الحواس الصناعية بين الإنسان والآلة

الحواس الصناعية بين الإنسان والآلة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرجل الفائق الجديد

د.إيهاب عبد الرحيم محمد

شيئا فشيئا، تقوم العضلات البلاستيكية و الحواس المصنوعة من السيليكون بطمس معالم الخط الفاصل بين الإنسان و الآلة .

العضلات الصناعية:

في مختبر مزدحم في جامعة نيو مكسيكو، يقوم نموذج لهيكل عظمي بشري -ببطء شديد- بالتبديل على دواسة دراجة للتمرين… هذه حقيقة واقعة،فمايستر بوني Myster Bony، كما يطلق عليه، يقوم بتحريك البدالتين بعضلات صناعية تعمل بالبطارية . مضى أكثر من 40 سنة منذ أجريت للمهندس السويدي أرن لارسون جراحة لتثبيت أول ناظمة قلبية مزروعة في الجسم بالكامل في معهد كارولينسكا في ستوكهولم . ومنذ ذلك الحين، ظل الباحثون في جميع أنحاء العالم يبحثون عن طرق لتحسين حياة البشر بآلات بيونية صناعية . وقد أثمرت مجهوداتهم إنتاج ناظمات Pacemakers أصغر و أصغر، وآلات تساعد الأطفال الصم على السمع ،و مضخات قابلة للزرع لحمل العبء عن القلوب العليلة حتى توفر أعضاء بشرية مناسبة للزرع. وبالنسبة للمستقبل، يبدو الأمر بالتأكيد أكثر طبيعية من تكنولوجيا السيبورج Cyborg (مشتقة من لفظتي Cybernetic Organism ، أي كائن سبراني؛ حيث السبرانيات أو السيبرناطيقا cybernetics هي علم عمليات التواصل والتحكم في الحيوانات والآلات) التي تصورها البعض في فجر العصر البيوني. ولنأخذ مايستر بوني ، على سبيل المثال، فعضلاته تُصنع من مادة تسمى IMPC،أو المركبات المعدنية للبوليمرات الأيونية ( Ionic polymer metal composites: IMPCs ) التي تستجيب للتيار الكهربائي بمرونة و استجابة تشابه تلك التي تظهرها العضلات البشرية . وقد تم تطوير هذه المواد في معهد أبحاث العضلات الصناعية (AMRI ) في جامعة نيو مكسيكو الأمريكية. ويمكن أن تنثني أشرطة strips من هذه المركبات و ترتجف بصورة سريعة عند تطبيق تيار كهربائي عليها. وبهذا المفهوم، فهي تعد مشغلات ميكانيكية حركية كبيرة motion actuators - فيمكنها أن تتحرك و تبذل القوة . وعلى العكس من ذلك، فعند يثْنَى شريط من هذه المادة، ينتج الجهد الكهربي عبر سمكه، مما يسمح للشريط بأن يتصرف مثل المحس الذي يمكن أن يحدد مستوًى معين من القوة و الحركة . وهاتان القدرتان – على التحرك و الارتجاع – هي ما يحرك مايستر بوني على دراجة التمرين خاصته . فكل ما يحتاجه الأمر هو مصدر للطاقة الكهربية. والنوع الآخر من العضلات الصناعية التي يجري تطويرها في معهد أبحاث العضلات الصناعية مصنوع من الألياف الصناعية التي تمت إذابتها و غُلِيَها في محلول كيميائي . وتضفي هذه المعالجات قوة على النسيج و تمنحه مرونة تتباين في وجود تيار كهربائي . ونتيجة ذلك أننا نحصل على مواد يمكنها أن تتمدد و تنكمش مثل النسيج الحي تماما . يتخيل الباحثون عضلة صناعية يمكنها أن تترجم النبضات الكهربائية الواردة من الجهاز العصبي إلى حركة . وعلى أية حال، فذلك الهدف مازال طريق طويل بعيدًا . على المدى القريب، يعتقد الباحثون أن العضلات الصناعية يمكن أن تُسْتَخْدَم لزيادة قوة القلوب المريضة، مما يلغي الحاجة لبعض عمليات زرع القلب . ويتخيلون أيضًا صنع هياكل خارجية exoskeletons للمرضى المعاقين أو رواد الفضاء، وحناجر صناعية و أجهزة استشعار لتشخيص إصابات النخاع الشوكي . وفي النهاية، يمكن أن تُثَبت العضلات الصناعية على الأوتار الصناعية التي أجيزت حديثًا من قبل إدارة الغذاء والدواء FDA للاستعمال في المرضى من البشر .

ذراع بيوني حقيقي

ليست العضلات الصناعية هي الأدوات الكهروميكانيكية الوحيدة التي تم تطويرها لتسهيل حركة الإنسان . وفي صيف عام 1999، تلقى كامبيل أيرد، وهو مواطن اسكتلندي، الذراع البيوني الذي طُورهَ فريق أبحاث وتطوير البدليات في مستشفى الأميرة مارجريت روز للعظام في إدنبرة . يستخدم الذراع الإلكترونيات للسيطرة و التحكم . وهذا الذراع معروف باسم EMAS (نظام ذراع إدنبرة التحويري Edinburgh Modular Arm System; EMAS)، مجَهز بمحركات تعمل بالبطارية و صناديق تروس دويرية فوقية Epicyclical gearboxes. وقد حل محل الطرف الصناعي التقليدي الذي ارتداه أيرد منذ بُتِرَ ذراعه الأيمن بسبب السرطان قبل 16 سنة. تم تثبيت المحركات في ذراع أيرد ،داخل أنابيب صلبة مصنوعة من خيوط الكربون خفيفة الوزن. وتتصل صناديق التروس بمجموعة ترس دودي وعجلة ، تقوم بتحويل القدرة الميكانيكية لصندوق تروس إلى حركة دورانية . وتقوم أصغر المحركات وصناديق التروس بتزويد الأصابع و الإبهام بالقوة، بينما تزود المحركات الأكبر المعصم ، والمرفق والكتف بالقوة المحرِّكة. ويُغَطى الذراع بمطاط سليكوني شبيه بالنسيج الحي . كان الذراع EMAS هو أول عضو صناعي (بِدْلَة ) مزود بكتف كهربائية آلية تمامًا . ففي الأذرع الصناعية السابقة، كانت القدرة محدودة بالمعصم، والمرفق و اليد . وهذا الذراع مزود ببطاريات قابلة للشحن قوتها 12 فولت.

لا شيء يقهر الإرادة القوية:

تعرض دانا بومان Bowman، وهو عضو سابق بفريق "الفرسان الذهبيين" للقفز الجوي الحر بالجيش الأمريكي، لحادث في الجو عام 1994، فقد على إثره ساقيه ، وتم تزويده بعد ذلك بساقين "جديدتين". وقد عاد للقفز الحر، وأدى قفزة رائعة في الدورة الأولمبية للمعاقين في أتلانتا عام 1996. وبومان هو المعاق الوحيد الذي يمتلك رخصة لقيادة طائرات الهليكوبتر، كما يحمل رخصة طيار خاص لقيادة الطائرات ذات المحرك الواحد والطائرات المائية كذلك، كما يستمتع بالغطس وقيادة الدراجات الهوائية، والتزلج على الماء والجليد، بالإضافة إلى الدراجات النارية المخصصة للسباق. وقد تحقق له كل ذلك بفضل نوع جديد من الأجهزة التعويضية: البِدْلَة العصبية neural prosthesis، فقد حققت صناعة الأجهزة التعويضية تقدما كبيرا منذ الساق الخشبية (انظر الإطار). وبرغم أنه لا يوجد لدينا حتى الآن أية آلة يمكنها تعويض الوظائف المعقدة للأذن ،أو اليد، أو الساق البشرية، لكن بمساعدة البِدْلات العصبية الجديدة، تقوم أنظمة إلكترونية بمحاكاة وظائف الدماغ البشري باستخدام مدخولات حسية sensory inputs للتحكم بالحركات. وعلى سبيل المثال، فإن تزويد الذراع الصناعية بمحس للحرارة heat sensor يمكنها من الاستجابة بصورة ملائمة، مثل إفلات المقلاة إذا كانت حارة جدا. ويختلف ذلك جذريا عن الأطراف الصناعية التي تثبت لأغراض تجميلية فحسب، مهما كان مظهرها شبيها بالعضو البشري الأصلي المفقود. ولذلك، فالبِدْلات العصبية تبشر بمستقبل واعد للمرضى المصابين بكافة أنواع الاضطرابات العصبية ، مثل التصلب المتعدد multiple sclerosis (MS)، والألم المزمن، والشلل، والصمم، والعمى. وقد كان التوصيل interfacing الحقيقي الأول بين الدماغ وبين جهيزة خارجية هو زرع القوقعة ، والتي هي قيد الاستخدام منذ عدة سنوات، إذ يبلغ عدد المرضى المزودين بها في الوقت الحاضر بضعة آلاف. ويمكنها استعادة قدرة المريض على السمع بتنبيه العصب السمعي الذي يصل بين الأذن الداخلية وبين المخ (انظر أعلى). وكما رأينا، فهناك محاولات أيضا لاستعادة حاسة البصر لدى المكفوفين عن طريق الشبكية الصناعية ، واستعرضنا أحدث الأبحاث الجارية في هذا المضمار. لكن البِدْلات العصبية تحقق أكبر نجاح لها في مجال الأطراف الصناعية. وعلى سبيل المثال، يمكن لبِدْلَة الساعد التي تعمل بالطاقة الكهربية أن تستعيد مدى واسعا من الوظائف والتحكم باستخدام محركات صغيرة لفتح وإغلاق اليد، بالإضافة إلى ثني وبسط المرفق وتدوير الرسغ. ويتحكم المريض في الجهيزة عن طريق قبض عضلات الجزء المتبقي من الطرف (الكتف أو المرفق مثلا). ويؤدي ذلك لتوليد إشارات كهربية تقوم بتشغيل المحركات الموجودة في المرفق، أو الرسغ، أو اليد. وتتيح "البِدْلَة العضلية الكهربية myoelectric prosthesis "، مدى أكبر من الحركة، ولها مظهر أكثر طبيعية، بالإضافة إلى ازدياد قوة القبضة grip. وتقوم شركة Hanger للبِدْلات بولاية أوكلاهوما الأمريكية- وهي الشركة التي صنعت ساقي بومان- بتطوير أطراف صناعية ومحسات بردية cold sensors في أطراف الأصابع، وتقوم هذه المحسات بتوصيل الإشارات إلى دارة محوسبة computerized circuit تقوم بمعالجتها، ومن ثم تبعث بإشارات كهربية إلى إلكترودات مثبتة في جلد المريض. وبعد ذلك، تقوم الإلكترودات بتمرير relay الإحساس بالحرارة أو البرودة للجزء المتبقي من طرف المريض. وتتمثل فائدة "النظام الحسي للحرارة والبرودة Hot and Cold Sensory System" – كما تسميه الشركة، في أن مستخدمه سيكون واعيا بحرارة أي جسم يمسك به. فبرغم أن الجسم الساخن لن يؤذي طرفه الصناعي بطبيعة الحال، لكن الأم المصابة –مثلا- ستكون راغبة في معرفة درجة حرارة زجاجة الرضاعة أو حمام طفلها. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون ذلك مفيدا للغاية لمرضى الداء السكري الذين فقدوا أحد أطرافهم بسبب ضعف الدورة الدموية بفعل هذا المرض. ومع اضطراب الإحساس في أطرافهم السليمة، يمكنهم استخدام هذه البِدْلات في استشعار درجات الحرارة أو البرودة المفرطة، على سبيل المثال. وبصورة إجمالية، يساعد المدخول الحسي الإضافي على زيادة وعي المستخدمين بالبيئة المحيطة بهم، عن طريق استعادة بعض الحس المفقود لديهم. وهناك مشروع آخر قيد التنفيذ لدى شركة Hanger، وهو "النظام الحسي للشعور بالحس Sense of Feel Sensory System"، والذي يهدف لاستعادة الشعور بالحس في الأشخاص الذين تعرضوا لبتر أحد أطرافهم. ويمكِّن النظام مستخدمي الطرف السفلي من الشعور بالأحاسيس المولَّدة من قدم صناعية. وتقوم تراجيم transducers الضغط في نعل القدم الصناعية بالاستجابة للضغط المطبق على جميع مناطق القدم، ومن ثم ترسل إشارات عصبية إلى الجزء المتبقي من الطرف. وكلما زاد الضغط المطبق على القدم الصناعية ، زاد الإحساس المستشعر في الجزء المتبقي من الطرف. وبمرور الوقت، يبدأ دماغ المستخدم في تأويل هذه الأحاسيس على أنها واردة من القدم- وليس من الجزء المتبقي من الطرف. ويؤدي الارتجاع الحسي sensory feedback إلى تحسن التوازن خلال المشي والعدو. وقد يبدأ المستخدمون في الإحساس أيضا كما لو أن القدم والجزء السفلي من الرجل قد أعيد توصيلها بالجسم- وهي ظاهرة تعرف بالإسقاط المخي cerebral projection. ويقرر الكثيرون أيضا انخفاض الشعور بألم الطرف الشبحي phantom limb- وهي مشكلة شائعة بعد عمليات البتر، حيث يستمر الدماغ في التصرف كما لو أن الطرف الأصلي لا يزال موجودا. والتطور الكبير الآخر في مجال البِدْلات العصبية هو التنبيه الكهربي الوظيفي functional electrical stimulation; FES للعضلات المشلولة، حيث يتم زرع إلكترودات تصدر إشارات كهربائية إلى العضلات- شبيهة بتلك التي يرسلها الدماغ عبر الأعصاب التي تغذي هذا الجزء من الجسم لو لم يكن المريض مصابا بضرب من التلف العصبي. ويتم استخدام التنبيه FES لاستعادة وظيفة الجزء العلوي أو السفلي من الجسم، وكذلك للاستعادة التحكم في عمليتي التبول والتبرز. وأكثر الأجهزة التعويضية المتاحة حاليا تطورا هو FreeHand، والذي طوره الباحثون في جامعة كيس وسترن بولاية أوهايو الأمريكية، حيث يقوم بتنسيق التنبيه الكهربي لعضلات الذراع واليد المشلولة، مما يمكن اليد من إجراء حركات القبض والقرص pinching، بحيث يتمكن المستخدم من أداء المهام اليومية العادية ، مثل الإمساك بالأكواب. ويستهدف النظام المصابين بالشلل الرباعي quadriplegics، والذين يعانون من شلل عضلات الذراع والرجل والجذع- غالبا بسبب إصابة في الحبل الشوكي. ويتمكن هؤلاء المرضى من التحكم في حركة القبض عن طريق التحريك الإرادي إما للكتف أو الرسغ. يقوم محس مثبت على الصدر بقياس حركة الكتف، وآخر على الرسغ بقياس حركته، وتوجه إشارة للتحكم إلى الإلكترودات المزروعة – عبر معالج خارجي- بحيث تنبه العضلة لتنفيذ الحركة المطلوبة. وبرغم أن تثبيت الإلكترودات يستلزم عملية جراحية كبرى تستغرق ساعات عدة، إلا أن المكونات مصنوعة من مادة خاملة inert ظلت قيد الاستخدام لأكثر من 25 عاما في الأجهزة التعويضية الأخرى، وبالتالي هناك خطر محدود جدا للرفض rejection، وهي مصممة أيضا بحيث تعيش طوال حياة المريض. وهناك ما لا يقل عن 65 شخصا يستخدمون الجهاز FreeHand حاليا، مما يمنحهم قدرا أكبر بكثير من الاستقلالية والتحكم في أنشطة حياتهم اليومية ، مثل الاغتسال وارتداء الملابس، وتمشيط الشعر وتفريش الأسنان، واستخدام الهاتف أو الحاسوب. ويعكف الباحثون حاليا على إجراء المزيد من التحسينات على النظام FES، فهم يقومون باختبار نظام يمكن تشغيل التحكم في الرسغ فيه بواسطة طرق متنوعة؛ مثل مد اليد لأداء حركة القبض، كما يقومون بتطوير نظام يمكن المرضى المقعدين من الترجل عن الكرسي ذي العجلات ، بحيث يساعدهم على الدخول إلى الحمام أو إلى السرير.

الرؤية الصناعية

حتى لو كنت ترتدي نظارات طبية، فإن عينيك تعملان بمستوى جيد بدرجة تسمح بالتعرف على الحروف الصغيرة في هذه الصفحة. ويبلغ ارتفاع النص في أغلب شاشات الحاسوب 3ملم ، وعرضة 2 ملم. وعند قراءتك لجملة واحدة على شاشة الحاسوب، فأنت في الغالب غير واع بآلاف القطع من المعلومات البصرية التي تقوم عيناك بتجميعها في كل ثانية. وفي الشبكية وحدها، هناك ملايين من الخلايا تعمل الآن كمستقبلات ضوئية تستجيب للضوء ، بصورة مشابهة للطريقة التي تعمل بها آلة التصوير على تثبيت الصورة على الفيلم.

والشبكية عبارة عن طبقة رقيقة من النسيج العصبي تبطن الجدار الخلفي داخل العين. وتعمل بعض هذه الخلايا على استقبال الضوء، بينما تقوم أخرى بترجمة البيانات وإرسال إشارات إلى الدماغ عبر العصب البصري. وهذه جزء من العملية التي تمكننا من الرؤية. في الشبكية التالفة أو غير الفاعلة، تتوقف المستقبلات الضوئية عن العمل ن مما يسبب العمى. وتشير بعض التقديرات إلى أن هناك نحو 10 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم من المصابين بأمراض في الشبكية أدت لفقدانهم للبصر.

وحتى وقت قريب، لم يكن لدى أولئك المصابين بالعمى نتيجة لأمراض الشبكية سوى قليل من الأمل في استعادة بصرهم، لكن التطورات التكنولوجية قد تمكنهم قريبا من استعادة نعمة البصر. وقد نجحت مجموعات عديدة من الباحثين حتى الآن في تطوير رقائق مكروية microchips يمكنها صنع "رؤية صناعية"… وقد تلقت أبحاث الرؤية الصناعية الحالية دفعة قوية في العام 1988 ، عندما أوضح الدكتور مارك هومايون Humayun ، من جامعة كاليفورنيا الجنوبية في لوس أنجلوس، أنه من الممكن جعل شخص مصاب بالعمى يرى الضوء عن طريق استثارة العقد العصبية في الشبكية بواسطة تيار كهربائي. وأثبتت هذه التجربة أن الأعصاب خلف الشبكية كانت لا تزال فاعلة حتى ولو أصيبت الشبكية ذاتها بالتنكس. وبناء على هذه المعلومات، بدأ الباحثون العمل على صنع جهاز يمكنه ترجمة الصور والدفعات الكهربية التي يمكنها استعادة البصر. واليوم، أوشك هذا الجهاز على أن يصبح في متناول يد الملايين من البشر الذين فقدوا بصرهم نتيجة لأمراض الشبكية. وقد تمت زراعة أحد النماذج التجريبية لهذه الرقائق في شبكية عدد من المرضى المكفوفين . والفكرة العامة في جميع نماذج الشبكية الصناعية واحدة، وتتمثل فيما يلي: • صغيرة بالقدر الكافي لزرعها داخل العين . • مزودة بمصدر مستمر للطاقة. • متوافقة بيولوجيا مع نسيج العين المحيط بها.

ويتمثل المأتى فوق الشبكية epiretinal approach في تغطية سطح الشبكية بعدد كبير من الأقطاب الكهربية ، والتي يمكن لكل منها تنبيه الخلايا العصبية العقدية ganglion nerve cells المستبطنة لها، وتتلقى الأقطاب الكهربية إشاراتها من المستقبلات الضوئية مباشرة ، والتي بدورها تمرر معلوماتها إلى طبقات من أنواع الخلايا الأخرى- وهي الخلايا ثنائية القطب bipolar ، وعديمة الاستطالات amacrine، والأفقية horizontal- والتي تقوم بعد ذلك بمعالجتها ونقلها إلى العقد العصبية. وفي الرقائق فوق الشبكية ، وعلى العكس من ذلك، ليست هناك معالجة مسبقة pre-processing، لكن هذه الخطوة بالغة الأهمية بالنسبة لعملية الإبصار. فخلايا العقد العصبية تستخدم هذه الشبكة من الطبقات الخلوية لمقارنة الإشارات الواردة من المستقبلات الضوئية القريبة ولا تمرر سوى البيانات المتعلقة بالتغيرات الكبيرة، مثل إطار على باحة من الشدة intensity الثابتة أو حركته عبر مجال الرؤية، بينما يتم تجاهل المعلومات الأقل أهمية. وبذلك، فالإشارات التي تمررها خلايا العقد العصبية تكون نصف معالجة فقط. وفي البِدْلَة prosthesis التي لا تقوم بتنفيذ هذه المعالجة، يفقد الدماغ مصدرا للمعلومات المفيدة، مما قد ينتج عنه إشارات متضاربة، إذا قامت الرقاقة – على سبيل المثال- بتنبيه مباشر لعقدة عصبية لا تُقدح عادة إلا عندما تكتشف إطارا ، لكنها تقوم أيضا بتنبيه الخلايا المجاورة لها بطريقة تدل على وجود منطقة من السطوع الباهر. ولذلك، فمما يثير العجب أن مريض الدكتور هيومايون يمكنه رؤية 16 نقطة من الضوء في منظومة من رباعيات ( أربعة في أربعة) ، حسب مواقع الأقطاب الكهربية على شبكيته. ويتحسن المَيز resolution قليلا إذا قام المريض بتحريك رأسه لمسح المجال البصري بكامله، لكن هيومايون يعترف بأن الرؤية عالية الميز وشبه الطبيعية لا زالت حلما بعيد المنال. وهناك تقنية أخرى، وهي المأتى تحت الشبكي subretinal approach، تبدو مبشرة أكثر من سابقتها. وفيها تثبت الرقاقة المزروعة خلف الشبكية وتقوم بتنبيه الخلايا ثنائية القطب. ونظرا لقربها من خلايا العقد العصبية، تمتلك هذه الرقائق إمكانية استعادة بعض قدرة المعالجة لدى تلك الأجزاء التي لا تزال تعمل من الشبكية. وتبدو الطعوم implants واعدة بصورة خاصة لأنها تدع بقية أجزاء العين تعمل بصورة طبيعية ، أي أن العدسة ستقوم بتبئير الصورة مباشرة على الصمامات الثنائية الضوئية photodiodes الموجودة على الرقاقة، والتي تحوّل الضوء إلى طاقة كهربائية. لكن هذا مصحوب بصعوبة أخرى؛ فالأقطاب الكهربية يجب أن تفصل بينها مسافة كبيرة بالقدر الكافي لعدم تداخل الإشارات بينها ، ونتيجة لذلك فليس من الممكن حتى الآن عنونة كل من الخلايا الثنائية القطب المنفردة ، وبالتالي يتم تنبيه عدد كبير من الخلايا في الوقت نفسه ويُفقد المَيز . ولا يتوقع الباحثون أن تقدم هذه الوسيلة للمكفوفين أكثر من تزويدهم ببعض الوعي المبدئي بالبيئة المحيطة بهم ، وستكون حدة إبصارهم على الدوام أقل بكثير من الرؤية الطبيعية ، كما ستكون مشوهة قليلة (انظر الشكل--). وعلى أية حال، تدعي شركة Optobionics الأمريكية أنها طورت الرقائق تحت الشبكية لأبعاد غير مسبوقة ، فالرقائق التي تنتجها الشركة تحتوي على 5000 صمام ثنائي ضوئي ، وبالتالي يمكنها – نظريا- أن توفر ميزا يزيد بثلاثة أضعاف عن النماذج السابقة لها، وربما كان ذلك كافيا لأن ترى انعكاس صورتك في المرآة. لكنه من غير الواضح حتى الآن مدى نجاح رقائق الشركة عند زرعها في مرضى حقيقيين، ففي شهر مايو 2002، أعلنت الشركة أن تلك الرقائق لها آثار جانبية غير متوقعة وغير معتادة، فبدلا من الاكتفاء بتنبيه مجموعات الخلايا القريبة من كل من الأقطاب الكهربية، كان المرضى يستشعرون تحسنا في الإبصار في مناطق من الشبكية بعيدة عن مدى عمل الرقاقة المزروعة؛ فكانت الأجزاء التالفة من شبكياتهم تعمل مجددا بصورة مفاجئة ، حتى في الأماكن البعيدة عن تغطية الرقاقة المزروعة. وعندما سُئل عن السبب، أجاب رئيس الشركة بأن التيار الذي تولد ه الرقاقة ينشط المستقبلات الضوئية في مناطق واسعة من الشبكية بعيدا عن متناول الرقاقة المزروعة . وبينما يجادل البعض بأن ذلك لن يؤهل الرقاقة المزروعة لأن تكون جهازا تعويضيا، حيث أن المرضى لا يستخدمونها بصورة مباشرة لكي يبصروا، إلا أن ذلك سيكون تأثيرا مدهشا حقا. ويفضل الباحثون الآخرون العاملون في هذا الميدان إيجاد تفسير آخر يقلل من شأن رقاقة شركة Optobionics ، ففي الكثير من أمراض الشبكية، بما فيها التهاب الشبكية الصباغي retinitis pigmentosa، ليس من المستغرب على المستقبلات الضوئية المعتلة أن تعاود نشاطها مجددا. وهذا "النشاط الإنقاذي" قد ينتج عن الرضح الناجم عن الجراحة ذاتها. فالعين عضو حساس للغاية، وفي اللحظة التي تعبث بمحتوياتها ، ستنطلق جميع عوامل النمو بداخلها؛ ويقول خبراء الأنسجة أنك حتى لو حقنت بداخلها ماء ، فستكون هناك استجابة إنقاذية. ولو صح هذا الأمر، فسيحدث نفس التأثير لو قام الجراحون بعمليات وهمية لا يكترثون فيها حتى لزرع الرقائق البدلية، فمجرد الرضح الجراحي سيقوم بالمهمة، من يدري؟! وربما كانت أنجح جهود الرؤية الصناعية- من حيث ما يراه المريض بالفعل- هي تلك المتعلقة بتنبيه القشرة المخية مباشرة ، فالبِدْلات البصرية visual prosthetics يجب ألا تستهدف مرضى الشبكية وحدهم ، ولكن أيضا لأولئك الذين تعرضوا لرضح في العين أو العصب البصري. فإذا أريد لجهاز صناعي أن يساعد أكبر عدد من المكفوفين، فعليه أن يتخطى العين إلى القشرة البصرية في الدماغ، حيث يقوم بعض الباحثين بزرع أقطاب كهربية فيها ، وبعدها تتلقى القشرة إرسالا يشبه الفيديو عبر سلك موصل بآلة التصوير المثبتة في نظارة المريض (انظر الشكل --) . ويقوم الباحثون بتحسين تلك الإشارات عن طريق ضبط الإشارات الواصلة إلى الأقطاب الكهربية بينما يقوم المرضى بوصف ما "يرونه". لكن بعد 30 سنة من التجارب في هذا المجال، لم تزد حدة إبصار المرضى المعالجين بهذه الطريقة عن نحو 100 بيكسل ، بينما تبلغ حدة الإبصار الطبيعية مليون بيكسل على الأقل! فبرغم أن الأقطاب الكهربية المستخدمة في هذه التقنية تقوم بتنبيه مئات، إن لم يكن آلاف، العصبونات في نفس الوقت. ولكن للحصول على رؤية طبيعية، سيحتاج الأمر لزيادة هائلة في عدد الأقطاب الكهربية المستخدمة بحيث يمكن التغلب على تداخل الإشارات بينها. ويعتقد كوابينا بوهين Boahen،من جامعة بنسلفانيا، أن المشكلة في البِدْلات الحالية أنها غير مبنية على أي فهم حقيقي للكيفية التي تعمل بها الشبكية الطبيعية. فالشبكية لا تقوم فقط بنقل الإشارات العصبية إلى الدماغ ، بل تقوم بكم هائل من عمليات المعالجة المسبقة. وبدلا من معالجة الشبكية فقط على أنها سطح مكتشف للضوء، يقول بوهين أن عليك التفكير بها كجزء من الدماغ. وحتى نعلم الكيفية التي "تفكر" بها الشبكية، فلن نتمكن من صناع بِدْلات جيدة حقا. ولذلك، فقد أمضى بوهين السنوات القليلة الماضية في محاولة سبر غور الحسابات البالغة التعقيد التي تتم في الشبكية السليمة. ولإدراك كم المعالجة الذي تقوم به الشبكية، علينا أن نضع في اعتبارنا أن الشبكية البشرية الواحدة تحتوي على نحو 130 مليون مستقبلة ضوئية، لكن هناك نحو مليون سبيل عصبي فقط في العصب البصري. وبالتالي ، لا يمكن للعين أن تحشر كافة المعلومات التي تتلقاها في هذا الأنبوب الضيق. لذلك، تقوم الشبكية بغربلة وتفسير المعلومات ، وترسل فقط تلك المعلومات المهمة. ويعمل بوهين حاليا على تطوير جهيزة device من السليكون تحاول محاكاة وظائف جميع هذه الطبقات الخلوية المكونة للشبكية، وبالتالي تحتوي على طبقات متعددة من "الخلايا" المختلفة والمتصلة فيما بينها، والمحفورة على شريحة من السليكون. وتقوم رقاقته باكتشاف الضوء ، ومن ثم تحوله إلى إشارة عصبية شبيهة بتلك التي تنقلها الشبكية السليمة إلى العصب البصري. إن معالجة هذا الكم الهائل في جهيزة ليس عملا سهلا على الإطلاق، فرقائق السليكون تستخدم نحو 100000 ضعف المكونات والتوصيلات التي يحتاجها الجهاز العصبي البشري للقيام بنفس الحسابات، وذلك لأنها تجري المهام الحسابية واحدة تلو الأخرى، وليس العديد منها في نفس الوقت كما يفعل الدماغ. وهناك مشكلة أخرى وهي أن رقاقة تقوم بهذا الكم الهائل من الحسابات لابد وأن تولد كمية من الحرارة تؤذي الأنسجة الحساسة للجهاز العصبي البشري. لكن بوهين نجح في إيجاد طريقة لمعالجة الآلاف من الإشارات على التوازي عن طريق جعل الترانزستورات المنفردة تعمل مثل المشابك العصبية synapses. فالترانزستورات تعمل عادة كمفاتيح بسيطة، أي طريقة رقمية للفتح والإغلاق تكون دوائر ثنائية binary بسيطة. وتقوم ترانزستورات بوهين بإصدار إشارات نظيرية analogue ليست مجرد فتح أو إغلاق، لكنها يمكن أن تكون أقوى وأضعف أيضا. وهذا يحل مشكلة الحرارة ، لأنه مع الإشارات النظيرية المعدلة، تقل الحاجة للترانزستورات إلى جزء واحد من ألف جزء كانت ستدعو الحاجة إليه في الأسلوب التقليدي لنقل الإشارات. لكن بوهين لا يستطيع زرع جهيزته في الوقت الحاضر، لأن الرقاقة في شكلها الحالي لا زالت غير قادرة على مجاراة مُيز الشبكية البشرية ؛ فبعدد من المستقبلات الضوئية يبلغ 6000 تقريبا، تغذي نحو 1500 خلية عقدية، هناك حاجة لتقليص حجم مكوناتها بنسبة 1: 10000 لمجاراة إمكانيات الشبكية الحقيقية. سيستغرق حل هذه المشكلات سنوات عديدة ، مما لا يمثل خبرا مفرحا للمكفوفين في العالم، لكن بوهين يعتقد أن النتيجة النهائية تستحق الانتظار، ونحن أيضا!


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأصوات البيونية:

بدأت أبحاث زرع القوقعة cochlea منذ خمسينيات القرن العشرين. وبصورة مبسطة، تقوم بِدْلات القوقعة بتنبيه كهربي للعصب السمعي. وترسل البِدْلَة موجات صوتية إلى السبيل السمعي بعد تحويلها إلى طاقة كهربية. واليوم، بالإضافة إلى العديد من المراكز البحثية التي تعمل على تطوير جهيزات سمعية بيونية، تقوم العديد من الشركات ببيع منتجات تجارية للغرض نفسه. وبرغم وجود اختلافات بين منتج والآخر، إلا أنها تعمل جميعا – في الأساس- بصورة مماثلة. وحتى في المرضى المصابين بصمم شديد الوخامة، هناك ثلث على الأقل من الألياف العصبية التي تنبه العصب البصري – وعددها 30000، يبقى حيا ومستجيبا ، أي أن تلك الألياف تبقى قادرة على نقل الإشارات إلى مركز السمع في المخ. ويتم قدح trigger هذه الإشارات بواسطة البِدْلات القوقعية. وعلى عكس السماعات الطبية hearing aids، والتي تقوم بتضخيم الأصوات، تتعامل البِدْلَة القوقعية- أو الأذن البيونية- مع التيار الكهربي. يقوم الجراحون بزرع الجهيزة في العظم الخشائي mastoid bone والأذن الداخلية عبر شق خلف الأذن. ويقوم معالج صغير للكلام بتحويل الأصوات- التي يتم التقاطها عبر ميكروفون خارجي- إلى إشارة كهربية. ويتم نقل تلك الإشارات عبر ملف ناقل إلى جهاز الاستقبال receiver المزروع. وتقوم الأقطاب الكهربية المزروعة في الأذن الداخلية بتخطية bypass المنطقة التالفة من الأذن، ومن ثم تولد نبضة عصبية تقوم بتنبيه القشرة السمعية في المخ. لكن القوقعة الصناعية لن يكون بوسعها مساعدة جميع الصَّم ؛ فالبالغون الذين لم يكونوا قادرين على السمع أبدا لن يكونوا مؤهلين مناسبين لهذه المعالجة، إذ أن مركز السمع في أدمغتهم لن يستجيب للمنبهات الواردة إليه. وفي مقاربة مختلفة تماما، فإن جوناثان سبيندل Spindel، وهو مهندس للأجهزة الطبية وأستاذ مساعد الأنف والأذن والحنجرة بجامعة فرجينيا، يقوم بتطوير جهاز مغناطيسي مساعد للسمع يتسم بكونه " غير مرئي". ويقول أن تجاربه أظهرت أن الإشارات التي تولدها سماعته المغناطيسية قريبة جدا من الأصوات الحقيقية. وفي هذه المقاربة، تقوم الجهيزة device بالتقاط الأصوات من خلال ميكروفون مصغر مزروع في الأذن. وبعد مرورها خلال وحدة صغيرة للمعالجة وملف كهرومغناطيسي- مزروعين بدورهما في الأذن- ترسل الاهتزازات المضخمة إلى الأذن الداخلية عبر مغناطيس صغير متصل بالنافذة المستديرة round window للأذن الداخلية، وهو غشاء رقيق على أحد جانبي القوقعة، منبها آلاف الخلايا الشعرية hair cells المستخدمة في عملية السمع الطبيعية. وتتميز هذه المقاربة بأن الجهيزة لا تتعارض مع عملية السمع الطبيعية؛ فتوطيد سبيل ثان مستقل للمدخولات input pathway إلى الأذن الداخلية يفتح احتمال استخدام السبل السمعية الطبيعية ومغناطيس النافذة المستديرة بصورة متزامنة للحصول على أنماط صوتية مختلفة في الأذن الداخلية. وبالإضافة إلى ذلك، فباعتبار أن الجهاز الجديد يستخدم الاهتزازات المغناطيسية وليس الصوتية، تنتفي الحاجة للارتجاع feedback- وهو مشكلة شائعة في الأجهزة التقليدية لمساعدة السمع. أنف … لسان إلكتروني للبيع! بعكس حاستي السمع والبصر ، لا يعلم الباحثون كثيرا عن حاستي الشم والتذوق في الإنسان، ومع ذلك فقد أمكن تمثيل هذه القدرات معمليا؛ فالعلماء يحاولون محاكاة الأنف البشرية باستخدام محسات يمكنها اكتشاف مجموعة كبيرة من المواد المتطايرة volatile . وعلى سبيل المثال، تزداد قدرة "الأنف الإلكترونية" التي يتم تطويرها في مختبر أوك ريدج الوطني ORNL بولاية تنيسي الأمريكية، على تمييز رائحة الزئبق، وأول أكسيد الكربون ، ومواد كيميائية أخرى. ويتكون الجهاز من مصفوفة array من المحسات المصغرة مدمجة على دارة متكاملة Integrated circuit: IC واحدة. وعن طريق تغطية المصفوفات انتقائيا بمواد كيميائية مختلفة، يمكن للباحثين ضبط الرقاقة لاكتشاف أي رائحة تقريبا.

وفي جامعة تكساس، طوّر الباحثون لسانا إلكترونيا يحاكي قدرة البشر على اكتشاف الطعم الحلو sweet، والحامض sour، والمالح salty، والمر bitter. ولعمل ذلك، قام الفريق بتثبيت محسات كيميائية مختلفة على رءوس دقيقة الحجم مصنوعة من البوليثيلين جليكول والبوليسترين ، وتمثل المحسات أمزجة combination مختلفة من عناصر الذوق الأربعة الرئيسية ، مع أمزجة من الألوان الأحمر، والأخضر، والأزرق. وعلى سبيل المثال، فعند تعرضه "لمذاق" حمضي، يتحول أحد المحسات إلى اللون الأصفر، ويتحول إلى اللون القرمزي عند استشعار مزيج قاعدي، وهكذا. وفي الوقت الحاضر، لا تعدو الأنوف والألسنة الإلكترونية كونها تجهيزات مختبرية ، وليست هناك خطط حالية ، على الأقل، لاستخدامها كأجهزة تعويضية في البشر.

أين سينتهي كل هذا؟

يتم تطوير الأجهزة التعويضية الحديثة لأكثر من مجرد استبدال الأجزاء المريضة من الجسم، لكن الباحثين يستخدمونها أيضا لمحاربة المرض. فالأبحاث الحديثة تشير إلى تنبيه العصب المبهم vagus يعدل من جريان الدم في تلك المناطق من الدماغ التي تنطلق منها النوبات الصرعية، فيقوم النظام NCP – والمعروف باسم "ناظمة الدماغ"- بتنبيه العصب المبهم في المرضى الذين لا يمكن السيطرة على النوبات الصرعية لديهم بالأدوية أو حتى بالجراحة العصبية التقليدية. ويتم زرع هذه الجهيزة، والتي لا يزيد حجمها عن حجم ساعة الجيب العادية، في صدر المريض، وتمتد منها أسلاك تقوم بتنبيه العصب المبهم في العنق. وترسل الجهيزة دفعات كهربية على فترات زمنية محددة وبكميات بالغة الدقة إلى العصب، والذي يتحكم في نشاط العديد من الأعضاء الداخلية ، وقد أثبت النظام قدرته على تقليل ، أو حتى التخلص من، النوبات الصرعية في مستخدميه.

وإذا كان بوسع البِدْلات العصبية أن تقوم بدور الأعصاب التي تنبه العضلات، فما الذي يعوق استخدامها في المخ نفسه؟ … في عام 1985، قام الدكتور بيتر فورمهيرتز Formherz من معهد ماكس بلانك الألماني، بالتفكير في توصيل العصبونات برقائق من السليكون. وبعد ست سنوات، نجح هو وفريقه في تنفيذ أول وصلة كهربية مباشرة بين خلية عصبية وبين ترانزستور من السليكون، وتلى ذلك إنتاج أول وصلة كهربية مباشرة بين دارة سليكونية silicon circuit وبين خلية عصبية. وقد أجريت تلك التجارب على العصبونات الكبيرة الحجم نسبيا للعقد العصبية للعلق leech (يبلغ قطرها 60 ميكرومتر)، فقاموا بتوصيل إحداها مباشرة بترانزستور مثبت على رقاقة من السليكون ، فوجدوا أن النبضات الكهربية في الخلية تؤثر على الإلكترونيات الموجودة في الرقاقة. لكن هذه التجارب أجريت باستخدام رقائق نظيفة من السليكون وعصبونات معزولة في أنبوب اختبار، لكن النمط الذي سينتهجه الاتصال إذا تم زرع رقاقة من السليكون في الدماغ مباشرة لا يمكن التنبؤ به في الوقت الحاضر. وطالما أننا لا نعرف كيفية عمل الدماغ، فإن إنشاء وصلة معلوماتية بينه وبين رقائق من السليكون ، يبقى حلما مستحيل التحقيق. لكن أبحاث فورمهيرتز يمكن استخدامها طبيا لقياس ودراسة الإشارات الكهربية التي تتم داخل العصبونات. وقد يؤدي ذلك بحد ذاته إلى زيادة قدرتنا على التوصيل بالرقائق السليكونية. لكن السؤال يبقى: إلى أي مدى نريد المضي قدما في هذا الاتجاه؟!

الآلة…الإنسان:

تحدثنا في الفقرات السابقة من المقال عن "ميكنة الإنسان"- أي إضافة أجزاء صناعية إليه وعملها لتعويض بعض الأجزاء المفقودة بالجسم، لكن ماذا عن "أنسنة" humanization الآلة، أي إنتاج آلات لها صفات بشرية؟ ظل الروبوت الشبيه بالإنسان humanoid – أي ذلك المصنوع على شكل الإنسان، من الملامح المميزة لأدب الخيال العلمي منذ نشأته. ومن المثير للعجب أن "كائنات" كهذه يفترض أنها تفتقر للمشاعر الإنسانية، تتباين خصائص تلك الروبوتات في الأجزاء المختلفة من العالم؛ ففي اليابان، تكون هذه شخصيات ودودة مستوحاة من شخصية للرسوم المتحركة لها عينين واسعتين وشعر شبيه بشعر القنفذ، أما في الغرب، فهي شبيهة بشخصية أرنولد شفارتزينيجر في فيلم Terminator، ذات ولع ببنادق الكلاشينكوف الروسية- رغم امتلاكها لأسلحة القرن الحادي والعشرين. لكن العقدين القادمين، سيصبح الخلاف حول الصفات المزاجية المختلفة للروبوتات، أكثر أهمية بكثير ، إذ أنها ستنتقل من عالم الخيال العلمي إلى أرض الواقع. وكلمة robot مشتقة من لفظة تشيكية بمعنى "العمل القسري"، والتي تبدو ملائمة بصورة خاصة عند تطبيقها على الروبوتات الصناعية التي تجدها في خطوط التجميع في مصانع السيارات، لكن عددا متزايدا من الروبوتات التي تنتجها مختبرات عديدة في جميع أنحاء العالم غير مخصصة للأغراض الصناعية. والروبوتات التي تستحوذ على أكبر قدر من الاهتمام هي تلك الشبيهة بالإنسان، ليس فقط لأنها تزود العلماء بالتحدي الأكبر؛ فمن أجل محاكاة الصفات البشرية، يتوجب على العلماء أن يتساءلوا، ومن ثم القيام بمحاولة إعادة تعريف الطبيعة الدقيقة لكينونتنا البشرية. وعلى سبيل المثال، ماذا نعني بالوعي ؟ وتتنافس العديد من المختبرات في جميع أنحاء العالم على إنتاج مثل هذه الروبوتات وتحسين صفاتها؛ فقد أنتج عدد من الأيدي متعددة الاستعمالات المزودة بأصابع متعددة ، كما أن محسات اللمس في تحسن مستمر. ويعتقد الباحثون أننا بحاجة لسنوات من العمل الشاق للوصول إلى الآليات المثالية للروبوت الشبيه بالإنسان، وسنوات أخرى لبناء دماغ يمكنه التحكم بجميع أجزاء الجسم الصناعية. وفي حقيقة الأمر ، إن الجزء الحركي من الدماغ ، والذي يتحكم في جميع الحركات هو ذلك الجزء الذي نفهمه جيدا ، وتتمثل المشكلة الحقيقية في فهم بقية الوظائف الدماغية . ولمساعدة الباحثين في هذه المهمة ، يستفيد العلماء من خبرة 50 سنة من الدراسة في مجال الذكاء الاصطناعي AI. وقد حاولت الجهود الأولى في هذا المجال بناء الروبوتات من أعلى لأسفل (Top - down)، عن طريق برمجة حاسوب مسبقا بالتعليمات اللازمة . وكان يؤمل في أن الآلات ستكون قادرة عندئذ على محاجاة قدرة البشر على اتخاذ القرارات المعقدة. لكن هذا يعني أن تتم تغذية الآلات ببرامج حاسوبية بالغة الطول تحاول محاكاة العمليات المنطقية وتغطية جميع الاحتمالات الممكنة ، مهما كانت ضئيلة. ومثال ذلك البرنامج الذي بنته شركة IBM للشطرنج وأسمته "Deep Blue" ، والذي تمكن من منازلة ، بل وهزيمة ، بطل العالم في الشطرنج جاري كاسبلروف في عام 1997. ومع هذا النوع من البرامجيات ، يحتاج المبرمجون للتحديد المسبق لكل ملامح المشكلات المحتملة ، مما يجعل الحاسوب غير فعال وغير مرن. ولاحتواء برامج مثل هذه ، ستحتاج الروبوتات إلى رؤوس بحجم رأس كينج كونج . وفي منتصف الثمانينات من القرن العشرين ، حدثت ثورة في علم الروبوتيات ، بانتهاج الأسلوب الجديد كليا – من اسفل لأعلى (Bottom – up) ، فالحاسوب من هذا النوع يتعلم من الصفر عن طريق التفاعل مع البيئة المحيطة به ، مثل الطفل الحديث الولادة. ومن خلال عمليات المحاولة والخطأ (على سبيل المثال ، الارتطام بالأشياء إذا كان يحاول تعلم المشي) ، بدأت الآلات تتعلم من تجاربها هي . ويستخدم كوج Cog، وهو روبوت شبيه بالإنسان تم تطويره في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا (MIT) هذه الطريقة للتعلم – فبدلا من البرنامج الحاسوبي ، يتمثل التجهيز الأساسي لوجوده في "أمه" ، والتي يتعلم معها التواصل البصري لأول مرة . ومن خلال آلة التصوير التي هي "عينه" ، يقوم بمحاكاة أفعال الأم ، متقدما من خلال المحاولة والخطأ ، وتعلم مهارات متزايدة الصعوبة . لكن هذه العملية لاتزال في مهدها – فحتى الآن لا يمتلك كوج حتى الإمكانيات التي يتمتع بها طفل بشري في الثانية من عمره . وقد استمد هذا الأسلوب البديل للذكاء الاصطناعي أصوله من أبحاث عالم الحاسوب الأمريكي جون هولاند في ستينيات القرن العشرين ، لكن دراسته ظلت طي النسيان لمدة عقدين كاملين من الزمان قبل أن يعود الاهتمام بها من جديد . وقد استلهم هولند بدوره نظرية داوروين للتطور فقام بأعداد برنامج حاسوبي يحاكي عملية التطور الطبيعي ؛ فباستخدام معادلات تسمى اللوغاريتمات الجينية ، يأخذ برنامج هولند شفرتين حاسوبيتين شبيهتين بكروموسومات ، تقومان بأداء عملهما على اكمل وجه ، ثم يقوم بدمجهما لإنتاج شفرة ثالثة ربما تقوم بالمهمة بشكل افضل . ويستخدم هذا "النسل" بعد ذلك لصنع جيل تال ، حسب لياقتها لأداء المهمة المنوطة بها . فكلما زادت ليقاتها ، زادت فرصتها "للتكاثر" ، مما ينتج عنه توريث محتويتها للجيل التالي . وتتكرر هذه العملية حتى يتم إنتاج عدد هائل من الشفرات ، تعمل جميعها على أداء نفس المهمة على التوازي . والدماغ البشري شبيه بهذا المعالج الذي يعمل على التوازي ، فهو يتعلم عن طريق تعزيز السبل Pathways التي تنتج عنها استجابات صحيحة ، وإلغاء السبل التي تنتج عنها الأخطاء . لكن صنع برنامج حاسوبي يقوم بهذا النوع من "الذكاء" لا يجعله "بشريا" ؛ فهناك أشياء أخرى أكثر تعقيدا يقوم بها الدماغ البشري، وهي التي تميزنا عن بقية المخلوقات ، مثل "الوعي"، و"التفكير المجرد" abstract thinking، و"الفطرة السليمة" common sense. وفي عام 1984، بدأ دوجلاس لينات Lenat في إعداد موسوعته للفطرة السليمة، والمعروفة اختصارا باسم Cyc.، كان الهدف منها هو كتابة قائمة كاملة بجميع قواعد الفطرة السليمة لتزويد الآلات بها، ومن ثم تحليل تلك القواعد إلى مكوناتها المنطقية. وتشمل هذه القواعد حقائق مثل "لا يمكن لأي شيء أن يوجد في مكانين مختلفين في نفس الوقت"، و"عندما تمطر السماء، يصاب الناس بالبلل". وبعد ذلك بعشرة سنوات، كان لينات قد جمّع 10 ملايين من هذه "القواعد" ، أي ما حجمه مليون بايت من المعلومات. وفي النهاية، يأمل لينات في أن يتمكن من تجميع 100 مليون من هذه التوكيدات "الواضحة". لكن مهما بلغت درجة طموح هذه المشاريع، فلا تزال محدودة – حيث أنها تعتمد على تعليمات مكتوبة مسبقا على أقراص ورقائق حاسوبية. لكن هل يمكن حوسبة الفهم؟ … ولمعرفة الإجابة على هذا السؤال المهم، لازال العلماء يحاولون سبر أغوار تلك الكتلة التي لا يزيد وزنها عن 3.5 رطل من العصبونات التي نحملها فوق كتفينا؛ فالدماغ البشري يحمل ما بين 100-200 بليون عصبون، مع ما يقدر بنحو 1000 اتصال بين كل عصبون وبين العصبونات المحيطة به، وبالتالي فالدماغ يضم نحو 100 تريليون اتصال عصبي، يمكن لكل منها أن يقوم بحسابات مختلفة في نفس الوقت. وبالمعدل التالي لتسارع قوة الحواسيب، فإن حاسوبا يمتلك العدد الكافي من الوحدات المتوازية وبرامجيات الشبكة العصبية لمحاكاة طريقة المعالجة التي يقوم بها الدماغ البشري، سيكون قادرا على إجراء نحو 20 مليون بليون عملية حسابية في الثانية بحلول عام 2020. وسيكون هذا مساويا لسرعة المعالجة الخاصة بالدماغ البشري. ومع ظهور الحواسيب التي تنافس بحق، أو تتفوق على، الدماغ البشري من حيث التعقيد، ستظهر قدرة مناظرة للآلات لفهم الأفكار التجريدية والاستجابة لها. نحن البشر نبدو معقدين جزئيا بسبب أهدافنا الداخلية المتنافسة، كما يقول راي كوزفيل Kuzweil، مؤلف كتاب "عصر الآلات الروحانية" The Age of Spiritual Machines؛ فالقيم والمشاعر تمثل أهدافا تتعارض مع بعضها البعض في كثير من الأحيان، وهي منتجات ثانوية by-products لا يمكن اجتنابها لمستويات التجريد التي نتعامل بها كبشر. فإذا حققت الحواسيب مستوى مشابها من التعقيد، وإذا كانت مستوحاة بصورة متزايدة من نماذج للذكاء البشري، فستطور هي أيضا تلك النواتج الثانوية . وعلى أية حال، فليس من الضروري أن تكون هذه النواتج هي نفس القيم والمشاعر التي يظهرها البشر.