أسرار الحرب الباردة في تصفية البكوش .. بين المخابرات المصرية والليبية .. الحلقة الثانية

أسرار الحرب الباردة في تصفية البكوش بين المخابرات المصرية والليبية ..


دراسة وتحليل / بقلم الكاتب والمحلل السياسي بسام أبو علي شريف

( الحلقة الثانية والأخيرة )

بعد أن سهلت المخابرات المصرية مهمة فرقة القتل لتصفية عبد الحميد البكوش .. تصوير المسكن .. مناطق تواجد البكوش .. مواقيت المغادرة .. الإتصالات .. الزيارات وحتى إلتقاط الصور الشخصية له .. طبعا بأيدي مخابرات مصرية داخل فرقة القتل المأجورة ..


ثم نقل هذه التقارير إلى المخابرات الليبية وما أروعها بالأقلام المصرية .. كل شيء تمام .. وإعداد جيد .. ومراقبة ممتازة ...


المخابرات الليبية تعطي الضوء الأخضر لتنفيذ العملية يوم 16/نوفمبر 1984 م .. وصلت الإشارة وجاري التنفيذ ...

أخذت المخابرات المصرية عبد الحميد البكوش إلى موقع الجريمة المفترض حسب التقرير المعد والمرسل سابقا للمخابرات الليبية ... في مقابر الغفير بشرق القاهرة وقامت بتصويره في وضع الجثة .. الهامدة بإتقان شديد .. حيث تظهر مواضع الطلقات والدماء الحقيقية التي تلوث ملابسه ...


.. نقل عناصر المخابرات ( المنفذين المفترضين ) الصورة إلى القتلة المأجورين حسب الإتفاق معهم على المبلغ عند التنفيذ ثلاثون ألف دولار أمريكي لكل فرد .. وحتى يتأكدون من إتمام العملية .. طلبت فرقة التصفية الأساسية من الفرقة المصرية المأجورة .. أن يروا بأنفسهم الجثة المدفونة وعندما وصلوا إلى قبر الجثة المفترضة تم القبض عليهم .. وهنا تمت المساومة ..


المخابرات المصرية تعرض على المقبوض عليهم التعاون لتخفيف العقوبة عنهم .. والمعتقلين يسارعون إلى الموافقة ...

وبناء عليه تم استكمال الخطة .. بأن اتصلت فرق القتل في مصر مع بعضها واتخذت قرار بالاتصال بالفرقة المأجورة في مالطا .. من أجل تبليغ ضابط المخابرات الليبية المشرف على تنفيذ العملية لتأكيد نجاح العملية .. وفعلا تم اتصال القاتل البريطاني بضابط المخابرات الليبية وتبلغ بنجاح العملية وطالب بتحويل بقية مبلغ الخمسة ملايين دولار إلى حسابه بعد أن تصله الصورة التي تثبت مقتل البكوش .


أحد عناصر المخابرات المصرية يسافر إلى مالطا ...

وفعلا تم تحضير الصور بتقنية وفنية رائعة وحملها ضابط المخابرات المصرية إلى مالطا على أنه أحد عناصر الإغتيال والتقى ضابط المخابرات الليبية المشرف على تنفيذ العملية وسلمه صورة عبد الحميد البكوش وهو جثة هامدة ..


.. قام ضابط المخابرات الليبي بتحويل المبلغ على الفور وطار بسرعة إلى جزيرة كريت حيث كان العقيد القذافي يستعد للقاء ثلاثي يضمه ورئيس الوزراء اليوناني بابا آندريو والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران .. على مأدبة عشاء ..

.. اطلع ضابط المخابرات القذافي على الصورة أثناء مأدبة العشاء بشكل سري .. فهمس القذافي في أذنه بأمر إذاعة الخبر مرفق بالصورة بأسرع وقت .

المخابرات الليبية تبلع الطعم ..

المخابرات المصرية أخرت تكذيب الخبر ليوم واحد على لسان وزير الداخلية المصري السابق / أحمد رشدي حتى تعترف المخابرات والحكومة الليبية بمسئوليتها عن التخطيط لارتكاب جريمة القتل بحق رجل سياسي .. حاصل على حق اللجوء السياسي ..

حسب القانون والأعراف الدولية .. مسئول المخابرات الليبية ينفذ أوامر قائد الثورة الليبية ويرسل على الفور الصور في طائرة خاصة إلى طرابلس .. حيث قدم التلفزيون الليبي خبر ( التصفية الثورية ) لرئيس وزراء ليبيا الأسبق خبر أول في النشرة الليبية .. وتم عرض صورة البكوش وهو مقتول بصورة مركزة ... اعتراف كامل وصريح بالصوت والصورة والتقرير والمسئولية الجنائية في ارتكاب جريمة قتل خطط لها على الأراضي الليبية ونفذت على الأراضي المصرية .. إنها صفعة قوية للعلاقات المصرية الليبية ...


المفاجأة الكبرى يوم 17/نوفمبر 1984 م ...

بث التلفزيون المصري مؤتمرا صحفيا طارئا يوضح فيه ملابسات إغتيال عبد الحميد البكوش رئيس وزراء ليبيا الأسبق حيث ظهر في الصورة وزير الداخلية / أحمد رشدي وبعض ضباط المخابرات وأمن الرئاسة ومباحث أمن الدولة وبعد أن استفرد في الحديث .. أعلن على الملأ قائلا والآن سيداتي و سادتي .. أقدم لكم السيد / عبد الحميد البكوش رئيس وزراء ليبيا الأسبق والذي أعلنت الحكومة الليبية مسئوليتها عن اغتياله ..

.. وهنا ماذا قال الرئيس فرانسوا ميتران .. عندما علم بأن أوامر إعطاء جريمة القتل كانت تتم من على الطاولة التي كان يجلس عليها هو ورئيس وزراء اليونان بابا أندريو .. أثناء مأدبة عشاء أقامها لهما العقيد القذافي ... قال بالحرف الواحد .. ( أن مجرد التصور والجلوس على مائدة المافيا لهو شيء مقزز ..)


ولكن هي مصلحة الدول قبل مصلحة أبنائها فهل تضحي دولة بعلاقاتها الدبلوماسية من أجل رجل معارض مقيم على أرضها ..

هذا ما حدث مع عبد الحميد البكوش بعد عودة العلاقات الليبية المصرية في أواخر الثمانيات وتوثيق العلاقات الأخوية بين مبارك والقذافي .. حيث جرى التضييق على المعارضين الليبيين المقيمين في مصر .. مما اضطر معظمهم إلى الرحيل عن مصر حفاظا على حياتهم وأمنهم .. بينما بقي البكوش مقيما فيها رغم الشروط الجديدة التي وضعت ووافق عليها والتي منعته من مزاولة نشاطه السياسي أو الكتابة الإنتقادية لنظام القذافي حتى وصل الأمر إلى الطلب منه صراحة إلى مغادرة مصر ... فاضطر الرجل بعد نحو ربع قرن من الإقامة في ( مصر المحروسة ) إلى مغادرتها في العام 2001 م واللجوء إلى الإمارات التي قبلت بإقامته فيها بشرط التوقف عن الكتابة في الشأن الليبي وعن ممارسة أي نشاط سياسي إلى أن جاء خبر مرضه المميت ثم وفاته في الثاني من مايو 2007 م .. ورغم وفاته .. إلا أنه روحه لن ترقد بسلام في قبره الإماراتي إلا عندما يعود جثمانه إلى أرض ليبيا الخضراء التي كان يهوى أن يدفن في ترابها المجبول بدماء الشهداء ..

لقد مات البكوش وماتت معه ذكريات وأساطير وهو يقول ( أنا أهواك يا بلدي لأنك لست لي وحدي فحضن الأم ما أحلاه مزدحما كعش النحل بالولد وحتى عندما أموت فلن أحزن لأن أحبتي والأهل بلدي .. سيبكونني ... ) انتهى ..


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر