحتمية ونحن هنا بالذات يجب ألا ننسي أن أول من رفع شعار العولمة هو اليسار الماركسي، أم أننا نسينا "يا عمال العالم اتحدوا"، ألم يكن ذلك أحد بوادر التحول من الظاهرة القومية إلي الظاهرة العالمية علي أساس موضوعي، لكن كما تعرفون جميعا فإن العولمة ليست ظاهرة طبيعية حتمية، إنها عملية تخضع تماما لمؤثرات سياسية . إن العالم العربي هو من أسوأ الأقاليم تأثرا بظاهرة العولمة وأكثرها تعرضا لأضرار ومصائب مختلفة، لماذا؟ من الطبيعي أنه عندما يوجد نوع من التفاوت تكون هناك فرصة للتكامل، أنه عندما تكون هناك مجموعة رأس المال فيها نادر وأخري الأيدي العاملة فيها نادرة، إذن عندما تتحدا معا فسوف يكون من الممكن أن يصل المجموعتان إلي معدل عالٍ من الاستفادة من الموارد الموجودة وطبعا هذا لم يحدث ولعدة أسباب. إن احدي المشاكل الرئيسية التي تواجهها البلدان العربية هي ضعف اليسار. من منكم يعرف أن أي محاولة لعمل تكوينات سياسية للطبقة العاملة في مصر يعاقب عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة، وهذا الكلام ليس حديثا بل هو موجود من عام 1924 حتي هذه اللحظة، وليس فقط من يقوم بعمل تنظيمات يعاقب عليها بهذه العقوبة، بل إن بعض العبارات التي نتفوه بها الآن يتم معاقبة المتحدث بها بخمس أو سبع سنوات، من منكم يعرف أن هذه هي الأحوال في بلدنا وقد تكون أشد في بلدان أخرى غيرنا.

الأستاذ سلامة كيلة: أعتقد أن أزمة اليسار في المنطقة العربية هي الأزمة الاساسية التي تحتاج إلي بحث قبل أن نسأل اليسار الأوروبي كيف يساعدنا. وهذا موضوع طويل، ولكنه يحتاج لبحث حقيقي حيث سنلاحظ أن قطاعا أساسيا من اليسار العربي ومن الشيوعيين قد انخرط في دعم العولمة وفي الدفاع عنها وعن قيمها، وبالتالي فقد أوجد هذا فراغا حقيقيا ملئ من قبل الحركة الأصولية، وهذا موضوع مهم لأنه جعل اليسار هامشيا أكثر مما يبدو، وأعتقد أن اليسار لم يحدد لذاته رؤية مستقلة وكيف يعمل علي لعب دور فاعل وحقيقي في التغيير ، وكذلك علينا كيسار عربي أن نحدد القضايا الأساسية التي يجب أن نعمل من أجل تحقيقها، وفي هذا الموضوع يجب أن نطرح مشروعا عالميا ينطلق من السعي لتحقيق التطور الثقافي والاجتماعي خاصة في الجانب الذي يتعلق ببناء قوي إنتاج حقيقية في مجتمعاتنا، وهذه مشكلة يمكن لليسار الأوروبي أن يساعدنا فيها لأن الرأسمالية منعت منذ البدء تصنيع البلدان المتخلفة، وأعتقد بعض الأصدقاء أشاروا إلي مواجهة الاستعمار الأوروبي لكل التجارب العربية التي سعت للتحديث وبناء الصناعة. النقطة الأخرى تتعلق بموضوع الدولة الصهيونية وأنا أوافق علي ما قاله الدكتور فوزي حيث إنها لم تأت بحل مشكلة اليهود لكي نتفاوض علي أن تبقي أو لا تبقي، لكنها أتت كجزء من مشروع استعماري وهي الآن تلعب دورا أساسيا في العولمة الامبريالية الأمريكية، وأعتقد أن حرب لبنان الأخيرة أوضحت هذا الموضوع بشكل جلي. إن ما فعلته الدولة الصهيونية خلال كل هذا التاريخ هو تكريس أمر واقع علي الأرض ينفي إمكانية وجود دولة فلسطينية مستقلة ويحول الفلسطينيين إلي مجموعات معزولة لا تستطيع أن تعيش حتي اقتصاديا، من هذا المنطلق أعتقد أن علي اليسار العربي أن يبلور مشروعه الموحد ومن ثم نري أن مهمتنا أن نقنع اليسار الأوروبي أن لنا قضايا جوهرية يجب أن يساعدنا في تحقيقها في مواجه الهيمنة الامبريالية علي العالم وفي مواجهة تجاوز النمط الرأسمالي.

الأستاذ أحمد إبراهيم: أنا مع ملاحظة الأستاذ حلمي فيما يتعلق برفض أوروبا التعاون مع المجموعات العربية، المهم هو أي دور لنا كعرب وأحزاب يسار، ثم ما هو هذا اليسار؟ ويجب علينا أن نعيد تحديد اليسار ، فإذا كانت هناك معركة تحديث وطني وديمقراطي وتكون فيه الوطنية والديمقراطية مرتبطتين ارتباطا جدليا، والتحديث مرتبط ارتباط جدليا بالديمقراطية. هنا يأتي الموقف من الحركات الإسلامية، فمشروع اليسار مشروع متناقض ويجب أن يكون واضحا لدينا أنه متناقض مع المشروع الإسلامي، في ذلك الوقت ربما قدم اليسار القضايا الاجتماعية علي القضايا الوطنية. معركة اليسار من أجل إيجاد محل له من الإعراب معركة أساسية، وبالتالي هوية اليسار ليست هوية اشتراكية، وبالتالي فتعريف اليسار علي أن له أفقا اشتراكيا تعريف خاطئ لأن له أفقا ديموقراطيا يخترق كل الطبقات، أما القول أن هناك اشتراكية في القرن الواحد والعشرين فأنا لا أفهمه، ولا أفهم أن أمريكا اللاتينية تعطي مثالا على إمكانية تحقيق اشتراكية وتنطلق من منطلقات اشتراكية ولكنها حركات وطنية تريد أن تجعل لأمريكا الجنوبية مكانة ورأيا مستقلا عن أمريكا الشمالية.

د. سمير أمين: إن الجنوب ينقسم منذ عشرين أو ثلاثين عاما إلي مجموعتين من الدول ولا أقصد فقط الحكومات ولكن المجتمعات أيضا، والاختلاف موجود منذ الأبد ما بين بلدان المنظمومة الرأسمالية العالمية، ولكن الخطاب الدارج يسمي المجموعة الأولي البلدان الصاعدة وهذه الدول قبلت العولمة، وهذه مجموعة من النظم والمجتمعات والتي تتسم بأن عندها مشروعا ومشروعا من الممكن أن نسميه وطنيا ولو في إطار العولمة ، إلي جانب ذلك نجد مجموعة أخري من البلدان ليس لديها مشروع، في مثل هذه الظروف فإن الاستعمار الذي لديه مشروع لنا هو الطرف الآخر ونستطيع أن نتحدث عن مشروع أمريكي أو أوروبي بالنسبة للعرب، لا نستطيع أن نتحدث عن مشروع عربي أو مصري أو أردني حتي فلا يوجد أية مشروعات، فبالتالي هذه الدول محكوم عليها أن تتكيف لمقتضيات العولمة الرأسمالية الاستعمارية فقط. اليوم لا يوجد مشروع عربي خالص، بينما لا نستطيع أن نقول إنه ليس هناك مشروع صيني، لا بل يوجد مشروع لها وهناك مشروعات لعدة دول أخري، ومضمونها الاجتماعي وتحالفاتها الاجتماعية التي تقوم عليها ونظم الحكم في هذه التجارب والمشروعات، ولكننا نستطيع أن نتحدث عن التفاعل بين هذه المشروعات المختلفة والقوي المهيمنة علي صعيد المنظومة العالمية الرأسمالية الاستعمارية. الأستاذ نبيل مرزوق: بالنسبة لليسار الأوروبي نجد نوعا من الانفصال في موقفه من العولمه وموقفه من الشراكة وسياسة الجوار الأوروبي، لأن هذا الأمر يتم في معزل عن مجمل الموقف من العولمة، هناك موقف من قوي اليسار تجاه العولمة واتفاقيات منظمة التجارة العالمية وكل هذه المسائل، لكن لا نجد انعكاسا لهذا الموقف علي مستوي الشراكة ومستوي سياسات الجوار والسبب هو أن اليسار ممثل واستطاع أن يفرض نفسه في مؤسسات الاتحاد الأوروبي واستطاع أن يجد لنفسه تمثيلا في مختلف المؤسسات في حين أن غياب الحرية والمشاركة في الجانب العربي جعل الحوار حول الشراكة هو حوار سلطة فقط بعيدا عن المجتمع في الدول العربية ومؤسسات المجتمع المدني.

السيد بيتر جوان: جولة الدوحة بالنسبة لي هي فضيحة وأضحوكة وإن أساس إنشاء منظمة التجارة العالمية هي أن الولايات المتحدة كانت تريد أن توقف الدعم لمنتجات زراعية وبمجرد إنشاء المنظمة فإن الولايات المتحدة تصر علي بعض الأمور وكيف يمكن للمنظمة أن تناقش هذا الأمر، لقد قالوا في بداية الأمر إننا سوف نفعل هذا إذا فتحت مصر وغيرها من الدول بابها أمام هذه المنتجات، وهذا هو ما يحارب من أجله الاتحاد الأوروبي. أعتقد أن هناك بعض القوي داخل منظمة التجارة العالمية يمكنها أن تنظر في هذا الأمر بجدية. وبصراحة إذا ما فشلت جولة الدوحة فهذا شئ جيد جدا. لا يمكن أن نتحدث عن الصين باعتبارها بلدا آخر فقط، إننا نتحدث هنا عن بلد ضخم وهي أكبر مصدّر في العالم وهناك أِشياء يتعين أن ندرسها ونتفهمها من خلال سياسة بكين والطريقة التي يتعاملون فيها مع تدفقات الأموال. بالنسبة لليسار الأوروبي فمعظم الديمقراطيين الاشتراكيين لفترة طويلة كانوا من الفاسدين وهذه حقيقة ولكن ليس كلهم، هناك بعض الاستثناءات في البلدان الاسكندنافية مثلا ولا أعتقد أنهم فاسدون بالمعني الإجرامي ولا أنظر إلي الديمقراطيين الاشتراكيين في ألمانيا علي أنهم من المجموعة الفاسدة أيضا لكنني أنظر إلي الحزب اليساري علي أساس أنه مهم. المشكلة ولأسباب واضحة أن هذا اليسار الأوروبي في ألمانيا لم يستطع أن يأخذ خطا رئيسيا فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط والصهيونية واسرائيل ولكن أعتقد أنه من المهم أن نناقش كيف يمكن أن نساعد اليسار الألماني ليتخذ موقفا تجاه هذه الأمور. الشئ الأخير هو أن أوروبا قد جددت نفسها بعد نهاية الحرب الباردة وكانت هناك أوروبا الاشتراكية والآن أوروبا هي البلد أو المجموعة التي تحارب من أجل حقوق الانسان، وهذا يثير بعض القلاقل ومن الممكن أن ينفجر الوضع. علي سبيل المثال ماذا عن العراقيين وماذا سوف يحدث لهم بعد هذه الحرب وماذا عما قيل لهم من قبل الأوروبيين؟ الولايات المتحدة تسببت في خروج أربعة مليون من اللاجئين ولا أعتقد أن أحدا سوف يأخذ أيا منهم، وهناك هذا السؤال عن جرائم الحرب، فتوني بلير أراد أم لم يرد ستتم محاكمته كمجرم حرب وهذا أمر خطير. ودعوني أتحدث عن موضوع آخر، سوف تكون هناك حرب أخري، حزب الله كسب الحرب الأخيرة وهذا أمر غير مقبول. إذن سوف تكون هناك حرب أخري وهذه المرة ربما يجب أن يكون هناك نوع من التفكير المسبق حيال هذا الأمر. أخيرا هناك الوضع الفلسطيني وما الذي ستقوم به أوروبا حيال هذا الأمر، والمسألة المثيرة للخجل هي قطع المساعدات عن الحكومة الفلسطينية. يجب أن نحدد مواقفنا حيال كل هذه القضايا.

























(3) العامل العسكري ومثلث الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والعالم العربي


إبراهيم كشبور: أنا صحفي ليبي ولكن لغرابة الصدف والتاريخ فأنا هنا أمثل جمعيتين إيطاليتين. الجمعية الأولي اسمها النقطة الحمراء في ميلانو والمنظمة الثانية اسمها منظمة اليسار الأوروبي المتوسطي وهي مشروع للعمل الموحد ما بين اليسار العربي والأوروبي. وكما تعلمون فإن مناقشة المسألة العسكرية تدخلنا في صميم المجال العملي للعلاقات العربية الأوروبية، وليس فقط تاريخيا. فمنذ حملة نابليون وحتي الهجوم الاسرائيلي علي لبنان في الصيف السابق مرورا بالعدوان الثلاثي في 56 واحتلال فلسطين في 48 دون أن ننسي حرب الخليج في 91 والاحتلال العراقي في 2003، المسألة العسكرية كانت هي مركز العلاقات العربية الأوروبية الأمريكية. علاقات الاستعمار المباشر والاحتلال الفرنسي والبريطاني في البلاد العربية المختلفة تبعتها سياسة إمبريالية سماتها السيطرة غير المباشرة عبر الأنظمة التابعة أو الصديقة أو المحيدة، وعبر المعاداة الشرسة لكل مشروع وطن عربي يريد بناء دولة وطنية مستقلة وحتي تلك التي لم يكن مشروعها الأصلي معارضا للإمبريالية الأوروبية الأمريكية. والصناعات الحربية العربية كانت هامشية- إلا في حالات قليلة- وهذا شئ غريب في منطقة تستورد أكثر من 40% من الصادرات العالمية من الأسلحة وهي نسبة في ازدياد مستمر سنويا منذ سنة 67.



السيد توبياس فولجر أود أن أتحدث في نقطتين. بالحديث عن التحالف بين الطبقة العليا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفي البلاد العربية فإنها تود أن تطبق نظام الرأسمالية لتعمل بشكل جيد، وهذا هو التحليل الأساسي لما نسميه المركز والأطراف. أعتقد أننا عندما نناقش هذا المشروع في البرلمان الأوروبي ، وإن زملائي أحيانا يقولون مثلا "علينا أن نقول لهم أو عليهم أن ينفذوا هذا الموضوع" وأنا دائما أقول إنهم يتصورون أنهم يعرفون ما هو في صالح العالم وأعتقد أن هذا فكر إمبريالي. أعتقد أن النقطة الأساسية هي ما نسميه ازدواجية المعايير . علينا أن نناقش في البرلمان الأوروبي عملية حقوق الانسان وهناك دائما بعض البلاد التي يتم انتقاد وضع حقوق الإنسان فيها وكثيرا عندما يسألنا شخص ما عن حالة حقوق الانسان في إحدي البلاد الأوروبية نجد العديد من زملائي لا يريدون مناقشة ذلك، بل يريدون أن يظهروا أمام العالم أن حقوق الانسان يتم احترامها في كل بلد من بلاد الاتحاد الأوروبي وهذا غير صحيح، وهذا أيضا يمكن أن يطلق عليه ازدواجية المعايير، ولذلك فإنه من الأهمية بمكان لليسار ألا يقبل هذه الازدواجية في المعايير، فعلينا جميعا أن نحترم الاعلان االعالمي لحقوق الانسان. إن الاتحاد الأوروبي قد أصبح قوة إمبريالية في العالم أجمع وسوف أصف لكم هذه الامبريالية. أولا في عام 1998 قرر الاتحاد الأوروبي أن تكون لديه سياسة عسكرية، وأصبحت هناك استراتيجية تسمي استراتيجية الأمن الأوروبي. التهديدات الأساسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي ورئيس الولايات المتحدة تتمثل في أسلحة الدمار الشامل وما يسمونه الإرهاب الدولي ولا أعرف ما معناه، أعتقد أن هذا فشل في التحليل لأن هناك أنواع مختلفة من الإرهاب وعصابات إرهابية مختلفة ولا يمكن أن نجمعها معا تحت بند الإرهاب الدولي. النقطة الثالثة فيما يتعلق باستراتيجية الأمن الأوروبي إذا قارنا استراتيجية الأمن القومي للاتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة، فإن استراتيجية الأمن القومي في الولايات المتحدة تتحدث عن إمكانية الحرب الاستباقية واستخدام الأسلحة. أما استراتيجية الأمن القومي الأوروبية فتتحدث عن إمكانية العمل بطريقة عسكرية ويقولون إنه يجب أن يكون هناك تعاون عسكري مدني وهذا يعني أن تكون هناك قوات شرطة، ونجد أن الوضع في الاتحاد الأوروبي به ما نسميه "فرقة العمل للأمن الأوروبي". هذه الاستراتيجية الجديدة تتبع هياكل عسكرية جديدة، كذلك هناك ما نسميه استدعاء ستين ألف جندي احتياطي وهذا يعني أنهم سوف يستخدمون 180 ألف جندي، لأنهم إذا كانوا سيستخدمون ستين ألف جندي فإنهم سيحتاجون إلي 120 ألف جندي ليقدموا لهم الدعم العسكري. وهناك الفرقة التي تم إنشاؤها في ألمانيا وهولندا وغيرها ولديهم 500 جندي مختار، وعندما يتجه هؤلاء الجنود المؤهلين إلي أي مكان فسوف يتم استخدامهم، بالنسبة لهذه الهياكل العسكرية فقد تم إنشاء ما سمي بوكالة الدفاع الأوروبية وهذه الوكالة مهمتها هي الحفاظ علي التسلح داخل الاتحاد الأوروبي، لذلك فالاتحاد الأوروبي لديه الآن المركز الأول فيما يتعلق بتصدير الأسلحة. يهمنا أيضا أن معظم الأسلحة التي يتم تصديرها من الاتحاد الأوروبي تذهب إلي العالم العربي وهذا أمر يجب أن نناقشه. فالاتحاد الأوروبي يلعب دورا هاما في مجال العسكرة. إن موقف الاتحاد الأوروبي لا يختلف عن موقف أمريكا. والاتحاد الأوروبي ينادي بضرورة فرض عقوبات علي إيران وأعتقد أننا يجب أن نركز علي هذا الموضوع والذي يشكل فعلا احتمالا لنشوء حرب ضد إيران . وفي الختام أعتقد أن العالم العربي وخاصة الاتجاه اليساري داخل المنطقة العربية يجب أن يدرك أن الاتحاد الأوروبي يلعب دورا عسكريا إمبرياليا وكذلك فإنهم يودون أن يتدخلوا في الشئون الداخلية في العديد من البلدان العربية وخاصة البلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط. اليسار في الاتحاد الأوروبي يجب أن يركز علي وقف هذه العسكرة والتي توجه ضد العالم العربي.

الأستاذ برنار كاسان: في إطار مداخلتي عن هذا المثلث سوف أدرج أيضا أمريكا اللاتينية. وسوف أتحري أيضا بعض التفاؤل، فإن أمريكا اللاتينية اليوم المنطقة الوحيدة في العالم التي نجد فيها حركات شعبية قوية وتحترم أشكال الديموقراطية وقد وصل اليسار للحكم في العديد من البلدان، مثل فنزويلا وبوليفيا والاكوادور وحتي في نيكاراجوا وفي البيرو بعض الشئ. لذلك فإننا نجد أن هذه المنطقة تشهد العديد من الحركات، إذن فهذا الانحناء نحو اليسار موجود في دول أمريكا اللاتينية الأخري ولكن بأشكال مختلفة وذلك لأن هذه الدول هي مجموعة دول مختلفة بعضها عن الآخر، وهناك الأرجنتين وشيلي والبرازيل والأوروجواي. إن بعض القوي تقول إن هناك في أمريكا اللاتينية نوعين من اليسار؛ اليسار الأول هو العقلاني الرشيد واليسار الآخرغير رشيد، لكن هذه الصورة غير مطابقة للواقع. سوف أسرد مثالين؛ هناك ميشيل باشليه رئيسة شيلي وشافيز رئيس فنزويلا فكل منهم لديه حدوده الخاصة ولكنهما يتحدان سويا في مواجهة أمريكا وهذا يأخذ أشكالا ديمقراطية في البرازيل أكثر من فنزويلا، فشافيز قارن ما بين بوش والشيطان وقال إن هنالك رائحة الكبريت هنا فالشيطان قد مر من هذه المنطقة.

د. محمد السيد سعيد: كما هو معلوم فقد عارض عدد من الدول الآوروبية الحرب الأمريكية والغزو الأمريكي للعراق، وقد أثارت هذه المعارضة موجة تفاؤل كبيرة في صفوف الدول التقدمية العربية وفي العالم، وظن الكثيرون أن أوروبا سوف تناضل من أجل استقلالها النسبي وهو مشروع طال انتظاره من أجل لجم العدوانية الأمريكية ، ولكن شاركت أوروبا في الحرب ضد أفغانستان وقد أيدت أوروبا العمليات العسكرية والحرب الاجرامية التي قامت بها اسرائيل ضد لبنان، ونجد انزلاقا متتاليا من جانب أوروبا نحو تعميق تحالفها العسكري مع أمريكا. السؤال هو هل هذا الانزلاق يعكس سياسة دائمة في اتجاه تمكين التحالف الأوروبي الأمريكي أم أنه لحظة خاصة وتعكس ظرفا نوعياً؟ في هذا لإطار يمكننا أن نسأل هل يمكننا أن نعتمد اعتمادا قويا علي المواقف الأوروبية الرسمية الشعبية والمناهضة للحروب الأمريكية أم أن علينا أن ننتظر موقفا أوروبيا موحدا من قضايا هذه المنطقة. كيف نجيب علي هذا السؤال، يعتبر البعض صادرات السلاح أحد الدوافع الكبيرة للحروب، وواقع الأمر أن هذه النظرية لا تبدو لي مقنعة ففي عام 2005 بلغت صادرات السلاح حوالي 80 مليار دولار ولو وصلنا إلي 100 مليار دولار فهي أيضا نسبة لا تكاد تذكر من إجمالي الصادرات المجمعة لأوروبا وأمريكا. ما هو الدافع، هناك نظرية أخري تتحدث عن رأس المال المالي وكيف أن تطور الامبريالية المعاصرة أنتج هيمنة قطاع هو الأشد طفيلية في بنية الرأسمالية المعاصرة وهو رأس المال المالي ولا تبدو لي هذه النظرية مقنعة، فغالبية الحروب التي تم شنها في المنطقة تم شنها علي عكس مصالح رأس المال المالي لسبب واضح وهو أن الدول التي يتم شن الحروب ضدها هي من الدول الأكثر ثراء والأكثر انخراطا في القروض والمعاملات المالية الدولية. هناك نظرية تقول إن الولايات المتحدة في الحقيقة تهتم بإنتاج الحروب لأنها تهتم بإنتاج التهديد لأن التهديد هو جزء أساسي من علاقتها مع أوروبا، أي أن الحروب التي تشن في المنطقة هي في الحقيقة حروب يقصد بها ابتزاز أوروبا، ولهذه النظرية مصداقية عالية، ونستطيع أن نقول إن نحو ثلثي النمو المحقق في الولايات المتحدة الأمريكية يعود إلي توظيف هذا الفائض العملاق الذي تحقق لليابان والصين والدول المصدرة الكبيرة وهو تحقق جزئيا علي حسابها، والسيطرة الأمريكية علي أوروبا هو عامل مهم للغاية للنمو الرأسمالي الأمريكي، لكن هذه النظرية فيها ضعف منطقي واضح وهو لماذا تقبل أوروبا السيطرة الأمريكية دون مناقشة؟ نستطيع أن نقول ببساطة لماذا ينبغي أن نبحث عن شرح الاقتصاد بينما لدينا شروح الثقافة؟ واقع الأمر أنه هنا تحديدا يقع الخلاف أو التباين القوي بين أمريكا وأوروبا. الولايات المتحدة الأمريكية- في مفارقة تاريخية مذهلة- أنتجت في لحظة انتصارها ضد الاتحاد السوفيتي أيدولوجيا قروسطية بالغة التخلف، وهي أيدولوجيا الأصولية المسيحية بخرافاتها وبميلها الكامل للفكرة الكارثية أو فكرة يوم القيامة وكأن أمريكا وهي في قمة فوزها الكبير تنتج أيدولوجيا تقول بالانتحار الجماعي للبشرية. وهذه فكرة تفرق بين أمريكا وأوروبا بصورة قوية جدا. هذه هي جوهر الفكرة المحافظة الجديدة وهي انقلاب علي الديموقرطية داخل أمريكا. السؤال الآن هو لماذا تشارك أوروبا في مشروع أمريكي وهو في الواقع مشروع انتحاري للبشرية ككل؟ إن أوروبا تشارك في المشروع العسكري الأمريكي باعتبار أن بقاء أمريكا قوية هو جزء من الشروط الكلية لإعادة إنتاج النظام الرأسمالي العالمي وخاصة في طوره العولمي، ربما يكون هناك ما يدعونا لمزيد من البحث في الجوانب الثقافية. هناك دور كبير لثنائية النفط واسرائيل وقد قدم تفسيرا أساسيا للكيفية التي تمكنت بها أمريكا من حفر الحفرة للأوروبيين وإلقائهم فيها في إطار مشروعها الانتحاري. هناك أسئلة كثيرة في هذا الإطار، لماذا تشارك أوروبا في مشروع يبدو أنه يهدم جانبا أساسيا من علاقاتها بالدول العربية في جنوب البحر المتوسط؟ أعتقد أن الاجابة هنا تنصرف للعديد من العوامل، ومنها طبيعة ودور اسرائيل وليس فقط في الثقافة الأمريكية ولكن أيضا في ثقافة الاتجاه المحافظ في أوروبا أيضا، علينا أن نفتح السؤال الكبير بخصوص استجابة العالم العربي وهو فاعل أيا كان طبيعة ما يفعله. لا يصح أبدا ونحن نتحدث عن ميول الرأسمالية والأيدولوجيا المعاصرة أن نغفل دور العالم العربي نفسه، وأعتقد أنه قدم حافزا سلبيا لأوروبا عندما ألقي بثقله مع أمريكا في غضون النقاش الحاد والمناظرة الكبيرة حول غزو العراق، وفي أعقاب غزو العراق ازدادت البلاد العربية التابعة لأمريكا إغراقا في تيعيتها لأمريكا بل وكافأت أمريكا علي ما أقدمت عليه في العراق بالرغم أن هذا ضد مصلحتها بصورة كاملة تقريبا. الآن يتمحور الصراع حول تكييف جديد وهو في مشروع إسلامي، بالأساس يدور حول إيران وهو مشروع قروسطي، أعتقد أننا هنا يجب أن نكيف موقف اليسار العربي بدقة بالغة فيما يتعلق بإشكالية بالغة التعقيد والدقة. أعتقد أننا هنا يمكن أن نبلور مشروع أوروبي عربي، ولا أعني مشروعا بين العرب والأوروبيين وإنما مشروع بين القوي الديموقراطية والتقدمية الأوروبية والعربية، وهو يجب أن يدور حول فكرة مناهضة الحرب بذاتها، أي مناهضة الحروب العدوانية الأمريكية في المنطقة ومناهضة المشروعات ذات الآفاق العسكرية لإيران وربما لدول عربية أخري. أعتقد أن الاختبار الحمضي- كما يقال- لهذا التحالف هو القضية الفلسطينية، أي إلي أي حد تستطيع القوي الديموقراطية والتقدمية في أوروبا حسم موقف الحكومات الأوروبية لصالح تمكين الشعب الفلسطيني لنيل الحد الأدني من حقوقه التاريخية.

د. كمال عبد اللطيف : إننا في الغالب نمارس الكثير من عمليات القفز بين حدود مختلفة. هل نستطيع أن نتحدث في هذه اللحظة بالذات في الاتحاد الأوروبي عن وجود سياسية خارجية موحدة؟ هل هناك توافقات مبرمجة ومتوافق بشأنها؟ في موضوع العرب والعالم العربي نقف علي مفارقات وتنويعات لا تسمح أيضا بالتعميم، فتداعيات ما يحدث في العراق والعالم العربي يكشف الصورة البائسة لاسم جمع لا يحيل إلي رؤية موحدة أو متقاربة، ومع ذلك نتحدث عن العالم العربي بشكل عام، لكن هذا التنويع يبدو لي أنه في بعض الأحيان يكون عائقا أمام بلورة نتائج متماسكة والاتساق النظري ليس دائما جيدا ولكنه مطلوب في مثل هذه الاجتماعات. واقع اليسار الأوروبي اليوم بفصائله العديدة وأسئلته الجديدة يطرح إشكاليات. وفي هذا السياق فإن الكثير من لغة اليسار في أوروبا لا تزال مشدودة لمجموعة من المفاهيم بصورة مناقضة لروح هذه المفاهيم ومعادية لمنطق النسبية ومقدمات الفكر التاريخي، اليسار- ربما أكثر من غيره- تعامل مع الكثير من المفاهيم الماركسية بلغة الظواهر الخالدة، في حين أن روح الفكر الماركسي هو إبداء المفاهيم في ضوء كل التحولات الجارية والجرأة في إبداء المفاهيم في ضوء محاولة الإمساك بالمتغيرات الجارية، لا استعادة مفاهيم متعلقة بزمن لم يعد زماننا الخاص. عندما نتحدث عن واقع اليسار سوف أفترض أن اليمين الايطالي والأسباني كما تعرفون لهما دور في الحرب علي العراق، فالمعادلة ليست بهذه الصورة ليست مسألة يسار أو يمين، لكن في هذه النقطة بالذات مبدأ المصلحة هو المبدأ الذي يجب أن يكون البؤرة المركزية لأننا كما نعرف في إطار الديمقراطيات الموجودة في القرن العشرين و حتى هذه اللحظة، هل يمكن أن نتفق أن حرب أمريكا علي العراق أظهرت حدود المعالجة العسكرية؟ فأمريكا لم تربح الحرب رغم أنها خربت بغداد والبصرة وأشعلت حربا أهلية، نجحت في كل هذا الخراب ولكن هل الحروب بهذه الطريقة التي قادتها أمريكا ضد العراق وبكل أشكال البهتان وبكل المواقف التي استعملت، هل نجحت فيما تريد؟ هذه مشكلة نظرية وتاريخية. ملاحظة أخري، ما هو مشروع اليسار العربي اليوم؟ ألا نري اليوم أن مشروع اليسار هو الانخراط في جبهة الدفاع عن الحداثة والتهديد السياسي وأن هذه المعركة قريبة جدا من الأفق الذي نحلم به. نشر عبد الله العروى 1973 كتابا طرح في مقدمته سؤالا وهو: هل يمكن للعرب أن يتجاوزوا المرحلة الليبرالية وأن يبلغوا مرتبة الاشتراكية دون استيعاب الليبرالية، قال الأستاذ عبد الله إنه جزء من بيئة التنوير في الستينيات والسبعينيات وجزء من بنية انخراطنا في المشروع اليساري جميعا، لم يكن يتصور أن التطور التاريخي أكبر وذلك أن المشروع الإسلامي اليوم ( الوسطي والمتطرف والتوفيقي) بمختلف صوره يعود بنا إلي ما قبل الستينيات بكثير وإلي ما قبل مرحلة محمد عبده وقد كانت متفوقة في نزعتها الإصلاحية علي مناحي ومنازع التصورات الإسلامية اليوم، هل يمكن استيعاب مكاسب الليبرالية دون المرور بهذه المرحلة؟

د. سمير أمين: لدي عدد من الملاحظات حول إشكالية الديمقراطية، الاتجاه السائد عن الديمقراطية أنها نمط جاهز تقريباً، ألا وهو التعددية السياسية، وأسلوب الانتخابات، وليس أكثر من ذلك. أنا أعتقد أن العلاقة بين مقرطة المجتمع من جانب والتقدم الاجتماعي من الجانب الآخر (ولا أقول الاشتراكية) هي علاقة وثيقة وليس هناك فصل بين مقرطة المجتمع والتقدم الاجتماعي. هذا النمط الأمريكي المطروح حالياً يفصل تماماً بين الديمقراطية وبين المشاكل الاجتماعية، بمعني أنه ينظر إلي الديمقراطية علي أنها أسلوب لحكم المجال السياسي من خلال التعددية الحزبية والانتخابات، بينما المجال الاقتصادي وبالتالي المجال الاجتماعي محكوم من خلال قوانين السوق، ويدعي بأن السوق مرتبط بالديمقراطية، وأن الديمقراطية لابد أن تقوم علي تحكم السوق في المجال الاقتصادي، كل ذلك لا علاقة له لا بالعلم ولا بالتاريخ الحقيقي. هذا النمط المطروح مرفوض شعبياً، ولو أنه ربما يكون مقبولا من بعض الطبقات الوسطي، وخاصة بعض المثقفين، وهو السبب الذي يجعل جماهير شعبية تفضل الانتماء إلي حركات غير ديمقراطية، بل معادية للديمقراطية باسم الإسلام السياسي، أو باسم الانتماء للقبيلة، أو لانتماءات أخري من هذا النوع. العكس هو أيضاً صحيح، أو مرفوض شعبياً. بمعني أنه حدث تقدم اجتماعي بدون ديمقراطية في تاريخ الإنسانية، خاصة في المرحلة الأخيرة باسم الاشتراكية، أو الاشتراكية الوطنية، أو أصناف أخري مرتبطة بالتحرر الوطني، علي سبيل المثال الناصرية في مصر، أو البومدينية في الجزائر. ولكن التاريخ أثبت أن المكاسب الاجتماعية غير المرتبطة بالديمقراطية، وبالتالي غير المتأصلة في داخل المجتمع، ظلت معرضة للانقلاب، وانقلبت فعلاً ومسحت بمنتهي السرعة. أشار بالأمس الأستاذ كمال عبد اللطيف إلي عبد الله العروي، حول الحاجة إلي مرحلة ليبرالية قبل أن ننتقل إلي تصور نحو الاشتراكية في بلدان الجنوب، أنا لا أقبل هذه النظرية علي الإطلاق، واعتقد أنها نظرية تطورية تتصور أن المراحل التي مرت بها شعوب الغرب خاصة شعوب أوربا، نحن أيضاً في أطراف المنظومة العالمية الرأسمالية يجب أن نمر بها، هذه النظرية تنكر أن التوسع الرأسمالي نفسه غير الأوضاع عندنا في الأطراف بحيث أن الوضع اليوم أو بالأمس مختلف تماماً عن أوضاع الغرب في مراحل سابقة من تاريخه، وبالتالي لا يمكن تكرار هذا التاريخ، وبالتالي فإن المرحلة الليبرالية المطلوبة مستحيلة، بدليل أن البرجوازيات نفسها ليست ديمقراطية. كلام شريف حتاته بالأمس هو كلام هام جداً، بمعني أنه صحيح أن الأجيال الجديدة بشكل عام ترفض الأنماط القديمة للممارسة غير الديمقراطية، أو قليل الديمقراطية، ولو أنها ساعدت علي مقرطة المجتمع إلي حد ما خاصة في المجالات الاجتماعية، ونقدها لنواقص الممارسة الديمقراطية ليس فقط في مؤسسات السلطة، ولكن أيضاً علي مستوي مؤسسات الأحزاب والنقابات وغيرها من المنظمات الشعبية، وبالتالي أنا أري أنه لابد من النظر في الطريق إلي الاشتراكية في القرن الواحد والعشرين على أنه طريق طويل لابد أن يمر بمراحل، ولكنها ليست مراحل رأسمالية بحته، ليبرالية، قبل أن ننتقل إلي الثورة الاشتراكية المطلوبة، ولكني أرى ضرورة المرور بمراحل متتالية تجمع في كل مرحلة من هذه المراحل مزيدا من مقرطة المجتمع من جانب ومزيد من التقدم الاجتماعي، هذا الجمع يتطلب ليس الخروج عن منطق الرأسمالية بشكل مطلق وفجائي، ولكن في كل مرحلة من هذه المراحل تدخل في تناقض مع منطق التراكم الرأسمالي، وبالتالي التناقض مع الليبرالية.

البروفيسور بيتر جوان:

أود أن أتحدث فيما يتعلق بالعنصر العسكري والمشاكل السياسية والعسكرية التي تواجه الولايات المتحدة. إن الولايات المتحدة قد خرجت من الحرب الباردة وقد حصلت علي تفوق في مجال البحار والفضاء وفي كافة المجالات، وتستطيع أن تكسب دون أن تحتاج إلي أي حلفاء، إن الولايات المتحدة بهذه القدرات العسكرية كان لديها الرغبة في استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية، هي أن تدافع عن الطبقات الرأسمالية في العالم، والتي كانت تقلق بسبب التحديات السياسية والاقتصادية الداخلية وخاصة في أماكن معينة، التحديات يمكن أن تأخذ شكل حركات سياسية يقوم بها الفقراء في المدن والحضر، وفي هذا المجال بالتحديد فإن الخطط العسكرية الأمريكية بدت غير كافية، مثلاً إذا ما نظرنا إلي العمليات التي قام بها الأمريكيون فيما يتعلق بالحرب في المناطق الحضرية أعتقد أن لديهم 80 فرقة مشاة لانجاز هذه الحروب في المناطق الحضرية، ولكنهم اكتشفوا أنهم لكي يقوموا بتحرير حي واحد في منطقة فإن هذا قد يتطلب أنه سيكون هناك ضحايا تقريباً 30% من القوات الأمريكية، وإذا كنت تريد إخلاء مدينة كلها فإنك سوف تواجه مشاكل كبيرة (المقصود الولايات المتحدة) في نقل جرحاها وما يتعلق بها، ونحن نعرف الآن أن القوات الأمريكية قد واجهت مشاكل كبيرة جداً في العراق، وكانت تجربتها في حرب لبنان نتائج مريرة، ولذلك فإننا نري أن الاسرائليين وهم يشكلون فرعا من العسكرية الأمريكية قاموا بحرب في المدن في بنت جبيل مثلاً، حرب حضرية، وقد كان كل ذلك مشكلة وأزمة سياسية وعسكرية للولايات المتحدة، صحيح إن الأمريكيين يمكن أن يستفيدوا من الدعم الذي يحصلون عليه من انجلترا وفرنسا، وذلك لأن الأمريكيين لديهم 80 فرقة والفرنسيين والانجليز لديهم أيضاً أربعين فرقة يمكن أن تستخدم أيضاً في هذا المجال، إذا فالدعم الانجليزي والفرنسي سيكون محدوداً إذا ما قورن بالقوات الأمريكية، ولكن هناك مشكلة أكثر من ذلك أو أعمق هي أن القوات العسكرية والمجتمعات في الأطلنطي قد فقدت قدرة عسكرية أساسية وهي القدرة علي الموت، إن هذه المجتمعات لم تعد فعلاً مستعدة لكي تتحمل نسبة عالية من الوفيات، لذلك فإنه ينتهي بنا الأمر في وضع غريب: الأمريكيون متفوقين في العديد من الجوانب العسكرية، وهذا التفوق العسكري يعني أن الولايات المتحدة تستطيع أن تقضي علي البلدان الصناعية، سواء من الجو، من البحار، تستطيع الولايات المتحدة أن تقضي علي ألمانيا بلا مشكلة، ولكن ما لا تستطيعه الولايات المتحدة في الوقت الحالي هو الدخول في حرب مكثفة في المناطق الحضرية ضد الحركات السياسية التي تتحدي المفهوم الرأسمالي، وهذا ما لا تستطيع أن تحققه الولايات المتحدة الآن، وهذه هي الأسباب السياسية الأساسية التي تمنع الولايات المتحدة من استخدام سلطتها العسكرية الذي يمكنها من قيادة العالم الرأسمالي.

د. ماهر الشريف: أنا اعتقد أن هناك سوء فهم فيما يتعلق بموقف أو فكرة عبد الله العروي، هو لا يقول إن علينا أن نعود لنمر في مرحلة ليبرالية، يقول بأن هناك مرحلة تاريخية ليبرالية معلقة لا يمكن لشعوبنا أن تتقدم إلا إذا أنجزت هذه المهمات. هذه المهمات الليبرالية المعلقة التي بلورها مفكرو عصر النهضة في الإصلاح الديني، التحول من مفهوم الرعية إلي مفهوم المواطنة، تحديث اللغة العربية، تحرير المرأة، دولة القانون، الحرية، إلي آخره هذه المهمات بقيت معلقة في مجتمعاتنا. اليسار العربي خلال العقود الماضية لم يعر أهمية لهذه المهمات، لماذا لأنه ركز علي قضية التقدم الاجتماعي، تبني مقولة أننا علي أساس سمة العصر ننتقل علي مستوي الكون من مرحلة الرأسمالية للاشتراكية، نحن جزء من هذه الحركة العالمية التي تنتقل من الرأسمالية إلي الاشتراكية، وعلي اليسار من أجل فتح آفاق الاشتراكية أن يسعي من أجل حل هذه المهمات، لا يمكن اليوم ان نتقدم نحو الحداثة إذا لم تحل مشكلة الإصلاح الديني، لابد من ثورة في فهم الدين في هذه المجتمعات، لا يمكن أن نتجاوز مشكلاتنا إذا لم نتحول من مفهوم الرعية إلي مفهوم المواطنة، لكي تحل مشكلة تحرير المرأة حلاً صحيحاً، وبما أن البرجوازية قد تركت هذه المهمات، فعلي اليسار اليوم أن يتبني هذه المهمات ليصل إلي الاشتراكية، وليس ليصل إلي مرحلة ليبرالية.

السفير آرني سيفرت: اتجاه الاتحاد الأوربي هو اتجاه في أن يكون هناك اتفاق في شمال الأطلنطي، في سبيل إعداد نظام عالمي جديد، والشرق الأوسط جزء من هذا النظام العالمي الجديد، إذا فتحت الراديو في ألمانيا تسمع أخبار دائماً عن إيران، وعن نشر قوات عسكرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، إننا نسمي أنفسنا المجتمع الدولي، ونستبعد بقية دول العالم، وإنني أقول إننا يجب أن نتحدث ونعبر عن وجهات نظرنا، ويجب أن نصمم علي أنه من حقنا أن تكون لدينا إرادة، وأن تكون هذه الإرادة متوفرة في البلدان النامية مثل أمريكا اللاتينية. الاتجاه الآخر هو رغبة الاتحاد الأوربي في التدخل، التدخل ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط ولكن في القوقاز وجنوب الصحراء، وغرب أسيا، هذه السياسة التي ترغب في إعادة التدخل سوف تزيد من حدة النزاع، هذا يعني أن أهمية إسرائيل بالنسبة لأوربا تنمو بشكل كبير. إن أوربا تحتاج إلي إسرائيل باعتبارها رأس الحربة في الشرق الأوسط. الاتجاه الثالث في أوربا هو القوة مرة أخري، وهذا ليس أمرا يهم أو يقلق العرب فقط، ولكنه يقلق الاتجاه اليساري في أوربا، لأن إعادة استخدام القوة يعني توطين الحرب كوسيلة سياسية. الملمح الثالث هو الاتجاه لاتخاذ موقف ضد الإسلام السياسي، وهو من الأمور التي يجب أن نلتفت لها، كلما نظرت حولك، تجد أنهم ضد الإسلام، ليس فقط لحماية اليهود أو إسرائيل، ولكن هذا الاتجاه يظهر في موقفهم ضد حزب الله، وضد حماس، المهم هو كيف نستطيع أن نتعامل مع الإسلام. النقطة الأخيرة هي السيطرة. إن أوربا لا تستطيع أن تسمع أي شئ عن التعايش السلمي، إنهم يريدون السيطرة، أود أن أنهي حديثي بأنه يجب أن نسأل أنفسنا، ما الذي يمكن أن يقوم به اليسار لعكس هذه الاتجاهات كلها؟ أين هم العرب؟ وهذا لا يمكن أن يكون دون أن نجد نقط الالتقاء مع النظم في هذه المنطقة، لأن هذه النظم هي التي تستطيع أن تحدد هذه الحدود، هل الاهتمام الأساسي هو البترول، هل الجوانب المالية، أو غيرها؟

الأستاذ سلامة كيلة : مداخلة الدكتور محمد السيد سعيد حاولت أن تجيب علي سؤال مهم وأساسي، لماذا الحرب التي تقوم بها الدولة الأمريكية؟ إن الرأسمالية لها نمط توسعي في الحروب والتالي بدأت بالاستعمار واستمرت للسيطرة علي أسواق المواد الأولية، ولكن هل هذا هو السبب الذي دفع الدولة الأمريكية للبدء في الحروب طويلة الأمد منذ انهيار الدول الاشتراكية؟ لا شك أن للمجمع العسكري الصناعي دورا، وهذا ما حاول أن ينفيه د. محمد ، ولكن المسألة الأساسية بالنسبة لي تتعلق بوضع أمريكا في العالم منذ بدء الأزمة، أي قبل انهيار المنظومة الاشتراكية، حيث بدا أن وضع الاقتصاد الأمريكي في إطار النمط الرأسمالي يهتز، وبدأت تطرح الأسئلة حول من هي الدولة التي سترث الولايات المتحدة في السيطرة علي الاقتصاد الرأسمالي العالمي، في ذلك الوقت طرحت اليابان، وبعض الجهات حاولت أن تطرح الاتحاد الأوربي إذا نجح في التقدم وفي التوحد، من هذا المنطلق أعتقد أن الولايات المتحدة طرحت تصورا للعالم يوافق استمرار سيطرتها علي الاقتصاد العالمي، عبر آلية حاول أن يسميها هنري كيسنجر قبل أحداث 11 أيلول "الديكتاتورية العالمية"، لأنه انطلق وعبر انطلاقه كان يركز علي جانب هامشي هو أن تداخل الأسواق المالية سيؤدي إلي أن أية هزة في الاقتصاد العالمي سوف تؤدي إلي انهيار الاقتصاد الأمريكي. ركزت الولايات المتحدة علي خلق بيئة أمنية دولية توافق مصالحها، وكانت الحرب هي النقطة الأساسية، مستغلة أنها هي الدولة الوحيدة التي تمتلك أقوي جيش في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبذلك عملت علي تحويل تفوقها العسكري إلي فعل اقتصادي من أجل السيطرة أو احتكار المواد الأولية والأسواق لقطع الطريق علي الصين وروسيا، ولكن أيضاً من أجل ترتيب العلاقة مع الرأسماليات الأخرى بما يضعف قدرتها التنافسية في مواجهة الاقتصاد الأمريكي، لهذا تسعي لإعادة ترتيب العلاقة في إطار التشابك القائم من أجل تحويل الرأسماليات الأخرى إلي رأسماليات من الباطن، بمعني أن تحتكر الشركات الأمريكية الأسواق والمشاريع، وأن توظف الشركات الأوربية من أجل مصلحة الشركات الأمريكية، هذه هي النقطة التي تدفع إلي الحرب أو المزيد من الحرب، وأعتقد أنها ستدفعنا إلي عقد أو عقدين من الحروب المستمرة. النقطة الهامشية التي أود أن أطرحها، ما يتعلق بعبد الله العروي، يبدو أن كل منا يقرأ عبد الله العروي من زاوية، عبد الله العروي لا يقول بالمرور بالمرحلة الليبرالية، يقول بالضبط إن الفكر العربي يجب أن يستوعب الليبرالية دون المرور بالمرحلة الليبرالية، ولقد طرح ذلك في سياق بحثه في الماركسية لأنه يري أنه لا يمكن استيعاب الماركسية دون استيعاب الفكر الأوربي الحديث.

النائب توبياس فلوجر: عندما نقوم بتحليل الحرب ضد العراق وأفغانستان، وعندما نفكر في إلاعداد للحرب ضد إيران، فإننا نري أن كل هذه الحروب لم تكن لتتم إلا بتعاون البلاد المجاورة لهذه البلدان، هناك العديد من القواعد العسكرية التي تتم منها هذه الحروب، ومعظم هذه القواعد موجود في البلاد العربية، في الكويت قواعد عسكرية كبيرة جداً، هذه القواعد استغلت في الحرب ضد العراق، وهذا سؤال مهم جداً أوجهه للاتجاه اليساري حيث يجب أن يقفوا موقفا معاديا لهذا السلوك. وكذلك هناك تعاون كبير جداً بين الحلف الأطلسي وبين الدول العربية، وأعتقد أن اليسار في أوربا وفي الوطن العربي يجب أن يكافح ضد عمليات التسليح وبناء القواعد العسكرية وتعذيب السجناء، سؤالي إذن لكم، إنني أسأل الاتجاه اليساري في البلدان العربية، كيف تناقشون أمور الاتحاد الأوربي، أود أن أعرف ذلك.

مصطفي مجدي الجمال : أنا لست من أنصار التفسير الواحد للظاهرة الواحدة، وأخشي أن تنزلق التفسيرات إلي التفسير الاقتصادوي للحرب.أعني أن هناك عوامل أخري تتضافر مع الاقتصاد، بمعني أن اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية هناك نمو هائل لأيدلوجية المحافظين الجدد، هذه الأيدولوجية قائمة علي الحرب، فالأيدولوجية تلعب دورا مغذيا ودورا مستقلا بشكل نسبي. النقطة الثانية هي أنه كلما قامت إسرائيل بعمل عسكري يسارع القادة الأوربيون إلي الحديث عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، حتي أصبحت بمثابة نكتة لدي المواطن العربي، لأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك ما بين 200 و250 قنبلة نووية، وإسرائيل هي الوحيدة التي لا تفتش منشآتها النووية، وعلي الرغم من هذا فإن العالم صامت تماماً عن هذا. ومن النكت أن القادة الاسرائليين لا يكفون عن المطالبة بشكل يومي بفرض عقوبات علي إيران، والتفتيش علي منشآتها النووية، مع أنه من المؤكد انها لم تصنع قنبلة نووية حتي الآن، لمجرد الشك في نيتها في صنع قنبلة نووية. النقطة الثالثة تتعلق بالتطور في العقيدة القتالية علي الجانبين، بمعني أنه أصبحت العقيدة العسكرية للولايات المتحدة اليوم قائمة علي القصف الجوي المتواصل، وهو الذي طبق في العراق ثم صربيا، ثم في العراق مرة ثانية، بهدف تطهير الأرض تماماً من أي مقاومة مهما كانت التكاليف التي تقع علي المدنيين، أصبح القادة العسكريون الأمريكيون يتفاخرون بأنهم يضربون الكباري والمنشآت الصناعية أو الطرق. ورغم ذلك يتم التركيز علي تكتيك الطرف الآخر وهو ما يسمي بالحرب اللانظامية، والتجديد فيها بما يسمي بالحركات الاستشهادية، أنا قد لا أقبل بالعمليات الاستشهادية، ولكني أحترم هؤلاء الآلاف من الشباب الذين لديهم استعداد للتضحية بحياتهم من أجل القضية، قد تكون القضية مشوهه في أذهانهم، ولكن يجب أن نفهم أن هناك آلافا من الشباب علي استعداد للتضحية بحياتهم من أجل هدف ما، وهذا هو ما يملكه الشعب الفلسطيني من تكتيكات لمقاومة الجبروت العسكري.

الأستاذ حلمي شعراوي: هل مطلب الديمقراطية، أو نموذج الديمقراطية في أوربا والولايات المتحدة أدي للحد من تصاعد التدخل العسكري لمعسكر الرأسمالية في بلاد الجنوب والعالم العربي خاصة، والسؤال هو لماذا لم يمنع التطور الديمقراطي بهذه النسبة العالية في الغرب من اللجوء للعامل العسكري في التعامل معنا. تاريخ العلاقة بين الغرب والعالم العربي هو تاريخ التغلغل عن طريق رأس المال، والحداثة، واللبرلة، والآن الضرب العسكري رغم أن الموديل الديمقراطي عال جداً في نظر الكثيرين علي المستوي الغربي، نحن كنا ندهش هنا في العالم العربي أثناء ضرب العراق، أن المظاهرات بالملايين في شوارع لندن علي سبيل المثال، بينما الطائرات تنقل الآلات والأسلحة لضرب العراق، كيف نبرر هذا. إن النخبة الحاكمة والمسيطرة نخبة انفصلت عن العملية السياسية، وأصبحت عسكرية ومتميزة، وهذا يعطي مثلا سيئا في بلادنا، وهذا هو سؤالي الثاني: إلي أي حد تعتبر الديمقراطية في بلاد العالم الثالث، والبلاد العربية بوجه الخصوص، مبررا للتدخل، أو عدم التدخل، هل هناك صلة لو قبلنا اللبرلة الديمقراطية علي النمط الأمريكي أو الفرنسي هل يعفينا هذا من التدخل العسكري؟ النقطة الأخيرة، هل علي المستوي الأوربي هناك تأكد من أن السياسة الأمريكية والعسكرية الأمريكية قائمة في تصعيدها الذي حللتموه هنا علي خلق عدم الاستقرار، وصورته العليا الفوضى البناءه، استقرار المصالح في النظرة الأوربية هي بأجواء الفوضى، في الصومال، في دارفور، في أفغانستان في العراق. هم سعداء بهذا وهذا يبرر لهم تطوير صناعة السلطة والقوة والسيطرة، يبدو أوربا قابلة بهذا، ونحن في العالم العربي الأوضاع كلها لا تتيح فرصة إزاء هذه السياسة الأمريكية والأوربية، لا تتيح فرصة لتفكيرنا في عملية اللبرلة أو التحديث. فيما يتعلق بحديث ماهر وسمير أمين، مهما كانت قضية العبور بكذا أو كذا، هذه قضية تبدو في العالم العربي منفصلة عن مشكلة التدخل الأجنبي الغربي، هذه هي مشكلتنا نحن الداخلية، ويجب أن لا نسمح لهذه الكمبورادوريات الحاكمة أن تعالجها، هذه ثمة مشكلة داخلية، لا صلة لها بوقوفنا ضد التدخلات العسكرية بهذا الشكل.

د. عبد الله ساعف: أريد أن أذكر بعرض البارحة لتوبياس، حول كثافة التدخلات الأوربية ، لكن في رأيي هذه نزعات محددة، ولكنها ليست بالشئ الجديد، ولا يجب أن تفهم علي أنها انحرافات مفاجئة، لنتذكر ماذا وقع حتي قبل الحرب علي العراق الأولي، قبل سنة 90، عندما أنشئت قوة أوروفور، والنقاشات التي تلتها، هذه نزعة حاضرة منذ حقب طويلة، أظن أنها نزعة موجودة منذ البداية في المشروع الأوربي.المسألة الثانية في كونها فقط ترتيبات مكملة للجهاز السياسي، دور العسكريين ليس دورا معزولا أو أحاديا، هذا فيما يتعلق بعسكرة المشروع الأوربي، حسب ما جاء في ورقة البارحة. النقطة الثانية تتعلق بالحوارات عبر الأطلسية، أظن أنه حتي علي المستوي العسكري تبين هذه الحوارات أن الأجندة نفس الأجندة، فيما يتعلق بالمضامين، الأولويات قد تختلف، والتفسير قد يختلف، لكن المثير جداً أنه توجد فضاءات المؤسسات تحتوي هذه الرؤى العبر أطلسية كما يقال، النقاش حول المشاريع بين الولايات المتحدة والمجموعة الأوربية، الاختلاف في رأيي يكمن في الطابع العملياتي للمشروع الأميركي، المشروع الأوربي قد يبدو غير مكتمل، في مستوي معين من القوي من بناء القوي، يبدو أن هناك تفاعلا وترتيبا في محطات عديدة عبر توصيات مجلس الأمن، لقاءات معمقة بين النهجين، العسكرتارية الأمريكية والأوربية تتقاطع هنا، تتميز هناك، تتناقض في مكان آخر.




















(4) الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فرص وتحديات مؤتمر السلام في الشرق الأوسط


الأستاذ فهد سليمان: انطلقت عملية السلام من مدريد في أكتوبر 91، وعادت إلي أوربا بعد أن فشلت من أن تحرز أي تقدم بمباحثات واشنطن للسلام، كان اتفاق أوسلو بسبتمبر 93، وبرتوكول أوسلو الاقتصادي في باريس أبريل 94، وكانت محطات استضافت مفاوضات الوضع الدائم بين النرويج والسويد علي مدار 98و99 وصولاً إلي العام 2000، محطات السلام ومؤتمر السلام حملت أسماء العواصم الأوربية، أكثر من هذا تحولت أوربا إلي الممول الرئيسي الأول لمشروع إقامة السلام في فلسطين، فالدول الأوربية مجتمعة هي المساهم الأكبر في تمويل موازنة السلطة الفلسطينية، ولكن المفارقة تكمن في أن الممول الأول وصاحب الكلمة الأولي في المال هو صاحب الكلمة الأخيرة في السياسة، إذا ما فهمنا بأن هذه الحكومة مفترض بأن تكون حكومة وحدة وطنية أي تضم جميع الاتجاهات والقوي السياسية الفلسطينية، وأري أن خير إطار يناقش عملية السلام هو ذلك الذي تتوجه له عملية السلام، بين الفلسطينيين والأسرائيلين، والذي له مصلحة قبل غيره، أقصد أوربا.

الأستاذة ليلي غانم: أريد أن أسجل اعتراضي في عنوان الجلسة، لأنني لا أعتقد بأن هناك صراعا إسرائيليا فلسطينيا اليوم، قضية فلسطين، هي قضية متعلقة بالديمقراطية، وحقوق الإنسان والإنسانية جمعاء، اليوم الشعب الفلسطيني يذبح أمام كل العالم، لذلك فالكلام عن صراع إسرائيلي فلسطيني أعتقد أنه مغالطة، وكذلك مسألة فرص السلام. نحن نعيش الحرب الدائمة ضد الإرهاب، والحرب الوقائية ضد الإرهاب. البحث بأزمة الاستراتيجيات الأمنية بالشرق الأوسط هو بحث في العلاقة بين طرفين في الأساس غير متكافئين يتكون أحدهما من الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، والطرف الضعيف من الدول العربية بمنطقة الشرق الأوسط. هزيمة 67 شكلت منعطفا إذ أسفرت عن ميلاد سلطات جديدة نشأت من داخل السلطات الشعبية المنهارة وانقلبت علي طموحاتها السابقة، وأسفر عن ولادة جديدة لدولة إسرائيل، لندخل بعد ذلك في مسار التبعية السياسية والاقتصادية الأمريكية وإشراف مؤسسات بريتون وودز. المشكلة الأساسية أن الفراغ السياسي هو عنصر أساسي في تنفيذ الاستراتيجيات الأمنية في المنطقة، وهو الذي أدي إلي تخلي السلطات العربية عن المسألة الفلسطينية وإلي اعتبارها مسألة خاصة بالفلسطينيين وحدهم، وشجع الإدارة الأمريكية علي احتلال هذا المجال لصالحها، علي أثر تحولات تاريخية في النظام العالمي، هذه التحولات في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الاستقرار في الشرق الأوسط، وهو ما جعل السياسة الفلسطينية تبدو كمجرد سيناريو لما تشهده ساحات أخري، وبدا أن جوهر المخطط الأمريكي هو السير بالمنطقة إلي آتون الحرب الأهلية الدائمة، من خلال تدمير المجتمعات العربية وتفكيكها إلي قبائل وعشائر، ولا يخفي المسئولون الأمريكيين ذلك، السؤال الآن هو: بماذا يتفق الاتحاد الأوربي مع هذه السياسات والاستراتيجيات؟ وبماذا يختلف معها؟ حاول الاتحاد الأوربي توظيف مقاربته السياسية مع السلطات العربية في مؤتمر مدريد في 91، ثم في مباحثات برشلونة وغيرها، ثم في مباحثات اللجنة الرباعية، وما زال يبذل الكثير من الجهد الدبلوماسي دون طائل، فالسلطات العربية اقتنعت بالتجربة العملية أن الحل والربط هو في البيت الأبيض، وأريد أن أذكر هنا أن إسرائيل هي أول من بدأ برفض أي مبادرة أخري غير المبادرة الأمريكية. وقد بقي اليسار الأوربي أسير فهم المسألة اليهودية في أوربا، وأسير النظرة السلبية للرجعية العربية، وظل متردداً رغم التقاء إسرائيل والرجعية مع القوي الرجعية واليمينية أكثر من أي وقت مضي، ومع أكثر تيارات المؤسسة الأمريكية رجعية، وكذلك رغم أنه يلعب دورا معهم بمسار العولمة. هل يمكن لسياسات بديلة تؤدي إلي السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، أن تري النور، هذا يتوقف علي تغيير المعادلات داخل المجتمعات العربية نفسها، والأوربية وغيرها، بشرط أن تحشد الفئات الاجتماعية المتضررة من سياسات التهميش، وهدر الحقوق والحروب وعدم الاستقرار، أن تكف أوربا عن منح إسرائيل حق الاستثناء، وارتكاب جرائم حرب في فلسطين ولبنان باسم حماية أمنها. لا ننسي أن الصفقة الكبري التي عقدت للانفتاح الاقتصادي في مصر هي ضمن صفقة تصالح مع إسرائيل، دائماً ما نري فتح الأسواق والنهج الليبرالي متلازما مع موضوع السلام مع إسرائيل. يجب أن تكف أوربا عن المطالبة بفتح الأسواق العربية أمام الشركات الكبري وإلغاء الحماية الجمركية وخصخصة القطاعات العامة، بما فيها خصخصة الماء والكهرباء والصحة والتعليم، إلي تحرير الأسعار ورفع الدعم عن المواد الغذائية وغيرها، أي أنه بمثابة مشروع استعماري بدون احتلال مباشر. أن تكف عن تدمير الاقتصاد الفلسطيني، الذي أوشك علي الانهيار، وإرغام الاقتصاد الفلسطيني بالاعتماد علي الدعم الخارجي، وفي إخضاع هذا الاقتصاد لأولويات الدول المانحة. إن القضية الفلسطينية كانت وما زالت جزء من إستراتيجية أمنية تشمل شعوب المنطقة، ولم يعد فك الارتباط ممكناً بينها وبين ما يحدث علي الساحات الأخرى، وبالأخص العراقية واللبنانية، وهي بذلك البرهان علي أنه لم يعد من الممكن فصل المسألة الاجتماعية والديمقراطية عن المسألة الوطنية.

البروفسور نورمان بيتش: كما تعلمون فإنني محام، لذا فسوف ترتكز مداخلتي علي بعض التحليلات القانونية لهذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكيف يمكننا أن نضع القواعد القانونية لعملية السلام، يمكننا أن نضيف مداخلتي تحت عنوان اليسار ودور القانون، وبعض الملاحظات العامة حول تقييم الوضع الراهن. إن المسألة الفلسطينية حتي الآن ليس لها حل رغم مرور نصف قرن من الزمان، بدأ الأمر بعملية تقييد الحركة للفلسطينيين الذين يعيشون هذه الظروف، وهذا بالفعل أدي إلي وجود بعض الإرهاب ضد المدنيين الإسرائيليين، وأصبح هناك اتساع لدائرة العنف، وحدث هذا مع التوسع الأول للمستوطنات في الضفة الغربية، وبعد ذلك جاء ضم معظم أراضي الضفة الغربية إلي الأراضي الإسرائيلية، كانت هناك محاولات لضم هذه الأراضي التي استقطعت من الأراضي الفلسطينية سواء من عن طريق الحرب، أو عملية التحول، هذه الخطة وضعت نهاية لمسألة الدولتين اللتين تعيشان معاً، ولم يكن هناك أحد يريد أن يتقبل نتائج العملية الانتخابية الديمقراطية الفلسطينية، في الحقيقة أنه يخجلني أن أعيد عليكم المبادئ التي ظلت موجودة لقرون ولم تتغير، هناك أربعة شروط يتعين أن تتوافر حتي تنتهي حالة الحرب والتحول إلي حالة من السلام الدائم: الأول هو إخلاء كافة المستوطنات في الضفة الغربية، الشرط الثاني هو السماح بمعيشة الجميع في القدس من كافة الأديان والمعتقدات، ثالثاً اللاجئون و المستبعدون يتعين تعويضهم، أخيراً إعلان قيام حكومة فلسطينية مستقلة. بعد ذلك جاء بناء الجدار العازل علي الأراضي الفلسطينية، والآن يتعين علينا أن نواجه مشكلات جديدة تتعلن بترتيبات أمنية متبادلة، وحقوق العبور وحرية الحركة بالنسبة للعمال والأموال بين الدولتين علي هذه الأسس، وفي 9 أبريل 2004 استطاعت محكمة العدل الدولية أن تعطي رأياً استشارياً اقترحت فيه حل المشكلات القانونية وذلك حتي يكون هناك نوع من الفحص، وبعد نهاية مداولاتها، وصلت إلي نتائج تعتبر نهائية وهي: محكمة العدل الدولية أوضحت بشكل قاطع أن الأمر لا يقتصر علي هذا الجدار والترتيبات المترتبة عليه ولكن إسرائيل لديها مستوطنات لعقود وعقود من الزمن أدت إلي تغييرات ديمغرافية في المكان، هذا الوضع تمت إدانته وتمت إدانة السياسة الاستيطانية لإسرائيل بموجب كل اتفاقيات جنيف، وبعد ذلك أكدت المحكمة، علي هذه المبادئ وكان هناك القرار الشهير 242 الذي صدر في نوفمبر سنة 1967، واللغة التي كان يستخدمها مجلس الأمن كانت واضحة، وأدي الأمر إلي وجود قرار آخر 298 في 1971، نص علي أن "كل الأعمال التي تتخذها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس بما فيها الاستحواذ علي الأراضي أو نقل السكان، أو التشريعات التي تهدف إلي تغيير الوضع في الأراضي المحتلة غير صحيحة"، وتؤدي إلي وجود مخالفة واضحة لهذه المعاهدات الدولية، وبذلك فإن كل الترتيبات والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل غير صحيحة من الوجهة القانونية ويتعين الرجوع عنها، وأن الحكومة الإسرائيلية لم تقبل بأي من هذه القرارات واستمرت في بناء الجدار العازل، بموجب مباركة الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا انتهاكاً للثقافة القانونية الدولية، يتعين أن يكون هناك اتفاق في المستقبل من خلال المفاوضات، ومن خلال القرارات التي تحل هذه المشكلة، تم وضع بعض المعايير سواء كانت تتعلق بالحدود أو استخدام الأراضي، ومخزون المياه أو وضع اللاجئين، كلها من القضايا التي يتعين الحل النهائي بشأنها.

الأستاذ عبد القادر ياسين: بعد زميلتي الأستاذة ليلي أضيف تحفظاً آخر من مصطلح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، هذا مصطلح غربي رسمي، يريدون أن يفرضوه علينا، وهناك مؤسسات سياسية رسمية عربية كثيرة رضخت لهذا الضغط، نحن أمام صراع عربي إسرائيلي في قلب معركة ضد الإمبريالية الأمريكية التي نري ركائزها علي مدي الوطن العربي، وقد تمايزنا إلي خندقين: وطني، ومهاود للأعداء. الثاني يري أن السلام خياره الاستراتيجي، ولكنه ليس سلاما، بل استسلام لمن يلهث وراء تسوية تريدها إسرائيل، فيما يري الوطنيون العرب أنه ليس هناك أي إمكانية لتسوية مع من يريد إلا إثناءنا، معروف بأن النهوض المفاجئ للمقاومة الفلسطينية أدي بمجرد هزيمة 67 إلي الوقوع في جملة من الأخطاء، عززها تصدر مجموعات وفدت في معظمها من حركة الأخوان المسلمين المحافظة، واعتمدت التلفيق والتجريب في الفكر والممارسة. في حين رفع شعار حرب التحرير الشعبية، وجدنا من تصدي للمقاومة في حينه يرحب بكل من يغادر الوطن المحتل ليغذي هذا القائد حركة كوماندز تفد من خارج هذا الوطن، ويعلي من شأن الفكر ينبع من فوهه البندقية، حيث أخرس الإنسان وأخضعه للحديث. وكان الشعار الغريب الثالث الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للتحرير، مع ملاحظة أن القائد نفسه عاد في خريف 88 ليعلن نبذ الكفاح المسلح دوناً عن بقية أشكال الكفاح، وهكذا انتقل من النقيض إلي النقيض قبل أن يبدأ عهد التنازلات المجانية إياها، وفجأة توقف ليضارب ويضغط بالانتفاضة حتي وصفه شيمون بيريز بأنه قائد تاريخي ولكنه توقف عند الخطوة الأخيرة ، لذا تخلصوا منه بطريقتهم. بغياب الاتحاد السوفيتي 91، فقدت القضية الفلسطينية سندها الدولي، خاصة مع انكفاء الصين علي نفسها، وفي مطلع العام نفسه كانت القضية قد خسرت الحد الأدني من التضامن العربي بفعل حرب الخليج الثانية، في الساحة الفلسطينية تم الخروج علي أوليات هامة مثل:

أولاً: في كل حركات التحرر الوطني تم رفع شعار التحرير وإن تم علي مراحل، أما في حركتنا فتحت ضغط هزيمة خروجنا من الأردن 71، تمت تقصية التحرير في البرنامج.
ثانياً: انقسمت الساحة الفلسطينية، ما بين رافض للتسوية وبين قابل بها 73، 77، بينما لم تكن الأطراف المعنية تطرح التسوية أصلاً، ووصل الصراع بين الرفض والقبول إلي حد إراقة الدماء غير مرة.
ثالثاً: لا نزال نبتلع الطعم الإسرائيلي ونتوهم بإمكانية التسوية مع عدونا الذي يحلم بإثنائنا، حيث ثمة إجماع إسرائيلي علي رفض التسوية والعمل علي تصفية قضيتنا.

رابعاً: ثمة من لا يزال يحتكم لعدونا الرئيسي الإمبريالية الأمريكية، يراهن علي معسكر سلام لا وجود له في إسرائيل، وحتى لو وجد فهو في أشد الحاجة إلي عمل مؤثر منا يعمل علي تعزيز ذاك المعسكر. تمكنت من اليسار علي المستوي العالمي أزمة خانقة بعد أن تقوض المعسكر الاشتراكي، بعد أن انفرط عقد الاتحاد السوفيتي، أساساً بسبب الغياب المديد للديمقراطية هناك، شرق أوربا، مما أفضي إلي وقوع الأقطار الاشتراكية في أيدي البيروقراطيين، وما تبقي مجرد تفاصيل، في فلسطين زادت أزمة اليسار هناك عن غيره في أي قطعة من العالم، فقد تركت الأزمة العامة للحركة الوطنية الفلسطينية بصماتها علي اليسار الفلسطيني حتي أنه عجز عن تقديم منحي جديد للحركة الوطنية، رغم الجهد النظري اللافت للجبهة الديمقراطية في هذا الصدد، ووقف اليسار عاجزاً مشلولاً أمام القيادة الوطنية المتنفذة في توريط الحركة الوطنية في اتفاق أوسلو سيئ الصيت، ووقف بعض اليسار وراء تلك القيادة المتنفذة في هذا الاتفاق، في حين عارضه البعض الآخر من اليسار، وحين تفشي الفساد وبائياً في الحكم الذاتي، لم يعرف عن أي طرف يساري أنه تبني مشاكل جماهير الضفة والقطاع في وجه ذاك الفساد، بل إن أسماء يسارية معروفة انخرطت في مشاريع مشبوهة إساءة لليسار عموماً ولليسار الفلسطيني علي وجه الخصوص، ناهيك عن تبعثر اليسار الذي زاد في فقدان الهيبة، دون أن نتجاهل التأثير الكبير لطبقة عاملة تناضل بين هلالين في سبيل العمل في سوق عدوها الوطني، مما يجعل تجديد اليسار وتوحيده من أكثر المهام إلحاحاً مع إيلاء العمل علي خلق مجتمع منتج في الضفة والقطاع الأهمية التي يستحقها، فبعد أن يتعافي اليسار الفلسطيني فحسب يستطيع أن يفلت بالقضية الوطنية من مأزقها.

فهد سليمان: أود أن أشير إلي نقطتين، النقطة الأولي الكلام عن صراع إسرائيلي فلسطيني هو كلام صحيح بلا أدني شك، من الناحية العملية منذ اتفاقيات واشنطن، انقسم هذا الصراع كما يقال إلي مسارات، فأديرت مفاوضات أردنية لبنانية، سورية، فلسطينية، مع إسرائيل. إذا ربطتنا استقلال المسارات عن بعضها البعض باتفاقيات التي جري التوصل إليها بين مصر وإسرائيل من جهة، والأردن وإسرائيل من جهة أخري لبات واضحاً أننا أمام صراع فلسطيني إسرائيلي يؤطر بوجه الحل، خاصة أن جوهر الصراع القائم في المنطقة إنما يدور علي وحول الحقوق الفلسطينية، ولكن هذا بالطبع يمثل الجانب الرئيسي من الواقع، لكنه لا يغطي المشهد بالكامل لأننا شئنا أم أبينا بالواقع السياسي والنضالي العملي، ثمة تواشجات، بين الحالة الفلسطينية والحالة العربية، وبالتالي مهما تم التركيز علي خصوصية البعد الفلسطيني في الصراع القائم لا يمكن أن يستقيم النقاش ما لم يستوعب ضمن القضايا الرئيسية التي توجهه وتتحكم بالبعد العربي في هذا الصراع، النقطة الثانية التي أود الإشارة إليها وهي ما يلي: من المفيد من الناحية العملية التركيز علي النقاط التالية، وهذا مجرد اقتراح، الموضوع الأول: هل نحن فعلاً متفقون علي المرجعية القانونية، التي بموجبها يمكن أن نضع المسألة الفلسطينية علي سكة الحل، مثلاً هل يمكن أن نناقش الحقوق الفلسطينية، بمعزل عن قدس شرقية بحدود 67، خالية من الاحتلال وتمارس عليها سيادة الدولة الفلسطينية. ما هو المطلوب منا كفلسطينيين، أو كيف يتصور الأخوة والأصدقاء الأوربيون القضايا التي ينبغي علينا أن نلبيها كفلسطينيين، حتي تتقدم عملية التسوية. النقطة الثالثة: ما هو تصور الأخوة الأوربيين لأشكال العمل والضغط التي يمكن أن تمارس من قبلهم لسد هذه الفجوة القائمة بين سياسة رسمية يتم الإعلان عنها بإطار المؤسسات الأوربية، وبالتالي ما هي أدوات الضغط والعمل التي يجب اللجوء إليها من خلال المؤسسات السياسية والشعبية والمدنية، والنقابية وغيرها ، أوربياً حتي يتم تصويب هذه السياسة الرسمية.

سعد الله مزرعاني: أولاً لابد من ملاحظة الربط ما بين تقدم المشروع الأمريكي من خلال الإدارة الحالية، وتعطيل محاولات التسوية في الشرق الأوسط، منذ مجئ بوش الذي تحالف بشكل وثيق مع شارون، تقريباً من سنة 2000 توقفت كل المفاوضات بالشرق الأوسط، جري اللجوء إلي القوة تحت عنوان الشرق الأوسط واستغلال أحداث 11 أيلول، لإعلان إستراتيجية الأمن القومي الأميركي 2001 الصادرة عن البيت الأبيض، وهي صريحة في استخدام القوة في الحروب الوقائية. الآن كشفت نتائج الحرب في العراق، كشفت جموح وحدود القوة. صدر كلام في أوربا، وفي أماكن أخري حتي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال لجنة بيكر- هملتون، هو أن الفشل الأميركي داخل العراق وفي لبنان، أعاد أو لا بد من أن يعيد البحث بالموضوع الفلسطيني بوصفه جوهر الصراع في الشرق الأوسط، ، سعد الدين إبراهيم مثلاً قرأت له مؤخراً كلمة من نوع، لقد أحبطتنا الولايات المتحدة، الذين كانوا يراهنون علي الاحتلال علي أنه يحمل لهم الديمقراطية، اليوم عادت لهم واشنطن إلي محور الاعتدال، دول الخليج بالإضافة إلي مصر والسعودية والأردن.

السفير أريك رولو: لابد أن يكون المرء ساذجاً أو غير حسن النية عندما نتكلم عن عملية السلام، عندما يتعلق الأمر بفلسطين، ربما يمكننا التحدث عن عملية استيطان أو احتلال، لأن إسرائيل عمرها لم ترد أي متر مربع واحد من المساحات التي احتلتها عسكرياً، وهنا أنتقد الموقف الأوربي، ليس جميعها، ولكن الاشراكيين الأوربيين الذين يتحدثون عن عملية السلام ويناقشون هذه الكلمات. كنت أقول ببساطة إن إسرائيل دائماً قد تعارض استرجاع أو إرجاع أي متر مربع. في 63 كنت أقوم بعقد لقاء صحفي مع عبد الناصر، وعلي عكس ما كان يعتقده الجميع، كان عبد الناصر مرحباً بذلك، وكان يعرف أنني بعد لقاءه في القاهرة سوف أتوجه لإسرائيل، وكان يقول لي إذا ما كنت ستواجه رئيس وزراء إسرائيل قل له إن مصر والعرب علي استعداد لصنع السلام بشرطين أن تقوموا بإرجاع الأراضي التي قمتم باحتلالها، فيما يتعدي التقسيم، وأن تقبلوا أيضاً إعادة توطين اللاجئين، وكنت بعد عدة أسابيع في زيارة لتل أبيب وقمت بلقاء ليفي أشكول، الذي كان رئيس الوزراء، وكان يعد أكثر المعتدلين بين الصهيونيين، وعندما قلت له ما قال ناصر، رد علي بالغة الإنجليزية، لا سنتيمترا واحداً ولا لاجئاً واحداً. هذه السياسة لم تتوقف لحظة منذ هذا التاريخ، واسمحوا لي أن أذكر لكم الذريعتين الأخيرتين اللتين يبدو أن اليسار الأوربي لا يفهمهما جيداً. تعلمون الشروط التي فرضتها اللجنة الرباعية: اعتراف بحق الإسرائيليين في الوجود، وليس بدولة إسرائيل، الأمر مختلف تماماً يمكننا الاعتراف بدولة، ولكن يطلبون من حماس أن يصبحوا أنصاراً، الأمر لا يتعلق بدولة. الشرط الثاني: علي الفلسطينيين لابد من وقف العنف، إذن يمكننا أن نجيب بشكلين علي هذا السؤال، ميثاق الأمم المتحدة لا يعترف بحق الدول المحتلة في اللجوء إلي العنف. هذا شرعي وقانوني، ولا يوجد أي نص في الأمم المتحدة يعطي الحق لأي دولة محتلة في اللجوء للعنف، هذا أسلوب للإجابة، وهناك أسلوب آخر أن نقول نعم نوقف العنف ولكن برجاء أن توقفوا هذا القذف الأعمى الذي يقوم بقتل مئات من المدنيين الذين ليس لهم أي علاقة بالحرب، وهذه الاغتيالات المستهدفة، إنها جرائم حرب، يتم قتل الأفراد لمجرد الشك في أنهم أعضاء في منظمة ما.

د. سمير أمين: أود أن أضيف نقطة إلي ما قاله السيد رولو، إن ميثاق الأمم المتحدة ينص أو تعرف الدولة العضو أنها لا يمكن أن تكون عضواً إلا إذا كان لها حدود معرفة، وقد تم الاعتراف ببعض الدول في عام 48، ودولة إسرائيل تم الاعتراف بها شريطة أن تقوم بتحديد حدودها بطريقة نهائية في وقت محدد، ولكن هذا لم يحدث قط، وكان يجب أن تطرد من الأمم المتحدة، فهي عضو غير معترف به، أو غير مشروع في الأمم المتحدة حتي يومنا هذا، وما من شخص علي حد علمي سواء علي مستوي البلدان العربية أو البلدان الأوربية قد أثار هذا، وهي مشروعية وجود دولة إسرائيل داخل الأمم المتحدة، وهذه النقطة يجب أن نشدد عليها، مراراً وتكراراً لأهميتها، ولكن ما لم تقله سيدي، بخلاف أنها دولة معترف بها من الأمم المتحدة، هي دولة ليس لها مكانها الشرعي بداخل الأمم المتحدة.

بير فيرتين: لن أناقش السياسات ولكني أقول بعض المعلومات، ففي أوربا وفي السويد، وهي بلادي، أكرر أن أوربا ليست موحدة، فهي علي مستوي ما موحدة، ولكن ما زالت بلادنا متفرقة، في قواعدها وتقاليدها. فالسويد ليست ألمانيا مثلاً، أود أن أقول إن اليسار في السويد يكاد أن يكون منقسماً بسبب عدة أمور، ويكون لديه أفكار بشأن عدة أمور، لكن فيما يتعلق بفلسطين والموقف من فلسطين فاليسار متحد تماماً، وإنهم يوافقون علي فكرة أن تكون هناك دولتان، كل منهما ذات سيادة، وكذلك فإن أعضاء الحزب الديمقراطي يوافقون علي ذلك. أعتقد أن الرأي العام في السويد وفي أوربا بشكل عام، قد تضاءل تأييده لفلسطين، فإن الأوربيين لا ينظرون إلي إسرائيل كجزء منهم، ولكن كجزء من الآخر أو جزء من الشرق. لدي أربعة تفسيرات، وهي مرتبطة تماما، أن هناك انتكاسة فيما يتعلق بإسرائيل والاعتراف بها، لأن حماس لا تريد الاعتراف بها، ويمكن أن نناقش هذا الموضوع، هذه نقطة هامة بالنسبة للرأي العام الأوربي وفي السويد. النقطة الثانية هي الحرب ضد الإرهاب، التي أصبحت تشكل رأينا تجاه العالم. النقطة الثالثة وهي الشهداء الانتحاريون، أصبح من المهم أن ندرك أن هؤلاء الذين يقومون بالعمليات الانتحارية يؤثرون سلباً علي الرأي العام في السويد، لأن الإسرائيليين لديهم جماعات ضغط داخل السويد ويقولون إن الإسرائيليين يستخدمون العنف تماماً كما يستخدمه الفلسطينيون. إن هذه حرب خاسرة لقد كان الانتحاريون عنصرا أساسيا في تغيير وجهة نظر الرأي العام. والنقطة الأخيرة وهي الإسلام الراديكالي. والنقطة الرابعة هي وجود فساد في منظمة فتح، كل ذلك تدخل لتغيير الرأي العام في السويد، ولذلك فإننا نجد أننا يجب أن نعود إلي ما كنا عليه. مهمتنا كممثلين للاتجاه اليساري أن نضغط على الحكومات في الاتحاد الأوربي كي تكون لها علاقات طبيعية مع الفلسطينيين، هذه نقطة هامة ولكنها غير كافية. إن الحكومات الأوربية والحكومة السويدية يجب أن تدعم الفلسطينيين وتتحدث مع مجموعات مستقلة في فلسطين: الشبكات المعنية بالديمقراطية والمعنية بحقوق الإنسان، والمعنية بعدم ممارسة العنف، وكذلك المجموعات ليست الدينية، والمجموعات العلمانية يجب أن نتصل بها، وأريد أن أقول إن هذه هي النقاط الأربع التي يستطيع بها الفلسطينيين أن يحصلوا علي الدعم، إننا يمكن أن نؤيدكم، المهم هو تصرفاتكم أنتم أو تصرفات الفلسطينيين، هي التي يمكن أن تغير الرأي العام الأوربي.

صلاح عدلي: الحديث عن السلام مرتبطاً بموقف إسرائيل وموقف الولايات المتحدة، هم لا يريدون السلام، ولكن الحل الذي من الممكن أن يقدم من القوي الوطنية واليسار للقضية الفلسطينية هو المطالبة بتسوية، والتسوية ليس معناها حلا تاريخيا، ولكن تسوية مستندة إلي الحقوق والمواثيق والقانون الدولي. أشار المتحدث الألماني في مداخلته، إلي الحقوق التاريخية، ولكن علينا تأكيد أن هناك حقا أساسيا هو حق العودة وهو مرتبط بقانون وقرار صدر من الأمم المتحدة، حق العودة وليس تعويض لهم عن الأضرار التي واجهتهم. والنقطة الثانية ليست مجرد حكومة، ولكن دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس. النقطة الثانية، هي مسألة قوة إسرائيل العسكرية الجبارة، وامتلاكها لأسلحة نووية، واختلال ميزان القوي الصارخ في المنطقة، هناك حق أيضاً للدول العربية في أن يكون لديها برنامجها النووي السلمي، هذه مسألة يجب أن تكون محل نقاش. النقطة الثالثة خاصة بالمداخلة الأخيرة حول موقف الرأي العام الأوربي من القضية الفلسطينية، أنا موافق علي ما يقال من أنه حدث تغير كبير في أوربا وفي العالم مع الانتفاضة الأولي سنة 87، والانتفاضة الثانية تواكبت للأسف الشديد مع أحداث 11 سبتمبر، وكانت سلبية علي الموقف والرأي العام الأوربي، واستغلت إسرائيل واليمين المحافظ في أمريكا وأوربا هذا الظرف وحصلوا فيه علي تنازلات كما أشار السيد رولو، هذا الموقف من التراجع الكبير مرتبط إلي حد ما ببعض العوامل، العامل الأول هو الحرب علي الإرهاب والموقف الذي تدعيه أمريكا وموقف اليسار العربي وموقف الفلسطينيين وموقف القوي الوطنية من هذه المسألة، هناك أيضاً دور عربي للتأثير علي مثل هذه الحكومات، والتأثير علي الرأي العام من أجل تعديل مواقفه تجاه القضية الفلسطينية.

د. إبراهيم السوري: سوف ينصب حديثي تحديداً في مأزق السلام في الشرق الأوسط. إن عملية السلام بصيغتها الحالية وصلت إلي طريق مجهول، واللجنة الرباعية في خطتها فيما يتعلق بخارطة الطريق لم تعد صالحة لإرساء السلام العادل في المنطقة، وبالتالي يجب أن يكون هناك رؤى جديدة، وأيضاً وسائل جديدة لإرساء السلام العادل في المنطقة، ما هو الدور الأوربي بالتحديد في إرساء هذا السلام العادل، وهل يوجد بالفعل تواطؤ عربي فيما يتعلق بإيصال السلام إلي طريق مسدود ، حين اعترفت بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي بما فيه القضية الفلسطينية وإيجاد حل عادل ودائم وشامل يتضمن إنشاء دولة فلسطينية، هذا كان هو الموقف الأوربي. ظل الموقف الأوربي ليس موقفاً سلبيا فقط وإنما يتواطأ مع إسرائيل، انعقد مؤتمر مدريد وتحت رعاية الأمم المتحدة، إسرائيل أعلنت رفضها تماماً لمشاركة أوربية في عملية السلام، وكانت تدرك إسرائيل سلفاً أن أوربا ستستجيب لهذا المطلب لأنها تعرف تماماً طوال الفترة الممتدة من 74، إلي 89 أوربا كانت رافضة تماماً للقيام بأي توصية تتعلق بالشرق الأوسط. أن إسرائيل تعتقد أن مجلس الأمن ليس هو الإطار المناسب لعملية السلام، وبالتالي أوربا هنا لا تقوم بالالتزام بمواقفها التي أعلنتها في 6 بيانات شهيرة، فينس، بروكسل، كوبنهاجن، لوكسمبورج، مدريد وروما، فبالتالي الالتزام في عملية السلام من الموقف الأوربي نفسه أن الأوربيين لا يريدون وضع رؤيتهم للسلام الوضع التطبيقي. العرب تبنوا مبدأ الأرض مقابل السلام، أي تبنوا بيان وإعلان 80، ومدريد 89، وأوربا تقول إن العرب متواطئون ولا يريدوننا في عملية السلام ، علينا أن نعرف أن الاتحاد الأوربي وليس الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر ممول لإسرائيل، أن الكره السائد للولايات المتحدة يجعل البعض يعتقد أنها هي أكبر ممول، ولكن أوربا هي الممول الرئيسي لإسرائيل، منذ قليل ذكر صلاح عدلي أن قضايا التسلح النووي وامتلاك الطاقة النووية من أجل الاستخدامات السلمية رفض أوربياً ولكن معمل ديمونه هو معمل فرنسي بامتياز، فمنذ بداية إنشائه وكل التكنولوجيا واليورانيوم المخصب والخبرة هي فرنسية، فبالتالي أوربا لديها مسؤولية مباشرة في مسألة التواطؤ الذي يحدث في قضية وقف عملية السلام في المنطقة، أوربا لها مسؤوليتان. أوربا تواجه معضلة في قضية دورها الدولي، وهل فعلاً ترغب في أن تكون فاعلاً دولياً موازناً في حالة الاستقطاب الأحادي الجانب، ولكن هناك شكوكا في القول أن الموقف الأوربي يقع تماماً تحت الهيمنة الأمريكية، وهو قول مجاف للحقيقة وليس صحيحاً، أوربا لديها مشكلاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، حاولت أن تؤكد علي هذه الاستقلالية، ولكن هذه الاستقلالية أيضا في الموقف الأوربي غائبة وممكنة التحقق، أوربا قوي عظمي رئيسية في العالم، الاتحاد الأوربي هو اكبر القوي الاقتصادية علي الإطلاق في العالم، وهو قوة عسكرية كبري، فما الذي ينقصه لكي يكون لاعباً في السياسة الدولية، أود أن أختتم بالقول إن أوربا والاتحاد الأوربي محتاجون إلي أن يعوا دورهم، وهذا الدور هم ينقصونه بشكل دائم. سمير أمين أثار قضية مشروعية إسرائيل في الأمم المتحدة، إسرائيل عضو في الجروب الأوربي لأنه ليس لديها موقع أخر، وبالتالي ما لم يكن هناك تطوير في الموقف الأوربي وعياً بذاته، ودوره في الحياة الدولية، فإن قضايا السلام ستظل في مأزق متصل.

النائب وولفجانج جيركه: نحن نتفق علي حدود 67 نتفق علي وجود دولتين، نتفق علي أن القدس هي المدينة الرئيسية بالنسبة لدولة فلسطين، وعلي إزالة المستوطنات، ونحن واضحون فيما يتعلق بوجود ضمانات دولية، ولكن هناك أيضاً بعض النقاط التي لسنا واضحين تماماً حيالها، أيضاً هناك ربما من الذين يقفون علي جانب اليسار من يقولون إن السؤال الوحيد هو حق إسرائيل وأمنها، وأعتقد أن هذا الأمر ينطبق أيضاً علي فرنسا وغيرها من البلدان. لدينا في البرلمان الألماني مناقشات، حيث تقول الحكومة الألمانية لن نتحاور مع حماس وممثليها وأيضاً يقولون لن يكون هناك حوار مع الحكومة الموحدة في فلسطين، وأنا أيضاً أعتقد أننا يجب أن نجري حوارا مع حماس، ولكن أعتقد أننا يجب أن نضغط علي الاتحاد الأوربي وعلي الحكومة الألمانية لتنهي بصورة مباشرة المقاطعة التي تفرضها علي الحكومة الفلسطينية، وأيضاً علي الحكومة الموحدة لفلسطين، ومسألة السلام في الشرق الأوسط مسألة مهمة جداً نحن نسعى إلي وجود حوار، وأيضاً مع الأصدقاء اليساريين في إسرائيل من الممكن أن نناقش بعض النقاط التي نتحدث عنها، مسألة القدس، مسألة حدود 67، وغيرها من القضايا، أاعتقد أننا يجب أن نتناقش حول هذه القضايا وكيف يمكننا أن نعمل معاً، وأنا علي يقين من أن هذا الصراع بين إسرائيل وفلسطين هو صراع سياسي، وهو أخطر صراع في الشرق الأوسط، وهناك مسائل أخري تتعلق بهذا الصراع، علينا أن نناقش هذا، ولكن البرلمان الألماني يقول سوريا مشكلة، لبنان مشكلة، إيران هي أكبر المشكلات علي الإطلاق، هناك العديد من المشكلات، نتفق علي هذا، ولكن هناك الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل وهي لب هذه الصراعات والمشكلات.

د. فوزي منصور: بعد أن سمعت كل ما قيل، أريد أن أؤكد هنا علي ما قالته الأستاذة ليلي غانم، فهو في تقديري توصيف كامل لكل القضية، وهي أن القضية الفلسطينية جزء من مشكلة العولمة، وأضيف أنها لن تحل إلا عندما تحل القضايا الرئيسية المتعلقة بالعولمة، باختصار كما تتجلي في قيادة الولايات المتحدة، لهذه الظاهرة للإمبريالية علي مستوي العالم. كلنا نعرف أن الحكام هم من أتباع وأعوان العولمة بشكلها المتوحش الذي يمارس علي شعوب العالم، ما تحدث عنه فيرتن من تحول الموقف وسط اليسار في السويد ، نتيجة لبعض الممارسات، أنا أتصور أن مناقشة الكثير من القضايا يجب أن يكون مرتبطاً بشرح قضية العولمة، والمظاهر المختلفة التي تتخذها، العولمة أيضاً تظهر نفسها في أشكال مختلفة بعضها شديدة القسوة وشديدة الوحشية. عندما تثار قضية العمليات الانتحارية أو الاستشهادية، أنا لا أرضي عنها، فهي تؤثر في الرأي العام الذي كان من الممكن تحييده وجذبه إلي جانبها، من الذي يفسر لهؤلاء الناس أن هؤلاء الشباب لو كان في يدهم أربع أو خمس دبابات من نوع متخلف، أو كام هليكوبتر، كام بندقية، يستطيعون أن يقاوموا بها القوي الباغية من العولمة، من الإنسان الذي يضحي بنفسه في عملية انتحارية إلا إذا كان اليأس وعدم رؤية البديل الآخر أمامه، أتمني من زملائنا وأصدقائنا من اليسار الأوربي أن يقدروا هذا، أعطوهم بعض الدبابات، وبعض المدافع من أجل أن يستطيعوا المقاومة، وقتها لن تجدوا أبداً عمليات استشهادية، سوف تجدونهم يحاربون.

الأستاذ ممدوح حبشي: استكمالاً لكلام الدكتور فوزي، نحن في لقاء حوار ومصارحة بين اليسار علي ضفتي المتوسط، وليس معني هذا أن العرب يقولون للأوربيين كيف يؤدون واجبهم، أو العكس، ولكن المصارحة واجبة، وهذا هو صلب الموضوع، أنا أتكلم عن شئ من النقد الذاتي، وأود أن أذكر نقطتين خلافيتين، بالنسبة لليسار العربي نحن لدينا حساسية من التعامل، أو التعاطي أو التلامس مع اليسار الإسرائيلي، وهذه مشكلة لابد من الحديث عنها باستفاضة. وبالنسبة لليسار في أوربا، أيضاً لديهم مشكلة أخري، أنهم واقعون تحت نوع آخر من الابتزاز شبيه جداً وهو العداء للسامية،وهذا الابتزاز ليس موجه لليسار وحده في أوربا، ولكنه موجه لقطاعات عريضة جداً من المجتمع، ممنوع عليها مجرد إثارة نقد لسياسة إسرائيل أو للصهيونية أو ما إلي ذلك، السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هو كيف يستطيع اليسار الأوربي أن ينتقل من موقف رد الفعل والمدافع دائماً إلي الموقف الهجومي، كيف يكون موقف صريح وواضح أنه مع المقاومة المسلحة، ولا يقع تحت الابتزاز الذي يقول بأننا ليس لنا شأن بالعنف، لابد من أن يتضح الموقف. أي أنني كيف أتعرض للضرب ولا أقاوم. المشكلة الثانية وهي مشكلة اليسار في البلدان العربية وتعامله مع اليسار في إسرائيل، هذه مشكلة لها سببان، أولاً أن شعار المقاطعة، وشعار رفض التطبيع مع دولة إسرائيل، شعارات في الأساس يسارية، بمجرد أن انتقلت هذه الشعارات لتيارات أخري، كالقوميين والإسلاميين فقدت معناها، فقدت المحتوي الذي قامت من أجله، ووصل الأمر أننا بشعار المقاطعة أصبحنا نقاطع الفلسطينيين أحيانا. النقطة الثانية وهي اللبس الكبير الموجود في تعريف اليسار الإسرائيلي، بمعني أن كل ما هو يسمي نفسه حركة سلام في إسرائيل يعتبر يسارا، وهذا أبعد ما يكون عن اليسار لأن اليسار بالمعني الطبقي وليس بالمعني القومي، ومن يسمون أنفسهم يسارا في إسرائيل هم ليسوا يساراً ولا حركة سلام، فعلاً طالما أن حركتهم علي أساس صهيوني، ومع ذلك هناك مجموعات إسرائيلية، هناك بالفعل يسار حقيقي من مصلحتنا ومصلحته أن يحدث تواصل، ولكن للأسف الشديد أنه علي درجة كبيرة من الضعف لا تماثلها إلا درجة ضعف اليسار في البلاد العربية ، فنحن كيسار عربي واقعون تحت هذا الابتزاز، أنا لا يمكن أن أقارن هذا إلا بابتزاز المعاداة للسامية في أوربا، لذا يجب أن نبدأ بأن ننتقل خطوة إلي الأمام في هذا الاتجاه، وأن هذا ربما يساهم في تحسين الأداء علي الضفتين، أعني رفع مستوي الأداء لليسار الإسرائيلي الضعيف ولكنه قوي من ناحية الحجج، والعكس صحيح، من الممكن أن نبين أن هناك من هم معنا في قضيتنا داخل إسرائيل.

الأستاذ سلامة كيلة: لا أود الدخول بالتفاصيل السياسية في عملية السلام، لأنني أعتقد أن هذا بات مضيعة للوقت، آسف علي هذا الحكم، ولكن الوقائع علي الأرض توضح أننا لا زلنا نعيش في أوهام باتت مدمرة للشعب الفلسطيني وللمنطقة العربية، حيث أن إسرائيل عملت خلال السنوات الماضية وخصوصاً بعد أوسلو علي السيطرة علي الأرض، وهي الآن تسيطر علي 60% من الضفة الغربية، وعلي توسيع المستوطنات، وعلي بناء جدار عازل يفصل الأراضي الفلسطينية إلي كانتونات لا تستطيع حتي العيش البسيط، وبالتالي كيف يمكن أن نطرح عملية سلام، ودولة مستقلة، أين نقيمها، هل نقيمها علي الجدار العازل، هذا موضوع بات يحتاج إلي بحث عميق لأن اليسار العربي للأسف لعب دوراً في تمرير سياسات قوي يمينية ورجعية، مثل قيادات حركة فتح. المأساة هي مع اليسار العربي أولاً واليسار الفلسطيني خصوصاً، وأخص الجبهة الديمقراطية التي بدأت منذ عام 73 بالسياسة التي سميت بالبرنامج المرحلي، كغطاءً حقيقي لقيادة حركة فتح . أعتقد أننا الآن بحاجة إلي وقفة عميقة لإعادة النظر إلي القضية الفلسطينية والمشروع الصهيوني، وهذه إشكالية سنتصادم فيها أو سنختلف مع اليسار الأوربي، فاليسار الأوربي لم ينظر لوجود الدولة الصهيونية علي أنه جزء من مشروع الرأسمالية الأوربية أولاً ومن ثم الأمريكية والسيطرة والهيمنة علي المنطقة، فقد أتي وعد بلفور تاليا لاتفاق سيكس بيكو، وبالتالي كان دور الدولة الصهيونية من الأساس هو دور امبريالي، للهيمنة علي المنطقة العربية ومنع تقدمها، وفي اتجاه تفككها، وقد خاضت حروبها الأولي عندما حاول الوطن العربي أن ينهض، ضد عبد الناصر عام 56، وعام 67 أيضاً، هذه المسألة أتمني أن تعاد دراستها من قبل اليسار الأوربي، لأنه لا إمكانية لتفاهم جدي مع اليسار الأوربي إذا لم يعد النظر في التأثير الامبريالي، والذي لا زال يسكنه ويؤثر في سياسته، ليس في تفاصيل الجدار العازل والأثر الذي تركه أو عملية التسوية وكيف تعرقلت، كل هذا حديث هامشي الآن، اعتقد أن ما يجب أن يطرحه اليسار العربي أولاً، هو حل يقوم علي نقطتين: أننا يجب أن نسعي لإعادة بناء التصور حول إنهاء الدولة الصهيونية من مشروع التقدم والتحرر العربي، النقطة الثانية أن نطرح حلاً ديمقراطياً للمسألة اليهودية التي باتت مسألة عربية.

البروفيسورة فوليا أتاكان: إن الدول العربية خرجت من هذه المشكلة، ونفضت يدها منها، أصبحت المشكلة بين فلسطين وإسرائيل وليس العرب وإسرائيل، والفلسطينيون يسعون لإقناع أمريكا وباقي الأطراف ليكون لديهم دولة. كانت لدينا علاقات جيدة مع اليسار العربي منذ الستينات، والمشكلة الفلسطينية كانت من المشكلات الأساسية أمام المجموعة اليسارية، ليس فائدة من الضغط أكثر من ذلك علي الفلسطينيين، لأنهم قدموا كل ما يمكن أن يقدموه، وليس هناك من فائدة في المزيد من التنازلات. هناك من يؤيدون هذا الأمر ويقولون ربما نجتمع بعد عشر سنوات ونتحدث مرة أخري عن المبررات القانونية للاحتلال أو لوجود دولة مستقلة أو للحكم الذاتي، في نهاية الأمر جميعنا يعلم هذا، لن يكون لدينا أي أراضي للفلسطينيين لكي يقيموا عليها دولة حية، لقد حان الوقت لأن نري الحقيقة، وأن نبدأ في تكوين نوع من مجموعات العمل، أو وضع سياسات جديدة لمنع تدهور وتلاشي فلسطين كلية، أنا أخشي خلال عشرة سنوات من الآن سوف ينتهي بنا الأمر، سوف نتحدث عن قطعة صغيرة من الأرض هي التي تتبقي، ربما غزة.


(5) التنمية وسياسة وعلاقات الاتحاد الأوروبي مع جنوب البحر المتوسط


السفير أرني سيفريت: سوف أتبادل معكم بعض الأفكار من المنظور الدبلوماسي والسياسي، بموجب وجهة النظر التي نقدم من خلالها بدائل للوضع الحرج الذي يمر به الشرق الأوسط. زملائي الأعزاء أنا أومن أن الوقت قد حان لليسار لكي يقترح استراتيجية لأن هذا الاتجاه الوقائي في المنطقة من قبل الغرب والذي من خصائصه وجود نيه مبيته هدفها إثارة القلاقل في المنطقة بصورة غير مسبوقة، هناك حربان في الشرق الأوسط، وهناك ضغط ضخم في زعزعته، هناك أيضاً العراق، العراق كانت حجر الزاوية في استقرار المنطقة، ولكن سيتم تفكيكها، أيضاً بالنسبة للعلاقة بين السنة والشيعة، هناك إنذارات كبيرة تنذر بوجود صراعات فيما بينهما، دعونا نتحدث عن العلاقة بين الغرب والشرق الأوسط، وهناك صراعات جديدة بعد 6 سنوات مما يمكن أن نطلق عليه الاستراتيجيات العسكرية المواجهة للإرهاب، ورغم ذلك فإن الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الخط الرئيسي فيهما قد نجح في استخدام مخاطر جديدة وتهديدات جديدة مثل الإرهاب الإسلامي. إن هذه الاستراتيجية التي تعني بمكافحة الإرهاب تستخدم ويساء استخدامها لكي يتم تحويل الرأي العام في الغرب. أنا أومن بأن الأوربيين والعرب واليساريين علي كلا الجانبين يجب أن يأخذوا بزمام المبادرة لكي يبدأوا في عملية تغيير جذرية في العلاقات بين أوربا وهذه المنطقة، يجب أن نحارب من أجل استقرار السلام وحل النزاعات، وأن ننتهي من الحروب الجديدة، وفي نفس الوقت يجب أن نوجد منظوراً جديداً لهذه العلاقة، علي أسس هي مبادئ التعاون والتعايش المشترك اعتمادا علي الحقوق المتساوية، نحن هنا لا نتحدث عن الاستعمار بمفهومه التقليدي، نحن نتحدث عن الاستقرار الجيوستراتيجي في أوربا وأيضاً لجيراننا، إنها مسألة غاية في التعقيد. هناك أيضاً أمر آخر وهو التدخل الأمريكي وبلدان الناتو بما فيها بلدي، وقد فشل هذا حتي بالمفهوم العسكري، وحالياً توجد مناقشات واسعة في ألمانيا، ونحن نأمل أن نحقق أهدافاً سياسية عن طريق العديد من الطرق المختلفة لأن عملية السيطرة علي العدو وجماعات السيطرة لا تنجح، علي اليسار أن يحاول أن يقدم للغرب وللرأي العام الأوربي تحليلاً عميقاً ذكياً فيما يتعلق بالعلاقات بين الشرق الأوسط وأوربا، يجب أن نقوم بتحديد وتقييم استراتيجية مكافحة الإرهاب. إن المطلوب هو تطوير العلاقة بين الشرق والغرب علي أساس التعاون وعلي الأساس السلمي، لكي نستطيع أن نحقق نظاماً للسلام نتفق عليه وأيضا آليات للاستقرار. فأنا اقترح أن يقوم هذا المؤتمر بوضع أو تشكيل مجموعات عمل متعددة الأطراف تقوم بما نفتقد إليه بشدة، يجب أن تضع مسودة لاستراتيجية للعرب والأوربيين لتحقيق السلام ولخلق علاقة جديدة بين أوربا وجيرانها في شمال أفريقيا والشرق الأدنى والأوسط، وأود أن ألفت نظركم لما ذكره زملائي في البداية، وهو أن مجموعتي التي تضم السفراء السابقين المتقاعدين من جمهورية ألمانيا الفيدرالية قد وضعنا وشكلنا رؤيتنا للأمر وقد أعطيناها لكم في الورقة البحثية، ولكن قد اقترحنا شيئاً من الاستراتيجية كيف يمكن أن نبدأ ، لن أقرأها عليكم، ولكنها مكتوبة، إذا ما أردتم فإن مجموعة العمل هذه إذا أمكن تشكيلها، فسوف تستخدم هذا الاقتراحات التي قدمتها مجموعتي لكي نبدأ هذا العمل.وفي النهاية أود أن أقرأ عليكم المبادئ العشرة للتعايش السلمي، لقد لاحظت أنها ليست موجودة في الشرق الأوسط وفي الغرب، وذلك لأن الساسة لا يريدون أن يستمعوا لها مرة أخري، هناك عشرة مبادئ قصيرة: 1- المساواة من حيث السيادة الخاصة للبلدان واحترام الحق في السيادة. 2- الامتناع عن تهديد أو استخدام القوة. 3- ضرورة وحتمية وجود الحدود. 4- سلامة الأراضي الخاصة بكل بلد. 5- التسوية السلمية للصراعات. 6- عدم التدخل في الشئون الداخلية. 7- احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية منه حرية الفكر والدين أو العقيدة. 8- الحقوق المتساوية وحق الشعوب في تحديد مصيرها. 9- التعاون فيما بين البلدان. 10-تقديم كل الالتزامات والوفاء بها بموجب القانون الدولي. هل هذه المبادئ عفا عليها الزمن؟1 شكراً لكم.

د. إبراهيم العيسوي: أود الحديث عن الفكر السائد في أوربا، وأتساءل هل أساليب التعامل من الجانب الأوربي مع العرب، مفيدة للتنمية العربية أم ضارة بالتنمية العربية، أريد أن أركز علي ثلاث قنوات للتعامل، الأولي مباشرة وهي اتفاقات الشراكة، والقناة الأخرى مباشرة أيضا وهي قناة المعونات، والقناة الثالثة غير مباشرة وهي التأثير الأوربي من خلال عضوية الدول الأوربية في المنظمات الدولية، المنظمات المعنية بالشئون الاقتصادية، البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. هذه القنوات الثلاث مترابطة ترابطا شديدا، والتأثير يسير كالأواني المستطرقة فيه، في اعتقادي أن أسلوب التعامل من خلال هذه القنوات تحديداً ، هذا الأسلوب في التعامل في مجمله ضار وعرقل التنمية العربية، لأنها تستهدف في الحقيقة فيما أري وضع بلادنا تحت الوصاية الأوربية خصوصاً والغربية عموماً، وبالتالي فهي امتداد لسياسة الاستعمار والهيمنة القديمة، وتكرس تبعية الدول العربية للغرب عموماً، وكما هو معروف فإن هذه التبعية هي جوهر تخلفنا. إن الأوربيين يعرفون ما هو أفضل لنا، ما هو في صالحنا، وهو اقتصاد السوق الرأسمالي والاندماج في العولمة، وهم ينصحوننا بذلك بل ويشترطون علينا اتباعه، ويقدمون لنا إغراءات لتطبيق هذا الأسلوب في التنمية من خلال المعونات والتسويات وتخفيف الديون، وفي رأيي هنا أن ألأوربيين والأمريكيين يتفقون علي هذه الوصاية، ولا أعلم إن كانوا يتجاهلون أو لا يدركون النتائج السلبية التي أسفر عنها تطبيق هذا النوع من السياسات، وآثارها من تراجع للنمو واتساع الفجوة بين الطبقات وازدياد نسب الفقر والبطالة وتكريس التبعية. الشئ الثاني الذي أحب أن أتحدث عنه، هو سياسة مناطق النفوذ، وهي سياسة استعمارية قديمة ولكنها واضحة، أوضح ما يكون في الشراكة بين الاتحاد الأوربي والدول العربية، وأعتقد أن الشراكة صيغة خاصة من صياغات كثيرة جداً تطرحها دول المركز الرأسمالي وبالذات الولايات المتحدة، فهي لا تختلف كثيراً عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، وكما نري ما يسميه البعض غزوا ثقافيا، وهو في الحقيقة ليس مجرد غزو ثقافي، فإقامة عدد ضخم جداً من الجامعات، البريطانية، الفرنسية، الألمانية والأمريكية ومدارس أيضا، ناهيك عن المؤتمرات والمشروعات البحثية.. كل ذلك يسهم في تكوين نخب فكرية وثقافية موالية للغرب ، وهذه هي من تعمل علي تمرير سياسات الليبرالية الجديدة والعولمة. اتفاقات الشراكة، هي بالضرورة اتفاقات غير عادلة، لأنها تقوم بين أطراف غير متكافئة في الأساس، وبحسابات المكسب والخسارة لابد أن يكون المكسب من نصيب الأكثر تقدماً وهو الجانب الأوربي في هذه الحالة، وبالطبع عندما نعبر عن مخاوفنا من هذا الانفتاح الطليق علي مستقبل الصناعات في بلادنا، والوضع الهش لقطاع الخدمات، وهو أحد المناطق الحساسة التي يريدون فتح الأسواق فيها، فإنهم يهدئون خواطرنا بأن المنافسة كفيلة برفع كفاءة صناعتنا والنهوض ببلادنا، وأن الحديث عن حماية الصناعة الناشئة هو حديث عفا عليه الزمن، وانه من الحماقة أن نطرح هذه الحجج في زمن العولمة. هناك شئ آخر أحب أن أنبه إليه، وأنه هناك ازدواجية واضحة في التعامل الأوربي مع العرب، في قضايا التنمية تحديداً، هم مثلاً يتحدثون عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان ويفردون بنوداً خاصة لها في الكثير من الاتفاقات، الشراكة وغيرها، ولكنهم أول من ينساها أو يتناساها، بانتهاك إسرائيل للحقوق العربية، عندما يفوز تيار علي غير هواهم في الانتخابات الحرة التي يطالبون بها مثل فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، ولا مانع لديهم من استمرار حكام عرب لربع قرن أو نصف قرن طالما أن هؤلاء الحكام موالون للغرب وغير معادين لإسرائيل وينفذون السياسات التي تروج لها أوربا وأمريكا. إنهم يتحدثون (أوربا الرسمية) عن العولمة وحرية التجارة والانفتاح، ولكن ذلك يتم بحساب بدقيق وفقاً للمصالح الأوربية والأمريكية أولاً. فهم يريدون فتح أسواقنا لتصريف منتجاتهم، ولكنهم لا يفتحون الأسواق الأوربية أمام ما نملك فيه ميزة نسبية مثل السلع الزراعية والمنسوجات وغيرها، وهم يطالبوننا بالتخلص من الدعم ولكنهم يسمحون بالدعم للاقتصاد الزراعي الأوربي وللصادرات الزراعية، فليذهب زراع القطن في أفريقيا وغير أفريقيا إلي الجحيم. أيضاً في عمليات التحرير ونداءات العولمة، كلها نداءات ازدواجية، هو يطالب بتحرير حركات رأس المال، ولكنه غير مستعد لتقبل تحرير حركة البشر، كان من المفروض أن تكون هناك سياسات لتشجيع الهجرة بدلاً من صد الهجرة، يصدروا إلينا الصناعات الكثيفة العمالة وغالباً الملوثة للبيئة، كل ذلك لوقف تيار الهجرة وفي الوقت نفسه لرخص المواد الأولية. بالنسبة لمنظمة التجارة العالمية، الموقف الأوربي مثل الموقف الأمريكي مناوئ تماماً لمصالح الدول النامية، وما اتفق عليه في دورة الدوحة، وما أطلق علية دورة التنمية كان كلاما من قبيل ذر الرماد في العيون، وإسكاتنا إلي حين لتمرير بعض الاتفاقات، وطبعاً كما تعلمون هذه الدورة متوقفة توقفا كاملا، ما أقصده أن ما يسمونه بالتجارة الحرة من وجهة نظر الدول الأوربية هي في نظرنا تجارة غير عادلة، وبالتالي تعمل ضد التنمية الوطنية في بلادنا، وأنا أفهم مثلما يفهم زملائي العرب بأن المسئولية في تنمية بلادنا تقع علينا أولاً وأخيراً، وأن ما يتعين خوضها هي معركة داخلية في الأساس من أجل الضغط علي حكوماتنا لتغيير مساراتها التنموية بعيداً عن الليبرالية الاقتصادية الجديدة، والانفتاح السابق لأوانه، أو لإزاحة هذه الحكومات المصرة علي اتباع مثل هذه السياسات، ومساعدة القوي الداعية لتنمية بديلة للوصول للسلطة والوقوف ضد سياسات الوصاية ومناطق النفوذ. ما الذي ننتظره من زملائنا الأوربيين وبالذات اليسار الأوربي، ننتظر منهم المؤازرة وليس أكثر، لتكوين رأي عام واعٍ وضاغط علي الحكومات الأوربية، أو مساهم في تغيير هذه الحكومات ديمقراطياً بحكومات أكثر تفهماً لحقيقة مشكلات التنمية في بلادنا، واقل انحيازا وأنانية وأكثر اتساقاً مع المسئولية التاريخية لأوربا عن تخلفنا وما نحن فيه. أريد أن أحدد عدد من النقاط سريعاً: - نريد أن يتفهم الرأي العام الأوربي أن سياسات التنمية لا يمكن أن تصاغ من رؤية مسبقة من جانب الأوربيين بشأن ما هو أفضل لنا، وهو طبعاً ما طبق في أوربا من تطور رأسمالي. - أن يفهموا أن تكرار تجربة النمو الرأسمالي أو التنمية الرأسمالية أصبح أمراً مستحيلاً، أو لن يؤدي إلي تنمية، وأن السوق لا يصنع التنمية المنشودة. - ليعلم الأوربيون أنهم إذا كانوا يقدمون لنا معونات فإن هذه المعونات ما هي إلا تسديد لديون قديمة مستحقة لنا، من فترة النهب الاستعماري لمواردنا وفي فترات الهيمنة والتبادل اللامتكافئ الذي لا زال مستمراً. - نحتاج أن تفهم أوربا أن العولمة لا تفيد الجميع المتقدمين والمتخلفين علي السواء، وأنه لا يمكن تجاهل أن تفاوت مستويات التقدم الاقتصادي والاجتماعي للدول يؤدي إلي أن يكون هناك كاسبون وخاسرون من العولمة. - مهم جداً أن يكون هناك تفهم من خلال الموقع الأوربي في منظمة التجارة العالمية، والبنك والصندوق الدوليين، أن المنطق يقول إنه يجب أن يكون هناك تناسب بين الالتزام علي الدول ومستويات تطورها الاقتصادي، ما تتحمله أوربا المتقدمة، لا يتحمله الاقتصاد المصري أو الاقتصاد السعودي أو غيره. - توضيح الحقائق بشأن منظمة التجارة وجولة أورجواي وما حدث فيها بشأن وقوع معظم الدول النامية في فخ نصب لهم عمداً تحت ضغوط المديونية الشديدة التي كانوا يريدون أن يتخلصوا منها، ووقعوا في الخطأ والتزموا باتفاقات لم تكن لديهم القدرة علي تنفيذها ، ومن ثم فهناك ضرورة إلي مراجعة اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وإخراج القضايا التي أقحمت علي المنظمة وفي مقدمتها الملكية الفكرية.في الوقت الذي أصبح العلم والتكنولوجيا ركيزة أساسية من ركائز التنمية بسبب هذا الاتفاق، وقضية الدواء الذي نحن في أمس الحاجة إليه. هذه هي المهام التي أتصور أنه إذا قام بها اليسار وإذا قمنا نحن بواجبنا، فإن مستقبل التنمية سيكون أفضل كثيرا مما هو عليه الآن. السيد عبد الله ساعف: بدون العودة للمنابع برشلونة واحد وبرشلونة 2، بدون إعادة زيارة هذه المحطات، أعتقد بأن هناك ملاحظات أولية وهي: برشلونة كما يعلم الجميع تم إحيائها من صيرورة هلسنكي في 75، ولكن للوصول إلي ما وصل إليه مسلسل هلسنكي، من جهة ثانية برشلونة يمكن تحديدها علي أساس أنها ملتقى إقليمي لمجموعة الأورو متوسطية، للشراكة كانت في مركزها، وتشابه المقارنة التي كانت تمارس بانتظام هي ما بين برشلونة ونموذج يعتبر متقدم جداً، هو برنامج السوق الحرة في أمريكا الشمالية، ونتحدث هنا علي مستوي النيات والأعمال، والأهداف التي كانت حاضرة عند بناء هذا المسمي بـ "الفضاء الأورومتوسطي" ، اليوم وقبل سنة، قبل برشلونة 2 كان الحديث علي مكتسبات، عند مؤيدي صيرورة برشلونة، تم بناء كتلة من الأجهزة والمؤسسات، ولجان، لجنة الموظفين ، جمعيات، لجان فرعية إلي آخره، اجتماعات لوزراء الخارجية، أي حركة مكثفة. كل هذا إلي جانب الطابع غير العادل، الأبوية الأوربية، الأحادية الأوربية، الازدواجية، إلي آخره من المعيقات بالإضافة إلي هذه الملاحظات النقد الشمولي للمشروع الأورومتوسطي، هناك 6 ملاحظات حول ما يعتقد بأنه حدث فيه نوع من التراكم، وهي: 1- عموماً إلي جانب قضايا الشفافية، والمعيقات المرتبطة بالممارسات البيروقراطية المعيقة للتنمية، التأثير هامشي جداً ونتوفر علي مجموعة من الأرقام، والمعطيات، مما يسمي بمؤشر التنمية البشرية إلي ما تم إنجازه في عدة مستويات، الإقصاء الاجتماعي، الأمية، اللبرلة، القطاع الخاص، الميزانية البنيوية إلي آخره، هذا كله يوضح لنا الطابع الهامشي. 2- الديمقراطية وحقوق الإنسان، في الديمقراطية التقدم محدود جداً، وفيما يتعلق بحقوق الإنسان، وقع نوع من التوعية حقيقة علي الأقل علي مستوي البلاغة، والخطاب، لكن نلاحظ في نفس الوقت نمو الحركات الوطنية الشوفينية، والهويات المتطرفة والعنف العنصري في الشمال وكذلك في العديد من دول الجنوب، ومحاربة العنصرية ليست من الاهتمامات الأولية للسياسة الأورومتوسطية، وكل ما أنجز في هذا المجال يبقي الآن في إطار هامشي. 3- فيما يتعلق بالمجتمع المدني، السياسة الأورومتوسطية خلقت شبكات تربط بين المجتمعات المدنية في الشمال والجنوب، وكانت أرضية وقاعدة لانطلاق عدة مبادرات في ما يسمي بالمجتمع المدني، ذات الطبيعة المختلفة والأهداف المختلفة في الدفاع عن حقوق الإنسان، إلي السياسات والقضايا المرتبطة فيما يسمي بمحاربة الفقر، انحصرت تعبئة المجتمع المدني علي العموم. 4- تتعلق بالتعاون السياسي والأمني، في هذا الإطار المتوسطي، كان هناك نوع من ترقية مشاركة الجنوب، عمليات تدير الأزمات كما قيل، ولكن حضور الجنوب ظل محصوراً فيما نسميه بالدور الثانوي والمعاون أكثر مما هو مكمل في هذه الحدود فقط، ولم يرقي إلي أكثر من ذلك. 5- مسألة الاندماج الجنوب جنوب والتعاون الإقليمي، كان هناك نوع من الحماس في البدايات وبأن هذا محرك ودينمو، ما تم من خلال برشلونة دينمو فيما يخص التجمعات الإقليمية والجهوية، ولكن سرعان ما انطفأ الحماس وضعف التأييد الذي كانت تحظي به المبادرات الفرعية، ولم تغير سياسة الجوار من هذا الوضع. 6- النقطة الأخيرة المرتبطة بالهجرة، مسألة الهجرات ومسألة اللاجئين معروف كيف تمت معالجتها في الأورومتوسطي، فقد عولجت من زاوية أنها قضايا أمنية، وفي كل المذاهب الاستراتيجية الوطنية في الشمال تعتبر هذه المسألة مسألة أمنية. نحن أمام مشروع غني بالنسبة لليسار ويمكن أن يغذي جانبا أساسيا من المشروع البديل، أظن بأن الكثير من الاقتراحات والأهداف الواقعية بإمكانها أن تغير المعطيات،ليس فقط في المنطقة ولكن علي العلاقات شمال جنوب، في هذا الجدل حول ما الذي يمكن أن نفعله بالمشروع الأورو متوسطي، جميعاً قوي التغيير في الشمال وقوي التغيير في الجنوب.

السيد دومينكو ريزوتي: أنا من إيطاليا كما قال توبياس، وأشكركم لدعوتي وللفرصة التي أتيحت لي في هذا اللقاء الذي يتناول موضوعاً هاماً للغاية وذلك من خلال تنظيم المركز لهذه الندوة. إننا بحاجة إلي عملية بناء أوربية متعددة المراكز تتصدي لمشكلة النظم الإنتاجية الزراعية والصناعية المتوسطية، مشكلة التوظيف والعمالة، مسألة مركزية فلسطين لحل النزاعات في المنطقة بأسرها، واليوم ونحن نتطرق لهذه الموضوعات سوف نكتفي بنقطتين خاصتين بـأوربا لكي نركز فيما بعد بشكل تفصيلي علي السياسات الأورومتوسطية، وعلي التطور الأخير الذي شهدته البلدان المتوسطية. يمكن النظر إلي النقطة الأساسية للسياسة الأوربية من جانبين، جانب مرتبط بالأهداف الداخلية للتماسك الاجتماعي للاتحاد الأوربي، والجانب الآخر يتعلق بعمليات وأشكال التعاون مع المناطق الخارجية. وبالتالي فإن الحداثة ونمو الأراضي وتنميتها وتنمية المجتمعات المحلية والقدرة علي إدراج شبكة علاقات اقتصادية واجتماعية يجب أن تكون محور أي استراتيجية اقتصادية، هذا التنوع يجب أيضا أن ينطبق علي القيم المشتركة مثل احترام الحياة والحياة العامة والمشتركة، وذلك وفقاً لأشكال تأسيسية اقتصادية واجتماعية وسياسية، المشكلة الثانية تتمثل في المطالب غير المعلنة وإن كانت حقيقية والخاصة بالمفوضية الأوربية وحكومات الدول الأعضاء اللذين ينظرون إلي عملية الاندماج ويستخدمونها كرداء يفرض عنوة علي الشعوب، وليس كرداء مريح يهدف إلي مراعاة خصائص وخصوصيات هذه المناطق من الناحية الوطنية والمجتمعية، مما يسمح بأخذ مبادرات والقيام بحركات مستقلة. وهو ما يستلزم مراجعة معاهدات مسترخت ولشبونه، علي معايير الترابط وليس علي الاحتمالات، والتي تحول دون وضع دستور أوربي، وعلي تعميق التعاون السياسي في أوربا. إن السياسات المتوسطية للاتحاد الأوربي إنما هي النموذج المبسط الذي يمثل هذه الملاحظات التي سردناها للتو. إن اتفاقيات برشلونة التي أبرمت عام 1995 هي بطبيعة الحال تمثل اللحظة الحاسمة للالتزام بالبدء في الشراكة مع دول جنوب المتوسط، ذلك الالتزام يزيد من الاحتمالات القائمة لإعلان مشروع الرفاهية المشتركة بين الشمال والجنوب، وهكذا فبدلاً من أن يكون هو أفضل توقيت لالتقاء الثقافة العربية والثقافة الأوربية لإقامة حوار ثقافي وسياسي، تحول إذن إلي نظام بين معظم الدول الأوربية وأدي ذلك إلي إقصاء الدول العربية، فما هي إذن المحصلة التي يمكن استخلاصها بعد مضي 20 عاماً من المؤتمر الثاني لبرشلونة في عام 2006؟ إن التحديث الاقتصادي لضفتي المتوسط لم يتأكد. علي العكس، نحن نواجه مواقف تشهد تدهور الموازين الاجتماعية والسياسية، وإن انفجار حركات الهجرة إنما يعد مثالاً واضحاً علي ذلك، وكذلك فشل السياسات الوقائية التنسيقية، وسياسات الدعم لهذه الظاهرة، وإن الهدف الذي يتمثل في الرفاهية المشتركة فقد اتضح مفهومه الفعلي من خلال التفاوتات التنموية بين الشمال والجنوب، أيضاً الاختلافات التي تتضح بين الشرق والغرب، وإن الانقسام الثقافي بين الشمال والجنوب قد بلغ الحد الذي لا يمكن أن نتحدث معه عن خطر صدام الحضارات، ولكن عن صدام قائم بالفعل ويشهد أشكالاً من العنف هي الأكبر علي الإطلاق. إن الفرقة والانشقاق بن الحكومة والمجتمع المدني في الدول الأوربية وفي دول جنوب المتوسط قد وصلا إلي مستويات لم نشهدها من قبل، ففي داخل البلدان الأوربية تعكس الحركات المجتمعية اليوم أشكالاً هي الأكثر حيوية علي مستوي التفكير النقدي والبديل لعملية العولمة الرأسمالية وللفكر الموحد النيوليبرالي، وفي دول الجنوب فإن هذه الحركات في جميع الأنحاء تحظي بتأييد غير قابل للنقاش كما رأينا في فلسطين علي سبيل المثال مع حماس، وفي لبنان مع وجود حزب الله، ومن المفارقة أن نجد أن تعزيز المجتمع المدني في الدول العربية والذي يتمثل في الدور المتنامي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركات متماثلة في أماكن أخري يتم تفسير ذلك بشكل سلبي في دول الاتحاد الأوربي والتي تهدف إلي تطبيق الديمقراطية، في حين أنها تستمر في دعم النظم الاستبدادبة في الجنوب والنظم التي تفتقر إلي التوافق في المال. ينبغي علينا كيسار أورومتوسطي أن نقيم إذن آثار ذلك علي سياسة الحكومات، وأن نقيم أيضاً الفضاءات التي تفتحها أمامنا للتحليل. إن سياسات الجوار إنما تفتح من جديد البعد الثنائي ومن واجبنا أن ننتهز هذه الفرصة لكي نأخذ في الاعتبار كل المبادرات التي من شأنها تعزيز العلاقات الثنائية بين التنظيمات والحركات وكافة الهياكل الاقتصادية المحلية والإقليمية والشركات والتعاونيات والمؤسسات الاجتماعية وشبكات الخدمات، بخلاف المؤسسات مثل المدارس والجامعات والجمعيات إلي آخره، ويجب أن يتمثل جزء من هذه العملية في تطوير الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي نشأت إذن في أوربا في ظل الاقتصاد البديل. إن هدف اليسار الأورومتوسطي ينبغي أن يرتكز علي رؤية جيوسياسية تحدو بأوربا إلي أن تكون قطباً في مثلث جديد بدلاً من المثلث القائم والذي يربط أوربا ودول المتوسط بحالة الصحوة الكبري لقارة أسيا، مما يسمح إذن لأوربا أن تعيد اكتشاف اقتصادها في إطار التعاون القاري الآسيوي، وهي القارة التي تحتل فيها أوربا مكانة ضئيلة، وإنما الإطار الأورومتوسطي يمكن أن يلعب دوراً دولياً قائماً علي عمليات التحرر القائمة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأسيا. ختاماً أعتقد أنه من الضروري إقامة فريق عمل لليسار الأوربي يعني بالمسائل المرتبطة بالاتحاد الأوربي ودول المتوسط، وتنظيم أول حلقة نقاشية لتعميق هذه الروابط في أسرع وقت، ونحن في إيطاليا بصدد العمل في هذا الاتجاه. نحن إذن لدينا بعض المقترحات والتي تتمثل في إقامة فريق عمل دائم لليسار الأوربي وللأحزاب و الجمعيات الغربية للتدبر بشأن القضية المتوسطية، تنظيم مشترك لحلقة نقاشية في شهر مارس القادم، وإطلاق مبادرة لتجاوز سياسة مسترخت، وإقامة مرصد خاص بسياسية الاتحاد الأوربي إزاء الدول المتوسطية ووضع تقرير سنوي بهذا الخصوص، وإطلاق سلسلة من المشروعات التعاونية المستوحاة من روح الاقتصاد البديل، وكل ذلك في إطار التشارك والتعاون المتوسطي من أجل بناء المنطقة بصورة فعالة، وذلك في إطار أوربا التي تعيد تعريف نفسها علي المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

الأستاذ نبيل مرزوق: مشروع الشراكة هو تسمية غير دقيقة للعملية التي تتم من قبل رأس المال الأوربي للفضاء العربي، وبالتالي يجب أن ننظر إلي هذه الاتفاقيات من منظور أنها عملية إدماج المنطقة العربية في عملية العولمة الجارية، وفق ميزان القوي الذي عبر عنه د. إبراهيم. المصلحة الاستراتيجية للمنطقة الأوربية والمنطقة العربية هي في إقامة علاقات دائمة ومستمرة ومن الممكن أن تسهم في عملية التنمية في المنطقة، ولا يمكن أن تتم هذه العملية في الظروف الحالية لأننا نتحدث عن اتحاد أوربي تحت الهيمنة الرأسمالية وفي ظل هيمنة رأس المال ونتحدث عن منطقة عربية تابعة، وبالتالي لا نتحدث عن أوربا الشعوب المطروحة كشعار، وبالتالي هناك دور مستقبلي كبير لمؤسسات المجتمع المدني لإعادة النظر في هذه الاتفاقية وإعادة النظر فيما تحمله من إجحاف وإعاقة للتنمية في العالم العربي، هناك عمل لابد من إعادة النظر فيه، هو مسألة الهجرة، الهجرة الانتقائية، والتي تتم علي حساب التنمية في المنطقة.

متحدث: أود أن أدعم الاقتراح المقدم من السيد أرني، وأيضاً من مدير مركز البحوث العربية والأفريقية. أعتقد أن بعض زملائنا قد بدأوا في تنفيذ بعض الخطوات لتحقيق هذا الاقتراح، يجب أن نعلن هذا في المؤتمر الصحفي حتي نحظى بدعم من زملائنا في باقي الدول العربية والأوربية، وهو أن تبدأ بدون شروط المفاوضات بين إسرائيل و الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في فلسطين. أعتقد أنه ليس للولايات المتحدة أو أوربا أو أي أحد أن يطالب الفلسطينيين بأي شئ ، يجب أن يعطوهم حقوقهم ولا يطالبوهم بشئ. الشئ الثالث أنا أذكر مرة ثانية أن لدينا آراء مختلفة عن التعاون بين الدول العربية والأوربيين، لابد من النظر إلي التكامل الذي تقوم به الدول العربية نفسها، هل هذا واقعي خلال العشرة سنوات القادمة؟ يجب أن نجيب. الشئ الثاني هو التكامل في الاتحاد الأوربي، هل حدث هذا، هل هناك إمكانية، أم نحن في موقف جامد؟ يجب أن نكون واقعيين بالفعل، ما هي الاقتراحات المحددة حتي نستطيع أن نمضي بقاطرة التنمية في الدول العربية.

الأستاذ إلهامي الميرغني: بالنسبة لاتفاقات الشراكة وللكلام الذي ذكره الدكتور إبراهيم العيسوي والدكتور عبد الله ، عن دور الشراكة في تعميق علاقات التبعية الاقتصادية، ما حدث أنه في ظل اتفاقيات الشراكة تم توقيع العديد من الاتفاقيات، مثلما حدث بالنسبة لاتفاقية تحديث الصناعة، ولكن الهدف من هذه الاتفاقيات كان دعم تفكيك الصناعة المصرية وليس دعم تطوير وتنمية الصناعة المصرية في تكامل صناعي. وعلي سبيل المثال، لدينا صناعة الأدوية. لقد كان لدينا في فترة من الفترات 15 شركة تنتج أدوية، بعد كل برامج التحديث أصبح لدينا 70 شركة، ولكن بنية هذه الصناعة تخلفت أكثر من 30 سنة، وفقا لدراسات في هذا المجال، نفس الكلام ينطبق علي العديد من الصناعات الأخرى، هذا بالإضافة إلي أن مسألة الشراكة أتت بالصناعات الملوثة للبيئة سواء صناعة الأسمنت أو البتروكيماويات، للدول النامية علي حساب الصناعات الأخرى. في المجال الزراعي حرص الاتحاد الأوربي علي بقائنا منتجين للمواد الخام الزراعية وليس تطوير الزراعة، ودعم التصنيع الزراعي، وبالتالي تعميق التبعية في المجال الزراعي، النقطة الأخيرة هي دعم منظمات المجتمع المدني أدت إلي جذب قطاعات من اليسار للعمل علي أجندتهم، تختلف مع أولويات التنمية في الدول العربية.

د. إبراهيم جعفر: كنت أعتقد أن هذا الموضوع هو الموضوع الأهم، ولذا كان ينبغي أن يأخذ الكثير من الوقت، بالأمس تحدثنا عن أن مقاومة العولمة يقابلها مقاومة الأقلمة، كما أشار مصطفي الجمال، لكن مضمون هذه المبادرة هام جداً وعلينا أن نعيد الاعتبار لبعض النقاط في المبادرة، بمعني أننا إذا كنا نريد الاستقرار والسلام والأمن الدوليين علينا أن ننظر في كيفية إصلاح النظام الدولي، لأن النظام الدولي هو الأساس في كيفية تعزيز السلام والأمن الدولي. الأمم المتحدة بما فيها مؤسسات بريتون وودز محتاجة إلي إصلاح، إبراهيم العيسوي تحدث عن مسألة التبعية، نحن لدينا مشكلة في قضايا التنمية والاستثمار وتمويلها، الاتحاد الأوربي لعب دورا رئيسيا إن لم يكن الدور الرئيسي في هدم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتمويل التنمية، وهي أحبطها الاتحاد الأوربي بإيعاز مباشر من جوردن براون، لذا فهذه الموضوعات محتاجة للمزيد من البحث، لأنها تمثل مسألة جوهرية في مسألة العلاقة والتنمية بين البلدان العربية والعالم العربي.

شهيدة الباز: من الخطأ أن نسميها شراكة، لأن شروط التعاون ما زالت تفرض علينا، وحكومتنا تقبل أي شئ، والشروط التي تفرض علينا مضادة للتنمية، لذلك أعتقد أننا وصلنا للنقطة التي لابد من وضع استراتيجية وخطة واضحة للتحرك علي المستوي الداخلي وعلي المستوي العالمي. علي المستوي الداخلي لابد من تحديد ما هو نوع التنمية التي نريدها، لذا لابد من الاتفاق علي حد أدني لما نعتبره تنمية حقيقية وتحديد الفاعلين المحتملين، وهل القوي الاجتماعية الموجودة تستطيع أن تتحرك، ولو لم تكن، ما هي الشروط الناقصة، وماذا علينا أن نفعل حتي يكون لها تأثير علي الواقع، لأن المثقفين طوال الوقت يتكلمون ويدخلون السجون ويخرجون، ولكن هذا ليس له تأثير علي الواقع. في هذا الوضع لنري طبيعة الدولة وعلاقتها بالقوي الاجتماعية المختلفة، وهنا أريد أن أشير إلي فكرة المجتمع المدني الذي اعتقد أن ننظر لها بشكل نقدي، المجتمع لمدني السائد علي مستوي العالم فيما عدا بعض الاستثناءات، هو مجتمع مدني وظيفي يعمل في إطار العولمة، ويدعم من القوي التي تساند العولمة، وبالتالي يرجي منه لعب دور البديل للدولة المنسحبة من كل شئ. نري أنه لا يوجد المجتمع المدني البنيوي، والذي يحاول تغيير هذا النظام، أنا أعتقد أنه رغم أن المجتمع المدني في أوربا والذي يلعب دورا ديناميكيا في بعض القضايا الكبري، وأنا لا أتحدث عن الأحزاب اليسارية، فإنه لا يزال غير بنيوي، لا يعمل لتغيير النظام الرأسمالي، فكيف يمكن للمجتمع المدني أو للثوريين والراديكاليين الأوربيين أن يتحركوا بشكل يؤثر علي النظام، لأن من يساعدني أن يأتي إلي بلدي ويحارب معي، وإنما فليحارب القوي التي تضغط علي في بلده. لابد من أن نأخذ المجتمع المدني باحتراس ونحدد ما نحتاجه منه بالضبط، المجتمع المدني هو الذي يملك شروط التحول إلي حركة اجتماعية تهدف إلي التغيير. بالنسبة للمستوي العالمي لابد من تحديد إستراتيجية ما هو التغيير الخارجي الذي يساعدنا علي أن نقوم بتنمية بشكل متكافئ، وإعادة توزيع الثروة، وهو ما يطرح دور اليسار الأوربي، كيف يمكنه أن يساعدنا ونتكاتف مع بعضنا البعض لتفادي ضربنا وضربهم من قبل الحكومات.

مصطفي مجدي الجمال: نحن نحتاج إلي شراكة جديدة حقيقية، شراكة ما بين قوي التقدم والديمقراطية والسلام في الإقليمين الأوربي والعربي. إذا نجحنا في ذلك، فهو النجاح الحقيقي الذي يستطيع أن يواجه الشراكة الحالية، وفي القلب من هذا لابد من أن تكون هناك شراكة قوي اليسار، الحوار الذي جري في هذه الندوة وفي غيرها حوار هام جداً، ولكنه إن لم يخرج بوضع أسس أو مأسسة لشراكة حقيقية بين قوي اليسار في أوربا وقوي اليسار في الوطن العربي، فإن كثيراً من حديثنا سوف يتبخر، ما لم نفكر حقيقة في تصورات عملية لبناء شراكة مؤسسية بين اليسار في الإقليمين.

الأستاذ حلمي شعراوي: أريد أن أنبه أنه سواء مشروع برشلونه نفسه ، ثم بعد ذلك مشروع الشرق أوسطية الذي فرض علي مجموعة الثمانية وبرامجها، مليئة بالمفاهيم والتدخلات والخطوات والتمويل، لتغييرات ثقافية وخاصة بالتنشئة الاجتماعية للمواطن وقيمه. أنا أقول إنه يتوجب علي العلاقة القائمة لتوجه يساري أن تراعي مسألتين أساسيتين: الثقافة السياسية القائمة وهي ثقافة مليئة بالقوالب الثابتة في العلاقة والمفاهيم للتنمية السياسية الحقيقية، ويليها التنشئة الاجتماعية. وفي الحالتين هناك مشاكل كثيرة، دعوني أخاطب الجانب العربي: نحن حساسون جداً تجاه أي خطاب أوربي يتناول التنشئة الاجتماعية والتنشئة السياسية العربية، لأن المشروع قادم من الإمبريالية الأمريكية ومن مجموعة الثمانية، ماذا لو افترضنا أن المعالجة مشتركة علي مستوي أصدقاء ورفاق؟ إذن المثقفون العرب مطالبون بمراجعة أشياء كثيرة، غير معقول أن اليسار العربي لم يدخل هذه المعارك، لكننا لو أخذنا بالتطويرات المقترحة للإصلاح الديني والخطاب الديني علي سبيل المثال فكلها تعبيرات مجموعة الـ 8 ومشروعاتها الإمبريالية، ولكن أكيد أن اليسار له حديث آخر عن وضع الدين وعن وضع المؤسسات المقدسة كالأزهر وغيرها. إن نظام القيم كله لابد من أن يتناوله اليسار العربي بشكل جيد، في التربية وفي التنشئة الاجتماعية وفي الثقافة السياسية، وهي موضوعات جديرة بالدراسة في لقاءات أخري، وكل منا يعرض عيوبه حتي نستطيع أن نعالجها.

السفير آرني سيفرت: أود أن أضيف بضع كلمات للاقتراح الذي قلته سابقاً وهو أننا في حاجة إلي استراتيجية لإنهاء هذا الوضع. أود أن أوضح لكم لماذا هذا الأمر ملح بالنسبة لليسار في أوربا؟ الإعلام والخط السياسي السائد لا يريد أن يستمع إلي نتقاداتنا، ولذلك فمن المهم أن نحاول الوصول إلي توضيح وشرح واضح. يقولون نحن نريد استراتيجية مكافحة الإرهاب لحماية شعوبنا، وهذه أكذوبة، وفي الحقيقة فمن المهم تماماً أن نحصل علي تحليلكم في المسائل التي يتعين أن تقوم الحكومة بتسويتها في العالم العربي، من الممكن أن نقوم بشئ، وفي هذه الحالة إذا استطعتم أن تساعدونا في إثبات أن المسألة يمكن حلها بصورة سياسية ودبلوماسية بدون اللجوء إلي العنف والتدخل العسكري، نكون مقنعين للجماهير العريضة في أوربا، هذا يشرح لماذا الإلحاح علي هذا الطلب، لا يمكن أن نقوم بهذا في يوم أو يومين، ولكن الوقت قد حان ولا نستطيع أن نضيع مزيد من الوقت.



(6)

دور ومسئولية اليسار


السيد وولفجانج جيركه: من المهم أن يكون هناك نقاش حول موضوع اليوم وأن تكون هناك مجموعات عمل بين اليسارين العربي والأوروبي. إن سياسة السيطرة علي العالم التي تتبعها أمريكا والرئيس بوش يبدو أنها تمر بأزمة. إن أمريكا لا تزال قادرة علي أن تبدأ الحروب في العالم ويبدو أنها تفوز فيها بالمعني العسكري ولكن يبدو أنها لا تستطيع أن تتعامل مع تبعات هذه الحروب بمفردها، فأفغانستان والعراق نموذجان علي هذا الأمر، فقد أصبحت أمريكا منعزلة أكثر مما سبق في الأمم المتحدة. قد نكون في مفترق الطرق فيما يتعلق بسياسة العالم. إن وجود قطب واحد في العالم أمر لم يعد مقبولا وسوف نري ما الذي ستقوم به إدارة بوش كي تتفاعل مع هذا الأمر. نحن نحتاج في اليسار الأوروبي إلي أن يكون لدينا مفهوم مشترك لهذه البدائل السياسية الاجتماعية أو شئ يعيد لنا توازن القوي. وفي أوروبا الشرقية والوسطي لا تزال سياسات بوش تحظي بدعم واضح، بينما في أوروبا الغربية والبلاد الاسكندنافية بدأوا يبتعدون عن هذا المجال. دعونا نتحدث عن الاستراتيجية التي يتعين أن يركز عليها اليسار الأوروبي وذلك حتي يبتعد عن السياسة الأمريكية التي تدعو للسيطرة علي العالم. ويتعين علينا أن نفكر بطريقتنا الخاصة في كيفية أن تكون هناك سياسة لتحقق السلام في الشرق الأوسط. أيضا يجب أن نفكر في أوروبا مختلفة، لكننا نحتاج إلي العديد من الأطراف الفاعلة والعديد من البلدان والشعوب والحركات. إننا نحاول من خلال مفاهيمنا أن نضمن مزيدا من الديمقراطية والحقوق الاجتماعية ومزيدا من التسامح وقدرا أقل من العسكرة، هذا يعني أن اليسار ليس لديه أي خيار إلا أن يبتعد بنفسه عن السياسية النيوليبرالية. ثالثا، اليسار ليس لديه من خيار إلا أن يبدأ في طرح مناقشة حول هذه القيم الانسانية ويجب أن نحاول الدفاع عن أنفسنا تجاه الأصوليين. إن التقدم الاجتماعي لا يتحقق إلا في وجود الاستقرار، وأنا أؤمن أن شركاءنا من الممكن أن يشكلوا سياسة من هذا النوع في البرلمانات وفي المنتديات غير البرلمانية وبالطرق العادية، وأي تغير في تكون القوي سوف يسبقه تغير في ثقافة الناس وطريقة تفكيرهم. لذلك أنا أقول إن الغرب عليه أن يقوم بهذا.

السيد بير فيرتن: 

عادة نفهم التعاون والحوار بين أوروبا والعرب كأنه بين قارتين مختلفتين يفرق بينهما بحر هو البحر المتوسط، هذا صحيح فيما يتعلق بالقضايا التي ذكرتن ولكن كل هذا القدر من عدم الفهم أيضا سوف نجد أنه موجود كل يوم في ستوكهولم أو في الضواحي حيث أعيش، وأنا أحب أن أكون هنا وأن أستمع إليكم، فأنتم ممثلو اليسار في الوطن العربي ولا أستطيع أن أعبر عن كم سعادتي بوجودي هنا. خلال عشرين عاما تحولت السويد إلي دولة مستقبلة للمهاجرين، وغالبا أصبحت كل الدول في غرب أوروبا علي هذا المنوال، فحوالي 20% من الذين يعيشون في السويد من المهاجرين ومعظم هؤلاء– وأنا لست علي يقين من هذا- تقريبا من الشرق الأوسط فلدينا عدد كبير من العراقيين والايرانيين والفلسطينيين والأتراك وغيرهم الكثير. في المناقشات حول الحرب في العراق وجدنا نحن اليسار في السويد أن الاشتراكيين والشيوعيين في كردستان كانوا مع الحرب التي تشنها أمريكا علي العراق وهذا يعد كارثة رغم كل ما يحدث في العراق، بالنسبة لي كان هذا بمثابة علامة، ما أحاول أن أقوله إن الاختلاف بين السياسة الداخلية والسياسة العالمية أصبح من الصعب تعريفه. إن الصراعات العالمية أصبحت داخلية إلي حد ما والعكس صحيح، وعندما نتحدث عن الكرتون الذي قدمه أحد الرسامين الدنماركيين أصبح عالميا رغم أنه شئ محلي، دعونا لا ننسي أن الأشياء التي يتعين علي اليسار في الغرب أن يقوم بها أصبحت مختلفة، فالأمور كلها مترابطة بعضها ببعض، فقد أصبح الأمر أكثر قربا بين القارتين. إن المفاهيم القديمة لا تزال لها أهميتها في أوروبا، وفيما يتعلق بهذا فهناك "الإسلاموفوبيا" ويزداد الخوف من الاسلام وأعتقد أن هذا أمر سيئ وبدأ يأخذ أشكالا سيئة وقبيحة من العنف. الشئ الثاني هو دعم عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وأعتقد أن هذا مهم جدا لأنه سوف يرأب الصدع بين القارتين. الشئ الثالث هو أننا يتعين أن نتفهم هوية أوروبا وألا نقبل أبدا القول بأن أوروبا قارة مسيحية، لأنها علمانية ومفتوحة لجميع الأديان ولجميع المعتقدات. رابعا: بالنسبة للمناقشات التي تدور حول الهجرة، فبدلا من أن نركز علي الأمن والأمان يجب أن نركز علي حماية حقوق هؤلاء المهاجرين، ونحن لم ندرك هذا الأمر حتي الآن ولكن أعتقد أن القوي العالمية التي لا تريدنا أن نناقش هذا الأمر من منظور عالمي مثل أمريكا، لا يريدون منا أن نناقش هذا في الأمم المتحدة بل يريدون إبعاد هذا عن الأمم المتحدة وعن المجتمع الدولي. خامسا، عندما نتحدث عن فكرة الأممية دعونا لا نتحدث عنها فقط بين مجتمعات الصفوة بل بين العامة أيضا وهذا أمر مهم بالنسبة لليسار في أوروبا وللأسف فنحن لسنا موحدين بشأن هذه النقطة. كل هذه القضايا تجمعها فكرة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ولم أذكر حتي الآن شيئا يعد من المهام الأساسية التي يتعين أن يقوم بها اليسار الأوروبي ، فكل ما يهمني هم من يعملون معي في نفس هذا الكفاح ومن يؤمنون بنفس هذه الآراء في أوروبا لكنهم يعملون في بلادهم ويحاولون تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لذا قلقت قليلا عندما سمعت سمير أمين ولكن تولد لي شعور أنك لا تتحدث عن الديمقراطية وهي بالنسبة لي لب اليسار وهكذا بدأ الأمر في بلادي، فالديمقراطييون الاشتراكييون بدأوا في المطالبة بالديمقراطية والحق في الانتخاب والتصويت وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية. كانت هذه هي البداية ولم يكن الناس يدركون هذا حتي تحققت لهم الديمقراطية. أنا أتفق معكم في أن الديمقراطية المستدامة قد تكون صعبة أو غير ممكنة وهذا شئ عادي. وأعود لأحد الأسئلة التي طرحها أحدكم في بداية المؤتمر وكان سؤالا مهما، لماذا أمريكا اللاتينية علي جانب اليسار والعالم العربي علي جانب اليمين؟ لماذا توجد هذه الحكومات التقدمية في بعض الأماكن؟ ولكن الوطن العربي ما يزال يعاني من غياب هذه الحكومات التقدمية. قد تكون الإجابة أن الراديكاليين هم الذين تبنوا الديمقراطية ولكنهم لم يكونوا فقط الداعيين لها، سؤالي لليسار العربي هو هل نحن نتحدث هنا عن الديمقراطية؟ هذا هو سؤالي، ترون هل هناك مثلا احتمالات لأن تكون هناك مشروعات للديموقراطية في العالم العربي وما هو توجهكم في هذا الشأن؟ ماذا عن المواطنة؟ أعتقد أن الديمقراطية هي لب اليسار منذ أن بدأنا حتي اليوم.

الأستاذ سلامة كيلة: 
 تراجع دور اليسار خلال العقد الأخير من القرن العشرين وكان أثر انهيار المنظومة الاشتراكية كبيرا، حتي علي القوي المعارضة لهذه المنظومة والناقدة لاشتراكيتها، حيث أدي انهيارها لفقدان الثقة بالماركسية التي تطرحها وأدي هذا إلي اشكاليتين. الأولي هي اندفاع العديد من أطراف اليسار نحو قبول الليبرالية في شكلها الجديد وانتشار القناعة بأن زمن الاشتراكية مازال بعيدا حيث أن الرأسمالية قادرة علي تجديد ذاتها وقد انتصرت في الحرب الباردة نتيجة قوة اقتصادها وديمقراطيتها والتطور المذهل في مجال التكنولوجيا الذي أحدثته، لهذا جري تبني أكثر أشكال الليبرالية وحشية، كونها هي صيغة الرأسمالية المنتصرة، وقد جري قبول العولمة التي تفرضها، كونها المحفز لتطور الشعوب وكون الرأسمالية قد أصبحت معنية بتصنيع المجتمعات المخلفة وبدمقرطتها وهكذا كان يطرح هذا اليسار. الإشكالية الأخرى هي تشوش وضياع بوصلة اليسار الذي لم ينخرط في العولمة ولم يدافع عن الليبرالية المتوحشة، حيث بدا أن الماركسية التي كان يمتلكها لا تساعده علي وعي الواقع الراهن وتحديد الرؤي الكفيلة بتحديد فعل الصراع الطبقي، ولقد حارت هل تطرح الاشتراكية بعد تجربة فاشلة، أم تطرح النضال من داخل النمط الرأسمالي لتحقيق تحسينات في المطالب الاجتماعية وأنسنة العلاقات الدولية وحقوق الشعوب والانسان وكيف تحقق السلام والأمن وكيف يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دورا في مصلحة الشعوب، وهل نواجه العولمة الامبريالية وحروبها أم نقدم كذلك بديلا عنها، وحين طرح موضوع تجاوز الرأسمالية بدا وكأنه مبهم، فماذا يعني تجاوز الرأسمالية؟. 

اليسار العربي مرتبك كذلك حيث تفككت مشاريعه القديمة وباتت محل نقد، لكنه حائر بين مواجهة المشروع الامبريالي والدولة الصهيونية وبين تحقيق الديموقراطية ومتجاهل لوضع الطبقات التي يقول إنه يمثلها (العمال والفلاحين) بمعني أنه لا يملك مشروعا اجتماعيا ولذلك نجده مفتت ومفكك ومتناحر. يجب علينا تجاوز الرأسمالية، لكن كيف؟ وما هو المشروع البديل، هذه هي المسألة التي يجب أن تطرح للبحث ويجب أن يتم التوصل لإجابات حولها. قلت إنه يجب تجاوز الرأسمالية حيث أنه ليس من الممكن تحقيق الحداثة والمساواة في الوطن العربي إلا عبر تجاوز الرأسمالية، لأن رأسماليتنا لم تمتلك مشروع استقلال وتطور وحداثة، بل كانت ومازالت تمتلك مشروع تكيف وتبعية. هذا يعني أن يقوم اليسار الماركسي في المستوي السياسي والطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء المتوحدون بقوة اجتماعية فاعلة لتحقيق هذه المهمات. وهنا ينطرح مشروع بديل برؤي اجتماعية فاعلة لتحقيق هذه المهمات، ينطرح مشروع بديل برؤي طبقية مختلفة، يقطع مع النمط الرأسمالي ولكن ليس من أجل تحقيق الاشتراكية بل من أجل تحقيق مهمات التطور الاقتصادي والحداثة والديمقراطية، لكن أيضا الاستقلال كما في فلسطين والعراق، والتوحد العربي بتشكيل الدولة الأم ولتأسيس عالم بديل يقوم علي الاحترام المتبادل والمساواة والتكافؤ. إن تطورنا يصطدم بطبيعة العلاقات التي يؤسسها النمط الرأسمالي، وتسعي الدول الامبريالية إلي الاحتلال والسيطرة ومنع تطورنا، ولهذا فنحن معنيون بتطوير الصراع ضد الرأسمالية، لأننا نهدف إلي تحقيق التطور وتأسيس عالم بديل وبهذا فنحن نواجه الاحتلال الصهيوني في فلسطين والأمريكي في العراق ونري أن الدولة الصهيونية هي جزء عضوي في المشروع الامبريالي. وبالتالي ندعم كل ميل لليسار لتجاوز المشروع الامبريالي والعقلية الامبريالية وتحقيق تجاوز الرأسمالية، إلا أننا ندعو إلي أن يفكر اليسار الأوروبي بروية وعمق في عدد من القضايا والتي نري أنها تشكل أساس تطورنا. أولها تجاوز المشروع الامبريالي الذي فرضته الامبريالية الأوروبية متحالفة فيما بينها علي الوطن العربي والذي تمثل في أربعة مسائل. هي فرض تجزئة الوطن العربي ودعم استمرار هذه التجزئة ومحاربة كل القوي التي سعت لتحقيقها. ثانيا فرض الدولة الصهيونية كقوة تلعب دورا امبرياليا ضد طموح التطور والاستقلال والوحدة. ثالثا منع نشوء الصناعة وتدمير كل المحاولات التي قامت في هذا المجال منذ تجربة محمد علي باشا. وأخيرا دعم كل القوي التقليدية ضد حركات التقدم، وبالتالي علي اليسار الأوروبي أن يعي أن إمكانيات انتقال أوروبا إلي الاشتراكية مرتبطة بدعم مطامح الفلاحين الفقراء في الأمم المخلفة لتحقيق التطور والاستقلال. ومن ثم أن يدرج في برنامجه مسائل إلغاء الديون ونقل التكنولوجيا والاستثمار في الصناعة والزراعة في الأمم المخلفة وإنهاء كل اشكال الوجود الامبريالي والعسكري والاقتصادي وأن تحل كل المشكلات لمصلحة الشعوب.

الأستاذ ممدوح حبشي:

 في الحقيقة أريد أن أستكمل ما قاله بير فيرتين، لأنني سوف أتعرض لنقطة واحدة في مهمة اليسار في العالم العربي وأوروبا وهي الخاصة بالإسلام السياسي، وقضية العلمنة، الحقيقة أن اليسار في عالمنا العربي لم ينجز عصر التنوير كما حدث في أوروبا حتي يومنا هذا. إن عصر التنوير في أوروبا هوالذي أدي إلي العلمنة، وبعد ذلك كان إنجاز البرجوازية الأوروبية. أما البرجوازيات العربية فكلها نشأت تابعة ومشوهة ولم تستطع أن تنجز هذا المشروع رغم أنها بدأته في بعض البلدان العربية لاسيما في مصر. أنا أتحدث لسبب بسيط وهو لأننا نناقش مهمة اليسار، ولدينا التباس حول مهمة اليسار تجاه هذا الموضوع بالتحديد، لأن جزءا من اليسار يعتبر أن قضايا التنوير والعولمة قضايا خاصة بالبرجوازية، وحيث إننا لسنا برجوازيين فهي ليست قضيتنا. وهذه هي الكارثة الأعظم، حيث أن البرجوازية لم تنجز مهمتها فعلينا أن نساعدها لتصعد فتنجز مهمتها، ليس فقط في موضوع علمنة المجتمع ولكن في الدمقرطة بوجه عام حتي أتي دور اليسار، وهم أنصار عدم حرق المراحل وهذه كارثة أخري. الجزء الثالث من اليسار والذي يتجنب هذا الصراع لأنه لا طائلة له منه لأن العدو الطبقي في هذا الصراع بالتحديد ضخم وكبير وعنيف والمجتمع يبدو شديد الكآبة لو نظرنا إليه من زاوية البعد عن العلمانية. هذه هي المواقف الثلاثة الموجودة اليوم في الساحة اليسارية تجاه قضية العلمنة وأنا أري أن المواقف الثلاثة شديدة البؤس.

الخطاب الرسمي للمؤسسات في مصر، الدينية منها والمدنية، بل وخطاب المثقفين والمستنيرين نحو التدين عموما، يقسمه إلي نوعين أساسيين: التدين الصحيح المتسامح والتدين المتطرف غير الصحيح وغير المتسامح أي التدين الارهابي والمكفر لبقية المجتمع. إننا نريد صياغة موقف واضح ومبدئي من الإسلام السياسي وهي قضية علي درجة عالية من التعقيد والالتباس. سوف أنطلق من وجهة نظري والتي تعتبر وجهة نظر بعض التيارات الماركسية في مصر ليتم طرحها للحوار. أولا نعتبر جماعات الاسلام السياسي بمختلف أنواعها مجرد تنظيمات سياسية تستهدف الوصول إلي السلطة وتستخدم الدين بشكل انتهازي لتحقيق أغراضها. ثانيا إن الاسلام السياسي هو مجرد أداة من أدوات الطبقة الرأسمالية التابعة، ومن هنا فهو لا يخدم سوي مصالح هذه الطبقة. ثالثا إن التباين في الأداء بين الجماعات الاسلامية (مثل الأخوان المسلمين) وهم التنظيم الأم الذي انبثق منه كافة التنظيمات الأخري الإرهابية منها وغير الإرهابية، والجماعات المسلحة مثل الجماعة الاسلامية والجهاد والتكفير والهجرة وغيرها، هذا التباين في الأداء ما هو إلا تقسيم أدوار بين عناصر الفريق الواحد حتي ولو لم يعلم كل أعضاء الفريق بذلك. رابعا إن المواجهة بين جماعات الاسلام السياسي والسلطة ليست إلا تنافسا بين قطاعات مختلفة من الطبقة الحاكمة. هو تنافس وصراع حول السلطة، سواء حدث ذلك بشكل مسلح كما في الجزائر أو بشكل سياسي كما هو حال الاخوان المسلمين في مصر. خامسا، لا يوجد أي تناقض بين الإسلام السياسي والعولمة الرأسمالية وأجندتها النيوليبرالية، بل إن هناك تكاملا. سادسا، مما تقدم يتضح أن الاسلام السياسي ليس معاديا للإمبريالية بل هو يخدم مصالحها ولكن هناك استثناءات، والاستثناء هنا مرتبط أساس بالعلاقة الكيفية بالصراع ضد الامبريالية، المطلوب أولا هو التعامل مع كل حالة إسلام سياسي علي حدة، ثانيا، جعل المعيار الأساسي لهذا التحليل: العلاقة بالامبريالية ومواجهة مخططاتها في المنطقة. ثالثا الاستفادة من عدم تجانس هذه القوي. على مستوى الممارسة العملية لتيارات الإسلام السياسي فإنها تصب في النهاية دائما في صف القوي والطبقات ذات المصلحة المباشرة في الأجندة النيوليبرالية، وهناك العديد من الأمثلة مثل الإضرابات العمالية وهبات فلاحية وكان موقف الاخوان فيها دائما مع السلطة وليس ضدها كما يتصور البعض. ونحن أمام تنظيم قائم علي الطاعة العمياء ونجح في جذب قطاعات عريضة من الطبقات الشعبية وأغلبهم من المهمشين وقد غيبها عن المعارك ضد عدوها الحقيقي. أما تنظيمات الاسلام السياسي والتي دخلت في صراع مباشر مع الامبريالية مثل حماس في فلسطين أو حزب الله في لبنان فقد أدي بها صراع البقاء هذا إلي الابتعاد شيئا فشيئا عن منطلقاتها الطائفية واليمينية التي بدأت بها، وإلي تبني مواقف أكثر جذرية ضد الامبريالية لكنها لم تصل إلي ربط معاداتها للامبريالية للعداء للرأسمالية، لأن عملية التطور في مواقفها وخطابها بدأت ومازالت في خضم صراعات تحرر وطني وقومي بالأساس وليست طبقية. لماذا نفتح النقاش حول هذا الموضوع الآن؟ تكمن أهمية توحيد أو تقريب النظرة إلي الاسلام السياسي اليوم في رسم سياسية التحالفات في المجتمع تجاهها، الأمر الذي أدي في بلد كمصر إلي تباين غير صحي في مواقف التنظيمات الماركسية ووصل بها إلي عدم القدرة علي العمل المشترك أو حتي تقريب وجهة نظرها، وبالتالي إلي إضعاف ما هو ضعيف أصلا، هذا من ناحية ومن ناحية أخري أدي هذا التباين في تقييم الاسلام السياسي في فلسطين ولبنان إلي تبرير المواقف الانتهازية لسياسات الغرب تجاه الشرق الأوسط. إننا اليوم مطالبون بالاتفاق علي المبادئ الأساسية التي نبني عليها سياستنا تجاه الاسلام السياسي لأننا اتفقنا أو اختلفنا فهذا سيترتب عليه آثار بعيدة المدي.

د. سمير أمين:

 أنا أتفق أن الديموقراطية هي لب التعريف الخاص باليسار ولكن ونحن نحارب من أجل الديموقراطية فإن هذا دائما يرتبط بالنضال من أجل الاشتراكية أو العدالة الاجتماعية، عادة كنا نربط بين هذين الأمرين وأنا لا أتفق معك فقط ولكن هذا أيضا ما قلته، ما كنت أقوم برفضه هو ما تم اقتراحه علينا اليوم وهو ما يمكن أن نطلق عليه اليوم (النمط الأمريكي للديمقراطية) وهو واضح جدا بعيدا عن التقدم الاجتماعي وهو مرتبط ببعض القهر الاجتماعي وهذا هو ما لا يريده الناس وهم يحاولون أن يصلوا إلي نمط آخر من الديمقراطية سوف يخلق بصورة تدريجية كما نعلم من خلال التاريخ ويرتبط هذا بالكفاح من أجل ظروف أفضل والعدالة الاجتماعية، وأخيرا سوف نصل إلي الاشتراكية، لذلك أنا أعتقد أنه كان هناك عدم فهم ولكن لا يوجد بيننا ثمة اختلاف في هذا الأمر.
الدكتور ماهر الشريف: 
 إن اليسار العربي قد توافق مع موقف الأنظمة الوطنية من مسألة الديمقراطية، وهذا الموقف هو الذي قام علي تغييب الديمقراطية السياسية ووضع الديموقراطية الاجتماعية في مقابل ديمقراطية سياسية. اعتبر عبد الناصر كل الديمقراطية الغنية والتي استندت إلي دستور 1923 في مصر- وهو في زمانه كان أرقي الدساتير- اعتبرها تجربة فاشلة وسماها تجربة "الواجهات الدستورية"، اعتبر أن النضال من أجل رغيف الخبز أهم من النضال من أجل صندوق الاقتراع وحق الانتخاب، والواقع أن اليسار العربي قد تماثل مع هذا الموقف الذي تبنته الأنظمة الوطنية العربية التي صعدت إلي السلطة بعد خمسينيات القرن العشرين. ولكن بعد الانهيارات التي حدثت خاصة في الاتحاد السوفيتي، ومحاولة استخلاص الدروس، بدأ توجه قطاعات واسعة من اليسار نحو إدارك أهمية الديمقراطية السياسية ولكن هنا حدث تداخل للمعارك الوطنية مع المعارك الاجتماعية في بلداننا، وهذه قضية مهمة يجب علي اليسار الأوروبي أن يدركها ولم يمكن التركيز علي هذا الجانب السياسي من الديمقراطية والوقوع في موقف معاكس للموقف الذي تم اتخاذه سابقا. لكن إذا ما اتفقنا كيسار علي أن الديموقراطية هي قيمة إنسانية ونتاج من نتاجات الحداثة والتي تحولت إلي مكتسب إنساني، يجب أن تكون هناك مسئوليات مشتركة في التعامل مع هذه القيمة الانسانية، وبالتالي علي اليسار الأوروبي أن يضع قضية أساسية علي جدول أعماله وهي كيف يواجه الفوبيا من الاسلام وكيف يناضل من أجل ضمان حقوق المهاجرين المسلمين ودمجهم في هذه المجتمعات وبالتالي أعتقد أن مسئوليتنا مشتركة في هذا المجال. 
 السفير ارني سيفرت: 
 سوف أتحدث بإيجاز عن موضوعين، الأول هو السؤال المتعلق بما هو مفهومنا من تعبير منطقة استقرار أوروبا والعالم العربي. إن فكرة الأوروبيين هي أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون منطقة استقرار ولكن مع الاحتفاظ في نفس الوقت بالفهم الامبريالي السابق وهو أن الأوروبيين هم أساس السياسة في المنطقة العربية والعرب هم المفعول به أو التابعون. إن علينا أن نعد نوعية جديدة من تفهم معني منطقة استقرار.

النقطة الثانية فيما يتعقل بمكافحة العولمة والاستراتيجية المضادة للارهاب ما هي الأولويات المتاحة لليسار حتي يبدأ خطوته نحو المستقبل، ما هي المعايير التي يجب أن تتوفر وما هي الموضوعات التي يجب أن نعطيها الأولوية في جدول أعمالنا. ثانيا علينا أن نعمل في إطار يمكننا من أن نحرز نتائج لصالح اليسار. ثالثا هذه المعايير يجب أن تمكننا من أن نعمل فورا وأن نحاول أن نوجه أنفسنا نحو استقطاب الرأي العام العالمي وأن نحاول أن نحل المشاكل التي تؤثر علي عالمنا اليوم. وأعتقد أننا يجب أن نوحد جهودنا فيما يتعلق بموضوع الحرب والسلام وأن هذا الموضوع يمكن أن يساعدنا أن نتحرك بسرعة، لأنني علي يقين أنه بالنسبة لهذا الموضوع فإننا يمكن أن نجد عنصرا نتفق عليه جميعا وأن نجد هذا العنصر بسهولة.

إبراهيم كشبور: 
 أفول إنه لا يكفي أو لا يجب أن نكتفي بالتحليل الفكري والاجتماعي والاقتصادي، نحن كقوي يسارية سواء في أوروبا أو في البلدان العربية بمختلف توجهاتها وإن كنا نقصد القوي اليسارية ذات الأطر الماركسية أو ما يسمونه صحفيا الشيوعية السابقة، لا يجب أن نكتفي بالتحليل لأن التحليل ضروري لكنه غير كافٍ. إن الأحزاب في البلدان التي تتمتع بالأطر الديمقراطية البرجوازية وبالتالي في بلدان شمال المتوسط قد خلقت النقابات والتعاونيات التي أعطتها الامكانيات المادية لاستمرار أطرها الحزبية، ومن ناحية أخري إمكانياتها الشعبية من خلال حصولها علي الأصوات في الانتخابات. وإذا نحن لم ننطلق لعملنا المباشر من هذه المسألة واكتفينا فقط بالتحليل فإنني أعتقد أن خطواتنا لن تكون طويلة وسنعيش حالات التشرذم سواء في اليسار الأوروبي أو العربي.

النقطة الأخرى التي يجب أن نضعها علي جدول أعمالنا هي أيضا مسألة المهاجرين والتي أعتقد أنها غابت عن العديد من التحليلات، فالمهاجرون يعيشون نوعا من ثنائية الغربة، منسيون من مجتمعاتهم ومرفوضون من المجتمعات التي يأتون إليها وأعتقد أن هذه المسألة ستكون إحدي نقاط الحوار المستقبلي بيننا. مثال لهذه تجربة النقطة الحمراء وهي المنظمة الثقافية والتي أمثلها اليوم، وهي تتعاون وبشكل كبير مع الأستاذ سمير أمين وتقوم بشكل أساسي علي نشر الكتب وتوزيعها، وبالتالي تعيش علي أساس إنتاجي في إيطاليا ومن خلال دعمنا لنشاطها بدون الاعتماد علي الدعم من مؤسسات الدولة. إن مسألة الاستقلالية الذاتية لنشاطاتنا تمكننا في المستقبل من أن يكون لنا أسس في العمل.

 السيد ميشائيل بري: 

أود نيابة عن المنظمين الألمان والعرب أن أوجه الشكر لمركز البحوث العربية والأفريقية لتنظيمه ورشة العمل هذه وقد تحدثت بالأمس عن مزيد من التعاون بيننا وأعتقد أن ورشة العمل هذه قد تساعدنا علي تحديد المجالات التي يجب أن ننطلق منها في مجالات التعاون، وأعتقد أن هذه الورشة هي أول عمل لمحاولاتنا لدعم الحوار بين اليسار العربي والأوروبي. ثانيا أود أن أتوجه بالشكر للمترجمين ولم أكن أتصور أن تتم ترجمة هذه اللغة الانجليزية السيئة إلي لغة عربية أو فرنسية وأود أيضا أن أوجه الشكر للزملاء المتخصصين ولكننا نعرف أيضا أن خلف هذا النجاح جهود من وزارة السياحة ومن العاملين في الفندق. فيما يتعلق بمشكلة اليسار الأوروبي فإنني أعتقد أن معظم الاتجاه اليساري الأوروبي وعلي وجه الخصوص اليسار الألماني لم نقبل العرب أو المسلمين فيما بيننا فما يزال هناك بلدان عربية تحصل علي الحماية من بلدان أوروبية، وكان علينا بعد عام 90 بعد توحيد ألمانيا أن نفكر بوجه نظر مختلفة فيما يتعلق بوجهة نظر اليسار ونظرته إلي النزاع. إننا نعرف أننا جزء من هذا الصراع وأنا من أسرة يهودية وفي الكثير من الأحيان نقول إن الألمان قاموا بقتل عدد كبير جدا من اليهود، فواجبنا كألمان أن نقوم بحماية اليهود وهذا يعني أنه ليس لدينا أي حق لنقد الحكومة الاسرائيلية، والمشكلة ان اليسار الألماني يخاف وإننا لا نفكر في إطار هذا المجال بالذات بشكل مستقل ولكننا نخضع لهذا الخطاب الموجود في ألمانيا وعلينا أن نحرر أنفسنا من ظروف الحرب العالمية الثانية وكذلك من الحرب العالمية الباردة. وقد تحدثنا عن المنهج الأكبر، فإننا ما زلنا مواجهين بأقاويل أن الألمان هم الجنس البشري الأنقي. وإننا نقول إن هذا قد أنتج حربين عالميتين. وعلينا اليوم أن نفكر في المستقبل الآن وأن نحاول تغيير هذا الموقف حتي نستطيع أن نخلق مجتمعا حرا يستطيع أن يواجه هذه التناقضات. نعتقد في نهاية الأمر أن علي العرب أن يكونوا مثلنا وطبعا سنساعدكم كي تصبحوا مثلنا تماما. آخر تعليق أود التقدم به هو أنني أعتقد أنه طالما أنه لا يوجد استقلال حقيقي لدولة فلسطين فإن أوروبا واليسار الأوروبي لن يستطيعا أن يحلا كل هذه المشاكل لأنه طالما أن هذا الصراع لم يتم حله فلا توجد أي فرصة لليسار الأوروبي في أن يصبح زميلا ومتعاونا مع اليسار العربي.

الأستاذ صلاح عدلي: 

في البداية أريد القول أنه طوال الجلسات السابقة طرحت مهام لليسار ولذلك سأركز علي عدد من القضايا والتي أري أهميتها. أولا أتفق مع الزملاء الذين أكدوا علي أن قضية الحرب والسلام هي القضية الأساسية والتي ترتب واجبات علي اليسار الأوروبي والعربي في مواجهتها. النقطة الثانية في مهمات اليسار المصري أعتقد أن هناك مهمة كبيرة وهي أن هناك منظمات يسارية عديدة وليس بينها خلافات كبيرة، وبالتالي هناك ضرورة لتوحيد جهود هذه المنظمات الاشتراكية واليسارية لمواجهة الخطر الكبير الذي تحدث عنه الدكتور سمير آمين وهو خطر استبداد السلطة وخطر الهجمة الأصولية والتي يمثلها التيار الاسلامي السياسي. المهمة الثالثة هي إشاعة الديموقراطية، وأنا أريد التركيز علي نقطة مهمة لأنها أثيرت في حديث أمس واليوم، في قضية الديمقراطية نحن نري أن الخطأ الذي وقع فيه اليسار هو أنه يهتم أحيانا بقضايا لها أولوية علي حساب قضية الديموقراطية لكن الآن يحدث العكس. إن التركيز فقط علي إشاعة قضايا الديمقراطية دون ربطها بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية سيؤدي إلي مخاطر كثيرة وسوف يضيع أي تمايز بين اليسار والاخوان المسلمين والقوي التي تدعو لليبرالية في مصر، و بالتالي فإن ربط قضايا الديمقراطية بقضايا الطبقات الشعبية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية هي مسألة حيوية بالنسبة لمصر. النقطة الأخيرة أن اليسار في مصر يواجه مهاما شديدة الصعوبة حيث أنه من الصعب المقارنة بأمريكا اللاتينية وآسيا، هذا ليس تبريرا للقصور ولكن يواجه مشاكل خاصة بالمجتمع، بالتنوير والتي هي مهمة تتبناها قوي أخري، فعلي اليسار تبني هذه المهمة وأن يواجه استبداد الدولة ويواجه مناخا فكريا أصوليا غيبيا شديد التخلف ويواجه هجمة استعمارية خطيرة، وأمريكا اللاتينية ليس لديها اسلام سياسي ولا النفط ولا السعودية ولا إسرائيل. نحن نري أنه من المفيد لمصر ولتطور النضال السياسي أن يكون للإخوان حزبهم علي أساس دولة مدنية وليس في إطار الدعوة للدولة الدينية. و في إطار صراع سياسي وطبقي وفكري مع المزيد من الوقت سيتم كشفهم في حين أن عزلهم من الممكن أن يؤدي إلي مشاكل أكبر.

الأستاذ أحمد عمر: هل من مسئولية اليسار اليوم تجاه نفسه وتجاه مشروعه إعادة الروح للعلاقات النضالية، بين التيارات اليسارية كلها، وأنا لا أري صيغة محددة للتواصل وأشعر بضرورة ذلك شعورا ملحا، أري أنه من المفيد أن تطلق هذه الندوة الفكرة وأن تبدأ في إيجاد آليات محددة للتواصل بين اليسار العربي والأوروبي. لماذا لا يوجد موقع مشترك بينهم أو جريدة مشتركة؟!

الدكتور أحمد إبراهيم: 

سأركز علي بعض المبادئ والقيم والتي من شأنها أن تشكل أرضي للعمل المشترك وكمكونات متنوعة من اليسار العربي. النقطة الأولي تكمن في تبني مفهوم أوسع لليسار أي مفهوم يشمل كل القوي الديمقراطية التقدمية وحتى التيارات الاشتراكية الديمقراطية والتي هي معنية بالسلام والتقدم والديمقراطية. يبدو أن لنا مصلحة جميعا في ألا نغلق أنفسنا علي مفاهيم ماركسية وأن من الأهداف السامية والتي هي أهدافنا، تهم الأطراف الأخرى وأنا أظن أننا يجب توسيع رقعة عملنا. النقطة الثانية هو وضع السلام وحق الشعوب في الدفاع عن ترابها.

متحدث: قضية المواطنة هي قضية النضال، وهي قضية يسارية، ولا يجب أن ننزلق في الثنائيات المغلوطة بين اشتراكي وديمقراطي. الديمقراطية اليوم لها جانب اجتماعي لأنها لو لم تكن مع الناس فهي سوف تصطدم بفساد، سوف تحرك العمال، وبالتالي سوف يكون لها محتوي لأنها نظام، الديمقراطية تعني قيما ربما هي أصلها ليبرالي، مثل الانتخابات وغيرها، ولكنها أصبحت اليوم كونية، يجب أن لا يكون لدينا أي عقدة في هذا الشأن. الديمقراطية التي كنا نعتبرها شكلية، هي اليوم من مكوناتنا، ونظام ضد التعذيب وضد حكم الإعدام، يجب أن تكون من مكوناتنا كيسار عربي، وأنا أعبر عن حيرتي من غياب اليسار في قضايا مثل عقوبة الإعدام، كيف يحكم بالإعدام علي ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني في ليبيا ولا نسمع صوتا لليسار العربي في هذا الموضوع، كيف نتحرك لتقرير المصير ونحن نسكت علي دارفور، هل دارفور قضية طبيعية، هل نحن كعرب غير معنيين بقضايا الإبادة، إلي آخره.

د. نورمان بيتش: قد أسعدنا كثيراً أن نكون في هذين اليومين مع هذه النخبة الممتازة والمتميزة من العالم العربي، أود أن أقول إنه كان مهماً بالنسبة لنا نظراً لاتساع هذه الجبهة المضادة للإسلام في مجتمعنا، نريد أن نواجه هذا ونريد أفكاراً جديدة وحججاً جديدة لمواجهة هذا التنامي المتصاعد لهذه اللهجة المعادية، من الممكن أن يكون لدينا تعاون، نجده متمثلاً في مركز البحوث العربية والأفريقية، ومؤسسة روزا لوكسمبورج. أريد أن تكون هناك منتديات كثيرة ليس بعد سنتين، ولكن نريد أن تكون علي مدار وتواتر أكبر، وأن يكون هناك علاقة مستمرة بيننا، نريد أن نعرف ما الذي يمكن أن نقوم به جميعاً من مثقفين وصحفيين، ونحن نتحدث عن التحليل ونجادل بعضنا البعض، نشرح، ولكن لا يمكننا أن نتعارك، إن لدينا مهارات ثقافية تتيح لنا أن نقوم بهذا الأمر بصورة موضوعية وتحليلية، وقبل أن ننهي النقاش في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، لم نتحدث عن قاعدة مشتركة كيف نواجه هذا الأمر، أود أن أقترح عليكم في المستقبل وفي الاجتماعات القادمة، أن نركز علي الصراعات الأكثر أهمية ونبدأ من القاعدة، ونصل تدريجياً إلي القمة، ونعود مرة أخري لنصل إلي حلول جذرية لأننا عندما نناقش الأمر سوف نتوصل لفهم مشترك، وأيضاً لحلول أكثر واقعية. أريد أن أذكر أيضاً بعض الصراعات الأخرى، لقد بدأنا في التحدث عن أفريقيا ويجب أن نواجه هذا الكلام في البرلمان، نحن نواجه هذا الأمر وكيف يمكن أن نرسل مثلاً مزيدا من القوات لعلاج بعض الصراعات المسلحة، مثلاً كل ما يحدث بالنسبة للجهود الرامية لمكافحة الإرهاب، علي سبيل المثال عملية تزايد الهجرة من أفريقيا إلي أوربا وبالتالي فإن أوربا تبني قلعة ضد المهاجرين، ولا تعطيهم حقوقهم، وتنكر حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وكل هذه الأمور، نحن في حاجة إلي آرائكم وتحليلاتكم حتى نتعامل مع هذه المشكلة داخل مجتمعنا، أخيراً هناك موضوع آخر مهم، هو تصاعد الصراعات علي الطاقة والموارد الطبيعية مثل البترول وغيره من الموارد كيف يمكن مواجهة هذا الصراع، أعتقد أن هذا الاجتماع يتعين أن يضع قاعدة ننطلق من خلالها لمواجهة هذا المشكلات بصورة جادة. ومن الممكن سريعاً أن أنتقل إلي الاقتراح الثالث، كيف يمكن أن نجعل عملنا بكفاءة وفاعلية ويكون متداولا بصورة أكبر بين الجماهير، لماذا لا نستطيع أن نسير علي نماذج مثل حل الأزمات، يمكننا أن نقدم مثلاً بعض هذه الآراء العلمية، هناك مشكلات ونقدم التماسات لحلها من العامة، إذا ما التقينا عدة مرات فسوف نستطيع أن نضع حلولاً جديدة واقتراحات جديدة لهذه المشكلات التي هي في حاجة ملحة لحلها، ولذلك من الممكن أن نبدأ بتنظيم هذه الاجتماعات لتضم هذه النخبة من الزملاء المتميزين، وأن يكون لدينا هذا المنتدى من العرب ومن الأوربيين اللذين يقدمون آراء لها قيمة.

د. عبد الخالق عبد الله: اعتقد أنني سأستكمل مسلسل الاعترافات، وخاصة أنه صار هناك حديث حول النفط والطاقة، أنا من دولة الإمارات العربية ومن منطقة الخليج العربي، وهي المنطقة الأكثر ازدهارا، المنطقة التي تعيش ثراء نفطياً وفي وضع مريح، بخلاف ما هو في مصر أو فلسطين أو لبنان أو المغرب، أود أن أنظر إلي الموضوع بعيون خليجية، وأكثر ما ينبغي أن أعترف به أنه لا يوجد يسار في منطقتنا بالمعني السياسي والفكري، لذا أنا أجد نفسي هنا غريبا أغرد خرج السرب اليساري العربي وأيضاً حتى العالم، لكني في نفس الوقت أجد أن المشاكل في منطقة الخليج العربي الأزمات، والمهمات، دون أن أكون يسارياً أو اشتراكياً أجد أن مشكلاتنا هي نفس المشكلات التي تواجه كل البشر، سوف أستعرض 3 مشاكل أعانيها. رقم واحد أجد أمريكا ضخمة في حياتنا، في الخليج أكثر من أوربا، في هذه اللحظة أمريكا حاضرة في حياتنا السياسية والثقافية والفكرية في خليجنا العربي أكثر من أي بقعة في العالم، وأنا كشخص أكافح من أجل تخفيف هذا الوجود، وأنتم تكافحون الأحادية والتغلغل الأمريكي، وأنا معكم هل هذا يجعلني يسارياً؟ ثانياً منطقة الخليج هي الأكثر توتراً وهي مقبلة علي حرب حاليا،ً هناك حرب قادمة تصنع وتشكل، وأنا قد عانيت من حرب أولي وثانية وثالثة ومتوتر، أنا كإنسان أوربي عربي خليجي ضد الحروب، وأنا متفق معكم علي بناء حركة عالمية ضد الحروب، وأنا منضم معكم دون أن أكون منضما إلي أي حزب يساري، لأني ضد الحروب، والمنطقة التي أتيت منها علي وشك أن تكون فيها حرب رابعة، وسأدفع أنا الثمن في التعليم، والصحة وغيرها، لأن كل هذا سيأتي علي حساب فاتورة اجتماعية. أنا أيضاً أعاني من الاستبداد السياسي، أنا شعاري الوحيد اليوم هي قضية الحرية والديمقراطية، ولم يفرض علي مستر بوش هذا الشيء ، أنا أطلبه من قبله. منطقتي أنا بها استبداد، والاستبداد قضية إنسانية عربية أوربية مشتركة، يجب أن نناضل من أجل التقدم والرأي الآخر وأنا أعمل من أجل ذلك، لذا فأنا مهمتي محلية وليست عالمية، رغم أنني أعيش عصر العولمة. أتمني من الأوربيين أن يساهموا في تخفيف عسكرة منطقتي ومنع الحرب القادمة، أتمني أن يقفوا معي في هذه الجبهة وبإمكانهم، لأن الذي سوف يأتي في الحرب أوربا وأمريكا، والناتو الآن تتمدد عالمياً بعد أن كانت 13 عضواً أصبحت 26 عضواً وستصبح 36 عضواً، وهناك أربع دول خليجية وقعت اتفاقات مع الناتو، أربع دول خليجية وقعت اتفاقية مبادرة أسطنبول ، الناتو يتمدد ، أريد من الأوربيين أن يقفوا موقفا من العسكرة والحرب، أتمني أن يساهم الأوربيون أيضاً ( ليست هذه دعوة للأجانب أن يتدخلوا في حياتنا) لكن عليهم أن يساهموا معي في إحلال الديمقراطية والحرية وتأكيدها في حياتي، وأنا أعاني من هذا الشئ، وأيضاً كفاحي مثل كفاح الأوربيين أن هذه الأحادية مضرة بالعالم كما هي مضرة بي، هذه بعض المهام التي أعمل بها، وأتيت للورشة وأنا محمل بها. ولكن بعد يومين من المناقشة والذي اتضح لي والذي اعترض عليه أن اليسار ليس في أفضل حالاته، هذا شئ مؤسف، اليسار في هذه اللحظة ليس في أفضل أحواله. القرن العشرون الذي انتهي كان قرناً ساد فيه اليسار، كتنظيم كفكر كنقد، وكان اليسار صاعداً في الصين والاتحاد السوفيتي، وكنا جزءا من هذه الحركة، قرن العدالة، فالاشتراكية في تراجع والعدالة في تراجع واليسار في تراجع، عندما أنظر خلال 50 سنة قادمة أجد الخط البياني لليسار في تراجع. نقطة أجد فيها اليسار غير الآخرين هي النقد، اليسار ينتقد نفسه، فاليسار مطالب في الوقت الحاضر أوربياً وعالمياً أن يبدأ بنقد لمسلماته وخطابه، أنا لم أجده يقوم بمراجعة مصطلحاته من التبعية والإمبريالية والمشروع الإمبريالي، ورغم اعتراف سمير أمين أنه مع الديمقراطية، فإن اليسار متهم خلال الخمسين سنة الماضية أنه ضد الديمقراطية والحرية، ينبغي أن نراجع هذه الأمور. اليسار شارك خلال الخمسين سنة في ترسيخ الديكتاتوريات، ينبغي أن تأتي الآن لحظة محاسبة، لم أسمع أحد من اليساريين العرب سوي الأخ ماهر والذي قال نعم اليسار وقف مع الحكومات الاستبدادية وليس مع الشعوب.

الأستاذ نبيل مرزوق: الدور الأساسي المطلوب من اليسار حالياً هو إعادة تقييم التجربة الاشتراكية السابقة، لأنه حتى الآن النقاش حول اليسار العربي، وحول الأحزاب اليسارية العربية، ولم ينظر إليها من خلال الطور الذي كان يتم ويحدث خلال الفترة السابقة، من المطلوب إعادة الاعتبار لفكرة الاشتراكية، كأفق إنساني كأفق للتطور الاجتماعي، هناك مفهوم طرح من بعض الزملاء أن المعركة مع الصهيونية هي معركة اليسار المحلي، في الأمس تبين الترابط العضوي بين الإمبريالية العالمية والحركة الصهيونية، وأن إسرائيل هي جزء من المشروع الإمبريالي العالمي، وبالتالي مواجهة هذا المشروع ليست مسئولية ومهمة اليسار في المنطقة ولكنها مهمة اليسار علي مستوي العالم للنضال ضد الإمبريالية العالمية، وهنا تصبح العلاقة ما بين اليسار علي صعيد المنطقة العربية واليسار علي الصعيد الأوربي علاقة تكامل ونضال مشترك من أجل إنجاز المهام المطروحة علي اليسار علي مستوي العالم وهي مهام مواجهة الإمبريالية العالمية في كافة المواقع وليس في منطقتنا فقط، وبالتالي النضال من أجل مستقبل الاشتراكية.

د. حيدر إبراهيم: بالنسبة لمسألة النقد، اليسار العربي تعود علي الكهوف، وعلي خلق الأعداء، وخصوصاً اليسار في السودان، وقف موقفا عدائيا بشكل سريع جداً من منظمات المجتمع المدني، واعتبروها بديلا لليسار، خاصة وأن هناك الكثير من اليساريين لظروف متعددة يتحولون للعمل داخل هذه المنظمات، لذا جعلوه عدواً كان من الممكن أن يكون مكملاً لهم. النقطة الثانية تتعلق بقدرة اليسار علي الحركة وعلي التغيير، تغيير نفسه، الآن العامل الثقافي أصبح يلعب دوراً أساسياً موازياً أو علي الأقل مكملا للصراع الطبقي والعامل الاجتماعي. العودة الأصولية في المجتمعات العربية نجحت في شئ خطير جداً ، نجحت أن ترفع الأرض إلي السماء وتنزل السماء للأرض، في حالة مثل هذه يجد اليسار نفسه معلقا في الفراغ، أي عندما نتحدث عن الطبقات والصراع الطبقي العامل يتحدثون عن الرزق وليس عن الأجر، بالنسبة له ما يعطي له هو رزق، والرزق يتحكم فيه الله. عندما يتحدث عن الإمبريالية لا يقول الإمبريالية، يقول عنها شيطان أكبر وشيطان أصغر، ولكن الأخطر أن الحركات الإسلاموية استطاعت أن تختطف شعارات اليسار، في الصيف الماضي، وجدنا صور حسن نصر الله وليست صورة جيفارا، اللغة التي يتكلم بها الأسلامويين كانت في الماضي لغة اليسار، هنا يوجد مدخل للتعامل مع الدين، نحن ليس مطلوبا منا أن نتملق الدين وندعي أننا متدينين، المطلوب ، جر الدين لميدان آخر، ما فعلوه في أمريكا اللاتينية لاهوت التحرير، نحن نقوم بالعكس بدلاً من أن نقول الاشتراكية، نقول العدالة الاجتماعية، بدل من أن نقول الديمقراطية نقول الشورى، لذلك ينقلونا إلي ميدانهم وليس العكس. من جانب آخر بالنسبة لمستقبل اليسار، هل تعلم اليسار من التاريخ، واستطاع بالتالي أن يري كل الانهيارات التي حدثت ويتعامل علي ضوئها، أو ما زال هناك نوع من الحنين، والفردوس علي الأرض؟ هذا يجرني لسؤال يدخل فيه ما قاله أخي عبد الخالق عبد الله، هل نحن في حاجة إلي يسار في العالم العربي؟ أنا أقول نعم ولا. أقول إننا في حاجة إلي حركات اجتماعية في العالم العربي يكون طليعتها اليسار، اليسار في فترات كبيرة لم يكن يسارا فكريا، كان يسارا تنظيميا، وبالتالي لا يستطيع أن يكون حزباً علنياً، أنا في النهاية أقول إن الحاجة ملحة إلي حركات اجتماعية مرتبطة بالواقع ويمكن أن يكون طليعتها اليسار.



فوليا أتاكان: أنا مندهشة من أنكم تذكرون الإسلام كأيديولوجية رسمية في البلدان التي تنتهج المنهج الأوتوقراطي في هذه المنطقة، طالما كانت هذه الحركات سياسية معارضة، فأعتقد أننا سوف لا يكون لدينا أي صعوبة في المجتمع. فيما يتعلق بالمنهج اليساري لا أعتقد أن هذا لا يمكن أن يتعارض مع الأيديولوجية الإسلامية علي مستوي الخطاب، ولكن هناك مشكلات علي مستوي المنظمات وحشد الجماهير بشأن قضايا بعينها، هذه المشكلة ترتبط بمسألة بناء القدرات لدي الجماهير، قدرة الجماهير علي تنظيم نفسها ومحاولة البحث عن الوصول للجماهير، ولكن أعتقد ان المشكلة الحقيقية تظهر عندما تتبنى الدولة الإسلام كأيديولوجية رسمية، جميعنا يعلم أن الإسلام هو المبدأ التأسيسي أو القاعدة في السعودية وفي إيران بطرق مختلفة، هناك الشيعة في إيران، وهناك الوهابيون في السعودية، إذن مسألة نقد أي حركة إسلامية بدون استخدام خطاب إسلامي، إذا كنتم تريدون أن تظلوا يساريين في هذه البلدان، يجب أن تعترفوا أنكم مسلمون جيدون وبعد ذلك يساريون، هذا أمر مستحيل، هذه هي المشكلة في تلك البلدان، ربما الحال نفسه ينطبق علي مصر، اليوم الأزهر مقدس لماذا لم يكن مقدساً منذ عشرين عاماً مضت، ولكن هذا بسبب الدولة وليس بسبب حركة الأخوان المسلمين، المشكلة الحقيقة هي أننا يجب أن نخاطب ونعالج هذه المشكلة حتى لا تصبح أيديولوجية رسمية لهذا البلد، هذه القواعد الأوتوقراطية لهذه البلدان تجعل الوضع أسوأ، الديمقراطية مهمة بهذا المعني ، هناك عدة أنماط من الحركة الإسلامية ، وحتى من التنظيمات، ولكن حينما عملت كأحزاب فنحن لدينا القدرة علي أن نتنافس معها ولكن عندما تتبنى الدولة الإسلام كأيديولوجية رسمية ، فسوف تكون لدينا مهمة صعبة.

د. كمال عبد اللطيف: بالنسبة للمستقبل، يبدو لي أن لدينا مسألتين، المسألة الأولي نظرية، اليسار الأوربي واليسار العربي، ذلك أنني أنطلق من أن المرجعية واحدة، وأننا من مأتي سنة ونحن نتعلم من التجربة الفكرية الأوربية التي حولت الغرب في ذواتنا وأذهاننا، وأوربا بالذات، إلي جزء لا يتجزأ من ذواتنا، وأصبحت أوربا جزءا من صيرورتنا التاريخية، لذا فأنا أعتقد أن علاقتنا مع اليسار الأوربي ومع الأوربيين عموماً، وأن المنظومة الفكرية العامة المستفادة من تاريخ الفكر الأوربي، جزء من منظومتي الفكرية ليس بنقلها كما هي، ولكن أستوعبها، ثم أمنحها الكونية، والماركسيون العرب وهم يحللون واقع المجتمعات العربية هم جزء من المجهودات التي أضفت الكونية علي المفاهيم الماركسية. المسألة النظرية هي غياب لمشروع اليسار، لنقل هذا الأمر بكل شجاعة، ولعله يقال ويقال كثيرا، غياب المشروع. إننا في كثير من محاولاتنا للتأمل أو الفهم نستخدم مفاهيم من القرن التاسع عشر، يجب أن نبتكر، المشروع ليس وصفة، المشروع ابتكار إنساني في السياسة في الفكر، جرأة مغامرة. أغلب مواقف اليسار العربي والأوربي ردود فعل، وليست مبادرات. هناك أمر آخر، لم ننجز بعض النقد الكافي لانهياراتنا المتواصلة، غالباً ما لا نري أنفسنا في المرآة. مثال من المغرب، الإسلاميون في المغرب فصائل متعددة، هناك الإسلام الخلقي أو الروحي ويوجد في الزوايا، وله جماهيرية عريضة جداً وهو عبارة عن مجموعة كبيرة جداً جاهزة للانتخاب إذا اقتضى الأمر. الإسلام السياسي المخترق من طرف الدولة، ويضم أطرا كانت في اليسار، وتشتغل داخل حزبها بالمعيار اللينيني، مؤسسات المجتمع المدني، حزب العدالة والتنمية وحزب العدل والإحسان، 600 جمعية خيرية في تلافيف القرى بنفس الصرامة التنظيمية.

إلهامي الميرغني: أنا أري أننا خلال السنوات الأخيرة سواء بالنسبة لليسار الأوربي أو اليسار العربي بدأت مرحلة نهوض، في العديد من البلدان سواء في أوربا أو الدول العربية هناك محاولات لنقد التجربة السابقة ومحاولات لقراءة ما حدث، بدأنا نخطو علي الطريق بشكل أفضل من العقدين الأخيرين، بالأمس وجدت مقالة للرفيق جيركا، يتحدث عن وحدة اليسار في ألمانيا، الكثير من الكلام عن بناء حزب يساري جديد، لو أخذت هذه العبارات ووضعتها مع حذف البلد لوجدتها كما لو كانت تتحدث عن أزمة اليسار في مصر، وكذلك كان هناك مقالة عن التحريفية وأزمة اليسار في المغرب، نفس العبارات، لو رفعنا كلمة المغرب لوجدناه يتحدث عن اليسار المصري واليسار السوري واليسار السوداني. الشئ الثاني، بالنسبة لقضية الديمقراطية ضمن أولويات اليسار وما أشار إليه د. سمير أمين، ود. ماهر الشريف، أنا أري أن الديمقراطية الاجتماعية وحقوق الطبقات الشعبية قضية محورية بالنسبة للنضال اليساري، إذا لم نربط ما بين الديمقراطية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية سوف نكون أمام مشكلة كبيرة لأن هناك سيطرة للفكر الأصولي علي الشارع السياسي في الوطن العربي بالإضافة إلي قوة قبضة الاستبداد السياسي، وهذا يضيف المزيد من القيود علي حركة اليسار وقدرته علي طرح المشروع البديل. التجارب الوطنية مثل الناصرية، عندما استغنت عن الديمقراطية لم تجد من يدافع عن المكتسبات الشعبية عندما تم النكوص عليها. الزميل سلامة كيلة تحدث عن بلورة البديل وأنا أعتقد أن هذه مسالة مهمة جداً تعنينا جميعاً، كيف نبلور بديلا يساريا قادرا علي التعامل مع متغيرات القرن الحادي والعشرين؟ هذه هي المهمة المحورية التي تجمعنا وتوحدنا معا. نحن نواجه هماً مشتركاً علي ضفتي المتوسط وعلينا أن نساهم معاً في بلورة هذا البديل، واستكمال طرح رؤية متكاملة لبديل قادر علي التواصل مع الطبقات الشعبية، من خلال كل الساعين للتحرر والتقدم في بلداننا العربية.






(7)

مائدة مستديرة

إيريك رولو: إن انهيار الاتحاد السوفيتي قد أضر بشدة ليس فقط بالأحزاب الاشتراكية، ولكن أيضاً بالشراكة الاجتماعية والديمقراطية، أنا أعرف الكثير من الاشتراكيين الذين لم يكونوا شيوعيين وكانوا يقولون إن انهيار الاتحاد السوفيتي كان كارثة لنا. لا يوجد أي حزب يساري في فرنسا قدم بديلا للمجتمع الذي نعيشه، وكثير من يقولون ما هو الفرق بين الحزب الاشتراكي واليمين في فرنسا، لديهم بعض الإصلاحات وما إلي ذلك، ولكنهم في النهاية يمارسون نفس السياسات. نعم الأحزاب الاشتراكية مارست نفس سياسة اليمين، ولماذا، لأن هذا يعود إلي العولمة، لأن الأحزاب الاشتراكية الفرنسية قد تضاءلت مع الدخول في الاتحاد الأوربي الذي يفرض سياسات النيوليبرالية. ضعف اليسار يفتح الأبواب أمام ما نطلق عليه خطأ الوسطية، الحزب الشيوعي الذي كان أقوي الأحزاب قبل التحرر الآن عندما يحصل علي 4 أو 5 % من الأصوات يعتبر انه سعيد الحظ، لأن الناس لا تثق في اليسار. إذا ما نظرنا إلي أقصي اليسار، التروتسكيين، فإنهم يدينون فقط، وليس لديهم مشروع، وإذا ما نظرتم إلي الصراع العربي الإسرائيلي فإن الحزب الاشتراكي الفرنسي متعاطف أكثر مع الإسرائيليين أكثر من الحزب الديجولي، والحزب الديجولي الآن مع السيد ساركوزي المتطرف مثل بوش. بالنسبة لمسألة الإسلام لدينا في فرنسا تحت مسمي مقاومة الإسلامية، ومحاربة العنف، والدفاع عن العلمانية، لدينا الإسلاموفوبيا بشكل كبير، إن رجل الشارع لا يستطيع أن يميز بين الإسلام والرسول محمد والإرهاب، إننا نتوجه إلي حرب أديان علي ما يبدو، واليسار لن يكون بمنأى عن هذا، ولكن العديد من اليساريين يرون أن الإسلام في حد ذاته بوصفه دين، ولكن لدينا 4 أو 5 ملايين من المسلمين في فرنسا، ولذا هناك خطر من تغذية هذا الشعور بالإسلاموفوبيا مع وجود هذا العدد من المسلمين ، إذا لم يكن لدينا تصور صحيح للإسلام هنا، فإن هذا أمر خطير للمجتمعات الغربية. هناك اتجاهان بين اليسار المصري البعض أقلية والبعض الآخر أغلبية، حيث أن هناك هوة بين الاتجاهين يصعب التضييق بينها والقضاء عليها، إنني لا أقلل من الأدلة والبراهين عند الذين يريدون قيام الحرب ضد الإسلاميين، والآخرين الذين يريدون شكلاً آخر للحرب. العداء للحركات الإسلامية في هذا الجزء من اليسار هو عداء تقليدي، أعتقد أنني عندما كنت صغيراً في كل أوساط اليسار في مصر كان يكتب أن جميع الأخوان المسلمين هم عملاء بريطانيون، واليوم ليس لدي دليل علي أن حسن البنا كان يحصل علي أموال من البريطانيين، ولكن الحقيقي أن الأخوان المسلمين قد حاربوا ضد تواجد البريطانيين في قناة السويس، اليسار المصري لم يأخذ هذا الأمر في الاعتبار أبداً، ظلوا يعتبرونهم عملاء. العداء يرجع إلي عصر بعيد، وأنها حركات معادية للديمقراطية ، بمعني آخر نحن نفضل وجود الأوتوقراطيين أكثر من الإسلام في الحكم، وأنتم طالما تعلنون العداء للإسلاميين فأنتم تعملون لصالح الحكم الأوتوقراطي. إن هناك تنوعا في العالم الإسلامي، وفي الحركة الإسلامية، دائماً نتحدث كما لو كان اتجاه واحد، ديكتاتورية واحدة، وهذا غير صحيح. إنه باستثناء البعض فكل الحركات الإسلامية قد تغاضت عن استخدام العنف، ولكن بالنسبة لأوربا هم دائما إرهابيون. عندما نفكر في الجزائر أين نجد حزبا آخر عنيفا أو متطرفا مثل حماس، وأعتقد أن حماس وطنية، فرغم أنني لا اتفق مع ما يفعلونه اليوم وأعتقد أنها ساذجة ولكنني أري أنها وطنية. لو كنت فلسطينياً لكنت وضعت يدي في يد حماس حتى نقطة معينة. لابد من وجود أهداف مشتركة، لا يمكننا أن نفصل، وهو ما يقوم به اليوم الفلسطينيون العلمانيون ولهم كل الحق في ذلك. هناك بعض الأحزاب الإسلامية التي تؤيد الديمقراطية التعددية، أسباب أخري لا أستطيع أن أذكرها لأنها جديدة هم ضد الدولة الإسلامية، هم ضد دولة علمانية ولكنهم مع دولة مثل كل دول المنطقة، هم لم يتحدثوا أبداً عن تطبيق الشريعة، لابد أن نميز هذه الحركات، لنأخذ في الاعتبار أنهم امتطوا الجواد الوطني، لأنهم يعرفون أنهم في منطقة وطنية، والجواد الاشتراكي لأنهم يعرفون أن الشعب العربي يعاني من الفقر وعدم العدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن ينجحوا إذا لم يدافعوا عن بعض المطالب الاجتماعية، بالطبع يفعلون ذلك باسم الدين، ، هل تودون أن يفعلوه باسم الماركسية أو الاشتراكية. إنهم يستخدمون الدين الذي ويفيدهم أحيانا بوصفه ستاراً، ولا نتفق مع هذا اليسار المعادي تماماً للحركة الإسلامية، وهذا هو الجزء العملي وليس الأيديولوجي، يجب أن نعترف أنه في كل الدول العربية أو غالبيتها الحركات الإسلامية قوية جداً لديهم شعوب عريضة خلفهم، ومن السذاجة السياسية أن نتجاهلهم، أو نقوم بمحاربتهم، ما الذي يجب فعله في مثل هذه الحالة، رجل السياسة لابد من وضع ذلك في الاعتبار، كثير من الحركات الإسلامية قد تطورت. الحوار ثم يكون هناك عمل مشترك بين اليسار والإسلاميين حول أهداف واضحة ومقبولة لدي الطرفين، مثل التظاهر ضد القوانين غير الديمقراطية في البلاد. لابد أن يقبل اليسار أن يسير إلي جانب الملتحين، الذين يقولون نحن ضد هذه القوانين غير الديمقراطية، ويوم أن تفصل بيننا الأهداف، يمكننا أن نهاجمهم، ولكن نهاجمهم عن طريق الحوار، أنتم تقومون بتقوية النظام الديكتاتوري، وتساعدون الأمريكان وما إلي ذلك، الوضوح، الصراحة من خلال الأيدي الممدودة، هذه هي السياسة الواقعية لأناس مسئولين. إن معني الديمقراطية أن تتعاونوا مع أشخاص لا تتفقون معهم، وإلا فهذه ليست بالديمقراطية، يجب أن نصل إلي نتيجة أن الإسلاميين طالما أنهم قوة سياسية يجب أن يكون لهم مكانهم، وإلا لن يكون هناك نظام ديمقراطي بدون الإسلاميين، والبعض يقول إنهم سيأخذون السلطة ويفرضون علينا الشريعة، هذه أيضاً محض أوهام، لأنكم عندما تقومون بإقرار الديمقراطية ستقومون بفعلها بحيث أن أي مجموعة سواء كانت إسلامية أو شيوعية بوسعها أن تأخذ السلطة بالقوة السياسة. إن الديمقراطية ، ليس فيها استبعاد أحد.


د. فوزي منصور : أنا أستغرب مما قيل عن تأثر بعض اليسار الفرنسي من سقوط الاتحاد السوفيتي، واسأل كم أخذ من الوقت استقرار الثورة البرجوازية في فرنسا التي أحلت نظاما استغلاليا محل نظام استغلالي قديم، حتى نتصور أن الثورة التي تقوم علي القضاء علي كل أشكال الاستغلال تنجح من أول مرة. كان لابد إذا أن تبدأ الثورة الاشتراكية في بلد متخلف مثل الاتحاد السوفيتي بدليل أنها حدثت في بلد آخر متخلف وتنتقل من بلد متخلف إلي بلد أكثر تخلفا لأسباب أخري لن أستغل موقعي هنا للحديث عنها، وستستمر الاشتراكية تجرب وتحاول وسيأخذ الأمر ربما عدة قرون لكي تتجلى علي أبهي أشكالها وهذا أمر طبيعي. وجه العجب عندي أن فرنسا ذات الثقافة العريقة ليس فقط في التجارب السياسية ولكن أيضا في الفكر، لا تستطيع أن تفسر هذه الظاهرة بما يجعل الفكر الاشتراكي والأحزاب الاشتراكية تهتز من أساسها، أريد أن أقول إن وضع فرنسا قريب من قمة النظام الاقتصادي العالمي بكل هذا الثراء يفرض علي مجتمعها بما في ذلك الطبقات الشعبية والعاملة بعض الانحرافات والتصورات الفكرية التي تتناسب مع وضعها في قمة هذا النظام العالمي.

د. سمير أمين:

 أريد أن أنطلق من تعريف لليسار بالنسبة لي علي الأقل، فهو بالمعني الواسع مجموعة القوي السياسية والاجتماعية والثقافية والأيديولوجية التي تجمع بين الصراع المستمر من أجل مزيد من الديموقراطية والصراع المستمر من أجل التقدم الاجتماعي، وأعتقد أن هذا هو المعني الحقيقي التاريخي ، ومن هذه الزاوية فإن الديموقراطية الاجتماعية جزء من اليسار. في هذا الإطار أنا أعتقد أن هناك ما يمكن أن نسميه اليسار الراديكالي فهو الذي يدفع التحليل إلي رفض فكرة أن الرأسمالية هي النظام الموجود للأبد، بل النظرة إلي بديل له. ثانيا، التخلص من الاستعمار علما أن التوسع الرأسمالي القائم بالفعل وفي كل مرحلة من مراحل التطور ينتج الاستقطاب بأشكال مختلفة أو ينتج العلاقات غير المتكافئة أي الاستعمار بمعني آخر، في هذا الإطار أنا أعتقد أن في مرحلة ما يمكن أن نحاول أن نري من هو اليسار بالمعني الواسع ومن هو اليسار بالمعني الراديكالي. 

أثبتت الندوة أنه بالرغم من تنوع الأفكار والآراء فهناك أرضية مشتركة بين من يميل إلي مزيد من الديمقراطية والتقدم الاجتماعي سواء كان في أوروبا في ظروفها الحالية أو في الوطن العربي بظروفه الحالية. إن أهم التحديات التي تواجهها الشعوب الأوروبية الآن مختلفة عن ما كان منذ 30 أو 40 عاما، وهي مختلفة بمعني أن الرأسمالية نفسها تغيرت وتحولت من مراحل متتالية كانت تتسم بسمة مشتركة والتي هي تعدد الأقطاب الاستعمارية ودخولها في صراعات مستمرة وعنيفة تجلت في حروب متتالية بما فيها الحروب العالمية، تحولت من هذا الوضع إلي مرحلة جديدة تتسم بنوع من التشابك لدرجة أن هناك ما يمكن أن يسمي الاستعمار الجماعي أو المركز المكون من عناصر مختلفة، الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، ليس معني هذا أنه لا توجد تناقضات داخل المركز الرأسمالي الاستعماري، وأنا من هؤلاء الذين يعتقدون أنه من الضروري مزيد من البحث والنقاش والحوار..إلخ. ما هي التناقضات الموجودة حاليا وما هي التناقضات التي قد تكون في التصاعد والتناقضات التي سوف تحتل مكان ثانوي نسبيا، الدراسات الاقتصادية عن مدي تشابك رؤوس الأموال الاحتكارية المعولمة ماليا والتي تكون الطبقة العليا من الرأسمالية السائدة عالميا تبين كيف أن هذه التشابكات ألغت تناقضات من الصنف القديم وتوجد تناقضات جديدة؟ فهذا مجال للبحث، وأيضا مجال للبحث والمزيد من النقاش أن ننظر للتاريخ الحقيقي لصراع الطبقات والتكوينات الاجتماعية والوطنية وما أسميها الثقافة السياسية بالمعني الواسع، هذا هو التحدي الذي تواجهه الشعوب الأوروبية. أثبتت الشعوب الأوروبية في التاريخ أنها قادرة علي أن تغير وليس فقط في ميزان القوي الخارجية بينها وبين الأطراف الأخرى في المنظومة العالمية بما فيها المنظومة السائدة، لكن أيضا موازين القوي الاجتماعية في داخل المجتمعات، هنا توجد خطط واستراتيجيات أوروبية مختلفة تماما، هناك قوي تتصور أنه لابد من إعطاء الأولوية الأولي في الاستمرار في البناء الأوروبي ثم نغير علي الصعيد الأوروبي بعد ذلك موازين القوي لصالح الطبقات الشعبية إلي حد كبير أو قليل، وهناك من لا يؤمن بذلك ويعتقد أن البناء الأوروبي نفسه أصبح عقبة رئيسية لمنع التقدم الاجتماعي وبالتالي أيضا منع التقدم الديمقراطي في أوروبا. مركزية الإشكالية الإسرائيلية الصهيونية بالنسبة لخطط الاستعمار في المنطقة، ومن هنا أيضا تبلور تحالف ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل ونظم الحكم العربي كلها، فمن هنا بدأ هذا التحالف ومن هنا يمكن أن نقول استثنائية التحدي بالنسبة لنا. ما هو العمل؟ العمل هو تبلور اليسار حول مشروع بديل علي جميع المستويات من المستوي العالمي والإقليمي إلي المستوي الوطني، انطلاقا من المستوي الوطني لأن الناس دائما تدخل في معارك علي الأرضية الوطنية قبل أن تنتقل إلي المستوي الآخر، من هنا تجربة أمريكا اللاتينية وهي التجربة التي تدل علي أن الأمل موجود وممكن أن تتغير موازين القوي علي صعيد إقليمي وربما عالمي ، إذا تغيرت أولا داخل المجتمعات وهذه مسئوليتنا، ولن تتغير التوازنات علي الصعيد العالمي أو الإقليمي حتى في علاقتنا مع إسرائيل دون أن تتغير قبل ذلك موازين القوي الاجتماعية في صالح الطبقات الشعبية عندنا، وبالتالي فالعمل هو العمل في صف الطبقات الشعبية وهناك عدة صراعات طبقية قبل أن يكون في مجالات أخري.

الأستاذة ليلي غانم: 

أريد أن أقول ما الذي يمكن أن نقوم بعمله، أظن أننا يجب أن نعمل علي قضايا تهم الناس مثل موضوع الزراعة أو كل المسائل التي تطالها اتفاقيات الخدمات وهي قطاعات مفتوحة لنا، يمكننا أن نقوم بعمل مجابهة نحن وكل القوي الموجودة علي الأرض، والأوروبيين لهم دور مهم ويمكنهم الضغط علي الدول العربية فيما يتعلق بقطاع الخدمات، فأعتقد أننا يجب أن نفتح ورشات عمل بيننا وبين اليسار الأوروبي حول مواضيع تمس القطاعات الحية والإنتاجية، وهذا هو السبيل في رأيي لكي نعود ونحتل الأرضية التي فقدناها أمام الإسلام السياسي.

 الدكتور عبد الخالق عبد الله: 

لأن ما قلته عن الإسلام السياسي أثار من الخلافات أكثر مما أثار من الفهم، أريد أن أعتذر لأنني صغت صياغة مركزة أدت إلي هذا. حتى لا يحدث سوء فهم، فأنا عندي هدف وهو أن أقول نقطتين اثنتين. أولا، عدم التجانس والخلافات الشديدة في التيارات المختلفة والتنظيمات المختلفة للإسلام السياسي جغرافيا تجعل علينا أن نتعامل في تقييمنا لكل حركة علي حدة. ثانيا، ليس علينا أن نقيم في هذا النقاش ولكن أن نتفق علي معايير التقييم، كيف نقيم؟ وكان لاقتراحي أن نضع معيار التقييم وهي علاقات هذا التنظيم بالأجندة النيوليبرالية وبالمخططات الإمبريالية في المنطقة عندنا. ثالثا، هناك تقييم لتنظيمات الإسلام السياسي بالتحديد، يجب تقييم القيادة وليس القاعدة، التنظيم هو قيادته وليست قاعدته وأنا لا أعادي قواعد الإخوان المسلمين، لكن أعادي قيادتهم وهذه مسألة يمكن التحدث فيها. الشيء الآخر أن لدي إحساسا أن اليسار حاله متعسرة سواء هنا أو في أوروبا نتيجة غياب المشروع البديل ، وقد تذكرت كلام سمير أمين أنه ما أسهل أن نرسم خططا وبدائل علي الورق، ولكن لا معني لها بدون القدرة علي تغيير الواقع في التوازنات السياسية. الفكرة فقط هي التنظيم وهي الحلقة الرئيسية في ضعف اليسار علي الأقل في منطقتنا العربية.

توبياس فلوجار: 

إن زميلي السيد إيريك قال إنه توجد مشكلة وهي الإسلام السياسي، وكيف مواجهة هذا الاتجاه وقد يكون من المفيد في هذا النوع من المناقشات أن يكون موقفنا موحدا في هذا الإطار، وفهمت من اقتراحك أنه يجب أن يكون هناك عمل موحد بين الإسلاميين واليسار. ولأني شخصيا أعتقد أن ما هو ممكن أن يكون هناك اتصال فعلي، ولا يوجد زملاء أو رفقاء سياسيين ومن الواضح أن هناك أعداء سياسيين وخاصة عندما ننظر للخلافات داخل كل البلدان، مثلا في فلسطين هناك سؤال وهو من هم ذوو القوي الأكبر في الواقع وأنني آمل في هذا المجال أن يكون لليسار نفوذ أكبر من نفوذ الإسلاميين في فلسطين، بالنسبة لي أعتقد أنه قد نحتاج لإستراتيجيتين. أولا، إستراتيجية أولي تنادي بضرورة إعلان حكومة فلسطينية ذات سيادة وهذا رأيي، ومن الواضح أننا يجب أن ندعم الجماعات اليسارية في هذا الإطار وأعتقد أنه يجب أن تكون لدينا إستراتيجية مزدوجة وإلا فإننا داخل اليسار الأوروبي سنواجه مشاكل كثيرة جدا وهذا غير واضح بالنسبة لنا إطلاقا، هناك قول أن الاسلاميين هم أعداؤنا السياسيون ولكن مع المناقشة رأيت أننا في النقاط التكتيكية يمكن أن نوحد وجهات نظرنا ولكن أود أن أؤكد أن الإسلاميين ليسوا رفقاء لليسار.

 السيد بيتر جوان: 

أبدأ حديثي بأن أقدم رأيا مختلفا عما قاله إيريك فيما يتعلق بالخوف من الإسلام في فرنسا، إن مصادر الخوف من الإسلام في إنجلترا تسببت فيها أساسا حكومة بلير وهذا واضح تماما لماذا قامت حكومة بلير بهذا. ما قالته حكومة بلير في هذا الصدد أن كراهية العالم الإسلامي والمسلمين في بريطانيا للسياسات البريطانية تعتمد أساسا علي ثقافة الإسلام، وأن علي بلير أن يقول ذلك صراحة حتى يستطيع أن يغطي علي حقيقة أن العداوة تبدأ أساسا من السياسة البريطانية التي تضحي بالمبادئ الليبرالية، ولذلك فعندما نفكر في المبادئ الليبرالية في إطار ثقافة غير إسلامية فهو تكتيك قديم واعتدنا عليه من الماضي ولذلك فإنني أقول بعض النقط الأخرى. أولا، الشعب في بريطانيا واللذين قاموا بالانفجارات في لندن وكما تعرفون أن أحد رؤساء هذه المجموعة تحدث في حديث تليفزيوني قبل أن يفجر نفسه، وكانت لكنته إنجليزية ولكن أنا أعرف هؤلاء الناس جيدا، إنهم مثل الشباب الألماني اللذين ذهبوا إلي "بادر ماينهوف"، والواقع أنهم يشبهوني أنا شخصيا عندما كنت في نفس هذه المرحلة عندما كنت أناقش عملية الوجود البريطاني في الكونغو، كنت في مدرسة عسكرية بريطانية وقد نشأت أؤمن تماما أنني ديمقراطي إمبريالي اشتراكي وإنني أؤمن بأن الإمبريالية كانت تصرفا جيدا ولذلك فإن سياسة بريطانية في الكونغو كانت صدمة بالنسبة لهؤلاء الشباب الذي يهتمون بهذه الأفكار وبتحقيق العدالة ويمكن أن يخطئوا بما نسميه أنهم لا يستطيعون تحقيق ما نسميه الوساطة السياسية، ولكن النتيجة الحتمية لمثل هذه النتائج هو هذا الانفجار. أود أن أقول أنه كثر الحديث بيننا نحن كبار السن الآن الذين كنا نعرف أو لا نعرف أننا نعتمد بشكل صريح أو غير صريح علي الاتحاد السوفيتي وكيف أن وجودنا قد ضعف جدا، هناك فعلا اتجاه ضد الإمبريالية في أوروبا وهذا الاتجاه ضد الإمبريالية ولكن ليس كل هؤلاء هم من الاشتراكيين، ولكن لكي أقول بمنتهى الصراحة أن هؤلاء المعارضين الجدد للإمبريالية وكما قلت من قبل وتعلمت الكثير من هذا المؤتمر ولكنني أود أن أتحضر بإعلان ما، أنا مدينة "نيوليفتيد" وأنا أنتمي إلي فئة اليساريين الجدد ونحن نحاول أن نتفهم مصادر هذه الإمبريالية الجديدة من قبل العديد من الإمبرياليين الصغار والشباب في عالم السكسوني وأننا يجب أن نلبي احتياجاتهم التعليمية.

مصطفي مجدي الجمال: أولا سأركز الحديث على أزمة اليسار. إن الاتجاهات الإسلامية قد صعدت لأن اليسار في أزمة. وهذا في اعتقادي هو العنصر الغالب وعلي اليسار أن يتعامل مع أزمته ليس من زاوية التبرير، بمعني ألا يركز فقط علي تحليل العوامل الموضوعية التي تسببت في انهيار اليسار أو في تراجعه، إنما يركز أساسا علي العوامل الذاتية التي تسببت في هذا التراجع أو في أزمة اليسار. وأخص بالذكر أن اليسار قد ركن في فترات طويلة علي تقديس لا تاريخي للنصوص مع التبعية لمركز رئيسي يعتبر الكعبة للاشتراكية، وحينما انهار هذا المركز تم التخلي الكامل عن كل النصوص بلا تاريخية أيضا. النقطة الثانية، هي الستالينية التنظيمية حينما وقعت الأزمة تخلي اليسار أيضًا عنها بكل ما كان بها. النقطة الثالثة، ما اسميه الروح الانقسامية عند البرجوازية الصغيرة والتي تشكل القاعدة الرئيسية لهذه الحركات، وهذا الميل الانقسامي ضيع الكثير من الفرص لنمو تنظيمات كان يمكن أن تنمو. أيضا استيراد الحلول أو التحليلات الجاهزة من هذه الأدبيات ووقائع أخري. اليسار لن يستطيع أن يخرج من هذه الأزمة إلا بتوطين الفكر الاشتراكي في كل بلد، بمعني أن الفكر الاشتراكي يجب أن يكون نبتا من ثقافة هذا البلد في سياق الثقافة العالمية ككل وليس قائما علي الاستيراد رأسا. ثانيا علي اليسار أن يركز علي القضايا النضالية المباشرة وأن يحاول استخلاص ما هو عام من خلال نضالاته الخاصة المباشرة وألا يحاول أن يفرض علي الواقع تصورات عامة غالبا ما تكون تصورات ذهنية. ثالثا، التفاعل المباشر مع الحركات الاجتماعية والحركات القاعدية، وعدم الدخول في تناقضات لا مبرر لها مع الحركات الاجتماعية ذات النضالات الجزئية أو الجهوية ، أيضا عدم وضع أسوار ولا مقايضة بين قضايا النضال لأننا شاهدنا ذلك في أحزاب شيوعية عربية كثيرة قايضت قضية الديموقراطية بقضية الاستقلال أو قايضت قضية الخطر الأصولي بالتحالف مع السلطة. قضايا النضال مترابطة بأكثر مما نتصور لو تمعنا فيها. أيضا يجب تربية الأجيال القادمة علي احترام العلم والرغبة في التضحية وابتكار الأساليب الجديدة.

الأستاذ إلهامي الميرغني: بالنسبة للتعليق علي كلام إريك، هناك قطاعات كثيرة من اليسار المصري تدافع عن حق الإسلام السياسي في أن يكون حزبا سياسيا ولكن الأخوان هم المحجمون عن ذلك، ونحن مع وجودهم كحزب سياسي ولسنا مع الدولة الدينية. في الفترة الأخيرة نظم اليسار المصري حملة ترفض تحويل الأخوان المسلمين إلي المحاكم العسكرية باعتبار أن ذلك ضد الديموقراطية التي نتحدث عنها، كما أننا في بعض الأطر الكفاحية مثل لجنة التنسيق العمالية، يوجد ممثلون للإخوان المسلمين وممثلون لكل القوي ليس باعتبارهم قوي إسلامية ولكن باعتبارهم قادة نقابيين وعماليين يدافعون عن الحق في الأجور الأعلى وشروط العمل الأفضل. باختصار شديد هناك بعض الملاحظات من جانب اليسار المصري في التعامل مع الأخوان المسلمين، منها أنهم عندما كانوا مسيطرين علي النقابات المهنية استبعدوا كل القوي الأخرى من المشاركة فيها، وخلال غزو العراق رفضوا تماما المشاركة في التحركات الجماعية وأرادوا أن يتحركوا بشكل مستقل باعتبار أن لديهم قوي تساعدهم علي ذلك، ولكن حين تتم دعوتهم لعمل مشترك يرفضون هذا العمل مع اليسار بالرغم من أنهم قاموا بعمل مظاهرات مشتركة مع الحزب الوطني الحاكم بشكل يختلف عما يروجون إليه من خلافات بينهم وبين الحزب الوطني وأنا مؤمن بأن بلورة المشروع اليساري البديل هي القادرة على تطور أفكار الإسلام السياسي في اتجاه أكثر ديمقراطية وأكثر عقلانية.

الأستاذ صلاح عدلي: 

في تقديري أن الربع قرن الأخير كان بداية لصعود واضع للتيارات الإسلامية وتراجع لقوي اليسار، وجائز القول أن الفترة الحالية قد تكون بها إمكانيات حقيقة لبداية فورة جديدة من النمو اليساري. النقطة الثانية أننا في هذه الندوة وندوات أخري نتحدث أكثر عن أسباب أزمات اليسار، لكن منذ عام 90 ونحن نقوم بعمل هذا أكثر من بحثنا عن كيفية النهوض وكيفية العمل المشترك ويجب أن ننقد أنفسنا حتى نتطور. النقطة الثالثة هي التعميم وأنا ألاحظ أن الكثير من الكلمات كانت تعمم وليس فقط بالنسبة لقضايا الإسلام السياسي ولكن بالنسبة لموقف اليسار العربي من قضايا الديمقراطية، أنا أري ضرورة دراسة التاريخ جيدا كي نعلم أن اليسار المصري كان له دور عريق في الدفاع عن الديمقراطية منذ العشرينات. آخر نقطة هي موضوع الدولة الدينية، وأنا أختلف مع الزميل إيريك في الطرح العام الذي طرحه وأنا غير مختلف علي كيفية التعامل ولكن بالفعل هم يدعون إلي دولة دينية لكن في زمن مختلف، عندما جاءت الكنيسة لتقوم بعمل دولة دينية في الإقطاع والركود جاءت البرجوازية وحدث صراع وتطورت، اليوم في ظل العولمة وفي ظل هذا التطور هم يدعون إلي دولة دينية معاكسين لكل التيارات ومرتكبين أشياء تفوق الخيال بالعودة بنا إلي الخلف كثيرا.



الأستاذ حلمي شعراوي: 

أريد أن أشكر الجميع باسم مركز البحوث العربية والأفريقية وأشكر الأصدقاء والذين قبلوا المجيء وبأمل أن نتواصل ونواصل التواصل، ونواصل الكتابة، وأرجو أن تحاولوا الكتابة والتعبير في مواقعكم جميعا بأشكال مختلفة عن هذه الندوة للخلافات والاتفاقات وهذا مهم جدا، وأكرر الشكر لكل الذين تعبوا معنا وقد سمعنا شكرا علي الترجمة رغم صعوبة المصطلحات. أكرر سعادتي بأن هناك تمثيلا لعشرة شعوب عربية ونرجو أن نواصل معا التعاون لتكرار مثل هذا اللقاء وحتى يمكن أن يكون في الموضوعات المتخصصة أو التي يوجد حولها خلاف حول خطة العمل. إن العولمة ليست ظاهرة ناتجة عن تطور موضوعي ضروري ناتج عن تطور التكنولوجيات وغيرها، لكنها سياسة خاصة رسمتها قيادة الدولة في أمريكا بالتحالف مع الدول الأوروبية وهذا هو الإطار، فلا يمكن بدون هذا أن ننظر للأوضاع سواء في أوروبا أو في الوطن العربي أو في العلاقات بين الطرفين ، وقد اعتبرنا أن العولمة هي عولمة رأسمالية في مرحلة معينة من تطور النظام الرأسمالي والجانب الاستعماري يصاحب بالضرورة التوسع الرأسمالي منذ حوالي 4 أو 5 قرون فقط، لأن هذه العولمة شكلت أوروبا الحديثة فرأينا أنه من الضروري فهم ما هي التحديات التي تواجهها الشعوب الأوروبية نتيجة هذه العولمة وما هي خيارات القوي السياسية والاجتماعية والأيديولوجية المختلفة في داخل أوروبا كي نفهم. رأينا أنه من المفيد أن ننظر لوضع الشعوب العربية في إطار هذه المنظومة العالمية. أن التهميش في المنظومة العالمية هو الذي أعطي لمشكلة فلسطين دورها المركزي في المنطقة في خطة التوسع الرأسمالي الاستعماري في المرحلة الراهنة، وحاولنا عند كل مرحلة من مراحل النقاش أن نري ما هو البديل وما هي شروطه وتوصلنا إلي استنتاج بديهي وهو أن البديل يتطلب تغيير في ميزان القوي الاجتماعية وبالتالي أيضا السياسية والأيدلوجية في داخل المجتمعات الأوروبية وفي داخل المجتمعات العربية قبل النظر لنوع آخر من العلاقات بين الدول الأوروبية والعربية. الأستاذ مصطفي مجدي الجمال: أريد أن أتحدث عن مركز البحوث العربية، فهو مركز خاص ولكنه مهتم بالأمور العامة ودور التقدم في المجتمع المصري، وهو أيضا مهتم بتوسيع دائرة العلاقات الفكرية الحرة وليست الرسمية مع الدوائر الجنوبية بشكل عام، ونحن نعطي أولوية خاصة في القارة الأفريقية حيث أننا نري أن تعاون الجنوب مع الجنوب قضية رئيسية بالنسبة للبحوث وللنشاط الاجتماعي العام في مصر، لأن معظم المنظمات في مصر تتوجه إلي الشمال والغرب وتنسي التعاون مع الجنوب. رغم ذلك لم يهمل مركز البحوث العربية أهمية إقامة علاقات فكرية وثقافية وأكاديمية مع مؤسسات الشمال علي أساس الندية، وكان قد حدث في عام 2001 أن عقد المركز ندوة عربية حول رؤية نقدية عربية للعلاقات العربية الأوروبية وصدر عن هذه الندوة تقرير هام وكان له أصداء في أوروبا لما احتواه من قدرة نقدية عالية علي الأوضاع من الجانبين، فنحن لم نكتف بتوجيه النقد للآخرين ولكن وجهنا النقد لمجتمعاتنا ونخبنا حول هذه العلاقة، ورغم أن هذا التقرير صدر قبل أحداث 11 سبتمبر بخمس شهور إلا أنه كان هناك بعض التوقعات والاستنتاجات حول تصاعد الإسلاموفوبيا في الغرب. اليوم عقدنا هذه الندوة بمشاركة أوسع وبحضور الطرف الآخر والذي من المفترض أن نتحاور معه وهو الطرف الأوروبي، هذه الندوة لم تأخذ طابعا أكاديميا وإن كان فيها الكثير من الرؤى الأكاديمية وفي نفس الوقت لم تأخذ طابع العلاقات غير المتوازنة بين بعض المنظمات غير الحكومية في مصر مثلا أو في بلدان عربية مع منظمات شمالية ولكنها اتخذت طابعا عاليا من النقاش الحر والندية بين الطرفين وخاصة أن المؤسسة التي تعاونا معها في إنجاز هذه الندوة هي مؤسسة "روزا لوكسمبورج" علي اسم بطلة الطبقة العاملة الألمانية، وكثير من الشباب في مصر والمثقفين المصريين يكنون الكثير من الإعجاب لهذه الشخصية الرمز، وبالتالي كان الحوار صريحا إلي أقصي حد وموضوعيا، وكل طرف أفرغ ما لديه بقدر الإمكان. إذا كان لي أن أبدي بعض الملاحظات علي النقاش ويجب أن نكون صرحاء، وهذه مازالت وجهة نظري الشخصية، فقد لوحظ أنه توجد إيجابية عالية جدا لكل المشاركين بشكل لم أعهده في ندوات قبل هذه، فقد قدم في هذه الندوة مداخلات رئيسية من النوع الثقيل بالإضافة إلي زخم عالٍ من المناقشات، وكان النقاش حول ست موضوعات رئيسية، الموضوع الأول كان عن أوروبا والبلدان العربية في عالم اليوم، الموضوع الثاني كان عن العالم العربي والعولمة، والمحور الثالث كان عن العامل العسكري ومثلث العلاقات للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والعالم العربي، أما المحور الرابع فكان عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أما المحور الخامس فكان عن موقع التنمية من سياسة وعلاقات الاتحاد الأوروبي مع العالم العربي، أما المحور الأخير فكان عن دور ومسئولية اليسار. جمعت المناقشات بين ما هو نظري وتاريخي وسياسي وبين ما هو عملي وتنظيمي وجدول الأعمال قد سمح بتناول جميع الجوانب الفكرية والسياسية والاقتصادية والتنظيمية ووجهات النظر عكست تنوع الآراء في الجانبين، وكل فكرة وجدت مؤيدين لها في الجانبين أي لم يكن الحوار بين جانبين متقابلين تماما. ناقشنا بالتفصيل كيف أن العولمة تمثل تحديا قويا لليسار في الإقليم الأوروبي والعربي، بناء الاتحاد الأوروبي يتم علي أسس نيوليبرالية وتداعيات العسكرة ونتائج هذه الحروب التي تورط أمريكا العالم وأوروبا فيها، المخاطر الأمنية القادمة من جنوب المتوسط ومشاكل الاندماج الاجتماعي حتى في أوروبا نفسها، أما اليسار العربي فتواجهه العولمة النيوليبرالية والتي تواجه الاستقلال والسيادة الوطنية وتفرض بقايا برامج التكيف الهيكلي. ديكتاتورية نظم الحكم العائلية والقبلية والعسكرية والتي تلقي دعم الإمبريالية العالمية طالما انضمت هذه النظم إلي تنفيذ وتيسير المخططات الإمبريالية. العدوان العسكري المتواصل من جانب أمريكا وحلفائها وإنكار الحقوق التاريخية للشعوب وسياسة فرق تسد والتي تهدد بانقسامات عمودية مدمرة علي أساس عرقي أو ديني وأيضا فشل المشروعات اليسارية والقومية الشعبوية والذي أفسح الطريق أمام تنامي التيارات الدينية السياسية والتي تتغذى أيضا علي تفشي أيدلوجية صدام الحضارات والطابع الديني الواضح لدولة إسرائيل والنفوذ العارم لليمين المسيحي علي السياسة الأمريكية وخاصة ما تسمي الحرب العالمية علي الإرهاب. وجد الطرفان أن العولمة تشكل تحديا واحدا تقريبا للطرفين ومن ثم فإن هناك مصلحة مشتركة في مواجهة هذه العولمة.

ايريك رولو: 

إن مشاركتي في هذا المؤتمر كانت مهمة لي لأنني عضو في البرلمان الأوروبي ولأننا نواجه آراء متباينة ومتعلقة بالشعوب العربية وبالبلاد العربية وخاصة أن الغرب لا يعرف أن هناك اتجاها يساريا عربيا وأعتقد أن هذا اللقاء أتاح لنا الفرصة كي نعرف وجهة نظر اليسار العربي وأن يتعرف اليسار العربي علي اليسار الأوروبي وأننا قد أجرينا حوارا طيبا، وحتى نستطيع أن نتفهم بعضنا البعض وأن نجد أرضية مشتركة لمناقشتنا وآمل أن نتمكن في الاجتماعات التالية أن نجري المزيد من هذه اللقاءات والحوارات، وأنا بالنسبة لي فإن النقطة الأساسية لي كانت هي أننا ناقشنا السياسات العالمية والدولية وخاصة فيما يتعلق بالسياسات الليبرالية الجديدة وناقشنا عملية برشلونة وكذلك نظرية الاتحاد الأوروبي، وأعتقد أنه كانت هناك وجهات نظر متفقة وكذلك ناقشنا الصراع العربي الإسرائيلي وكان من المهم أن نستمع لوجهات النظر المتباينة فيما يتعلق بهذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقد تبادلنا الآراء بشأن هذا الصراع وبالتالي فهذا النزاع مهم كي نقول أننا لدينا موقف موحد، وكما تعرفون فإن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بالحكومة المنتخبة في فلسطين وكما تعرفون فإن حماس قد حصلت علي أغلبية ومعظم اليسار الغربي يؤيد حماس ولكن نحن أيضا كيساريين في أوروبا نشارك وندعم اليساريين في الشرق. وأثرنا أيضا ما يسمي بالحرب ضد الإرهاب وآثارها ثم ناقشنا الجانب العسكري لهذا النزاع وقد اتفق الرأي علي أن بريطانيا تسير علي خطي أمريكا في هذا الشأن وأن هناك انقساما داخل الاتحاد الأوروبي نفسه بشأن هذا الصراع وبِشأن الحرب علي العراق، وأعتقد أن بعض البسطاء أحيانا يتصورون أن الإسلام هو كلمة مرادفة للإرهاب وهذا غير صحيح. النقطة الأخيرة التي أريد الإشارة إليها هو أن هذا الحوار بيننا يجب أن يتكرر ويجب أن يكون هناك حوارات داخلية أي داخل التيار اليساري في أوروبا وداخل التيار اليساري في البلدان العربية، ولعل أحد الأسئلة التي يجب أن يفكر فيها اليسار الأوروبي هو أن يكون هناك رأي موحد لليسار الأوروبي، وأننا يجب أن نعرف هذه الاتجاهات المختلفة. في نهاية الأمر أقول إن كل هذه المناقشات كانت حوارا أوليا ممتازا بين اليسار في أوروبا وفي العالم العربي وآمل أن نستطيع أن نستمر في هذا النقاش عندما تزداد مشاركة البلدان المختلفة في هذه المناقشات.

د. إيرهارد كرومه: إن مؤسسة "روزا لوكسمبورج" هي أصغر المؤسسات اليسارية في ألمانيا فهي تنتمي للحزب اليساري، و9% من الأصوات في ألمانيا لليساريين، ونحن نتوسع في أعمالنا و نعتقد أن الشرق الأوسط من أهم المناطق التي يجب أن نتعاون معها، لذلك فنحن سعداء لهذا التعاون مع مركز البحوث العربية والأفريقية وأود أن أتوجه بالشكر لكل زملائنا في البلدان العربية لتعاونهم معنا، وهناك ممثلون عن ألمانيا هنا ونحن سعداء أن هناك مشاركين من فرنسا وإنجلترا والسويد وإيطاليا وتركيا وهذا يعني أنه قد أتيحت لنا الفرصة فعلا كي يكون هناك حوار عربي أوروبي حقيقي فيما يتعلق بالأوضاع السياسية في المنطقة. وفيما يتعلق بالعلاقة بين أوروبا والعالم العربي، ومن وجهة نظري أود أن أضيف أن هذه العلاقة قديمة وأن هناك تغييرات في وجهة النظر السياسية وأن المناخ السياسي للساسة الأوروبيين الرسميين يجب أن يتغير وكذلك هيكل التعاون الذي يتحدث عن منظمة التجارة العالمية واتفاقيات الشراكة الأوروبية ونرجو أن تكون هناك نتائج حقيقية لعملية برشلونة. إذا تحدثنا فيجب أن نقول إن هناك برنامجا خفيا للنخبة الرأسمالية، وأحد أهم مسئوليات اليسار هي كشف هذه النوايا الخفية وأن نبحث عن بديل لعملية برشلونة وأن تكون هناك عملية للتعاون علي أساس التساوي في كل شئ، وأعتقد أن أهم نتيجة لهذه الندوة هي أننا قد وجدنا الأساس المشترك بين اليسار في أوروبا والعالم العربي وأن ندفعهم للتعاون في هذا المجال وهذا أمر ضروري لنا، أن نغير موقفنا في مجال التعاون بين أوروبا والعالم العربي. السيد إيرتز بالكه: أعتقد أن أول فكرة للمؤسسة هي أن تشارك في عملية تعزيز اليسار في أوروبا وبالتعاون مع اليسار في البلاد العربية وأمريكا اللاتينية وغيرها، ونحن نريد أن نوسع أنشطتنا بحيث نستطيع أن نؤيد العلاقات ونعيد هيكلة وتقوية العلاقات بين اليسار الأوروبي واليسار العربي، وقد كان معنا في هذا المؤتمر عضوان من برلمان الاتحاد الأوروبي من ألمانيا وقد ناقشنا هذه الأمور وإن كل ما يقال سيثير مناقشات في البرلمان الألماني وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والعسكرة، وهذا موضوع يهمنا ونحن كيسار أوروبي نسعى لتنظيم اجتماعات مثل هذا الاجتماع لنساعد السياسيين لكي يتفهموا بشكل أفضل الوضع، ولا يكفي أن نحدث السياسيين.



تقرير عن ندوة "العلاقات العربية الأوربية من منظور نقدي" القاهرة 23 -25 فبراير 2007



إدراكا من مركز البحوث العربية والأفريقية (القاهرة) ومؤسسة روزا لوكسمبورج (ألمانيا) لأهمية العلاقات العربية الأوربية بالنسبة إلى العلاقات الدولية عامة، وخاصة في الظرف الحالي الذي تتكاثف فيه المتغيرات الدولية الحديثة للعولمة النيوليبرالية، وكذلك ضرورة التناول النقدي لمسار وطبيعة هذه العلاقات، فقد تعاون الطرفان في عقد ندوة تحت هذا العنوان بالقاهرة في الفترة من 23 إلى 25 فبراير 2007 ، ضمت مشاركين من أوربا (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بريطانيا، السويد وتركيا) والبلدان العربية (الإمارات، تونس، الجزائر، السودان، سوريا، فلسطين، لبنان، ليبيا، مصر، المغرب) بين برلمانيين وأكاديميين ومثقفين ونشطاء سياسيين واجتماعيين (مرفق قائمة بأسماء المشاركين في الندوة)، وحيث دارت الندوة تحت ستة محاور رئيسية : أولا : أوربا والبلدان العربية، ثانيا : العالم العربي والعولمة، ثالثا :العامل العسكري ومثلث أوربا والولايات المتحدة والعالم العربي، رابعا : الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خامسا : التنمية وعلاقات الاتحاد الأوربي مع العالم العربي، سادسا : دور ومسئولية اليسار. وقد اتسمت الحوارات المعمقة بدرجة عالية من المكاشفة، انطلاقا من الشعور القوي بوحدة التحديات الماثلة أمام شعوب الإقليمين في ظل عسكرة العولمة والأحادية القطبية وتفاقم التبعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخطيرة للعولمة النيوليبرالية، ومن ثم فإن تبادل التحليلات والآراء وإزالة كافة مظاهر سوء الفهم، يمثل شرطا أساسيا لبناء توافق عالمي عريض في مواجهة العدوان الإمبريالي والاستغلال وتفاقم الضغائن الثقافية وغيرها من النتائج الكارثية التي جلبتها هذه العولمة على كافة الشعوب. ينقسم التقرير الحالي إلى جزأين، يتضمن الجزء الأول الاستخلاصات العامة للنقاش، وقد أعده مصطفى مجدي الجمال، الباحث بمركز البحوث العربية والأفريقية، ومقرر الندوة. ويتضمن الجزء الثاني الذي أعده الدكتور سمير أمين بعض المعالم الرئيسية التي برزت في الحوار والتي يمكن للتركيز عليها في جولات مقبلة من التفاعل أن يزيده عمقا وخصوبة.













الجـــــــــــــزء الأول

تقرير باستخلاصات الحوار الذي جرى في إطار ندوة العلاقات العربية الأوربية من منظور نقدي


مصطفى مجدي الجمال

ملاحظات عامة على النقاش: 1- الإيجابية العامة لحرص كل المشاركين على المساهمة في النقاش حيث قدمت في ورشة العمل ثلاث وعشرون مداخلة رئيسية، فضلا عن المناقشات الضافية لكافة المحاور. 2- الصراحة الكاملة التي اتسم بها الحوار، مما وفر جوا صحيا للفهم المتبادل، خاصة مع الشغف الواضح من جانب المتحاورين الأوربيين بالتعرف على المواقف العربية، حيث تتكثف صراعات كبرى للعولمة الآن على الأرض العربية، فضلا عن الحضور الضعيف للفكر السياسي اليساري العربي في بلاده، ناهيك عن حضوره خارجها. 3- جمع النقاش بين ما هو نظري وتاريخي وسياسي وبين ما هو عملي وتنظيمي. 4- سمح جدول الأعمال بتناول مختلف الجوانب الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتنظيمية، وكان لا بد أن يأتي جدول الأعمال هكذا باعتباره مفتتحا لحوار لم يشهد مبادرات مماثلة من قبل بين المثقفين والنشطاء التقدميين في الإقليمين. 5- عكست وجهات النظر تنوع الآراء في الجانبين، ووجدت كل فكرة مؤيدين لها فى كل جانب. 6- بالتمعن فى المناقشات تتضح إمكانية حقيقية لبناء توجه عام في كل قضية يمكن أن يوحد نضالات اليسارين الأوربي والعربي، وفي إطار النضال المشترك لكافة القوى التقدمية في العالم. 7- أجمع المتحاورون على ضرورة تطوير الحوار، بالبناء على ما تم إنجازه في جولته الأولى، مع أهمية ابتكار أساليب وقنوات جديدة للتفاعل لا تتخذ بالضرورة شكل الندوات، وبما يضمن توسيع دائرة المتحاورين.

المحور الأول: أوربا والبلدان العربية

  - نحن أمام هجوم عاتٍ للرأسمالية والاستعمار، مع التأكيد على اضطلاع الولايات المتحدة الأمريكية بالدور القيادي والمهيمن في مجمل المنظومة الرأسمالية.

- وأيضاً نحن إزاء مقاومة متصاعدة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وفي كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلا أن هذه المقاومة لم تزل مجزأة جغرافيا، وعلى مستوى القضايا أيضاً، فضلا عن طابع الدفاع السلبي الذي تتسم به حتى الآن. - مضت العولمة النيوليبرالية شوطًا بعيدًا في العسكرة، تدمير البيئة، استغلال الطبقات العاملة، قهر الشعوب، إثارة العداوات والأحقاد الثقافية والعرقية، بما يمهد الطريق لدكتاتورية عالمية، وربما فاشية من نوع جديد، تتهدد البشرية بأكملها. - يعد تحقيق التمفصل articulation بين النضالات هو الرهان والتحدى الأكبر لنجاح المقاومة. - إن الهيمنة الأمريكية على العولمة الحالية، وبالأخص هيمنة أكثر الدوائر رجعية من المحافظين الجدد ذوي المطامح الإمبراطورية... تمثل أخطر تحديات العولمة حالياً، والذي يجب أن تنصب عليه المهام النضالية المباشرة لليسار العالمي. يواجه اليسار الأوربي تحديات جسيمة:

  • مثل التوجه النيوليبرالي الحاكم لبناء الاتحاد الأوربى حالياً.
  • الهجوم الشرس على الرعاية الاجتماعية والخدمات العامة.
  • تداعيات العسكرة ونتائج الحروب التي تورط أمريكا العالم فيها، وأوربا خاصة. فضلا عن تمدد حلف الناتو في شرق ووسط أوربا، وحتى أصبحنا أمام حقيقة وجود أكثر من أوربا وليست أوربا واحدة.
  • الضعف النسبي الواضح لمكانة أوربا إزاء الولايات المتحدة، وبدرجة لا تتناسب أبدا مع حقائق التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والثقافة.
  • المخاطر الأمنية القادمة من جنوب شرقي المتوسط ووسط آسيا.
  • مشاكل الاندماج الاجتماعي والتعددية الثقافية مع الحفاظ على تراث التسامح والتنوير والديمقراطية. ومما يسترعي الانتباه بشكل خاص تصاعد النزعات المعادية للأجانب، وبالذات حمى الإسلاموفوبيا التي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على السلم الدولي والتفاهم بين الشعوب، ثم امتدت لتصيب بسهامها جماعات كبيرة من المسلمين في أوربا.

ويواجه اليسار العربى:

  • العدوان العسكري الوحشي المتواصل من جانب أمريكا وحلفائها، وإنكار الحقوق التاريخية للشعوب، ومحاولة الولايات المتحدة الانطلاق من عمليتها العدوانية الإجرامية في العراق لتوسيع مدى التدخلات والحروب الاستباقية وسياسة "فرق تسد!" التى تهدد بانقسامات عمودية مدمرة على أساس عرقى أو دينى...
  • العولمة النيوليبرالية التي تنتهك الاستقلال والسيادة الوطنية، وتفرض برامج التكيف الهيكلي ذات النتائج الاجتماعية الكارثية على الطبقات الشعبية والوسطى من إفقار وبطالة وحرمان من الخدمات الأساسية، فضلا عن تدمير الزراعة وتفكيك قاعدة الصناعة الوطنية...
  • دكتاتورية نظم الحكم الفردية والعائلية والقبلية والعسكرية التي تلقى دعم الإمبريالية العالمية طالما انضمت إلى تنفيذ وتيسير مخططاتها...
  • فشل المشروعات اليسارية والقومية الشعبوية الذي أفسح الطريق أمام تنامى التيارات الدينية السياسية، والتى تتغذى أيضاً على تفشي أيديولوجية "صدام الحضارات"، وكذلك الطابع الخاص بالدولة "العبرية"، والنفوذ العارم لليمين الديني على السياسة الأمريكية، وخاصة في ما تسمى "الحرب العالمية على الإرهاب".

وعلى مستوى القوى الذاتية :

  • يعانى اليساران العربي والأوربي من استمرار انخفاض الروح المعنوية بعد الانهيار الدرامي للمنظومة "الاشتراكية" السوفيتية، ورغم حقيقة الأثر السلبي الكبير لهذا الانهيار فقد كانت هناك بالتأكيد عوامل أخرى ذاتية أسهمت في تعظيم هذا الأثر على قوى اليسار في العالم، سواء تعلقت هذه العوامل بالخطاب أم التوجه أم البرامج أم البنية التظيمية الداخلية..
  • ولا تزال الانقسامات التنظيمية، وبعضها غير موضوعي، عاملاً قوياً وراء ضعف الأداء النضالى، وهو ما يصعب أيضا من تحقيق تلاحم مباشر مع الجماهير الشعبية.
  • كما لا نزال جميعاً فى دائرة الدفاع ورد الفعل، ولم ننتقل بعد إلى مرحلة "الدفاع النشط" كمرحلة انتقالية نحو استعادة زمام المبادأة.
  • ولم ننجح بعد فى خلق قنوات التواصل الكفيلة بصياغة جدول أعمال موحد على صعيد عالمى. ذلك رغم أن كوارث العولمة النيوليبرالية تطال كل الطبقات العاملة، بل وتهدد كل البشر على سطح الكوكب.

وهذه الأجندة يجب أن تتناول : - كيفية لجم التوسع الإمبراطورى imperial الأمريكى. - حماية المصالح والحقوق والمكتسبات الاجتماعية للطبقات العاملة. - حماية ودعم قواعد الإنتاج الوطني، والحفاظ على البيئة. - تطوير وحماية الديمقراطية السياسية والاجتماعية والدولية. - تفعيل التسامح بين الثقافات. - إرساء حقوق الإنسان الأساسية.


وتظل هناك أخطار حالّة ومباشرة، تتطلب اليقظة والتصدي: - الإمكانية الكبيرة لوقوع المزيد من الحروب، في إيران ولبنان وفلسطين... - تفكيك العراق ودخول المنطقة فى حالة من الفوضى "الهدامة" بفعل الصراعات الطائفية والعرقية والقومية. وهي الفوضى التي يعتبرها المحافظون الجدد في واشنطن مقدمة ضرورية لولادة مشروع "الشرق الأوسط الجديد". - خطر انهيار بعض المجتمعات الكبرى فى المنطقة تحت وطأة الإفقار والبطالة والتهميش لغالبية الطبقات الشعبية. وينطوي هذا على خطرين آخرين، هما الإنذار بعودة الدكتاتوريات العسكرية السافرة، وحرف النضال الاجتماعي والوطني عن مساراتهما الطبيعية لتسود الاضطرابات الطائفية وما أشبه.

وفي ما يتعلق بالحركة العالمية لمقاومة العولمة: - فعليها مسئولية كبرى لتوحيد النضالات الشعبية على صعيد عالمي، مع إضفاء الطابع الراديكالي عليها، وإخراجها من حالة الدفاع السلبي والجزئي. - ضرورة تطوير حركة المنتديات الاجتماعية العالمية، بما يعيد إليها زخمها وبريقها ويجعلها أكثر راديكالية، ومتبلورة بالدرجة الأولى على المستويات الوطنية والإقليمية، والتأكيد على خاصية التعددية والتنوع، مع ضرورة التوصل إلى توافق سياسي حول نقاط عامة رئيسية. - إحياء روح التضامن النضالي، مع ضرورة أن تبدأ كل النضالات على مستوى قاعدي grassroots وجماهيرى، وبعيداً عن الطابع "النخبوي" elitist أو الإدعاء "بالطليعية" vanguardis.

المحور الثانى: العالم العربي والعولمة - تتجسد كل تطبيقات العولمة النيوليبرالية بشراسة في العالم العربى، بل يكاد أن يكون نقطة الانطلاق والاختبار الأولى لمشروعاتها. - لم تتورع هذه العولمة عن الاستفادة من آليات الشمولية ونظم الحكم البوليسية لتمرير "الإصلاح الاقتصادى" والخصخصة والتحرير المالي.. الخ. - أصبحت الهيمنة الاقتصادية للرأسمالية العالمية في المنطقة العربية مطلوبة في حد ذاتها لتأمين مستقبل المراكز الرأسمالية الكبرى، وأيضاًَ لمواجهة الاقتصادات البازغة. - إن الحروب القائمة والمتوقعة فوق الأرض العربية، كلها ذات صلة باستنزاف واحتكار الموارد الطبيعية فيه. - أما المشروعات الإقليمية التي تطرحها المراكز الإمبريالية للتنفيذ فى المنطقة، فتحاول إدماج بلدانها في العولمة بشروط مجحفة، وتعمق التبعية، وتعيد توزيع مناطق النفوذ، وجميعها يقوم على مبادىء النيوليبرالية... وهي أيضاً: تلتف على الإطار الإقليمي العربى سواء باسم "الشرق أوسطية" أم "البحر متوسطية"، وتعمل على إدماج إسرائيل في المنطقة حتى قبل أن تنسحب من الأراضي المحتلة، أو تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه في أرضه، أو تتخلى عن طابعها الاستيطاني التوسعي، أو سلاحها النووي... - تستحوذ الرأسمالية العالمية بالفعل على القطاعات الأهم في الاقتصادات العربية، ولكنها تريد المزيد وبخاصة في مجالي الطاقة والمال. - النخب القبلية والبيروقراطية والعسكرية الحاكمة، والتي حولت الدولة إلى أداة للتراكم الرأسمالى الأولي، تتخذ طابعاً كومبرادورياً واضحاً، وأصبحت جزءًا عضويًا من العولمة المالية ومضارباتها. - تعاني المجتمعات العربية من هجوم كاسح على خدمات الصحة والتعليم والسكن والحق فى العمل، فضلاً عن تفشي الفساد واللامساواة. - التنميط الثقافي الذى تحاول الدوائر اليمينية الأمريكية فرضه، يتسبب فى تفاقم صراعات الهوية، ويساعد في انتشار النزعات الثقافوية المنغلقة على الذات. - تتعرض سيادة القرار الوطنى فى السياسة والاقتصاد للخطر جراء تدخلات المؤسسات الدولية (مجلس الأمن - البنك والصندوق الدوليان- منظمة التجارة...)، وهى مؤسسات خاضعة بالكامل تقريباً للنفوذين الأمريكي والأوربي. - تلعب الاحتكارات الكبرى لوسائل الإعلام الجماهيرى العالمية، دورًا مؤثراً في نشر ثقافة العولمة النيوليبرالية، وتشويه النضالات المقاومة لها، وإخفاء – وربما تزيين- الجرائم الإمبريالية وإذكاء الأحقاد بين الأعراق والأديان. - تعتبرالديمقراطية شرطا أساسيا لنجاح نضالات مقاومة العولمة، ولبناء نظم وطنية قادرة على تعبئة الموارد المجتمعية لتحقيق تنمية كفؤة وعادلة، وقادرة على تعميق اللحمة الوطنية والتكامل العربى....

المحور الثالث: العامل العسكري ومثلث الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والعالم العربي - كانت الحرب لصيقة دائماً بالرأسمالية كأداة للتوسع والتراكم على صعيد عالمي، وكوسيلة لإعادة تقسيم مناطق النفوذ بين المراكز الإمبريالية. لكنها أصبحت أيضا وسيلة الولايات المتحدة – بالذات - لتعظيم دورها القيادى، حيث تتدهور قوتها الاقتصادية نسبياً. كما تلعب أيديولوجية المحافظين الجدد دوراً مهماً في إشعال الحروب والصراعات. - إن حكومات أوربا تنزلق بدرجات متفاوتة في دعم المجهود العسكري العدواني الأمريكي، كجزء من حماية المنظومة الرأسمالية العالمية ككل، وأيضًا للحفاظ على ما تتصوره الدول الأوربية كمواقع نفوذ تاريخية لها. - كما يجب أن يناضل اليسار الأوربي بشكل واضح ضد الاستراتيجية العسكرية الجديدة، وبالأحرى عسكرة الاتحاد الأوربى، خاصة أن هذه الاستراتيجية تعتمد ذات المفاهيم الأمريكية في ما يتعلق بالمنظور الخاص لطبيعة التهديدات وما تسمى "الحرب على الإرهاب". - إننا مواجهون بخطر حقيقي جراء اختراع أو اختلاق التهديدات من جانب الدوائر الحاكمة في واشنطن، بهدف ابتزاز أوربا والعالم أجمع، فضلاً عن تمرير الحروب تحت مسمى "دمقرطة" المجتمعات في الجنوب، وهو ما لم ينتج حتى الآن سوى المزيد من الحروب الأهلية ونظم الحكم الفاشلة. - إن الأسلوب الحربى الأمريكى /الأوربى/ الإسرائيلى المطبق حديثًا، أصبح يعتمد على الوحشية المفرطة، وإبادة أعداد هائلة من المدنيين، وتدمير البنى التحتية، في ما يمكن أن يطلق عليه "إرهاب الدولة" بامتياز. - وأيضًا يسارع كثير من الحكومات العربية إلى التواطؤ العلني أو السري مع الحروب الإمبريالية في المنطقة، على أمل أن يساعدها هذا في شراء المزيد من زمن بقائها في السلطة، مهما كانت طبيعتها القمعية وفسادها. - بالمثل فإن صفقات السلاح الضخمة في المنطقة تلعب دوراً مهماً في إعادة تدوير العوائد النفطية لصالح رأسمالية المركزين الأمريكى والأوربى، فضلاً عن الفساد الفاضح الذي يكتنف هذه الصفقات والذي يعتبر بمثابة المكافآت التي تحتجزها النخب الحاكمة لنفسها. - هناك حاجة ملحة إلى تصعيد نضال اليسار الأوربى مع كل قوى السلام ضد تمدد حلف الناتو شرقاً وجنوباً، بل وضد وجوده من الأصل. - كما أن الاعتداءات والتدخلات الإمبريالية قد تسببت في إثارة وتبرير أشكال "غير نظامية" في مواجهتها قد تتداخل مع ممارسة الإرهاب ضد المدنيين، وإن لم يكن القانون الدولي قد توصل بعد إلى تعريف محدد "للإرهاب". - إن الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة فى كافة أنحاء العالم ضد الحرب لم تنجح – للأسف- حتى الآن فى إيقاف عجلة الحرب، وقد آن الأوان لبلورة مشروع عربي- أوربي يتضمن رؤية قوى السلام في الجانبين لكيفية بناء سلام عادل ومستقر.

المحور الرابع: الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي - ثمة رأى قوي بأن الصراع المعني أوسع من ذلك، وأنه صراع عربي- إسرائيلي في الأساس، حتى لو كانت بعض الدول العربية قد عقدت معاهدات سلام مع إسرائيل.. ذلك لأن إسرائيل ما زالت تحتل أراضي في سوريا ولبنان، ولأنها لعبت – تاريخياً- دوراً إقليمياً لصالح الإمبريالية العالمية ضد مشروعات التحرر الوطني العربية، كما تحتل حماية إسرائيل (على ما هي عليه) من أي مساءلة دولية عن ممارساتها، تحتل أولوية متقدمة في الاستراتيجية الأمريكية الرسمية في المنطقة. - إن الممارسات العدوانية الإسرائيلية قد وصلت إلى أعلى مستوياتها مع الهجمة الأمريكية على المنطقة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، فأصبحت إسرائيل تمارس ذات الأسلوب العسكري الأمريكي في العدوان والتدمير والاغتيالات، فضلاً عن الاستمرار في توسيع المستوطنات والحصار والاعتقالات والجدار العازل وفرض الكانتونات على الشعب الفلسطيني... الخ. وكان ما اقترفته إسرائيل فى لبنان جريمة حرب كاملة الأركان عجزت كل المؤسسات الدولية عن أن تفعل شيئاً لتوقفه، بسب التواطؤ الأمريكي - الأوربي والذي شاركت فيه أيضاً نظم عربية حاكمة. - إن القانون الدولى في امتحان حقيقي الآن كي يوقف الممارسات العدوانية الإسرائيلية، في ظل الهيمنة الأمريكية على مجلس الأمن الدولى، وعلى ما تسمى "الرباعية الدولية". - أما الحصار المفروض على الشعب الفلسطينى بسبب خياره الديمقراطي فى انتخابات نزيهة، فهو يكشف زيف ادعاءات الدمقرطة والإصلاح من ناحية، كما يكشف من ناحية أخرى النزعة اللاإنسانية والمريضة نحو عقاب الشعوب وتأديبها. - ولعل مما ساعد فى تفاقم الأوضاع : تلك الصراعات الداخلية في السياسة الفلسطينية، إلى حد عدم التوافق على برنامج نضالي وطني مشترك، وعدم إدارة الخلافات الداخلية بعيداً عن أجواء العنف والفساد، ورضوخ البعض للمطالب والضغوط الإمبريالية والاستقطابات الإقليمية. - لا تبدو فى الأفق أية إمكانية حقيقية لإحياء ما تسمى "العملية السياسية" بسبب الشروط التعجيزية التى تطرح على الفلسطينيين بالتخلي عن الأرض وعن حق العودة مع إعفاء إسرائيل من أي ضغط. - وأصبح من الملح الآن المطالبة بإعادة القضية الفلسطينية بأكملها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كي تتحمل مسئوليتها بعيدا عن هيمنة القوى الإمبريالية وسياسة المعايير المزدوجة. كما أصبح من واجب الاتحاد الأوربي ألا يقنع بدور من يمنح المساعدات ويمنعها عن السلطة الفلسطينية، وأن يتقدم بمبادرات تتناسب مع حجمه الدولي وألا يترك الزمام الحقيقي لما تسمى "العملية السلمية" في أيدي الإدارة الأمريكية.

المحور الخامس: التنمية وعلاقات الاتحاد الأوربي مع العالم العربي - نتج عن اتفاقات "الشراكة" وضع اقتصادات البلدان العربية تحت وصاية وهيمنة خارجية، وبالتحديد الرأسمالية الأوربية. وكل هذه الاتفاقات تقوم على النموذج النيوليبرالي، ومن ثم لا فرق كبيراً بينها وبين التوجه الأمريكى. - إن المعونات التى تقدم للبلدان العربية لا تعد سوى جزء يسير من تعويضات واجبة عن سنوات طويلة من الاستعمار واستنزاف مواردها واستغلال طبقاتها العاملة. - ونحن مواجهون بازدواجية حقيقية في المعايير الأوربية في ما يتعلق بالدعم وتحرير الأسواق. حيث يطلب فتح الأسواق العربية بالكامل أمام المنتجات والخدمات ورؤوس الأموال الأوربية، في وقت تقفل الأسواق الأوربية أمام الصادرات الزراعية وأيدي العمل العربية. - تنطوي برامج الشراكة على مفهوم التحالف بين رجال الأعمال والحكومات وما يسمى "المجتمع المدني". وحيث اختزل المجتمع المدني فى المنظمات الأهلية العاملة في المجالين الحقوقي والتنموي المحلي، مما يعنى استبعاد أي مشاركة شعبية حقيقية. - إن مسئولية التنمية فى البلدان العربية تقع في الأساس عليها هي. ومن واجب القوى الوطنية والديمقراطية فيها أن تبلور رؤية تقدمية متكاملة لأهداف التنمية ووسائلها.



المحور السادس: دور ومسئولية اليسار - إن التفاهم والتعاون بين اليسارين العربي والأوربي مطلب بالغ الأهمية لتطوير تعاون ديمقراطي بين الإقليمين العربي والأوربي. - على اليسار الأوربي أن يقدم رؤى فكرية وبرنامجية متكاملة إزاء قضايا مثل الحرب وعدم انجراف أوربا وراء المغامرات الأمريكية وحلف الأطلنطي، قضايا الهوية والتعددية الثقافية والهجرة والإسلاموفوبيا، والربط بين الديمقراطية الاجتماعية والسياسية. - كما هو مطالب بتقديم مواقف أكثر وضوحاً من الصراع العربي - الإسرائيلى، وأوضاع البلدان النامية عموما، وخاصة في مايتعلق بإلغاء الديون المجحفة، وإتاحة الحق في المعرفة ونقل التكنولوجيا. - أما اليسار العربي فيواجه وضعاً شديد التعقيد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، يتطلب منه إعادة النظر الشاملة في مجمل رؤيته وأجندته النضالية. ومما يزيد الأمر صعوبة: حالة الترهل التنظيمي التي أصابته. على أن المنطلق الحقيقى هنا يجب أن يتمثل في النقد الجريء للذات. - وفي مقدمة القضايا التى يجب على اليسار العربي الاعتناء بها: كيفية تحقيق اندماج أكبر مع الحركات الاجتماعية، فضلا عن بذل جهود ذات مغزى من أجل توطين indigenizationالفكر الاشتراكي في مجتمعاته، وإبداع الصيغ التنظيمية الكفيلة بتحقيق الديمقراطية الداخلية والفعالية الجماهيرية. - كما يتوجب على اليسار العربي اتخاذ موقف مرن ومبدئي من تيارات الإسلام السياسي يراعي التباينات بينها، ويضع في المقدمة أولويات التصدي للهجمة الإمبريالية ذات الطابع العسكري الوحشي، ويأخذ في الحسبان القواعد الجماهيرية الواسعة المتأثرة بالخطابات الثقافية لهذه التيارات. ومن ثم ضرورة جذبه إلى المجرى الرئيسي للنضال من أجل الاستقلال وبناء الدولة المدنية وإرساء الديمقراطية السياسية والاجتماعية. ففي الوقت الذي يعاني اليسار العربي من ضعف الحضور على الساحة الشعبية، تواجه المجتمعات العربية صعود التيارات الدينية التي يتخذ بعضها ما يعرف بنمط "الإسلام السياسي". وقد طرحت في الندوة آراء حول ضرورة النظر إلى الإسلام السياسي كنوع من تطور التعبير عن الثقافة الدينية الشعبية السائدة، والتي تستغل النظم الحاكمة نفسها بعض أوجهها، كما تتجه بها أطراف أخرى نحو التطرف والإرهاب، خاصة في ظل عدم الاعتراف الرسمي بها. بينما طرحت آراء مقابلة تتخوف من أن يتحول "الإسلام السياسي" إلى أداة في يد الهيمنة الرأسمالية وتغلغل العولمة الإمبريالية نفسها بفعل تشابه التوجه الاقتصادي، فضلا عن العلاقات التاريخية لأطراف من الرجعية الدينية بالقوى الاستعمارية، الأمر الذي يتطلب فرزا صحيحا لهذه التيارات الدينية، وتحديد الموقف منها وفق مدى تمايز مواقفها عن سياسات وممارسات الإمبريالية والعولمة النيوليبرالية، وكذلك مدى استعدادها للانخراط في المقاومة. وعموما كان هناك إجماع على التزام جانب الحذر إزاء محاولات البعض لوضع اليسار في خيار "مستحيل" وغير منطقي بين الاستبداد السلطوي والتيارات الإسلامية ككل، فهي مقايضة غير مبدئية تأتي ترجمة لخيار تعسفي آخر على الساحة العالمية اليوم بين الإمبريالية و"الإرهاب الإسلامي" ! ومن المؤكد أن باستطاعة اليسار، ومن واجبه، بلورة خيار ثالث. - إن اليسارين العربي والأوربي مطالبان بصياغة تحالفات ديمقراطية فعالة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، شريطة قيام هذه التحالفات على أسس الندية وجذرية التوجه والطابع الشعبي للنضال.







الجزء الثاني معالم رئيسية في الحوار وأجندة مقترحة لتطويره

د.سمير أمين

تتجلي أهمية الحوار الذي جرى بالقاهرة مؤخرا بين مثقفين ونشطاء تقدميين من أوربا والعالم العربي في أنه يتم في ظرف خاص استدعى مناقشة مختلف أبعاد العلاقات العربية الأوربية في إطار نقدي من الظاهرة الرئيسية التي تحكم العالم اليوم، ألا وهي ظاهرة العولمة النيوليبرالية. ومن أهم سمات هذه العولمة : طابعها الرأسمالي الإمبريالي، حيث أصبح من المستحيل الفصل بين هذين الوجهين لهذه العولمة، فالتوسع الرأسمالي يتطلب تعميق الطابع الإمبريالي واكتسابه لصفات وحشية بالمعنى الحرفي للكلمة. ومن أبرز خصوصيات المرحلة الراهنة من العولمة النيوليبرالية تلك النقلة الكيفية التي حدثت من نظام إمبريالي قائم على تعدد الأقطاب مع حدة التناقضات بينها (وصلت إلى حد الحروب) إلى تبلور تكتل إمبريالي ثلاثي (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوربي، اليابان) له أدواته الجماعية، الاقتصادية منها مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والسياسية مثل مجموعة السبعة وحلف شمال الأطلنطي. ومن الواجب التساؤل في هذه اللحظة التاريخية المحددة عما إذا كان من الممكن أن تبرز تناقضات بين أقطاب هذا التكتل يمكن أن تؤدي فرضا إلى الإنذار "بتفجير" التكتل ككل ؟ ومن أين يمكن أن تأتي تناقضات كهذه ؟ من تصادم المصالح الاقتصادية أم تناقض الثقافات السياسية أم من الاثنين معا أم ماذا ؟ وهناك تساؤل آخر مهم بشأن انقسام بلدان "الجنوب" إلى دول ومجتمعات لديها "مشروع" (وطني- رأسمالي..) وأخرى لا تملك مثل هذا المشروع... فهل يمكن أن نعول كثيرا على أن تصبح البلدان ذات "المشروع" فاعلة في تشكيل وإعادة تشكيل المنظومة العالمية ؟ وبالنسبة للمجموعة الثانية من البلدان : ماهي الآفاق المتاحة أمام المشروعات الإقليمية الجديدة التي يرعاها الاستعمار في تلك المناطق (مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير...) ؟ وقبل الحديث عن دور اليسار العالمي في مواجهة العولمة النيوليبرالية، أصبح من الضروري أولا تحديد مفهوم "اليسار" ذاته في مجموع القوى التي تجمع بين العملية المستمرة لدمقرطة المجتمع وبين التقدم الاجتماعي، ومن ثم رفض "وصفة" الديمقراطية المطروحة على المجتمعات العربية من خارجها، وذلك انطلاقا من أن إنجاز دمقرطة حقيقية في المجتمع يأتي دوما كنتيجة للصراعات الاجتماعية من أجل التقدم ومصالح الطبقات الشعبية. وفي ما يتعلق بالتحدي الرئيسي الذي يواجهنا الآن فهو الانتقال من حالة "مقاومة" العولمة النيوليبرالية إلى تبني مواقف "هجومية" تتيح تبلور بديل إيجابي. ومن المهم التأكيد على خطوات أولى أنجزت في هذا الاتجاه في أمريكا اللاتينية، إلا أننا نلحظ عدم حدوث تقدم مماثل في أوربا أو الوطن العربي. وعلينا البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا، خاصة في ضوء ما يترتب عليه من نتائج في مجال العلاقات العربية الأوربية. ولعل البداية في هذا المسعى تنطلق من ضرورة نقد المشروع الأوربي القائم منذ البداية على تكريس المبادئ الرأسمالية والأطلسية. أما في الوطن العربي فإن انهيار المشروع الوطني الشعبوي (الذي حاول إنجاز تقدم اجتماعي بدون ديمقراطية، ومن ثم هشاشة منجزه) قد ترك فراغا واسعا تزامن مع انهيار المعسكر "الاشتراكي" السابق، مما أفسح المجال أمام انتشار الاتجاهات الثقافوية المحلية، وفي مقدمتها الإسلام السياسي. وكان من نتائج هذا تسويد رؤية إمبريالية (أمريكية – أوربية) للقضية الفلسطينية أثمرت مشروعات مثل مشروع "أوسلو" الذي فتح المجال أمام المزيد من الاستيطان والقمع الإسرائيليين، دون إنجاز أي سلام حقيقي. وفي ما يتعلق بالعلاقات مع الوطن العربي كانت مشروعات الشراكة المزعومة القائمة على مباديء النيوليبرالية والمتسمة بعدم التكافؤ بين الجانبين. وأصبحت الأطراف العربية الرسمية مطالبة بضرورة "التكيف" التام مع المصالح الاستعمارية. ونتيجة للطابع الكمبرادوري الواضح للنظم العربية تبلور تحالف ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل والنظم العربية، وهو التحالف الذي تجلت بعض معالمه في التعامل مع ملفات لبنان والعراق وفلسطين... وفي الحقيقة أن الدور الأوربي في المنطقة يتم تهميشه ليصبح ملحقا فعليا بالتحركات الأمريكية، وإن كان من أهم العوامل التي تصعّب من قيام أوربا بدور مستقل : حقيقة اصطفاف النظم العربية بكاملها وراء واشنطن. وحتى يتسني لليسار الأوربي أن يلعب دورا مؤثرا مرة أخرى على كل الأصعدة فعليه أولا أن يتصدى بالنقد الجذري لفلسفة وممارسات مشروع الاتحاد الأوربي. وفي ما يتصل بالعلاقات العربية الأوربية أصبح هذا اليسار مطالبا بمساندة المقاومات العربية الشعبية في فلسطين ولبنان والعراق (مثل اتخاذ مبادرة في البرلمان الأوربي من أجل الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الموحدة) وعدم الوقوف عند مجرد إدانة المعتدي. أما اليسار العربي فمن المهام العاجلة المطروحة عليه الآن ضرورة التوصل إلى موقف سليم من حركات ما يسمى "الإسلام السياسي"، على أن يأتي هذا الموقف نتيجة لحوار ديمقراطي وموضوعي بين مختلف أطراف اليسار. علما بأن مختلف جماعات الإسلام السياسي هي بالأساس تنظيمات سياسية تستخدم الدين بشكل انتهازي من أجل الوصول للسلطة، وأنها في المجمل من أدوات الطبقة الرأسمالية التابعة حيث لا يوجد تناقض جوهري بينها وبين الأجندة النيوليبرالية للعولمة الرأسمالية، كما يجب النظر إلى المواجهات المسلحة أو السياسية بين تلك التيارات والسلطات الحاكمة في البلدان العربية من منظور التنافس والصراع بين قطاعات مختلفة في الطبقة السائدة، أما الاختلافات بين تيارات الإسلام السياسي فهي تأتي في إطار توزيع ضمني للأدوار. وعموما فإن هناك مجموعة من المبادئ يمكن أن تصبح منطلقات سليمة للحوار في هذا الصدد، في مقدمتها ضرورة التعامل مع كل حالة من حالات الإسلام السياسي على حدة، والحذر من إطلاق التعميمات الضارة غير المستندة إلى التحليل الجدلي الملموس، وأن يكون المعيار الأساسي في تقييم هذه التيارات هو موقفها العملي من الإمبريالية ومقاومة مخططاتها (فلا يمكن مثلا وضع المؤسسات الدينية الرسمية مع جماعة الإخوان المسلمين مع حركة حماس مع حزب الله ...في سلة واحدة دون التمييز بينها)، وأخيرا ضرورة العمل على تعميق الفرز الاجتماعي داخل هذه التيارات ومعرفة كيفية الاستفادة من تناقضاتها. ... هذه جميعا أسئلة حيوية ومصيرية تتطلب المزيد من الحوار المعمق بين سائر قوى اليسار في أوربا والوطن العربي. فهل نكون عند مستوى هذه المسئولية ؟













قائمة المشاركين فى حلقة نقاش "العلاقات العربية الأوروبية" (من منظور نقدى) 23-25 فبراير 2007


1- المشاركون الأوربيون

1. Wolfgang Gehrcke Member of German Parliament - German 2. Prof. Dr. Norman Paech Member of German Parliament - German 3. Tobias Pflueger Member of European Parliament – (German) 4. Dr. Arne C. Seifert Former Ambassador - (German) 5. Dr. Ingrid El Masry Universität Marburg - (German) 6. Prof. Dr. Michael Brie Rosa-Luxemburg Foundation – (German) 7. Dr. Erhard Crome Rosa-Luxemburg Foundation- (German) 8. Dr. Fritz Balke Rosa-Luxemburg Foundation – (German) 9. Gisela Kremberg Rosa-Luxemburg Foundation – (German) 10. Dr. Peter Gowan Professor of International Relations 11. Domenico Rizzuti researcher - (Italy) 12.. Bernard Cassen Directer – Le monde Diplo - (France) 13. Eric Rouleau Former Ambassador - (France) 14. Per Wirtén Chefredakteur oft he Magazine „Arena“- (Sweden) 15. Prof. Dr. Fulya Atacan Department of Political Science, Yildiz Technical University - (Turkey)















2- المشاركون من البلدان العربية الوظيفة الجنسية الاسم

كاتب الأردن سلامة جورج سلامة كيلة 1. أستاذ جامعي- جامعة الإمارات العربية المتحدة الإمارات العربية المتحدة عبد الخالق عبد الله عبد الرحمن 2. أستاذ جامعى - جامعة تونس تونس أحمد بن مسعود إبراهيم 3. باحث تونس أحمد عمر المزوغي - الشهير (العزعوزى) 4. باحث- الجامعة العربية تونس خالد الوحيشى 5. عضو اللجنة التوجيهية لفضاء ماركس- باريس الجزائر صادق هجرس 6. باحث - الجامعة العربية السودان إبراهيم السورى 7. أستاذ- مدير مركز الدراسات السودانية السودان حيدر إبراهيم على محمد 8. باحث اقتصادي سوريا نبيل أحمد مرزوق 9. باحث – مركز الملف فلسطين جمال سعيد مرشد أبو عوض– الشهير بـ (خالد عطا) 10. كاتب- مركز الملف فلسطين صالح محمد عبد الأحد – الشهير بـ (فهد سليمان) 11. باحث فى المعهد الفرنسى للشرق الأدنى بدمشق فلسطين ماهر مصباح الشريف 12. كاتب فلسطين عبد القادر ياسين 13. الحزب الشيوعي اللبناني لبنان سعد الله مزرعانى 14. رئيسة تحرير الإكولوجيست العربى ( البدائل) لبنان ليلى غانم 15. مدير آنياميد ، أنباء المتوسط وعضو مؤسسة بونتو روسّو ليبيا إبراهيم كشبور 16. أستاذ علوم سياسية – جامعة محمد الخامس- كلية الحقوق المغرب عبد الله ساعف 17. أستاذ فلسفة-جامعة محمد الخامس المغرب كمال عبد اللطيف 18.














3- المشاركون من مصر


19. 1 إبراهيم العيسوى أستاذ اقتصاد- مستشار معهد التخطيط القومى 20. إبراهيم سعد الدين أستاذ اقتصاد سياسى 21. إلهامى الميرغنى باحث 22. أمينة رشيد أستاذة الأدب الفرنسى والمقارن 23. حسام عيسى أستاذ بكلية الحقوق 24. حلمى شعراوى مدير مركز البحوث العربية والأفريقية 25. سمير أمين رئيس مجلس إدارة مركز البحوث العربية والأفريقية 26. شريف حتاته كاتب 27. شهيدة الباز باحثة- استشارية- بحوث التنمية 28. صلاح عدلى مدير مركز آفاق اشتراكية 29. عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب 30. عبد العال الباقورى كاتب وصحفى 31. عبد الغفار شكر نائب رئيس مجلس إدارة مركز البحوث العربية والإفريقية 32. عواطف عبد الرحمن أستاذة بكلية الإعلام 33. فوزى منصور أستاذ اقتصاد سياسى 34. محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية 35. محمود عبد الفضيل أستاذ اقتصاد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 36. مصطفى مجدى الجمال باحث- مركز البحوث العربية والإفريقية 37. ممدوح فوزى حبشى مهندس – وعضو مجلس إدارة مركز البحوث العربية والإفريقية


تصنيف