أحمد مطر-لافتات 1

'''أحمد مطر : لافتات 2'''



البيان الأول


قلمى وسط دواة الحبر غاص ثم غاص ثم غاص قلمي فى لجة الحبر أختنق وطفت جثته هامدة فوق الورق روحه في زبد الأحرف ضاعت في المدى و دمى في دمه ضاع سدى و مضى العمر و لم يأت الخلاص آه ياعصر القصاص بلطة الجزار لا يذبحها قطر الندى لا مناص آن لي أن أترك الحبر و أن أكتب شعري بالرصاص


إضـراب


الوردُ في البستانْ ممالكٌ مُترَفـةٌ، طريّـةُ الجُـدْرانْ تيجانُها تسبحُ في بَرْدِ النـدى والنّـورِ والعطـورْ في سـاعةِ البكـورْ وتستوي كسلـى على عُروشِها . وتحـتَ ظُلمَـةِ الثّرى والبؤسِ والهـوانْ تسافرُ الجُـذوُر في أحزانِهـا كي تضحـكَ التيجانْ !

الوردُ في البُستانْ ممالِكٌ مُترفَـةٌ تسبحُ في الغرورْ بذكرِها تُسبِّحُ الطّيـورْ ويسبحُ الفراشُ في رحيقِها وتسبحُ الجـذورْ في ظُلمـةِ النسيانْ

الوردُ في البُستانْ أصبَحَ .. ثُمَّ كانْ في غفلَـةٍ تهدّلـتْ رؤوسُـهُ وخـرّتْ السّيقانْ إلى الثّـرى ثُـمّ هَـوَتْ من فوقِها التّيجـانْ !

مرّتْ فراشتانْ وردّدت إحداهُمـا : قَـدْ أعلنَتْ إضـرابَها الجـذورْ !

ما أجبنَ الإنسانْ ما أجبَنَ الإنسـانْ ما أجبنَ الإنسـانْ !


أحرقـي في غُربتي سفـني

أَلأَنّـني أُقصيتُ عنْ أهلي وعن وطني وجَرعتُ كأسَ الذُّلِّ والمِحَـنِ وتناهبَـتْ قلـبي الشجـونُ فذُبتُ من شجَـني ألأَنـني أبحَـرتُ رغـمَ الرّيـحِ أبحثُ في ديارِ السّحـرِ عن زَمَـني وأردُّ نارَ القهْـرِ عَـنْ زهـري وعَـنْ فَـنَني عطّلتِ أحلامـي وأحرقتِ اللقـاءَ بموقِـدِ المِنَنِ ؟! ما ساءني أن أقطَـعَ الفلَوَاتِ مَحمولاً على كَفَني مستوحِشـاً في حومَـةِ الإمـلاقِ والشّجَنِ ما ساءنـي لثْمُ الرّدى ويسوؤني أنْ أشتري شَهْـدَ الحيـاةِ بعلْقـمِ التّسليمِ للوثنِ

ومِنَ البليّـةِ أنْ أجـودَ بما أُحِـسُّ فلا يُحَسُّ بما أجـودْ وتظلُّ تنثالُ الحُـدودُ على مُنايَ بِلا حـدودْ وكأنّني إذْ جئتُ أقطَـعُ عن يَـديَّ على يديكِ يَـدَ القيـودْ أوسعْـتُ صلصَلةَ القيـودْ ! ولقَـدْ خَطِبتُ يـدَ الفراقِ بِمَهْـرِ صَـبْري، كي أعـودْ ثَمِـلاً بنشوةِ صُبحـيَ الآتـي فأرخيتِ الأعِنّـةَ : لنْ تعـودْ فَطَفـا على صـدري النّشيجُ وذابَ في شَفَتي النّشيـدْ !

أطلقتُ أشرِعَـةَ الدّمـوعِ على بحـارِ السّـرّ والعَلَـنِ : أنـا لن أعـودَ فأحرقـي في غُربتي سُفُـني وارمـي القلـوعَ وسمِّـري فـوقَ اللّقـاءِ عقاربَ الزّمَـنِ وخُـذي فـؤادي إنْ رضيتِ بِقلّـةِ الثّمَـنِ ! لكـنّ لي وَطَناً تعفّـرَ وجهُـهُ بدمِ الرفاقِ فضـاعَ في الدُّنيـا وضيّعني وفـؤادَ أُمٍّ مُثقلاً بالهـمِّ والحُـزُنِ كانتْ توَدِّعُـني وكانَ الدَّمـعُ يخذلُهـا فيخذلُني . ويشدُّني ويشدُّني ويشدُّني لكنَّ موتي في البقـاءِ وما رضيتُ لِقلبِها أن يرتَـدي كَفَني

أَنَا يا حبيبـةُ ريشـةٌ في عاصِفِ المِحَـنِ أهفـو إلى وَطَـني وتردُّني عيناكِ .. يا وَطني فأحـارُ بينكُما أَأرحَـلُ مِـنْ حِمى عَـدَنٍ إلى عَـدَنِ ؟ كمْ أشتهي ، حينَ الرحيلِ غـداةَ تحملُني ريحُ البكـورِ إلى هُناكَ فأرتَـدي بَـدَني أنْ تُصبِحـي وطَنـاً لقلبي داخِـلَ الوَطَـنِ


حـوار على باب المنفى


  • لماذا الشِّعْرُ يا مَطَـرُ ؟

- أتسألُني لِماذا يبزغُ القَمَـرُ ؟ لماذا يهطِلُ المَطَـرُ ؟ لِماذا العِطْـرُ ينتشِرُ ؟ أَتسأَلُني : لماذا ينزِلُ القَـدَرُ ؟! أنَـا نَبْتُ الطّبيعـةِ طائـرٌ حُـرٌّ، نسيمٌ بارِدٌ ،حَـرَرُ محَـارٌ .. دَمعُـهُ دُرَرُ ! أنا الشَجَـرُ تمُـدُّ الجـَذْرَ من جـوعٍ وفـوقَ جبينِها الثّمَـرُ ! أنا الأزهـارُ في وجناتِها عِطْـرٌ وفي أجسادِها إِبَـرُ ! أنا الأرضُ التي تُعطي كما تُعطَى فإن أطعَمتها زهـراً ستَزْدَهِـرُ . وإنْ أطعَمتها ناراً سيأكُلُ ثوبَكَ الشّررُ . فليتَ ( اللاّتَ ) يعتَبِرُ ويكسِـرُ قيـدَ أنفاسي ويَطْلبُ عفـوَ إحسـاسي ويعتَـذِرُ !

  • لقد جاوزتَ حَـدَّ القـولِ يا مَطَـرُ

ألا تدري بأنّكَ شاعِـرٌ بَطِـرُ تصوغُ الحرفَ سكّيناً وبالسّكينِ تنتَحِــرُ ؟! - أجَـلْ أدري بأنّي في حِسـابِ الخانعينَ، اليـومَ، مُنتَحِـرُ ولكِـنْ .. أيُّهُم حيٌّ وهُـمْ في دوُرِهِـمْ قُبِـروا ؟ فلا كفُّ لهم تبدو ولا قَـدَمٌ لهـمْ تعـدو ولا صَـوتٌ، ولا سَمـعٌ، ولا بَصَـرُ . خِـرافٌ ربّهـمْ عَلَـفٌ يُقـالُ بأنّهـمْ بَشَـرُ !

  • شبابُكَ ضائـعٌ هَـدَراً

وجُهـدُكَ كُلّـهُ هَـدَرُ . بِرمـلِ الشّعْـرِ تبني قلْعَـةً والمـدُّ مُنحسِـرُ فإنْ وافَـتْ خيولُ الموجِ لا تُبقـي ولا تَـذَرُ ! - هُـراءٌ .. ذاكَ أنَّ الحـرفَ قبلَ الموتِ ينتَصِـرُ وعِنـدَ الموتِ ينتَصِـرُ وبعـدَ الموتِ ينتَصِـرُ وانَّ السّيفَ مهمـا طالَ ينكَسِـرُ وَيصْـدأُ .. ثمّ يندَثِـرُ ولولا الحرفُ لا يبقى لهُ ذِكْـرٌ لـدى الدُّنيـا ولا خَـبَرُ !

  • وماذا مِن وراءِ الصّـدقِ تنتَظِـرُ ؟

سيأكُلُ عُمْـرَكَ المنفـى وتَلقى القَهْـرَ والعَسْـفا وترقُـبُ ساعـةَ الميلادِ يوميّاً وفي الميلادِ تُحتضَـرُ ! - وما الضّـرَرُ ؟ فكُلُّ النّاسِ محكومـونَ بالإعـدامِ إنْ سكَتـوا، وإنْ جَهَـروا وإنْ صَبَـروا، وإن ثأَروا وإن شَكـروا، وإن كَفَـروا ولكنّي بِصـدْقي أنتقي موتاً نقيّـاً والذي بالكِذْبِ يحيا ميّتٌ أيضَـاً ولكِـنْ موتُـهُ قَـذِرُ !

  • وماذا بعْـدُ يا مَطَـرُ ؟

- إذا أودى بيَ الضّجَـرُ ولـمْ أسمَعْ صـدى صـوتي ولـمْ ألمَـح صـدى دمعـي بِرَعْـدٍ أو بطوفـانِ سأحشِـدُ كُلّ أحزانـي وأحشِـدُ كلّ نيرانـي وأحشِـدُ كُلّ قافيـةٍ مِـنَ البارودِ في أعمـاقِ وجـداني وأصعَـدُ من أساسِ الظُلْمِ للأعلى صعـودَ سحابـةٍ ثكْـلى وأجعَـلُ كُلّ ما في القلبِ يستَعِـرُ وأحضُنُـهُ .. وَأَنفَجِـرُ


شـؤون داخليّـة


وطَـني ثَوبٌ مُرَقَّـعْ كُلّ جُزءٍ فيهِ مصنوعٌ بِمصنَـعْ وعلى الثّوبِ نُقوشٌ دَمويّـهْ فرّقـتْ أشكالَها الأهـواءُ لكِــنْ وحّـدتْ ما بَينَها نفـسُ الهَـويّـهْ : عِفّـةٌ واسِعـةٌ تَشقى وعِهْـرٌ يَتمتَّـعْ !

وَطَني : عِشرونَ جـزّاراً يَسوقـونَ إلى المسلَخِ قُطعـانَ خِرافٍ آدميّـهْ ! وإذا القُطعـانُ راحـتْ تتضـرّعْ لم تَجِـدْ عيناً ترى أو أُذُنـاُ من خارجِ المسلخِ .. تسمَعْ فطقوسُ الذّبحِ شـأنٌ داخِلـيٌّ والأصـولُ الدُّوَليّـهْ تَمنعُ المَسَّ بأوضـاعِ البلادِ الدّاخليّـهْ . إنّمـا تسمَحُ أن تَدخُلَ أمريكا علينا في شؤونِ السّلمِ والحَـربِ وفي السّلْـبِ وفي النّهْـبِ وفي البيتِ وفي الدّربِ وفي الكُتْبِ وفي النّـومِ وفي الأكلِ وفي الشُّربِ وحتّى في الثّيابِ الدّاخليّـهْ ! فإذا ما ظلّتِ التّيجانُ تَلْمَـعْ وإذا ظلّت جياعُ الكـوخِ تَستجـدي بأثـداءِ عذاراها لِتدفَـعْ وكِلابُ القَصْـرِ تَبلَـعْ وإذا لم يبقَ من كُلِّ أراضينا سِـوى متْرٍ مُربـّعْ يَسَـعُ الكُرسـيَّ والوالـي فإنَّ الوَضْـعَ في خيرٍ .. وأمريكـا سَخيّـهْ !

فَرّقَتْنـا وحـدَةُ الصَّـفِّ علـى طَبـلٍ وَدَفِّ وَتَوحّـدْنا بتقبيلِ الأيـادي الأجنَبيّـهْ . عَـرَبٌ نحـنُ .. ولكِـنْ أرضُنا عادتْ بِلا أرضٍ وعُدنـا فوقَها دونَ هويَـهْ . فَبِحـقِ البيتِ .. والبيتِ المُقَنّـعْ وبِجـاهِ التّبَعيّـهْ أعطِنا ياربُّ جنسيّـةَ أمريكا لكي نحيا كِرامَـاً في البِـلادِ العَربيَـهْ !


مأسـاة أعـواد الثقاب أوطانـي عُلبـةُ كبريتٍ والعُلبَـةُ مُحكَمَـةُ الغلْـقْ وأنـا في داخِلها عُـودٌ محكـومٌ بالخَنْـقْ . فإذا ما فتَحتْها الأيـدي فلِكـي تُحـرِقَ جِلـدي فالعُلبَـةُ لا تُفتـحُ دَومـاً إلاّ للغربِ أو الشّرقْ إمـَّا للحَـرقِ، أو الحَـرقْ

يا فاتِـحَ عُلبتِنا الآتـي حاوِلْ أنْ تأتـي بالفَـرقْ الفتـحُ الرّاهِـنُ لا يُجـدي الفتـحُ الرّاهِـنُ مرسـومٌ ضِـدّي ما دامَ لِحَـرقٍ أو حَـرقْ . إسحَـقْ عُلبَتنا، وانثُرنـا لا تأبَـهْ لوْ ماتَ قليلٌ منّـا عنـدَ السّحـقْ . يكفي أنْ يحيا أغلَبُنا حُـرّاً في أرضٍ بالِغـةِ الرِفـقْ . الأسـوارُ عليها عُشْـبٌ .. والأبوابُ هَـواءٌ طَلـقْ


التكفير والثـورة


كفرتُ بالأقـلامِ والدفاتِـرْ . كفرتُ بالفُصحـى التي تحبَـلُ وهـيَ عاقِـرْ . كَفَرتُ بالشِّعـرِ الذي لا يُوقِفُ الظُّلمَ ولا يُحرِّكُ الضمائرْ . لَعَنتُ كُلَّ كِلْمَةٍ لمْ تنطَلِـقْ من بعـدها مسيرهْ ولـمْ يخُطِّ الشعبُ في آثارِها مَصـيرهْ . لعنتُ كُلَّ شاعِـرْ ينامُ فوقَ الجُمَلِ النّديّـةِ الوثيرهْ وَشعبُهُ ينـامُ في المَقابِرْ . لعنتُ كلّ شاعِـرْ يستلهِمُ الدّمعـةَ خمـراً والأسـى صَبابَـةً والموتَ قُشْعَريـرهْ . لعنتُ كلّ شاعِـرْ يُغازِلُ الشّفاهَ والأثداءَ والضفائِرْ في زمَنِ الكلابِ والمخافِـرْ ولا يرى فوهَـةَ بُندُقيّـةٍ حينَ يرى الشِّفاهَ مُستَجِيرهْ ! ولا يرى رُمّانـةً ناسِفـةً حينَ يرى الأثـداءَ مُستديرَهْ ! ولا يرى مِشنَقَةً حينَ يرى الضّفـيرهْ !

في زمَـنِ الآتينَ للحُكـمِ على دبّابـةٍ أجـيرهْ أو ناقَـةِ العشيرهْ لعنتُ كلّ شاعِـرٍ لا يقتـنى قنبلـةً كي يكتُبَ القصيـدَةَ الأخيرهْ


صنـدوق العجائب


فـي صِغَـري فَتَحْـتُ صُـندوقَ اللُّعَـبْ . أخْرَجـتُ كُرسيّاً موشّـى بالذّهَـبْ قامَـتْ عليـهِ دُميَـةٌ مِنَ الخَشَـبْ في يدِهـا سيفُ قَصَـبْ خَفَضـتُ رأسَ دُميَتي رَفعْتُ رأسَ دُمـيتي خَلَعتُهـا . نَصَبتُهـا . خَلعتُها .. نَصبتُها حـتّى شَعَرتُ بالتّعَـبْ فما اشتَكَـتْ مـن اختِلافِ رغبتي ولا أحسـّتْ بالغَضـبْ ! وَمثلُها الكُرسـيُّ تحتَ راحَـتي مُزَوّقٌ بالمجـدِ .. وهـوَ مُستَلَبْ . فإنْ نَصَبتـهُ انتصـبْ وإنْ قَلبتُـهُ انقَلَـبْ ! أمتَعني المشهـدُ، لكـنّ أبـي حينَ رأى المشهدَ خافَ واضطَرَبْ وخَبّـأَ اللعبـةَ في صُـندوقِها وشَـدَّ أُذْنـي .. وانسحَـبْ !

وَعِشتُ عُمـري غارِقـاً في دهشتي . وعنـدما كَبِرتُ أدركتُ السّببْ أدركتُ أنَّ لُعبتي قـدْ جسّـدَتْ كُلَّ سلاطينِ العـرَبْ


هـذه الأرضُ لنـا

قُـوتُ عِيالِنا هُنـا يُهـدِرُهُ جلالـةُ الحِمـارْ في صـالـةِ القِمـارْ . وكُلُّ حقّـهِ بـهِ أنَّ بعـيرَ جـدِّهِ قَـدْ مَـرّ قبـلَ غيرِهِ بِهـذِهِ الآبـارْ ! يا شُـرَفاءُ هـذهِ الآرضُ لَنـا. الزّرعُ فوقَهـا لَنـا والنِّفـطُ تحتَهـا لَنـا وكُلُّ ما فيها بماضيها وآتيها لنا . فما لَنا في البرْدِ لا نَلبسُ إلاّ عُرْيَنـا ؟ وما لَنـا في الجـوعِ لا نأكُلُ إلاَّ جوعَنـا ؟ وما لَنا نغرقُ وَسْـطَ القـارْ في هـذهِ الآبـارْ لكـي نصـوغَ فقرَنا دِفئاً، وزاداً، وغِـنى مِـنْ أجْـلِ أولادِ الزّنـى ؟