أحمد شوقي - صوت العظام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

هذه هي ثالث قصائد أحمد شوقي في هجاء أحمد عرابي. وقد نُشرت القصيدة في اللواء في العدد 600 بتاريخ 12 يناير 1902 بعنوان "صوت العظام أو عرابي أمام قتلى التل الكبير"، وأيضاً بدون توقيع، وتبين أنها لشوقي، إذ في تقديم جريدة اللواء للقصيدة ما يدل على ذلك إذ تقول"... فإن خير ما جادت به قرائح شعراء مصر والعرب والإسلام قصيدة أنشأها أبلغ البلغاء، ننشرها اليوم عبرة للمعتبرين وغير المعتبرين، وعظة عالية للوطنيين والمارقين، وبها نكتفي عن نشر ما كتبه إلينا صفوة أبناء القطر عن مسعى الذين يريدون رد رتب عرابي ونياشينه إليه. ويحملّون الأمة عاراً فوق عارها، ولبيه فوق بلاياها الكبار."

وقدد كرر شوقي في هذه القصيدة ما قاله في قصيدتيه السابقتين وزاد، ودافع عن البيت العلوي، وعن سياسة الخديوي توفيق.

وهي من بحر الوافر: مفاعلتن مفاعلتن مفاعل ...


صوت العِظام

عرابي كيف أوفيك الملاما *** جمعت على ملامتك المناما

فقف بالتل واستمع العظاما *** فإن لهــا كمــا لهمــو كلاما

سمعت من الورى جداً وهزلاً *** فأنًِْت إذ تَقولُ القولَ فَصـْلا

كأنَّك قاتِلٌ والحُكْم يُتـْلَى *** عليكَ وأنت تنتظرُ الحِماما1

ولاتأمل من الأموات عفواً *** وإن كان الحسين أباكَ دَعوَى

ارَقْتَ دماءهم لعباً ولهوا *** ولم تعرف لغاليها مقاما

دماءٌ قد فَدَتْكَ ولم تصنها *** نَفَضْتَ يديكَ يوم "التل" منها

فكيف تنام عين الله عنها *** إذا غفل الملا عنها وناما؟

لقد سُفِكَت بجهلك شَر سَفْكٍ *** لغير شهادةٍ أو رفْعِ مُلكِ2

وأنت على قديم العز تبكي *** وتندُبُ رتبة لك أو وساما3

تقول لك العظام مقال صدقِ *** ورب مقالةٍ من غـير نُطـْقِ

قتلت المسلمين بغير حقٍّ *** وضيعت الأمانة والذماما

تقولُ: لقد بَقيتَ وما بقينا *** ثبتنا للعِدا حتى فَنينا


وغرك من أبي العباس حـِلمُ *** ولما يكتمل في الحكم عاماأ

وقفت له وما ظلم الأميـرُ *** ولم يكن اطمأن به السرير

فجل الخطب واضطربت أمورُ *** عَييت بأن تكون لها نِظاما

تقول مقالةً فيها اعتبارُ *** عشية حال بينكما الفـِـرار

أموت ٌ يا عرابي ثم عارُ *** يلازمنا بقائدنا لِزامــا؟

رمانا بالجـَبانة كلُّ شعبِ *** وسبـَّتنا الخلائق أيَّ سـبِّ

لأجلك حين لم تخرج لحرب *** ولا جرَّدتَ في الهيجا حسـامـا

وقيل: زعيمُهُم ولى الفِرارا *** وفي "بلبيس" قد ساقَ القِطارا

وخـَلَّفَ جيشه فوضى حيارى *** وقد بلغَ العِدا فيهم مَرامــا

نـُسائلُ عن عرابي لا نراهُ *** وننشد حامياً خَلَّى حمــاهُ

ركبنا الموتَ لم نركب سِواهُ *** وأنت رَكِبتَ للعارِ الظلامـا

رويداً يا شعوب الأرض مهلا *** فما كنا لهذا اللوم ِ أهــلا

أراكُمْ واحدٌ جبناً وجهلا *** فأنساكم مواقفنا العِظامــا

سلوا تاريخنا وسلوا "عليَّ" *** ألم يملأ بنا الدنيا دويـّا؟

لقد عاش الأمير بنا قويا *** وعشنا تحت رايته كرامــا

يـَعُزُّ بنا ويقهر من يشاءُ *** كأنا تحت رايته القَضــاءُ

لنا في ظلها وله عـَلاءُ *** ومجدٌ يملأ الدنيا ابتسامــا

ألم نكْفِ الحجاز عَوان حرب ِ *** وأنقذناه من حرب ٍوكرب ِ

فكنا للمهيمن خير حزْب ِ *** أجرنا الدين والبيت الحرامــا

سـَلوهُ وأهلَهُ أيامَ ثاروا *** ألم نقبض عليه وهو نارُ؟

وكان الدينُ ليسَ لهُ قرارُ *** فثبـَّتناهُ يومئذٍ دِعامــا

ألم نك خلف "إبراهيم" لما *** رَقى بجواده الأبراج شمـّـا؟

وكبَّر يوم "مورة" ثم سمّى *** فكنا الصفَّ إذ كان الإماما

وفي اليونان أحسنا البلاءَ *** وهز المسلمون بنا اللــواءَ

وقدمنا بوارجنا فِداءَ *** على الأمواج تضطرم اضطرامــا

وفي البلغار صـُلنا ثم صُلنا *** وطاولنا الجبال بها فَطُلنـا

وسَل عن بأسِنا سودانَ مِصـْـرا *** فعبد اللهِ والمهديُّ أدرى

بأنا الأسد إقداماً وأجرا *** إذا اصطدم الفريقان اصطداما

وفي المسكوف شـِدنا ذِكْرَ مـِصـْرا *** على قتلى بها مِنـّا وأسـْرى

بَلَغنا نحن والأتراك عُذرا *** وأرضَينا المهيمنَ والإمامـــا

وكان لنا بلاءٌ في "كريــدِ" *** بيومٍ ثائرِ الهيجا شديــد

أذبناها وكانت من حديد *** وأطفأنا لثورتها ضرامــا

رفعنا المُلك بالمهج الغوالي *** تسيل على القواضب والعوالي

وبالأذكار لم نحي الليالي *** ولا بتنا على الضيم نيامــا

تقول لك العظام: دع الأماني *** ولا تحفِل بسيفٍ غير قان ِ

وليس بذي الفقار ولا اليماني *** ولا المقهورِ رَفْعاً واستلاما

أراح الله منك حديدتيه *** وأنسى الناس ما عَلِموا عليه

وأنت تنبه الدنيا إليهِ *** وتفتأ تَذكُرُ العار الجـُساما

أما والله ما لُعَبُ الصِّغار *** ولا خشبٌ يُقَلِّدُ في "الحواري"4

لقد ضاع الفَخار على "الخفيـر" *** وضاعت عنده نِعَم الأميـــر

أمن تحت السلاح إلى الوزير ِ *** يُسَمى السيد البطل الهُماما؟5



هامش

(أ) - أبو العباس: الخديوي توفيق، وكانت الثورة العرابية في عهده. وكان قد تولى الحكم عام 1879 خلفاً لوالده إسماعيل الذي تم عزله ونفيه.

(1) - الحِمام: الموت.

(2) - شهادة: يعني الاستشهاد في سبيل الله والوطن.

(3) - يشير إلى مطالبة عرابي بإعادة نياشينه ورتبه إليه.

(4) - الحواري: المراد العرائس والتماثيل الخشبية التي يلعب بها الصبيان في الحارات.

(5) - إشارة إلى أن عرابي لم يتلق غير قدر ضئيل من التعليم.