الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم

الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم 1853 -1855، هو كتاب تاريخي من تأليف الأمير عمر طوسون، يتناول فيه حالة الجيش المصري أثناء مشاركته في حرب القرم 1853-1855.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تمهيد

قضة الفرمانات السلطانية التي تسود علاقة مصر بتركيا أن يشترك جيش مصر البري والبحري في حرب الروسيا المعروفة (بحرب الشرق أو القرم أو سباستبول). وقد سميت هذه الحرب بالاسم أخير تذكاراً لحصار هذه المدينة الحصينة وهو حصار جدير بالذكر لما ترتب عليه من استيلاء جيش المتحالفين فرنسا وإنجلترا وتركيا عليها وانتصارهم في هذه الحرب انتصاراً حاسماً.

ولما كان هذا الاشتراك لا يلم به في أيامنا هذه إلا النزر اليسير من المصريين بدا لي أنه يكون من الخير والفائدة أن أبين قصة هذا الاشتراك الذي انتهى بصورة مشرفة تمام التشريف لجنودنا وأن أنوه بالجهود العظيمة الذي بذلتها مصر لمساعدة الدولة في هذه الحرب من سنة 1853 إلى سنة 1855م. ولعل في ذكرى هذه القصة المخلدة لذكراهم على مر الأعوام مشجعاً لاخوانهم من أنباء الجيل الحاضر والأجيال القابلة على الاهتدا بهديهم وعمل ما يخلد ذكرهم، فقد كانوا رحمهم الله وأوسع لهم في الجوار مضرب الأمثال في الشهامة والبسالة وحوز ألقاب النصر والشرف والفخار.

ومما سهل لي هذه المهمة تسهيلاً عظيماً البحث الذي أجريته في الدفاتر التركية بدار المحفوظات المصرية بالقلعة والمصادر الأخرى. فقد عثرت في سجلات الدار المكتوبة على مستندات شتى خاصة بالنجدات المصرية البرية والبحرية والمساعدات المالية التي أرسلت لمساعدة تركيا في هذه الحرب في عهدي عباس الأول وسعيد. وقد ترجمنا هذه المستنداتب نصوصها من التركية إلى العربية وأثبتناها في جريدة الأهرام تباعاً بتاريخ 8 و9 و10 و11 مايو سنة 1932م ولكنا هذه المرة توخينا توسعة هذا الموضوع بقدر المستطاع آملين أن نكون قد وفيناه حقه من جميع نواحيه.


لمحة تاريخية عن شبه جزيرة القرم

لقد كانت شبه جزيرة القرم في القرون التي خلت من البلاد الاسلامية وكان يسكنها قوم من التتار ويتولى حكومتها ويشرف عليها حاكم يلقب بلقب (خان).

وأول غارة شنها المسلمون على هذا البلد كانت في سنة 616 هـ (1219م) بقيادة سلطان تركي من سلاطين آسيا الصغرى. ولكن المسلمين لو يوطدوا أقدامهم في ربوعها إلا بعد هذا التاريخ لأن أقدم نقود عثر عليها من مسكوكاتهم يرجع تاريخها إلى عام 686 هـ (1287م).

وفي هذه السنة أرسل مصر مهندساً معمارياً و2000 دينار (1200 ج.م) إلى عاصمة هذا البلد لاقامة مسجد بها وتسميته باسمه. وهذه العاصمة تسمى الآن (لوكوبوليس) Leukopolis. ويبدو أنه يوجد بين أطلال هذه المدينة في أيامنا هذه آثار مسجد مبني على الطراز المصري.

وفي عام 845 هـ (1441م) إستولى على هذا البلد أمير من التتر يقال له حاجي جيراي ونصب نفسه عليه "خانا" وأس فيه أسرة حاكمة تولت الحكم فيه ثلاثة قرون انتهت بضمه إلى روسيا.

وقد شيد المسجد الكبير الباقي إلى الآن في أوباتوريا Eupatoria (كوزلوا) Couzlowa المسمى خان جامعي خان من أولئك الخانات في سنة 1552م. ودفن في هذا المسجد الفريق المصري سليم فتحي باشا وأميراالألاي علي بك ورستم بك وهم من أبطال الضباط المصريين الذين خاضوا غمار هذه الحرب وقاتلوا فيها بأعظم شجاعة، تغمدهم الله بواسع رحمته وجزاهم بجهادهم الجزاء الأوفى.

ولهذا المسجد 14 قبة. وهو يعد من أعظم المباني التي أقيمت في روسيا وفقاً لهندسة المعمار الإسلامي. وهذا المسجد عاطل في هذه الأيام فلا تقام فيه الشعائر الدينية كما هو الحال الآن في بلاد الروس. وأمسى تابعاً لدار الآثار المعدة لدراسة أوصاف مختلف الشعوب.

والظاهر أن هذه الدار معتنية بصيانة هذا المسجد وصيانة المدفن والمقابر. وفي سنة 880 هـ (1475م) فتح الأتراك (قافا) Kaffa وتسمى الآن (تيودوسيا) Theodosie وهي فرضة القرم. وموقعها في القسم الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة. وعلى ذلك أضحى القسم الجنوبي منها واقعاً تحت سيطرة الأتراك. ولبث القسم الشمالي تحت إشراف الخان. ومن هذا التاريخ صارت القرم تابعة للامبراطورية العثمانية من ممتلكاتها والخان من أتباعها. غير أن اسم السلطان لم يذكر في خطبة الجمعة قبل اسم الخان إلى في سنة 992 هـ (1584م).

ولم تستمر ممتلكات القرم محصورة في دائرة حدود شبه الجزيرة بل تخطتها وامتدت في أراضي الروس الجنوبية إلى أن تاخمت نفس مدينة موسكو فنشأ من ذلك توالي القتال مع تلك الدولة. ومع تعاقب الأيام وكر السنين وهنت قواها أمام هذا العدو العاتي الجبار وانهزمت. وفي سنة 1736 م احتلت روسيا أول مرة شبه الجزيرة احتلالاً موقوتاُ ثم استولت عليها نهائياً عام 1771م.

ويقتضي نص معاهدة سنة 1774م ومعاهدة سنة 1779م أن ينتخب الأهالي الخان انتخاباً حراً. وأن يحكم بلاده وهو مستقل بدون أي تدخل من جانب الأتراك أو الروسيين؛ ولكن المعاهدات حسبما درجت عليه الدول الأوروبية ما هي إلى حبالة الغرض الحقيقي منها وضع اليد على ممتلكات الغير ومتى أصبح هذا الأمر واقعياً تصير تلك المعاهدات عبارة عن قصاصات ورق لا قيمة لها ولا فائدة ترجى منها كما هو حاصل الآن بين حكومة بريطانيا ومصر في معاهدة السودان بل في مصر نفسها وكما حصل بين إيطاليا والحبشة.

وفعلاً لم تدم هذه الحالة في القرم زمناً طويلاً فقد أدمجت بعد ذلك بأربع سنوات أي في سنة 1783 في صلب الامبراطورية الروسية وتلاشى بطبيعة الحال مركز الخان.

واضطر آخر خان تولى الحكم في شبه الجزيرة وكان يقال له (بختي جيراني) إلى أن يبارحها. وتوفى هذا الخان في شهر رمضان سنة 1215 هـ (يناير سنة 1801م) في جزيرة مدللي التابعة للامبراطورية العثمانية. ويبلغ عدد سكان المسلمين بها الآن 200.000 نسمة وهو يساوي ثلث مجموع سكانها.

وقد استقينا أغلب هذه المعلومات من دائرة المعارف الإسلامية بالأعداد التي بها الأسماء - بغجة سراي، وجيراي، وقرم.

والآن نذكر لك ما جاء عن وصف شبه جزيرة القرم في كتاب تحفة النظار المعروف (برحلة ابن بطوطة المتوفى في سنة 779 هـ (1378م) طبع باريس من ص 354 إلى ص 412،ـ قال هذا الرحالة:

من مدينة صنوب إلى مرسى الكرش

وكانت اقامتنا بهذه المدينة (أي صنوب) نحو أربعين يوماً ننتظر تيسير السفر في البحر إلى مدينة القرم. فاكترينا مركباً للروم واقنما أحد عشر يومأً ننتظر مساعدة الريح. ثم ركبنا البحر فلما توسطنا بعد ثلاث هال علينا واشتد بنا الأمر ورأينا الهلاك عياناً وكنت بالطارمة ومعي رجل من أهل المغرب يسمى أبا بكر فأمرته أن يصعد إلى أعلى المركب لينظر كيف البحر. ففعل ذلك وأتاني بالطارمة فقال لي: أستودعكم الله. ودهمنا من الهول ما لم يعهد مثله. ثم تغير الريح وردتنا إلى مقربة من مدينة صنوب التي خرجنا منها. وأراد بعض التجار النزل إلى رمساها فمنعت صاحب المركب من إنزاله. ثم استقامت الريح وسافرنا فلما توسطنا البحر هال علينا وجرى لنا مثل المرة الأولى. ثم ساعدت الريح ورأينا جبال البر وقصدنا مرسى يسمى الكرش. فأردنا دخوله فأشار إلينا أناس كانوا بالجبل أن لا تدخولا. فخفنا على أنفسها وظننا أن هنالك أجفائاً للعدو فرجعنا مع البر.


وصف مرسى الكرش

فلما قربنا قلت لصاحب المركب أريد أن أنزل هاهنا فأنزلني بالساحل ورأيت كنيسة فقصدتها فوجدت بها راهباً ورأيت في أحد حيطان الكنيسة صورة رجل عربي عليه عمامة متقلد سيفاً وبيده رمح وبين يديه سراج يقد. فقلت للراهب ما هذه الصورة. فقال هذه صورة النبي علي فعجبت من قوله وبتنا تلك الليلة بالكنيسة وطبخنا دجاجاً فلم نستطع أكلها إذ كانت مما استصحبنا في المركب ورائحة البحر قد غلبت على كل ما كان فيه. وهذا الموضع الذين نزلنا به من الصحراء المعروفة بدشت قغجق. والدشت بالشين المعجم والتاء المثناة بلسان الترك هو الصحراء. وهذه الصحراء خضرة نضرة لا شجر بها ولا جبل ولا تل ولا ثنية ولا حطب وإنما يوقدون الأرواث ويسمونها التزك بالزاي المتفوح فترى كبراءهم يلقطونها ويجعلونها في أطراف ثيابهم. ولا يسافر في هذه الصحراء إلى في العجل. وهي مسيرة ستة اشهر ثلاثة منها في بلاد السلطان محمد أوزبك وثلاثة في بلاد غيره.

وصف مدينة الكفا

ولما كان الغد من يوم وصلنا إلى هذه المرسى توجه بعض التجار من أصحابنا إلى من بهذه الصحراء من الطائفة المعروفة بقغجق وهم على دين النصرانية فاكترى منهم عجلة يجرها الفرس فركبناها ووصلنا إلى مدينة الكفا واسمها بكاف وفاء مفتوحتين وهي مدينة عظيمة مستطيلة على ضفة البحر يسكنها النصارى وأكثرهم الجنويون ولهم أمير يعرف بالدمدير ونزلنا منها بمسجد المسلمين.

حكاية

ولما نزلنا بهذا المسجد أقمنا به ساعة ثم سمعنا أصوات النواقيس من كل ناحية ولم أكن سمعتها قط فهالني ذلك وأمرت أصحابي أن يصعدوا الصومعة ويقرءأوا القرآن ويذكروا الله ويؤذنوا ففعلوا ذلك فإذا برجل علينا وعليه الدرع والسلاح فسلم علينا واستفهمناه عن شأنه فأخبرنا أنه قاضي المسلمين هناك. وقال لما سمعت القراءة والآذان خفت عليكم فجئت كما ترون. ثم انصرف عنا. وما رأينا إلى خيراً. ولما كان من الغد جاء إلينا الأمير وصنع طعاماً فأكلنا عنده وطفنا بالمدينة فرأيناها حسنة الأسواق وكلهم كفار ونزلنا إلى مرساها فرأينا مرسى عجيباً به نحو مائتي مركب ما بين حربي وسفري صغير وكبير وهو من مراسي الدنيا الشهيرة.

وصف مدينة القرم

ثو أكترينا عجلة وسافرنا إلى مدينة القرم وهي بكسر القاف وفتح الراس مدينة كبيرة حسنة من بلاد السلطان المعظم محمد أوزبك خان. وعليها أمير من قبله اسم تلكتمور وضبط اسمه بتاء مثناة مضمومة ولا مضموم وكاف مسكن وتاء كالأولى مضمومة وميم مضومة وواو وراء. وكان أحد خدام هذا الأمير قد صحبنا في رطيقنا فعرفه بقدومنتا. فبعث إلي مع إمامه سعد الدين بفرس ونزلنا بزاوية شيخها زاده الخراساني. فأكرمنا هذا الشيخ ورحب بنا وأحسن إلينا وهو معظم عندهم. ورأيت الناس يأتون للسلام عليه من قاض وخطيب وفقيه وسواهم. وأخبرني هذا الشيخ زاده أن بخارج هذه المدينة راهباً من النصارى في دير يتعبد به ويكثر الصوم وأنه انتهى إلى أن يواصل أربعين يوماً ثم يفطر على حبة فول وأنه يكاشف بالأمور ورغب مني أن أصحبه في التوجه إليه فأبيت ثم ندمت بعد ذلك على أن لم أكن رأيته وعرفت حقيقة أمره.

ولقيت بهذه المدينة قاضيها الأعظم شمس الدين السايلي قاضي الحنفية ولقيت بها قاضي الشافعية وهو يسمى بخضر. والفقيه المدرس علاء الدين الأصي. وخطيب الشافعي أبا بكر وهو الذي يخطب بالمسجد الجامعة الذي عمره الملك الناصر رحمه الله بهذه المدينة. والشيخ الحكيم الصالح مظهفر الدين وكان من الروم فأسلم وحسن إسلامه. والشيخ الصالح العابدج مظهر الدين وهو من الفقهاء المعظمين. وكان الأمير تكلتمور مريضاً فدخلنا عليه فأكرمنا وأحسن إلينا وكان علي التوجه إلى مدينة السرا حضرة السلطان محمد أوكبك فعملت على السير في صحبته واشتريت العجلات برسم ذلك.

ذكر العجلات التي يسافر عليها بهذه البلاد

ومهم يسمون العجلة عربة بعين مهملة وراء وباء موحدة مفتوحات. وهي عجلات تكون للواحدة منهن أربع بكرات كبار. ومنا ما يجره فرسان. ومنها ما يجره أكثر من ذلك. وتجرها أيضاً البقر والجمال على حال العربة في ثقلها أو خفتها. والذي يخدم العربة يركب أحد الأفراس التي تجرها. ويكون عليه سرج وفي يده سوط يحركها للمشي وعود كبير يصوبها به إذا عاجت عن القصد. ويجعل على لاعربة شبه قبة من قضبان خشب مربوط بعضها إلى بعض بسيور جلد رقيق. وهي خفيفة الحمل وتكسى باللبد أو بالملف. ويكون فيها طيقان مشبكة ويرى الذي بداخلها الناس ولا يرونه. ويتقلب فيها كما يحب وينام ويأكل ويقرأ ويكتب وهو في حال سيره. والتي تحمل الاثقال والأزواد وخزائن الأطعمة من هذه العربات يكون عليها شبه البيت كما ذكرنا وعليه قفل.

وجهزت لما أردت السفر عربة لركوبي مغشاة باللبد ومعي بها جارية لي. وعربة صغيرة لرفيقي عفيف الدين التوزري. وعجلة كبيرة لسائر الأصحاب يجرها ثلاثة من الجمال. يركب أحدها خادم العربة. وسرنا في صحبة الأمير تلكتمور وأخيه عيسى وولديه قطلودمور وصاروبك. وسافر أيضاً معه في هذه الوجهة أمامه سعد الدين. والخطيب أبو بكر. والقاضي شمس الدين. والفقيه شرف الدين موسى. والمعرف علاء الدين. وخطة هذا المعرف أن يكون بين يدي الأمير في مجلسه. فإذا أتى القاضي يقف له هذا المعرف ويقول بصوت عالي. بسم الله سيدنا ومولانا قاضي القضاة والحكام مبين الفتاوى والأحكام بسم الله. وإذا أتى فقيه معظم أو رجل مشار إليه قال: بسم الله سيدنا فلان الدين بسم الله. فيتهيأ من كان حاضراً لدخول الداخل ويقوم إليه ويفسح له في المجلس. وعادة الأتراك أن يسيروا في هذه الصحراء سيراً كسير الحجاج في درب الحجاز. يرحلون بعد صلاة الصبح وينزلون ضحى ويرحلون بعد الظهر وينزلون عشياً. وإذا نزلوا حلوا الخيل والإبل والبقر عن العربات. وسرحوها للرعي ليلاً ونهاراً. ولا يعلف أحد دابة لا للسلطان ولا غيره.

وخاصة هذه الصحراء أن نباتها يقوم مقام الشعير للدواب. وليست لغيرها من البلاد هذه الخاصية. ولذلك كثرت الدواب بها. ودوابهم لا رعاة لها ولا حراس. وذلك لشدة أحكامهم في السرقة. وحكمهم فيها أنه من وجد عنده فرس مسروق كلف أن يرده إلى صاحبه ويعطيه معه تسعة مثله فإن لم يقدر على ذلك أخذ أولاده في ذلك. فإن لم يكن له أولاد ذبح كما تذبح الشاة.

وهؤلاء الأتراك لا يأكلون الخبز ولا الطعام الغليظ. وإنما يصنعون الطعام من شيء عندهم شبه إنلي يسمونه (الدوقي) بدال مهمل مضموم وواو وقاف مكسور معقود يجعلون على النار الماء فإذا غلى صبوا عليه شيئاً من هذا الدوقي. وإن كان عندهم لحم قطعوه قطعاً صغاراً وطبخوه معه ثم يجعل لكل رجل نصيبه في صحفة. ويصبون عليه اللبن الرائب ويشربونه ويشربون عليه لبن الخيل وهم يسمونه (القمز) بكسر القاف والميم والزاي المشدد. وهم أهل قوة وشدة وحسن مزاج. ويستعملون في بعض الأوقات طعاماً يسمونه (البورخاني) وهو عجين يقطعونه قطيعات صغاراً ويثقبون أوساطها ويجعلونها في قدر. فإذا طبخت صبوا عليها اللبن الرائب وشربوها. ولهم نبيذ يصنعونه من حب الدوقي الذي تقدم ذكره.

وهم يرون أكل الحلواء عيباً. ولقد حضرت يوماً عند السلطان أوكبك في رمضان. فأحضرت لحوم الخيل وهي أكثر ما يأكلون من اللحم ولحوم الأغنام والرشتا وهو شبه الأ"رية ويطبخ ويشرب باللبن. وأتيته تلك الليلة بطبق حلواء صنعها بعض أصحابي فقدمتها بين يديه فجعل أصبعه عليها وجعله على فيه ولم يزد على ذلك. وأخبرني الأمير تلكتمور أن أحد الكبار من مماليك هذا السلطان وله من أولاده وأولاد أولاده نحو أربعين ولداً قال له السلطان يومأً: كل الحلواء وأعتتقكم جميعأً، فأبى وقال: لو قتلتني ما أكلتها.

ولما خرجنا من مدينة القرم نزلنا بزاوية الأمير تلكتمور في موضع يعرف بسججان فبعث إلي أن أحضر عنده فركبت إليه. وكان لي فرس معد لركوبي يقوده خديم العربة. فإذا أردت ركوبه ركبته. وأتيت الزاوية فوجدت الأمير قد صنع بها طعاماً كثيراً فيه الخبز. ثم أتوا بماء أبيض في صحاف صغار فشرب القوم منه. وكان الشيخ مظفر الدين يلي الأمير في مجلسه وأنا إليه. فقلت له. ما هذا. فقال: هذا ماء الدهن. فلم أفهم ما قال. فذقته فوجدت فيه حموضة فتركته. فلما خرجت سألت عنه فقالوا: هو نبيذ يصنعونه من حب الدوقي. وهم حنفية المذهب. والنبيذ عندهم حلال. ويسمون هذا النبيذ المصنوع من الدوقي البوزة بضم الباء الموحدة وواو مد وزاي مفتوح. وإنما قال لي الشيخ مظهفر الدين ماء الدخن ولسانه فيه اللكنة الأعجمية. فظننت أنه يقول ماء الدهن.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصف مدينة أزاق

وبعد مسيرة ثمانية عشر منزلاً من مدينة القرم وصلنا إلى ماء كثير يخوضها يوماً كاملاً وإذا كثر خوض الدواب والعربات في هذا الماء اشتد وحله وزاد صعوبة. فذهب الأمير إلى راحتي. وقدمني أمامه مع بعض خدامه. وكتب لي كتاباً إلى أمير أزاق يعلمه أني أريد القدوم على الملك. ويحضه على إكرامي. وسرنا حتى إنتهينا إلى ماء آخر نخوضه نصف يوم. ثم سرنا بعده ثلاثاً ووصلنا إلى مدينة أزاق وضبط إسمها بفتح الهمزة والزاي وآخره قاف. وهي على ساحل البحر حسنة العمارة، يقصدها الجنويون وغيرهم بالتجارات. وبها من الفتيان أخي بجقجي وهو من العظماء يطعم الوارد والصادر. ولما وصل كتاب الأمير تلكتمور إلى أمير أزاق وهو محمد خواجه الخوارزمي خرج إلى إستقبالي ومعه القاضي والطلبة وأخرج الطعام. فلما سلمنا عليه نزلنا بموضع أكلنا فيه ووصلنا إلى المدينة ونزلنا بخارجها بمقربة من رابطة هنالك تنسب للخضر والياس عليهما السلام. وخرج شيخ من أهل أزاق يسمى برجب النهر ملكي نسبة إلى قرية بالعراق. فأضافنا بزاوية له ضيافة حسنة.

وبعد يومين من قدومنا قدم الأمير تلكتمور وخرج الأمير محمد للقائه ومعه القاضي والطلبة وأعدوا له الضيافات وضربوا ثلاث قباب متصلاً بعضها ببعض. إحداها من الحرير الملون عجيبة. والثنتان من الكتان. وأدارو عليها سراجة وهي المسامة عندنا أفراج. وخارجها الدهليز وهو على هيئة البرج عدنا. ولما نزل الأمير بسطت بين يديه شقاق الحرير يمشي عليها. فكان من مكارمه وفضله أن قدمني أمامه ليرى ذلك الأمير منزلتي عنده. ثم وصلنا إلى الخباء الأولى وهي المعدة لجلوسه. وفي صدرها كرسي من الخشب لجلوسه كبير مرصع وعليه مرتبة حسنة. فقدمني الأمير أمامه. وقدم الشيخ مظفر الدين وصعد هو فجلس فيما بيننا ونحن جميعأً على المرتبة. وجلس قاضيه وخطيبه وقاضي هذه المدينة وطلبتها عن يسار الكرسي على فرش فاخرة. ووقف ولدا الأمير تلكتمور وأخوه الأمير محمد وأولاده في الخدمة. ثم أتوا بالأطعمة من لحوم الخيل وسواها وأتوا بألبان الخيل ثم أتوا بالبوزة.

وبعد الفراغ من الطعام قرأ القراء بالأصوات الحسان، ثم نصب منبر وصعد الواعظ وجلس القراء بين يديه وخطب خطبة بليغة ودعا للسلطان وللأمير وللحاضرين. يقول ذلك بالعربي ثم يفسره لهم بالتركي. وفي أثناء ذلك يكرر القراء آيات من القرآن بترجيع عجيب. ثم أخذوا في الغناء يغنون بالعربي ويسمونه (القول) ثم بالفارسي والتركي ويسمونه (الملمع). ثم أتوا بطعام آخر ولم يزالوا على ذلك إلى العشى. ولكما أردت الخروج منعني الأمير ثم جاءوا بكسوة للأمير وكسى لولديه وأخيه وللشيخ مظفر الدين ولي. وأتوا بعشرة أفراس للأمير ولأخيه وللشيخ مظفر الدين ولي. وأتوا بعشرة أفراس للأمير ولأخيه ولولديه بستة أفراس. ولكل كبير من أصحابه بفرس ولي بفرس.

والخيل بهذه البلاد كثيرة جداً وثمنها نزر قيمة الجيد منها خمسون درهماً أو ستون من دراهمهم وذلك صرف دينار من دننيرهم أو نحوه. وهذه الخيل هي التي تعرف بمصر بالأكاديش. ومنها معاشهم وهي ببلادهم كالغنم ببلادنا بل أكثر. فيكون للتركي منهم آلاف منها. ومن عادة الترك المستوطنين تلك البلاد أصحاب الخيل أنهم يضعون في العربات التي تركب فيها نساؤهم قطعة لبد في طول الشبر مربوطة إلى عود رقيق في طول الذراع في ركن العرب. ويجعل لكل ألف فرس قطعة، ورأيت منهم من يكون له عشر قطع ومن له دون ذلك. وتحمل هذه الخيل إلى بلاد الهند فيكون في الرفقة منها ستة آلاف وما فوقها وما دونها. لكل تاجر الماية والمايتان. فما دون ذلك وما فوقه. ويستأجر التاجر لكل خمسين منها راعياً يقوم عليها ويرعاها كالغنم ويسمى عندهم (القشي). ويركب أحدهما وبيده عصى طويلة فيها حبل. فإذا أراد أن يقبض على فرس منها حاذاه بالفرس الذي هو راكبه. ورمى الحبل في عنقه وجذبه. فيركبه ويترك الآخر للرعي.

وإذا وصلوا بها إلى أرض السند أطعموها العلف لأن نبات أرض السند لا يقوم مقام الشعير. ويموت لهم منها الكثير ويسرق. ويغرمون عليها بأرض السند سبعة دنانير فضة على الفرس بموضع يقال له ششنقار. ويغرمون عليها بملتان قاعدة بلاد السند. وكانوا فيما بتقدم يغرمون ربع ما يجلبونه فرفع ملك الهند السلطان محمد ذلك وأمر أن يؤخذ من تجار المسلمين الزكاة ومن تجار الكفار العشر. ومع ذلك يبقى للتجار فيها فضل كبير لأنهم يبيعون الرخيص منها ببلاد الند بماية دينار دراهم. وصرفها من الذهب المغربي خسمة وعشرون ديناراً. وربما باعوها بضعف ذلك وضعفيه. والجياد منها تساوي خمسماية دينار وأكثر من ذلك وأهل الهند لا يبتاعونها للجري والسبق لأنهم يلبسون في الحرب الدروع ويدرعون الخيل وإنما يبتغون قوة الخيل وإتساع خطاها والخيل التي يبتغونها للسبق تجلب إليهم من اليمن وعمان وفارس ويباع الفرس منها بألف دينار إلى اربعة آلاف.


وصفة مدينة الماجر

ولما سافر الأمير تلكتمور عن هذه المدينة أقمت بعده ثلاثة أيام حتى جهز لي الأمير محمد خواجه آلات سفري وسافرت إلى مدينة الماجر. وهي بفتح الميم وألف وجيم مفتوح معقود وراء مدينة كبيرة من أحسن مدن الترك على نهر كبير وبها البساتين والفواكه الكثيرة. نزلنا منها بزاوية الشيخ الصالح العبد المعمر محمد البطائحي من بطائح العراق وكان خليفة الشيخ أحمد الرفاعي رضه. وفي زاويته نحو سبعين من فقراء العرب والفرس والترك والروم منهم المتزوج والعزب وعيشهم من الفتوح.

ولأ÷ل تلك البلاد اعتقاد حسن في الفقراء وف يكل ليلة يأتون إلى الزاوية بالخيل والبقر والغنم ويأتي السلطان والخواتين لزيارة الشيخ والتبرك به. ويجزلون الاحسان ويعطونه العطاء الكثير وخصوصاً النساء فأنهم يكثرن الصدقة ويتحرين أفعال الخير. وصلينا بمدينة الماجر صلاة الجمعة. فلما قضيت الصلاة صعد الواعظ عز الدين المنبر - وهو من فقهاء بخارى وفضلائها وله جماعة من الطلبة والقراء يقرءون بين يديه - ووعظ وذكر وأمير المدينة حاضر وكبراؤها. فقام الشيخ محمد البطائحي فقال: إن الفقيه الواعظ يريد السفر ونريد له زوادة. ثم خلع فرجية مرعز كانت عليه وقال: هيه مني إليه. فكان الحاضرون بين من خلع ثوبه ومن أعطى فرساً ومن أعطى دراهم. واجتمع له كثير من ذلك كله.

ورأيت بقيسارية هذه المدينة يهودياً سلم علي وكلمني بالعربي. فسألته عن بلاده. فذكر أنه من بلاد الأندلس وأنه قدم منها في البر ولم يسلك بحراً وأتى على طريق القسطنطينية العظمى وبلاد الروم وبلاد الجركس. وذكر أن عهده بالأندلس منذ أربعة أشهر. وأخبرني التجار المسافرون الذين لهم المعرفة بذلك بصحة مقاله.

ورأيت بهذه البلاد عجباً من تعظيم النساء عندهم وهن أعلى شأنا من الرجال. فأما نساء الأمراء فكانت أولى رؤيتي لهن عند خروجي من القرم رؤية الخاتون زوجة الأمير سلطيه في عربة لها. وكلها مجللة بالألف الأزرق الطيب وطيقان البيت مفتوحة وأبوابه. وبين يديها أربع جوار فائقات الحسن بديعات اللباس. وخلفها جملة من العربات فيها جوار يتبعنها. ولما قربت من منزل الأمير نزلت عن العربة إلى الأرض ونزل معها نحو ثلاثين من الجوار يرفعن أذيالها. ولأثوابها عرى تأخذ كل جارية بعروة ويرفعن الأذيال عن الأرض من كل جانب. ومشت كذلك متبخترة. فلما وصلت إلى الأمير قام إليها وسلم عليها وأجلسها إلى جانبه ودار بها جواريها وجاءوا بروايا القمر فصبت منه في قدح وجلست على ركبتيها قدام الأمير وناولته القدح فشرب. ثم سقت أخاه وسقاها الأمير وحضر الطعام فأكلت معه وأعطاها كسوة وانصرفت.

وعلى هذا الترتيب نساء الأمراء وسنذكر نساء الملك فيما بعد. وأما نساء الباعة والسوقة فرأيتهم واحداهن تكون في العربة والخيل تجرها وبين يديها الثلاث والأربع من الجواري يرفعن أذيالها. وعلى رأسها البغطاق وهو أقروف مرصع بالجوهر وفي أعلاه ريش الطواويس. وتكون طيقان البيت مفتحة وهي بادية الوجه. لأن نساء الأتراك لا يحتجبن. وتأتي إحداهن على هذا الترتيب ومعها عبيدها بالغنم واللبن فتبيعه من الناس بالسلع العطرية. وربما كان مع المرأة منهم زوجها فيظنه من يراه بعض خدامها. ولا يكون عليه من الثياب إلا فروة من جلد الغنم وفي رأسه قلنسوة تناسب ذلك يسموهنا الكلا.

معسكر السلطان في بش‌دغ

وتجهزنا من مدينة الماجر تقصد معسكر السلطان وكان على أربعة أيام من الماجر بموضع يقال له بش‌دغ ومعنى (بش) عندهم خمسة وهو بكسر الباء وشين معجم. ومعنى (دغ) الجبل وهو بفتح الدال المهمل وغين معجم. وبهذه الجبال الخمسة عين ماء يغتسل منها الأتراك. ويزعمون أنه من اغتسل منها لم تصبه عاهة مرض.

وارتحلنا إلى موضع (المحلة) فوصلناها أول يوم من رمضان فوجدنا المحلة قد رحلت. فعدنا إلى الموضع الذي رحلنا منه لأن المحلة تنزل بالقرب منه. فضربت بيتي على تل هناك وركزت العلم أمام البيت وجعلت الخيل والعربات وراء ذلك. واقبلت المحلة وهم يسمونها (الأردو) بضم الهمزة فرأنيا مدينة عظيمة تسير بأهلها فيها المساجد والأسواق ودخان المطبخ صاعد في الهواء وهم يطبخون في حال رحيلهم والعربات تجرها الخيل بهم. فإذا بلغوا المنزل نزلوا البيوت عن العربات وجعلوها على الأرض. وهي خفيفة المحمل. وكذلك يصنعون بالمساجد والحوانيت.

واجتاز بنا خواتين السلطان كل واحدة بناسها على حدة. ولما اجتازت الرابعة منهن وهي بنت الأمير عيسى بك - وسنذكرها رأت البيت بأعلى التل والعلم أمامه وهو علامة الوارد. فبعثت الفتيان والجواري فسلموا علي وبلغوا سلامها إلي وهي واقفة تنتظرهم. وفبعثت إليها هدية مع بعض أصحابي ومع معرف الأمير تلكتمور. فقبلتها تبركاً وأمرت أن أنزل في جوارها وانصرفت وأقبل السلطان فنزل في محلته على حدة.

ذكر السلطان المعظم محمد أوزبك خان

واسمه محمد أوزبك بضم الهمزة وواو وزاي مسكن وباء موحدة مفتوحة. ومعنى خان عندهم السلطان. وهذا السلطان عظيم المملكة. شديد القوة. كبير الشأن. رفيع المكان. قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمى. مجتهد في جهادهم. وبلاده متسعة. ومدنه عظيمة. منها الكفا والقرم والماجر وأزاق وسرداقوسوداق وخوارزم وحضرته السرا وهو أحد الملوك السبعة الذين هم كبراء ملوك الدنيا وعظماؤها. وهم مولانا أمير المؤمنين ظل الله في أرضه، إمام الطائفة المنصورة الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة، أيد الله أمره وأعز نصره. وسلطان مصر والشام وسلطان العراقين، والسلطان أوزبد هذا، وسلطان بلاد تركستان وما وراء النهر، وسلطان الهند، وسلطان الصين.

ويكون هذا السلطان إذا سافر في محلة على حدة معه مماليكه وأرباب دولته، وتكون كل خاتون من خواتينه على حدة في محلتها. فإذا أراد أن يكون عند واحدة منهم بعث إليها يعلمها بذلك فتتهيأ له. وله في عقوده وسفره وأموره ترتيب عجيب بديع. ومن عادته أن يجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في قبة تسمى قبة الذهب مزينة بديعة. وهي من قضبان خشب مكسوة بصفائح الذهب. وفي وسطها سرير من خشب مكسو بصفائح الفضة المذهبة وقوائمه فضة خالصة، ورؤوسها مرصعة بالجواهر. ويقعد السلطان على السرير وعلى يمينه الخاتون طيطغلي وتليها الخاتتون كبك. وعلى يساره الخاتون بيلون وتليها الخاتون أردجي. ويقف أسفل السرير عن اليمين ولد السلطان تين بك. وعن الشمال ولده الثاني جان بك. وتجلس بين يديه ابنته آيت كججك. وإذا أتت إحداهن قام لها السلطان وأخذ بيدها حتى تصعد على السرير. وأما طيطغلي وهي الملكة وأحظاهن عنده فإنه يستقبلها إلى باب القبة فيسلم عليها ويأخذ يدها. فإذا صعدت السرير وجلست حينئذ يجلس السلطان. وهذا كله على أعين الناس دون احتجاب.

ويأتي بعد ذلك كبار الأمراء فتنصب لهم كراسيهم عن اليمين والشمال. وكل إنسان منهم إذا أتى مجلس السلطان يأتي معه غلام بكرسيه ويقف بين يدي السلطان أبناء الملوك من بني عمه وإخوته وأقاربه. ويقف في مقابلتهم عند باب القبة أولاد الأمراء الكبار. ويقف خلهم وجوه العساكر عن يمين وشمال. ثم يدخل الناس للسلام الأمثل فالأمثل ثلاثة ثلاثة. فيسلمون ونيصرفون فيجلسون على بعد. فإذا كان بعد صلاة العصر انصرفت الملكة من الخواتين ثم ينصرف سائرهن فيتبعنها إلى محلتها. فإذا دخلت إليها انصرفت كل واحدة إلى محلتها راكبة عربتها ومع كل واحدة نحو خمسين جارية راكبات على الخيل. وأمام العربة نحو عشرين من قواعد النساء راكبات على الخيل فيما بين الفتيان والعربة. وخلف الجميع نحو ماية مملوك من الصبيان. وأمام الفتيان نحو ماية من المماليك الكبار ركبانا ومثلهم مشاة بأيديهم القضبان والسيوف مشدودة على أوسطاهم وهم بين الفرسان والفتيان وهكذا ترتيب كل خاتون منهم في إنصرافها ومجيئها.

وكان نزولي من المحلة في جوار ولد السلطان جان بك الذي يقع ذكره فيما بعد. وفي الغد من يوم وصولي دخلت إلى السلطان بعد صلاة العصر وقد جمع المشايخ والقضاة والفقهاء والشرفاء والفقراء. وقد صنع طعاماً كثيراً وأفطرنا بمحضره. وتكلم السيد الشريف نقيب الشرفاء ابن عبد الحميد والقاضي حمزة في شأني بالخير. وأشاورا على السلطان باكرامي. وهؤلاء الأتراك لا يعرفون أنزال الوارد ولا إجراء النفقة وإنما يبعثون له الغنم والخيل للذبح وروايا القمز. وتلك كرامتهم. وبعد هذا بأيام صليت صلاة العصر مع السلطان فلما أردت الانصراف أمرني بالقعود وجاءوا بالطعام من المشروبات كما يصنع الدوقي ثم باللحوم المسلوقة من الغنمى والخيلى وفي تلك الليلة أتيت السلطان بطبق حلواء فجعل غصبعه عليه وجعله على فيه ولم يزد على ذلك.

ذكر الخواتين وترتريبهن

وكل خاتون منهن تركب في عربة. وللبيت الذي تكون فيه قبة من الفضة المموهة بالذهب أو من الخشب المرصع. وتكون الخيل التي تجر عربتها مجللة بأثواب الحرير المذهب. وخديم العربة الذي يركب أحد الخيل فتى يدعى القشي. والخاتون قاعدة في عربتها وعن يمينها إمرأة من القواعد تسمى أولو خاتون بضم الهمزة واللام. ومعنى ذلك الوزيرة. وعن شمالها إمرأة من القواعد أيضاً تسمى كجك خاتون بضم الكاف والجيم ومعنى ذلك الحاجبة. وبين يديها ست من الجواري الصغار يقال لهن البنات فائقات الجمال متناهيات الكمال. ومن ورائها منهن تستند إليهن.

وعلى رأس الخاتون البغطاق وهو مثل التاج الصغير مكلل بالجواهر وبأعلاه ريش الطاووس. وعليها ثياب حرير مرصعة بالجواهر شبه المنوت (الملوطة) التي يلبسها الروم. وعلى رأس الوزيرة والحاجبة مقنعة حرير مزركشة الحواشي بالذهب والجواهر. وعلى رأس كل واحدة من النبات الكلا وهو شبه الأقروف وفي أعلاه دائرة ذهب مرصعة بالجواهر وريش الطووايس من فوقها. وعلى كل واحدة ثوب حرير مذهب يسمى النخ.

ويكون بين يدي الخاتون عشرة أو خمسة عشر من الفتيان الروميين والهنديين وقد لبسوا ثياب الحرير المذهب المرصعة بالجواهر وبيد كل واحد منهم عمود ذهب أو فضة. أو يكون من عود ملبس بهما. وخلف عربة الخاتون نحو ماية عربة في كل عربة الثلاث وأربع من الجواري الكبار والصغار. ثيابهن الحرير وعلى رؤوسهن الكلا. وخلف هذه العربات نحو ثلاثمائة عربة تجرها الجمال والبقر تحمل خزائن الخاتون وأموالها وثيابها وأثاثها وطعامها. ومع كل عربة غلام موكل بها متزوج بجارية من الجواري التي ذكرها، فإن العادة عندهم أنه لا يدخل بين الجواري من الغلمان إلا من كان له بينهن زوجة. وكل خاتون فهي على هذا الترتيب ولنذكرهن على الانفراد.

ذكر الخاتون الكبرى

والخاتون الكبرى هي الملكة أم ولدي السلطان جان بك وتين بك. وسنذكرهما. وليست أم ابنته أي كججك. وأمها كانت الملكة قبل هذه واسم هذه الخاتون طيطغلي. بفتح الطاء المهملة الأولى وإسكان الياء آخر الحروف وضم الطاء الثانية وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام وياء مد. وهي أحظى نساء هذا السلطان عنده، وعندها يبيت أكثر لياليه. ويعظمها الناس بسبب تعظيمه لها. وإلا فهي أبخل الخواتين - إلى أن قال: وفي غدي اجتماعي بالسلطان دخلت إلى هذه الخاتون وهي قاعدة فيما بين عشر من النساء القواعد كأنهن خديما لها وبين يديها نحو خمسين جارية صغار يسمون البنات. وبين أيديهن طيافير الذهب والفضة مملوءة بحب الملوك وهن ينقينه. وبين يدي الخاتون صينية ذهب مملوة منه وهي تنقيه فسلمنا عليها. وكان في جملة أصحابي قارئ يقرأ القرآن على طريقة المصريين بطريقة حسنة وصوت طيب. فقرأ ثم أمرت أن يؤتى بالقمز وفأوتي به في أقداح خشب لطاف خفاف. فأخذت القدح بيدها وناولتني إياه وتلك نهاية الكرامة عندهم ولم أكن شربت القمز قبلها ولكن لم يمكنني إلا قبوله وذقته ولا خير فيه ودفعته لأحد أصحابي وسألتني عن كثير من حال سفرنا فأجبانها ثم انصرفنا عنها وكان ابتداؤنا بها لأجل عظمتها عن الملك.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر الخاتون الثانية التي تلي الملكة

واسمها كبك خاتون بفتح الكاف الأولى وفتح الباء الموحدة ومعناه بالتركية النخالة وهي بنت الأمير نغطي واسمه بنون وغين معجمة وطاء مهملة مفتوحات وباء مسكنة وأبوها حي مبتلي بعلة النقرس وقد رأيته. وفي غد دخولنا على الملكة دخلنا على هذه الخاتون فوجدناها على مرتبة تقرأ في المصحف الكريم وبين يديها نحو عشر من النساء القواعد ونحو عشرين من البنات يطرزن ثيابا فسلمنا عليها واحسنت في السلام والكلام وقرأ قارئنا فاستحسنته وأمرت بالقمز فأحضر وناولتني القدح بيديها كمثل ما فعلته الملكة وانصرفنا عنها.

ذكر الخاتون الثالثة

واسمها بيلون بباء موحدة وباء آخر الحروف كلاهما مفتوح ولام مضموم وواو مد ونون. وهي بنت ملك القسطنطينية العظمى السلطان تكفور. ودخلنا على هذه الخاتون وهي قاعدة على سرير مرصع قوائمه فضة وبين يديها نحو مائة جارية روميات وتركيات ونوبيات منهم قائمات وقاعدات والفتيان على رأسها والحجاب بين يديها من رجال الروم. فسألت عن حالنا ومقدمنا وبعد أوطاننا وبكت ومسحت وجهها بمنديل كان بين يديها رقة منها وشفقة. وأمرت بالطعام فأحضر وأكلنا بين يديها وهي تنظر إلينا. ولما أردنا الانصراف قالت لا تنقطعوا عنا وترددوا إلينا وطالعونا بحوائجكم. وأظهرت مكارم الأخلاق وبعثت في أثرنا بطعام وخبز كثير وسمن وغنم ودراهم وكسوة جيدة وثلاثة من جياد الخيل وعشرة من سائرها. ومع هذه الخاتون كان سفري إلى القسطنطينية العظمى كما سنذكره بعد.

ذكر الخاتون الرابعة

واسمها أردجا بضم الهمزة وإسكان الراء وضم الدال المهمل وجيم وألف. وارد بلسنهم المحلة وسميت بذلك لولادتها في المحلة. وهي بنت الأمير الكبير عيسى بك أمير الألوس بضم الهمزة واللام ومعناه أمير الأمراء وأدركته حياً وهو متزوج ببنت السلطان آيت كججك. وهذه الخاتون من أفضل الخواتين وألطفهن شمايل وأشفقهن وهي التي بعثت إلي لما رأت بيتي على التل عند جواز المحلة كما قدمناه. دخلنا عليها فرأينا من حسن خلقها وكرم نفسه ما لا يزيد عليه. وأمرت بالطعام فأكلنا بين يديها ودعت بالقمز فشرب أصحابنا وسألت عن حالنا فأجبناها ودخلنا أيضا إلى أختها زوجة الأمير علي بن أرزق.

ذكر بنت السلطان المعظم أوزبك

اسمها آيت كججك، وآيت بكسر الهمزة وياء مد وتاء مثناة وكججك بضم الكاف وضم الجيمين ومعنى اسمها الكلب الصغير، فإن آيت هو الكلب وكجكك الصغير. وقد قدمنا أن الترك يسمون بالفأل كما تفعل العرب. وتوجهنا إلى هذه الخاتون بنت الملك وهي في محلة منفردة على نحو ستة أميال من محلة والدها. فأمرت بإحضار الفقهاء والقضاة والسيد الشريف ابن عبد الحميد وجماعة الطلبة والمشائخ والفقراء وحضر زوجها الأمير عيسى الذي ينته زوجة السلطان. وفقعد معها على فراش واحد وهو معتل بالنقرس فلا يستطيع التصرف على قدميه ولا ركوب الفرس. وإنما يركب العربة وإذا أراد الدخول على السلطان أنزله خدامه وأدخوله إلى المجلس محمولاً. وعلى هذه الصورة رأيت أيضاً الأمير نغطي وهو أبو الخاتون الثانية وهذه العلة فاشية في هؤلاء الأتراك. ورأينا من هذه الخاتون بنت السلطان من المكارم وحسن الأخلاق ما لم نره من سواها وأجزلت الأحسان وأفضلت. جزاها الله خيراً.

ذكر ولدي السلطان

وهما شقيقان وأمهما جميعاً الملكة طيطغلي التي قدمنا ذكرها. والأكبر منهما اسمه تين بك بتاء معلوة مكسورة وياء مد ونون مفتوح وبك معناه الأمير وتين معناه الجسد فكأنه اسمه أمير الجسد. واسم أخيه جان بك بفتح الجيم وكسر النون. ومعنى جان الروح. فكأنه يسمى أمير الورح. وكل واحد منهما له محلة على حدة.

وكان تين بك من أجمل خلق الله صورة وعهد له أبوه الملك وكانت له الحظوة والتشريف عنده ولم يرد الله ذلك فإنه لما مات أبوه ولى يسيراً ثم قتل لأمور قبيحة جرت له. وولى أخوه جان بك وهو خير منه وأفضل. وكان السيد الشريف ابن عبد الحميد هو الذي تولى تربية جان بك. وأشار علي هو والقاضي حمزة والإمام بدر الدين القوامي والإمام المقريء حسام الدين البخاري وسواهم حين قدومي أن يكون نزولي بمحلة جان بك المذكور لفضله ففعلت ذلك.

ذكر سفري إلى مدينة بلغار

وكنت سمعت بمدينة بلغار فأردت التوجه إليها لأرى ما ذكر عنها من انتهاء قصر الليل بها وقصر النهار ايضاً في عكس ذلك الفصل. وكان بينها وبين محلة السلطان مسيرة عشر. فطلبت منه من يوصلني إليها فبعث معي من أوصلني إليها وردني إليه ووصلتها في رمضان. فلما صلينا المغرب أفطرنا وأذن العشاء في أثناء إفطارنا فصليناها وصلينا التروايح والشفع والوتر وطلع الفجر إثر ذلك. وكذلك يقصر النهار بها في فصل قصره أيضاً وأقمت بها ثلاثاً.

ذكر أرض الظلمة

وكنت أردت الدخول إلى أرض الظلمة والدخول إليها من بلغار وبينهما مسيرة اربعين يوماً. ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤنة فيه وقلة الجدوى. والسفر إليها لا يكون إلا في عجلات صغار تجرها كلاب كبار. فإن تلك المفازة فيها الجليد فلا يثبت قدم لآدمي ولا حافر الدابة فيها. والكلاب لها الأظفار فتثبت أقدامها في الجليد ولا يدخلها إلا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مائة عجلة أو نحوها موقرة بطعامه وشرابه وحطبه فإنها لا شجر فيها ولا حجر ولا مدر.

والدليل يتلك الأرض هو الكلب الذي قد سار فيها مراراً كثيرة وتنتهي قيمته إلى ألف دينار ونحوها. وتربط العربة إلى عنقه ويقرن معه ثلاثة من الكلاب ويكون هو المقدم وتتبعه سائر الكلاب بالعربات. فإذا وقف وقفت. وهذا الكلب لا يضربه صاحبه ولا ينهره. وإذا حضر الطعام أطعم الكلاب أولاً قبل بني آدم وإلا غضب الكلب وفر وترك صاحبه للتلف. فإذا كملت للمسافرين بهذه الفلاة أربعون مرحلة نزلوا عند الظلمة وترك كل واحد منهم ما جاء به من المتاع هنالك وعادوا إلى منزلهم المعتاد. فإذا كان من الغد عادوا لتفقد متاعهم فيجدون بإزائه من السمور والسنجاب والقلقم. فإن أرضي صاحب لمتاع ما وجده إزاء متاعه أخذه. وإن لم يرضه تركه فيزيدونه وربما رفعوا متاعهم. أعني أهل الظلمة. وتركوا متاع التجار.

وهكذا بيعهم وشراءهم ولا يعلم الذين يتوجهون إلى هنالك من يبايعهم ويشاريهم أمن الجن أم من الإنس ولا يرون أحداً. والقلقم هو أحسن أنواع الفراء. وتساوي الفروة منه ببلاد الهند ألف دينار. وصرفها من ذهبنا مائتان وخمسون. وهي شديدة لابياض من جلد حيوان صغير في طول الشبر وذنبه طويل يتركونه في الفروة على حاله. والسمور دون ذلك تساوي الفروة منه أربعمائة دينار فمادونها. ومن خاصية هذه الجلود أنه لا يدخلها القمل. وأمراء الصين وكبارها يجعلون منه الجلد الواحد متصلاً بفرواتهم عند العنق. وكذلك تجار فارس والعراقيين. وعدت من مدينة بلغار مع الأمير الذي بعثه السلطان في صحبتي فوجدت محلة السلطان على الموضع المعروف ببش دغ وذلك في الثامن والعشرين من رمضان. وحضرت معه صلاة العيد وصادف يوم العيد يوم الجمعة.

ذكر ترتيبهم في العيد

ولما كان صباح يوم العيد ركب السلطان في عساكره العظيمة. وركبت كل خاتون عربتها ومعها عساكرها، وركبت بنت السلطان والتاج على رأسها إذ هي الملكة الحقيقية ورثت الملك من أمها. وركب أولاد السلطان كل واحد في عسكره. وكان قد قدم لحضور العيد قاضي القضاة شهاب الدين السايلي ومعه جماعة من الفقهاء والمشائخ فركبوا وركب القاضي حمزة والإمام بدر الدين القوامي والشريف ابن عبد الحميد.

وكان ركوب هؤلاء الفقهاء مع تين بك ولي عهد السلطان ومعهم الأطبال والأعلام. فصلى بهم القاضي شهاب الدين. وخطب أحسن خطبة وركب السلطان وإنتهى إلى برج خشبي يسمى عندهم الكشك. فجلس فيه ومعه خواتينه. ونصب برج ثاني دونه فجلس فيه ولي عهده وابنته صاحبة التاج. ونصب برجان دونهما عن يمينه وشماله فيهاما أبناء السلطان وأقاربه. ونصبت الكراسي للأمراء وأبناء الملوك وتسمى الصندليات عن يمين البجر وشماله فجلس كل واحد على كرسيه. ثم نصبت طبلات للرمي لكل أمير طومان طبلة مختصة به. وأمير طومان عندهم هو الذي يركب له عشرة آلاف فكان الحاضرون من أمراء طومان سبعة عشر يقودون مائة وسبعين ألفاً وعسكره أكثر من ذلك.

ونصب لكل أمير شبه منبر. فقعد عليه وأصحابه يلعبون بين يديه فكانوا على ذلك ساعة. ثم أتى بالخلع فخلعت على كل أمير خلعة. وعندما يلبسها يأتي إلى أسفل برج السلطان فيخدم. وخدمته أن يمس الأرض بركبته اليمنى ويمد رجله تحتها والأ×رى قائمة. ثم يؤتى بفرس مسرج ملجم فيرفع حافره ويقبل فيه الأمير ويقوده بنفسه إلى كرسيه. ثم ينزل السلطان عن البرج ويركب الفرس وعن يمينه ابنه وولي العهد وتليه بنته الملكة آيت كججك. وعن يساره ابنه الثاني وبين يديه الخواتين الأربع في عربات مكسوة بأثواب الحرير المذهب، والخيل التي تجرها مجللة بالحرير المذهب. وينزل جميع الأمراء الكبار والصغار وأبناء الملوك والوزراء والحجاب وأرباب الدولة فيمشون بين يدي السلطان على اقدامهم إلى أن يصل إلى الوطاق. والوطاق بكسر الواو وهو أفارج وقد نصبت هناك باركة (باركاه) عظيمة.

والباركة هندهم بيت كبير له أربعة أعمدة من الخشب مكسوة بصفائح الفضة المموهة بالذهب وفي أعلى كل عمود جامور من الفضة المذهبة له بريق وشعاع. وتظهر هذه الباركة على البعد كأنها ثنية ويوضع عن يمينها ويسارها سقائف من القطن والكتان. ويفرش ذلك كله بفرش الحرير. وينصب في وسط الباركة السرير الأعظم. وهم يسمونه التخت. وهو من خشب مرصع وأعواده مكسوة بصفائح فضة مذهبة. وقوائمه من الفضة الخالصة المموهة. وفوقه فرش عظيم.

وفي وسط هذا السرير الأعظم مرتبة يجلس بها السلطان والخاتون الكبرى. وعن يمينه مرتبة جلست عليها بنته آيت كججك ومعها الخاتون أردجا. وعن يساره مرتبة جلست عليها الخاتون بيلون ومعها الخاتون كبك. ونصب عن يمين السرير كرسي قعد عليه تين بك ولد السلطان. ونصب عن شماله كرسي قعد عليه جان بك ولده الاثني. ونصبت كراسي عن اليمين والشمال جلس فوقها أبناء الملوك والأمراء الكبار، ثم الأمراء الصغار مثل إمرأة هزارة. وهم الذين يقودون الفا. ثم أتى بالطعام على مائد الذهب والفضة. وكل مائدة يحملها أربعة رجال أو أكثر من ذلك.

وطعامهم لحوم الخيل والغنم المسلوقة. وتوضع بين يدي كل أمير مائدة ويأتي الباورجي وهو مقطع اللحم وعليه ثياب حرير وقد ربط فوقها فوطة حرير وفي حزامه جملة سكاكين في أغمادها. ويكون لكل أمير باورجي فإذا قدمت المائدة قعد بين يدي أميره ويؤتى بصحفة صغيرة من الذهب أو الفضة فيها ملح محلول بالماء. فيقطع الباورجي اللحم قطعاً صغاراً، ولهم في ذلك صنعة في قطع اللحم مختلطاً بالعظم. فأنهم لا يأكلون منه إلى ما إختلط بالعظم. ثم يؤتى بأواني الذهب والفضة للشرب. وأكر شربهم نبيذ العسل. وهم حنفية المذهب يحللون النبيذ.

فإذا أراد السلطان أن يشرب أخذت بنته القدح بيدها وخدمت برجلها ثم ناولته القدح فشرب. ثم تأخذ قدحاً آخر فتناوله للخاتون الكبرى فتشرب منه. ثم تناول لسائر الخواتين على ترتيبهن. ثم يأخذ ولي العهد القدح ويخدم ويناول أباه فيشرب. ثم يناول الخواتين ثم أخته ويخدم لجميعهن. ثم يقوم الولد الثاني فيأخذ القدح ويسقي أخاه ويخدم له. ثم يقوم الأمراء الكبار فيسقي كل واحد منهم ولي العهد ويخدم له. ثم يقوم أبناء الملوك فيسقي كل واحدج منهم هذا الابن الثاني ويخدم له. ثم يقوم الأمراء الصغار فيسقون أبناء الملوك ويغنون أثناء ذلك بالملالية (بالموالية).

وكانت قد نصبت قبة كبيرة ايضاً إزاء المسجد للقاضي والخطيب والشريف وسائر الفقهاء والمشائخ وأنا معهم. فأوتينا بموائد الذهب والفضة يحمل كل واحد أربعة من كبار الأتراك. ولا يتصرف في ذلك اليوم بين يدي السلطان إلا الكبار فيأمرهم برفع ما أراد من الموائد غلى من أراد. فكان من الفقهاء من أكل ومنهم من تورع عن الأكل في موائد الفضة والذهب. ورأيت مد البصر عن اليمين والشمال من العربات عليها روايا القمز. فأمر السلطان بتفريقها على الناس. فأتوا إلي بعربة منها فأعطيتها لجيراني من الأتراك، ثم أتينا المسجد ننتظر صلاة الجمعة فأبطأ السلطان. فمن قائل إنه لا يأتي لأن السكر قد غلب عليه. ومن قائل أنه لا يترك الجمعة. فلما كان بعد تمكن الوقت أتى وهو يتمايل فسلم على السيد الشريف وتبسم له وكان يخاطبه بآطا وهو الأب بلسان التركية. ثم صلينا الجمعة وانصرف الناس إلى منازلهم وانصرف السلطان إلى الباركة. فبقى على حاله إلى صلاة العصر ثم إنصرف الناس أجمعون. وبقى مع الملك تلك اليلة خواتينه وبنته.

مدينة الحاج ترخان

ثم كان رحيلنا مع السلطان والمحلة لما إنقضى العيد فوصلنا إلى مدينة الحاج ترخان. ومعنى ترخان عندهم الموضع المحرر من المغارم. وهو بفتح التاء المثناة وسكون الراء وفتح الخام المعجم وآخرهنون. والمنسوب إليه هذه المدينة هو حاج من الصالحين تركي. نزل بموضعها وحرر له السلطان ذلك الموضع فصار قرية ثم عظمت وتمدنت وهي من أحسن المدن عظيمة الأسواق مبنية على نهر أتل وهو من أنهار الدنيا الكبار.

وهنالك يقيم السلطان حتى يشتد البرد ويجمد هذا النهر وتجمد المياه المتصلة به. ثم يأمر أهل تلك البلاد فيأتون بالآلاف من أحمل التبن فيجعلونها على الجليد المنعقد فوق النهر. والتبن هنالك لا تأكله الدواب لأنه يضرها وكذلك ببلاد الهند وإنما أكلها الحشيش الأخضر لخصب البلاد. ويسافرون بالعربات فوق هذا النهر والمياه المتصلة به ثلاث مراحل وربما جازت القوافل فوقه مع آخر فصل الشتاء فيغرقون ويهلكون.

ولما وصلنا مدينة الحاج ترخان رغبت الخاتون بيلون ابنة ملك الروم من السلطان أن يأذن لها في زيارة ابيها لتضع حملها عنده وتعود إليه. فأذن لها ورغبت منه في أن يأذن لي في التوجه صحبتها لمشاهدة القطسنطينية العظمى فمنعني خوفاً عي. فلاطفته وقلت له إنما أدخلها في حرمتك وجوارك فلا أخاف من أحد. فأذن لي وودعناه ووصلني بألف وخمسمائة دينار وخلعه وأفراس كثيرة وأعطتني كل خاتون منهن سبائك الفضة وهم يسمونها الصوم فتح الصاد المهمل واحدتها صومة وأعطت بنته أكثر منهن وكستني وأركبتني واجتمع لي من الخيل والثياب وفروات السنجاب والسمور جملة .أ.هـ.

سبب هذه الحرب

كانت روسيا تطمح في روسيا بأنظارها إلى إمتلاك الأستانة في كل وقت وزمن كما يعلم ذلك الخاص والعام. وكانت في كل فرصة ولو تافهة تسنح لها وتدنيها من قصدها، وهو شن الغارة على تركيا لتقتطع منها شيئاً من ممتلكاتها وتصل بذلك إلى تحقيق بغيتها، لا تحجم عن انتهازها والانقضاض عليها.

وقد كان الباعث الحقيقي على هذه الحرب مطامع القيصر نيقولا الأول الموجهة نحو الأستانة. فقد تذرع هذا القيصر بشجار نشب بين الرهبان على أثر انتزاع قسس الاغريق المشمولين برعايته الروحية جملة أديرة لرهبان الأراضي المقدسة. فرفع هؤلاء شكواهم إلى السلطان عبد المجيد زاعمين أنه مستظلون بحماية دولة فرنسا.

فعين السلطان لجنة مؤلفة من فرنسيين وإغريق وكلفها تحقيق هذا النزاع. وتحت تأثير ضغط القيصر أصدر السلطان فرماناً روعي فيه مصلحة الإغريق. فشجع هذا العمل القيصر نقولا فأرسل إلى الأستانة الأمير منتشيكوف prince Mentchikof وأوعز إليه أن يطلب من الباب العالي الاعتراف بحماية القيصر لكافة المسيحيين الأغريق المقيمين في الامبراطورية العثمانية. فأبى الباب العالي إجابة هذا الطلب.

وفي 5 مايو 1853م قدم منتشيكوف إنذاراً نهائياً إلى الباب العالي ضمنه معنى هذا الطلب فصمم على رفضه وعلى ذلك أصدر القيصر نقولا أمراً بجنوده بالزحف والإغارة على إمارتي الدانوب فاشتعلت نيران هذه الحرب.

عباس باشا الأول ومساعدته في هذه الحرب

ولما رأى السلطان عبد المجيد أن شبح الحرب يتهدد سلامة الدولة طلب من عباس باشا الأول والي مصر أن يرسل نجدة من الجنود المصرية. فامتثل الوالي وأمر بتعبئة أسطول مكون من إثنتي عشرة سفينة مزودة ب642 مدفعاً و6.850 جندياً بحرياً بقيادة أمير البحر المصري حسن باشا الإسكندراني وتعبئة جيش بري بقيادة الفريق سليم فتحي باشا مؤلف من ستة آلايات بيادة وهي 9 جي و10 جي و11 جي و12 جي و13 جي و14 جي بيادة ومجموعها 15.704 جنود ومن ىلاي 9 جي سواري ومجموعه 1.391 جندياً، وألاي 3 جي طوبجية ومجموعه 2.727 جندياً. وعدد بطارياته 12 بطارية كل منها ستة مدافع فيكون مجموع مدافعه 72 مدفعاً. ويكون مجموع هذا الجيش البري 19.722 جندياً. هذا عدا ما أرسله الوالي بعد ذلك من الجنود والمال لمساعدة الدولة في هذه الحرب كما سيتبين لك فيما بعد.

كيف ألف الجيش البري لهذه النجدة

ولم تؤخذ هذه الجنود المتباينة الأسلحة من الجيش العامل بل أخذت من جنود الاحتياطي الذين كان معظمهم قد خاض معامع القتال في سورية تحت إمرة ابراهيم باشا الكبير. وكان الجيش العامل وقتئذ مؤلفاً من ثمانية ألايات بيادة، وثمانية آلايات سواري وألايين من الطوبجية ولذا سما الألاي الأول من ألايات البيادة التي تكونت منها هذه النجدة 9 جي ألاي بيادة وألاي السواري 9 جي ألاي سواري وألاي الجوبجية 3 جي ألاي طوبجية. وكان متوسط عدد ألاي البيادة في هذه النجدة 2.617 جندياً. أما الجيش العامل فمتوسط ألاي البيادة فيه 5.788 جندياً.

وكان غرض عباس باشا الأول من طريقة مضاعفة عدد جنود الألايات عدم إيقاظ مخاوف تركيا من جهة العدد الحقيقي الذي يتكون منه الجيش المصري. لأنها عندما تنظر إليه من ناحية عدد وحداته دون ما تحويه كل وحدة منها حسب النظام المتبع تقدره بنصف عدده الحقيقي. وكانت هذه الطريقة متبعة أيضاً في كل وحدات الأسلحة المختلفة في الجيش المصري.

قوة الجيش المصري العامل

ولما كنا قد أتينا على ذكر طريقة تأليف الجيش الذي أرسل لمساعدة الدولة في حرب القرم فيحسن بنا أن نذكر لهذه المناسبة قوة الجيش الذي كان تحت السلاح في القطر المصري بصفة مستديمة حتى يلم القارئ بها. وها هو بيان قوته في سنة 1853م:

البيادة

"عدد ضباط وصف ضباط وعسكر"
العدد الألاي
4.345 1 جي غارديا بقيادة اللواء خورشد باشا
5.384 2 جي غارديا بقيادة اللواء حسين باشا
5.482 3 جي غارديا بقيادة اللواء مصطفى باشا
5.654 1 جي بيادة بقيادة أميرألاي عبد الرزاق بك
6.020 2 جي بيادة بقيادة أميرألاي محمود بك
6.173 3 جي بيادة بقيادة أميرألاي عثمان بك
5.000 4 جي بيادة بقيادة أميرألاي عثمان بك
6.092 5 جي بيادة بقيادة أميرألاي علي غالب بك
6.336 6 جي بيادة بقيادة أميرألاي إسماعيل بك
6.548 7 جي بيادة بقيادة أميرألاي مصطفى بك
4.484 8 جي بيادة بقيادة أميرألاي عثمان بك
8.230 1 جي بيادة سودان بقيادة أميرألاي حسن بك
69.748 جملة البيادة

ملاحظات:

1- قواد ألايات الغارديا ضباط برتبة لواء لاعتبارها وحدات ممتازة عن غيرها.

2- ألايا الغارديا كل ألاي مكون من 6 أورط وكل أورطة مكونة من 8 بلوكات.

3- الألايات الأخرى الثمانية كل ألاي مكون من 6 أورط وكل أورطة مكونة من 4 بلوكات.

4- لم نعثر في المصادر التي تحت أيدينا على عدد جنود الألاي 4 جي بيادة وقد قدرنا له عدداً يتناسب مع باقي الألايات.

5- ألاي السودان مكون من 5 أورط وكل أورطة مكونة من 8 بلوكات وملحق به بلوك طوبجية مجموعه 200 جندي بمدافعهم.

6- أمير الألاي علي غالب بك ترقى فيما بعد إلى رتبة فريق وكان ناظراً للجهادية (أي الحربية) في بدء نظارة شريف بك أول عهد المغفول له الخديوي توفيق باشا وبعد الاحتلال شغل وظيفة وكيل الحربية.

السواري

"عدد ضباط وصف ضبط وعسكر"
العدد الألاي
1.338 1 جي غارديا بقيادة أميرألاي خورشد بك (لواء الغارديا سليم باشا)
1.338 2 جي غارديا بقيادة أميرألاي محمد بك (لواء الغارديا سليم بك)
1.228 1 جي سواري مزارق بقيادة أميرألاي ابراهيم بك
1.152 1 جي سواري مزراق بقيادة أميرألاي محمد بك
830 2 جي سواري مزراق بقيادة أميرألاي شاهين بك
1.095 3 جي سواري بقيادة أميرألاي عثمن بك
876 4 جي سواري بقيادة أميرألاي محمد بك
1.359 5 جي سواري بقيادة أميرألاي حسين بك
851 6 جي سواري بقيادة أميرألاي حسين بك
768 7 جي سواري بقيادة أميرألاي علي فهمي بك
742 8 جي سواري بقيادة أميرألاي علي رضا بك
11.628 جملة السواري

ملاحظات:

ألايات السواري مكونة من 6 أورطة تحت قيادة ضابط برتبة يوزباشي. ويوجد غير أمير الألاي قائمقام قائد ثاني وبكباشيان.

طوبجية الميدان

"عدد ضباط وصف ضبط وعسكر"
العدد الألاي
2.526 1 جي طوبجية بيادة قيادة أميرألاي مصطفى بك
2.763 2 جي طوبجية بيادة قيادة أميرألاي حين بك
1.486 ألاي طوبجية سراي (القائد غير معروف)
6.775 جملة طوبجية الميدان

ملاحظات:

1- كل ألاي مكون من طوبجية الميدان بيادة مكون من 4 أورطة تحت قيادة ضابط برتبة بكباشي وبها 3 بطاريات ولكل بطارية 6 مدافع فيكون عدد مدافع الأورطة 18 مدفعاً وعدد مدافع الألاي 72 مدفعاً.

2- ألاي الطوبجية السواري بهع 4 بطاريات وكل بطارية بها 6 مدافع فيكون عدد مدافعه 24 مدفعاً.

طوبجية السواحل

"عدد ضباط وصف ضبط وعسكر"
العدد الألاي
2.953 1 جي طوبجية سواحل بقيادة أميرألاي سليمان بك
2.842 2 جي طوبجية سواحل بقيادة أميرألاي علي بك
5.796 جملة طوبجية السواحل
12.571 جملة الطوبجية

ملاحظة:

كل ألاي من طوبجية السواحل مكون من 4 بلوكات تحت قيادة ضابط برتبة بكباشي.

جملة القوات المشاركة

"عدد ضباط وصف ضبط وعسكر"
العدد الألاي
69.748 البيادة
11.628 السواري
6.775 طوبجية الميدان
5.796 طوبجية السواحل
93.947 جملة الألايات

وهذا الجيش بلغ غاية النظام واستكمل العدد والعدة. وإلى القارئ ييان تأليف ألاي من ألاياته وهو 1 جي بيادة ليعلم مقدار ما كان عليه من كامل الاستعداد والترتيب:


6||الكتبة
1 كاتب أول
5 كتبة 140||بلوك الورشة
1 يوزباشي
1 ملازم أول
1 ملازم ثاني
137 صف ضباط وعسكر 865||1 جي أورطة
865 صف ضباط وعسكر
"بيان تأليف ألاي 1 جي"
العدد التشكيل
2 القائد
1 أميرألاي قائد أول
1 قائمقام قائد ثاني
10 ضباط أركن الحرب
1 بكباشي
2 صاغقول أغاسيان
2 يوزباشيان
2 ملازمان أولان
3 ملازمون ثانون
114 ضباط الأورط
6 بكباشية
6 صاغقول أغاسيه
6 صوقول أغاسين
24 يوزباشياً
24 ملازما أول
48 ملازما ثانيا
2 علمدار
1 علمدار أول يوزباشي
1 علمدار ثاني ملازم أول
6 مشايخ
6 أئمة الأورط
21 القسم الطبي
1 طبيب أول يوزباشي
1 طبيب ملازم أول
2 طبيب ملازم ثاني
1 أجزجي ملازم أول
1 ناظر المستشفى ملازم أول
15 تمرجية
56 بلوك الموسيقىر1 تعليمجي يوزباشي
55 صف ضباط وعسكر
115 بلوك الصناعية
1 يوزباشي
1 ملازم أول
1 ملازم ثاني
112 صف ضباط وعسكر
894 2 جي أورطة
894 صف ضباط وعسكر
885 3 جي أورطة
885 صف ضباط وعسكر
858 4 جي أورطة
858 صف ضباط وعسكر
841 5 جي أورطة
841 صف ضباط وعسكر
839 6 جي أورطة
839 صف ضباط وعسكر
5.654 الجملة ضباط وصف ضباط وعسكر

عناية عباس يجمع أورط هذه النجدة

وفي 21 رمضان سنة 1269 هـ - 28 يونيو سنة 1853م أمر الوالي عباس باشا الأول بالإسراع في جمع أورط هذه النجدة وإرسالها أول فأول إلى الإسكندرية لتسافر منها بحراً وأن يصرف لكل فرد من ضباطها وعساكرها مرتب ثلاثة أشهر مقدماً للإنفاق منها على حوائجهم الشخصية.

إرادة سنية إلى الكتخدا بذلك

إرادة سنية صادرة إلى الكتخدا بتاريخ 21 رمضان سنة 1269 رقم 114 ومقيدة بدفتر تركي صادر المعية بالصفحة رقم 109، وهاك نص الارادة السنية التي صدرت بهذا الخصوص:

«لاستصوابنا أن يصرف لكل فرد من ضباط وعساكر البرية المقتضى إرسالهم إلى ذاك الطرف ثلاثة أشهر مقدماً تحت الحساب من استحقاقاتهم لأجل أن يقضوا لوازمهم الشخصية. كرأي سعادتكم بإفادتكم المؤرخة 21 رمضان سنة 1269 يلزم المبادرة بصرفها حسب المشروح. ثم إن الأورط الذي يصير إستكمالها مع ضباطها يلزم بذل الاهتمام بإرسالها أورطة أورطة أول فأول إلى الإسكندرية حسب إشعار أمس. وكذك عند استكمال ترتيب الألايات تعين ميرالاياتها وترسل أيضا. وحيث يجب أيضاً أن يصرف للبحرية المسافرين بالسفن الجاري تجهيزها التي ستتحرك بعد عشرة أيام أو خمسة عشر يومأً جزء من ماهيتها فيلزم طلب كشوفاتهم قبل ساعة واستحضار النقود التي تلزم وتجهزيها. ونظراً لأهمية هذه المصلحة فالأمل من عظوفتكم الاسراع في إنجاز ذلك بكل دقة واعتناء وهذا. مطلوبنا،


من بنها

ختم

عباس الأول»


إرادة سنية بتعيين قبودانات سفن الأسطول المصري في النجدة البحرية

وفي 24 رمضان من السنة المذكورة (أول يوليو سنة 1853م) أصدر الوالي إلى ابراهيم باشا الألفي بك محافظ الإسكندرية الإرادة السنية الآتية بتعيين القبودانات الواردة أسماؤهم فيها لسفن الأسطول المصري. وهك نص هذه الارداة:

ارادة سنية ومعها بيان السفن التي سافرت مع الحملة للأستانة مؤرخة في 24 رمضان سنة 1269 ومقيدة بالدفتر رقم 484 بالصفحة رقم 112 تحت رقم 63:

1 السفينة مفتاح جهاد غليون، قبودانها القائمقام طاهر بك
1 السفينة جهاد أباد غليون، قبودانها القائمقام خليل بك
1 السفينة فيوم أباد غليون، قبودانها القائمقام محمود بك
1 السفينة رشيد من نوع الفرقتين. قبودانها البكباشي مرجان قبطان
1 السفينة شير جهاد من نوع الفرقتين، قبودانها البكباشي خورشد قبودان
1 السفينة دمياط من نوع الفرقتين، قبودانها البكباشي أحمد شاهين قبودان
1 السفينة بحيرة من نوع الفرقتين، قبودانها البكباشي حجازي أحمد قبودان
1 السفينة النيل من نوع الفرقتين، قبودانها القائمقام عبد الحميد قبودان
1 السفينة جناح بحري، قروت، قبودانها الصاغقول أغاسي زنيل قبودان
1 السفينة جهاد بيكر، قروت، قبودانها الصاغقول أغاسي حسن الأرناؤطي قبودان
1 وابور بروانه بحري، قبودانه الصاغقول أغاسي صالح قبودان
1 وابور جولييت صاعقة، قبودانه الصاغقول أغاسي طاهر قبودان
12 المجموع 12 قطعة

إلى ألفي بك محافظ الإسكندرية

بناء على الأفادتين الواردتين من طرفكم رقم 5 و22 رمضان سنة 1269 (12 و29 يونيو سنة 1853م) بخصوص قبودانات الإثنتي عشر سفينة التي ستسافر للأستانة قد اقتضت ارادتنا بتعيين القبودانات المحررة أسماؤهم أعلاه كل منهم قبوداناً للسفينة المحرر اسمه أمامها. وقد حرر لعلمكم بذلك والاجراء على مقتضاه،

24 شهر رمضان سنة 1269.

من بنها

ختم عباس الأول


النجدة البحرية المصرية

الفريق حسن باشا الاسكندراني أمير البحر

عهد بقيادة العمارة البحرية المصرية أو الأسطول المصري في هذه الحرب إلى أمير البحر الفريق حسن باشا المصري الذي كان أصله من مماليك محمد علي باشا ثم درس فنون البحرية في فرنسا إذ كان تلميذاً في البعثة العلمية التي أرسلت إليها عام 1826م. وهو جد المرحومبين الباشوات محمد محسن وحسن محسن وأحمد محسن من أهالي الإسكندرية. وقد سمي باسم حسن باشا الإسكندراني الشارع المعروف باسمه فيها. وكان هذا الأسطول مؤلفاً من إثنتي عشرة قطعة مختلفة الطول والحكم ومزوداً بالميرة والذخيرة.

بيان قطع الأسطول المصري في هذه النجدة وجنودها ومدافعها

وهاك بيان قطع هذا الأسطول وعدد مدافع كل قطعة وجنودها:


عدد الجنود الوصف
1 الفريق حسن باشا الإسكندراني قائد عام الجيش البحري
50 أركان حرب وتوابع الفرقة
1040 الغلين مفتاح جهاد وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام طاهر بك
1040 الغليون جهاد أباد وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام خليل بك
1040 الغليون الفيوم وبه 100 مدفع بقيادة محمود بك
631 الفرقاطة رشيد وبه 60 مدفع بقيادة البكباشي مرجان قبودان
631 الفرقاطة شير جهاد وبه 60 مدفع بقيادة البكباشي خورشد قبودان
631 الفرقاطة دمياط وبه 60 مدفع بقيادة البكباشي أحمد شاهين قبودان
631 الفرقاطة البحيرة وبها 60 مدفعاً بقيادة البكباشي حجازي أحمد قبودان
371 وابور النيل وبه 30 مدفعاً بقيادة القائمقام عبد الحميد قبودان
213 قرويت جناح بحري وبه 24 مدفعاً بقيادة الصاغقول أغاسي زنيل قبودان
213 قرويت جهاد بيكر وبه 24 مدفعاً بقيادة الصاغقول أغاسي حسن نؤوود قبودان
179 جويليت الصاعقة وبه 12 مدفعاً بقيادة الصاغقول أغاسي طاهر قبودان
179 الوابور بروانه بحري وبه 12 مدفعاً بقيادة الصاغقول أغاسي صالح قبودان
6850 642

ارادة سنية بصرف ثلاثة أشهر من مرتبات جنودها مقدماً

وفي 27 رمضان سنة 1269 هـ (4 يوليو سنة 1853م) أصدر الوالي عباس الأول إلى ابراهيم ألفي بك محافظ الإسكندرية الارادة السنية الآتية بصرف ثلاثة أشهر مقدماً للضباط البحريين الذين سيسافرون بمعية الفريق حسن باشا الإسكندراني أمير الأسطول المصري لقضاء لوازمهم. وها هي:

ارادة سنية إلى ألفي بك محافظ الإسكندرية رقم 66 مقيدة بالدفتر رقم 484 بالصفحة 123.

حيث إن الحالة تقضي بصرف ثلاثة اشهر مقدماً للضباط الذين سيسافرون بمعية حسن باشا قومندان سفن الجهادية من مساعد لغاية قائمقام تحت الحساب من ماهياتهم لأجل مشترى ما يلزمهم فلدى وصول ذكل إلى علمكم بادروا باجرائهم. وحرر هذا للمعلومية.

من بنها

27 رمضان سنة 1269

ختم عباس الأول

مفردات قطع الأسطول المصري

وحيث أن أنواع هذه السفن غير مستعملة الآن وأمسى ذكرها أثراً تاريخياً ويهم القارئ الوقوف على نظامها وترتيبها فيجدر بنا أن نذكر فيما يلي بياناً لمفردات كل نوع من هذه السفن الحربية نقلاً عن أوراق دار المحفوظات المصرية. وإليك هذا البيان:

"طاقم الغليون"
1 سواري السفينة قائمقام (قبودان)
1 مفردات السفينة بكباشي
3 صاغقول أغاسيه
2 يوزباشيان أولان
6 يوزباشية ثانون
1 ملازم أول
5 ملازمون ثانون
12 مساعدون أولون
8 مساعدنون ثانون
1 خوجة أول
1 خوجة ثان
1 خوجة ثالث
1 باش رئيس
1 باش رئيس ثاني
1 باش رئيس ثالث
1 امام السفينة
1 طوبجي أول
2 طوبجيان ثانيان
1 طوبجي ثالث
1 دومنجي أول
1 دومنجي ثاني
1 دومنجي ثالث
1 قلفاط
1 بادبان (قماش وئريس القلوع)
1 مرانقوز (نجار)
قوادرمو
1 قلاووظ (دليل)
982 عساكر
1040 المجموع


"طاقم الفرقاطة"
1 سواري السفينة بكباشي (قبودان)
1 مفردات السفينة صاغقول أغاسي
1 يوزباشي أول
3 يوزباشي ثانون
2 ملازمان أولان
3 ملازمون ثانون
10 مساعدون أولاون
4 مساعدون ثانون
1 طبيب السفينة
1 تمرجي السفينة
1 سفينة أغاسي
3 خوجة أول
1 خوجة ثاني
1 باش رئيس
1 باش رئيس ثاني
1 مخزنجي أول
1 إمام السفينة
1 جبخنجي أول
1 جبخنجي ثاني
1 طوبجي باشي أول
1 طوبجي باشي ثاني
1 طوبجي باشي ثالث
1 دومنجي باشي أول (مدير الدفة)
1 دومنجي باشي ثاني
1 دومنجي باشي ثالث
1 باش قلفاط
1 بادبان أول (قماش ورئيس القلوع)
1 بادبانان ثانيان
1 مرنقوز (نجار)
1 بربر أول (حلاق)
1 حداد
581 عساكر
631 المجموع


"طاقم وابور النيل"
1 سواري السفينة قائقمام
1 مفردات السفينة بكباشي
5 يوزباشية أولون
1 يوزباشي ثاني
2 ملازمان أولان
3 ملازمون ثانون
4 مساعدون أولون
2 مساعدان ثانيان
1 طبيب
1 مهندس أول
1 مهندس ثاني
1 خوجة أول
1 خوجة ثاني
1 باش رئيس
1 مخزنجي أول
1 إمام السفينة
1 طوبجي باشي
1 دومنجي باشي
1 دومنجي باشي ثاني
1 قلفاط
1 حداد
3 تلاميذ
336 عساكر
371 المجموع


"طاقم القرويت"
1 سواري السفينة صاغقول أغاسي
1 مفردات السفينة يوزباشي أول
2 يوزباشي ثانينان
3 ملازمون ثانون
5 مساعدون أولون
4 مساعدون ثانون
1 طبيب السفينة
1 خوجة السفينة
1 باش ريس
1 إمام السفينة
1 طوبجي باشي
1 دومنجي باشا
1 قلفاط
190 عساكر
213 المجموع


"طاقم الجويليت"
1 سواري السفينة صاغقول أغاسي
1 مفردات السفينة يوزباشي أول
1 يوزباشي ثاني
3 ملازمون ثانون
4 مساعدون أولون
2 مساعدان ثانيان
1 طبيب
1 خوجة السفينة
1 باش ريس
1 إمام السفينة
1 طوبجي باشي
1 دومنجي باشي
1 دومنجي باشي ثاني
160 عساكر

وأصدر الوالي أيضاً 27 رمضان سنة 1269 هـ أربع إرادات سنية: الاولى إلى رئيس دار صناعة الإسكندرية بتخضير جميع لوزام السفن الحربية وترتيبها. والثانية إلى إبراهيم ألفي بك محافظ الإسكندرية بتنظيم سفينة الإمارة البحرية وإعدادها. والاثنية إلى مارف بك مدير البحيرة بتنفيذ طلبات محافظ الإسكندرية الذين عين مشرفاً على دائرة الفريق حسن باشا الإسكندراني وابعادياته أثناء غيبته في الحرب. والرابعة إلى أمير الألاي مصطفى بك المقيم بالأستانة باختياره في معية أمير البحر المصري. وهاهي الأرادات الأربعة المذكورة:

إرادة سنية بتحضير لوازم السفن الحربية وترتيبها

إرادة إلى مدير ترسانة الإسكندرية رقم 17 مقيدة بالدفتر التركي رقم 484 بالصفحة 113:

"قد اقتضت إرادتنا الكريمة بأن تجروا ترتيب وتجهيز جميع اللوازم الضرورية التي تحتاجها السفن التي ستسافر باتفاقكم مع خير الدين باشا لحين قيام سعادة حسن باشا القومندان كما أن الاشياء التي لم توجد بطرف الميري يجرى مشتراها من الخارج وتنبهون أيضاً خير الدين باشا إلى ذلك شفوياً. فلدى وصول ذلك إلى علمكم تجتهدون وتسعون في إنجاز هذه المصلحة بكل دقة. وحرر هذا للمعلومية،

من بنها

27 رمضان سنة 1269

ختم عباس الأول"

إرادة سنية بتنظيم سفينة أمير البحر وتأثيثها

إرادة إلى ألفي بك محافظ الإسكندرية رقم 67 مقيدة بالدفتر التركي رقم 474 بالصفحة 123:

"حيث أن السفينة التي سيركبها سعادة حسن باشا قومندان سفن الجهدية المصرية يجب أن تكون منتظمة يقتضي تنظيم وفرش القمرات من جانب الميري ومشترى طاقم سفري أيضاً وتسليمه للسفينة المذكورة. وقد حرر هذا للمعلومية،

من بنها

27 رمضان سنة 1269

ختم عباس الأول"


إرادة سنية للعناية بإدارة أشغال دائرة أمير البحر في مدة غيابه في هذه الحرب

إفادة إلى عارف بك مدير البحيرة رقم 23 مقيدة بالدفتر التركي رقم 484 بالصفحة 114:

"حيث إن حسن باشا تعين هذه المرة من قبلنا قومندانا على سفن الجهادية المسافرة للأستانة وقد أناب عنه صاحب العزة ابراهيم الألفي بك محافظ الإسكندرية لأدارة أشغال دائرته مع العهد والأبعادية لحين حضوره فبمجرد وصول هذا وعلمك بذلك تبادرون أنتم أيضاً بتنفيذ طلبات المحافظ المشار إليها فيما يختص بأشغال الباشا المشار إليه وتسويتها حسب أصول المديرية. وقد حرر هذا لكم للمعلومية،

27 رمضان سنة 1269

ختم عباس الأول"


إرادة سنية باختيار أمير الألاي مصطفى بك في معية أمير البحر

إفادة إلى أميرألاي مصطفى بك المقيم بالأستانة رقم 110 مقيدة بالدفتر التركي رقم 484 بالصفحة 110:

"قد إقتضت ارادتنا بأن تكونوا بمعية سعادة حسن باشا المعين هذه المرة قومنداناً على السفن المصرية. فلدى وصول ذلك إلى علمكم تصغون لأوامر وتنبيهات الباشا المشار إليه وتنفذونها حرفياً وتجتهدون في عدم الانحراف عن أوامره ونواهييه. وحرر ذلك للاشعار،

27 رمضان سنة 1269

ختم عباس الأول"

النجدة البرية المصرية الأولى

عهد بقيادة الجيش المصري البري الذي أرسله عباس باشا الأول في بادئ الأمر لمساعدة الدولة في هذه الحرب إلى الفريق سليم فتحي باشا وهو أنبغ تلاميذ سليمان باشا الفرنساوي رئيس أركان حرب الجيش المصري في عهد محمد علي. وتألف هذا الجيش كما ذكرنا آنفاً من ستة ألايات بيادة وهي 9 جي و10 جي و11 جي و12 جي و13 جي و15 جي بيادة. ومن 9 جي ألاي سواري و3 جي ألاي طوبجية. ويتقدم هذه الألايات كلها أركان حرب القائد العام. وكان عدد هذه الألايات جميعها 19.722 جندياً مزودين ب72 مدفعاً.

بيان تأليفها

وقد تألف من هذه الألايات الستة البيادة المذكورة ثلاثة ألوية. فتألف من ألاي 9 جي و10 جي بيادة اللواء الأول بقيادة أمير اللواء إسماعيل باشا أبي جبل والد صاحب السعادة محرم بك أبي جبل من أعيان القاهرة المشهورية. وتألف من ألاي 11 جي و12 جي بيادة اللواء الثاني بقيادة أيمر اللواء علي شكري باشا. ومن ألاي 13 جي و14 جي بيادة اللواء الثالث بقيادة أيمر اللواء سليمان باشا الأرنؤوطي.

أما ألاي السواري والطوبجية فقد تولى قيادتهما أمير اللواء جعفر صادق باشا جد حضرة صاحب العزة جعفر فخري بك وكيل محافظ الإسكندرية سابقاً وحضرة صاحب المعالي محمود فخري باشا سفير مصر في فرنسا حالاً وحضر صاحب العزة سامي عصمت بك مدير أعمال بتفتيش ري قسم ثالث بدمنهور حالاً. وقد صرف لضباط هذه النجدة وجنودها راتب ثلاثة أشهر مقدماً كما ذكره آنفاً لقضاء لوازمهم الشخصية. وإليك بيان قوة النجدة المذكورة:


"عدد ضباط وصف ضباط وعسكر، فرق، ألوية، ألايات، أورط"
1 جي فرقة 1 الفريق سليم فتحي باشا القائد العام للجيش البري
50 أركان حرب وتوابع الفرقة
البيادة 1 (1 جي لواء) (9 جي و10 جي بيادة) أمير اللواء إسماعيل باشا أبو جبل
30 أركان جبل وتوابع اللواء
9 جي بيادة 1 محمد رستم بك: أمير ألاي
1 ابراهيم أدهم بك قائمقام
71 أركان حرب وأقسام الألاي
809 1 جي أورطة: خورشد أفندي بكباشي
708 2 جي أورطة: محمد أفندي بكباشي
773 3 جي أوطرة: حسين راغب أفندي بكباشي
10 جي بيادة 1 حسين بك:أمير ألاي
1 مصطفى بك: قائقمام
41 أركان حرب واقسام الألاي
838 1 جي أورطة: عبد الكريم أفندي بكباشي
991 2 جي أورطة: حسن صادق أفندي بكباشي
994 3 جي أورطة: سليم ساطع أفندي بكباشي
2 جي لواء (11 جي و12 جي بيادة) 1 أمير اللواء علي شكري باشا
30 أركان حرب وتوابع اللواء
11 جي بيادة 1 محمد حافظ بك: أمير ألاي
1 خورشد بك: قائمقام
65: أركان حرب واقسام الألاي
880 1 جي أورطة: داود أغا بكباشي
860 2 جي أورطة: صالح أفندي بكباشي
870 3 جي أورطة: مصطفى أفندي بكباشي
12 جي بيادة 1 الحاج رشوان بك: أمير ألاي
1 عبد الرحمن بك: قائمقام
52 أركان حرب وأقسام الألاي
850 1 جي أورطة: ابراهيم أغا بكباشي
832 3 جي أورطة: عبد الرحمن أفندي بكباشي
3 جي لواء (13 جي و14 جي بيادة) 1 أمير اللواء سليمان باشا الأرنؤوطي
30 أركان حرب وتوابع اللواء
13 جي بيادة 1 مصطفى بك: أمير ألاي
1 نجم الدين بك:قائمقام
160 أركان حرب وأقسام الألاي
820 1 جي أورطة: الحاج فضل الله أغا بكباشي
815 2 جي أورطة: محمد أغا بكباشي
812 3 جي أورطة: محمد سعيد أفندي بكباشي
14 جي بيادة 1 علي بك: أمير ألاي
1 محمد بك: قائمقام
67 أركان حرب وأقسام الألاي
805 1 جي أورطة: صادق أغا بكباشي
807 2 جي أورطة: علي أفندي بكباشي
803 3 جي أورطة: مصطفى أفندي بكباشي
السواري 1 أمير لواء السواري الطوبجية: جعفر باشا صادق
30 أركان حرب وتوابع اللواء
9 جي سواري 1 عثمان بك: أميرألاي
1 محمد صادق بك:قائمقام
1 محمد ثابت أفندي: 1 جي بكباشي
1 أحمد عوني أفندي: 2 جي بكباشي
45 أركان حرب واقسام الألاي
1211 أورط وقائد الأورط: يوزباشي
الطوبجية: 2 جي طوبجية 1 إسماعيل بك: أميرألاي
1 خورشد بك: قائمقام
53 أركان حرب واقسام ألاي
714 1 جي أورطة: علي وهبي أفندي بكباشي
646 2 جي أورطة: مصطفى حمدي أفندي بكباشي
672 3 جي أورطة: عبد الحليم أفندي بكباشي
640 4 جي أورطة: محمد خلوصي أفندي بكباشي

ملاحظة: لكل بطارية 6 مدافع ولكل أورطة 3 بطاريات فيكون عدد مدافع الأورطة 18 وعدد مدافع الألاي 72.

"مجموع قوات النجدتين البحرية والبرية"
عدد المدافع عدد الجنود
643 6850 الجيش البحري
82 19722 الجيش البري
714 26572 15704 البيادة
1291 السواري
2727 الطوبجية

إفادتان الأولى من الكتخدا إلى حسن باشا الإسكندراني والثانية من الكتخدا إلى اللواء علي بك

وفي 28 رمضان سنة 1269 هـ (5 يوليو سنة 1853م) ارسل الكتخدا افادتين إحداهما إلى أمير البحر الفريق حسن باشا الإسكندراني بخصوص نقل جنود النجدة البرية في السفن المعدة له بسرعة الحضور لتولي قيادة الألايت التي عين مأموراً عليها وهاهما الافادتين المذكورتين:

(1)

إفادة من الكتخدمات إلى حسن باشا باشبوغ (الأمير) الدونما المصرية رقم 133:

"بعد أن صار عرض ملحوظاتكم الخاصة باركاب عساكر البرية المقتضى إرسالهم إلى الأستانة العلية في السفن التسع المعدة للقيام بعد ايام قليلة صدر النطق الكريم بإركاب الأربعة الألايات المجهزة وترحيلهم حين قيام هذه السفن. وبعد ختام تعمير سفن القباق يصير إركاب الألايين الباقيين وترحيلهما إلى المحل المقصود. ثم التصريح أيضاً ببسفن بأن ترسو ببعض الموانئ لأخذ المياه حيث لا يوجد مانع من ذلك. وحرر هذه للمعلومية،

28 رمضان سنة 1269

ختم"

(2)

إفادة صادرة من الكتخدا إلى اللواء علي بك رقم 172 مقيدة بالدفتر التركي رقم 646.

"قد حرر لكم فيما سبق إشعار بتعيينكم مأموراً على الألايات المستعدة للسفر. ولمناسبة عدم حضوركم إلى الآن حرر هذا إشعاراً لكم بسرعة الحضور حالاً بدون إضاعة الوقت بمجرد وصوله. وحرر هذا للمعلومية،

28 رمضان 1269"


إفادة أخرى من الكتخدا إلى أمير اللواء حسين باشا

وفي 3 شوال سنة 1269 هـ (10 يوليو سنة 1853م) أرسل الكتخدا إلى حسن باشا أمير لواء 2 جي و7 جي ألاي بيادة بالإسكندرية إفادة بتسليم بذل بيضاء نظيفة لجنود الأسطول المصري المسافرين للأستانة. وإليك نص هذه الإفادة:

إفادة إلى حسين باشا لواء 2 جي و7 جي بيادة بالإسكندرية رقم 112 مقيدة بالدفتر التركي رقم 474 بالصفحة 110:

"حيث أن أمرنا يقضي بأخذ بذلة بيضاء من كل عسكري من العساكر الذين تحت إدارتكم لعساكر الدونتما المسافرين فبوصول أمرنا إليكم تجرون تسليم بذل بيضاء نظيفة للدونما حسب الأصول بمقدار العساكر البحرية المسافرة بدون تأخير. وحرر هذا للمعلومية،

3 شوال سنة 1269

ختم"

قيام النجدتين وإستقابلهما في الأستانة

وفي 17 يوليو سنة 1853م حشدت في الإسكندرية خمسة آلايات من النجدة البرية الأولى المسافرة إلى الأستانة. وفي يوم 18 من هذا الشهر أرسل الكتخدا إلى مهردار الوالي إفادة يطلب فيها عرض نبأ حشد هذه الألايات على أعتاب سمو الوالي وها هي:

إفادة من الكتخدا إلى المهردار في 11 شوال سنة 1269 هـ (18 يوليو سنة 1853م) رقم 310 مقيدة بالدفتر التركي رقم 646:

"أعرضوا على الأعتاب العلية وصول خمسة ألايات أمس إلى الإسكندرية من الألايات الستة المقتضى تسفيرها. أما الثلاث الأورط الباقية من الألاي السادس فإن شاء الله ببركة أنفاس الجناب العالي المقدسة سيصير تجهيزهم وترحيلهم لمحل مقصودهم في ظرف هذين اليومين. وقد حرر هذا للمعلومية."

وبعد بضعة أيام من هذا التاريخ حشد الألاي السادس من نجدة البرية الأولى وسافرت جنودها وجنود النجدة البحرية على السفن الحربية ونقالات أخرى في الخمسة عشر يوماً الأخيرة من شهر يوليو المذكور.

وقبل إبحارهم قدم عباس باشا إلى الإسكندرية لاستعراضهم وخطب فيهم حاثاً على القيام بالواجب ليشرفوا بلدهم ويرفعوا رأسه ويشرفوا أيضاً قدر أنفسهم.

واستغرقت رحلتهم هذه حوالي ثلاثة اسابيع لأن الأسطول رسا في عدة مرافئ في طريقه ليمتار ماء وزاد. ووصل الأستانة يوم الأحد 14 أغسطس سنة 1853م. وفي أثناء الطريق توفى 20 نفساً ووقع 300 في مخالب المرض ولدى وصولهم أنزلوا إلى البر وأدخلوا المستشفيات.

وعندما وصل جنود هاتين النجدتين إلى الأستانة استقبلهم سعادة محمد علي باشا سر عسكر الجيش التركي وسعادة محمود باشا أمير العمارة البحرية التركية وسعادة المشير محمد باشا قائد حرس السلطان. ولما نزلت الجيوش من لاسفن أوصلوها إلى بيكوس القائمة على البسفور في معسكر أعد لها بأمر السلطان عبد المجيد زود بالأطعمة والطهاة.

ومن الاتفاق العجيب أن هذا الموضع الذي نزلوا فيه هو نفس الموضع الذي كان يعسكر فيه الجيش الروسي من عشرين سنة مضت بناء على استدعائه من قبل السلطان محمود ليعاونه في الحيلولة دون تقدم جيش ابراهيم باشا الظافر إلى الأستانة. وأن مضارب القواد المصريين نصبت قرب الحجر الذي نصب تخليدأً لذكرى إقامة الجيوش الروسية في هذا المكان. وهكذا شاء القدر أن يعكس الحال في هذه المرة فجعل الجنود المصرية يحلون محل الجنود الروسية في هذا المكان، ويحاربون مع الدولة هؤلاء الجنود الذين حاربوهم معها.

وهاك ترجمة ما ورد في جريدة "ذي اللستريتد لندن نيوز" The Illustrated London News بعددها الصادر في 3 سبتمبر سنة 1853م عن نبأ وصول الأسطول المصري إلى الاستانة والمعسكر الذي أعد لنزول الجنود المصرية فيه:

"أحدث قدوم الأسطول المصري إلى مياه الأستانة في ويم الأ؛د 14 الشهر الماضي (أغسطس) هزة فرح وضجة انشراح. وقد جر كل صنف من البوارج باخرتان لإدخال الأسطول في مياه البسفور. فمر أمام المدينة ثم سار في بوغاز البسفور حتى بلغ المعسكر المقابل لطرابية. وقد تبادل التحية عند وصوله إزاء السراي السلطان وأيضاً لما صار على مرأى من الأسطول التركي.

وتتألف قطع هذا القسم من الأسطول المصري من بارجتين كل منهما ذات طبقتين، واربع فرقاطات، وحراقتين، وباخرتين بقيادة سليم باشا. وعلى ظهر الأسطول 12.000 جندي بري و5.000 جندي بحري. وهو يرسو الآن على مسافة من ميناء "هنكار إسكه سي" Uniiarskelesai في البسفور تجاه طرابية حيث قد أنشئ معسكر كبير لنزول الجنود المصرية فيه. وموقع هذا المعسكر في سلسلة من الروابي تحيط بوادي "هنكار أسكله سي"، وهو منبسط فسيح من الأرض تغطيه أشجار الدلب الضخمة، ويشبه كثيراً المنتزهات الإنجليزية، وهو غاية في البهاء. وهذا المكان هو نفس المكان الذي عسكر فيه الروس عندما دعاهم السلطان السابق لمساعدته في محاربة المصريين في ثورتهم على الدولة. وقد أقيم فوق إحدى الربى لتخليد هذا الحادث نصب تذكاري نقشت عليه بالتركية العبارة الآتية:

"في هذا السهل حلت الجنود الروسية ضيوفاً كما غادروه ضيوفاً. ويتمنى الذين أقاموا هذا النصب التذكاري الذي كالجبل في شموخه أن يبقى أثراً وذكرى، وأن يظل التحالف بين الدولتين في رسوخ هذه الكتلة الحجرية وصلابتها، وأن يدوم رمز الصداقة هذا كالتحالف بينهما إلى الأبد".

برتو باشا سنة 1833.

وبعد أن استراحت الجيوش المصرية، من عناء السفر شرفها السلطان عبد المجيد بزيارته وعرضه لها، على حين أنه لم يحدث أنه شرف نفس جيوشه مطلقاً بمثل هذا التكريم لا عند ذهابها للحرب، ولا عند عودتها منها. والفرح الذي شمل الجيوش المصرية لدى رؤية الخليفة جاوز كل حد، وأنساها جميع متاعب السفر ومشاقه. وكان كلما انتقل جلالته بين صفوفهم صاحوا هاتفين له بالدعاء.

وأنعم السلطان على كل قائد من القواد بعلبة للتبغ مرصعة بالماس، وعلى كل ضابط وصف ضابط براتب شهر.

ومن غرائب الاتفاق أيضاً أن سلفه السلطان محمود قبل ذلك بعشرين سنة وزع في هذا الموضع عينه أوسمة على الجيش الروسي الذي كان معسكراً فيه ليصد نفس هذه العساكر إذا تقدموا نحو الأستانة.

حركات النجدة البرية

وبعد غقامة حفلة هذا التكريم الشيقة ببضعة أيام نزلت الجيوش المصرية في نقالات وأبحرت إلى وارنه (varna)، ومن هذه توجهت إلى حدود الروم إيلي عند نهر الدانوب وهناك وزعت ألويتها الثلاثة على مدينة سلستره (silistrie)، وبابا داغ (babadagh) وشملا (shoumla).

فذهب لواؤها الأول إلى مدينة سلسترة. وكن هذا اللواء كما ذكرنا آنفاً مؤفاً من 9 جي ألاي و10 جي ألاي بيادة بقيادة اللواء إسماعيل باشا أبي جبل. وقد أقام هؤلاء الجنود في هذه المدينة حصناً يسمى طابية العرب نسبة لمن أقاموه وهم المصريون. وهذا الحصن الذي كانت تعتصم فيها الجنود الصمرية هو الذي صد هجمات الروس بقيادة مارشالهم الشهير باسكيفتش على المدينة المذكورة سنة 1854م كما سيمر بك ذكره بعد.

وذه لواؤها الثاني إلى مدينة بابا داغ وكان مؤلفاً من 11 جي ألاي و12 جي ألاي بيادة بقيادة اللواء علي بك شكري.

وذهب إلى شملا لواؤها الثالث وكان مؤلفاً من 13 جي و14 جي آلاي بيادة بقيادة اللواء سليمان باشا الأرناؤوطي، و9 جي ألاي سواري بقيادة اللواء جعفر باشا صادق، و3 جي ألاي طوبجية بقيادة أمير الألاي إسماعيل بك.

وقد قام كل لواء من الألوية الثلاثة المذكورة بدوره في هذه الحرب وأبلى أحسن بلاء في جميع معاركها.

حركات الأسطول المصري

أما الأسطول المصري فوزع بين مختلف العمارات التركية فانضمت الفرقاطة دمياط والوابور براونه إلى عمارة الأميرال التركي عثمان بك التي سافرة إلى ميناء سينوب الواقع على البحر الأسود. وهناك دمرت العمارة الروسية بقيادة الأميرال ناخيموف العمارة التركية مع هاتين القطعتين في 30 نوفمبر سنة 1853 م. وكانت قوة هذا القائد الروسي تفوق قوة القائد التركي بمراحل.

أما باقي سفن العمارة المصرية فقطع منها انفصلت في بادئ الأمر عنها للقيام بحراسة جزر الأرخبيل مع العمارة التركية التي فيه. وهذه القطع هي الفرقاطتان رشيد وشير جهاد والقرويتان جناح بحري وجهاد بيكر والجويليت الصاعقة. ثم بعد ذلك انتقلت إلى البحر الأسود حيث كانت القطع الأخرى من سفن الأسطول المصري واشتركت جميعها في نقل الجيوش من راونه إلى القرم ثم انضمت في أوائل مايو سنة 1854م إلى أساطيل فرنسا وإنجلترا وتركيا في البحر الأسود واشتركت معها في الوقائع التي دارت رحاها ضد الروس. وكان الأسطول العثماني في هذه الوقائع تحت قيادة أمير البحر التركي أحمد قيصرلي باشا والأسطول المصري تحت قيادة أمير البحر المصري الفريق حسن باشا الإسكندراني.

اعلان تركيا الحرب على الروسيا

لما لم تنسحب الجيوش الروسية التي كانت قد احتلت ولايتي ملدافيا وفلاخيا اضطرت تركيا أن تعلن الحرب على روسيا في 4 أكتوبر سنة 1853 م.

إرسال السلطان عبد الحميد إلى والي مصر فرماناً بذلك

وأرسل السلطان عبد المجيد إلى عباس باشا الأول فرماناً بالتركية يعلمه فيه باعلان تركيا الحرب على روسيا ويأمره بتنبيه الأهالي إلى الدعاء بنصرة الدولة العلية وإلى عدم التعرض لرعايا الروس والدول المتحاربة في مصر ومعاملتهم باللين والحسنى.

ترجمة الفرمان الهمايوني المذكور

الدستور المكرم المعظم المشير المفخم المحترم نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب متمم مهام الأنام بالرأي الصائب ممهد بنيان الدولة. مشيد أركان السعادة والإجلال. المحفوف بصنوف عواطف الملك الأ‘لى. سمير الطبع عباس حلمي باشا والي مصر حالاً. الحائز لرتبة الصدارة الجليلة والنشان المجيدي الهمايوني الأول أدام الله تعالى إجلاله. فليكن معلوماً لدى وصول توقيعي الهمايوني الرفيع. أنه كما هو معلوم للجميع أن قبول مطالب دولة روسيا بأكملها فيما يختص بمسألة الامتيازات الدينية، فضلاً عن أنه يمس حقوق الحكومة واستقلال سلطنتنا السنية. فإنه سيكون معاذ الله تعالى موجباً لأنواع الضرر في الحال والاستقبال. ولذلك ولأن الدولة المشار إليها قد اتخذت أيضاً تدابير عسكرية الغرض منها التهديد. فمن جهة دولتنا العلية أيضاً. أرسلت قوة عسكرية إلى حدودنا الشاهانية بجهات الأناضول والروم إيلي من قبيل التحفظ والاحتياط. مع بذل أكبر مجهود في سبيل المحافظة على الصلح والسلم اللذين حافظتا عليها دائماً معززين ومحترمين طبقاً لأصول وشعائر الاصلاح ومراعاة العهد من جهة أخرى. ومع أننا اقترحنا مشروع نظام وتعديل في هذا الخصوص. وبذلنا الجهد في اتخاذ كل الوسائل الكتابية. فلم يكن لذلك أي تأثير، وأخيراً قد عبر الجيش الروسي نهر بروت الذي هو رأس الحدود. واحتل مملكتي "الافلاق" و"البغدان" اللتين هما ميراثي الشاهاني. واستولى عليهما، ومع كل هذا فإن حكومتنا السنية، وإن كانت سعت بحسن النية في المحافظة على الصلح والسلم بقصد اصلاح ذات البين، إلا أنه لم يكن ذلك، ولهذا قد دعي جميع الوكلاء الفخام والوزراء العظام والصدور الكرام والعلماء الأعلام والأمراء العسكرين وسائر مأموري سلطنتنا السنية إلى بابنا العالي وعقد به مجلس عمومي في اليومين الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر ذي الحجة الشريفة. ولما جرى فيه بحث المصلحة بكل أطرافها وابداء الملاحظة فيها. تبين أنه من حيث أن دولة الروسيا رفضت مشروع النظام الذي وافقت عليه دولتنا العلية، فإن هذا النزاع لن يمكن حسمه بطريق الصلح. ولذلك ولأن روسيا نقضت العهد باعتداء جيوشها على ممالكنا المحروسة كما هو معلوم للجميع. وأنه ليس من الموافق أيضاً دوام هذا الحال. فقد تقرر بإجماع الآراء اختيار جانب الحرب واتخاذ التدابير العسكرية. توكلاً واعتماداً على عون الله تعالى وعنايته. واستنادا لأمداد وروحانية الحضرة النبوية. مستعينين بنصرة الله تعالى، وصدرت أيضاً فتوى شرعية بذلك من طرف شيخ الإسلام، ولدى عرض الأمر على ذاتنا الشاهانية والاستئذان، قد رأينا من المناسب اجراء المتقضى لذلك بموجب قرار المجلس العمومي والفتوى الشريفة. وأصدرنا خطنا الهمايوني بذلك. وبمقتضاه المنيف قد أبلغ الأمر إلى فيالقنا الهمايونية بالروم إيلي والأناضول. وإلى جميع ممالكنا المحروسة الشهانانية بإذاعة أوامرنا الملوكانية الخاصة. وبما أن المسئولية في هذه المادة واقعة كلها على دولة روسيا، فقد دعونا وابتهلنا إلى الله تعلى بقلوب مخلصة أن ينصر عساكرنا الشاهانية بحوله وقوته وهو خير الناصرين.

فأنت أيها الوالي المشار إليه عند وصول فرماني الملوكي الجليل العنوان عليك أن تعلن ذلك لأهالي جميع الجهات الواقعة تحت ادارتك وتذيعه، وأن تنبه عليهم وتفهمهم بأن يشتغلوا جميعاً بالدعاء بنصرة دولتنا العلية. كما هو مفروض عليهم ويواظبوا على ذلك. هذا وبما أن هذه الحرب هي ضد دولة أرادت الاعتداء على حقوق دولتنا العلية واستقلالها بدون أي حق أو سبب. ولم يطرأ بسببها أي تغيير على العلاقات الودية التي بين سلطنتنا السنية وبين سائر الدول المتحابة. فيجب عدم وقوع أي تعرض أو سوء معاملة من أحد لتجار ورعايا هذه الدول الموجودين بالممالك المحروسة بقصد التجارة والسياحة. ولكافة رعايانا من مختلفي الأديان الذين نعد شرعاً أرواحهم وأعراضهم وأموالهم كأرواحنا وأعراضنا وأموالنا. وإن يكونوا على الدوام مشمولين بالعدل والأمن ولاراحة طبقاً لأحكام الشريعة المنيفة المطهرة. وحاصل الكلام أنه كما سبق أن أعلنا أنه لا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن يكون رعايا دولتنا العلية الذين لهم علاقة دينية مع دولة روسيا مسئولين عن أعمال الدولة المشار إليها المعلومة. لأن دعوى هذه الدولة هي لأجل نفوذها ومصالحها فقط. وحيث ان الامتيازات الدينية التي منحت من قبل أجدادي العظام لهؤلاء الرعايا قد تقررت وتوسعت تحت حماية دولتنا العلية الخاصة منذ مئات من السنين. وهم أيضاً يعلمون بأن تمسك دولة الروسيا الآن بحث حماية الامتيازات المذكورة سيكون سبباً يضعف عقائدهم الدينية. وحيث أن من أسباب الانتصار أن يعيش جميع رعايانا على اختلاف أجناسهم مع بعضهم بحالة حسنة. وأن لا يكدر أحدهم صفو الآخر ولا يهينه ولا يضره بأي حال وفي أي مكان. وأن يبذلوا جميعاً بالاتحاد والاتفاق كل ما في وسعهم في خدمة الوطن العامة. ففهم الجمهور كل ذلك تفصيلاً. وأبذل جهدك في أن لا يحدث من أحد ما يخالف رضانا الهمايوني وفهم كل شخص جيداً من الآن أنه قد سبق أن قرر المجلس العمومي وأيده المجلس العممي هذه المرة ايضاً. أن من يأتي عملاً مغايراً للتنبيهات المشروعة المشروحة عن جهل أو غفلة أو لأعراض شخصية، سيكون مسئولاً عن عمله ويعاقب عقاباً شديداً. فليعلموا ذلك ويعملوا بوجبه. وعلى كل حال اهتم واعتن باجراء ما يلزم لذلك بدرايتكم ورويتكم. واعلم ذلك واعتمد على علامتنا الشريفة.

تحريراً في أوائل شهر محرم الحرام سنة سبعين ومائتين وألف،

ختم

الحالة في مصر بعد إعلان الحرب

يجدر بنا بعد ذلك أن ننقل هنا عن الجريدة الإنجليزية "أخبار لندن المصورة" - ذي اللتسريتد لندن نيوز The Illustrated London News - كلمة بعث بها إليها مكاتبها بالإسكندرية يصف فيه الحالة في مصر بعد تطور المسألة الشرقية وإعلان تركيا الحرب على روسيا. وقد نشرتها بعددها الصادر بتاريخ 22 أكتوبر سنة 1853م تحت عنوان "الحركات الحربية في مصر"، وهاك ترجمتها:

الإسكندرية في 6 أ:توبر سنة 1853:

"كان من نتائج تطور المسألة الشرقية أن حل بالتجارة المصرية كساد عظيم. وقد زاد الطين بلة فيضان النيل في هذا العم فيضاناً لم تشهده البلاد من قبل. وطبيعي أن هذا يؤخر كثيراً أعمال الزراع.

وقد أصدر باشا مصر أمراً بمنع تصدير القمح إلى الخارج إذ يقال أنه يخشى أن يصيب البلاد قحط.

وفي الميناء الآن قليل من المراكب التجارية بالنسبة لعددها في غير هذه الظروف. وكل ما في الميناء من السفن الحربية في الوقت الحاضر هو بارجة أميرال الأسطول المصري المسماة "فيض جهاد" وهي فاخرة وذات ثلاث طبقات. والفرقاطة البخارية الجديدة المصنوعة من الحديد. وثلاث بواخر أخرى أصغر من السابقتين وحراقتان. أما باقي الأسطول فإنه يتجول في مياه الأستانة.

وبلغ مجموع القوات التي أرسلها عباس باشا إلى الآن لمعونة السلطان 32.000 جندي وذلك ع دا البحارة الذين في البوارج المصرية بتركيا. ويشاع هنا أن الوالي ينوي إرسال قوة أخرى إضافية قريباً.

وقد حظر على رعايا عباس باشا الخوض في المسألة التركية غير أن المشاهد هنا أن الناس مع افتخارهم بثناء السلطان على همة اخوانهم المحاربين ومقدرتهم فإنهم لا يكادون يرون من الانصاف أن يبعث بهم ليتلقوا أول صدمات الحرب لأنهم قوة صغيرة بالنسبة لقوة أعدائهم الروس.

وعند الباشا في الوقت الحاضر 40.000 جندي تحت السلاح عدا الذين يحاربون في تركيا الآن وعددهم 22.000 جندي. وفي حامية الإسكندرية 8.000 جندي.

أما لباس الجيش المصري فهو البذلة العسكرية النظامية وهي تصنع في الشتاء من نسيج أزرق خشن وفي الصيف من نسيج القطن الأبيض. وأما سلاح أكثر جنوده من بندقية فرنسية ذات شطف. والحقيقة أن الذي أكسبهم شدتهم الحربية هو في الغالب قوة أبدانهم لا قوة عددهم.

ولا تزال الاعمال جارية في مد الخط الحديدي وإن كان العمل فيه قد تأخر عن ذي قبل بسبب انسحاب العدد الأكبر من الرجال للخدمة في تركيا."


النجدة البرية المصرية الثانية

تأليفها

وعندما بلغ عباس الأول فرمان اعلان تركيا الحرب على روسيا أمر بإعداد نجدة برية أخرى مؤلفة من ثلاثة ألايات بيادة هي 15 جي و16 جي و17 جي بيادة ومجموعها 8466 جندياً. ومن 1 جي أورطة من 1 جي ألاي طوبجية ومجموع جنودها 612 جندياً ومدافعها 18 مدفعاً. وتألفت الثلاثة الألايات البيادة المذكورة من اللواء الرابع بقيادة أمير اللواء ابراهيم شركس باشا. وبتقدم هذه الألايت جميعها أركان حرب هذا اللواء وتوابعه وعددهم جميعاً 31. فيكون مجموع جنود هذه النجدة الثانية 9109 من الجنود.

بيان وحداتها

وهاك بيان قوتها:

"عدد ضباط وصف ضباط وعسكر، ألوية، ألايات، أورط"
4 جي لواء (15 جي و16 جي و17 جي بيادة) 1 أمير اللواء ابراهيم شركس باشا
30 أركان حرب وتوابع اللواء
15 جي بيادة 1 ابراهيم بك: أمير ألاي
1 يوسف غالب بك: قائمقام
64 أركان حرب وأقسام ألاي
957 جي أورطة مصطفى أفندي: بكباشي
930 2 جي أورطة محمد صدقي أفندي: بكباشي
950 3 جي أورطة أحمد حمدي أفندي: بكباشي
16 جي بيادة 1 أحمد بك: أمير ألاي
1 فرهاد بك: قائمقام
55 أركان حرب وأقسام الألاي
955 1 جي أورطة أحمد أغا: بكباشي
955 2 جي أورطة جعفر أغا: بكباشي
948 3 جي محمد أفندي: بكباشي
17 جي بيادة 1 رجب بك: أمير ألاي
1 خسرو بك: قائمقام
43 أركان حرب وأقسام الألاي
876 1 جي أورطة أحمد عوني أفندي: بكباشي
863 2 جي أورطة محمد حافظ أفندي: بكباشي
864 3 جي أورطة رسول أغا: بكباشي
8.496 جملة البيادة

إرادة سنية بتكليفه اعداد النجدة للسفر على جناح السرعة

الجنود اللازمة من المديريات مجهزين بملابسهم وأسلحتهم وبأن يتم ذلك في مدة عشرين يوماً. وصار إخطارهم بأنه لم يتم ذلك ويرحلوا في ظرف ثمانية أيام ينفوا إلى أبي قير. وقد أرسل اللواء علي سري باشا من مصر إلى الصعيد مع علي باشا الأرنؤوطي بعد أن صار تفهيمها ذلك. فيلزم أيضاً أن تكتبوا من طرفكم إلى المديرين بالتأكيد وأن تشددوا عليهم بإرسال الجنود الذين يصير جمعهم أول فأول على جناح السرعة بالمراكب. كما يلزم إرسال كافة البواخر التي بالمرورية والترسانة لجر المراكب المذكورة إلى القاهرة. ثم تعيين أمراء الألايات اللازمين من مجلس مديريات الوجه البحري لسرعة جلب الأنفار المطلوبة بدون إهمال. والذين بردون القاهرة منهم تعطى لهم الكساوي والأسلحة وما يلزم لهم عقب وصولهم ويرسلون بالمراكب إلى الإٍكندرية. أما ال40.000 بندقية فإن لم توجد جميعها تجهز 30.000 بندقية وترسل بسرعة إلى الإسكندرية وال10.000 تبقى على سبيل الاحتياط بمصر إلى حين لزومها. ويجب أيضاً فرز أفراد وضباط الثلاث بطاريات وترتيبهم وترحيلهم إلى الإسكندرية. والمطلوب منك يا بابا حسن الهمة في تجهيز الثلاث الألايات المذكورة وإرسالها مع ضباط الطوبجية وأفرادها وال30.000 بندقية السالفة الذكر إلى الإسكندرية في ظرف عشرين يوماً. وها أنا منتظر ذلك منك لكي تثبت لي مرة ثانية أنك حقيقة بابا حسن،

ختم

عباس الأول

إفادة بترقية حسن أفندي علمدار 6 جي ألاي بيادة إلى رتبة صاغقول أغسي لالتحاقه بالنجدة

وفي 4 صفر سنمة 1270 هـ (6 نوفمبر سنة 1853م) أرسل ديوان الجهادية إلى قومندان 6 جي ألاي بيادة الإفادة الآتية بترقية حسن أفندي علمدار هذا الألاي إلى رتبة صاغقول أغاسي وإلحاقه ب17 جي ألاي بيادة المسافر إلى الأستانة ناء على أمر كتخدا الوالي له. وها هي الإفادة المذكورة:

إفادة إلى قومندان 6 جي ألاي بيادة بتاريخ 4 صفر سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2689 صادرة من قلم تركي ديوان الجهادية:

"بناء على أمر الكتخدا الشفوي الصادر لنا بترقية حسن أفندي علمدار الألاي ادارة عزتكم لرتبة صاغقول أغاسي وإلحاقه ب17 جي بيادة من الألايات الميهأة للسفر إلى الأستانة نؤمل بوصول هذا إخلاء طرف المذكور من الألاي وصرف المبالغ المستحقة له بصندوق الآلاي وتحرير الرجعة اللازمة بثلاثة أشهر من المستحق له بصرفها من خزينة ديوان الجهادية وإرسالها للديوان. وحرر هذا للمعلومية."

إحالة إعداد النجدة إلى عمدة أحمد باشا النكلي وأمير الألاي علي بك مبارك

وقد عين لقيادة هذه النجدة البرية الثانية اللواء ابراهيم شركس باشا وعهد إلى الفريق أحمد باشا المنكلي ومعه أمير الألاي علي مبارك بك (فيما بعد باشا) إعداد هذه النجدة. وعلي مبارك بك هذا هو أحد تلاميذ البعثة الحربية سنة 1844 إلى فرنسا في عهد محمد علي باشا وناظر مدرسة المهندسخانة وقت إعداد هذا الجيش. وإليك الافادة التي صدرت إليه من ديوان الجهادية بصدد تعيينه.

إفادة بتعيين علي بك مبارك في هذه المهمة

إفادة من ديوان الجهادية إلى أمير الألاي علي مبارك بك ناظر المهندسخانة رقم 373 بتاريخ 9 صفر سنة 1270 (11 نوفمبر سنة 1853م) مقيدة بالدفتر التركي رقم 3696:

"اقتضت ارادة ولي النعم الخديوي المعظم بتعيينكم معاوناً بمعية حضرة السعادة أحمد باشا المنكلي المأمور على الأفراد المهيأة للسفر إلى الأستانة بناء على درايتكم واجتهاكم. فبوصوله قوموا حالاً وقدموا نفسكم للباشا المشار إليه. وحرر هذا للاحاطة."

إفادتان من الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية بمغادرة قنصل الروسيا العام لمصر

وفي 10 صفر سنة 1270 هـ 12 نوفمبر سنة 1853م) أرسل الكتخدا حسن باشا المنسترلي إفادة إلى ديوان الجهادية يخبره فيها بمغادرة قنصل جنرال روسيا الديار المصرية بسبب إعلان الحرب وإحالة النظر في مصالح الرعايا الروس إلى قنصل جنرال سويسرا. وها هي الإفادة المذكورة:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 64 بتاريخ 10 صفر سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691:

"نحيطكم علماً أن قنصل دولة روسيا مع موظفي سفارته غادروا الديار المصرية وأحالوا ادارة أشغال رعاياهم وحمايتهم إلى قنصل جنرال سويسرا وذلك بناء على اعلان الحرب بين الدولة الروسية والدولة العلية. وحرر هذا للمعلومية".

زفي 11 صفر سنة 1270 هـ (13 نوفمبر سنة 1853م) أرسل الكتخدا إفادة إلى ديوان عموم الجهادية يخبره فيها بإحالة حماية الرعايا الروس الذين بالقاهرة إلى مسيو بارتولوجي قنصل سويسرا والذين بدمياط إلى مسيو سروره قنصل سويسرا أيضاً. وإليك هذه الافادة:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 57 بتاريخ 11 صفر سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691:

"بناء عل ما ورد إلينا من ديوان الخاصة نحيطكم علماً بأن التبعة الروس الذين بمصر أحيلت حمايتهم إلى المسيو بارتولوجي والذين بدمياط إلى المسيو سروره قنصلي سويسرا".

إفادة من الكتخدا إلى ديوان الجهادية بتموين الجنود المسافرة

وأرسل الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية ايضاً إفادة مؤرخة في 6 ربيع الأول من السنة المذكورة (7 ديسمبر سنة 1853) يخبره فيها بناء على خطاب أرسله إليه محافظ الإسكندرية بلزوم إرسال المؤونة اللازمة لألايات 15 جي و16 جي و17 جي بيادة وأورطة الطوبجية المسافرة إلى الأستانة. وها هي:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 74 بتاريخ 6 ربيع الأول سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691:

"بناء على ما ورد إلينا من محافظة الإسكندرية بتاريخ 3 ربيع الأول سنة 1270 (4 ديسمبر سنة 1853) تحت رقم 156 يقتضي إرسال 350 قنطار سمن و10.000 أقة زيت حار من شونة التعيينات على جناح السرعة إلى الإسكندرية لأجل لزوم تموين 15 جي و16 جي و17 جي ألايات بيادة وأورطة الطوبجية المركبة من 500 نفر وكسور المتهيئين للسفر إلى الأستانة. وعند إرسالها أخبروا محافظ الإسكندرية بذلك".

إفادة من محافظ الإسكندرية بوصول الذخائر المرسلة للأستانة

وفي 7 ربيع الأول سنة 1270 هـ (8 ديسمبر سنة 1853م) أرسل الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية إفادة يعلمه فيها بأن محافظ الإسكندرية أعلمه بوصول 1250 صندوقاً تحتوي على 25.000 بندقية من اصل ال40.000 بندقية التي سترسل إلى الأستانة وأنه تسلمها من القائمقام مصطفى بك. وإليك هذه الإفادة:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 77 بتاريخ 7 ربيع الأول سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691:

"وردت إفادة من محافظ الإسكندرية مؤرخة 20 صفر سنة 1270 (22 نوفمبر سنة 1853) تحت رقم 136 تفيد أن ال1250 صندوقاً الموضوع بداخلها 25.000 بندقية المراد إرسالها إلى الأستانة وردت بواسطة القائمقام مصطفى أفندي وقد صار تسلمها من المذكور وحرر هذا للإحاطة".

وقد نشرت جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز خبر إرسال هذه البنادق إلى الأستانة في عددها الصادر بتاريخ 28 يناير سنة 1854 م فقالت - أرسل والي مصر إلى الأستانة 25.000 بندقية.

واقعة سنوب البحرية

وكارثة العمارة التركية وسفينتين من العمارة المصرية

في شهر أكتوبر من سنة 1853م أرسلت الدولة إلى ميناء سينوب التي على البحر الأسود قسماً من أسطولها البحري مؤلفاً من 13 قطعة حربية بقيادة القبودان عثمان باشا ووكيله حسين باشا. وفي يوم 13 نوفمبر من هذه السنة وصلت سفن هذا القسم إلى ميناء سينوب. وفي يوم 21 من الشهر المذكور وصلت إليها عمارة روسية مؤلفة من 3 قباقات و4 فرقاطات وإبريق واحد بقيادة أمير البحر الروسي ناخيموف. وقد أتت هذه العمارة لتكشف مواقع الأسطول التركي وتعرف قوته وظلت خارج الميناء محاصرة للسفن العثمانية.

في تلك الأثناء وقف الأميرال الروسي على قوة العمارة التركية وأرسل إلى دولته يطلب منها أن تمده بعدد من السفن الروسية الحربية بسباستبول. فلما حضرت جعل أربعاً من سفه خارج الميناء لتقطع خط الرجعة على السفن العثمانية إذا هي حاولت الهروب. ودخل ببقية إلى الميناء المذكورة على بعد تسعمائة متر تقريباًُ من مرمى مدافع البطاريات البرية.

ولما توقع القبودان التركي عثمان باشا الغدر من الأسطول الروسي اصدر أوامره لقواده وجنوده بأن يستعدوا للقتال وحثهم أن يستميتوا في محاربة الأعداء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. وفي يوم 30 نوفمبر المذكور بدأت الفرقاطة العثمانية "نظامية" تطلق نيران مدافعها بكل قوة وشدة وبذا دارت رحى الحرب بين الفريقين.

وقد كانت سفن العمارة التركية رغم ضآلة حجمها وضخامة السفن الروسية تقاتل بكل بسالة وشجاعة ولكن لم يجد ذلك نفعاً إذ كانت قوة العمارة الروسية تفوق كثيراً قوة العمارة التركية وأسفرت الحرب المذكورة عن تدمير سفن هذه العمارة وقتل أكثر بحارتها. وقد بترت ساق القومندان التركي عثمان باشا وأسره الروس هو وعدداً من رجاله. ومات وكيله حسين باشا بمقذوف أصابه ونجت من السفن العثمانية سفينة واحدة ودمرت سفينتان مصريتان كانتا في هذه الواقعة وهما الفرقاطة (دمياط) والوابور (بروانا). أما خسائر الروس فكانت كثيرة.

وقد نشرت جريدة ذي الليستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 31 ديسمبر سنة 1853م نقلا عن جريدة ذي مورننج كرونكل بياناً شاملاً لهذه الواقعة المشئومة قالت الجريدة الأخيرة عنه إنه مبني على تحقيقات قام بها قبطان السفينة الإنجليزية "رتريبيوشن" وضباطها. وإليك ترجمة ما جاء عن هذا الواقعة في البيان المذكور:

في يوم 13 نوفمبر رسا في خليج سينوب بعض الاسطول التركي، وكان مؤلفاً من سبع فرقاطات (في إحداهما 60 مدفعاً) وثلاث حراقات وباخرتين. وفي 21 من هذا الشهر واجهت سينوب عمارة روسية مؤلفة من ثلاث بوارج كبيرة كل منها ذات طبقتين وفرقاطة وسفينة شراعية بصاريين.

وبعد أن كشفت هذه العمارة مواقع الأسطول التركي سارت بعيدة عن الميناء، ولكنها ظلت محاصرة له رغم عبوس الجو وهياج البحر. وقد أشار بعضهم على عثمان باشا القائد العام بأن أ؛كم خطة هي اقتحام الحصار ومقاتلة العدو القتال الذي يقتضيه الخلاص من الوقوع في قبضته والنجاة من عدوانه، إذ أن من المحتم على كل حال وقوع معركة.

ولكن عثمان باشا لم يخطر له أن الروس قد يعززون عمارتهم بإمدادات فترجح كفتهم ويتفوقون على الأتراك عدداً وعدداً. ولم يقبل لسوء الحظ رأي المرؤوسين بحجة أن بعض بوارجه أصابها العطب أثناء هبوب ريح صرصر من زمن قريب، ولأنه يحتمل أن يكون له النصر إذا وقع القتال والبوارج في مرساها.

وفي يوم 30 نوفمبر قبل الظهر واجهت عمارة روسية كبيرة الخليج المذكور وكانت مؤلفة من ثلاث بوارج ذات ثلاث طبقات وثلاث بوارج ذات طبقتين بقيادة الفيس ناخيموف الذي كان رافعاً أيضاً راية أميرال المؤخرة. وسارت مع الريح ناشرة جميع قلوعها ثم اقتربت من البوارج التركية وحاذتها. ولم تطلق هذه الأخيرة نيرانها عليها أثناء حركتها هذه. وبقى خارج الخليج فرقاطتان وثلاث بواخر لقطع طريق التقهقر على أية بارجة تركية تحاول الفرار.

فلما رأى عثمان باشا ذلك خاطب رجال أسطوله بالإشارات وأمرهم أن يقاتلوا ببسالة إلى النهاية دفاعاً عن وطنهم. وعند الظهر ابتدأت موقعة استقتل فيها الأتراك فقد قاومت الفرقاطات التركية أكثر من ساعة ونصف، هذه القوة الهائلة غير هيابة ولا وجلة رغم ما بين القوتين من التفاوت المهلك وعدم التكافؤ. وكانت أولى الخسائر الفرقاطة "نافيك" إذ أبصر ربانها علي بك أنه مهدد بإغارة بارجة شامخة ذات ثلاث طبقات وأنه فقد كل أمل في أن ينتج استمرار المقاومة أي خير.

ولم يشأ أن ينهزم شر هزيمة فحمل هو نفسه على فرقاطته ونسفها وذهب ضحية الاخلاص للواجب والوفاء للوطن.

وفي نهاية الزمن المذكور كانت الكارثة قد عمت القوة التركية فدمرت عن آخرها وكان هذا الحادث مشهداً من أفجع المناظر وأوجعها. فقد أحرقت قذائف العدو المشتعلة بعض البوارج التركية وبوارج أخرى آثرت أن تنسف نفسها بنفسها على أن تسلم لعدوها. وما بقى من السفن تهدمت جوانبها واختلف وضعها بالمعنى الحقيقي لا على سبيل المجاز لهول ما نزل بها من ضربات القنابل الروسية الثقيلة ثقلاً عظيماً. وهذه البوارج تحطمت سلاسلها فتقاذفتها الأمواج ما عدا اثنتين منها وقذفت بها إلى الشواطئ وتسلق البحارة الروس صواريها وهتفوا تمجيداً للانتصار الدموي الذي أحرزوه.

ولما انتهوا من ذلك عادوا بلا ابطاء يرمون بنقابلهم هذه البوارج المتحطمة التي لا حول لها ولا قوة إلا شدة بأس رجالها وثبات عزمهم. إذ لم تنقطع عن إطلاق نيرانها الضعيفة بشجاعة فريدة وجلد ليس له نظير ولم يكف الروس عن ضربها حتى تم تدميرها وقتل من بها.

وإستولى الروس بعد ذلك على البارجتين اللتين لم تلحقا بإخواتها إلى الشاطئ، ولكنهم فضلوا الاستغناء عنهما لما رأوا ما هما عليه من التهدم فدمروها في اليوم التالي. أما "الطائف" إحدى الباخرتين التركيتين فقد وفقت إلى الفرار بعد ابتداء المعركة بقليل وهي الوحيدة التي نجت فقد تملصت من سلاسلها وخرقت لها بشء من المجازفة طريقاً بين القوة المتجولة خارج الخليج وكانت أول من أبلغ خبر هذه الحادثة المشئومة إلى الأستانة.

وقد كان عدد البحارة الأتراك 4.990 قبل ابتداء المعركة فقتلوا ولم ينج إلا الجرحى و120 اسيراً وهم من بحارة البارجتين التركيتين اللتين لم ير الروس أية منفعة في بقائهما فأتلفوهما. وقد نقل الأسرى إلى سباستبول وبينهم عثمان باشا الذي جرح أثناء المعركة. أما حسين باشا وكيله فبينما كان يحاول النجاة من البارجة المحترقة أصابت رأسه قنبلة من الرش فأماتته.

ولا تعلم خسائر الروس بالضبظ لأنهم انسحبوا بعد انتهاء المعركة مباشرة وإنما لخلق صواري أربع من بوارجهم العطب فتعطلت وخرجت من الخليج تجرها البواخر. أما قدمته بطاريات البر من المعونة فلم يكن ذا قيمة ولم يعد بأية نتيجة على الأتراك. ذلك لأن مدافعها كانت خفيفة من جهة ومن جهة أخرى فإن البوارج التركية اعترضت طريق نيران هذه البطاريات.

أما مدينة سينوب فقد أصبحت أثراً بعد عين إذ دمرت بأجمعها وغطى شاطئها بجثث الموتى وبين الأحياء عدة أشخاص تبينوا طريقهم في الماء ورأوا منفذاً إلى المدينة بالسباحة وكانوا موفقين.

وأما الموظفون المحليون فقد تسلط الفزع على مشاعرهم إلى درجة شلت كل عمل يرجى منهم وأصبحوا لا يكادون يجدون وسيلة حتى للحصول على طعام وعلاج للمرضى. وقد خفف عن هؤلاء بعض آلامهم ما لا قوة من الاسعاف السريع الذي جاءهم على أيدي الأطباء الذين أتت بهم الباخرة "رتربيوشن" إحدى بوارج جلالة الملكة والباخرة الفرنسية "مجادور". وقد عاون ثلاثة من الأطباء الجراحين بالبوارج التركية هؤلاء الأطباء معاونة قلبية وعملية بغيرة تحمد.

أما بسالة الأتراك ودفاعهم إلى النهاية دفاعاً يخلده لهم التاريخ فأمر ظهر كالشمس المشرقة. وأكبر شاهد على ذلك ما كان من علي بك قائد الفرقاطة "نافيك" لما أحس بأن بارجته قاومت ما استطاعت إلى المقاومة سبيلاً حتى نفدت كل قواها ولم تقو على الوقوف أمام السفينة التي تناوئها العداء وهي البارجة الروسية ذات الطبقا الثلاثة ولم ير هذا القائد الهمام في الاستمرار إلا العبودية والاذلال فأمر بنسفها. وليتأكد من نفاذ أمره ألقى بنفسه عوداً مشتعلاً من الثقاب في مخزن البارود وغاص هو ورجاله وسفينته إلى قاع اليم مؤثراً مجاورته له على وقوع فرقاطته في أيدي الأعداء.

وفي الجدول الآتي بيان لخسائر الأتراك من سفن وجنود وجرحى..الخ:

  • السفينة نافيك Navick كان بها 52 مدفعاً و500 بحار، وقبطانها علي بك (قتل)، وكانت تحارب بارجة روسية ذات ثلاث طبقات، وقد نسفت.
  • السفينة نظيم Nezim - كان بها 52 مدفعاً و500 بحار، وقبطانها حسين بك (قتل). وكانت تحارب بارجة روسية ذات طبقتين و80 مدفعاً، وقد أتلفت.
  • فارسلي إيلات Farsli Ilat - كان بها 38 مدفعاً و400 بحار، وقبطانها علي ماهر بك (قتل). وكانت تحارب بارجة روسية ذات طبقتين و80 مدفعاً. وقد أتلفت.
  • جل سفيت Gullu Sefit - كان بها 24 مدفعاً و200 بحار، وقبطانتها سلس بك Salis bey (قتل). وقد أتلفت.
  • عون الله Aon Lilah - كان مرفوعاً عليها علم القائد العام وكان بها 36 مدفعاً و400 بحار. وقائدها العام عثمان باشا (فقد إحدى ساقيه وأسر). وكانت تحارب بارجة روسية ذات ثلاث طبقات و120 مدفعاً، وقد أتلفت صواريها.
  • السفينة دمياط Damietta - كان بها 56 مدفعاً مصرياً و500 بحار مصري. وقبطانها أحمد ابراهيم بك. وكانت تحارب بارجة روسية ذات ثلاث طبقات و120 مدفعاً وقد أتلفت صواريها ثم نسفت.
  • نجبي فشير Nedgbi-Feschir - كان بها 24 مدفعاً و200 بحار. وقبطانها حسين بك (أسر). وهي على الشاطئ بدون صوار.
  • قائد Kaid - كان بها 50 مدفعاً و500 بحار، وقبطانها إلان بك Elan bay (نجا). وكانت تحارب بارجة روسية كبيرة ذات ثلاث طبقات. وقد نسفت نفسها.
  • نظامية Nezemiah - كان مرفوعاً عليها علم وكيل القائد العام. وكان بها 60 مدفعاً و600 بحار وقائدها حسين باشا وكيل القائد العام. وقبطناها قايد بك (قتل). وكانت تحارب بارجة روسية كبيرة ذات ثلاث طبقات وقد نسفت نفسها.
  • السفينة فيضي مربوط Faisi Marbout - كان بها 22 مدفعاً و240 بحاراً، وقبطانها عزت بك، وقد دمرت.
  • طائف Taif - كان بها 16 مدفعاً و300 بحار، وقوتها 300 حصان، وهي لم تحارب.
  • أركلي Iregli باخرة - كان بها 4 مدافع و150 بحارً وقوتها 150 حصاناً، وقد دمرت.
  • مجموع المدافع الروسية 434 مدفعاً والبحارة 4.490 بحاراً.
  • مجموع المدافع الروسية 632 مدفعاً. وهذا عدا أربع بواخر وفرقاطتين لم تحارب.
  • ثقل القنبلة الروسية يتراوح بين 32 و42 و69 رطلاً. واستعملت بضه قنابل من نوعين آخرين وقد أطلقت ولم تنفجر.
  • عدد الجرحى والأصحاء الذين نقلوا إلى الأستانة على ظهر البارجة رتربيوشن والبارجة مجادور 200 جندي.
  • 10 الجنود الذين تركوا في سيبنوب للاشراف على المجروحين جراحاً بليغة.
  • 20 الجرحى الباقون في سينوب ولم يمكن نقلهم.
  • 150 الأسرى بوجه التقريب.
  • 1000 الذين نجوا سابحين إلى الشاطئ بوجه التقريب.
  • 300 الذين نجوا في الباخرة طائف.
  • 2810 جنود مفقودون.
  • 4.490 مجموع الجنود.


الحالة في مصر منذ بدء القتال

نشرت جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 31 ديسمبر سنة 1853 م كلمة لمكاتبيها الخصوصيين في مصر يصفون فيها الحالة منذ بدء القتال بين الدولة وروسيا ويقولون إن أحد الأهالي جاءه كتاب من ميدان القتال في جهات نهر الطونة بانتصار المصريين على الروس في تلك البقاع وعبورهم النهر المذكور ببسالة واقدام. قالت:

أظهر باشا مصر منذ بدء القتال مع روسيا اعظم الاخلاص وأصدق العزم في تقديم المدد إلى الباب العالي صاحب السيادة، وقد كتب إلينا مكاتبوها الخصوصيون في مصر أن الحرب في جهات نهر الدانوب وفي الأصقاع الأسيوية هي الموضوع الذي يشغل الناس الآن في الإسكندرية والقاهرة عن كل حديث غيره. وقد احتشد في كلتا المدينتين قوات كبيرة من الجنود، ويسافر من وقت لآخر في أسطول الباشا فصائل من الجنود المصرية إلى ميدان القتال. وأجمع الرواة على أنهم رفعوا مكانتهم في أعين الجميع باقدامهم وبسالتهم وشدة كفاحهم للروس.

وقد ورد على شخص في الإسكندرية كتاب من ميدان القتال في جهات نهر الطونة (الدانوب) يقول فيه كاتبه إن أربعين من الجنود المصرية كانوا أول من عبر هذا النهر. وقد فعلوا ذلك سابحين والتقوا بحراس إحدى النقط الروسية وهزموهم وقتلوا منهم عشرة جنود. ثم اجتازوا النهر بعدهم مائة وخمسون من الألبانيين في صندل. وهؤلاء أيضاً قهروا جماعة من الروس وأخيراً عبر الأتراك النهر بقواتهم.

وفي مصر الآن ما لا يقل عن 15.000 جندي ينتظرون البواخر التي تقلهم إلى منطقة الحرب. فإذا انضم هؤلاء إلى زملائهم المنضمين الآن إلى جيش السلطان وأسطوله بلغ عدد جنود الحملة المصرية كلها 40.000 جندي.

وعلاوة على هذه القوة الكبيرة يوجد لدى عباس باشا في حاميات القطر المصري 40.000 جندي آخرون. وفي الإسكندرية الآن وما يجاورها 27.000 جندي. وقد كثرت الشكايات من الشدة المستعملة في التجنيد ومن أفعال العنف الدائرة التي يلجئون إليها للحصول على جنود للحملة. وقد تطوع أخيراً للحملة العسكرية لنصرة السلطان 6.000 من الذين خاضوا غمار حروب سابقة. ويتحدث أصحاب النشرات الصغيرة مفتخرين معجبين ببسالة إخوانهم المحاربين في جهات نهر الدانوب. ولا يذكرون الموسكو- كما يسمون الجنود الروسية- إلا مستهزئين ساخرين منهم أشد سخرية.

استعراض النجدة البرية الثانية بالإسكندرية وقيامها إلى الأستانة

وفي خلال خمسة أشهر تقريباً بعد إصدار الوالي أمره بجمع جنود النجدة البرية الثانية، تم حشد جنود هذه النجدة واعدادهم بوسائل الحرب والدفاع. وفي 18 مارس سنة 1854م استعرضت جنودها في مدينة الإسكندرية في منظر بهي جميل ثم سافرت منها على متن السفن إلى الأستانة.

وقد جاء نبأ إستعراض هذا في الجريدة الإنجليزية أخبار لندن المصورة - ذي اللستريتد لندن نيوز- بعددها الصادر بتاريخ 8 أبريل سنة 1854م، تحت عنوان "العساكر في الإسكندرية" وإليك ترجمة ما ورد في الجريدة المذكورة بهذا الصدد، قالت:

أرسل إلينا مكاتبنا من الإسكندرية كلمة عن النجدة البرية المصرية لمساعدة الجيش التركي في حرب الروسيا مفادها أن قوة عظيمة من الجنود تتراوح بين 17.000 و20.000 جندي تحشد الآن في مدينة الإسكندرية. وأن ثلثي هذا العدد سيسافر قريباً إلى ميدان القتال، وأنه استعرض منه 12.000 جندي خارج أسوار المدينة في هذا الصباح - الثامن عشر من شهر مارس الماضي - وسار ثلث هذا العدد (4.000 جندي) مخترقاً الميدان الأكبر قبل ظهر هذا اليوم في منظر جميل جداً. وكان اليوم صحواً جميلاً، ولكن حدث أخيراً على خلاف العادة أن صار الجو في ساعات بارداً قارساً والمطر يتساقط من السماء بغزارة.

وصولها إلى الأستانة وحاربتها عصاة اليونان

وفي أوائل شهر أبريل من سنة 1854م وصلت هذه النجدة إلى الأستانة. وما هي إلا أن نزلت من السفن حتى أتاها أمر بالركوب ثانية والاقلاع إلى مرفأ (فولو) Volo في تساليا لمقاومة غارة شنها متمردو اليونان على هذه الجبهة. وفي أوائل مايو من هذه السنة باغتت الطائفة من عصاة اليونان قسماً من هذه النجدة عند زحفها على مدينة يني شهر في مضيق كالابوكا Kalaboka وكبدته خسائر فادحة. وبعد ذلك بوقت استرد عبدي باشا رئيس القوات التركية والمصرية في هذه الجهة مدافعه ومضاربه وهزم العصاة شر هزيمة وكبدهم خسائر جسيمة.

وقد جاء في التقويم العثماني للوقائع سنة 1270 هـ (1854م) ما نصه:

يستفاد من الأخبار الواردة أنه بناء على هجوم الجنرال جاوهلا سر عسكر اليونان مع نحو 5.000 من الأشقياء في يوم 6 شعبان سنة 1270هـ (4 مايو سنة 1854م) على الموقع المسمى شيا الذي يجاور نارده، قد أرسل من طرف حضرة صاحب العطوفة فؤاد أفندي أربعة طوابير من العساكر النظامية الشاهانية، ومقدار من العساكر الموظفة الملوكية وبضعة مدافع. وشرع في الحرب والدفاع فهلك من أشقياء اليونان نحو 500 وجرح منهم أيضاً أكثر من 400 وفر الباقي منهم منهزماً بعد أن تركوا في الميدان نحو ستين جريحاً، وغنم منهم 84 صندوقاً من البارود، و5 صناديق من الخراطيش الجاهزة، و8 رايات. ولله الحمد والمنة قد أنقذت جهاة (نارده) من اعتداءات اليونان، ورفع أهاليها التشكرات اللازمة والدعوات المفروضة إلى الحضرة الشاهانية.

ومن آثار إقدام وهمة حضرة صاحب الجلالة عبدي باشا أنه هو وسعادة زنيل باشا ناظر دربندات والعساكر الشاهانية الموجودة بمعيتهما هجموا على أشقياء اليونان الذين فروا منهزمين من مجوه وانسحبوا إلى ديموكه على أمل محاصرتها فشتتوا جمعياتهم بدون أن يمكونهم من إطلاق بنادقهم وأسروا معظمهم أحياء وإستولوا أيضاً على مدافع وبنادق واشياء أخرى. ومن ثم لما علم زنيل باشا الموحي إليه أن مترو، وأستراطو، ورانقو زعماء أهل الفساد ينوون الاغارة من أغرقة إلى يكيشهر فنار، سير عساكر شاهانية عليهم فعجزوا عن المقاومة، وفروا إلى الجبال منهزمين، بعد أن هلك منهم وجرح كثيرون. وأنه لما علم حضرة صاحب السعادة سليم باشا المصري عند سيره مع العساكر الشاهانية الموجودة بمعيته إلى جهة فادريجه بأن القبودان فوفسبلبا دخل دلش مع فريق من الأشقياء، سار عليهم. وفي أثناء شروعه في الحرب والدفاع أخبره أشقياء اليونان بأنهم يرغبون في التسليم فكف عن الحرب، ولكن عند حلول الظلام فروا. ولما علم في اليوم التالي أن نحو 1.500 نفر من اليونانيين تجمعوا في فالبويا، سار عليهم بالعساكر المصرية ففروا من هناك أيضاً إلى جهة بوغلجية، فتعقبهم وأظهر لهم الصولة في الحرب التي جرت معهم فهلك كثير من الأشقياء.

وقد استمر جنود النجدة الثانية مرابطين في تساليا إلى أن وضعت الحرب أوزارها.

اشتراك النجدة البرية الأولى في محاربة الروس

لقد سبق القول أن النجدة البرية الأولى وزعت جنودها بعد نزولهم في الأستانة، بين مدينة سلستره وبابا داغ الواقعتين على نهر الطونة، وشملا الواقعة جنوب هذا النهر وهي مركز القيادة العامة للجيش العثماني.

وقد كان من نصيب القسم الأول من هذه النجدة الذي ذهب إلى سلستره أن قاتل عدد من جنوده بلوكين من الروس بالقرب من تورتوكاي التي أمام مدينة أولتنيتزا وانتصر الروس. وكان ذلك في 23 أكتوبر سنة 1853م، وإليك ما جاء عن هذه المعركة في الجزء الأول من كتاب الأتراك والروس لمؤلفه دور فور ص50 (les Turcs et les Russes, par Durfor Tome, 1, P.50):

تقاتل عدد من الجنود المصرية مع بلوكين من الجنود الروسية بالقرب من تورتوكاي التي أمام أولتنيتزا فكان الفوز حليف الجنود المصرية.

وفي 4 نوفمبر سنة 1853م دارت معركة عنيفة بين الروس والجنود المصرية في ناحية أولتنيتزا الآنفة الذكر. وقد أبدت الجنود المصرية فيها بسالة نادرة وشجاعة فائقة.

وفي 12 يناير سنة 1854م اشترك عدد من جنود هذا القسم أيضاً في مقاتلة الجنود الروسية المرابطين على الأرصفة التي أمام مدينة سلستره وحاربوهم بشجاعة وبسالة حتى ألجئوهم إلى الفرار إلى داخل البلاد. وقد جاء عن هذه المعركة في تقويم الوقائع العثماني سنة 1270 هـ (1854م) ما يأتي:

في صباح اليوم المذكور (12 يناير) حوالي الساعة الثانية عشرة قد صار أركاب مائة نفر من أهالي سلستره وعساكرها الطوبجية المحية في القوارب الصغيرة لمعبر عنها بأورانسه وإمرارهم إلى البكيد بمضيق قرة لاش بالجهة اليمنى منها وأنزل مائة نفر أيضاً إلى الأرصفة الواقعة بمضيق بورجه بالجهة اليسرى منها وصار إركاب خمسين نفراً من بيادة الرديف وخمسين نفراً من العساكر المصرية الشاهانية بمعية محمد أغا قول أغاسي الرديف الخاص ومحمد أغا يوزباشي ياور الحرب ومحمد سعيد أغا قول أغا العساكر الشاهانية في قاربين كبيرين وأربعة قوارب أورانسه، وإمرارهم إلى الأرصفة الواقعة أمام سلستره. وفي أثناء ذلك أطلق نحو ستة أو سبعة أنفار من السواري الافلاقي من كل رصيف من الأرصفة النار من أسلحتهم فقوبلوا من هذا الجانب بالهجوم فبادروا إلى الفرار في الحال بعد أن جرح منهم بضعة أنفار. وقد أطلق العساكر الشاهانية النار على جميع الأرصفة، وطافوا وتجولوا في الغابات من خمس إلى ست ساعات بالبسالة والشجاعة، ثم عادوا بدون أن يصاب أي واحد منهم باقل ضرر كما جاء بعد ذلك في المحررات الواردة من كل من الفريق سليم فتحي باشا المصري ومن سعادة الفريق خالد باشا قائد روسجق ومن سعادة الفريق موسى باشا رئيس مجلس الطوبخانة العمرة الموجودة بسلستره، وأرسلت بكتاب خاص إلى دار السعادة.

وكان من نصيب قسمها الثاني الذي ذهب إلى بابا داغ أن قاتل جيش الروس في 23 مارس سنة 1854م أمام هذه المدينة. وقد روى مؤلف كتاب (تاريخ حرب الروسيا وتركيا ص 179) History of the war in Russia & Turkey, p.179، أن الجنود المصرية كان لها القدح المعلي بين صفوف الجيش التركي.

أما القسم الثالث من هذه النحدة الذي ذهب إلى شملا فقد أرسل منه 800 جندي من الطوبجية إلى طرابزون الواقعة على البحر الأسود لحماية هذه المدينة من اعتداء الروس عليها. وكان إرسال هؤلاء الجنود إلى المدينة المذكورة في 13 يناير سنة 1854م. وقد ذكرت جريدة ذي اللتستريتد لندن نيوز في عددها الصادر بتاريخ 5 مارس سنة 1854م نبأ إرسالهم إلى تلك الناحية فقال: وردت إخبارية من سينوب بأن 800 جندي من الطوبجية المصرية أرسلوا في 13 يناير من هذه السنة إلى طرابزون.

وفي شهر مارس من هذه السنة أيضاً أرسل فريق من جنود هذا القسم إلى مدينة راسجراد لدرء تهديدات الروس. وقد رابطوا بهذه المدينة حتى زال الخطر عنها. وإليك ما ذكرته جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز بهذا الصدد في عددها الصادر بتاريخ 29 أبريل سنة 1854م، قالت:

نظراً لتهديد الروس لمدينة راسجراد قد أرسلت القوة التي في شملا إلى تلك المدينة. وبعد زوال الخطر عادت إلى شملا. وقد تقابل مكاتبنا في الطريق من 8.000 جندي مصري تحت قيادة سليمان باشا.

وبعد زوال الخطر عن مدينة راسجراد عادت جنود هذه القوة إلى شملا حيث استعرضهم سردار الجيش التركي إكرام عمر باشا في 11 أبريل من هذه السنة. وقد كان منظرهم ينم عن استعداد حربي كامل وبأس شديد. وهاك ترجمة ما ورد بهذا الصدد في جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 6 مايو سنة 1854م:

في يوم 8 أبريل عادت القوة جميعها بمدافعها إلى شملا وكان أكثر جنودها مصريين. وكانوا سائرين يحملون أسلحتهم بنظام تام. وكان أكثرهم ذا منظر حسن ظاهرة عليه الشجاعة العسكرية. وفي 11 أبريل استعرض عمر باشا القوة جميعها. وقد كانت الطوبجية المصرية احسن الجميع.

إرسال ثياب إلى جنود هذه النجدة

وفي 25 جمادى الآخرى سنة 1270 هـ (25 مارس سنة 1854م) أمر عباس باشا كتخدا بإعطاء الامر إلى ديوان عموم الجهادية بارسال 55.624 ثوباًُ من الملابس إلى الأستانة برسم جنود الألايات المصرية الموزعة على تلك الجهات واخطار سليم فتحي باشا بذلك. وبناء على هذا الامر ارسل الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية بتاريخ 27 جمادى الآخرة من السنة المذكورة (27 مارس سنة 1854م) الإفادة الآتية وها هي:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 154 بتاريخ 27 جمادى الآخرىة سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691:

"رداً على الافادة المؤرخة 19 جمادى الآخرة سنة 127 (19 مارس سنة 1854) رقم 74 نعلمكم بأنه كتب في تاريخه إلى أدهم باشا مدير الأمور الخارجية بارسال 55.624 قطعة من الملابس اللازمة لأفراد الألايات المصرية بالأستانة إلى الجهات التي بها تلك الألايات. فحرروا أنتم أيضاً إلى سليم باشا باشبوغ العساكر السالف ذكرها وأخبروه بذلك. وقد حرر هذا للمعلومية".

تبرعات مصر للدولة في هذه الحرب

لما قامت الحرب بين الدولة والروسيا تبرع الوالي عباس باشا الأول ب8.000 كيس (40.000 جنيه مصري) لمساعدة الدولة في هذه الحرب ونفقاتها. وتبرع نجله إلهامي باشا ب2.000 كيس (10.000 جنيه مصري). وقدم سعادة حسن باشا المنسترلي إلى خزانة الدولة 7.000 كيس (35.000 جنيه مصري) تبرع بها الموظفون في مصر لهذا الغرض أيضاً. وإليك ما جاء عن هذه التبرعات في تقويم الوقائع العثماني سنة 1270 هـ (1854م):

قد تبرع حضرة صاحب الفخامة عباس باشا والي مصر المشار إليه بمبلغ (8.000) كيس نقدية محسوباً على مطلوبه من خزينة المالية الجليلة وتبرع حضرة صاحب الدولة إلهامي باشا المشار إليه أيضاً أيضاً بمبلغ (2.000) كيس نقدية إعانة للنفقات الحربية.

وقدم حضرة صاحب السعادة حسن باشا الذي حضر لدار السعادة هذه المرة إلى خزينة المالية الجليلة مبلغ (7.000) كيس نقدية تبرغ بها الموظفون وسائر عبيد الحضرة الشاهانية الموجودون بمصر والتمس قبوله بكتاب محرر منه وصدرت الارادة الشاهانية بالموافقة.


اعلان فرنسا وإنجلترا الحرب على روسيا

وفي 27 مارس سنة 1854 أعلنت فرنسا وإنجلترا الحرب على روسيا وانضمامهما إلى تركيا. وكانت هاتان الدولتان قد تداولتا البحث في هذه الحرب قبل ذلك بوقت وأعدتا لها جيوشهما. ولدى إبحار المارشال سان أرنو Saint Arnuad رئيس قواد الحملة الفرنسية مع جيشه أصدر الأمر العام الآتي وفيه وجه اثناء إلىا لجيوش المصرية.

أيها الجنود:

إنكم ستسافرون بعد بضعة أيام إلى الشرق للدفاع عن قضية الحلفاء الذين هوجموا ظلماً وعدواناً وتواجهون تحدي القيصر وتحرشه بأمم الغرب.

وإنكم ستقاتلون مع الإنجليز والترك والمصريين جنباً إلى جنب. وغير خاف ما يجب عليكم نحو رفاقكم في السلاح من الاتحاد والمودة في عيشة المعسكرات والتفاني في العمل باخلاص تجه القضية المشتركة:

لقد كانت فرنسا وإنجلترا فيما سلف خصيمتين. أما اليوم فهما صديقتان وحليفتان، وقد عرفت كلتاهما منزلة الأخرى في حومة الوغى. وهما معاً سيدتا البحار وستمير الأساطيل جيوشهما بينما ينزل القحط والجوع بمعسكر العدو.

ولقد عرف الأتراك والمصريون كيف يقاومون الروس في الحرب من وقت ما دارت رحاها وهزموهم منفردين في عدة مواتقع وإذن فما الذي لا يستطيعون عمله وأنتم في عونهم.

أيها الجنود

إن نسور الامبراطورية عادت للطيران لا لتهدد أوروبا بل لتدافع عنها. فاحملوا أعباء هذه الحرب مرة أخرى كما حملها أباؤكم من قبل. وكرروا جميعأً قبل أن تغادروا أرض فرنسا النداء الذي أكسبهم انتصارات في مواطن جمة. وذلك النداء هو "يعيش الامبراطور".

مارشال فرنسا

رئيس قيادة جيش الشرق

الامضاء: أ. دي سان أرنو

إنضمام النجدة المصرية إلى أساطيل فرنسا وإنجلترا وتركيا

أصدر الباب العالي امره إلى الأسطول العثماني بالمسير إلى البحر الأسود وانضمامهما إلى أساطيل دولتي فرنسا وإنجلترا التي هناك استعداداً للحرب. وقد جاء عن نبأ هذا الانضمام في التقويم العثماني سنة 1270هـ (1854م) ما نصه:

"لأجل العمل بالاتحاد مع أساطيل الدولتين المتفقتين المشار إليهما - أي فرنسا وإنجلترا - الموجودة بالبحر الأسود. قد أرسل الأسطول الهمايوني الذي جهز وأعد في ظل الحضرة الشاهانية مع سفن الفرقة المصرية الهمايونية إلى جهة البحر الأسود في يوم السبت 9 شعبان سنة 1270 هـ (7 مايو سنة 1854م) تحت قيادة حضرة صاحب السعادة الفريق البحري أحمد باشا ورفاقه حضرة صاحب السعادة حسن باشا قائد الفرقة المصرية بناء على الفرمان الصادر من لدن الحضرة الشاهانية."

حصار سلسترة واحتدام الحرب حولها

من مايو سنة 1854 بدأ يندلع لسان الحرب فتقدم المارشال باسكيفتش إلى جبال سلسترة القائمة على نهر الدانوب ومعه 40 ألف جندي وحاصر حصن طابية العرب وأنذره بالتسليم وكان بهذا الحصن حامية مؤلفة من 18 ألف جندي بين أتراك ومصريين. فأجابه الجنرال التركي موسى خلوصي باشا قائد ذلك الحصن قائلاً: لقد تلقيت أنت أمراً بالاستيلاء على الحصن معما لاقيت في سبيل ذلك. وأنا لدي تعليمات تقضي بأن أدافع عنه مهما كلفني ذلك.

وشرع الروس تلقاء هذا الاباء في إشعال نار الحرب. وفي 20 مايو سنة 1854م شن الروس ثلاث غارات على الثلاثة الحصون المنفصلة التي في مدينة سلستره وهي طابية إيلاني وطابية أردو وطابية العرب وهذا الحصن الأخير كانت ترابط فيه جنود مصرية. وكانوا يعلقون أهمية كبرى على فتحه لمنع موقعه. وكن شكله أشبه شيء بمتراس أي تل مكون من التراب. وهذه الحصون واقعة على مسافة 2.000 متر أمام سلستره. وسلط الروس على الحصن الأخير مقذوفات 12 بطارية مكونة من 72 مدفعاً تضربه باستمرار ثم هاجموه ولكنهم فشلوا. وشنوا عليه الغارة مرة أخرى في الغد أي في 21 منه إلا أنهم دحرواً أيضاً في كل موضع. وبعد ذلك خرج لهم القائد موسى باشا من وراء هذا الحصن على رأسه حاميته خروجاً تكلل بالظفر والنجاح.

وفي 28 منه قام الروس بمحاولة جديدة أدهشت حامية الحصن برهة وتوصلوا بها إلى اجتياز الخندق، وأخذوا يتسلقون ساتر الحصن غير أن الحامية التي كانت مؤلفة من أربع أورط مصرية و500 أرنؤودي بقيادة حسين بك أميرألاي 10 جي بيادة المصري سبقت الأعداء إليه. وقبل أن يتمكنوا من الاستقرار ألقتهم في أسفل الخندق وذهب تحريض قسوسهم والحماس الديني الذي كانت تغلي مراجله في صدورهم في ذلك اليوم الذي كان يوم أحد، هباءاً منثوراً، إذ إندحروا في المرتين اللتين كروا فيهما في هذه المحاولة وتدهوروا في الخندق.

وجاء في الجريدة الإنجليزية (ذي اللستريتد لند نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 24 يونيو سنة 1854م تحت عنوان "الحرب - حصار سلستره - تقهقر الروس" ما معربه:

كتبت صحيفة جورنال ده كنستانتينوبل" فصلاُ هاماً عن الهجوم الذي قام به الروس في ليلة 29 من الشه رالماضي (مايو) على التحصينات الأمامية التي في الجنوب الغربي من سلستره. فقد تألفت ثلاث فرق منهم للقيام بأعمال النسف والهدف يبلغ عدد جنود كل فرقة نحو 10.000 جندي وتالفت كذلك أورطة من المهندسين الحربيين معها أدوات ردم خنادق الطوابي وسلالم التسلق فوق جدرانها.

وقبل أن يبدأ الروس بالهجوم خطب الأمير باسكيفتش في صفوفهم وحثهم جميعأً على أن يبذلوا غاية جهدهم في مهاجمة الحصون واستيلائهم عليها. وأوعدهم إذا فشلوا في هذه المهمة بأنه سيمنع عنهم تعييناتهم. وبعد أن بث فيهم هذا الروح من التحريض والاقدام سارت فرقتان من الفرق الثلاث المذكورة نحو طابية العرب وطابية إيلاني. أما الفرقة الثالثة فكانت تعمل ما تعمله الفرق الاحتياطية.

وبعد أن أطلق الروس نيران مدافعهم الهائلة تقدموا لمهاجمة الحصون ولكن سرعان ما قابلتهم الجنود المصرية من داخلها بوابل من نيران بنادقهم الحامية محكم التصويب إلى الهدف. فظل الروس في أماكنهم ولم يتقدموا إلا تقدماً قليلاً لا يذكر.

والحق يقال أن المعاقل التي كانت بها الجنود المصرية صبت على الروس ناراً من القنابل والرصاص حامية السعير حتى لو كان الروس في ذاك الوقت من حديد لاستحال عليهم أن يقفوا أمام هذه النيران القوية المتواصلة. ولذا لم يجدوا بداً من التقهقر والرجوع.

وسرعان ما جمع القائد الروسي شتاتهم رغم تواصل إطلاق النار وعاد بصفوفهم إلى الهجوم والقتال بشدة فائقة حتى وصلت فرق الروس إلى القلاع وحاولوا الدخول إليها من فتحتها المعدة لأفواه المدافع.

ولما تمكنوا من تسلقلهم متراس إحدى البطاريات وقعت بينهم وبين الجنود المصرية معركة منتظمة تغلب فيها المصريون على الروس بفوز باهر ونصر عجيب ودهوروهم بأطراف بنادقهم في الخندق ففقدوا شجاعتهم بلا مراء. ثم عادوا إلى الهجوم ولكنهم كانوا في هذه المرة مجبرين من ضباطهم على ذلك فلم يكن لديهم بالمعنى الحرفي أي اقتدار على القتال فتقهقروا وحملوا معهم من قتلاهم وجرحاهم بقدر ما استطاعوا. وبعد تقهقرهم التقط المصريون من ساحة القتال 1.500 جثة من قتلى الروس وعدداً كبيراً من بنادقهم وسيوفهم وطبولهم وآلات موسيقاهم وعلم أورطة من أورطهم.

وقد أبدى حسين بك المصري أمير الآلاي 10 جي بيادة وقائد الحصنين السابقين في هذه الموقعة أعظم شجاعة كما أبدى مثل ذلك إثنان من الإنجليز وآخر من بروسيا. وكانت خسارة المصريين فيها 50 من القتلى وما يقارب هذا العدد من الجرحى.

وفقد القائد الروسي شلدرز في هذه الموقعة ساقه وحالته الآن في خطر لاسيما أنه طاعن في السن وعصبي المزاج. وأصيب الأمير جورتشاكوف بجرح بليغ كما اصيب القائد لودرز بجرح آخر ويقال إن صحته آخذة في التحسن. أما الكونت أورلوف وإن كان يدب فيه الروح فلا أمل في شفائه.

وجاء في الجريدة الإنجليزية ذي اللستريتد لند نيوز عن هذه الواقعة بعددها الصادر بتاريخ 8 يوليو سنة 1854م ما معربه:

بلا شك للهجوم الأكبر يوم 28 مايو وقد وصف اليوزباشي ناميث هذا الهجوم كما يأتي:

استيقظت يوم 28 مايو نحو الساعة الثالثة صباحاً على صوت اطلاق المدافع الشديد المزعج الذي استمر اليوم كله. وقد انعقد مجلس حربي آخر للبحث في موضوع خروج عساكر الحامية للهجوم على بطاريات العدو؛ ولكن انفرط عقد هذا المجلس دون أن يقرر شيئاً البتة في هذه المسألة، لأن موسى باشا كان متردداً ولم يستطع أن يبت الرأي ويعتزم على المخاطرة بخسارة الرجال التي قد تنتج عن هذا الهجوم. وقد قطع الروس قناة في بدء الحصار وكانت تمد جزءاً من المدينة بالماء ولكنهم تركوها تجري ثانية. وعند منتصف الليل تقريباً قمت من نومي على صوت اطلاق البنادق من طابية العرب. ولما بلغت الحاجز الذي عند باب إستانبول وجدت أن هجوماً ليلياً ثانياً كان سائراً على قدم وساق وكان أشد خطورة من سابقه.

وكان الهجوم الأول على الجبهة اليسرى وقد نفذ العدو فعلاً إلى داخل الاستحكام قبل أن يراهم أحد. أما الضابط الروسي الذي قاد هذا الهجوم وقتل ملازماً من الطوبجية فقد لقى مصرعه في الحال بضربة من قضيب أصابته في المخ. ثم احتدمت نار القتال احتداماً شديداً وانتهت برد العدو ودفعه لي بالنزول في الخندق وتحمله خسارة كبيرة بفعل الرصاص والكور المفرقعة التي مزقتهم تمزيقاً. وبعد ذلك رتبوا صفوفهم وحاولوا الهجوم على نفس المكان بقيادة باهرة على أصوات الطبول ولكنهم دحروا وارتدوا وقد قتل منهم كثيرون. وبعد ربع ساعة قاموا بهجوم ثالث وكان في هذه المرة على الجبهة اليسرى والجبهة الأمامية في آن واحد ولكنهم قوبلوا بنفس المقاومة الشديدة التي عهدوها من قبل. وبعد معركة دموية ارتد الروس نهائياً وتبعهم اليونانيون إلى داخل بطارياتهم وكانت القوة التي في طابية العرب في ذلك الوقت مؤلفة من أربع أورط من المصريين وخمسمائة من الجنود الألبانيين بقيادة حسين بك. وأقل تقدير للقوة التي هاجم بها العدو هو تسع أورط. وإذا حكمنا حسب العدد الذي وجد من الموتى في داخل الحصن وحوله أمكن تقدير قوته بأكثر من ذلك كثيراً. وقد استمر القتال من منتصف الليل إلى ما بعد طلوع النهار وهو من الحوادث الممتازة التي حدثت أثناء الحصار كله وقد بلغ عدد القتلى 68 والجرحى 121 وكثير من الضباط بين الأولين ويمكن أن نقدر خسارة العدو بألفي قتيل وجريح وإن كان الذين قد نقلوا جثث الموتى صرحوا بأن عدد القتلى وحدهم كان يزيد عن هذا التقدير. وعل هذا إذا حسبنا عدد الجرحى بأقل ما يمكن فإن خسائرهم تزيد عن 6.000 نفس.

وقد ذكر الضابط الإنجليزي ناسميث المذكور وصف هذه الوقائع بإيجاز في كتابه "تاريخ حرب الروسيا وتركيا ص 197.

وفي ليلة 30 مايو خرج القائد موسى باشا عقب ما تلقى الامدادات من السردار إكرام عمر باشا في شملا وهاجم جناح روسيا الأيمن وكان وقتئذ مؤلفاً من ثماني فرق مجتمعة أمام سلستره تحت إمرة المارشال باسكيفتش. وخال الجنرال الروسي سلفان قائد الفرقة الثامنة أن هذا الخروج أدى إلى إخلاء طابية العرب فأسرع هو نفسه مصحوباً بثلاث أورط بيادة ليحمل عليها ويأخذها عنوة وذلك بعد أن أمر الجنرال بوبوف أن يلحق به مصوحباً بأربع أورط أخرى لمعاونته.

وفي هذه المرة اجتاز أيضاً الروس الخندق وبدأت تتكرر مرة أخرى حادث 28 منه. وجرح الجنرال أورلوف ياور الامبراطور نقولا لدى تسلقه الجزء المنحدر من الساتر وكان يتقدم صفوف المهاجمين. ولم تمنع وعورة هذا الحصن هجمات الجيوش الروسية. فتقدم عدد من الضباط والجنود وتسلقوا ساتر الحصن ودخلوا الحصن نفسه من الفتحات المعدة للمدافع. فحملت عليهم الحامية وكانت لم تزل مصرية وقاتلتهم جسماً لجسم حتى طردتهم وأخرجتهم من نفس تلك الفتحات التي كان يتوهم الروس من برهة أنها باب نصرتهم.

وبعد أن قاتل الروس قتال المستيئس زهاء أربع ساعات أكرهوا على الانسحاب وخرج المصريون خلفهم وتعقبوهم وضايقوهم كثيراً وحملوهم خسائر فادحة. وجرح الجنرال سلفان جرحاً مميتاً وهو مدبر فجمع وكيله الجنرال فاسيلتزكي الروس وقادهم إلى خنادقهم. أما الجنرال بوبوف فلم يحل بطائل أيضاً وتراجع بلا انتظام مع فرقته. وبالاختصار نجح المصريون نجاحاً تاماً وكانت خسارتهم طفيفة بالقياس إلى خسائر العدو.

وفي 2 يونيو سنة 1854م أمر المارشال باسكيفتش وكان لديه وتحت إمرته 100 ألف جندي بالقيام بهجوم عام على الحصن واشتركت في هذا الهجوم عمارة الدانوب الروسية فكانت ترمي المدينة بقنابلها من جهة والمدفعية البرية تقذف مقذوفاتها من ناحية أخرى على الحصن من خنادقها. ووجه الروس هجومهم الرئيسي إلى حصن طابية العرب وكانوا قد لغموا بطاريته التي في المقدمة والمصريون فتحوا ضد ذلك لغماً فانفجر هذا تحت أقدام الروس فأخل نظامهم وبث في قلوبهم الهلع والرعب.

وعندما شهدت حامية سلستره هذا الحادث انتهزته وخرجت وحملت على الروس ودحرتهم. ولكن كان هذا اليوم لسوء الحظ ونكد الطالع يوم حزن لدى الجيش المنصور لأن ذلك البطل الشجاع موسى باشا قائد سلستره قتل في معمعان هذه الواقعة.

وفي 5 و7 يونيو أعاد الروس للمرة العشرين هجومهم فلم ينالوا سوى الاندحار والفشل. ومارشالهم الطائر الصيت باسكيفتش أصيب بمرض اضطره إلى الابتعاد عن ميدان الحرب واصيب البرنس جورتشاكوف بجرح كبير.

وفي 13 يونيو كر الروس مرة أخرى بشدة كبيرة جداً وبذلوا آخر مجهود عندهم فبترت فخذ جنرالهم شلدرز ومات متأثيراً من العملية الجراحية التي أجريت له.

ونتج من انفجار أحد الألغام أن طار سار طابية العرب فوثب فيها لاروس متساندين كأنهم رجل واحد غير أن الترك والمصرييين ألقوا بأنفسهم في الثغرة وكونوا من أجسادهم متراساً جديداً بينما كان قسم آخر من المصريين يصوب إلى صفوف الروس بنادقه ويبيدهم ويمنعهم من الدنو وهو متوار في كمين.

ولم تكف الحصون المنعزلة عن السهل وعن مرتفعات المدينة أيضاً عن المجاوبة على نيران العدو فتسرب اليأس والقنوط إلى قلب المارشال باسكيفتش ورأى أنه من العبث الاستمرار في بذل تلك المحاولات بلا جدوى فاضطر الروس أن يسنحبوا نهائياً مرغمين قانطين قنوطاً لا مزيد عليه من الاستيلاء على سلستره.

وفي 28 يونيو رفع المارشال الحصار ووجه جميع جيشه إلى بساربيا وانضم إليه الجنرالية الروس إجابة للأمر الصادر من الامبراطورية نقولا.

وجاء في الجريدة الإنجليزية المصورة ذي اللستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 29 يوليو سنة 1854م عن حصار سلستره نقلاً عن مكاتبها الخاص في شملا ما ترجمته:

شملا في 4 يوليو سنة 1854

في الخامس والعشرين من شهر يونيو الماضي انتهى رمضان المكرم شهر الصوم وكانت ليلة قائمة تبلد جوها بالغيوم التي حجبت الهلال اصغير ونوره الضئيل. ولكن حضر ثلاثة من الريف اشتهروا بالنزاهة والصدق وشهدوا أنهم رأوا المولود الدري الجديد في فرجة بين السحب وعندئذ إبتدأ عيد الفطر بجميع مظاهره المألوفة ارتكاناً إلى التأكيدات المذاعة بأن الأحوال العادي لم يطرأ عليها أي تغيير. وتردد في جو تلك الليلة صدى هتاف المؤمنين الفحين ودوي المسدسات والبنادق والمدافع والمفرقعات. وقبل هذه الليلة السعيدة بثلاثة أيام احترف أهل شملا صناعة المفرقعات لعيد الفطر. فترك البقال بضاعته ونبذ السروجي وصانع الأحذية المخرز والجلود وفارق الحوذي خيله وعربته المتقلقلة وشعر الشعب بالظفر فعزم عزماً صادقاً على الاحتفال بنهية شهر الصوم ولم يصمه صوماً حقاً على ما اعتد مما شاهدت أكثر من شخص واحد في كل عشرة ولكن بينما كان الشعب على هذه الحال من الاشتغال بمعدات عيد الفطر كانت عقول جميع المتصلين بقيادة الحرب مثقلة بالمتاعب الهامة فقد طال حصار الروس لسلتره أكثر من أربعين يومأً وخشى أن سقوط سلستره صار أمراً محتماً لأن العدو كان كثير العدد والحامية كانت في أشد الضيق فانفقت العزائم على افراغ الجهد أثناء أفراح الشعب لانقاذ القلعة الحصورة وصدرت بضعة أوامر منها أن تسير القوات التركية وأن تتحرك قوات الحلفاء وتمت الاستعدادات في صمت وإذا رسول جاء وأخبر بأن الروس ارتدوا وانسحب جيشهم وهجر مواقعه وعبر نهر الدانوب وعادت سلستره حرة كما كانت من قبل فكانت مضاعفة الأفارح من مميزات هذا العيد وطبق الآفاق أصوات المفرقعات والمسدسات والبنادق والمدافع ابتهاجاً بالنصر المزدوج بانتصار الاسلام الخلاص من تسلط العدو على بلاد المسلمين.

وفي الصباح الباكر من السادس والعشرين ابتدأت سفري إلى سلستره قاصداً زيارة المواقع التي برحها الذين كانوا فيها بالامس من القادة المشهورين ورافقني في هذا السفر سيدان شديدا الرغبة مثلي يتوقان كما أتوق إلى البحث عن معرفة الأسباب التي دعت عدواً في مثل هذ القوة العظيمة أن يعدل بدون أي سبب ظاهر عن خطته بعد أن سار في سبيل تنفيذها شوطاً بعيداً وجاهز بعزمه على المثابرة فيها حتى يحققها. وقد تدافعت مظاهر الحياة في الطريق إلى سلتسرة فسبقنا فيه عساكر حملة شملا وهم يسيرون بروح مرحة وخطوات مرنة.

وأول ما رأينا فيه كان بعض الأورط المصرية والتركية متزاحمين في الطرق المرتعفة فوق الآكام أو هابطين إلى بطون الوديان التي يتلو بعضها بعضهاً بسرعة في ظاهر المدينة.

ومما جعل حركات المصريين والأتراك أكثر وضوحاً خلو المكان من الأشجار والنجوم وكان منظر المصريين والأتراك بوجوههم النضرة الممتلئة القوية يناقض أشد المناقضة منظر فلول العائدين الآخرين من ميدان القتال بعيونهم الغائرة وعظام وجوههم البارزة وجلودهم التي لا تخفي شيئاً من أجزاء هيكلهم العظمي. فقد أنهكهم الجوع وأضناهم تعب الجسم وتعب النفس وهم ينقلون خطواتهم ببطء وعناء يبتغون مكاناً يجدون فيه الطعام والنوم خلافاً لما كان عليه الحال في سلستره. وقد سطعت أشعة الشمس على خطوط من العجلات لا نهاية لطولها وتستخدم الجواميس والثيران لجرها وارتفع في الجو صرير بكراتها لأنها لم تدهن بالزيت. ثم بلغنا قرية كلادير ولا يزال فيها آثار مرور العساكر بها أو اقامتهم فيها ومن هنا إبتدأنا ندخل أصقاعاً أحفل بالغابات وأجمل مناظر. ووصلنا إلى المعسكر الكبير المعروف باسم جيرجلي.

وكان الرأي السائد وقت دخول الروس بلغاريا وأثناء حصار سلسترة أنه من الضروري أن ترسل قوة عظيمة من الجيش تعسكر أمام شملا. فوقع الاختيار على جيرجلي لأن موقعها أمين ويسهل الدفاع عنه. ومن أجل ذلك اقيمت الاستحكامات في جوانب مدرج من الربى وجد الماء عند قاعدته بما يكفي حاجة الجيش. والماء هو الطلب الأعظم في جميع الجهات الواقعة إلى جنوب وإلى شرق سلسترة وهكذا حدث أن عسكر عدد عظيم من العساكر في أجمل الآكام مناظر وأني رغم الانتقادات التي سمعتها على انتخاب هذا الموقع أرى أنه لم تكتشف بقعة أكمل من هذه من حيث بهجة مناظرها الطبيعية لا من حيث مزاياها الحربية.

وقد أطلقنا ونحن نجتاز جيرجلي الواقعة في أسفل سفح المدرج لخيولنا العنان وسرنا بسرعة فائقة. وكان على مقربة من الطريق ثث فسقيات أو نافورات وبرك متباعدة كان السائقون يدفعون جوامسيهم للنزول فيها ويبردون ظهورهم بالطين أما القرية نفسها فلا ساكن فيها وجميع منازلها خالية وكنا نقابل العساكر في جهات متفرقة يحملون أغصان الكرز من بساتينه الواسعة ويأكلون الثمر أثناء سيرهم. ثم وصلنا مرتقى عسراً زحفت فيه عجلات الأتراك المثقلة بأحمال المؤن زحفاً بمجهود اليم. وبعد أن ارتقيناه أخذ عراء الطريق يتناقص إلى أن حجبت الأجمة كل شيء وأحاطت بالطريق واقامت فوقه سقفاً من الغصون المشتبكة. وقد أضافت أشباح العساكر المتحركة ألواناً جديدة غير مألوفة إلى الأخضر الداكن الذي يكسو أشجار البلوط الضخمة التي في الطريق. وأحيانأً كان يتلو هذه الأجمة بأشجارها الكثيفة فرجة العراء والمسالك الواضحة وقد زرع فيها القمح والشعير ونما زرعهما نمواً غزيراً.

ولما وصلنا إلى كرابشل لحقتنا مؤخرة قوة مؤلفة من عساكر الطوبجية ومن السواري والبيادة وكانوا يسيرون بخطوات سريعة ومنتظمة وصحب القوة عدد وافر من العجلات تحمل الماء وقد جرت العساكر إليها وأحياناً قصدوها زرافات وازدحموا حولها وتدافعوا بالمناكب لبل شفاههم الجافة من السير في الحرب الذي ارتفعت درجته إلى التسعين وقد خلت كرابشل وشبولار من السكان. أما هذه الاشباح النسوية الغريبة التي كانت تتراءة لنا في نواح مختلفة متوارية عن الأنظار فهي اشباح نساء من العجائز أو من اللائي أقعدهن المرض فلم يستطعن الفرار من العدو وتقدمه الموهوم. ويمكن أن نقدر صعوبة انتقال الجيش من مكان إلى آخر في بلاد كهذه إذا أدركنا أنه علاوة على ما كان يسببه فرار الأهلية فإن المرء كان لا يجد طحيناً ولا قمحاُ ولا شعيراً ولا لحماً ولا طعاماً. وفي الحقيقة كان لا يجد شيئاً من الغذاء للإنسان أو الخيل فاضطرت العساكر أن تحمل معها كل ما تحتاج إليه.

وبعد خمس ساعات لاح في الأفق قرية رامانا شيكر Ramnan-Chikler وعزمنا على المبيت فيها ليلة ومنظرها يفتن العقول ويأخذ بمجامع القلوب ومنازلها مبعثرة فوق منحدرات تكسوها الحشائش الخضراء وتغطيها أشجار البلوط المعمرة التي عاقتها فؤوس الحاطبين عن النو فجعلت شكلها من أغرب المناظر. وحيثما وجدنا سكاناً ألفيناهم لا يزالون تحت أثير الخوف الشديد فلم يفتحوا أبوابهم لنا والبيوت التي هجرها ساكنوها استولت جماعات العساكر على كل شيء فيها. أما نحن فمعنا مآكلنا وكذلك أغطيتنا ولم يبق إلا أن نبحث في أي ناحية من القرية نأوي. وقد وجدنا بقعة ظليلة بالقرب من المسجد حيث ذهبت جذور أشجار الجوز الضخمة في الأرض ونازعت البقاء أحجاراً تدل على أن تحتها قبراً تركياً. وأحضرنا معنا أيضاً نبيذاً ولكن الماء أهملناه إهمالاً لا يغفر فاضطررنا أن نستعمل ماء البركة وقد ملأ العساكر منه بواطيهم إلا أن الجواميس استحمت وحرت فيه فصار له طعم غريب.

وقد يسر المرء بعد أن يسير في أستراليا خمسين ميلاً أن يشرب ماء مستمداً من أحد تلك الثقوب النادرة التي وصفها ليخارت المسكين. أما أن يجد الإنسان هنا في أوروبا قرية بلا بئر تعتمد في حاجتها إلى الماء على القضاء والقدر بتلك الروح الجبرية التي اشتهر بها المسلمون فذلك أمر لم أكن مستعداً له وبسبب ذلك شربنا هذه المرة من النبيذ أكثر مما شربنا من الماء. وبعد الفراغ من الطعام شغلتني مسألة النوم فهيأت فراشي على الأرض: قطعة من المشمع تحتي وبطانية فوقي ولكن أحد رفقائي وهو سيد من مدينة نانتس حن إلى النوم في أي مكان إلى على الأرض ولذلك ارتسمت على وجهه شواهد الفرح إذ ظفر بإحضاره من دهليز الجامعة قطعة خشبية طولها 6 أقدام وارتفاع حوافيها 6 بوصات وصمم على افتراشها في الليل وهو لم يكن أول من كشفها. وقد أبقيت لنفسي اغتباطها بتكدير صفو تمتعه بالنوم فوقها بعد إضطجاعه عليها بوقت قصير إذ أخبرته بأنها نعش للموت. ورأى في منامه جثثهم.

وعقب خروجنا من رامانا شيكلر مبكرين ركبنا طويلاً على متن جياد متعبة إلى قرية بلغارية تدعى كاليبتري Calipetri حيث ظهر جنود الباشبوزق بمظاهر حريتهم المعتادة. وقد أحرقت الكنيسة التي بها القرية ولم يبق قائماً منها إلى جدرانها وتحول كثير من منازلها إلى رماد بينما نهبت محاصيل حقولها من البصل والفول.

ومن كاليبتري إلى سيلستره مسير ثمانية عشر ميلاً على الأقدام في سهل أو نجد ممتد على مرأى البصر ومزروع حنطة وشعيراً. وكانت أصوات السمان والجنادب مستمرة وكنت ترى هنا وهناك آثار معسكرات السواري في المحاصيل القائمة.

وهذه الأماكن على ما يظهر كان يستريح فيها القوقازيون الذين راادوا الاقليم مدة تزيد على الأربعين يوماً وأظهروا أنفسهم مراراً على المرتفعات التي فوق كاليبتري. هذا بينما كان أهالي القرية المسلحون بواسطة الروس يجوبون في الغابة المجاورة ويذبحون الخيل والرجال.

وقد أبان نهاية السهل أمامنا بناء منخفض مربع كان يخفق خارجه علم به هلال ونجمة فدل ذلك على قرب سلسترة.

وهذا البناء هو الطابية المجيدية وهي حصن كبير تقع المدينة من تلك الجهة تحت نيرانه وقد بلغ من مناعته أنه حال بين الروس وبين هجومهم على المدينة على أن الأرض الواقعة أمامه كانت ميداناً لقتال كثير بين عساكر الأتراك غير النظاميين وبين القوقازيين. وقد أسر نحو خمسمائة من هؤلاء العساكر أثناء هذه المناوشات لكن الجنرال لودرز بعد أن جردهم من أسلحتهم وخيلهم أعلنهم أنه أطلق سراحهم وقال أنه علم أن الجنرال يوسف ينوي أن يؤلف قوة منهم فرجاؤه إليهم أن يقدموا أنفسهم إلى القائد المذكور ويبلغوه تحياته أي تحيات الجنرال لودرز.

وإلى اليمين لما إزداد حجم الطابية المجيدية ظهوراً عندما دنونا منها إنبثق نهر الدانوب وبانت مناظره والأراضي المبنسطة الممتدة بين شاطئ نهر الدانوب والأرض الأخرى المنتهية عند كالاراش تغشاها على ما يظهر خيام الجيش الذين لم تجاوز أثناء تقهقره الساحل الآخر من نهر الدانوب.

وإلى اليسار وكأنها عند قاعدة الطابية تقع مدينة سلسترة محفوظة على ما يظهر أحسن حفظ فجميع مآذنها كاملة وظاهرة في ضوء الشمس.

ها نحن في سلسترة وقد دخلناها والوقت مساء واستغرقت خيولنا المتعبة إثنتي عشرة ساعة في هذا اليوم الثاني في قطع نفس المسافة التي طوتها في اليوم الأول ولم تأكل شيئاً أثناء ذلك فجهدت وهي تقطع المسافة في أحوال توافرت فيها الأسباب التي تؤخر وتعرقل.

إن سلسترة حصن في الدرجة الرابعة من الأهمية ويحيط به فقط سور وخندق صغير الحجم جداً ومع ذلك فإنها رهيبة القوة يخشاها العدو بسبب تلك الحلقة من الطوابي التي تكتنفها من كل جانب وجميع الآكام محصنة كذلك باسحتكامات حفرت في قممها ولابد من الاستيلاء عليها قبل الاستيلاء على الحصن بالذات. ونهر الدانوب عند سلسترة ليس متسعاً وفي والواقع أن الربوس من البطاريات الموضوعة على جانب النهر وفي ولاشين، استمروا يطلقون النيران بدون انقطاع من ثمانية مدافع تقذف قنابل طول الواحدة 21 بوصة ومن مدافع أخرى ثقيلة مشهورة باسم هويتزر وفي سلسترة مدفع يدل على مدخل المدينة من ناحية بوابة إستابول غير أن البطاريات التي على الساحل الآخر أحدثت ثقوباً في جسر سلسترة فكان الدخول إليها خطراً في جميع الأوقات وقد عاينا ونحن نجتاز البوابة البقعة التي قتل فيها موسى باشا بانفجار قنبلة وهو خارج من المكان المعد للوقاية من فتك القنابل وهنا كذلك فاجأت قذيفة شبيهة بالقنبلة المنفجرة فرقة من الباشبوزق في اللحظة التي كان اليوزباشي سيموند يزور فيها طابية العرب وهنا تقابلنا مع عمر باشا وقد حضر من فوره من شملا فأطلقت جميع بطاريات المدينة والحصن ثلاث طلقات إيذاناٌ بوصوله وتحية لقدومه وما كاد سعادته ينتهي من زيارة المواقع الروسية حتى تفضل كرماً منه وأمر أن تبقى وضعية الأشياء في طابية العرب كما هي دون احداث أي تغيير ريثما أفرغ من رسم المواقع (وهو الرسم المنشور بعد هذه الصفحة).

أما الشارع الذي اجتازته صفوفنا في سيرها إلى المساكن التي أعدها لنا ابراهيم باشا ففيه حفائر واسعة عمق الواحدة منها خمس أقدام وعرضها ثلاث والبعد بين كل حفرة وأخرى عدة ياردات. وفي هذه الحفائر شظايا من قنابل الروس. وسقوف المنازل جميعها مثقوبة كثيراً أو قليلاً بفعل هذه القنابل الشديدة الفتك. والحيطان المشتركة كثيرة الثقوب كذلك أما المآذن فقد اخترقت القنابل عدداً كبيراً منها ومع أن كثيراً من هذه المآذن قد أصيب بالعطب الشديد فلم تسقط واحدة منها كما أن المنازل ظلت ثابتة في أماكنها تقاوم ضربات النيران بكل رسوخ وثبات. فكأن أبنية سلسترة شاركت حماتها في روحهم وعقدت العزم مثلهم على ألا تسلم بالسقوط بأي ثمن.

ويكاد يكون من اللغو أن نقول إنه لم يبق في سلسترة ساكن واحد فقد طلب جميعهم السلامة من الخطر بالإلتجاء إلى المغارات التي حفرت في بطون الربى من جوانبها وأقاموا فيها أمنين. على أنهم عانوا بلا ريب ما عانوا لحرمانهم من الحركة أحياناً لحاجتهم إلى الطعام ولكنهم على كل حال كانوا في مأمن. أما العساكر وحدهم فقد ظلوا في هذه المدينة في نقطهم بالقرب من التحصينات حتى يمكن حشدهم في أسرع وقت. وكانت في الترسانة خيمة الملازم ناسميث واليوزباشي بتلر هذان الشهمان اللذان دافعا عن سلسترة دفاعاً قدره الأتراك أحسن تقدير. وقد أبى القدر أن يمهل اليوزباشي بتلر بعد رفع الحصار عن سلسترة فمات بعد ثمانية أيام من جرحه الذي أصيب به في ظابية أيلانلي. وقد قام الأتراك بما يجب نحو فأحاطوا جثمانه بمظاهر التشريف والتكريم. وقد شيعه حتى مثواه الأخير في مدفن الأرمن يوزباشي من كل بلوك في الحامية وأطلق السلام الحربي فوق قبره. وأمر عمر باشا أن يقام تذكار لائق تخليدأً لاسمه الذي سيظل مذكوراً بين الأتراك مثالاً للضباط الشجاع الذي برهنت أفعاله أكثر من مرة على شهامته وجسارته الفائقة.

أما الملازم ناسميث فحظه أحسن وهو الآن في شملا وقد منح الوسام المجيدي وكذلك وسام اليجيون دي نير، وكتب إليه لورد رجلان قائد الجيش الإنجليزي كتاباً عبر فيه رسمياً عن شكر الجيش الإنجليزي له على ما أبداه من ضروب الشهامة. ويجدر بي هنا أن أنوه باسم الملازم بلرد من فرقة المهندسين البنغالية ومع أنه لم يقم في سلسترة طويلاً فإن الأعمال التي قام بها ضد العدو في الخمسة عشر يوماً الأخيرة من أيام الحصار كانت مفيدة وذات نتائج فنأمل ألا يحرم من المكافأة.

وقد أمضت جماعتنا اليوم السابع والعشرين بأكمله في زيارة حصن طابية العربة وحصن أيلاني. وكان المنظر مما يبعث على الدهشة إلى أقصى حد وكان الطريق إلى حصن طابية العرب يدور حول الرابية حتى يبلغ ذروتها حيث بنيت الطابية. وأدل أمارة دلت على اقترابنا منها كان ذلك العدد من المغارات التي ثقبت في جانب الرابية وهذه المغارات تسع بضع مئات من الرجال وفيها عسكرت أو بعبارة أصح إختبأت القوة الاحتياطية التي كانت تدافع عن الطابية. وقد إرتاب الروس في مكان لا يبعد كثيراً عن هذه المغارات وظنوا أن تلك القوة الاحتياطية مختبئة فيه فرموه بآلاف من القنابل انفجرت دون أن تحدث ضرراً بأحد ولذلك غرس المصريون عصياً قصيرة لتعيين هذا المكان.

وقد نقل المصريون أثناء الحصار من بقعة إلى يمين هذه البقعة المحبوبة ما لا يقل عن الفي قنبلة لم تنفجر ومن هذا يمكن أن يتصور الإنسان شدة السعير الذي أصلاه الروس حامية سلسترة مدة بضعة أسابيع فقد كان أشد حرارة من لهيب المناطق الحارة.

ولما وصلنا إلى قمة الرابية دخلنا إلى حصن طابية العرب ولا يزال أحد أركانها كاملاً. أما باقي الطابية فقد تحول إلى طائفة من الأكوام والأودية لا شكل لها ولا نظام. وقد أبانت ثلاث حفائر سرت تجاوفيها في جسم الطابية المكان الذي انفجرت فيه الألغام الورسية. وأما الحاجز فلم يكد الانفجار يحدث حتى إرتفع ثانية فوق الحافات المموجة من هذه الحفائر فكانت العساكر تلقي بنفسها على الأرض بحذر ثم تأخذ في رفع الأتربة من الداخل وقد عرضت حركة رفع الأتربة هذه أقراص طرابيش الجنود إلى الظهور احياناً فصوب الرماة الروس بنادقهم نحو هذا الهدف وأصابوا فيه مقتلاً وهكذا قتل كثيرون برصاصات اخترقت المخ. والعجيب في هذا الأمر أن العدو اعتمد في هذه الأحوال على البنادق ولم يتسخدم مدافعه بطريقة فعالة تكفي لمنع ساتر الحصن من الارتفاع ثانية أمام عينيه وقت إضرام النيران.

وبالرغم من هذه الظروف أتت ساعة صار فيها المكان حجيماً لا يمكن البقاء فيه. فاستلقى المصريون عند حضيض الساتر - الذي سترهم عن أعين الروس وإختبئوا في مخابئ يغمرهم التراب ولكن تمكن اليقين آخحر الأمر أن الألغام تسربت في الإستحكام كله وعلى كل حال فإن المصريين كانوا إذا تخلوا عن بعض الحصن المطل جهة نهر الدانوب إرتدوا إلى تحصين أقاموه خلف القديم فإذا ظهر أن الجديد ايضاً مهدد بالخطر الشديد شيدوا ثالثاً أكثر صلاحية وأقوى على احتمال النوازل ومقاومة العواصف من كلا السالفين وهكذا دواليك.

ومن السهل أن ندرك أن روحاً كهذا لا يفرط في شبر واحد من الارض بل يثبت ويقاوم للاحتفاظ بهذا الشبر وقد وجد الروس أنهم كلما هدموا تحصيناً وصيروه تراباً حل محله تحصين آخر لا مفر لهم من العمل من جديد لتحطيمه هو أيضاً ودكه دكاً كأنهم ما هدموا بناء لا أتلفوا سلاحاً. والمصريون لم تعجزهم لذعات العدو وكأنهم ما خسروا أرضاً ولا فقدوا قوة ولابد أن هذا كان مما ثبط همة الروس أشد تثبيط. أما الثغرات التي كانت في التحصين الأول والثاني فليست موجودة ول ميبق أي أثر لها وإنما الموجود نحو مئتي قبر على صف واحد دفن فيها الموتى في الحال وقد كانت اللحظة التي يسقط فيها المحارب قتيلاً هي نفس اللحظة التي يوارونه فيها التراب ولم يجدوا وقتاً للاحتفال بدفن الموتى ولذلك لم يحتفل بجنازة أحد.

وعلى بعد عشر ياردات من الساتر المعوج المهدم دخلنا من رأس الخندق إلى خط النار الروسي وتتبعنا في سيرنا جميع تعرجاته العديدة وشعبه الكثيرة فقطعنا بذلك أميالاً وأقرب البطاريات كانت على بعد 50 ياردة وأقصاها كان على مسافة 300 ياردة.

وقد امتد الخط من طابية العرب منحدراً نحو نهر الدانوب إلى واد فيها بقايا شنيعة بادية للعيان ثم يصعد الخط حتى يبلغ الجهة المقابلة منخفضاً بعد ذلك إلى واد آخر فيه آثار معسكر كبير أنشئت لحمايته استحكامات بين كل واحد وآخر ربع ميل وكثير منها يسع ستة مدافع أو سبعة أو ثمانية وجميعها كانت تواجه ناحية واحدة أي تجاه المصريين مما دل على أن الغرض كان مهاجمة المدينة وحفظ خط الرجعة في حال قدوم قوة كبيرة لانقاذ الأتراك والمصريين. وأكبر الاستحكامات من هذا النوع كانت على بعد سبعة أميال وكان في نهاية الخط حصن كبير وياجه جميع الجهات.

وقد اتبع هذا الأسلوب في حماية ثلاثة أودية منحدرة نحو نهر الدانوب ومد الروس إزاء الوادي الأول جسرهم الأول ماراً فوق الجزائر ومتصلاً بالجانب المقابل. أما الجسر الثاني فقد كان على بعد خمسة أميال إلى جهة المصب وفوق هذين الجسرين تقهقر العدو خفية بحيلة فأطلق وابلاً متواصلاً من النيرن واسع النطاق جسيم المقدار وانتهى قذف هذه القنابل فقط في الساعة الثالثة من صباح اليوم الثاني والعشرين من الشهر الماضي ففي تلك الساعة علم يقيناً أن المسالك القريبة من طابية العرب قد إنكفأ العدو عنها وهجرها.

واكتشف تحت الاستحكام لغم ذو ثلاث شعب ممتدة إلى النقطة المركزية فيه. وقد نفذ العدو إلى طابية إيلاني بواسطة خطي نار عظيمي الطول كثيري الالتواءات ولكن النشاط الذي هاجم به الروس هذه الطابية كان أقل كثيراً مما بدا منهم في هجومهم على طابية العرب. ذلك لأن الموقع الجاني لطابية أيلانلي كان في صالح المدافعين عنها أكثر كثيراً من موقع الطابية الأولى وكان ما لحقها من أذي الروس أقل كثيراً جداً من الأضرار التي إنهالت على طابية العرب. وفي طابية إيلانلي اصيب اليوزباشي بتلر بجرحه المميت وقد كانت الأماكن التي عسكر فيها الروس مخططة برسوم مسافات خيمهم المربعة ووجود كثير من عظام لحم البقر والضأن دليل على كثرة الطعام مهما قيل غير ذلك ولكن روائح منتنة كريهة تتصاعد من جميع هذه المعسكرات ومن الاستحكامات وخط النار وقد يكون هذا علة ما نتشر من كثرة المرض في الجيش الروسي فقد قيل أن نحو 30.000 جندي دخلوا المستشفى.

وقد عدت إلى سلسترة بجانب النهر وتمكنت من فحص عدد البطاريات الجسيم الذي أحاط بأطراف الجزيرة الواقعة مباشرة في مواجهة الساحل ثم دخلت المدينة ثانية وأنا في ذهول ودهش لجسامة ما رأيته من التحصينات الروسية وتفكير في الخزي الذي لابد أن ينزل بجيش القيصر. فقد كد كداً هائلاً وأنفق جهوداً عظيمة جداً وما جنى مما بذل إلى قليلاً. أما الخسائر فالأرقام الرسمية عند الأتراك والمصريين تحددها في سلسترة بمقدار 2.200 من النظاميين نصفهم قتلى والباقي جرحى. وقد بلغت نحو ألف في العساكر غير النظاميين. أما عند الروس فيقال أناه أثناء الخمسة والأربعين يوماً أي أمد الحصار لم تقل عن 7.000 بين قتيل وجريح منهم إثنان من القواد.

وقد عاد عمر باشا من سلسترة في اليوم الأول من الشهر الجاري وسافر إلى وارنه في اليوم الثالث منه للاجتماع بلورد رجلان والجنرال سنت أرنو قائدي الجيشين الإنجليزي والفرنسي للبحث والتشاور معاً.

وها هو ما قاله أيضاً جيل لادمير Jules Ladmir في مؤلفه (الحرب في بحر البلطيق في خلال الأعوام من 1853 إلى 1856 المجلد الأول ص41) La Guerre en oreint et dans la baltique, pendant les annes 1853 a 1856.

"قبل أن ينسحب الروس إنتقموا من سلسترة بأن صوبوا إليها مقذوفات مدافعهم وأصلوها ناراً حامية لم يروا مثلها في التاريخ. واستمر إلقاء هذه المقذوفات ثلاثة أيام وثلاث ليال فحطم عدداً كبيراً من المساجد والمآذن والمساكن وأهلك كهولاً ونساء وأطفالاً مع أنه ليس لهذا العمل أي مبرر من الوجهة العسكرية.

وأظهرت حامية المدينة كلهعا وبالأخص حصن طابية العرب صبراً وجلداً وتفانياً عجيباً في الدفاع باخلاص. وبعد هذا الوداع المتوج بالدماء انصرف الروس تاركين أمام سلسترة 15 ألف جثة. وقتل وجرح خلق كثير من جنرالاتهم وضباطهم العظام.

أما حامية المدينة فقتل منها 3.000 نفس وجرح عدد يقترب من هذا العدد."

والآن نسوق للقارئ ما رواه مكاتب ذي اللستريتد لندن نيوز بعددها الصادر في 16 ديسمبر سنة 1854م عن مدينة سلسترة وحصن طابية العرب والجنود المصرية التي كانت تحميه من غارات الروس المتوالية عليه. وقد زار هذا المكاتب المدينة المذكورة بعد سنة أشهر من جلاء الروس عنها. وهاك ترجمة ما رواه:

إن بين مشاة سلسترة 3.000 من المصريين منهم أولئك الأبطال حماة طابية العرب الأمجاد. وقد خرجنا إلى الطابية المذكورة راكبين طبعاً ورافقنا بضعة من الجنود المكلفين بالدفاع عنها بفرح وسرور وذكروا لنا ما وقع لهم من الحوادث وهم أهل أنس وبشاشة وحديثهم ظريف مليح. وقد تهللت وجوههم بشراً عند ما رأوني أتكام بلغتهم العربية لأنهم كانوا مصريين. وقد تأخوا عنا تآخياً زائداً وطفنا صحبتهم بالحصن كله فلم نجده أمراً عسيراً إن هو إلا خندق ومتراس. ومع ذلك فإنه قد صد ما كانت أوروبا بأسرها تحسبه أقوى جيوش العالم وأحسنها نظاماً والذي قاده قائد طوي السنين الطوال في ميادين القتال، وأنتصر في مواقعها، وهو عندهم وحيد لا يبارى، وفريد ليس له ند، وقاهر لا يغلبه أحد. والمصريون المرافقون لنا كمرشدين قصار القامة رثة ملابسهم. وقد أطالوا الحديث عما فعلوا حتى ردوا الروس خائبين. وكان السرور بادياً على محياهم حين كانوا يحدثوننا عن ذلك. وقد قال أحدهم: "أكلت وشربت ونمت ودخنت لفافتي وانتصرت وراء هذا السور". فقلت" "نعم ما فعلت". فقال" "ما شاء الله وما كان هو من فعل الله، والحمد لله والشكر له جلال جلاله". ألم يقل على لسان نبيه عليه السلام - سلم تسلم - أي توجه إلى الله وحده واترك أمر نفسك إليه وهو يحميك. فهو راعي الرعاة وحافظ الحفظة". وكذلك كان. فهؤلاء المساكين كل قوتهم كامنة في الزهد عن الخمر. وككل حولهم مستقر في جلدهم على احتمال الشدائد. وكل سلاحهم إيمان راسخ ويقين بالله متين. يتعصبون لدينهم. ويتغالون في معتقدهم. وتعصف بهم العواصف وهم ثابتون لأنهم على إله السموات والأرض معتمدون. وتتزعزع الجبال وهم لا يتزعزعون لأنهم برب العالمين مؤمنون. لا يرهبون الموت في الحرب بل يرغبونه ويقدون عليه لأنه خاتمة المتاعب ومفتاح باب الجنة. هؤلاء هم الذين ردوا قوة تفوقهم في العدد عشرين ضعفاً. وصدوا جنوداً يقودهم مهرة القوات ولم يكن لهم من مزايا الموقع ما ساعدهم على هذا الفوز كما قد يسبق إلى الذهن بل الأمر على عكس ذلك.

فإن موقع طابية العرب كان يحيث يسهل الاستيلاء عليه أكثر من غيره. والحصن لا يستحق اسماً غير حصن ميدان.

وقد قال أصحابنا الأدلاء إن الروس كانوا يطلقون النار بمهارة وإحكام. وإن رصاصهم وقنابلهم - على حد تعبيرهم - كانت تحصد كل شيء أمامها حتى العشب. ولكنهم إذا دارت رحى الحرب عن قرب كانوا كالنساء. وزاد أصحابنا على ذلك قائلين: "ذبحناهم كالنعاج ولم يرجع منهم رأس واحد. أما رؤوس القتلى وآذانهم فكنا نلقيها إلى الكلاب".

وهكذا كان يمر اليوم بعد اليوم حتى تفقدنا المواقع كلها وكلما كثر ما نرى كلما زدنا تعجباً.

وبعد انسحاب الروس من مدينة سلسترة انتقل السردار إكرام عمر باشا من معهسكره العام الذي كان في شملا إلى روسجق - روستشوك القائمة على نهر الدانوب. ولما كان الروس لم يزالوا محتلين البعض من جزر هذا النهر وهي الجزر التي بين هذه المدينة وجيورجيفو الواقعة إزاءها فقد قرر عمر باشا أن يطردهم منها.

وفي 6 شوال سنة 1270 هـ (2 يوليو سنة 1854م) أرسل ديوان الجهادية المصرية إلى محافظ الإسكندرية إفادة يخبره فيها بوصول عبدي أفندي الصاغقول أغاسي الطوبجي إلى الإسكندرية ومعه الثياب اللازمة للجنود المصرية الموزعين في ناحية يني شهر ويرجوع الإسراع في تسفيره مع هذه الثياب إلى الناحية المذكورة، وها هي:

إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى محافظ الإسكندرية رقم 100 بتاريخ 6 شوال سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2688:

"قادم لطرفكم عبدي أفندي صاغقول أغاسي طوبجي وبصحبته الأشياء المبينة أدناه لتوصيلها إلى 15 جي و16 جي ألاي بيادة الجنود المصرية بجبهة يني شهر. فبوصوله نأمل تسفيره في أقرب فرصة بالأشياء المذكورة للجهة المحكي عنها سواء أكان ذلك الترحيل بالبوابور أم المراكب الشراعية حسب ما ترونه موافقاً. وحرر هذا للاجراء والعمل بمقتضاه،

"بيان الاشياء"
عدد أطقم
4.800 أطقم ملبوسات
4.800 أطقم ألبسة وقمصان
4.800 أجواز مراكيب
14.400 الإجمالي

وبعد أن قرر السردار إكرام عمر باشا طرد الروس من الجزر التي بين مدينتي روسجق (روستشوك) وجيورجيفو جمع في 7 يوليو سنة 1854 40.000 جندي تركي ومصري وعمارة حربية من السفن النهرية وإجتاز بهذه القوة نهر الدانوب تحت حماية مدفعية هذه العمارة واحتلوا الجزر المذكورة بعد أن نازلوا الروس جسماً لجسم. وبلغت خسائر كل من الطرفين في ذلك 4 آلاف نفس.

وتحصن الترك والمصريون في تلك الجزر بقصد الهجوم على جيور جيفو في الغد غير أن الروس أدركوا أنه من الفطنة وأصالة الرأي إخلاء هذه المدينة ليلاً. وفي 8 يوليو احتلها الجيش التركي المصري.

ولاية سعيد باشا ومساعدته في هذه الحرب

وفي 18 شوال سنة 1270هـ (14 يوليو سنة 1854م) توفى إلى رحمة مولاه عباس باشا والي مصر وتولى بعده سعيد باشا وسافر إلى الأستانة ليقدم واجب الخضوع والطاعة للسلطان عبد المجيد وليتناول منه بيده فرمان التولية. فحضر في غضون اقامته في عاصمة تركيا محمد شنن بك القائد الثاني للعمارة المصرية آتياً من قبل العمارة والجيش المصري ليقدم له واجبات التهاني بارتقائه الأريكة المصرية.

وأراد سعيد باشا أن يبرهن على تفانيه في الاخلاص للسلطان فكتب من الأستانة إلى مدير ديوان عموم الجهادية أمراً في 30 ذي القعدة سنة 1270 هـ (24 أغسطس سنة 1854م) بتجهيز 10.000 جندي و6 بطاريات مدافع أي 36 مدفعاً لترسل مدداً إلى تركيا وأمر كتخداه أيضاً أن يرسل إلى محافظ الإسكندرية إفادة بهذا الأمر وإليك هذه الإفادة:

إفادة من الكتخدا بناء على أمر الخديوي أثناء وجوده بدار السعادة صادرة إلى محافظ الإسكندرية بتاريخ غاية القعدة سنة 1270 ومقيدة بالصفحة رقم 358 بالدفتر التركي رقم 484:

"قد إقتضى الحال إرسال وسوق 10.000 عسكري مصري و6 بطاريات وذلك بخلاف السابق إرسالهم فيما تقدم بخصوص المسألة المعلومة. وقد حرر عن ذلك بالتفصيل لناظر الجهادية هذه المرة فبمجرد وصول المدافع والقذائف مع سائر المهمات إلى الإسكندرية يقتضي شحنها بالوابور الذي يوجد في ذلك لاحين وترحيلها بدون إضاعة الوقت. وقد حرر هذا للمعلومية."

وعند عودة سعيد باشا إلى مصر قبيل آخر سبتمبر سنة 1854م أمر الفريق أحمد باشا المنكلي بالرجوع إلى الأستانة في مهمة وأن يلبث فيها إلى أن يأتيه أمر آخر. فأدى هذه المأمورية. وكان أن توفى سليم باشا فتحي قائد الجيوش المصرية في القرم فحل هو محله.

وفي هذا التاريخ صدرت إرادة سنية شفوية إلى رئيس ديوان الجهادية بشد آلاي من السواري ليسافر مع الفريق أحمد باشا المنكلي إلى الأستانة ليكون مدداً في هذه الحرب فأصدر الديوان المذكور إفادة إلى آلايات الجيش المصري بحشد هذا الألاي وإعداده لسفر. وإليك هذه الإفادة:

إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى آلايات الجيش المصري مقيدة بالدفتر التركي رقم 2689 المؤرخ من 6 صفر سنة 1269 (19 نوفمبر سنة 1852م) إلى 28 شوال سنة 1270 هـ (24 يوليو سنة 1854م):

"صدرت إرادة شفوية من ولي النعم لرئيس رجال الجهادية بتشكيل آلاي سواري تفرز افراده وصف ضباطه والضباط من الثمانية الألايات السواري الموجودة والحاق حسين واصف أفندي بكباشي 7 جي ألاي سواري وخورشد أفندي رضوان الصاغقول أغاسي بألايات وجه قبلي بهذا الألاي".

وفي 25 ذي الحجة سنة 1271هـ (18 سبتمبر سنة 1854م) أصدر سمو الوالي إرادة سنية إلى ديوان عموم الجهادية بتعيين محمد افندي القبرصلي ببكاشي دمياط قائمقام الألاي السواري السمافر مع أحمد باشا المنكلي إذا لم يتعين لهذا الألاي قائمقام بدله. وتعيين الدكتور محمد علي أفندي حكيمباشي له. وهذا الطبيب نرجح أنه محمد علي باشا البقلي الجراح المشهور من تلاميذ بعثة سنة 1832 الطبية إلى فرنسا في عهد محمد علي باشا الكبير وحكيمباشي الألايات السعيدية في عهد سعيد باشا ورئيس مستشفى القصر العيني ومدرسة الطب في عهد الخديوي إسماعيل. وإليك نص الإرادة الصادرة بذلك:

"إرادة سنية من ديوان خديوي إ لى ديوان عموم الجهادية رقفم 8 بتاريخ 25 ذي الحجة سنة 1271هـ، مقيدة بالدفتر التركي رقم 2703:

إن لم يترتب قائمقام للألاي السواري المسافر بمعية أحمد باشا المنكلي للآن فيعين محمد أفندي القبرصلي بيكباشي دمياط سابقاً للألاي المذكور وكذا يعين الطبيب محمد علي أفندي حكيمباشي له."

وفي 19 أكتوبر سنة 1854م سافر أحمد باشا المنكلي من الإسكندرية ومعه آلاي السواري المذكور الذي كان رقمه 10 جي وعدد جنوده 1.200 جندي. وقد ورد ذهر سفر هذا الألاي في جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 4 نوفمبر سنة 1854. وإليك ترجمة ما ورد بهذا الصدد:

"قام قسم من النجدة البرية المصرية التي وعد بها سعيد باشا السلطان من الإسكندرية في ثلاثة وابورات يوم 19 أكتوبر 1854م تحت قيادة المنكلي باشا."

وأحمد باشا المنكلي هذا من اشهر القواد المصريين اشترك في حرب سورية مع ابراهيم باشا الكبير وتولى مراراً عديدة وظيفة ناظهر الجهادية. وعندما أخلت الجيوش المصرية سورية انقسم الجيش إلى ثلاث فرق تولى قيادة إحداها ابراهيم باشا الكبير والثانية سليمان باشا الفرنساوي والثالثة أحمد باشا المنكلي. وسلكت كل واحدة من هذه الفرق الثلاث طريقاً غير الذي سلكته الأخرى. وابنه جلال باشا كان زوج الأميرة زبيدة كريمة محمد علي باشا الصغير ابن محمد علي باشا الكبير. ورزق منها بالمرحومين علي باشا جلال ومحيي الدين جلال بك.

وفي محرم سنة 1271 هـ (أكتوبر سنة 1854م) أصدر سعيد باشا أمراً بزيادة رواتب الضباط وصف الضباط والجنود الذين سيسافرون في هذه النجدة إلى ميدان الحرب. وإليك الإرادة السنية التي صدرت في هذا الشأن:

"إرادة سنية من ديوان خديوي إلى ديوان عموم الجهادية بتاريخ شهر محرم سنة 1271 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2793:

إقتضت مراحمنا العلية إصدالر أمرنا هذا بالعلاوات الأتية لأفراد وصف ضباط وضباط الألايات المسافرة لدار السعادة وهي كالآتي:

1- يعلى على مرتبات الأفاد والصف ضباط ما يوازي نصف مرتباتهم الشهرية.

2- يعلى على مرتبات الصولات والملازمين واليوزباشية ثلثا مرتباتهم الشهرية.

3- يعلى على مرتبا الصاغقول أغاسيه والبكباشية ربع مرتباتهم الشهرية.

4- يعلى على مرتبات القائمقامية وما فوق خمس مرتباتهم الشهرية.

اشتراك الجيشين الإنجليزي والفرنسي في هذه الحرب وحصار سباستبول

بعد أن أعلنت فرنسا وإنجلترا الحرب على روسيا في 27 مارس سنة 1854م وإنضمتا إلى جانب تركيا وجهزت كلتاهما جيشاً كما سبق القول ووصل الجيشان في شهر مايو سنة 1854 ونزلا في جاليبولي الأستانة وبعد أن مكثا زهاء شهر ركبا السفن وسافرا إلى وارنه فبلغاها قبيل نصف يونيو وأقاما فيها إلى أوائل سبتمبر حيث تجشما الشدائد العظام بسبب الكوليرا.

وقد نشرت جريدة ذي الليستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 16 سبتمبر سنة 1854م، خبرا جاءها من مكاتبها بالأستانة في 7 سبتمبر المذكور بصدد جيش الحلفاء وعدده فقالت:

"أرسل إلينا مكاتبنا بالأستانة رسالة مؤرخة في 7 سبتمبر يقول فيها إن الجيش المزمع إرساله إلى القرم سيكون مؤلفاً من 90.000 جندي من بينهم 40.000 جندي فرنسي و20.000 جندي إنجليزي، و10.000 جندي تركي، و10.000 جندي مصري، و5.000 تونسي، و5.000 من أجناس مختلفة".

ولما كان قد تقرر إنتقال ميدان الحرب إلى القرم لإقامة الحصار حول سباستبول فقد أقلع الجيشان المذكوران مرة أخرى من وارنه ونزلا في القرم في 14 سبتمبر سنة 1854م. وبدأ حصار سباستبول في 20 سبتمبر سنة 1854م واستمر عاماً لأن الاستيلاء عليها تم في 8 سبتمبر سنة 1855م.

واقعة ألما واشتراك الجنود المصرية فيها

وفي 20 سبتمبر سنة 1854 م حدثت واقعة نهير ألما (Alama) بالقرم. وقد اشتركت فيها الجنود الفرنسية والإنجليزية بقيادة القائد الفرنسي سان أرنو والقائد الإنجليزي لورد رجلان وساهم في هذه المعركة 13 جي و14 جي ألاي بيادة من اللواء الثالث المصري بقيادة سليمان باشا الأرنؤوطي. وقد انهزم الروس فيها بقيادة جنرالهم منتشيكوف.

وإليك ما ورد في جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 14 أ:توبر سنة 1854م بصدد اشتراك الجنود المصرية في تلك المعركة:

"في واقعة ألما كان 7.000 جندي من البيادة المصريين سائرين على شاطئ البحر المالح تحت قيادة سليمان باشا الأرناؤوطي".

تسفير ذخائر من مصر للأستانة

وفي 13 محرم سنة 1271 هـ - 6 أكتوبر سنة 1854م تب ناظر الجهادية المصرية إلى محافظ الإسكندرية يخبره بأنه طبقاً للأوامر العالية التي صدرت صار إرسال ال36 مدفعاً وال10.800 مقذوفة اللازمة للأستانة إلى مستودع الذخائر بالإسكندرية مع البكباشي حسن أفندي وأنه من الواجب عليه تسلمها منه وأن يجتهد في إرسالها إلى الجهة المرسلة إليها. وإليك الخطاب المذكور.

"إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى محافظ الإسكندرية رقم 14، بتاريخ 13 محرم سنة 1271، مقيدة بالدفتر التركي رقم 2698:

سبق أن صدرت إرادة سنية رقم 190 بإرسال 36 مدفعاً و10.800 قذيفة للأستانة العلية بصفة إمداد. وعل ذلك حرر لناظر الجبخانات بتدارك تلك المقادير وإرسالها إلى الإسكندرية فوردت إفادة من ناظر الجبخانات تفيد أن تلك المقادير قد جهزة وشحنت بالمراكب تحت نظارة البكباشي حسن أفندي وأرسلت إلى جبخانة الإٍسكندرية. فبوصوله تسلموا المقادير المذكورة من البكباشي المشار إليه وأعدوه السند اللازم بتسلمها وأشحنوها. وحرر هذا للاحاطة بذلك".

وفي 20 محرم سنة 1271 هـ - 13 أكتوبر سنة 1854م أرسل كتخدا الوالي إلى ديوان عموم الجهادية (الحربية) خطاباً يطلب فيه بيان الجنود الذين صار جمعهم من المديريات لألايات النجدة المسافرة إلى الأستانة. فرد الديوان المذكور عليه بالإفادة الآتية في 24 محرم سنة 1270 هـ (17 أكتوبر سنة 1854م) وها هي:

"إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى ديوان الكتخدا رقم 43 بتاريخ 24 محرم سنة 1271 هـ مقيدة بالدفتر التركي رقم 3678.

رداً على خطاب سعادتكم المؤرخ 20 محرم سنة 1271 (13 أ:تاوبر سنة 1854) رقم 65 بخصوص طلب كشف تفصيلي عن مقدار العساكر التي صار جمعها ووردت من المديريات مع بيان مقدار ما سيرسل منها للأستانة ومقدار ما تزع منه للألايات وخلافه ومقدار الباقي وهل الباقي يوجد من بينهم من يليق لالحاقه بألاي غرديا الذي سينشأ بناء على الارادة السنية الصادرة في هذا الخصوص. لذلك نحيط سعادتكم علماً بأن الأفراد التي وردت من المديريات للآن بلغت 10.212 نفراً وجد عند فرزها 3.031 نفراً جميعهم جورك لا يصلحون للجهادية وقد أعيدو لبلادهم بالثاني. والباقي وقدره 7.181 نفراً أعطي منهم للألايات المسافرة للأستانة 415 نفراً. وأرسل منهم لديوان البحرية 250 نفراً لاستخدامهم في الأشغال الصحية. وألحق بتفتيش صحة مصر 91 نفراً وكذل ألحق بالطوبخانة بالقعلة 229 نفراً لاستخدامهم في مسح وتنظيف مرامي المدافع والباقي بعد ذلك وقدره 425 نفراً لم يوجد من بينهم من يليق لالحاقه بألاي غرديا. لذلك قد صار توزيعهم على بنرجي و8 جي ألاي بيادة بصفة مؤقتة تحت الطلب لحين اتمام تنظيم الألايات المسافرة لدار السعادة. ومرسل طيه كشف بهذا البيان لعرضه على الأعتاب الخديوية. وحرر هذا للمعلومية."

نكبة العمارة المصرية بعاصفة بحرية

في 31 أكتوبر سنة 1854م لدى عودة حسن باشا الإسكندراني قائد الأسطول المصري بقسم من عمارته إلى الأستانة ليرممه هبت عليه عاصفة في البحر الأسود فألقت بالغليون (مفتاح جهاد) الذي كان فيه. وبالفرقاطة (بحيرة) التي كانت تحت قيادة وكيله محمد شنن بك على شاطئ الروم إيلي فغرقا معهما هذا القائدان و1920 بحرياً ولم ينج من الغرق إلا 130 نفساً. ومحمد شنن بك هذا كان من تلاميذ البعثات العلمية التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا في سنة 1826 م لتعلم الفنون البحرية.

وقد ورد نبأ هذه الفاجعة الأليمة في جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 2 ديسمبر سنة 1854 وإليك ترجمته:

"فجع السكان القاطنون بالقرب من البحر الأسود بفاجعة تروع القلوب وهي غرق بارجتين على مسافة غير بعيدة من الأستانة. في ليلة 30 أكتوبر سنة 1854م عصفت بشواطئ هذا البحر الغربية عاصفة من أروع ما يذكره الناس ولابد أن تكون قد وقعت حوادث أخرى مريعة غرق فيها كثير من السفن ولكن ليس بينها ما هو أفظع من حادثة البارجتين المصريتين العائدتين من القرم. فالفرقاطة بحيرة حملها الاعصار في الساعة الثامنة مساء على بعد ميلين فقط من مصب البسفور إلى منطقة الأمواج الخطرة التي ترتطم بصخور قرة برنو. وفي ظرف ساعة كانت قد تحطمت ولم ينج من بحارتها الذين يبلغ عددهم 400 سوى 130 كان التوفيق حليفهم فأمكنهم أن يبلغوا الشاطئ أحياء.

أما البارجة الأخرى وهي ذات ثلاث طبقات واسمها مفتاح جهاد وكان فوق ظهرها الأميرال المصري وهو على ما يقال أمهر قائد بحري عند المصريين فقد شاركت زيملتها في نهايتها المحزنة إذ دفعتها العاصفة إلى المياه الرقيقة الخطرة في منتصف المسافة بين الأستانة وورانه. ومن المؤلم أن نذكر أنه قد غرق من بحارتها البالغ عددهم 900، 795 بحاراً بينهم الأميرال. ولم يبق أي أثر من هذه البارجة المنحوسة الطالع يبين المكان الذي غرقت فيه. وقد أنزل الذين نجوا من بحارة البارجتين في الأستانة حيث كانوا موضع كثير من الالتفات والعناية الإكرام".

احتلال أوباتوريا والحرب حولها

وفي خلال حصار سباستبول تقرر احتلال أوباتوريا بجيش مؤلف من الأتراك والمصريين. وتم ذلك بالفعل في 9 فبراير سنة 1855. وأوباتوريا هذه هي مدينة من شبه جزيرة القرم وكانت قبلاً للمسلمين التتر يتولى الحكم فيها خان وذلك قبل ضمها إلى روسيا وقد نوهنا بها في اللمحة التاريخية التي ذكرناها آنفاً عن شبه جزيرة القرم. وهذه المدينة واقعة شمال سباستبول على بعد 40 كيلو متراً ولاحتلالها أهمية كبرى لمنعة موقعها.

وكانت أوباتوريا تسمى قبل ضمها إلى روسيا كوزلوه ولكن الروس غيروا اسمها بقصد محو كل أثر إسلامي.

وألف المصريون الذين نقلوا إلهيا من 9 جي و10 جي ألاي بيادة المؤلف منهما اللواء الأول بقيادة إسماعيل باشا أبي جبل، ومن 13 جي و14 جي بيادة المؤلف منهما اللواء الثالث بقيادة سليمان باشا الأرناؤوطي. أما اللواء الثاني من الجنود المصرية المؤلف من 11 جي و12 جي ألاي بيادة بقياددة علي باشا شكري فقد ظل في الروم إيلي على نهر الدانوب. وبطبيعة الحال انتقل رئيس هؤلاء القواد اللواء سليم باشا فتحي إلى أوباتوريا مع القسم الأكبر.

وعندما وصلت الجيوش التركية والمصرية اشتعلت نيران الحرب. وفي 11 فبراير بدأ الجيش الروسي الذي كان مرابطاً أمام أوباتوريا بحركة هجومية فاستولى بادئ بدء على مدفن للتتر واقع شرق المدينة ولكنه طرد منه على أثر هجوم شديد قام به الأتراك والمصريون.

وفي ليلتي 16 و17 فبراير حفر الجنرال خرولف قائد الجيش الروسي خندقاً أمام أوباتوريا وضع فيه جنوداً يحملون بنادق ذات طلقات متعددة و160 مدفعاً ووضع خلف ذلك 6 ألايات من السواري ثم 26 أورطة من عساكر البيادة وابتدأ اطلاق المدافع من الساعة الخامسة صباحاً واستمر زمناً طويلاً ثم هدأ إطلاق النار من جانب الروس واقتربت صفوفهم للقيام بالهجوم. وهدأت كذلك الجيوش التركية المصرية طلقاتها. ولما صار الروس على قيد مسافة قصيرة اصلتهم الطوبجية والبيادة ناراً حامية زعزعت أركانهم فاضطروا إلى الانسحاب بلا انتظام. غير أنه بعد تردد يسير عاد بهم قوادهم إلى الهجوم ليجتازوا الخندق ولكنهم أكرهوا على أن يرتدوا على أعقابهم مرة أخرى. فانقض عليهم عندئذ الترك والمصريون وهزموهم.

ولكن القضاء أبى ألا أن يكدر صفو هذا الانتصار فخسر المصريون في هذه المعمعة قائدهم العام سليم باشا فتحي وأمير الألاي رستم بك وأمير الألاي عي بك قائدي 9 جي و14 جي ألاي بيادة.

وإليك ما جاء عن واقعة كوزلوه المذكورة في تقويم الوقائع العثماني سنة 1271 هـ (1855م):

"في الساعة الحادية عشرة ونصف من صباح يوم السبت 29 جمادى الأولى سنة 1271 هـ (17 فبراير سنة 1855م) هجم الروس بستة وثلاثين طابوراً من البيادة وثمانية الايات من السواري وثمانين مدفعاً هجوماً شديداً على العساكر الشاهانية الموجودة في كوزلوه فشرعت العساكر الشاهانية أيضاً معتمدة على عون الله ونصرته في مقابلتهم ومحاربتهم واستمرت الحرب نحو أربع ساعات ونصف ومع أن حصون هذا الطرف لم تكن قد أكملت على الوجه اللائق ولم تكن المدافع أيضاً قد وضعت في مواضعهاغ. فإن الجيش الروسي لم يمكنه بأي وجه مقاومة شجاعة وبسالة جنود الحضرة الشاهانية المنصورة وثباتهم ومتانتهم فتقهقر منهزماً يائساً. وقد ظهر أن خسارة العساكر الشاهانية وعساكر دولة فرنسا الفخيمة والأهالي في هذه الواقعة 103 أنفار قتلى و296 نفراً من الجرحى وقد اصيب أيضاً في هذه الأثناء كل من سعادة إسماعيل باشا فريق العساكر النظامية الشاهانية وسليمان باشا مير لواء العساكر المصرية بجرح بسيط وكذلك نال سليم باشا فريق الفرقة المصرية ورستم بك أحد أمراء ألياتها المشهود لهما بالشجاعة والبسالة شرف السهادة. وقد ترك الروس في ميدان القتال نحو 500 نفر من القتلى عدا خسائره الجسيمة أثناء الموقعة وعدا ما تركه من الأشيناء الكثيرة مثل أسلحة وشنط. كما يستفاد من ذلك من مآل التحريرات الواردة.

وكان غرض الروس من الهجوم بغتة على هذا الوجه على العساكر الشاهانية التي أفرزت من فيلق الروم إيلي الهمايوني وأرسلت إلى القرم، هو انتهاز الفرصة لايقاع العساكر الشاهانية في الدهشة ونيل شيء بهذه الوسيلة ومع ذلك فإن العساكر الشاهانية نصرها الله قد صمدت لهجوم الروس هذا بالرجولة والبسالة واضطرته في النهاية إلى التقهقر منهزماً. وفي الحق أن هذا العمل من الأعمال الجديرة بالتقدير. وبما أن هذا من آثار توفيق الحضرة السنية الملكية الجليلة المشهود بها لدى العالم فقد رفعت آيات الدعوات الخيرية إلى ذاته الشاهانية مراراً وتكراراً بلسان الاخلاص والعبودية وقد نشر جناب القومندان الروبير قائد الفرقة العسكرية لدولة فرنسا الفخيمة بالقرم على الضباط والأنفار الذين تحت قيادته إعلاناً يتضمن مدح العساكر الشاهانية والثناء عليهم لما أظهرته من ضروب الشجاعة وأنواع التضحية. وبما أن هذا الاعلان مؤيد لتمام الاتحاد والصفاء ويبين صولة العساكر الشاهانية فقد أدرج حرفياً في هذا المحل وطبع.

وورد في كتاب تاريخ الحرب في روسيا وتركيا ص 523 أن اللورد رجلان القائد العام للجيش البريطاني قال في تقريره أنه عند هجوم الروس في حرب أوباتوريا قابل المصريون ذلك الهجوم بثبات عجيب وأن هذا يدل على أن الشهرة التي نالتها الجيوش المصرية على نهر الدانوب لم تنلها إلا عن جدارة واستحقاق. وقد ظلت هذه الشهرة ثابتة لهم بدون أن يعتريها أدنى تغيير.

وفي غرة جمادى الآخرة سنة 1271 (19 فبراير سنة 1855) أرسل سعادة سليمان باشا أمير لواء 9 جي و10 جي ألاي بيادة الجنود المصرية في هذه الحرب إفادة إلى ديوان الجهادية المصرية يخبرها باستشهاد هؤلاء الضباط الأبطال الثلاثة في غاية شهر جمادى الأولى سنة 1271 هـ (18 فبراير سنة 1855م). فأرسل الديوان المذكور إفادة بتاريخ 26 جمادى الثانية من السنة المذكورة (16 مارس سنة 1855) إلى ديوان المالية يطلب فيها قطع مرتباتهم إبتداء من تاريخ استشهادهم وها هي الإفادة المذكورة:

"إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى ديوان المالية رقم 22 بتاريخ 26 جمادى الثانية سنة 1271 هـ مقيدة بالدفتر التركي رقم 2705.

ورد إلينا خطاب من صاحب السعادة سليمان باشا أمير لواء 9 جي و10 جي من ألايات البيادة التي في السفر مؤرخة غرة جمادى الآخرة سنة 1271 هـ (19 فبراير سنة 1855م) تحت رقم 18 يخبرنا بأن سليم باشا فتحي باشبوغ العساكر المصرية ورستم بك أمير ألاي 9 جي ألاي بيادة استشهدا في المحاربة التي حصلت بمدينة كوزلوه في يوم السبت الموافقة غاية شهر جمادى الأولى سنة 1271 (18 فبراير سنة 1855م) ويطلب قطع مرتباتهما من ذلك التاريخ وأنه سيجري ارسال القوائم المتضمنة حصر تركتهما. وقد حررنا هذا لإحاطة علم سعادتكم بذلك. كما أننا حررنا لديوان المحافظة بذلك. وعند ورود قوائم حصر التركة سترسل للديوان المذكور وحرر هذا للاحاطة."

ولما أتى نعي سليم فتحي باشا إلى مصر عين سعيد باشا في محله الفريق أحمد باشا المنكلي قائداً عاماً للجيوش المصرية التي في تركيا وأصحبه بأمير الألاي علي بك مبارك على أن يكون أحد أركان حربه وسافر الاثنان إلى ميدان القتال.

وفي 29 جمادى الآخرة سنة 1271 هـ (19 مارس سنة 1855م) أرسل إسماعيل باشا أبو جبل أمير لواء 9 جي و10 جي بيادة الجيوش المصرية في هذه الحرب إفادة إلى ديوان الجهادية المصرية ومعها رسم التركيبة التي أمرت الدولة بصنعها من المرمر ووضعها على قبر المرحوم سليم باشا فتحي. فأرسل الديوان المذكور إفادة بذلك إلى ديوان المعية السنية بمصر في 18 شعبان من السنة المذكورة (6 مايو سنة 1855م) وإليك هذه الإفادة:

"إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى ديوان المعية رقم 59 بتاريخ 18 شعبان سنة 1271 هـ مقيدة بالدفتر التركي رقم 2706:

وردت إفادة تاريخها 29 جمادى الآخرة سنة 1271 (19 مارس سنة1 855م) من إسماعيل باشا أبي جبل أمير لواء 9 جي و10 جي من ألايات البيادة التي بدار السعادة بميدان الحرب الروسية التركية معها رسم يبين التركيبة المزمع عملها من المرمر بدار السعادة لوضعها على مقبرة المرحوم سليم باشا فتحي باشبوغ العساكر المصرية الذي استشهد في واقعة ناحية كوزلوه ودفن بجوار خان جامعي الذي بالناحية المذكورة. وذلك بناء على رغبة الباشا السردار. والرسم المذكور مرفق طيه للاطلاع عليه. وحرر هذا للمعلومية."

وقد دفن سليم باشا فتحي بأمر سردار الجيوش العثمانية إكرام عمر باشا في كوزلوه (أوباتوريا) بالقرب من خان جامعي Khan-Gammii ووضعت على قبره التركيبة المذكورة التي صنعتها له الدولة من المرمر.

وفي 29 جمادى الآخرة سنة 1271 هـ (19 مارس سنة 1855م) اصدر الوالي سعيد باشا إرادة سنية إلى ديوان الجهادية بترقية أباظة إسماعيل أفندي أحد أقرباء المرحوم سليم باشا فتحي إلى علمدار 10 جي ألاي بيادة الجنود الصمرية في هذه الحرب جزاء ما أبداه فيها من الشجاعة والإقدام. وها هي:

"إرادة سنية من ديوان الخديوي إلى ناظر الجهادية رقم 160 بتاريخ 29 جمادى الآخرة سنة 1271 هـ بدفتر المعية رقم 429:

إقتضت مراحمنا العلية بأصعاد أباظة إساعيل أفندي أحد أقرباء المرحوم سليم باشا فتحي باشبوغ العساكر المصرية بدار السعادة بتعيينه علمدار 10 جي ألاي بيادة بناء على شهادة أمير لواء 9 جي و10 جي ألايات بيادة المؤرخة 27جمادى الآخرة سنة 1271 (17مارس سنة 1855م) التي عرضت علينا وبعد الاطلاع عليها أصدرنا أمرنا هذا بأصعاد المذكور إلى الوظيفة المذكورة تلطيفاً له على حسن خدماته. فبوصوله بادورا بمخابرة محل الاقتضاء بقيدة بهذه الوظيفة مت تاريخ إرادتنا".


سفر النجدة البرية المصرية الثالثة

وفي أوائل سنة 1855 تم حشد جنود النجدة البرية المصرية التي أمر الوالي سعيد باشا بإرسالها مساعدة للدولة في هذه الحرب وقد أبحرت من الإسكندرية ميممة الأستانة ومن ثم سافرت في 4 أبريل من السنة المذكورة إلى ميدان القتال.

وقد نشرت جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 14 أبريل سنة 1855م خبر وصول 8.000 جندي مصري إلى أوباتوريا لتعزيز جيش السردار إكرام عمر باشا بها. وهاك ما قالته الجريدة المذكورة في هذا الصدد:

"جيش عمر باشا في أوباتوريا تقوى بوصول 8.000 جندي مصري".

واتفق عند وصول هذه النجدة أن كانت جيوش الحلفاء تشعر بمضايقة شديدة لقلة جنودها المحاربين. فاقترح المارشال كنروبير قائد الجيوش المصرية طلب إمداد من الجنود المصرية ليشدا أزر جيوش الحلفاء في هذه الحرب. وهذا بلا نزاع أمر يشرف مصر أعظم تشريف. وقد ذكر هذه المصادفة العجيبة السيد فورتسكيو في مؤلفه "تاريخ الجيش البريطاني ج13 ص 180 History of British Army.

بيان قوة النجدة المصرية التي أرسلها سعيد باشا في حرب القرم

"عدد ضباط وصف ضباط وعسكر فرق لواءات ألايات أورط"
1 جي فرقة 1 الفريق أحمد باشا المنكلي: قائد
50 أركان حرب وتوابع الفرقة
البيادة 5 جي لواء (18 جي و19 جي بيادة)
1 اللواء (غير معروف اسمه)
30 أركان حرب وتوابع اللواء
18 جي بيادة 1 إسماعيل صادق بك: أمير ألاي
1 شاهين كنج بك: قائقمام
79 أركان حرب واقسام الألاي
1.240 1 جي أورطة داود أفندي: بكباشي
1.181 2 جي أورطة عمر أغا: بكباشي
1.198 3 جي أورطة محمد أفندي: بكباشي
19 جي بيادة 1 سليم بك:أميرالاي
1 محمد راغب بك: قائمقام
102 أركان حرب واقسام الألاي
19 جي بيادة 1.483 1 جي أورطة محمد أفندي: بكباشي
1.377 2 جي أورطة محمد أفندي: بكباشي
1.468 3 جي أورطة مصطفى أفندي: بكباشي
20 جي بيادة 1 سليمان بك: أميرألاي
1 بكري بك: قائمقام
116 أركان حرب وأقسام الألاي
1.435 1 جي أورطة حسين عاصم أفندي: بكباشي
1.426 2 جي أورطة مصطفى أفندي: بكباشي
1.384 3 جي أورطة محمد أفندي: بكباشي
12.576 جملة ابيادة

وجميع أورط هذه الألايات مكونة من 8 بلوكات على خلاف التي أرسلت في حكم عباس باشا فإنها مكونة من 4 بلوكات فقط.

"عدد ضباط وصف ضباط وعسكر فرق لواءات ألايات أورط"
السواري
1.200 1.200 1.200 10 جي ألاي
1.200 جملة السواري
الطوبجية
1.200 1.200 1.200 أورطتان من الطوبجية البرية غير معروفة تبعيتها لألاي ألاي كل أورطة مكونة من 3 بطاريات وكل بطارية من 6 مدافع فيكون عدد مدافع الأورطة 18 مدفعاً وعدد مدافع الأورطتين 26
1.200 جملة الطوبجية


"مجموع قوات النجدة"
12.576 البيادة
1.200 السواري
1.200 الطوبجية
14.976 المجموع

ومجموع المدافع 36 مدفعاً.

إرادة سنية بترقية طبيبين وصيدلي من رجالها

وفي 18 شوال سنة 1271 هـ (4 يوليو 1855م) أصدر الوالي سعيد باشا الارادة الآتية إلى ناظر ديوان الجهادية بترقية الطبيبين يوسف منصور أنفدي وأحمد الفقي أفندي ولاصيدلي يوسف نسيم أفندي الملحقين ب10 جي ألاي بيادة الجيوش المصرية في هذه الحرب من رتبة الملازم الثاني إلى رتبة الملازم أول مكافأة لهم على ما قاموا به من الخدم في الحرب المذكورة:

"إرادة سنية من ديوان الخديوي إلى ديوان الجهادية رقم 189 بتاريخ 18 شوال سنة 1271 هـ مقيدة بدفتر المعية رقم 429:

إقتضت عواطفنا السنية ترقية الأفندية يوسف منصور وأحمد الفقي الأطباء ويوسف نسيم الأجزجي الحائزين لرتبة ملازم ثاني والملحقين ب10 جي ألاي البيادة المصرية بدار السعادة إلى رتبة ملازم أول مكافأة لهم على الخدمات التي يجرون الآن تأديتها في الجيش كما دل على ذلك حسن شهادة ؤرسائهم. فبوصوله خابروا جهات الاختصاص بقيدهم في هذه الرتبة من تاريخ إرادتنا".

إرادة أخرى بترقية رئيس أطبائها إلى رتبة صاغقول أغاسي

وأصدر الوالي أيضاً بتاريخ 23 ذي القعدة سنة 1271 هـ (17 أغسطس سنة 1855م) إلى رئيس ديوان الجهادية الارادة السنية الآتية بترقية اليوزباشي قاسم أفندي رئيس أطباء 10 جي ألاي بيادة المذكور إلى رتبة صاغقول أغاسي:

"إرادة سنية من ديوان الخديوي إلى رئيس الجهادية رقم 192 بتاريخ 23 ذي القعدة سنة 1271 هـ مقيدة بدفتر المعية رقم 429:

اقتضت مراحمنا العلية إسناد رتبة صاغقول أغاسي إلى اليوزباشي قاسم افندي رئيس أطباء 10 جي ألاي البيادة المصرية بدار السعادة بناء على إنهاء سعادتكم المعروض علينا بتاريخ 5 شوال سنة 1271 (21 يونيو سنة 1855م). فبوصول أمرنا هذا إلكيم أجروا تنفيذه وخابروا جهة الاقتضاء بقيده بالرتبة المذكورة من تاريخ إرادتنا".

إرادة أخرى بترقية بعض باشجاويشيتها وملازميها

وصدرت في هذا التاريخ أيضاً ترقيات أخرى لبعض باشجاويشية ألايات البيادة المصرية في هذه الحرب وملازميها وها هي كما عثرنا عليها بدار المحفوظات المصرية بالدفتر التركي رقم 2705 جزء أول:

  • سليمان محمد المنوفي باشجاويش فرقة 3 ط 3 ألاي جي جي الذي بدار السعادة ترقى إلى رتبة ملازم ثان بالفرقة والطابور بالألاي المذكور.
  • محمد خطاب الجيزاوي باشجاويش فرقة 6 ط 3 بالألاي المذكور قبله ترقى إلى رتبة ملازم ثان بفرقته وطابوره.
  • صالح أغا القبرصلي ملازم ثان فرقة 4 ط 3 ألاي 9 جي ترقى إلى رتبة ملازم أول بفرق 2 ط 1 ألاي 9 جي.
  • عثمان أغا العناتبلي ملازم أول فرقة 1 ط 1 ألاي 9 جي ترقى إلى رتبة يوزباشي بالفرقة والطابور المذكور.

سقوط سباستبول وانهزام الروس حول أوباتوريا

وفي أواسط شهر يونيو سنة 1855م حضر من أوباتوريا السردار التركي إكرام عمر باشا إلى مدينة سباستبول بجيش من المصريين والأتراك يبلغ عدده 15.000 جندي، ورابط في المنطقة التي كان يرابط فيها لواء الغارديا الإنجليزي والفرقة الإنجليزية الثانية بجوار مرتفعات أنكيرمان وذلك إستعداداً لمهاجمة هذه المدينة الحصينة.

وقد نشرت جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز نبأ وصول السردار إكرام عمر باشا بهذا الجيش إلى سباستبول في عددها الصادر بتاريخ 23 يونيو سنة 1855م فقالت:

"في الدور النهائي لحصار سباستبول حضر عمر باشا بجيش قوته 15.000 جندي من الأتراك والمصريين استعداداً للهجوم عليها. وقد رابط في المنطقة التي كانت تشغلها الفرقة الإنجليزية الثانية وألاي الغارديا الإنجليزي بجوار مرتفعات إنكيرمان".

وفي 8 سبتمبر من هذه السنة سقطت قلعة سباستبول بعد حصار طويل دام عاماً. فقرر المارشال الفرنسي بيليسيه رئيس قواد الجيوش المتحالفة القيام باستكشاف مواقع الروس بقصد مهاجمتهم. فبعث الجنرال دالونفيل إلى أوباتوريا ومعه ثلاثة ألايات من سواري الفرنسيين. وكان معها المشير التركي أحمد باشا وبصحبته ثلاثون مدفعاً وثلاث فرق إحدلاها من البيادة والثانية من السواري الأتراك والثالثة من البيادة المصريين.

وخرج الجنرال دالونفيل من أوباتوريا في 19 سبتمبر سنة 1855م ومعه 3.000 جندي من البيادة الترك والمصريين و1500 من السواري الأتراك و1.000 من السواري الفرنسيين، وانقسم هذا الجيش إلى قسمين اتجه أحدهما صوب الشمال بقيادة أحمد باشا، والآخر نحو الجنوب الشرقي بقيادة الجنرال دالونفيل.

وقام هذا القسم الأخير عندما انتصف الليل فوصل في الساعة الرابعة صباحاً إلى نقط الجيش الروسي الأمامية. وفي الحال تراجعت الجيوش المحتشدة بها وأطلقت دخاناً في الفضاء لتنذر باقتراب العدو.

وبينما الجنرال دالونفيل يتأهب للاستفادة من الاضطراب الذي حدث في صفوف الروس من هذه المباغتة بالانقضاض عليهم إذا بضباب يرتفع وينتشر حتى صار يحول دون أن يرى المرء شيئاً على قيد 20 خطوة.

وفي الساعة الثامنة تبدد هذا الضباب وأخذت الجنود في السير وزحفت في المقدمة أورطتان من المصريين تعاضدهما أخريان من الأتراك تساعدهما بطارية تركية وأخرى فرنسية. وكان يوجد أمام هذه القوة 3 آلاف من السواري الروس وبطاريتان ولكنهم لم ينتظروا حتى يصطدموا بها بل تراجعوا تاركين علفهم وحبوبهم. وقد أكره المشير التركي أحمد باشا أيضاً الروس على الانسحاب.

مرض الفريق أحمد باشا المنكلي وصدور الاذن له بالرجوع إلى مصر

وبسبب وقوع أحمد باشا المنكلي في مخالب المرض طلب من سعيد باشا أن يأذن له بالرجوع إلى مصر. وفي 15 محرم سنة 1272 هـ (27 سبتمبر سنة 1855م) أجاب طلبه وعين محله في القيادة العامة اللواء إسماعيل باشا أبا جبل قائد الجيوش المصرية النازلة في القرم وعين اللواء علي باشا شكري بنفس هذه الوظيفة في الروم إيلي. وصدرت الأوامر الثلاثة هذه في يوم واحد. وإليك الإرادات السنية التي صدرت بذلك:


(1)

"إرادة إلى أحمد باشا المنكلي بتاريخ 15 محرم سنة 1271 رقم 24 مقيدة بالدفتر رقم 492:

قد إطلعنا على إفادة دولتكم الرقيمة غاية الحجة سنة 1271 وعلم منها أنكم عندما كنتم في العام الماضي بالأستانة حصل لكم اضطراب شديد بسبب الرياح التي اعترضت ظهركم وركبكم من مد مديدة ولمناسبة أن برد الجهات التي توجودن بها الآن أشد من برد الآستانة وبسبب قرب حلول فصل الشتاء وشدة اضطرابكم من الآن لدرجة تمنعكم من أداء مأموريتكم وقد تركون أنه في حالة الترخيص لكم بالحضور لهذا الطرف إحالة أدارة العساكر المصرية وكالة لعهدة اللواء إسماعيل باشا. ومن حيث أن الأمر كما ذكرمتوه فقد اقضت إرادتنا المساعدة لكم بالعودة لهذا الطرف وإحالة ادارة العساكر المصرية التي بجهة القرم إلى المومى إليه اللواء إسماعيل باشا وأيضاً إحالة ادارة العساكر المصرية التي بالروم إيلي إلى عهدة علي باشا ثم أن الأوامر التي صدرت بهذا الخصوص قد أرسلت للمشار إليهما. فلدى وصول علمكم بذلك تجرون إجراء إجراء التنبيهات والوصايا اللازمة من قبلكم أيضاً وتبادرون بالحضور. وقد حرر هذا للمعلومية."


إرادة باحلال اللواء إسماعيل باشا أبي جبل محله بالوكالة عنه بالقرم

(2)

"إرادة إلى إسماعيل باشا الباشبوغ الذي بالقرم تاريخها 15 محرم سنة 1272 ومقيدة بالدفتر رقم 492:

بناء على ما هو معلوم لنا فقد اقتضت إرادتنا الكريمة إحالة إدارة شؤون العساكر المصرية الموجودة بكوزلوه بالوكالة عن سعاة أحمد باشا المنكلي لمناسبة اشتداد ألم الرياح المصاب بها في ظهره وركبتيه في أيام الشتاء لدرجة تمنعه عن أداء وظيفته التي يحتاج أداؤها للجسم السليم وعلى الخصوص قرب حلول فصل الشتاء كما أن ادارة شؤون العساكر المصرية التي بجهة الروم إيلي قد أحيلت إلى عهدة علي باشا وقد صار إخطار الباشا المشار إليه بذلك وبالعودة إلى هذا الطرف. وأملنا أن التنبيهات والوصايا التي ستلقى عليك من الباشا المشار إليه وانضمام درايتك واجتهادك ستوصلانك إلى حسن أداء ادارة العساكر المذكورة ومثابرتك ليلاً ونهاراً للمحافظة على عدم وقوع ما يخالف الشرف العسكري. وقد حرر هذا للمعلومية".

إرادة أخرى باحلال اللواء علي باشا شكري محله بالوكالة بالروم إيلي

(3)

"إرادة إلى علي باشا الذي بجهة الروم إيلي تاريخها 1ذ5 محرم سنة 1272 مقيدة بالدفتر رقم 492:

بناء على ما هو معلوم لدينا قد اقتضت إرادتنا الكريمة إحالة ادارة شؤون العساكر المصرية التي بجهة الروم إيلي إلى عهدتكم بالوكالة عن سعادة أحمد باشا المنكلي بمناسبة الأسباب التي سردها بإفادته المؤرخة غية ذي الحجة سنة 1271 كما أن ادارة العساكر التي بجهة القرم بكوزلوه قد أحيلت إلى عهدة إسماعيل باشا. والأمل إصغاؤكم إلى تنبيهاته التي ستلقى عليكم قبل قيامه لهذا الطرف حيث حرر له بالعودة وبذل جهدكم في أداء ادارة العساكر المذكورة ومثابركتم ليلاً ونهاراً على عدم وقوع ما يخالف الشرف العسكري. وبذا تكونون قد أديتم واجباً تشكرون عليه عند الجميع. وقد حرر هذا للمعلومية".

مطاردة جيوش الحلفاء للجيوش الروسية

وقد بعث نجاح الجيوش المتحدة في هذه الحرب الجرأة في قلب قائدها وشد عزائمه على القيام بمحاولة أخرى فأرسل ثلاث فرق من أوباتوريا في 29 سبتمبر سنة 1855م لمطاردة طلائع الروس.

فاتجهت الأولى يميناً وكانت مؤلفة من 5 آلاف جندي من المصريين البيادة و10 مدافع مصرية و500 من سواري الأتراك بقيادة اللواء إسماعيل باشا أبي جبل ولبثت الفرقة الثانية في الوسط وكانت مؤلفة من 4.000 جندي من البيادة المصرية و5 مدافع مصرية و1.500 من السواري الفرنسيين بقيادة الجنرال دالونفيل وسارت الفرقة الثالثة إلى الجهة اليسرى وكانت مكونة من 7.000 جندي من البيادة و2.000 من السواري و17 مدفعاً وكانت جنود هذه الفرقة كلها من الأتراك تحت إمرة المشير أحمد باشا. والتقت الفرقة الأولى المصرية بشراذم من القوزاق فدحرتهم وأسرت البعض منهم واستولت على مقدار من الأسلحة والحبوب. ثم بعد ذلك تلاقت الفرق الثلاث وانضمت إلى بعضها وألقت عصا التسيار.

وفي أثناء ذلك لحظ الجنرال دالونفيل 18 كتيبة من القوزاق معها مدفعية تحاول الالتفاف حول ميمنته. فأصدر في الحال الأمر إلى السواري الفرنسيين والأتراك بالزحف لقتالها بمعاضدة الجيوش المصرية فاشتعلت نار الحرب ودرات على القوزاق فدحروا وولوا مدبرين تاركين في حومة الميدان 170 أسيراً و250 حصاناً و6 مدافع بعجلاتها وصناديقها استولت عليها جيوش الحلفاء.

وصف القائد العام لهذه الواقعة وثناؤه على الجيوش التركية والمصرية

وجاء في كتاب تاريخ الحرب في روسيا وتركيا ص 577 أن المارشال الفرنسي بيليسييه القائد العام لجيوش الحلفاء وصف هذه الموقعة فقال أنها من الأعمال المجيدة المشرفة للذين اشتركوا في القيام بها من جنود وقواد. وأصدر بذلك بياناً للجيش المتحالف جاء فيه فوق ما ذكر أن الجنرال دالونفيل أثنى ثناء جماً على الجيوش التركية والمصرية وأطنب كذلك فيما لاقاها منهم من المساعدة.

وفي 23 أكتوبر سنة 1855م زحف الجنرال دالونفيل مرة أخرى وكان معه عدا من ذكروا لواء من السواري الإنجليز وكان في مقدمته الجيوش المصرية الذين إمتازوا بقهر صفوف الروس.

وفي ديسمبر من هذه السنة 1855م سافر قسم من الجنود المصرية من أوباتوريا إلى طرابزون إمداداً للجيش المرابط في هذه الجهة كما ذكر ذلك توماس بزارد في كتابه مع الجيش التركي في القرم وآسيا الصغرى ص 255 With the Turkish Army in the Crimea & Asia Minor.

ونشرت جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز في هذا الصدد بعددها الصادر بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1855م ما معربه:

سفر قسم من الجنود المصرية من أوتارويا إلى طرابزون لامداد الجيش المرابط بها

"في أواخر هذه السنة 1855م تغلب الروس على الترك في آسيا فأرسل 3.000 جندي مصري إلى طرابزون إمداداً للجيش الذي في تلك الجهة".

هذا هو نهاية ما استطعنا الوصول إلى جمعه من المعلومات عن حركات الجيوش البرية والبحرية المصرية في هذه الحرب التي بلغت منتهى الشدة لأن الشتاء في عامي 1854 و1855م لم تر أوروبا أشد ولا أصعب منه. فعانى الجنود المصريون البريون والبحريون منه الأمرين خصوصاً أنهم لم يعتادوا مثل هذا المناخ. غير أن سلوكهم كان كما سجلته الشهادات التي ذكرت قبلاً والتي ستذكر فيما بعد فوق كل مدح وثناء فنالوا بسبب ذلك أعلى مراتب الشرف.

قصيدة عبد الله باشا فكري في وصف واقعة سباستبول

ويحسن بنا أن نورد هنا القصيدة البليغة التي نظمها المرحوم عبد الله باشا فكري يصف فيها واقعة سباستبول وانصار الأتراك والمصريين فيها على الروس سنة 1272 هـ (سنة 1855م). ويدل مجموع حروف كلا شطري مطلعها على تاريخ هذه الحرب بالسنين الهجرية بحساب الجمل. وها هي نقلاً عن كتاب: (الآثار الفكرية) لابنه المغفور له أمين فكري باشا ص83:

(سنة 1272)

لقد جاء نصر الله وانشرح القلب
 
لأن بفتح القرم هان لنا الصعب
وقد ذلت الأعداء في كل جانب
 
وضاق عليهم من فسيح الفضا رحب
بحرب تشيب الطفل من فرط هولها
 
يكاد يذوب الصخر والصارم العضب
إذا ردعت فيها المدافع أمطرت
 
كؤوس منون قصرت دونها السحب
تجرع ىل الأصفر الموت أحمراً
 
وللبيض في مسود هاماتهم نهب
تراهم سكارى للظبي في رؤوسهم
 
غناء ومن صرف المنايا لهم شرب
إذا وقعت ذات البروج وأبصروا
 
بها السور يتلو السجدة انفطر القلب
وإن هز لدن الرمح غصن قوامه
 
فكل دم فيهم إلى قده صب
وما احمر خد السيف إلا وأصبحت
 
رقابهم شوقاً لتقبيله تصبو
وقد غرهم من قبل كثرة جيشهم
 
فلم يغن عنهم ذلك الجيش والركب
وولوا يجدون الفرار بعسكر
 
تحكم فيه القتل والأسر والسلب
وأين يسومون النجاة وخلفهم
 
تسابقت الخيل المسومة الشهب
ولو سلموا من مرهف السيف أو خلوا
 
بأنفسهم يوماً لأفناهم الرعب
فقد راعهم من آل عثمان دولة
 
مجيدية دانت لها الترك والعرب
وجاء بشير النصر يشدو مؤرخاً
 
لقد جاء نصر الله وانشرح القلب

وقف الحرب وعقد الصلح

وبعد ذلك بوقت وجيز وضعت الحرب أوزارها بسبب عقد الصلح بين الدولة وروسيا في أواسط سنة 1856م. وقد ارسل السلطان عبد المجيد إلى والي مصر سعيد باشا فرماناً بالتركية في أوائل مايو من هذه السنة يشكره على ما قدمه للدولة من المساعدة في هذه الحرب ويثني على بسالة الجنود المصرية فيها ويعلنه بعقد الصلح بينه وبين روسيا.

فرمان همايوني لوالي مصر بذلك

وإليك ترجمة الفرمان المذكور بالعربية:

"وزيري سمير المعالي سعيد باشا والي مصر

إن ما أظهرتموه أنتم أيضاً من الحمية من جانبكم في المسألة التي إنتهت بهذا الصلح الخيري بتوفيق الله تعالى على الوجه المبين في أمري عالي الشأن هذا قد وقع لدينا موقع التحسين والتقدير وما قمتم به من الخدمات وما بذله عساكرنا القادمون من مصر من الجهد قد استلزما رضاءنا وسرورنا فوق العادة. فالله تعالى وتقدس يوفقكم في كل حال بتوفيقاته الصمدانية آمين.

الدستور الأكرم المعظم المشير الأفخم المحترم. ناظم مناظم الأمم. مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب. مشيد أركان السعادة والإجلال. مرتب مراتب خلافته الكبرى. مكمل ناموس سلطنته العظمى. المحفوف بصفوف عواطف الملك الأعلى. وزيري سمير المعالي سعيد باشا والي أيالة مصر. الحائز لرتبة الصدارة الجليلة وللنشان المجيدي الهمايوني الأول. أدام الله تعالى إجلاله. وضاعف بالتأييد اقتداره واقباله. فليكن معلوماً لدى وصول توقيعي الهمايوني الرفيع. أنه بتوفيق الله تعالى. قد تكللت المساعي التي بذلتها الدولة والأمة بنجاح. وانتهت الحرب الحاضرة بصلح خيري موافق لحقوق سلطنتنا السنية ومصالحها. وصدق من طرفنا الشاهاني على المعاهدة العمومية التي عقدت في هذا الخصوص. وأعلن وأذيع ذلك بمقتضى ارادتنا السنية ليكون معلوماً للجميع.

إن جميع عساكرنا الشاهانية التي دعيت للخدمة في الدفاع عن الوطن في هذا الحرب التي انتهت بالنصر التام وعلى الخصوص العساكر التي قدمت من مصر قد قامت بوظائفها خير قيام بالطاعة والخضوع. وبالصبر على متاعب ومشاق السفر. وبالبسالة والشجاعة التي هي من أجل الصفات العسكرية. وبذلك رفعوا شأن العسكرية العثمانية. ودونوا في أجمل صحائف توارخنا آثار بطولتهم العديدة. وخلدوا أسماءهم في العالم. وأني راضي عنهم ومسرور منهم جميعاً. وأذكركم دائماً بالدعاء لهم بالخير.

إن عموم تبعتنا الشاهانية بدون أي فارق بينهم. قد قامت بخدمات دولتنا العلية في هذه المسألة على أكمل وجه. وأظهرت علائم الصداقة والمحبة من كل الوجوه لذاتنا الشاهانية ولدولتهم ولوطنهم. وكذلك جميع موظفي الدولة وعموم رؤساء الملة قد أظهروا آثار الحمية والصداقة في تنفيذ الأوامر. ونالوا تقديرنا وتحسيننا الملكي. وبالأخص ما أظهرته أنت أيضاً من جانبك في هذه المسألة من مآثر الغيرة والحمية قد كان له أكبر تقدير لدى ذاتنا الشاهانية. والخدمات التي أديتها أوجبت سرورنا فوق العادة. كما أن الخدمات التي قام بها جميع رعايانا باتحاد القولب لدولتنا العلية وقت الحرب أنتجت مثل هذه النتيجة الحسنة. ولأجل أن تستفيد كافة مملكتنا الشاهانية من الصلح الذي تم. فمأمولي من غيرة جميع رعايانا أن يكونوا يداً واحدة. وأن يتحدوا على حب الوطن. وأن يبذل جميع موظفي دولتنا العلية جهدهم التام في شؤون وظائفهم كما هو مأمول منهم. حتى تظهر فعلاً آثار النظامات الخيرية التي وفقت لتأسيسها بعون الله تعالى ظهوراً تاماً حسب رغبتي الشاهانية القاطعة. ويكتسب ملكنا وشعبنا شرفاً وشأناً آخر في العالم مع تزايد ثروتهما وسعادة حالهما. وأدعو الله أن يتم ذلك.

وإن ما أظهرته الدول الفخيمة المحالفة لسلطنتنا السنية والمتفقة معها من العطف والكرم هذه المرة نحو دولتنا العلية ليس مما ينسى ذكره في أي وقت من الأوقات. والشكر عليه باق في قلوب العثمانيين إلى الأبد. وإن ذكري عساكر دول الاتفاق الشجعان الذين أبرزوا مآثر حميدة في ميدان الحرب بارقة دمائهم لأجلنا. ستخلد في تاريخ العثمانيين أيضاً كما تخلد في تواريخ دولهم. وبما أنه رؤى من المناسب إعلان معاهدة الصلح التي عقدت تيمناً بذلك مع إبلاغ سرورنا الشاهاني للجميع. فقد أصدرت أمري هذا الجليل القدر من ديواني الهمايوني. فأنت أيها الوالي المشار إليه. عليك لدى وصول فرماني الملكي الجليل العنوان إليك. أن تعلن ذلك وتذيعه للجميع. وتبلغهم أن ما أظهروه من الحمية. وما قدموه من الخدمات الحسنة إلى الآن. قد أوجبنا سرورنا الشاهاني. وأن تبذل ما في وسعك بعد الآن أيضاً في إتخاذ الوسائل ليقومون بواجباتهم الوطنية. ويراعوا الصداقة. فاعلم ذلك واعتمد على علامتنا الشريفة.

تحريراً في أواخر شهر شعبان المعظم سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف."

إنعامات السلطان عبد المجيد على الجنود المصرية

ولدى رجوع الجنود المصرية إلى الأستانة منح السلطان ذوي الكفاءة منهم والذين إمتازوا بأعمال مجيدة أوسمة قبل رجوعهم إلى وطنهم. وقد عثرنا على فرماني وسامين من هذه الأوسمة بالعربية منحها في هذا التاريخ جلالة السلطان عبد المجيد إلى كل من علي حسن من الجنود المصرية التي خاضت غمار هذه الحرب ب11 جي ألاي بياده 1 جي طابور 4 جي فرقة ومن ناحية بشبيش غربية، وحسن علي من 19 جي بيادة 2 جي أورطة 8 جي بلوك ومن ناحية أهميم بمديرية أسيوط. وتجد صورتي الفرمانين المذكورين منشورتين هنا.

شهادات قواد الجيوش المتحالفة للجنود المصرية في حرب القرم

وهذه شهادات أخرى غير التي أتينا على ذكرها آنفاً وجميعها صادرة من قواد أجانب يشهدون لجنودنا بشرف حسن السلوك والبسالة والاقدام.

(1)

كتب الأمير الإنجليزي سليد الذي كان موظفاً في تركيا وسمي مظفر باشا واشترك في هذه الحرب وألف عنها تاريخاً سماه تركيا وحرب القرم ص120 Turkey and the Crimean War، عن الجنود المصرية ما يأتي:

"هؤلاء هم الجنود الذين ألقي القبض عليهم بغلظة وانتزعوا من عقر دورهم وصياح أولادهم من حولهم يطن في آذانهم وانتقلوا من ضفاف فروع النيل المضيئة بنور الشمس إلى غدران نهر الدانوب القاتمة. ومع هذه قد ظلوا إلى نهاية الحرب محتفظين ببسالتهم وقوة روحهم العسكرية. وإمتازوا دواماً سواء أكان ذلك في بلغاريا أم غيرها في الحروب وأظهروا في كل وقت وآن جلداً وصبراً عند التعب والحرمان. غير أنه وياللحسرة والندم نصفهم ألقى آخر نظرة إلى مصر لدى سفره منها".

(2)

وجاء في خطاب كتبه الجنرال الفرنسي أوسمون إلى مسيو أميه فانترينيه بتاريخ 4 مايو وهذا الأخير نشره في مؤلفه الذي سماه سليمان باشا ص 574 Soliman Pasha قالب صدد حرب القرم ما يأتي:

"لقد أتى في غضون حرب القرم قسم من أولئكم الجيوش المصرية المجيدة ليعاونونا في أعمال الحرب. ورأيت في أوباتوريا عندما كنت محافظاً لها فرقة مصرية مؤلفة من زهاء 12 ألف جندي وهي تكون جزءاً من جيش عمر باشا. رأيتها في المناورات ورأيتها في الحرب تقاتل إلى جنب فرقتين من الجيش التركي وأنا أصرح أنها تفوق هاتين الفرتقين في كل أمر."

وجاء في الكتاب السابق ص 572 في مقالة نشرتها المنتيور وهي جريدة كانت تصدر في ذلك العهد ما يأتي:


(3)

"وتعتبر الجنود المصرية أحسن جنود في أوباتوريا. وهذه كانت أيضاً شهرتهم في حرب الدانوب. ويعلم الجميع أنهم ألقوا على كاهلهم كل أعباء الدفاع عن سلسترة."

وهذه الشهادات مضافاً إليها الشهادات السابقة الصادرة من أعلى المصادر وأعاظم القواد الذين إشتركوا في هذه الحرب مثل المارشال سان أرنو القائد الفرنسي ورئيس القوات العام لجيوش الحلفاء الذي مات بالكوليرا خلال الحرب. والمارشال بيليسييه الذي حل محله في وظيفته بعد وفاته. وكذلك شهادات اللورد رجلان رئيس قيادة الجيش الإنجليزي العام من شأنها تشريف جيشنا الذي اشترك في هذه الحرب وإعلاء منزلته ورفع قيمة ضباطه وصف ضباطه.

وأني اعتقد أن جنود جيشنا الحالي لو سنحت لهم الفرصة لحذوا حذو أسلافهم ويشرفونا كما شرفنا هؤلاء.

مساعدات مصر للدولة العلية في هذه الحرب

ويجدر بنا بعد ذلك أن نجمع فيما يلي كل المساعدات التي قدمتها مصر للدولة العلية في هذه الحرب تنويهاً بهذه الخدم الجليلة التي قدمتها لها. وهذه المساعدات تشمل الأساطيل البحرية والجنود البرية التي حشدتها مصر وزودتها بالميرة والسلاح وأرسلتها إلى ميادين القتال وضحت بها في نيران هذه الحرب المتأججة التي دامت عامين متوايين للذود عن حياض الدولة ومناهضة أعدائها.

وتشمل أيضاً ما أرسلته إليها من الأموال التي تبرع بها الوالي عباس باشا الأول ونجله إلهامي باشا والموظفون فيها مساعدة لها في نفقات الحرب المذكورة وكذلك ما أرسلته إليها من الذخائر والأسلحة.

وهذا العمل الذي قامت به مصر حيال الدولة قدمته لها عن طيب خاطر في وقت كانت فيه ميزانية الحكومة المصرية لم تجاوز 4 ملايين من الجنيهات وكان عدد جيشها المستديم كبيراً جداً إذ بلغ 93.947 من الجنود وكانت النفقة عليه طائلة كثيرة ومع ذلك لم تكن الحكومة مدينة بدين ما.

فلينظر المصريون أين ذلك الوقت من وقتنا هذا الذي بلغ فيه عدد الجيش المصري 11.000 جندي وبلغت ميزانية الحكومة 35 مليوناً من الجنيهات ليدركوا الفرق الشاسع بين زماننا وذلك الزمان. وهذا بيان المساعدات المصرية:

المساعدة بالأساطيل البحرية والجيوش البرية

المساعدة بالجيوش البحرية والبرية في عهد عباس باشا الأول

"الأساطيل البحرية"
عدد الجنود
1 الفريق حسن باشا الإسكندراني، قائد عام الجيش البحري
50 أركان حرب وتوابع الفرقة
1.040 الغليون مفتاح جهاد وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام طاهر بك
1.040 الغليون مفتاح جهاد أباد وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام خليل بك
1.040 الغليون الفيوم وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام محمود بك
631 الفرقاطة رشيد وبها 60 مدفع بقيادة البكباشي مرجان قبودان
631 الفرقاطة شير جهاد وبها 60 مدفعاً بقيادة البكباشي خورشد قبودان
631 الفرقاطة دمياط وبها 60 مدفعاً بقيادة البكباشي أحمد شاهين قبودان
631 الفرقاطة البحيرة وبها 60 مدفعاً بقيادة البكباشي حجازي أحمد قبودان
371 وابور النيل وبه 30 مدفعاً بقيادة القائمقام عبد الحميد قبودان
213 قرويت جناح بحري وبه 24 مدفعاً بقيادة الصاغقول أغاسي زنيل قبودان
213 قرويت جهاد بيكر وبه 24 مدفعاً بقيادة الصاغقول أغاسي حسن أرنؤود قبودان
179 جويليت الصاعقة وبه 12 مدفعاً بقيادة الصاغقول أغاسي طاهر قبودان
179 الوابور بروانا بحري وبه 12 مدفعاً بقيادة الصاغقول أغاسي صالح قبودان


"الجيوش البرية"
1 جي فرقة 1 الفريق سليم فتحي باشا القائد العام للجيش البري
50 أركان حرب وتوابع الفرقة
البيادة 1 جي لواء (9 جي و10 جي بيادة)
1 أمير اللواء إسماعيل باشا أبو جبل
30 أركان حرب وتوابع اللواء
9 جي بيادة 1 محمد رستم بك: أمير ألاي
1 ابراهيم أدهم بك: قائقمام
71 أركان حرب وأقسام الألاي
809 1 جي أورطة: خورشد أفندي بكباشي
733 3 جي أورطة: حسين أفندي راغب بكباشي
10 جي بيادة 1 حسين بك: أمير ألاي
1 مصطفى بك: قائقمام
41 أركان حرب وأقسام الألاي
838 1 جي أورطة: عبد الكريم أفندي بكباشي
991 2 جي أورطة حسن صادق أفندي بكباشي
994 3 جي أورطة سليم ساطع أفندي بكباشي
2 جي لواء (11 جي و12 جي بيادة) 1 أمير الواء علي شكري باشا
30 أركان حرب وتوابع اللواء
11 جي بيادة 1 محمد حافظ بك: أمير ألاي
1 خورشد بك: قائمقام
65 أركان حرب وأقسام الألاي
880 1 جي أورطة داود أغا بكباشي
860 2 جي أورطة صالح أفندي بكباشي
870 3 جي أورطة مصطفى أفندي بكباشي
12 جي بيادة 1 الحاج رشوان بك: أمير ألاي
1 عبد الرحمن بك: قائمقام
52 أركان حرب واقسام الألاي
850 1 جي أورطة ابراهيم أغا بكباشي
825 2 جي أورطة عبد الحميد أغا بكباشي
832 3 جي أورطة عبد الرحمن أفندي بكباشي
3 جي لواء (13 جي و14 جي بيادة) 1 أمير اللواء سليمان باشا الأرنؤوطي
30 أركان حرب وتوابع اللواء
13 جي بيادة 1 مصطفى بك: أمير ألاي
1 نجم الدين بك: قائمقام
160 أركان حرب وأقسام الألاي
820 1 جي أورطة الحاج فضل الله أغا بكباشي
815 2 جي أورطة محمد أغا بكباشي
812 3 جي أورطة محمد سعيد أفندي بكباشي
14 جي بيادة 1 علي بك: أمير ألاي
1 محمد بك: قائمقام
67 أركان حرب واقسام الألاي
805 1 جي أورطة صادق أغا بكباشي
807 2 جي أورطة علي أفندي بكباشي
803 3 جي أورطة مصطفى أفندي بكباشي
4 جي لواء (15 جي و16 جي و17 جي بيادة) 1 أمير اللواء ابراهيم شركس باشا
30 أركان حرب وتوابع اللواء
15 جي بيادة 1 ابراهيم بك: أمير ألاي
1 يوسف غالب بك: قائمقام
64 أركان حرب وأقسام الألاي
957 1 جي أورطة مصطفى أفندي: بكباشي
930 2 جي أورطة محمد صدقي بكباشي
950 3 جي أورطة أحمد حمدي بكباشي
16 جي بيادة 1 أحمد بك: أمير ألاي
1 فرهاد بك: قائمقام
55 أركان حرب وأقسام الألاي
955 1 جي أورطة أحمد أغا: بكباشي
955 2 جي أورطة جعفر أغا: بكباشي
948 3 جي أورطة محمد أفندي: بكباشي
17 جي بيادة 1 رجب بك: أمير ألاي
1 خسرو بك: قائمقام
43 أركان حرب وأقسام الألاي
876 1 جي أورطة أحمد عوني أفندي: بكباشي
863 2 جي أورطة محمد حافظ أفندي: بكباشي
864 3 جي أورطة رسول أغا أفندي: بكباشي

جميع أورط هذه الألايات مكونة من 4 بلوكات.


"السواري"
لواء السواري الطوبجية 1 أمير اللواء جعفر صادق باشا
30 أركان حرب وتوابع اللواء
9 جي سواري 1 عثمان بك: أمير ألاي
1 محمد صادق بك: قائمقام
1 محمد ثابت أفندي 1 جي بكباشي
1 أحمد عوني أفندي 3 جي بكباشي
45 أركان حرب وأقسام الألاي
1291 6 أورط وقائد الأورطة يوزباشي
"الطوبجية"
3 جي طوبجية 1 إسماعيل بك: أمير ألاي
1 خورشد بك: قائمقام
53 أركان حرب واقسام الألاي
714 1 جي أورطة علي وهبي أفندي بكباشي
646 2 جي أورطة مصطفى حمدي أفندي بكباشي
672 3 جي أورطة عبد الحليم أفندي بكباشي
640 4 جي أورطة محمد خلوصي أفندي بكباشي
612 1 جي أورطة من 1 جي طوبجية شاكر حسن أفندي بكباشي

وعدد المدافع لكل بطارية 6 وعدد البطاريات لكل أورطة 3 فيكون عدد المدافع للأورطة 18 وللألاي 72 ويكون مجموعة المدافع 90 مدفعاًَ.

المساعدة بالجيوش البرية في عهد سعيد باشا

"عدد ضباط وصف ضباط وعسكر (فرق، ألوية، ألايات، أورط)"
2 جي فرقة 1 الفريق أحمد باشا المنكلي: قائد
50 أركان حرب وتوابع الفرقة
البيادة: 5 جي لواء
((18 جي و19 جي و20 جي بيادة)
1 أمير اللواء (غير معروف اسمه)
30 أركان حرب وتوابع اللواء
18 جي بيادة 1 إسماعيل صادق بك: أمير ألاي
1 شاهين كنج بك: قائمقام
79 أركان حرب وأقسام الألاي
1.240 1 جي أورطة داود أفندي بكباشي
1.181 2 جي أورطة عمر أغا بكباشي
1.1197 3 جي أورطة محمد أفندي بكباشي
19 جي بيادة 1 سليم بك: أميرألاي
1 محمد راغب بك: قائمقام
101 أركان حرب وأقسام الألاي
1.483 1 جي أورطة محمد أفندي بكباشي
1.377 2 جي أورطة علي أفندي بكباشي
1.468 3 جي أورطة مصطفى أفندي بكباشي
20 جي بيادة 1 سليمان بك: أمير ألاي
1 بكري بك:قائقمام
116 أركان حرب وأقسام الألاي
1.435 1 جي أورطة حسين عاصم أفندي بكباشي
1.426 2 جي أورطة مصطفى أفندي بكباشي
1.384 3 جي أورطة محمد أفندي بكباشي

وجميع أورط هذه الألايات مكونة من 8 بلوكات على خلاف التي أرسلت في حكم عباس باشا فإنها مكونة من 4 بلوكات فقط.

السواري
1.200 10 جي ألاي
1.200 جملة السواري
الطوبجية
1.200 أورطتان من الطوبجية البرية غير معروفة تبعيتهما لأي ألاي كل أورطة مكونة من 3 بطاريات وكل بطارية من 6 مدافع فعدد المدافع يكون 18 أورطة و36 للإثنتين
1.20 جملة الطوبجية
"مجموع الجنود المرسلة في حكم سعيد باشا"
12.576 البيادة
1.20 السواري
1.200 الطوبجية
14.976 المجموع
36 مجموعة المدافع

المساعدات المالية في عهد عباس باشا الأول

"مجموع الجنود المرسلة في حكم عباس باشا الأول"
6.85 الجيش البحري
28.831 الجيش البري
24.201 البيادة
1.291 السواري
3.339 الطوبجية
35.681 المجموع
"المدافع"
642 الجيش البحري
90 الجيش البري
732 المجموع

المساعدات بالذخائر والأسلحة في عهدي عباس وسعيد

"مجموع قوى الجيوش البحرية والبرية المرسلة في عهدي عباس الأول وسعيد"
6.850 الجيش المصري
43.807 الجيش البري 36.777 البيادة
2.491 السواري
4.539 الطوبجية
50.657


"عدد المدافع"
642 الجيش البحري
126 الجيش البري
768 المجموع

التبرعات المالية: حكم عباس باشا الأول

بلغت تبرعات مصر للدولة في هذه الحرب 17.000 كيس أي 85.000 جنيه مصري باعتبار الكيس 5 جنيهات. وإليك ما جاء عن هذه التبرعات في تقويم الوقائع العثماني سنة 1270 هـ (1854م):

"قد تبرع حضرة صاحب الفخامة عباس باشا والي مصر المشار إليه بمبلغ 8.000 كيس نقدية (40.000 جنيه مصري) محسوباً على مطلوبه من خزينة المالية الجليلة. وتبرع حضرة صاحب الدولة إلهامي باشا نجل المشار إليه أيضاً بمبلغ 2.000 كيس نقدية (10.000 جنيه مصري) إعانة للنفقات الحربية.

وقدم حضرة صاحب السعادة حسن باشا الذي حضر لدار السعادة هذه المرة إلى خزينة المالية الجليلة مبلغ 7.000 كيس نقدية (35.000 جنيه مصري) تبرع به الموظفون وسائر عبيد الحضرة الشاهانية الموجودون بمصر والتمس قبوله بكتاب محرر منه وصدرت الارادة الشاهانية بالموافقة."

الذخائر والأسلحة: حكم عباس باشا الأول وسعيد باشا

وأرسلت مصر إلى الدولة عدا الجنود والمال كمية كبيرة من الذخائر والأسلحة. فأرسلت إليها في ديسمبر سنة 1854م 1250 صندوقاً بها 25.000 بندقية. وفي أكتوبر سنة 1854م أرسلت إليها 36 مدفعاً و10.800 قذيفة. وقد ورد في دفاتر دار المحفوظات المصرية وغيرها من المصادر بشأن إرسال هذه الأسلحة والذخائر ما يأتي:

(1)

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 77 بتاريخ 7 ربيع الأول سنة 1270 هـ (8 ديسمبر سنة 1853م) مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691:

"وردت إفادة من محافظ الإسكندرية مؤرخة 20 صفر سنة 1270 هـ (22 نوفمبر سنة 1853م) تحت رقم 306 تفيد أن أل1260 صندوقاً الموضوع بداخلها 25.000 بندقية المراد إرسالها إلى الأستانة وردت بواسطة القائمقام مصطفى أفندي وقد صار تسلمها من المذكور وحرر هذا للاحاطة".

(2)

وذكرت جريدة ذي اللستريتد لندن نيوز بعددها الصادر بتاريخ 28 يناير سنة 1854م نبأ إرسال هذه البنادق فقالت: أرسلت والي مصر 25.000 بندقية إلى الأستانة".


(3)

إفادة من ديوان عموم الجهدية إلى محافظ الإسكندرية رقم 14 بتاريخ 13 محرم سنة 1271 هـ (6 أكتوبر سنة 1854م) مقيدة بالدفتر التركي رقم 2698:

"سبق أن صدرت إرادة سنية رقم 190 بإرسال 36 مدفعاً و10.800 قذيفة للأستانة العلية بصفة إمداد. وعلى ذلك حرر لناظر الجبخانات بتدارك تلك المقادير وإرسالها إلى الإسكندرية. فوردت إفادة من ناظر الجبخانات تفيد أن تلك المقادير قد جهزت وشحنت بالمراكب تحت نظارة البكباشي حسن أفندي وأرسلت لجبخانة الإسكندرية. فبوصوله تسلموا المقادير المذكورة من البكباشي المشار إليه وأعطوه السند اللازم بتسلمها وشنحوها للأستانة. وحرر هذا للاحاطة بذلك".


كلمة شكر

والآن وقد فرغنا من موضوع كتابنا حق علينا أن نسدي جزيل شكرنا إلى حضرات الذين تفضلوا بإطلاعنا على المستندات الرسمية التي لديهم عن هذه الحرب، أمثال حضرة صاحب السيادة حايم ناحوم أفندي حاخام الطائفة الإسرائيلية الأكبر بمصر الذي أطلعنا على بعض الفرمانات الشاهانية التي صدرت في شأن حرب القرم وهي التي نشرنا صورها الفوتوغرافية في هذا الكتاب. وحضرة صاحب الغزة محمد عماد الدين بك وكيل دائرة المغفور له حضرة صاحب السمو الأمير حليم باشا سابقاً فقد نقل لنا من تقويم الوقائع العثماني بعض الوقائع الحربية التي دارت بين الدولة والروسيا في الحرب المذكورة وغيرها. وحضرة الأستاذ علي شكري خميس سكرتير الغرفة التجارية بالإسكندرية الذي كتب إلى الغرفة التجارية بالروسيا فأرسلت إليه صور خان جامعي ومقابر الضباط المصريين الذين استشهدوا في هذه الحرب. وقد نشرناها أيضاً في هذا الكتاب.